![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() إن كانت للإِنسان روح، فهي لا تختلف عن روح الحيوان في شيء. الرد: (أ) لم تُظهِر جميع الحيوانات منذ نشأتها تقدماً ما، وما كانت تعمله قديماً بالغريزة هو هو ما تعمله الآن دون تحسين أو تغيير. فإلى الآن لا يبني الطائر سوى عشه، والثعلب سوى جُحره، والنحل سوى خليته، وهكذا.. وإن كانت بعض الحيوانات قد تعلمت شيئاً جديداً، فالفضل في ذلك للإِنسان الذي روّضها وهذّبها. أما الإِنسان فقد أظهر منذ وجوده على الأرض، ومن تلقاء ذاته أيضاً، رقياً وتقدماً في كل الميادين العلمية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية والدينية. فإذا رجعنا إلى التاريخ نرى أن ذكاء القدامى لا يقل عن ذكاء الناس في الوقت الحاضر. وحضارة قدماء المصريين والبابليين والأشوريين والكلدانيين التي ظهرت قبل الميلاد بآلاف السنين خير دليل على هذه الحقيقة، مما يدل على أن ذكاء الإنسان فطري وليس مكتسَباً. وقد شهد بهذه الحقيقة برانكو أعظم علماء الحفريات، فقال بعد بحوثه الطويلة: ظهر الإِنسان على الأرض فجأة بذكائه الموجود عليه الآن، في أواخر العصور الجيولوجية . (ب) لدى الإنسان مبادئ سامية ليس لها نظير لدى الحيوان، مثل الأمانة والإخلاص والنزاهة والشرف والتضحية والعفاف. كما أن لديه القدرة على التمييز بين الخير والشر، وعلى الاختراع والابتكار، والارتقاء فوق الغرائز والميول. كما أن تفكيره منطقي ومرتَّب، وهو يملك التعبير عن هذا التفكير باللسان والقلم. أضف إلى ذلك أن لكل إنسان شخصية قائمة بذاتها لها مميزاتها الأخلاقية والنفسية التي لا يشترك معه فيها غيره. الأمر الذي لا يتوافر في الحيوان، إذ أن كل نوع منه، مع اختلاف أفراده الظاهري في اللون والشكل والحجم، له صفات وخصائص واحدة. (ج) مما تقدم يتضح لنا أن الإِنسان ليس مجرد جسم يتحرك بفعل الغرائز والحياة الطبيعية كما يفعل الحيوان، حتى يجوز التساؤل إن كانت له روح تميزه عن الحيوان، بل إنه قبل كل شيء عقل وفكر وإدراك، وهو قائم بروح لا نظير لها في الحيوان. وقد أدرك هذه الحقيقة سارتر فيلسوف الوجودية الحديثة، فإنه مع عدم تديُّنه قال: يتميَّز الإِنسان عن الحيوان بوجود العقل فيه. فالحيوان عبدٌ للطبيعة محكوم من الخارج بقوانينها ومن الداخل بغرائزه. أما الإِنسان فهو الكائن الوحيد الذي يقدر أن يقاوم الطبيعة، لأن له عقلاً يفهم به الأشياء لم يحْظَ الحيوان به. فالإِنسان إذاً لا شبيه له في الكون . وهذا العقل لا يمكن أن يكون شيئاً معنوياً كالصفات، بل لا بد أن يكون شيئاً حقيقياً، له وجود ذاتي، ومن ثمَّ لا يكون سوى الروح الفاهمة. 3 - إذا كان للإِنسان روح تميزه عن الحيوان، فهل يكون لها وجود بعد موته، حتى يمكن أن تشقَى أو تسعَد؟. الرد: (أ) جسم الأِنسان المادي لا يفنى، وكل ما يطرأ عليه من تغيير بعد الموت هو تحلله إلى عناصر منظورة أو غير منظورة بسبب تكوُّنه من مواد مختلفة. ومن المؤكد أن الروح، التي هي العنصر الجوهري في الإِنسان، لا تفنى أيضاً. كما أنها لا يمكن أن تتحلل إلى عناصر، لأنها ليست مادية بل روحية. فإذا كان وجود الغرائز في الإنسان دليلاً على أن هناك مجالاً لاستثمارها وإشباعها، فإن غريزة حب البقاء التي تسيطر عليه دليل على أنه إذا مات جسده، لا تفنى روحه بل تبقى. كما أننا إذا وضعنا أمامنا أن لكل مجهود يبذله الإِنسان في هذا العالم، نتيجة تتكافأ معه، فالمجتهد له الثواب والمهمل له العقاب، أدركنا أنه لا يمكن أن يكون القبر هو نهاية حياة الإِنسان الصالح والطالح معاً، بل لا بد أن هناك عالماً آخر يحصد فيه كل منهما نتائج عمله، الأمر الذي يدل على وجود روح الإِنسان. (ب) لو كانت الحياة مقصورة على العالم الحاضر لكانت في جملتها بلا فائدة. وهذا هو ما انتهى إليه الفيلسوف شوuنهور فقال: الحياة سلسلة متواصلة من الألم. أولها ألم وآخرها ألم. إنها كوميديا مفجعة يتكرر تمثيلها من وقت إلى آخر . والذين نسجوا على منواله احتقروا الحياة واستسلموا لليأس، فضاقت الدنيا على سعتها في أعينهم، فانتحروا أو عاشوا حياة البؤس والشقاء. وهذا ما دعا روسو إلى القول: تحطم فكرة عدم الخلود روح الإِنسان، وتدمر أنبل عواطفه . لولا الخلود، لكانت الحياة خطأ في خطأ، إذ تكون تعباً وعناء ثم فناء إلى الأبد، الأمر الذي لا يتفق مع ناموس الكون الدقيق الذي نعيش فيه. فإذ أضفنا إلى ذلك (1) أن روح الإِنسان، دون غيره من الكائنات هي نسمة أو نفخة من اللّه (تكوين 2: 7) ، وأن اللّه خالد إلى الأبد: فلا بد أن روح الإِنسان تبقى بمشيئته إلى الأبد أيضاً. (2) خلق اللّه الإِنسان دون غيره من الكائنات على صورته كشبهه، كما أرسل للبشر دون غيرهم من الكائنات الرسل والأنبياء، ليرشدوهم إلى الحق والصواب، الأمر الذي يدل على محبته الشديدة لهم. فلا يمكن أن يكون الموت نهاية حياة الإنسان، بل هو وسيلة ينتقل بها إلى عالم آخر، يكون فيه تحت تأثير اللّه دون سواه. (ج) هناك آيات كثيرة في الكتاب المقدس تقول إن الروح لا تفنى بعد موت الجسد.. قال الحكيم إن الروح ترجع إلى اللّه الذي أعطاها، كما يرجع التراب إلى الأرض كما كان (جامعة 12: 7) . وقال إشعياء النبي للّه: أتحيا أمواتك. تقوم الجثث (26: 19) . وقال أيوب: بعد أن يفنى جلدي هذا، وبدون جسدي أرى اللّه (19: 26) . وأنبأنا المسيح في قصة الغني ولعازر أن الروح تبقى بعد موت الجسد لتُكافأ أو تُعاقب (لوقا 16: 19-31) . كما قال للمؤمنين به: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم (متى 10: 28) . وقال بولس الرسول: لي اشتهاء أن أنطلق (أي أنطلق بروحي) وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جداً (فيلبي 1: 23) . وقال بطرس الرسول إن أرواح الذين عصوا اللّه في أيام نوح، موجودة الآن في السجن (أي الهاوية) (1بطرس 3: 19) . وقال يوحنا إن الذين قُتلوا من أجل شهادة يسوع ومن أجل كلمة اللّه، عاشوا وملكوا مع المسيح ألف سنة (رؤيا 20: 4) . وقال يهوذا إن سكان سدوم وعمورة الأشرار سيكابدون عقاباً أبدياً (يهوذا 7) . (د) وإن كانت شهادة الوحي عن خلود الروح لا تحتاج إلى دليل بشري لتدعيمها، لكن لفائدة الذين يريدون معرفة أقوال الفلاسفة بشأن هذا الموضوع نقول: إن المشهورين منهم نادوا ببقاء الروح. فقال سقراط إنها لا تفنى ، وقال أفلاطون يلحق التفكك والفساد بالمادة. وبما أن النفس بسيطة وإلهية، لذلك فهي أبدية . كما قال كل كائن يسهم في فكرة معيّنة لا يقبل ضدها. وبما أن النفس هي مصدر الحياة، لذلك لا يمكن أن تقبل ما هو ضدها، وهو الموت . وقال أرسطو في الإنسان كائن يظل في الوجود بعد موته، هو روحه التي ليس لها نظير في النبات أو الحيوان . وقال الرواقيون النفس لا تفنى بل تعود إلى أصلها . وهناك شهادات متعددة لكثير من فلاسفة العصرين المتوسط والحديث، لكن للاختصار نكتفي بالشهادات التي ذكرناها، لأن أصحابها كانوا غير متأثرين بالإِعلانات السماوية التي تنادي بخلود النفس، بل كانوا متأثرين بوحي عقولهم وحدها. 4 - النفس هي الدم فمكتوب لأن نفس الجسد هي في الدم (لاويين 17: 11) . والدم يتلاشى بالموت، لذلك فنفس الإِنسان لا يكون لها وجود بعد موته. الرد: هذه الآية لا تقول إن النفس هي الدم، بل إنها فيه. وهي تتحدث عن الحيوان لا الإنسان. ولم يُخلَق الإنسان على نسق خَلْق الحيوان، لأن اللّه خلق الحيوان بمجرد الأمر، لكنه خلق الإنسان بواسطة نسمة أو نفخة حياة أودعها بذاته فيه (تكوين 2: 7) ، لذلك كانت للإنسان روح عاقلة بالإضافة إلى نفسه (1تسالونيكي 5: 23) التي هي مصدر ما فيه من نشاط جسدي. وكانت روحه باقية ببقاء اللّه لتتوافق معه إلى الأبد أو لتُحرم منه إلى الأبد. ولكن لاقتران روح الإِنسان بنفسه، قد يُطلَق عليها نفسه . 5 - يقول بعض الصوفيين إن أرواحنا تفنى بالموت في اللّه، كما تفنى مياه الأنهار في المحيطات، ولذلك لا يكون هناك فرق بين أرواح الصالحين وأرواح الطالحين بعد انطلاق الفريقين من أجسادهما إلى العالم الآخر. الرد: إن اللّه، وإن كان يريد أن تتوافق أرواحنا معه في صفاته الأخلاقية السامية، لكنه لا يبغي من وراء ذلك إفناءها فيه، بل إبقاءها في الخلود معه بشخصياتها الخاصة بها، لأنه بدون ذلك لا تتحقق أغراضه السامية من خلقها. كما أنه ليس من المعقول إطلاقاً أن تفنى أو تذوب أرواح الأشرار في اللّه (إذا كان هناك مجال للفناء أو الذوبان فيه) وذلك لاختلافها عنه في صفاته. 6 - عندما يموت الإنسان يفنى، لأنه لا يبقى للإدراك أو الوعي وجود فيه، كما أن القول بخلود الروح هو فقط أحد الآمال التي تجيش في أفئدة الفقراء والمظلومين الذين يريدون أن يسرّوا عن أنفسهم، أو الأنانيين الذين يريدون أن ينالوا في العالم الآخر ثواباً عما يقومون به من صلاة أو صوم أو صدَقة. فضلاً عن ذلك فإن القول بالخلود يحد من جهاد الإِنسان في خدمة المجتمع الذي يعيش فيه، الأمر الذي يعطل تقدمه. الرد: (أ) إن الإدراك وإن كان من عمل المخ، لكن المخ لا يأتي به من تلقاء ذاته، وإلا لكان مخ الميت يدرك كما يدرك مخ الحي. فالعامل في المخ للإِدراك لا بد أن يكون عنصراً روحياً قائماً بذاته، هو الروح كما ذكرنا. وموت الجسد وتعطل عمل المخ لا يدلان على فناء الروح، بل يدلان على انطلاقها من الجسد. (ب) الذين يقولون بخلود الروح ليسوا فقط من الفقراء والمظلومين أو الأنانيين الذين يريدون أن يكون لهم ثواب بعد الموت، بل هم أيضاً الفلاسفة والعلماء الذين يبحثون عن الحقيقة. فإذا أضفنا إلى ذلك أن الخلود يضع الإِنسانية في موضعها الصحيح كما يعطيها معناها السامي الرفيع، وأن الذين يؤمنون إيماناً حقيقياً باللّه والخلود يُكثِرون من عمل الخير في العالم تمجيداً للّه وتنفيذاً لمشيئته على الأرض، دون انتظار لجزاء أو ثواب، اتضح لنا أن هذا الاعتراض خاطئ. 7 - ينفي الكتاب المقدس في بعض آياته بقاء أرواح الأشرار بعد موتهم، لأنه قال عنها إنها تهلك (أمثال 10: 29) . كما يعلن في آيات غيرها أن الأرواح بصفة عامة مائتة (1كورنثوس 15: 53) ، فأرواح الأبرار سوف تتلاشى أيضاً بالموت، لأن الخلود هو للّه دون سواه. الرد: (أ) الكلمة المترجمة إلى العربية تهلك ترد في اللغة اليونانية (اللغة الأصلية للإنجيل) أبليومى ومعناها الحرفي الإصابة بدمار لا يُصلَح. وهكذا الحال في اللغات الأوروبية جميعاً. ولذلك تُرجمت نفس الكلمة إلى الضلال في الآية خراف بيت إسرائيل الضالة (متى 10: 6) ، وفي الآية جاء (المسيح) ليخلّص ما قد هلك (من البشر) (متى 18: 11) ، أي الذين دمرتهم الخطية أخلاقياً. لأنه إذا كان إنسان قد هلك بمعنى فني، لا يكون هناك مجال للسعي وراءه لإنقاذه. أما عن الجزء الثاني من الاعتراض فنقول: إن كلمة المائت في الآية الواردة في (1كورنثوس 15: 53) وهذا المائت يلبس عدم موت ، لا يُراد بها الروح بل الجسد. فقد قال الوحي: لا تملكنّ الخطية في جسدكم المائت لتطيعوها في شهواته (رومية 6: 12) . وكلمة المائت هنا، يُراد بها القابل للموت. (ب) يُراد بالخلود الوجود الذاتي من الأزل إلى الأبد، فهو خاص باللّه دون سواه. أما البشر فليسوا من الأزل، كما أنه من المحال أن يزولوا من الوجود كما تزول الحيوانات، لأن اللّه بخَلقْه البشر بنفخة منه، جعل لأرواحهم خاصية البقاء. ولذلك فهم باقون ليس بفضلهم الذاتي، بل بفضل اللّه عليهم، لأنه هو الذي خلقهم على هذا النحو. 8 - يقول العلماء المتخصصون في دراسة الأرواح إنها تمرُّ بعد خروجها من أجسادها في مراحل تصبح بعدها مهيَّأةً للوجود مع اللّه، فلا يكون هناك مجال أمام أرواح الأشرار للألم والعذاب بعد الموت. وإن شعرَتْ بألم أو عذاب بعده، فإن ذلك سيكون إلى حين وليس إلى الأبد. الرد: فضلاً عن أن العلماء الذين يدّعون أنهم علماء الأرواح قد ثبت انخداعهم بطرق شتى، الأمر الذي لا يدع مجالاً للأخذ بآرائهم، نقول: إن الأرواح تنطلق من أجسادها بالحالة التي تكون عليها في هذه الأجساد. فإن كانت منحرفة عن اللّه وهي في أجسادها، ستكون منحرفة عنه كذلك بعد خروجها منها، لأن طبيعتها لا تتغير. كما أن القول بمرور أرواح الأشرار بعد خروجها من أجسادها، في مراحل تتهيأ بعدها للوجود مع اللّه، يحط من شأن التقوى والقداسة والأمانة في العالم الحاضر، كما يترتب عليه أن الأشرار يكونون قد أبغضوا اللّه ورفضوه وأساءوا إليه في هذا العالم، وبعد ذلك يكونون قد استطاعوا أن يدخلوا سماءه ويتمتعوا فيها بالغبطة والهناء، جنباً إلى جنب مع الذين أحبوه وأخلصوا له وأكرموه في حياتهم، وهذا ما يتعارض مع أبسط البديهيات. فالأرواح تنطلق إلى الأبدية حاملة معها صفاتها التي كوَّنتها لذاتها في هذه الدنيا، وتظل على هذه الحال إلى الأبد. فإذا كانت لها علاقة مع اللّه وهي في هذا العالم، ستكون لها أيضاً علاقة معه في سمائه إلى الأبد. وإذا لم تكن لها علاقة مع اللّه وهي في هذا العالم، لن تكون لها أيضاً علاقة معه بعد ذلك، بل تنطلق إلى هاوية العذاب بعيداً بعيداً عنه، حتى يتقرر مصيرها النهائي في بحيرة النار حيث العذاب الجهنمي إلى الأبد (رؤيا 20: 11-15) . والآيات الخاصة بالغني ولعازر الواردة في لوقا 16: 19-26 خير دليل على الحقيقة التي ذكرناها. |
|