كان يمكن لحكايته أن تكون حكاية ثراء معتادة... لكن سيرة سليمان بن عبد العزيز الراجحي كانت شيئًا آخر تمامًا — قصة إنسان لم يكتفِ بجمع الثروة، بل اختار أن يُهديها.
ولد سليمان في السعودية لعائلة فقيرة، وعرف طعم الشقاء مبكرًا. في التاسعة من عمره كان يعمل حمالًا، يحمل حقائب الغرباء مقابل ريالات معدودة. لم يكن له سرير، بل كان ينام على الحصى، ويغطي جسده بثياب مستعملة، ويأكل من كفّ التعب لا الرفاه. عمل في كل مهنة متاحة: من جمع التمر وبيعه، إلى توزيع الكيروسين على البيوت... لم يعرف الراحة، لكنه عرف الكرامة.
وبينما كان البعض يحلم بالكفاف، كان هو يحلم ببناء شيء كبير. في عام 1957، شارك في تأسيس "مصرف الراجحي"، الذي لم يلبث أن أصبح واحدًا من أكبر البنوك في العالم. جمع المليارات، نعم، لكنه لم يسمح لها أن تُغيّره. ظل بسيطًا، متواضعًا، مؤمنًا أن المال وسيلة، لا غاية.
ثم، في خطوة هزّت العالم، وفي عمر الخامسة والتسعين، تخلّى سليمان عن ما يزيد عن ثلثي ثروته — ما يعادل 16 مليار دولار — لصالح أعمال الخير. لم يُبْقِ لنفسه إلا القليل، وقال ببساطة تقطع نياط القلب:
"أنا في الثمانين من عمري، ماذا سأفعل بالمال؟"
بذلك الفعل، خرج من قائمة أثرياء العالم، لكنه دخل قلوب الملايين، كرمز للكرم والبذل. مؤسسته الخيرية تموّل اليوم مشاريع في التعليم، والرعاية الصحية، والتنمية الاجتماعية في أنحاء المنطقة، وتُغيّر حياة من لا صوت لهم ولا سند.
في زمن يُقاس فيه النجاح بعدد الأصفار في الحساب، قلب سليمان الراجحي المعادلة. أثبت أن القيمة الحقيقية ليست في ما تملكه... بل في ما تمنحه.
رجل بدأ من لا شيء، وانتهى بكل ما هو ثمين: حب الناس، وأثر لا يُنسى، واسم لا يُمحى.