هذا هو المزمور الأخير من المجموعة الرابعة من مزامير المصاعد التي تمثل سفر العدد. فإن كان سفر العدد قد خُتم بالتهيئة لدخول أرض الموعد، فإن المرتل يشعر أنه يتمتع بأرض الموعد لا من أجل برِّه ولا قدراته وإمكانياته، إنما كهبةٍ يقدمها الله كأبٍ لابنه الطفل الفطيم.
هذا وإن كانت الرحلة في البرية تمثل الصلب مع السيد المسيح، وقد رأينا في المزمور 129 الدعوة للصلب مع المسيح، وفي المزمور 130 بالصليب ينفتح لنا باب الرجاء وننعم ببهجة القيامة وقوتها، ففي هذا المزمور نرى المرتل وقد أدرك أنه بالفرح بالصليب ينعم بالنضوج والنمو المستمر.
يكشف هذا المزمور الصغير عن روح التواضع الذي اتسم به داود النبي، الذي قلبه مثل قلب الله.
يرى البعض أن هذا المزمور جاء كرد فعل لتصرف ميكال ابنة شاول حين رقص أمام تابوت العهد. قالت: "ما كان أكرم ملك إسرائيل اليوم حيث تكشف اليوم في أعين إماء عبيده كما يتكشف أحد السفهاء" (2 صم 6: 20). جاءت إجابته له: "إني أتصاغر دون ذلك، وأكون وضيعا في عيني نفسي، وأما عند الإماء التي ذكرت فأتمجد" (2 صم 6: 22).
جاء هذا المزمور يقاوم تشامخ أصحاب السلاطين، فقد قيل للكاروب الساقط: "قد ارتفع قلبك لبهجتك، أفسدت حكمتك لأجل بهائك، سأطرحك إلي الأرض" (حز 28: 16-17) "مكرهة الرب كل متشامخ القلب، يدا ليد لا يتبرأ" (أم 16: 5).
إن كان آدم وحواء قد طمحا أن يصيرا كالله (3: 5) وذلك بروح الكبرياء، فإن المرتل داود اشتهي أن يكون كالفطيم على صدر الله. اشتهى أن يكون كل شعب الله أو كنيسته كالرضع الصغار يتكئون على الله ويثقون فيه، متشبهين بداود نفسه.