في قلب ولاية كنتاكي عام 1809، عاشت امرأة اسمها جين تود كراوفورد، في منتصف الأربعينيات من عمرها، أمًا لخمسة أطفال، حياةً مليئة بالتعب والخوف. كانت تعتقد أنها حامل بطفل آخر، وربما توأم، لكنها تجاوزت موعد الولادة المفترض بكثير. القلق ينهشها، والأطباء من حولها عاجزون عن تفسير ما يحدث. وفي النهاية، أرسلوا في طلب الطبيب الشاب إفرام ماكدَوِل من مدينة دانفيل.
حين فحصها ماكدَوِل، اكتشف الحقيقة الصادمة: لم تكن جين حاملاً على الإطلاق، بل كانت تحمل في بطنها ورمًا مبيضيًا ضخمًا بحجم طفل صغير. آنذاك، لم يجرؤ أي طبيب في العالم على محاولة استئصال ورم مماثل، لأن الفكرة بحد ذاتها كانت مرادفة للحكم بالإعدام. لكن جين، التي كانت تتألم ليلًا ونهارًا، نظرت في عيني الطبيب وقالت بصلابة: "أنا مستعدة". لقد غلب الألم خوفها وتمسكت بالأمل الوحيد المتاح.
ما يجعل قصتها أكثر إعجازًا أنها لم تنتظر ماكدَوِل ليأتي إليها، بل ركبت على ظهر حصان من بيتها في "غرينسبورغ" وقطعت مسافة نحو 100 كيلومترًا عبر الطرق الوعرة، وهي تحمل في أحشائها ور*مًا ثقيلًا يساوي وزن طفل رضيع تقريبًا. رحلة كهذه في ذلك الزمن وعلى ظهر حصان كانت تستغرق عادةً يومين إلى ثلاثة أيام من السفر المتواصل. مجرد هذه الرحلة البطولية تستحق نصبًا تذكاريًا.
وفي صباح عيد الميلاد، تحوّل بيت الطبيب في دانفيل إلى أول غرفة عمليات بطنية في التاريخ. بلا تخدير ولا مطهرات، جلس ماكدَوِل أمام مغامرة طبية لم يسبقه إليها أحد. تخيّل المشهد: امرأة منهكة، خمس أطفال ينتظرونها في البيت، وطبيب يقف بين الموت والحياة. في عملية استغرقت 25 دقيقة فقط، نجح ماكدَوِل في إزالة الورم الذي بلغ وزنه أكثر من 10 كيلوغرامات.
المعجزة أن جين لم تنجُ فحسب، بل تعافت بشكل مذهل. بعد 25 يومًا غادرت منزل الطبيب، وعادت إلى أطفالها، لتعيش بعد ذلك 32 عامًا إضافية، شاهدة على أن الأمل يمكن أن يبعث من قلب الألم. أما ماكدَوِل، فقد سُطِّر اسمه في تاريخ الطب كـ أبو الجراحة البطنية، وصارت قصته مع جين كراوفورد مثالاً خالدًا على الشجاعة الإنسانية والإصرار.
إنها ليست مجرد عملية جراحية، بل قصة تحدٍ إنساني؛ امرأة آثرت أن تواجه المجهول لتبقى مع أطفالها، وطبيب خاطر بكل شيء ليصنع المعجزة. ومن بين الألم واليأس، وُلدت صفحة جديدة في تاريخ الطب، تثبت أن الإرادة أقوى من الخوف، وأن أعظم الانتصارات تولد دائمًا من قلب المستحيل.