![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أيقونة صلب المسيح
أيقونة صلب المسيح التجسد والصلب والقيامة أهم ثلاثة حوادث في حياة الرب يسوع له المجد على الأرض وفي التاريخ الخلاصي. لهذا من الطبيعي أن يسارع الناس إلى تحديد تأريخ هذه الحوادث الخلاصية. في هذه الدراسة المختصرة سنناقش تاريخ الصلب: يوم الصلب وساعته، تاريخه من الشهر والسنة. هذه المناقشة تتناول تاريخ العشاء الأخير ومعناه، لأن تاريخ الصلب مرتبط بتاريخ العشاء الأخير. لقد وضعنا هذه الدراسة في الجزء الثالث من شرح متى بسبب ضيق المجال في الجزء الرابع. كان للعشاء الأخير للرب يسوع مع تلاميذه، قبل الصلب بساعات أهمية خاصة جداً. ففيه أسس الرب سرّ الشكر (أو الافخارستيا باليونانية) وهو السر الذي ستمارسه الكنيسة حتى يوم الملكوت. في هذا العشاء احتفل الرب يسوع بالفصح اليهودي احتفالاً خاصاً به من حيث التوقيت والشكل وألغاه ليؤسس في الوقت نفسه فصحه هو، الفصح المسيحي، الذي كان يسوع فيه هو الحمل الفصحي، حملاً إلهياً-بشرياً، حملاً قُدِّم مرة وإلى الأبد عن خطايا البشرية كلها، حملاً يملك قوة الأبدية، حملاً يُقدِّم هو هو نفسه إلى المؤمنين في كل قداس إلهي ليدفع إليهم طعاماً وشراباً روحيين، هما جسد المسيح الحق ودمه الحق، ليكونا للمتناولين منها حياة فيهم. بما أن خصائص العشاء الأخير الفصحية هي أساسية لتأريخ الصلب، لهذا سأستعرض باختصار هذه الخصائص قبل الحديث عن تاريخ الصلب. الخصائص الفصحية للعشاء الأخير: توجد خصائص فصحية واضحة في العشاء الأخير[1]. من هذه الخصائص باختصار: 1- حدث العشاء الأخير في أورشليم (مر 14: 13 وموازياته؛ يو 18: 1). كانت أورشليم مزدحمة جداً بالحجّاج أثناء موسم الفصح. كان عدد سكان أورشليم 25-30 ألف نسمة تقريباً. بينما يُقدَّر عدد الحجاج أثناء الفصح 85-135 ألف نسمة. لهذا قُدِّر عدد الناس الكلي أثناء موسم الفصح أكثر من 100,000 نسمة. كان يسوع يمضي ليلته في الأسبوع الأخير في بيت عنيا (مر 11: 11 وموازياته، 11: 19، 11: 27، مر 14: 3؛ لو 21: 37 و22: 39 وموازياته)، بينما تناول العشاء الأخير في أورشليم. لماذا غيّر يسوع عادته مساء الخميس وتناول العشا الأخير في المدينة المزدحمة؟ على الأرجح كي يحافظ على قاعدة الفصح القائلة أنه يجب تناول الفصح في أورشليم. 2- حدث ليلاً (1كو 11: 23؛ يو 13: 30؛ مر 14: 17؛ مت 26: 20). عادةً كانت توجد وجبتان: الأولى بين الساعة 10 و11 صباحاً، والثانية بعد الظهر. لهذا فتوقيت العشاء الأخير لا يتفق مع العادة الدارجة إلا إذا كان عشاءً فصحياً لأن الفصح وحده يمكن أن يؤكل ليلاً. 3- حدث مع الاثني عشر (مر 14: 17؛ مت 26: 20): كان عدد المشاركين في العشاء الأخير أثني عشر حتى يتفق مع قاعدة الفصح في أنه على الأقل عشرة اشخاص يجب أن يشاركوا فيه. 4- اتكئوا إلى المائدة (مر 14: 18؛ مت 26: 22؛ لو 22: 14؛ يو 3: 21 و23). في أيام يسوع كان الآكلون يجلسون في الوجبات العادية. بينما يتكأ الآكلون في مناسبات معينة مثل تناول وجبة في العراء (إطعام الجموع)، أو في حفلة (مر 12: 39 وموازياته؛ مر 14: 3 وموازياته؛ لو 7: 36-37 و49؛ 11: 37؛ 14: 15؛ يو 12: 2)، أو في عيد (مر 2: 15 وموازياته خاصة لو 5: 29)، أو في عيد ملكي (مر 6: 26 موازياته)، أو في زفاف (مت 22: 10-11؛ لو 14: 8 و10)، أو في عيد الملكوت (مت 8: 11؛ لو 13: 29). من غير الممكن ليسوع وتلاميذه أن يتكئوا إلى المائدة في العشاء الأخير ما لم يكن عشاءً فصحياً حيث يتكأ المشاركون دلالة على التحرر من العبودية (احتفالاً). 5- كسر الخبز (مر 14: 22؛ مت 26: 26). يسوع كسر الخبز خلال العشاء. من المعروف أن الوجبة تبدأ بكسر الخبز. إنما من غير المألوف هنا أن مر 14: 22 يذكر وجبة فيها كُسر الخبز بعد تقديم صحن (مر 14: 20). عادةً الفصح هو الوجبة الوحيدة في السنة التي يُقدم فيها صحن يسبق كسر الخبز. 6- شرب الخمر: يسوع وتلاميذه شربوا خمراً (مر 14: 23، و25 وموازياته). هذه ليست عادة شائعة قط لأن شرب الخمر يحدث فقط في المناسبات (الاحتفال بالضيوف، ختان، خطبة، العنصرة، عيد المظال). شرب الخمر في العشاء الأخير هو إشارة إلى أنه كان عشاءً فصحياً حيث كان على كل واحد أن يشرب من الخمر، على الاقل من أربعة كؤوس. 7- توكيل يهوذا بالتبرع للفقراء: بحسب يو 13: 29 افترض التلاميذ أن يسوع قد فوَّض يهوذا-الذي ترك العشاء ليلاً (يو 13: 26)- بإعطاء شيء للفقراء، و”كان ليلاً” (يو 13: 30). من الصعب الافتراض أن يسوع قد اعتاد على التصدّق للفقراء ليلاً إلا إذا كان العشاء الأخير عشاءً فصحياً حيث كان من المعتاد القيام بهذا. 8- اختتام العشاء الأخير بالتسبيح (مر 14: 26، مت 26: 30). التسبيح يخص العشاء الفصحي وهو مختلف عن الشكر في نهاية كل وجبة. 9- عدم العودة إلى بيت عنيا بعد العشاء: عاد يسوع إلى جبل الزيتون (مر 14: 26 وموازياته)، إلى بستان شرقي وادي قدرون (يو 18: 1)، ولم يعد إلى بيت عنيا مثلما فعل في الليالي السابقة. لماذا؟ لأنه يجب تمضية ليلة الفصح في أورشليم. وحتى يستطيع الناس الالتزام بهذه القاعدة تم توسيع حدود مدينة أورشليم لتشمل -أيام يسوع- بيت فاجي وبيت عنيا (بالإضافة إلى وادي قدرون والسفح الغربي لجبل الزيتون وبستان جثسيماني). 10- تفسير الخبز والخمر: فسّر يسوع معنى الخبز والخمر في العشاء الأخير رابطاً إياهما بآلامه. أي سبب وراء هذه الطريقة الغريبة لإعلان آلامه؟ إن تفسير عناصر الوجبة جزء راسخ من الطقس الفصحي. إذ يفسر ربّ العائلة عناصر الوجبة الفصحية (خاصة الحمل، الفطير، الأعشاب المرّة)[2]. أيضاً في تلمود أورشليم يوجد ذكر لتفسير مجازي للكؤوس الأربع. وبالإضافة إلى التفسير التاريخي للفطير يوجد تفسير أخروي (متعلِّق بالآخرة). ينعكس هذا التفسير الأخروي للفطير الموجود في 1كو 5: 7-8. هنا أعطى يسوع تفسيراً جديداً، تفسيره هو، لعناصر العشاء الأخير بطريقة جديدة تشير إلى ذبيحته وإلى كونه الحمل الفصحي. هكذا كان العشاء الأخير عشاءً فصحياً، كان يسوع فيه هو الحمل الفصحي، إذ قدم جسده ودمه للمؤمنين به لينالوا الخلاص. والأناجيل الإزائية فهمت هذا العشاء كعشاء فحصي كما سنرى لاحقاً. في هذا العشاء الأخير أو الفصحي أقام يسوع فصحه الخاص به، فصحاً جديداً، لكي يلغِ الفصح اليهودي. هكذا بدأ الرب بإقامة الفصح اليهودي، ومن ثم دشّن بالوقت نفسه فصحه الخاص الجديد حيث كان فيه يسوع هو الحمل الفصحي الذي قدم لحمه ودمه للمؤمنين به حياةً وخلاصاً للمتناولين منهما. مشهد العشاء الأخير هذا يذكرنا بمعمودية الرب في نهر الأردن، حيث بدأت المعمودية بإطار يهودي فأكملها المسيح وأنهاها إلى الأبد ليؤسِّس بالوقت نفسه المعمودية المسيحية التي فيها تنفتح السموات دائماً، بشكل غير منظور، وتحل نعمة الروح القدس على المعتمد باسم الثالوث القدوس. 1- يوم الصلب لا نجد صعوبة كبيرة في تحديد اليوم الذي صُلب فيه ربنا. يحدد مرقس 15: 42 اليوم الذي مات فيه يسوع أنه “ما قبل السبت”. وفي حين لم يذكر متى يوم السبت في الصلب إلا أنه يشير بوضوح إلى أن اليوم بعد موت يسوع (27: 62) هو السبت. وعندما ينتهي نأتي إلى أول يوم من الأسبوع (28: 1). وبعد دفن يسوع مباشرةً يقول لوقا 23: 54 إن السبت كان على وشك الانقضاء. أما يوحنا 19: 31 فيذكر الاستعدادات المأخوذة لئلا تبقى الأجساد على الصليب يوم السبت الآتي. لهذا يتفق الجميع بحسب الكتاب بأن يسوع قد صُلب ومات ودُفن يوم الجمعة، في فترة بعد الظهر منه. بالطبع الكنيسة الأرثوذكسية تؤمن أن يسوع قد صُلب يوم الجمعة، وتعكس هذا الإيمان وتحياه في الليتورجيا. 2- ساعة الصلب الأناجيل الإزائية (مرقس، متى ولوقا) تتفق على أن يسوع كان على الصليب بين الساعة السادسة (الثانية عشرة ظهراً) إلى الساعة التاسعة (الثالثة بعد الظهر). وأن الرب أسلم الروح نحو الساعة التاسعة. وتتفق أيضاً على أن الظلام قد غطى الأرض كلها بين الساعة السادسة والتاسعة[3]. أما إنجيل يوحنا فلا يذكر كثيراً مؤشرات زمنية وإنما يؤكد أن يسوع كان مثلاً أمام بيلاطس الساعة السادسة (الثانية عشر ظهراً) عندما حُكم عليه بالصلب (يو 19: 13-14). هذا بالطبع لا يتناقض مع الأناجيل الإزائية. تنشأ صعوبة هنا في مرقس عندما يذكر: “وكانت الساعة الثالثة فصلبوه” (مر 15: 25). هذه الإشارة الزمنية إلى الصلب المبكر لا تتفق مع الأناجيل الثلاثة الأُخرى. مرقس يذكر الساعة الثالثة (الصلب) فالسادسة (حلول الظلام) فالتاسعة (صراخ يسوع). متى ولوقا يأخذان الإشارتين الزمنيتين الأخيرتين ويهملان الأولى (الساعة الثالثة)، وبالتالي لا يعطيان انطباع مرقس بأن يسوع قد صُلِبَ باكراً (التاسعة صباحاً). وجدت عدة محاولات للتوفيق بين الأناجيل الأربعة إنما جميعها غير مرضية. ركزت هذه المحاولات على التوفيق بين إشارة مرقس (الصلب الساعة الثالثة) وبين إشارة يوحنا (مثول يسوع أمام بيلاطس الساعة السادسة). إما أن تكون هاتان الإشارتان الزمنيتان لاهوتيتين، وإما أن تكون إحداهما لاهوتية والأُخرى زمنية، إنما لا يمكن أن تكون كلتا الإشارتان زمنيتين. الإشارة الزمنية الوحيدة المشتركة في الأناجيل الأربعة في قصة الصلب هي الساعة السادسة (12 ظهراً). هذا يُرجِّح بأنها مأخوذة من تقليد ما قبل الأناجيل وقد استُعملت بصورة مختلفة من قبل الإنجيليين (بدء الظلام في الإزائية والحكم على يسوع بالصلب في يوحنا). أما إشارة مرقس من أن يسوع قد صُلِب في الساعة الثالثة (9 صباحاً) فهي مستبعدة كإشارة زمنية. مرقس نفسه يُلمِّح بأن يسوع لم يُصلب باكراً جداً (كما توحي الساعة الثالثة) عندما يذكر تعجب بيلاطس بأن يسوع قد مات سريعاً (مر 15: 44). سياق الروايات الإنجيلية متفق. إلا أن الآية 15: 25 من مرقس تشذّ على السياق. تذكر أن الصلب وقع في الساعة الثالثة، بينما يلتقي مرقس مع زملائه على انتشار الظلمة من الساعة السادسة حتى التاسعة. فهل قصد مرقس بها الاستعدادات في تقليد الكنيسة؟ ليتورجياً الكنيسة الأرثوذكسية تعتبر الساعة السادسة هي ساعة الصلب وتربطها باليوم السادس أو يوم الجمعة العظيم، مشيرة إلى المسيح قد خلق الإنسان (أو آدم) جديداً في اليوم السادس (يوم الجمعة العظيمة) وهو بعد على الصليب. نرتل في خدمة الساعة السادسة: “يا من في اليوم السادس وفي الساعة السادسة سَمَّرت على الصليب الخطيئة التي تجرأ عليها آدم في الفردوس. مزّق صق هفواتنا، أيها المسيح إلهنا، وخلصنا”. أيضاً تعتبر ليتورجيا الكنيسة الأرثوذكسية الساعة التاسعة هي ساعة موت يسوع بالجسد على الصليب وتنشد في خدمة الساعة التاسعة: “يا من ذاق الموت بالجسد في الساعة التاسعة لأجلنا، أمِت أهواء أجسادنا أيها المسيح الإله وخلِّصنا”. 3- شهر الصلب تحديد الشهر الذي صُلب فيه الرب يثير مشكلة لدى دراسة الكتاب المقدس. فالأناجيل الأربعة لم تحدد تاريخاً معيناً من الشهر عندما صُلب المسيح. إنما يمكننا أن نستنتج هذا التاريخ من الإشارات الإنجيلية إلى الفصح اليهودي. قبل الكلام عن تاريخ الشهر يجب الكلام عن عيد الفصح اليهودي أولاً. تحديد الفصح اليهودي: إن تأريخ الفصح اليهودي حسب النصوص الكتابية (خر 12: 1-2؛ لاو 23: 5-8؛ تثنية 23: 5؛ عدد 28: 16-25) مبني على رؤية بدر شهر نيسان[4]. عند الشفق الذي يُنهي 14 نيسان (أبيب العربي) ويبدأ معه 15 نيسان يُذبح الحمل الفصحي ويُرش دمه على عتبات المنازل. خلال هذا الشفق (الذي ينتمي إلى 15 نيسان) يُحمَّص الحمل ويؤكل بخبز فطير وأعشاب مرة. مع بداية 15 نيسان يبدأ ايضاً أسبوعٌ كاملٌ من عيد الفطير. قبل أيام يسوع بستمائة سنة تم دمج هذين العيدين معاً (الفصح والفطير) كفترة احتفالية واحدة. فكرة الدمج هذه مهمة لنا لفهم الإشارات الإنجيلية لعيدي الفصح والفطير كما سنرى. كان ذبح الحملان يتم في البداية من قبل رب العائلة، ثم صار مهمة الكهنة في هيكل أورشليم. وبسبب وجود آلاف الحملان في فترة الفصح كان الذبح يبدأ في أول فترة بعد الظهر يوم 14 نيسان، وربما قبل بدء الشفق بست ساعات، ومن ثم تؤكل الوجبة الفصحية مع بداية 15 نيسان. رئيس العائلة يترأس العشاء. حتى نفهم موقع الصلب من الفصح اليهودي يجب أن نُلِمَّ بطريقة ذكر فترة الفصح/الفطير، سواء في العهدين القديم والجديد أو في كتابات المؤرخيّن اليهوديين يوسيفوس وفيلون. ليست الإشارات إلى فترة الفصح دقيقة دائماً في تحديد اي يوم هو المقصود (14 أو 15 نيسان) لأن كلمة الفصح كانت تُستعمل للإشارة إلى العيد أو الذبح أو الوجبة الفصحية. فسفر اللاويين يقول: “في الشهر الأول في الرابع عشر من الشهر بين العشائين فصح للرب. وفي اليوم الخامس عشر من هذا الشهر عيد الفطير للرب” (لاو 23: 5-6). وسفر العدد 28: 16-17 واضح ودقيق أيضاً: “وفي الشهر الأول في الروم الرابع عشر من الشهر فصحٌ للرب؛ وفي اليوم الخامس عشر من هذا الشهر عيدٌ سبعة ايام يؤكل فطيرٌ”. أيضاً يؤكد يوسيفوس (تاريخ اليهود 3: 10: 5 رقم 248-249) أنه في 14 نيسان “نقدم ذبيحة تدعى فصحاً… في اليوم الخامس عشر يلي الفصح عيد الفطير”. أيضاً يتكلم فيلون (الشرائع الخاصة 2: 27-28؛ رقم 145-149، 150، 155) عن الفصح كحادث في 14 الشهر وعن عيد الفطير بأنه يبدأ في الخامس عشر من الشهر. من جهة أُخرى يبدو يوسيفوس غامضاً أحياناً إذ يقول: “عندما أتى عيد الفطير ذبحوا الفصح”[5]، و”عندما أتى يوم الفطير، في الرابع عشر من الشهر”[6]، بينما ذبح الفصح يتم قبل عيد الفطير، وعيد الفطير يبدأ في 15 لا 14 نيسان. نستنج من هنا أن الإشارات الزمنية إلى عيد الفصح أو إلى الوليمة الفصحية أو إلى عيد الفطير هي إشارات غير دقيقة زمنياً دائماً، ولا يمكن أن نبني عليها دائماً نظرية متماسكة من تسلسل الأحداث التاريخية بدون الأخذ بعين الاعتبار طريقة تدوين الكتبة لهذه الأحداث بطريقة غير دقيقة زمنياً، وأقرب إلى الأسلوب الشعبي المتداول، خاصةً إذا كان الكاتب غير مهتم بالناحية الزمنية قدر اهتمامه بالنواحي الأُخرى كما في الأناجيل مثلاً. في هذا الإطار غير الدقيق زمنياً ربما تنتمي إشارة مرقس 14: 12 “وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح”، لأن اليهود عملياً يذبحون الحمل في 14 نيسان (اليوم السابق للفصح)، أما في اليوم الأول من الفطير (عندما يأكلون الحمل) فهو 15 نيسان. أيضاً في متى 26: 17 “وفي أول ايام الفطير تقدم التلاميذ إلى يسوع قائلين له: اين تريد أن نعدّ لك لتأكل الفصح؟”. فالإشارة غير دقيقة زمنياً هنا لأن أول أيام الفطير يأتي بعد ذبح الفصح وأكله. من الواضح إذن أنه في القرن الأول الميلادي كان العيدان (الفصح والفطير) مندمجين لدرجة لم يُميَّز بينهما في الكلام العادي عنهما. حسب الأناجيل الإزائية كان العشاء الأخير وليمة فصحية كما رأينا وقد تم في ليلة الخميس. يوحنا أيضاً (19: 31) يذكر أنه حدث ليلة الخميس. بما أن العشاء الأخير هو عشاء فحصي في الإزائية وقد حدث ليلة الخميس فهذا يعني أن نهار الخميس كان 14 نيسان وعند غروبه الذي بدأ معه 15 نيسان بدأ الفصح وأول يوم من أيام الفطير. لكن الصورة مختلفة لدى يوحنا إذ حدث العشاء الأخير ليلة الخميس إنما بدأ الفصح اليهودي مع غروب يوم الجمعة وبالتالي كان نهار الجمعة 14 نيسان وبدأ الفصح مع غروبه. ففي يوحنا 18: 28، صباح يوم الجمعة عندما كان يسوع ماثلاً أمام بيلاطس، فإن السلطات اليهودية والشعب رفضوا أن يدخلوا دار الولاية لئلا يتنجسوا فلا يأكلون الفصح. هذا العيد بدأ بحسب يو 19: 14 يوم السبت (مع شفق الجمعة). هكذا كانت الوجبة الفصحية في الأناجيل الإزائية مساء الخميس (14 نيسان) ويسوع مات نهار الجمعة (وهو عيد الفصح واول أيام الفطير أي 15 نيسان)، بينما في يوحنا كانت الوجبة الفصحية (لا العشاء الأخير) مساء الجمعة (15 نيسان) ويسوع مات نهار الجمعة (قبل بدء الفصح وقبل بدء الفطير اي يوم 14 نيسان). بسبب السمات الفصحية للعشاء الأخير، كما رأينا سابقاً، استنتجنا استنتاجاً أن عيد الفصح في الإزائية بدأ مع غروب الخميس وأن الإزائية تشير إلى أن يسوع قد مات يوم الفصح وفي أول أيام الفطير (بعد ظهر الجمعة الواقع في 15 نيسان بحسب الإزائية)، وذلك لأن العشاء الأخير (الذي حدث يوم الخميس) كان عشاءً فصحياً. لكن الأصح هو القول إن الإزائية لا تذكر أبداً الفصح أو الفطير في علاقتهما مع ساعات القبض على يسوع والمحاكمة والصلب والموت والدفن. وبكلمة أُخرى، لا تحدد الأناجيل الإزائية متى كان الفصح اليهودي بدقة. ففي وصف الفترة التي مات فيها يسوع الإشارات الفصحية الإزائية هي إشارات عن التهيئة للعشاء الأخير أو لأكل العشاء (باستثناء مر 14: 1-2 الذي سيُناقش لاحقاً). إن تعبير “العيد” (مر 15: 6؛ مت 27: 15؛ لو 23: 17) يشير إلى عيد الفصح إنما لا يحدد أي يوم من فترة الاحتفال ذات الثمانية الأيام (فترة الفصح/الفطير). وكما وجدنا سابقاً فإن عدم الدقة الزمنية هذا هو أمر شائع نسبياً. نلخص في الجدول التالي تاريخ الفصح في الإزائية (استنتاجاً) وفي يوحنا: اليوم الخميس (العشاء الأخير) الجمعة (الصلب) السبت الإزائية 14 نيسان (الفصح اليهودي) 15 نيسان (الفطير) 16نيسان إنجيل يوحنا 13 نيسان 14 نيسان (الفصح) 15 نيسان (الفطير) هكذا في الإزائية كان العشاء الأخير عشاءً فصحياً (من حيث موقعه الزمني في 14 نيسان ومن حيث خصائصه الفصحية)، وصُلب الرب في اليوم التالي (اي في أول أيام الفطير أي في 15 نيسان). بينما في يوحنا يُصلب يسوع أثناء ذبح الحملان في الهيكل (مما ينسجم مع لاهوت يوحنا: يسوع هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم)[7] أي يوم 14 نيسان وقبل أكل الحمل الفصحي وقبل بدء الفصح اليهودي مع شفق الجمعة وبداية 15 نيسان. |
![]() |
رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() فى غاية الروعة ربنا يفرح قلبك |
||||
![]() |
![]() |
|