في ذات يوم دعاه أبوه ليذهب ويفتقد سلامة إخوته الذين كانوا يرعون عند شكيم. وكان الطبيعي لهذا الابن المطيع الذي يحب أباه، إزاء كل ما عمله أبوه معه، أن يقول له: هأنذا، على الرغم من مشاعر إخوته البغيضة نحوه. ذهب ليحقِّق رغبة أبيه مهما كانت الكلفة والتضحية. انطلق بكل نشاط القلب في طريقه مدفوعًا بالمحبة الشديدة لأبيه، وأيضًا لإخوته، دون أن ينتظر منهم شيئًا. حمل لهم الطعام، ورسالة الحب والاهتمام. لم يكن يعلم ما تحمله الأيام له، ولا ما سيصادفه في الطريق، ولا كان يعقوب يعلم أنه سيغادر البيت، ولن يعود إلى هناك مرة أخرى. لم يعبأ بشيء ولم تكن نفسه ثمينة عنده. كان يفكر في شيء واحد هو أن يعمل مشيئة أبيه ويحقّق مسرّته. وصل إلى شكيم، لكنه لم يجد إخوته هناك. وكان من الممكن أن يعود وقد فعل ما كُلف به، لكنه مضى أبعد من شكيم ووجدهم في دوثان. فرح إذ رآهم لكي يتمم المهمة على أكمل وجه. أما هم «فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ مِنْ بَعِيدٍ ... قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: هُوَذَا هَذَا صَاحِبُ الأَحْلاَمِ قَادِمٌ. فَالآنَ هَلُمَّ نَقْتُلْهُ وَنَطْرَحْهُ فِي إِحْدَى الآبَارِ وَنَقُولُ: وَحْشٌ رَدِيءٌ أَكَلَهُ. فَنَرَى مَاذَا تَكُونُ أَحْلاَمُهُ» (تك37: 18-20). حاول رأوبين أن ينقذه من أيدهم فاقترح أن يطرحوه في البئر ولا يسفكوا دمه. فكان لما جاء إليهم أنهم خلعوا عنه قميصه الملون، وأخذوه وطرحوه في البئر، وكانت فارغة ليس فيها ماء. ثم جلسوا ليأكلوا طعامًا. لقد عاملوه بقسوة ووحشية وهو الرقيق. تحجَّرت عواطفهم وهم يسمعون صوت بكائه وتوسلاته لما استرحمهم ولم يسمعوا له. كان ثقيلاً على نفسيته أن يحدث ذلك من إخوته وليس من أشرار غرباء في دوثان. رفعوا عيونهم فرأوا قافلة إسماعيليين مقبلة، ونازلة إلى مصر «فَقَالَ يَهُوذَا لإِخْوَتِهِ: مَا الْفَائِدَةُ أَنْ نَقْتُلَ أَخَانَا وَنُخْفِيَ دَمَهُ؟ تَعَالُوا فَنَبِيعَهُ لِلإِسْمَاعِيلِيِّينَ». فسحبوا يوسف وأصعدوه من البئر، وباعوه بعشرين من الفضة. لقد بيع يوسف عبدًا، آذوا بالقيد رجليه، وفي الحديد دخلت نفسه. تعرَّض لأقسى صور الإيذاء النفسي والجسدي، وحدث كل هذا وهو ابن سبع عشرة سنة.