![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() الهجوم الثاني لسنحاريب 17 وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ تَرْتَانَ وَرَبْسَارِيسَ وَرَبْشَاقَى مِنْ لَخِيشَ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَصَعِدُوا وَأَتَوْا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا صَعِدُوا جَاءُوا وَوَقَفُوا عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا الَّتِي فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْقَصَّارِ. 18 وَدَعَوْا الْمَلِكَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُواخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ. 19 فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ: مَا الاتِّكَالُ الَّذِي اتَّكَلْتَ؟ 20 قُلْتَ إِنَّمَا كَلاَمُ الشَّفَتَيْنِ هُوَ مَشُورَةٌ وَبَأْسٌ لِلْحَرْبِ. وَالآنَ عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟ 21 فَالآنَ هُوَذَا قَدِ اتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هذِهِ الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَ، الَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا، دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا! هكَذَا هُوَ فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ. 22 وَإِذَا قُلْتُمْ لِي: عَلَى الرَّبِّ إِلهِنَا اتَّكَلْنَا، أَفَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ هذَا الْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ 23 وَالآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ، فَأُعْطِيَكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ. 24 فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَال وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي الصِّغَارِ، وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟ 25 وَالآنَ هَلْ بِدُونِ الرَّبِّ صَعِدْتُ عَلَى هذَا الْمَوْضِعِ لأَخْرِبَهُ؟ اَلرَّبُّ قَالَ لِي اصْعَدْ عَلَى هذِهِ الأَرْضِ وَاخْرِبْهَا». 26 فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا وَشِبْنَةُ وَيُواخُ لِرَبْشَاقَى: «كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأَرَامِيِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ». 27 فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟» 28 ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ وَتَكَلَّمَ قَائِلًا: «اسْمَعُوا كَلاَمَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. 29 هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا، لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِهِ، 30 وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلًا: إِنْقَاذًا يُنْقِذُنَا الرَّبُّ وَلاَ تُدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. 31 لاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا. لأَنَّهُ هكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: اعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا، وَاخْرُجُوا إِلَيَّ، وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ، وَاشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ 32 حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ كَأَرْضِكُمْ، أَرْضَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، أَرْضَ خُبْزٍ وَكُرُومٍ، أَرْضَ زَيْتُونٍ وَعَسَل وَاحْيَوْا وَلاَ تَمُوتُوا. وَلاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا لأَنَّهُ يَغُرُّكُمْ قَائِلًا: الرَّبُّ يُنْقِذُنَا. 33 هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ الأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ 34 أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟ هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ 35 مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟». 36 فَسَكَتَ الشَّعْبُ وَلَمْ يُجِيبُوهُ بِكَلِمَةٍ، لأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ قَائِلًا: «لاَ تُجِيبُوهُ». 37 فَجَاءَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُوَاخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، فَأَخْبَرُوهُ بِكَلاَمِ رَبْشَاقَى. وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ تَرْتَانَ وَرَبْسَارِيسَ وَرَبْشَاقَى مِنْ لَخِيشَ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ إِلَى أُورُشَلِيمَ، فَصَعِدُوا وَأَتُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَلَمَّا صَعِدُوا جَاءُوا وَوَقَفُوا عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا الَّتِي فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْقَصَّارِ. [17] كان ترتان وربساريس وربشاقى في مراكز كبرى في جيش أشور العظيم. كان تعداد جيش أشور يُعتبَر أضخم جيش وُجِدَ في الشرق الأوسط قديمًا. عَسْكَرَ هذا الجيش في يهوذا. كان حقل القصار في شمال غرب ركن المدينة، فكانت المنطقة قابلة للسقوط عند أي هجوم. يرى البعض أن ربشاقى ليس اسمًا لشخصٍ، إنما هو لقب يعادل "رئيس سقاة"، يتذوق الخمر قبل أن يشرب منه الملك حتى لا يتعرَّض الملك للتسمم، كما كان يقوم بأدوار أخرى رئيسية في القصر الملكي. نكث سنحاريب العهد، فقد دفع حزقيا مبلغًا كبيرًا ليترك الأرض ومع ذلك أرسل جيشه لاقتحامها [4، 17]. v يدَّعي اليهود أن ربشاقى الذي تحدث باللغة العبرية هو ابن النبي إشعياء وهو نفسه كان خائنًا، وأن لإشعياء ابن آخر يُدعَى ياشوب (إش 7: 3) الذي تحدث أيضًا بلساننا. يرى آخرون أن (ربشاقى) كان سامريًا، ولهذا كان يعرف اللغة العبرية، وجدَّف على الرب بوقاحةٍ وعقوقٍ هكذا. لهذا يليق بنا أن نتطلع إلى كلمات ربشاقى أنها باطلة. القديس جيروم فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ، وَشِبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُواخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ. [18] أجرى حزقيا إصلاحات دينية ومدنية، وكانت له علاقة نامية مع الله. نما في حياة الصلاة القوية، وحسبه سفر الأمثال بطلاً (أم 1:25). أما من نقاط ضعفه فهي عدم الحكمة في التخطيط للمستقبل لحفظ الميراث الروحي للأجيال التالية. كما تهور في استعراض كل ثروته لرسل ملك بابل. كان ألياقيم هو مُدبِّر شئون القصر الأول (2 مل 15: 5)(*). يقول دميان ماكي إنه على ضوء ما ورد في يهوديت، أن ألياقيم كان كبير موظفي القصر Major-domo أو كبير التشريفات في البلاط الملكي، وكان يقوم بإدارة أمور القصر، فإن كلمة "بيت" (2 مل 18:18) يُعنَى بها "القصر الملكي"، وإن كانت تُستخدَم أيضًا بالنسبة للهيكل كبيت الرب. يرى دميان ماكي أن ألياقيم (كما جاء في نص Douay) قام بإثارة الشعب كملكٍ، وذلك كما فعل الملك حزقيا عندما حاول سنحاريب غزو أورشليم (2 أي 32: 2-8). وأنه هو ألياقيم بن حلقيا الذي على البيت (2 مل 18:18؛ إش 36: 3). وقد ورد اسمه في السجلات الأشورية اليميتي Akhi عوض Elikim، وأنه كان حاكم أشدود أو لخيش. لذا يرى البعض أنه كان رئيس كهنة سابق وقد عُيِّن رئيسًا على لخيش، لكنه في ذاك الوقت كان في أورشليم التي لم تكن مسكنه الدائم. وكان يتولى الحكم على حصن لخيش الحصين سلسلة من رؤساء الكهنة السابقين كما على غيرها من المواقع كما يظهر من (1 مل 4: 2) في أيام الملك سليمان. يشتاق القديس كيرلس الكبير أن يكون كل مؤمنٍ ألياقيم الجديد، إذ يرى في كل إنسان يتمتع بالحياة المقامة المجيدة في كنيسة المسيح هو ألياقيم. v عندما يقول: "أني أدعو عبدي ألياقيم" (إش 22: 20)، فإن اسم ألياقيم معناه "قيامة الله"، لهذا فإن كل من هو ممجد في بيت أبيه يثق فيه [ألياقيم]. ومن هم المُمجَّدون هناك؟ أولئك الذين وضعوا ثقتهم في المسيح، والذين ليسوا ممجدين حسب حكم هذا العالم. على العكس قد يكونون أصاغر حسب هذا الحكم. أما الله فعادل غير مجحفٍ. إنه يرد لكل واحدٍ حسب قياس قامته الروحية (نضوجه)، وبهذا فإن البعض هم آباء، بينما الآخرون لا يزالون يَحْبون (في المشي) ورضَّع ومراهقين. القديس كيرلس الكبير القديس جيروم يرى القديس جيروم أن شبنة المذكور هنا الكاتب والذي في صحبة ألياقيم بن حلقيا وبراخ بن آساف المُسجِّل، وهو غير شبنة المذكور في (إش 22: 15)، الذي وبَّخه إشعياء النبي ودعاه "خزي بيت الملك (سيدك)" (إِش 22: 18). فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هَكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ. مَا الاِتِّكَالُ الَّذِي اتَّكَلْتَ؟ [19] كان لقب "الملك العظيم" يُستخدَم في الشرق الأوسط بأنه صاحب القوة العظمى في المنطقة. ما يقوله ربشاقى هو أن أمام ملك أشور لا يوجد الملك العظيم في الشرق الأوسط، لأنه هو الملك العظيم في كل مكانٍ. يرى القديس جيروم أن ربشاقى إنسان جسور ووقح بقوله هذه العبارة: "هكذا يقول الملك العظيم ملك أشور"؛ إذ يحسب نفسه قوة مضادة لله، فكما اعتاد الأنبياء أن يقولوا: "هكذا يقول الرب"، وهم يتكلمون بقوة وسلطان المتكلم الآن يفعل نفس الشيء، وكأن ملك أشور العظيم يبعث برسوله كما يبعث الله أنبياءه. كأن ربشاقى يحسب نفسه على مستوى الأنبياء وملك أشور على مستوى الله نفسه، بل ويحسب نفسه قادرًا على الدخول في تحدٍ لله. قيل إنه (ناحوم) هرب إلى يهوذا أثناء الغزو الأشوري على إسرائيل؛ ربما أقام في أورشليم حيث شهد بعد 7 سنوات حصارها بواسطة سنحاريب ملك أشور، وقد هلك الأشوريون، فمات 185,000 نسمة (2 مل 19: 35؛ نا 1: 10-11) في ليلة واحدة. يؤكد الرب لحزقيا الملك ورجاله أن الله يكسر نير سنحاريب وجيشه ويقطع ربطه، حيث كان جيش الأشوريين يقتحم الكثير من مدن يهوذا وقراها، يعبث بها في حرية بعنفٍ، وأورشليم عاجزة عن الدفاع عن هذه المواضع، إذ كانت أشبه بمدينة مربوطة ومُقيَّدة. ستتمتع بالحرية، فلا يقوم جيش أشور بهجوم آخر حيث تخور قوته بقتل 185 ألفًا بواسطة ملاك الرب، ويصير الجيش كأنه قد انقرض، لا قوة له. [ما الاتكال الذي اتكلت عليه؟] لقد وجَّه قائد أشور هذا السؤال لشعب بني إسرائيل. وثق آحاز في مصر وتحالف معها لتحميه من أشور وكانت النتيجة السقوط في الأسر، ووَضَع حزقيا ثقته في الله، فرُفِعَ عنه الحصار. يليق بالمؤمن أن يسأل نفسه: هل أنا مثل آحاز أم مثل حزقيا؟ اليوم ما الاتكال الذي أتكل عليه؟ المال أم الثقافة أم المركز الاجتماعي أم القوة أم التقدُّم العلمي إلخ.؟ هذه كلها عطايا إلهية، تتقدَّس إن التصقنا بالله، واتكلنا عليه. بعد أن استولى سنحاريب ملك أشور فعلاً على مدن كثيرة كان يُجدِّف بوابلٍ من التهديدات ضد إسرائيل خلال ربشاقى، وليس ما حوَّله عن هدفه وأرسله إلى الأثيوبيين سوى الصوم. بعد ذلك ما الذي أهلك مئة ألف وخمسة وثمانين ألفًا من جيشه بيد الملاك، إلا تواضع حزقيا الملك؟ العلامة ترتليان وَالآنَ عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟ [20] v مَن يتجاسر ويقول بأنه ليس إله، هو عديم الفطنة وجاهل. هذه هي سمة ربساريس وربشاقى، لأنهما قالا هكذا: [هل أنقذ آلهة الأمم بلادهم والمتعبدين لهم، فكيف يحميكم إلهكم ويحمي مدينتكم؟!] أما بقلبيهما وضميرهما، فقالا إنه ليس إله. فالنبي بإلهام الروح القدس سبق وعلم ما في ضميرهما (2 مل 18). وأيضًا نقول إن الذين ينكرون لاهوت المسيح هم جهال، لأن هدفهم أن ينقضوا عظائمه الظاهرة التي تثبت لاهوته. وأيضًا الذين يقولون نعم الله موجود، خالق البداية، لكنه لا يهتم بها؛ هؤلاء يتكلون على القدرة البشرية، وهم جهال. الأب أنسيمُس الأورشليمي فَالآنَ هُوَذَا قَدِ اتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هَذِهِ الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَ، الَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا! هَكَذَا هُوَ فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ الْمُتَّكِلِينَ عَلَيْهِ. [21] إذ كانت أشور تتطلع إلى مصر بأنها القوة المنافسة لها، لذا توقع ربشاقى أن حزقيا سيلجأ إلى مصر لحمايته من أشور. وكما يقول ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقى في هذا المثل يتهم المصريين بالضعف والشر، فهم يشبهون قصبةً، بل وقصبة مرضوضة. هم ضعفاء كالقصبة التي تنبت على شاطئ النهر لا حول لها ولا قوة، عاجزة عن الدفاع عن نفسها، فكيف تحمي غيرها، ومرضوضة، أي شريرة فمن يتكئ عليها تؤذي كفه. كانت مصر ليس فقط على النيل كمصدر خيرات لها، إنما أيضًا كانت أحيانًا تتعبد له كإله. في مناطق كثيرة كان على شاطئ النيل قصب. لهذا حذرت أشور حزقيا من الاتكال على مصر، فإن قصب النيل مرضوض، من يتكئ عليه بيده يسبب جراحات لليد بدلاً من تقديم عونٍ له. لقد استخدم إشعياء النبي ذات التحذير (إش 30: 3-5؛ 31: 1-3) بتشبيهات مختلفة. خلال هذا الضيق ندرك بطلان سعيّنا وراء الآخرين، إذ نقترب من المحبين فلا ندركهم، ونفتش عليهم ولا نجدهم. من هم هؤلاء المُحبُّون؟ ربما قصد بهم ملك أشور وفرعون مصر ومن هم على أمثالهما، فالتحالف مع واحد منهم خوفًا من الغير هو تحالف باطل، فهؤلاء يعملون لمصلحتهم الخاصة، ويستغلون إسرائيل ويهوذا دون مساعدتهم في وقت الضيق. إنهم مثل "عُكَّازِ... الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ" [21]. ولعله قصد بالمُحِبِّين أيضًا البعل والعشتاروت وما رافق العبادة الوثنية من سحر. هذه جميعها التي كرَّس إسرائيل حياته وطاقاته وكل مشاعره لها مع أنها لا تقدر أن تُنقِذَه أو تُخَلِّصه. يرى القديس جيروم في تفسيره لسفر إشعياء أن ربشاقى في حديثه هذا المُوجَّه للملك حزقيا خلط الحقائق مع الأباطيل الكاذبة. مع قوله: "هوذا قد اتكلت على عكاز هذه القصبة المرضوضة" [21] لا نجد في التاريخ أن حزقيا أرسل إلى مصر ليجعل من فرعون مُعِينًا له. ربما ذكر هذا كنوع من الحدس أو التخمين، بأن الملجأ الرئيسي لمن يهاجمه أشور هو الالتجاء إلى القوة المضادة لهم وهي مصر. وَإِذَا قُلْتُمْ لِي: عَلَى الرَّبِّ إِلَهِنَا اتَّكَلْنَا، أَفَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ هَذَا الْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ فِي أُورُشَلِيمَ؟ [22] جاءت كلمات ربشاقى بخصوص اتكال حزقيا على إلهه كرد فعل لشهرة حزقيا كإنسانٍ تقيٍ يعبد الرب ويثق فيه [5]. هكذا بدأ ربشاقى بحرب نفسية ضد حزقيا، حيث أوضح له أنه لا يوجد على الأرض ولا في السماء من يُخلِّصه من يد أشور. قال أيضًا ربشاقى الحق: "وإذا قلتم على الرب إلهنا اتكلنا، أفليس هو الذي أزال مرتفعاته ومذابحه، وقال ليهوذا ولأورشليم: أمام هذا المذبح تسجدون في أورشليم" [22]. فإن هذا حدث فعلاً إذ أزال المرتفعات والمذابح حتى التي كانوا يعبدون فيها الرب الإله، لأنها تدنست بالخلط بين عبادة الله والأصنام، فأراد حزقيا أن يُحَطِّم كل ما هو مُعْثِر، وما يفتح الطريق للعبادة الوثنية. لكن ربشاقى صوَّر هذا كأنه ضد عبادة الرب وليس لحساب تنقية العبادة للرب. يرى ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقى هنا يتهم حزقيا الملك الذي يدَّعي بأنه يتكل على الله، هو نفسه يخطئ في حق الله، فقد أزال أماكن العبادة التي لله على المرتفعات مع أماكن العبادة الوثنية، وأنه حدَّد العبادة أن تتم في الهيكل في أورشليم وكأن ربشاقى يُخطِّئ حزقيا الذي لم يفعل مثل غيره من الملوك السابقين له، الذين عبدوا الرب وتركوا المرتفعات لأن بها أماكن مخصصة للرب[14]. وَالآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ فَأُعْطِيَكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنْ كُنْتَ تَقْدِرُ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ. [23] في شيء من الاستخفاف والسخرية بحزقيا، قال ربشاقى إنه مستعد أن يُقدِّم له ألفين من الخيل، إن كان يجد عنده 2000 شخص قادرين على استخدام الخيل في المعارك. في سخرية يعني أن حزقيا ليس له هذا العدد من الرجال، أو أن جيشه غير مُدرَّب على قيادة الخيل في المعارك. فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَالٍ وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي الصِّغَارِ، وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟ [24] يرى ثيؤدورت أسقف كورش عبارة أن الوالي الواحد من عبيد سيده – جاءت في السبعينية لتعني الأراميين، فإذ أرادات دمشق أن تهاجم حزقيا خاف منها ولجأ إلى أشور ودفع لها جزية لتحميه، وهي تُمَثِّل واليًا واحدًا من عبيد ملك أشور، فلماذا يلجأ إلى مصر لتحميه من ملك أشور نفسه؟! v لكي يوضح ربشاقى عجز (حزقيا) على الدخول في رهينة، وعده بألفي فرسٍ إن وجد حزقيا راكبين لها. لم يقل هذا عن غباوة، إنما لإلتصاقه بالشعب اليهودي الذي ينقصه معرفة ركوب الخيل، وإنما من أجل إدراكه لوصايا الله التي أمر بها بواسطة موسى عن ملك إسرائيل: "لا يكثر له الخيل... ولا يكثر له نساء" (تث 17: 16-17). لكن ربشاقى قال: [إن كنت لا تقدر أن تقف أمامي، أنا خادم سنحاريب، بل أنا الأخير في خدامه، فكيف ستقف أمام قوة الملك العظيمة]؟ الإجابة المتوقعة من حزقيا هي: "نحن نتكِّل على الرب إلهنا". لذلك بمهارة جاءت إجابة ربشاقى أنه لم يأتٍ من نفسه، إنما جاء بناء على طلب الرب. "الرب قال لي: اصعد على هذه الأرض واخربها" [25]. هذه باختصار حجته: إنني ما كنتُ أستطيع أن آتي لو لم تكن هذه هي إرادة الرب. ولكن إذ جئت واستوليت على مدن كثيرة، فإن كانت أورشليم لم تُمس بعد، فمن الواضح أن هذه إرادته أن أجيء. القديس جيروم الرَّبُّ قَالَ لِي اصْعَدْ عَلَى هَذِهِ الأَرْضِ وَاخْرِبْهَا. [25] يبدو أنه قد بلغ الأشوريين النبوات الخاصة بأحكام الله التأديبية لشعبه (إش 10: 5-11)، لذلك حسب ربشاقى أن هذه الحملة لمهاجمة يهوذا هي بسماح من الله. بهذا أراد أن يبث الرعب في قلوب سكان أورشليم (2 أي 32: 18)، بأنه حتى الله إلههم يقف ضدهم. يرى ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقى لم يكن أشوريًا، لأن حديثه هنا يكشف عن شخصه أنه ليس بغريب عن إسرائيل، إذ أدرك أن تسليم الأسباط العشرة للأسر الأشوري هو بأمر إلهي لتأديبهم مقاومتهم لله. فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا وَشِبْنَةُ وَيُواخُ لِرَبْشَاقَى: كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأراميِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ. [26] كانت الأرامية في ذلك الوقت تُستخدَم في المعاملات الدولية، وكان مندوبو الملك يتوقعون أن ربشاقى يتكلم بالأرامية لا باليهودية التي يتحدث بها عامة الشعب، لكن ما كان يهم الأشوريون أن يتحدثوا مع الشعب ليُحَطِّموا نفسية الملك ورجاله. فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَمِ؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ، لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟ [27] أراد ربشاقى أن يتحدث بلغة الشعب العامية حتى يثور على الملك ورجاله، وفي نفس الوقت تحدث بعبارات لا تليق بأناسٍ مسئولين، إنما إن صح التعبير تحدث بلغة الشارع: "ليأكلوا عذرتهم، ويشربوا بولهم معكم". لقد تشامخ ربشاقى وعيَّر الإله الحيّ، لذا يحتاج الأمر إلى تدخُّل هذا الإله لإعلان مجده وقدرته، ولأجل خلاص البقية الأمينة له. يقول المرتل: "حتى متى يا الله يُعيّر المقاوم؟!" (مز 74: 10) جاءت عبارة ربشاقى عما سيحل بالمدينة بسبب حصار الأشوريين غير لائقة، إذ شبَّه الشعب بأنه من شدة الجوع والعطش يأكلون الروث ويشربون بولهم. وإذ كان القديس يوحنا الذهبي الفميتحدث مع الذين يذهبون إلى المسارح الخليعة يقول لهم: [الذين يجعلونكم تصغون إلى أغاني الباغيات يضعون روثًا في آذانكم. إنهم يجعلونكم تعانون ليس فقط من الكلمات بل ومن الأفعال ما يهدد به البرابرة: "تأكلون روثكم".] v الذي يقع في أعمال سمجة يقول في قلبه: "ليس إله"، ويخرج من الإيمان الحقيقي، ويسقط في الكفر، لأن بشنائعه يُفسِد ما قد زرعه الله في قلوب البشر من الاعتقاد القويم والرأي السليم. لأن الإيمان لا يكون قائمًا إلاَّ بالأعمال، كما كان كرنيليوس وغيره لطهارة سيرتهم، وحسن أعمالهم، استناروا بنور الإيمان المستقيم، أما من كان مضادًا لذلك فإنه فاسد. الأب أنسيمُس الأورشليمي ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى . عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ وَتَكَلَّمَ قَائِلًا:اسْمَعُوا كَلاَمَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. [28] هَكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا، لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ مِنْ يَدِهِ. [29] كان ربشاقى يحث الشعب أن يتخلوا عن اتكالهم على الرب، ويثقوا في سنحاريب عوضًا عنه، وألا يثقوا في الملك. لقد كرَّر عبارة: "لا يخدعكم حزقيا" وما يعادلها [22، 29، 30]. أراد أن يثور الشعب على الملك، ووعدهم بأن ملك أشور أعدّ لهم مكانًا أفضل مما يعيشون فيه. وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلاً: إِنْقَاذًا يُنْقِذُنَا الرَّبُّ وَلاَ تُدْفَعُ هَذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. [30] إذ حاصَر الأشوريون أورشليم لم يراعوا الله بل أهانوه، لذلك أرسل ملاكه يُرعبهم (2 مل 18). الذي لا يدعو الله لأجل الله نفسه، وإنما لأجل أمورٍ زمنيةٍ، يفقد فرحه ببهجة الخلاص، وعوض السلام يحل الخوف بلا سبب حقيقي سوى حرمانه من الله مصدر السلام. v اتهام ربشاقى ضد حزقيا واضح أنه مع استيلاء أشور على مدن يهوذا (إش 36: 1) لا يزال يتكل على الرب كما قال للشعب: [لا تخافوا ولا ترتعبوا من ملك الأشوريين وكل الجمهور الذي معه. فإن معه ذراع بشر، أما نحن فمعنا الرب إلهنا عوننا الذي يحارب عنا]. وقد تشجع الشعب بكلمات حزقيا ملك يهوذا، ولهذا أراد ربشاقى أن يفسد ما فعله حزقيا، لذلك قال للشعب: "لا يخدعكم حزقيا... ولا يجعلكم حزقيا تتكلمون على الرب" [29-30]. القديس جيروم لأَنَّهُ هَكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: اعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا وَاخْرُجُوا إِلَيَّ، وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ، وَاشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ [31] يُقدِّم لنا القديس جيرومتحليلاً لخطة ربشاقى الحربية، فقد بدأ بتهديد حزقيا الملك وقادته وشعبه، وألحق هذا التهديد بوعود يُقدِّمها للشعب، بهذا يفتح الباب للشعب أن يثور على الملك حزقيا ويَقْبَل الخضوع لملك أشور. v في الحال ألحق هذا التهديد بإغراءات لكي يخدع بالوعود المقابلة والتجاوب أولئك الذين لم يغلبهم بالرعب، قائلاً لهم نيابة عن ملك الأشوريين: [اعقدوا صلحًا معي واخرجوا إليّ]، (إش 36: 16) أو "اعقدوا معي ما هو نافع (لكم) وتعالوا إليّ"... يقول: [افعلوا ما هو لفائدتكم، فتزداد بركاتكم]. بمعنى آخر: "باركوا ملك أشور واحمدوه، واعترفوا أنه سيدكم، فتنالون مكافأة. وأيضًا لتحيوا في مدنكم وتتمتعون بمحاصيلكم حتى أرجع من مصر، أو حتى استرد "لبنة" المسلوبة. وعندما أجيء سأخذكم إلى أرض تشبه تمامًا أرضكم، بها قمح وخمر وزيت". لم يذكر اسم هذه الأرض، لأنه لا توجد أرض تعادل أرض الموعد. القديس جيروم بحلول عام 1200 ق.م. كانت الآبار تُقَوَّى بالأسمنت، مثل خزان قمران. يرى القديس كيرلس الكبير أن مخاطبة شعب أورشليم بالإضافة إلى أشياء أخرى تشير إلى إبهاج الحواس والفرح في الكرمة والتينة. ولقد أشار أيضًا أنهم سيشربون الماء كل واحدٍ من بئره [31]، (إش 36: 16). إن قوة الشيطان تظهر فينا بطريقة مزدوجة، عن طريق الانغماس في الملذات إما في ملذات خارج عنا أو في ملذات ناتجة عن الأسباب الطبيعية الداخلية. والتينة تمثل إبهاج الحواس (الشهوانية) الناتجة عن الخارج. حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ كَأَرْضِكُمْ، أَرْضَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، أَرْضَ خُبْزٍ وَكُرُومٍ، أَرْضَ زَيْتُونٍ وَعَسَلٍ وَاحْيُوا وَلاَ تَمُوتُوا. وَلاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا لأَنَّهُ يَغُرُّكُمْ قَائِلاً: الرَّبُّ يُنْقِذُنَا. [32] يرى ثيؤدورت أسقف كورش أن ربشاقى بقوله: "حتى آتي وآخذكم"، بأن لديه خطة واضحة وقائمة بأسماء أمم وشعوبٍ ومدنٍ يثير عليهم حربًا ويخضعهم ثم يعود ويأخذهم بسهولة. هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ الأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ [33] ركَّز ربشاقى على عجز كل آلهة الأمم التي حاربهم أشور عن أن ينقذوا شعوبهم من يده. أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ وَهَيْنَعَ وَعِوَّا؟ هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ [34] يقول ثيؤدورت أسقف كورش: [لقد أشار على وجه الخصوص إلى السامرة ليُظهر علانية أنه ليس أحد أظهر نفسه أقوى منهم (من الأشوريين)، ليس من ملكٍ ولا قائد ولا إله حامِ لهذه المدن. يقول: لقد هزمنا في نفس الوقت كل البشر وكل الآلهة، فلن يقف إلهكم أمام سيدي.] مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟ [35] في قصة يهوديت نرى عجرفة هولوفرنيس (أليفانا) واعتداده بذاته، إذ قال: [ولا ينجيهم إلههم](***). بهذا أرسل سنحاريب إلى حزقيا الملك يقول: "من مِنْ كل آلهة الأراضي أنقذ أرضهم من يدي حتى ينقذ الرب أورشليم من يدي" [35]. "لا يخدعك إلهك الذي أنت مُتَّكل عليه قائلاً: لا تُدفَع أورشليم إلى يد ملك أشور" (2 مل 19: 10). v ابغض العظمة، لأنها الثمرة المملوءة موتًا. وبها سقط الشيطان من البدء. بها سقط بيت آدم من الفردوس. ليس عند الله شيء بخس ومكروه كمثل العظمة، ومن يتشامخ بالكبرياء. القديس مار يعقوب السروجي لأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ: لاَ تُجِيبُوهُ. [36] بينما رفض ربشاقى أن يصمت، تحدث باليهودية حتى يحث الشعب على التجديف على الله، أما رب المجد يسوع فصمت أمام المحاكمات الباطلة الموجهة ضده حتى يحمل أثقال الشعب ويدخل بهم إلى معرفة الحق الإلهي. التزم الشعب كأمر الملك حزقيا ألا يجيبوا ربشاقى الذي استخف بالله [36]. بنفس الروح إذ أراد سنبلط أن يدخل في حوارٍ مع نحميا إذ أراد تحطيم عمل البناء، قال له: "لا يكون مثل هذا الكلام الذي تقوله، بل إنما أنت مختلقه من قلبك" (نح 6: 8)، ورفض الدخول معه في حوارٍ كطلب سنبلط القائل: "هلم... نتشاور معًا" (نح 6: 7). كان من المتوقع أن يعلنوا عن ثورتهم وعصيانهم على الملك، لكنهم صمتوا علامة الطاعة والثقة منتظرين أمر الملك وتعليماته. أطاعوا الملك الذي سألهم ألا يجيبوه، أي لا يدخلوا معه في حوار لئلا يسقطوا في الضعف كما سقطت حواء بحوارها مع الحية القديمة. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كان يجب عليها أن تصمت؛ كان يلزمها ألا تُبادلها الحديث، ولكن في غباءٍ كشفت قول الرب، وبذلك قدَّمتْ للشيطان فرصة عظيمة... انظروا أي شر هذا أن نُسَلِّم أنفسنا في أيدي أعدائنا والمتآمرين علينا.] كما يقول: [إذ لم يكن الشيطان قادرًا على تقديم شيء عمليًا، قدَّم بالأكثر وعودًا في كلماتٍ. هكذا هي شخصية المخادعين.] ويقول القديس أغسطينوس: [الله هو قائدنا، والشيطان هو مُهلِكُنا، القائد يُقدِّم وصيته، وأما المُهلِك فيقترح خدعة، فهل نصغي إلى الوصية أم إلى الخداع؟!] كمثالٍ، حينما يسأل إنسان عن وجود تناقضات في الكتاب المقدس، إن كان الشخص يطلب ذلك للسخرية، فالحوار معه يتحوَّل إلى مناقشات غبية، أما إذا كان جادًا في المعرفة، فالحوار لازم، وكما يقول الرسول بطرس: "قدِّسوا الرب الإله في قلوبكم، مستعدين دائمًا لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعةٍ وخوفٍ" (1 بط 3: 15). نفس الأمر إن كان الحوار مع ملحدٍ ينكر وجود الله، فإن القرار بالحوار أو عدمه يتوقف على إدراكنا لنيَّة السائل. فبرفض الإجابة نحرص ألا ننزلق إلى حماقته، وبردِّنا عليه نود أن نحفظه من الحماقة التي سيطرت عليه. يقول ثيؤدورت أسقف كورش: [إذ سمعوا تجديفه هذا الذي تحدَّى كل حديث، لم يجب ألياقيم ورفاقه هذا الشرير بكلمة، بل مزَّقوا ثيابهم قبل الانطلاق بسرعة إلى الملك التقي وإخباره بالكلام كما بمظهرهم عن مبالغته في التجديف. والملك بدوره تعجب وفعل نفس الأمر، إذ مزَّق ثوبه الملوكي واستبدله بالمسوح، وجرى ليقترب من الله خالق المسكونة الذي هاجموه كما هاجموا معه الملك.] v بقى كل الشعب صامتًا، ولم ينطق أحد بشيءٍ له، إذ قبلوا تعليمات الملك ألا يجيبوه. فإذ كان حزقيا بالحق إنسانًا بارًا يعمل بإخلاصٍ تامٍ وبكل حكمةٍ، سألهم ألا يجيبوا هذا الأشوري المُجدِّف، لئلا يُثار إلى ارتكاب تجديف أعظم. لذلك كُتب: [تلهب جمر الخاطي] (سي 8: 13). كما نقرأ في المزامير: "حينما وقف الخاطي قبالتي، حبست لساني، وأذللت نفسي، ولزمت الصمت بخصوص الصلاح" (راجع مز 39: 2-3 الترجمة السبعينية). وأيضًا: "ضع يا رب حافظًا لفمي، وبابًا حصينًا لشفتيّ، ولا تُمِل قلبي إلى كلام الشر" (مز 140: 3-4 الترجمة السبعينية). القديس جيروم القديس ديديموس الضرير القديس أغسطينوس إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، فَأَخْبَرُوهُ بِكَلاَمِ رَبْشَاقَى. [37] نعود إلى الملك لنراه عند سماعه كلمات ربشاقى "مزَّق ثيابه وتغطَّى بمسح ودخل بيت الرب". كان ذلك علامة حزنه مع تواضعه أمام الله . أرسل حزقيا الياقيم وشبنة وشيوخ الكهنة متغطين بمسوح إلى إشعياء النبي (2 مل 19: 2). لقد تغيَّر الحال، فبعد أن كانت القيادات المدنية والدينية تسخر بإشعياء حين كان يسير حافيًا وعريانًا، منذرًا إياهم أن فرعون ورجاله لن يستطيعوا إنقاذهم (إش 21)، الآن ها هم يأتون إليه لابسين المسوح في مرارةٍ، يعلنون حاجتهم إلى صلواته ومشورته. أدركوا أنه "يوم شدة وتأديب وإهانة" (2 مل 19: 3)، فليكن يوم توبة وصلاة. شعروا "أن الأجِنَّة دنت إلى المولد ولا قوة على الولادة" (2 مل 19: 3)، من يستطيع أن يُعِين إلاَّ الله خلال الصلاة؟! لا يقدر فرعون بكل إمكانياته أن يهب المرأة الحامل قدرة على الولادة حتى متى حان وقت الطلق... الصلاة هي "المولِدة" للرحمة التي تحقق الولادة. كانت عادة تمزيق الثوب الخارجي التي تُعَبِّر عن الحزن الشديد، مثل موت أحد الأقرباء منتشرة في كثير من الأمم، وإلى وقت قريب كانت منتشرة في بعض قُرَى الصعيد بمصر. أما عند اليهود، فكانت هذه العادة تُمارَس بالأكثر عند سماع تجديف على الله، ليُعلِنَ المُستمِع أنه بريء من هذا التجديف ولا يطيق الاستماع إليه، وذلك كما فعل رئيس الكهنة في محاكمة السيد المسيح، وإعلانه بأنه مُجَدِّف. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليس شيء يُعادِل الصلاة! إنها تجعل المستحيل ممكنًا، والصعب سهلاً. لا يمكن للإنسان الذي يُصلِّي أن يسقط في خطية]. ويقول الأب ثيوفان الناسك: [الصلاة هي كل شيء؛ هي موجز كل شيء: الإيمان، الحياة حسب الإيمان، الخلاص الخ.] كما يقول إن الصلاة هي [نسمة الروح]، هي [مقياس الحياة الروحية]، الكنيسة كلها [تتنسم خلال الصلاة]. v بالتأكيد لم يفرح البار حزقيا في كارثة السبي التي ستحل على أولاده، لكنه لم يستطع أن يعترض على إرادة الرب، فتقبَّل أمر الرب بصبر، بكونه خادمًا متواضعًا. القديس أمبروسيوس |
![]() |
|