الحل البسيط والعظيم

[Mary Naeem]

في يومٍ مظلم من أيام التاريخ الأمريكي، وتحديدًا في 18 مارس 1937، تحوّلت مدرسة صغيرة في بلدة نيو لندن – تكساس إلى مسرح لكارثة ستظل محفورة في ذاكرة الإنسانية.
كان الطلاب في فصولهم، والابتسامة تملأ وجوههم ببراءة الطفولة، بينما المدرسون يستعدون لإنهاء اليوم الدراسي.
لكن ما لم يكن يدركه أحد، أن غازًا بلا رائحة كان يتسرّب بهدوء داخل جدران المدرسة، دون أن يلحظ أي إنسان الخطر القادم.
في لحظة واحدة، هزّ انفجار هائل المكان، حوّل المبنى إلى أنقاض، وأظلمت السماء من غبار الدمار. صرخات الأطفال امتزجت بصوت الحديد المتساقط، وخلال دقائق معدودة فقدت الولايات المتحدة ما يقرب من 300 روح بريئة من طلاب ومدرسين.
كان مشهدًا يفطر القلوب؛ آباء يركضون بين الحطام يبحثون عن أبنائهم، أمهات يصرخن بأسماء أطفالهن، وعالمٌ بأسره يتوقف مذهولًا أمام مأساة لم يكن يتخيلها.
لكن كما يحدث أحيانًا، من رحم المعاناة تولد الشرارة التي تغيّر العالم.
فقد أدرك العلماء والمهندسون أن الغاز الطبيعي في صورته النقية بلا رائحة، وهذا ما جعل الكارثة ممكنة. ومن هنا جاءت الفكرة: لماذا لا نضيف إليه مادة كيميائية ذات رائحة قوية جدًا، بحيث يستطيع أي إنسان أن يكتشف التسرب بمجرد أن يشم الهواء؟
هكذا وُلد الحل البسيط والعظيم في آنٍ واحد: إضافة الميركابتان – وهو مركب ذو رائحة نفاذة تشبه البيض الفاسد – إلى الغاز الطبيعي.
لم يكن الهدف ربحًا ولا شهرة، بل حماية الأرواح ومنع تكرار الفاجعة.
ومنذ ذلك الحين أصبح هذا الإجراء معيارًا عالميًا، فكل منزل، وكل مبنى، وكل مؤسسة في العالم باتت محمية بفضل تلك الرائحة المميزة التي تنذر بالخطر قبل أن يفوت الأوان.
لقد أنقذت هذه الخطوة البسيطة حياة ملايين البشر حتى يومنا هذا. إنها القصة التي تُذكرنا بأن الابتكار لا يولد دائمًا في المعامل الهادئة، بل أحيانًا يولد من بين الدموع والرماد، حين تجبرنا المآسي على أن نجد طريقًا يجعل العالم أكثر أمانًا.