"فالتفت إليه الرب (يهوه) وقال: اذهب بقوتك هذه وخلص إسرائيل من كف مديان، أما أرسلتك؟!" [14].
هنا يتحدث عن ملاك الرب أنه يهوه، الذي التفت إلى جدعون، فإذ أعلن جدعون غيرته ودخل مع الرب في حوار مفتوح استحق أن يكون موضوع التفاته، إذ يفرح الرب بقلب كهذا، فيلتفت ليستخدمه إناءً للبر. لقد سأله أن يذهب بقوته هذه، ربما يقصد بغيرته المقدسة، ولعله أراد توبيخه على اتكاله على قوته الشخصية... لكن الواضح من سياق الحديث أن الرب يدعوه للعمل، قائلًا: "أما أرسلتك؟!" وكأنه يقول: لا تخف مما أصابكم فإني أرسلك لأعمل بك كما عملت مع آبائك! وكما سبق فقال ليشوع: "أما أمرتك؟!" (يش 1: 9).
هنا يقف جدعون في اتضاع لا ليعتذر عن العمل وإنما ليغتصب العمل الإلهي بروح الاتضاع بقوله: "أسألك يا سيدي بماذا أخلص إسرائيل؟! ها عشيرتي هي الذلى في منسى وأنا الأصغر في بيت أبي" [15]. هنا يدعوه "سيدي" وبالعبرية "أدوناوي" אֲדֹנָי وهو لقب خاص بالله وحده، يعترف جدعون بمذلة عشيرته وبصغره هو شخصيًا. هذا هو منهج كل العاملين بالحق في دائرة الرب، إذ يشعرون بضعفهم مع ثقتهم بالله العامل فيهم يتمتعون بالقوة. فنرى موسى يقول: "من أنا حتى أذهب إلى فرعون، وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر؟!" (خر 3: 11)، فكانت إجابة الرب في الحال: [أنا أكون معك] (خر 3: 12). بنفس الروح يعلن إشعياء في بدء عمله النبوي: "ويل ليّ! إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين" (إش 6: 5)؛ وأيضًا يقول إرميا النبي: "آه يا سيد الرب، إني لا أعرف إن أتكلم لأني ولد" (أر 1: 6).