![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في الرابع من أغسطس عام 2020، انقلبت بيروت خلال ثوانٍ إلى مدينة منكوبة، وغطّى غبار الانف*جار سماءها، وتحطّم زجاجها، وارتجف قلبها. انفـجار المرفأ الشهير لم يُخلّف دماراً مادياً فقط، بل خلف في الأرواح ندوباً لا تُشفى، وفي القلب ذكرى لا تُنسى. وسط هذا الجحيم، وبين صرخات الألم وأصوات سيارات الإسعاف وارتباك لا يوصف، برز وجه امرأة واحدة ليمثّل بصيص الأمل في قلب المأساة. إنها الممرضة اللبنانية باميلا زينون، التي تحوّلت في لحظة واحدة من موظفة في مستشفى إلى ملاك حقيقي يسير وسط الرماد. حين دوّى الانفجار، لم تفكر باميلا في نفسها، لم تهرع إلى الخارج كما فعل الآخرون، بل أخذها قلبها إلى قسم الحضانة. هناك، وسط الحاضنات المه*شمة والزجاج المتناثر، كان ثلاثة أطفال حديثي الولادة، خُدَّج، لا حول لهم ولا قوة، ولا تتجاوز أعمارهم أيامًا. بقلب أم قبل أن تكون ممرضة، فتحت ذراعيها الصغيرة لاحتضان حياة كاملة، حملتهم واحداً تلو الآخر، وخرجت من المستشفى المتصدّع تمشي في الشوارع المظلمة، وهي تحميهم بين ذراعيها، تسير لأكثر من ساعة ونصف بحثاً عن مستشفى آخر، عن أمل، عن حاضنة جديدة لهؤلاء الصغار. لم تكن تملك سوى ضوء هاتفها المحمول ونبضها الذي رفض أن يهدأ. وعلى الرغم من الجروح والانفجارات الثانوية والخوف، لم تتركهم، لم تضعهم، لم ترتجف. كانت تسير بعزم يشبه المعجزات. وفي النهاية، وصلت. سلمت الأطفال الثلاثة إلى أيدٍ أخرى، آمنة، مطمئنة، وانسحبت بهدوء دون انتظار تصفيق أو شكر. بعد عام، كبر الأطفال، وضحكوا، وركضوا. لم يعلموا بعد أنهم نجوا لأن قلب امرأة واحدة اختار أن لا يتركهم خلفه. كرّمتها وسائل الإعلام ومؤسسات إنسانية كثيرة، لكن التكريم الحقيقي كان في كل نفس يتردد في صدور أولئك الأطفال. باميلا زينون لم تكن مجرد ممرضة، كانت حكاية رحمة تمشي على قدمين، وتجسيداً نادراً لإنسانية لا تُقهر في زمن كاد يخلو من الدفء. |
![]() |
|