* يقول: "الظلمة لم تدركه"، إذ من المستحيل أن يوجد المسيح مقهورًا، ولا يمكن أن يسكن في النفوس التي لا تريد أن تستنير. لكن لا تضطربوا إن النور لا يضم الكل، فإنه لا يحل بالقسر والإلزام بل برضى الشخص وقبوله يحضرنا الله إليه. لا تغلقوا أبوابكم في وجه هذا النور، فتتمتعون بسعادة عظيمة. لكن هذا النور يحل بالإيمان. وإذ يحل ينير بفيضٍ على من يقبله. وإن سلكتم الحياة الطاهرة اللائقة بالنور يبقي ساكنًا في الداخل بلا توقف، إذ يقول: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي وإليه نأتي أنا وأبي، وعنده نصنع منزلًا" (راجع يو 14: 23).
وكما إن الشخص لا يقدر أن يتمتع بنور الشمس ما لم يفتح عينيه، هكذا لا يقدر أحد أن يشترك في هذا النور الأبدي ما لم يفتح عين نفسه ويجعلها حاذقة البصر بكل وسيلة.
كيف يحدث هذا؟ عندما تتطهر النفس من كل الأهواء. فإن الخطية ظلمة، وظلمة عميقة، كما هو واضح من أن الناس يمارسونها لا شعوريًا وخفية. "لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور، لئلا توبخ أعماله" (يو 3: 20) "لأن الأمور الحادثة منهم سرًا ذكرها أيضًا قبيح" (أف 5: 12). وكما أنه في الظلمة لا يعرف الشخص صديقًا ولا عدوًا، ولا يقدر أن يدرك أية سمة من سمات الأشياء، هكذا أيضًا في الخطية. فالذي يطمع في ربح أكثر لا يميز بين صديقٍ وعدوٍ، والحاسد يحمل عداوة حتى لمن هو ملتصق به جدًا. وواضع المكائد دومًا في صراع مع الكل على السواء..
في اختصار من يرتكب الخطية ليس بأفضل من السكارى والمجانين. وكما أنه بالليل يبدو لنا الخشب والقصدير والحديد والفضة والذهب والحجارة الكريمة متشابهة بسبب غياب النور الذي به نميز بينهم، هكذا من يسلك حياة فاسدة لا يميز سمو ضبط النفس ولا جمال الفلسفة (الحكمة).
القديس يوحنا الذهبي الفم