![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() طُوبَى لِكُلِّ مَنْ يَتَّقِي الرَّبَّ، وَيَسْلُكُ فِي طُرُقِهِ [1]. يصعب جدًا ترجمة كلمة "طوبى"، فإنها لا تعني مجرد: "يا لسعادة"، وإنما تعني تذوق عربون الحياة السماوية المطوَّبة، التي تقدم فرحًا داخليًا، وسلامًا فائقًا، لا يعتمد على عطايا أو إمكانيات زمنية، بل على الدخول في دائرة الأبدية. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن كلمة "مطوّب" فيها كل الكفاية، لأنها تمثل حالًا مستقرًا، أما العطايا الأخرى، أيا كانت من غنى أو كرامة أو كثرة الإنجاب الخ.، فجميعها يمكن أن تزول. من جانب آخر كان يوسف الشاب مطوبًا تحت كل الظروف، حينما بيع وصار غريبًا، كما صار عبدًا ثم سجينًا. هذه جميعها لم تفقد سمة الطوبى، إذ كان يتقي الله، يسلك في طرق الله. فلا يكفي الإيمان وحده دون مخافة الرب والسلوك في وصاياه. سمة أعضاء هذه الأسرة مخافة الرب أو ما ندعوه بالتقوى، وهي سمة تمس الأعماق الداخلية، حيث يدرك المؤمن بنوته لله، فيحمل نوعًا من مخافة الابن أو الابنة نحو الأب المحبوب جدًا. هذه المخافة تُترجم خلال السلوك العملي والطاعة للوصية الإلهية. علامة مخافة الرب أن يسلك المؤمن في طرق الرب. وكما قيل: "قفوا على الطرق، واسألوا عن السبل القديمة: أين هو الطريق الصالح وسيروا فيه" (إر 6:16) فمع كثرة الطرق أو السبل المستقيمة يحمل الكل روحًا واحدًا، فتدعى جميعها "الطريق الواحد الصالح" إذ هي إتحاد في المسيح "الطريق" الواحد. لكن المسيح الواحد وهو طريقنا للدخول إلى حضن الآب قدم طرقًا كثيرة للحياة معه، فيستطيع الإنسان التقي المتزوج أن يتمتع به، وأيضًا البتول. كما أن لكل مؤمنٍ موهبة خاصة، هذا في التعليم، وذاك في العطاء، وثالث في الصلوات الدائمة الخ. بقوله "كل" يرى المرتل بعين النبوة ما تحقق في العهد الجديد حيث انفتح باب الإيمان لكل الأمم، فالدعوة موجهة للجميع كي يقبلوا السيد المسيح واهب المخافة الربانية، وحاملنا في الطريق السماوي. بقوله "الكل" يفتح الباب لكل إنسانٍ، بغض النظر عن مركزه أو إمكانياته أو عمره أو ظروفه الاجتماعية. فالله محب كل البشر، يود أن يضم كل إنسانٍ إلى هذه الأسرة الممتدة من آدم إلى آخر الدهور. * الشخص الذي يخاف الله هو متحرر من هجمات الموجات العظيمة، ويستريح في هدوءٍ، في ميناءٍ آمنٍ، يحصد مكافآت التطويب الحقيقي. لهذا فإن الكاتب الملهم بوحي إلهي تجاهل كل هذه الأمور الأخرى ليعلن فقط أنه مطوّب. * لاحظوا أنه يبدأ هنا من حيث انتهى هناك (في المزمور السابق)، إذ يعلن أنهم مطوبون في هذه النقطة حيث لا يخزون، لأن الله حليف لهم، يقف في جانبهم، هكذا يبدأ هنا أيضًا بهذا بالقول: "طوبى لكل من يتقي (يخاف) الرب". مرة أخرى يضع ملاحظاته في تطبيقه العملي، مبتدأ بأن "الكل حسن". إن كنت عبدًا، سيدًا، فقيرًا، مقعدًا، أيا كان حالك، ليس شيء من هذه الظروف يحرمك من الطوباوية المُشار إليها. * كثيرون لهم إيمان حقيقي لكن حياتهم فاسدة، وهم بالأكثر بائسون أكثر من كل أحدٍ. * "يسلك في طرقه"... بهذا الطريق في الحقيقة يمكنه أن يرتفع إلى السماء، ويقتني المدينة الأم، ويرى الله نفسه قدر ما يمكن للإنسان أن يراه. هذه تدعى طُرق الله، لأن خلالها يمكن البلوغ إلى الله. لم يقل "طريق" بل "طرق" مظهرًا أنها كثيرة ومتنوعة. جعلها كثيرة بقصد أن يجعل اقترابنا سهلًا بطرق كثيرة عظيمة، أقصد أن البعض بارزون في البتولية، وآخرون في السمو في الحياة الزوجية، وآخرون يحتملون الترمل كزينة لهم، وآخرون يجردون أنفسهم من كل شيءٍ، وآخرون من نصف الأمور، وآخرون يسلكون حياة بلا لوم (عادية)، وآخرون بالتوبة، جعل هناك طرق كثيرة حتى يمكن السفر بسهولة... احتمل هذا كله بشكرٍ، فتحصد مكافأة عظيمة. القديس يوحنا الذهبي الفم * يلخص لنا الكتاب المقدس رغباتنا الحرة في درجات مختلفة من الكمال، حسب حالة كل ذهنٍ وقياسه، لأنه لا يُتوج كل البشر بتاجٍ موحد من الكمال، إذ ليس للكل نفس الفضيلة ولا نفس الهدف أو الغيرة. هكذا أشارت الكلمة الإلهية بطريق ما إلى درجات الكمال المختلفة وقياساته المتنوعة... طبقًا لهذا المبدأ يمدح الكتاب المقدس من يخاف الله قائلًا: "طوبى لكل مَن يتَّقى (يخاف) الرب، ويسلك في طرقهِ" (مز 1:128)، واعدًا إياهم بسعادة سماوية. ومع هذا يرجع فيقول: "لا خوفَ في المحبَّة، بل المحبَّة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج، لأن الخوف له عذاب، وأما من خاف فلم يتكمَّل في المحبَّة" (1 يو18:4). مرة أخرى بالرغم من أن عبادة الله بخوفٍ شيء عظيم وقد قيل: "اعبدوا الربَّ بخوفٍ" (مز 11:2)، و"طوبى لذلك العبد الذي إذا جاءَ سيّدهُ يجدهُ يفعل هكذا" (مت 46:24)، إلا أنه قيل للرسل: "لا أعود أسمّيكم عبيدًا، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيدهُ، لكني قد سمَّيتكم أحبَّاءَ، لأني أَعلمتكم بكلّ ما سمعتهُ من أبي" (يو 15:15). مرة أخرى يقول: "أنتم أحبَّائي إن فعلتم ما أوصيكم بهِ" (يو 14:15). ترون إذن أن هناك درجات مختلفة من الكمال، وأن الرب يدعونا من الأشياء السامية إلى الأسمى بطريقة تجعل ذاك الذي صار مطوبًا وكاملًا في مخافة الله يسير كما هو مكتوب من قوَّةٍ إلى قوَّةٍ (مز 7:84)، أي من كمالٍ إلى آخر. بمعنى أن يصعد بغيرة الروح من الخوف إلى الرجاء، وأخيرًا إلى المحبة التي هي آخر مرحلة. فهذا الذي كان "العبد الأمين الحكيم" (مت 45:24)، يبلغ إلى مرحلة الصداقة ثم التبني كابن. من ثم يمكن فهم كلامنا بالمعنى التالي: إننا لا نقول إن الخوف من العقوبة المنتظرة أو رجاء الجزاء المبارك الذي وعد به القديسين ليس بذي قيمة، لكن وإن كان هذا نافعًا، إذ يدفع أولئك الذين يتبعونها للتقدم خطوة مباركة، إلا أنه في المحبة ثقة كاملة وفرح دائم، تبعدهم عن خوف العبيد ورجاء الأجير إلى محبة الله، وتجعلهم أبناء وتنقلهم من كمالٍ إلى كمالٍ أعظم. الأب شيريمون كثيرًا ما يكرر القديس أغسطينوس في تفسيره لسفر المزامير، خاصة مزامير المصاعد أن المرتل تارة يستخدم صيغة الجمع وأخرى صيغة المفرد، وفي كلتا الحالتين يتحدث عن الكنيسة التي تضم الكثيرين، وفي نفس الوقت هي جسد واحد للرأس الواحد، ربنا يسوع. * عندما أتحدث عن المسيحيين بصيغة الجمع أنهم واحد في المسيح الواحد. أنتم كثيرون ومع ذلك أنتم واحد. نحن كثيرون، ولكننا نحن واحد... لأننا نلتصق بالواحد، كأعضاء له، وإذ رأسنا في السماء، يمكن لأعضائه أن تتبعه... ليتنا نحن جميعًا الملتصقون بجسد المسيح نسلك في طرق الرب. القديس أغسطينوس * كما أن مصباحًا يضيء حجرة مظلمة، هكذا مخافة الرب إذ تخترق قلب إنسان تنيره، معلِّمة إياه كل الفضائل ووصايا الله. أحد آباء البرية * خوف الرب يحث النفس على حفظ الوصايا، وعن طريق حفظ الوصايا يُشيد منزل النفس. * ليتنا نخاف الرب ونُشيد منازل لأنفسنا، حتى نجد مأوى في الشتاء حيث المطر والرعد، لأن من لا منزل له يعاني من مخاطرٍ عظيمةٍ في وقت الشتاء. الأب دوروثيؤس |
![]() |
|