![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() التَّجَسُّدُ "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فَسَكَنَ بَينَنا" الأَنبِياءُ حَمَلُوا كَلِماتِ اللهِ، أَمَّا "الكَلِمَةُ" الَّذي كانَ في البَدءِ، فَقَد تَجَسَّدَ وَصارَ إِنساناً، وَدَخَلَ في الزَّمَنِ لِيَجعَلَ مِنَ البَشَرِ أَبناءَ اللهِ. فِي هَذا السِّياقِ، يَقُولُ صاحِبُ الرِّسالَةِ إِلى العِبرانيِّين: "إِنَّ اللهَ، بَعدَما كَلَّمَ الآباءَ قَدِيمًا بِالأَنبِياءِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً بِوُجوهٍ كَثِيرَةً، كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّامِ هَذِهِ بِابْنٍ جَعَلَهُ وارِثاً لِكُلِّ شَيءٍ، وَبِهِ أَنشَأَ العَالَمِين. هُوَ شُعاعُ مَجْدِهِ، وَصُورَةُ جَوهَرِهِ، يَحفَظُ كُلَّ شَيءٍ بِقُوَّةِ كَلِمَتِهِ" (عِبرانيِّين 1: 1-3). لَم يَكُن المَسِيحُ إِنساناً تَأَلَّهَ، بَل كانَ إِلهاً تَأَنَّسَ. قَبلَ تَجَسُّدِهِ، كانَ ابنَ اللهِ، "كَلِمَةَ" اللهِ. بَعدَ تَجَسُّدِهِ، أَصْبَحَ ابنَ الإِنسانِ، أَي ابنَ مَريَم. بَعدَ تَجَسُّدِهِ، هُوَ ابنُ اللهِ وابنُ الإِنسانِ مَعاً. يُعَلِّقُ القَدِّيسُ البابا لاوُن الكَبِير قائِلاً: "رَفَعَ البَشَرِيَّةَ بِدُونِ أَن يُحِطَّ مِن قِيمَةِ الأُلُوهِيَّةِ. مِن خِلالِ تَجرُّدِهِ مِن ذاتِهِ (فِيلِبِّي 2: 7)، ذَاكَ الَّذي كانَ غَيرَ مَنظُورٍ أَصبَحَ مَنظُوراً، لَكِنَّ هَذا كُلَّهُ كانَ تَنازُلاً لِرَحمَتِهِ، لا خَسارَةً لِقُوَّتِهِ" (الرِّسالَةُ 28 إِلى فلافِيَانُس). المَسِيحُ نَفسُهُ الَّذي هُوَ إِلَهٌ حَقٌّ، هُوَ أَيضاً إِنسانٌ حَقٌّ: إِلَهٌ حَقٌّ لِأَنَّهُ "في البَدءِ كانَ الكَلِمَةُ، والكَلِمَةُ كانَ لَدى اللهِ، والكَلِمَةُ هُوَ اللهُ" (يُوحَنَّا 1: 1). إِنسانٌ حَقٌّ لِأَنَّ "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فَسَكَنَ بَينَنا" (يُوحَنَّا 1: 14). المَسِيحُ كانَ إِلَهاً كامِلاً وَإِنساناً كامِلاً، ذَا طَبِيعَتَينِ إِلهِيَّةٍ وَإِنسَانِيَّةٍ في أَقنُومٍ واحِدٍ. اتِّخاذُهُ النَّاسُوتَ لَم يَنزِعْ مِنهُ الأُلُوهِيَّةَ، بَل أَخفَى عَلاماتِ الأُلُوهِيَّةِ إِلَّا عِندَ المُعجِزاتِ لِيُثبِتَ رِسالَتَهُ. اِتِّحادُ الطَّبِيعَتَينِ جَعَلَ لِآلامِهِ مِن أَجلِ البَشَرِ قِيمَةً لا حَدَّ لَها. بِناءً عَلى عَقِيدَةِ سِرِّ التَّجَسُّدِ، أَعلَنَتِ الكَنِيسَةُ أَنَّ يَسُوعَ المَسِيحَ هُوَ إِلَهٌ حَقٌّ وَإِنسانٌ حَقٌّ. التَّعليمُ المَسيحِيُّ لِلكَنِيسَةِ الكاثُولِيكِيَّةِ يَقولُ: "بِالتَّجَسُّدِ صارَ يَسُوعُ إِنساناً حَقّاً، وَبَقِيَ إِلَهاً حَقّاً" (بَند 463). هُوَ إِلَهٌ حَقٌّ، ابنُ اللهِ بِالطَّبِيعَةِ، لا بِالتَّبَنِّي. هُوَ "مَولُودٌ لا مَخلُوقٌ، وَهُوَ وَالأَبُ جَوهَرٌ واحِدٌ" (بَند 465)، ضِدَّ هَرطَقَةِ أَرِيُوس. مَريَمُ أَصبَحَت والِدَةَ الإِلَهِ، بِالحَبَلِ البَشَرِيِّ بِابنِ اللهِ في أَحشائِها، كَما جاءَ في مَجمَعِ أَفسُسَ: "والِدَةُ الإِلَهِ، لا لِكَوْنِ كَلِمَةِ اللهِ اتَّخَذَ مِنها طَبيعَتَهُ الإِلُوهِيَّةَ، وَلَكِن لِكَوْنِهِ اتَّخَذَ مِنها الجَسَدَ المُقَدَّسَ، مَقرُوناً بِنَفسٍ عاقِلَةٍ، وَالَّذي اِتَّحَدَ بِهِ الكَلِمَةُ شَخصِيّاً". اعْتَرَفَتِ الكَنِيسَةُ أَنَّهُ: "لَيسَ هُناكَ إِلَّا شَخصٌ واحِدٌ، هُوَ سَيِّدُنا يَسُوعُ المَسِيحُ، الأَقنُومُ الثَّانِي مِنَ الثَّالُوثِ. كُلُّ ما في ناسُوتِ المَسِيحِ يَجِبُ أَن يُنسَبَ إِلى الشَّخصِ الإِلَهِيِّ، عَلى أَنَّهُ مِن عَمَلِهِ الخاصِّ، لَيسَ المُعجِزاتُ وَحَسْبُ، وَلَكِن الآلامُ أَيضاً، وَحَتَّى المَوتُ." وَيُعَلِّقُ القَدِّيسُ يُوحَنَّا الذَّهَبِيُّ الفَمِ قائِلاً: "يا كَلِمَةَ اللهِ، الابنَ الوَحيدَ، الَّذي لا يَمُوتُ، لَقَد رَضِيتَ مِن أَجلِ خَلاصِنا أَن تَتَجَسَّدَ مِن والِدَةِ الإِلَهِ القِدِّيسَةِ مَريَمَ الدَّائِمَةِ البَتُولِيَّةِ، فَتَأَنَّستَ بِغَيرِ استِحالَةٍ، وَصُلِبتَ أَيُّها المَسِيحُ الإِلَهُ، أَنتَ أَحَدُ الثَّالُوثِ القُدُّوسِ، المُمَجَّدُ مَعَ الآبِ وَالرُّوحِ القُدُسِ" (نَشِيدُ "يا كَلِمَةَ الله"). الطَّرِيقَةُ الَّتِي صارَ بِهَا الكَلِمَةُ بَشَراً، هِيَ أَنَّهُ وُلِدَ مِن مَريَمَ العَذراءِ، إِذ هي حَبِلَت بِهِ بِطَرِيقٍ غَيرِ عَادِيَّةٍ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ. ولَم يَختَلِفْ يَسُوعُ عَنِ البَشَرِ شَيئاً، سِوَى أَنَّهُ كانَ بِلا خَطِيئَةٍ، كَما جاءَ في تَعليمِ بولُسَ الرَّسُولِ: "ذاكَ الَّذي لَم يَعرِفِ الخَطِيئَةَ" (2 قورنتس 5: 21). وَفِي مَوضِعٍ آخَرَ يَقُولُ الكِتابُ المُقَدَّسُ: "لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثلَنا، ما عَدا الخَطِيئَةَ" (عِبرانيِّين 4: 15). بِوِلادَةِ يَسُوعَ، صارَ الإِلَهُ بَشَراً، وَهُوَ لَم يَكُن جُزئِيّاً إِنساناً وَجُزئِيّاً إِلَهاً، بَل هُوَ إِلَهٌ كامِلٌ وَإِنسانٌ كامِلٌ، كَما يُؤَكِّدُ بولُسُ الرَّسُولُ: "فِيهِ يَحِلُّ جَميعُ كَمالِ الأُلوهِيَّةِ حُلولاً جَسَدِيًّا" (قُولُسِّي 2: 9). فَيَسُوعُ لَم يُوجَدْ فَقَط عِندَما وُلِدَ، لِأَنَّهُ أَزَلِيُّ الوُجُودِ. بِمِيلادِهِ، يُعَبِّرُ يَسُوعُ، كَلِمَةُ اللهِ المُتَجَسِّدُ، عَن ظُهُورِ اللهِ السَّامِي فِي قَلبِ البَشَرِيَّةِ. يُعَلِّقُ القَدِّيسُ أُوغُسطِينُوس قائِلاً: "إِنَّنا لا نَقدِرُ أَن نُشاهِدَ المَولُودَ مِن الآبِ قَبلَ النُّورِ. فَلْنَتَأَمَّلْ فِي المَولُودِ مِنَ البَتُولِ فِي سَاعاتِ اللَّيلِ. إِنَّنا لا نُدرِكُ "مَن قَبْلَ الشَّمسِ اسمُهُ دائمٌ" (مَزمُور 71: 17)، فَلْنَنظُرْ إِلى خَيمَتِهِ الَّتِي ضَرَبَهَا فِي نُورِ الشَّمسِ. إِنَّنا لا نَقدِرُ أَن نَرى الابنَ الوَحيدَ المُقِيمَ فِي الآبِ، فَلْنُشاهِدْ مِذوَدَ رَبِّنا يَسُوعَ المَسِيحِ" (العِظَةُ 194، 3-4). الكَلِمَةُ المُتَجَسِّدُ هُوَ الآنَ مَسِيحُ التَّارِيخِ بِذَاتِهِ، حَيثُ اتَّخَذَ لِنَفسِهِ جَسَداً بَشَرِيًّا حَقِيقِيّاً، وَلَيسَ جَسَداً ظَاهِرِيّاً فَقَط، كَما تَدَّعِي البِدعَةُ الظَّاهِرِيَّةُ (دُوسِيتِيَّة)، الَّتِي أَنكرَت وَاقِعَ التَّجَسُّدِ. إِنَّهُ سَكَنَ وَسَطَ البَشَرِ، وَأَمَّا جَلالُهُ الإِلَهِيُّ وَقُوَّتُهُ، فَقَد أَصبَحَا مَحجُوبَيْنِ فِي جَسَدٍ. وَقَد أَدَّى يُوحَنَّا المَعمَدانُ شَهادَةَ شَاهِدِ عَيَانٍ عَن مَجدِ هَذا "الكَلِمَةِ" المُتَجَسِّدِ، خَاصَّةً عِندَ اِعتِمَادِ يَسُوعَ عَلَى يَدِهِ فِي الأُردُنِّ (مَتَّى 3: 13-17). وَهَكَذا لَم يَعُدِ اللهُ مَخفِيّاً، بَل أَصبَحَ الآنَ مَعرُوفاً عَن طَرِيقِ تَجَسُّدِ ابنِهِ، الَّذِي هُوَ نُورُ العَالَمِ. فَيَسُوعُ المَسِيحُ هُوَ التَّفسِيرُ الكَامِلُ لِلهِ. مِن هُنا، يَبدَأُ يُوحَنَّا إِنجِيلَهُ، وَيَختِتِمُهُ، مُعلِناً أَنَّ الكَلِمَةَ المُتَجَسِّدَ، يَسُوعَ المَسِيحَ، هُوَ اللهُ. فِي بِدءِ إِنجِيلِهِ، يُعلِنُ أَنَّ "الكَلِمَةُ هُوَ اللهُ" (يُوحَنَّا 1: 1)، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ فِي آخِرِ إِنجِيلِهِ بِشَهادَةِ تُومَا، أَحَدِ الاثنَي عَشَرَ رَسُولاً، بِقَولِهِ: "رَبِّي وَإِلَهِي!" (يُوحَنَّا 20: 28). وَهَكَذا، تُلَخِّصُ هَاتَانِ العِبارَتَانِ إِنجِيلَ يُوحَنَّا |
|