منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 28 - 03 - 2015, 09:38 AM
الصورة الرمزية Ramez5
 
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Ramez5 متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 43,808

"وَفِيمَا هُوَ مُجْتَازٌ رَأَى إِنْسَاناً أَعْمَى مُنْذُ وِلَادَتِهِ، فَسَأَلَهُ تَلَامِيذُهُ قَائِلِينَ: "يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟" أَجَابَ يَسُوعُ: "لَا هذَا أَخْطَأَ وَلَا أَبَوَاهُ، لكِنْ لِتَظْهَرَ أَعْمَالُ اللّهِ فِيهِ. يَنْبَغِي أَنْ أَعْمَلَ أَعْمَالَ الَّذِي أَرْسَلَنِي مَا دَامَ نَهَارٌ. يَأْتِي لَيْلٌ حِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَعْمَلَ. مَا دُمْتُ فِي الْعَالَمِ فَأَنَا نُورُ الْعَالَمِ". قَالَ هذَا وَتَفَلَ عَلَى الْأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِيناً وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الْأَعْمَى. وَقَالَ لَهُ: "اذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ". الَّذِي تَفْسِيرُهُ مُرْسَلٌ. فَمَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيراً" (يوحنا 9:1-7).

مرَّ المسيح في مدينة أورشليم برجل وُلد أعمى، فسأله تلاميذه: "من أخطأ، هذا أم أبواه، حتى وُلد أعمى؟". أجابهم المسيح بما معناه أن هذه المصيبة العظيمة لم تأتِ هذا الرجل نتيجة خطيئة ارتكبها هو أو والداه، إنما سمحت العناية الإِلهية بهذه الضربة لتظهر أعمال اللّه في المُصاب.

ما أعظم الفرق بين هذا الكلام المعزي من المسيح، وكلام التأنيب الموجِب لليأس الذي كان يسمعه ذلك الأعمى كل حياته من الجميع عن أسباب مصيبته. ها هو يسمع لأول مرة أن مصيبته هذه لا تدل على أنه مغضوب عليه من اللّه ومرفوض، بل بالعكس، أن للّه في مصيبته مقاصد صالحة، فنقله هذا الكلام من عالم اليأس إلى عالم الرجاء. سأل عن اسم من يكلِّمه، وعرف أن اسمه "يسوع". يا لمصيبة عماه! إنه لا يستطيع أن يرى هذا الذي انتصر له. لو قدم له المسيح في هذه الساعة ليس الدنانير النحاسية التي تعوَّدها، بل الذهبية أيضاً، لما أحسن إليه بمقدار إحسانه بهذا الجواب، حتى لو تركه وشأنه حالاً.

لكن هذه اللفتة كانت بداية عمل المسيح الصالح معه. نبَّه المسيح سامعيه أولاً إلى قِصَر الفرصة الباقية له للعمل. قال: "ينبغي أن أعمل أعمال الذي أرسلني ما دام نهار. يأتي ليل حين لا يستطيع أحد أن يعمل". ثم أشار إلى وظيفته كالنور الحقيقي الآتي إلى العالم الذي ينير كل إنسان، وقال: "ما دمتُ في هذا العالم فأنا نور العالم". أي أن الظلمة الجسدية والروحية التي أعثرت هذا الضرير هي ضدي وأنا ضدها، فسأزيلها. ثم فعل المسيح ما قاله. تفل على الأرض وصنع طيناً، وطلى بالطين عيني الأعمى، وأمره أن يذهب ويغتسل في بركة سلوام، فمضى واغتسل وأتى بصيراً.

ظهرت القوة الإلهية في هذا العمل بواسطة الفرق العظيم بين طريقة الشفاء ونتيجته. إن الطين يُعمي العين السليمة، لكن الطلي بالطين كان مهماً لأجل تحقيق العلاقة بين الفاعل وفعله، ولأجل إحياء الإيمان في قلب هذا الأعمى. كان مهماً أيضاً إيضاح ضرورة الطاعة التي هي ثمر الإيمان. فعلى الأعمى أن يطيع وإلا فلا يستفيد من عمل المسيح. ليست النتيجة العجيبة التي حدثت ثمر عمل الأعمى، لكنها توقفت على ذلك الفعل. ولو لم يؤمن لما أطاع. لو لم يطع بعد إيمانه لما جاز أن يُقال إنه آمن. جاءه الشفاء لأنه آمن إيماناً يثمر بالطاعة. وهذه على الدوام قاعدة الخلاص والإيمان والأعمال. من يؤمن يخلص، ومن يؤمن لا بد له أن يعمل. فإن لم يعمل حسب الفرصة المُعطاه له يحكم أنه لم يؤمن، فيهلك، ليس لأنه لم يعمل بل لأنه لم يؤمن إيماناً صحيحاً.

نرى هذا الأعمى يسير بين الجمهور، بعد أن طلى المسيح عينيه بالطين، وقَبْل أن يغسلهما في بركة سلوام، ووجهه ملطخ بالطين، وسيْره جديٌّ فوق العادة، مما ينبّه الناظرين ويثير عليه الاستهزاء. لكن الاستهزاء لم يُثْنه عن طاعته، ولا نصائح العقلاء له أن لا ينقاد لكلام المسيح المكروه من قادة الدين، وان لا يعرض نفسه لغيظ الرؤساء، لأنه يعمل في السبت ضداً لتعاليمهم. كل هذه لم تطفئ فتيلة إيمانه المدخنة، ولم تردَّه عن الذهاب إلى حيث أمره المسيح. ولما نال البصر عاد إلى المكان الذي فارق فيه المسيح ليمتّع بصره الجديد برؤية الذي أنعم عليه بهذه الهبة التي لا تُثمَّن، وليقدم له الشكر اللائق والواجب، ويستمد منه إرشادات جديدة دينية. لكنه لم يجد المسيح هناك، ولم يجد من يهديه إليه.

هذه المعجزة رمز مناسب جداً للخلاص. لأنها منحت هذا المولود أعمى ما لم يكن له سابقاً. كانت مصيبة هذا الرجل الكبرى أنه مولود أعمى بالمعنى الروحي أيضاً، لأنه وُلد في الإِثم والخطيئة كما ذكَّره الرؤساء، فمنحه المسيح مع البصر الجديد الجسدي، ما هو أهم بما لا يُقاس، وهو بصر جديد روحي.

"فَالْجِيرَانُ وَالَّذِينَ كَانُوا يَرَوْنَهُ قَبْلاً أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى، قَالُوا: "أَلَيْسَ هذَا هُوَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ وَيَسْتَعْطِي؟" آخَرُونَ قَالُوا: "هذَا هُوَ". وَآخَرُونَ: "إِنَّهُ يُشْبِهُهُ". وَأَمَّا هُوَ فَقَالَ: "إِنِّي أَنَا هُوَ". فَقَالُوا لَهُ: "كَيْفَ انْفَتَحَتْ عَيْنَاكَ؟" أَجَابَ ذَاكَ وَقَالَ: "إِنْسَانٌ يُقَالُ لَهُ يَسُوعُ صَنَعَ طِيناً وَطَلَى عَيْنَيَّ، وَقَالَ لِي: اذْهَبْ إِلَى بِرْكَةِ سِلْوَامَ وَاغْتَسِلْ. فَمَضَيْتُ وَاغْتَسَلْتُ فَأَبْصَرْتُ". فَقَالُوا لَهُ: "أَيْنَ ذَاكَ؟" قَالَ: "لَا أَعْلَمُ" (يوحنا 9:8-12).

نال المولود أعمى شفاءه في يوم سبت - وهو يوم راحة عند اليهود. وعندما رأى المتعصبون الرجل ماشياً في السبت يطلب الشفاء حنقوا عليه، وأرادوا أن يعاقبوه لأنه خالف شريعة السبت المقدسة. ولم يجسر أحد أن يدافع عمَّا فعله المسيح، ولا عمَّا جرى مع الأعمى، لأن الرؤساء كانوا قد أعلنوا جهاراً أنه إن اعترف أحدٌ بأنه المسيح يُحرَم من امتيازاته الدينية والمدنيّة، ويطردونه من ممارسة العبادة.

لما فشل الأعمى الذي أبصر أن يرى شافيه، رجع إلى بيته ليرى والديه وجيرانه لأول مرة في حياته التي لم تقلّ عن الثلاثين سنة.

ما أعظم التغيير الذي حصل في منظر هذا الرجل بسبب ما جرى له. فقد انفتحت عيناه، وضاء وجهه بالفرح، وتغيّرت لهجته، فلم يعرفه الذين كانوا يعرفونه بعض المعرفة السطحية فقط. لهذا السبب اختلف الرأي بخصوصه. اعتقد البعض أن شفاءه وَهْمٌ وخداع، وأن هذا البصير ليس هو ذاك الضرير بل شخص آخر يشبهه. أما هو فقال: "إني أنا هو". ولما سألوه عما جرى له، ومن شفاه، أجابهم بالواقع. لكن لما سألوه عن شافيه أين هو؟ قال: "لا أعلم". وهو يتمنى لو استطاع أن يهتدي إلى مكان المسيح ليهديهم إليه.

"فَأَتَوْا إِلَى الْفَرِّيسِيِّينَ بِالَّذِي كَانَ قَبْلاً أَعْمَى. وَكَانَ سَبْتٌ حِينَ صَنَعَ يَسُوعُ الطِّينَ وَفَتَحَ عَيْنَيْهِ. فَسَأَلَهُ الْفَرِّيسِيُّونَ أَيْضاً كَيْفَ أَبْصَرَ، فَقَالَ لَهُمْ: "وَضَعَ طِيناً عَلَى عَيْنَيَّ وَاغْتَسَلْتُ، فَأَنَا أُبْصِرُ". فَقَالَ قَوْمٌ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ: "هذَا الْإِنْسَانُ لَيْسَ مِنَ اللّهِ، لِأَنَّهُ لَا يَحْفَظُ السَّبْتَ". آخَرُونَ قَالُوا: "كَيْفَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ خَاطِئٌ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ هذِهِ الْآيَاتِ؟" وَكَانَ بَيْنَهُمُ انْشِقَاقٌ. قَالُوا أَيْضاً لِلْأَعْمَى: "مَاذَا تَقُولُ أَنْتَ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟" فَقَالَ: "إِنَّهُ نَبِيٌّ". فَلَمْ يُصَدِّقِ الْيَهُودُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ أَعْمَى فَأَبْصَرَ حَتَّى دَعَوْا أَبَوَيِ الَّذِي أَبْصَرَ. فَسَأَلُوهُمَا قَائِلِينَ: "أَهذَا ابْنُكُمَا الَّذِي تَقُولَانِ إِنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى؟ فَكَيْفَ يُبْصِرُ الْآنَ؟" أَجَابَهُمْ أَبَوَاهُ وَقَالَا: "نَعْلَمُ أَنَّ هذَا ابْنُنَا وَأَنَّهُ وُلِدَ أَعْمَى، وَأَمَّا كَيْفَ يُبْصِرُ الْآنَ فَلَا نَعْلَمُ. أَوْ مَنْ فَتَحَ عَيْنَيْهِ فَلَا نَعْلَمُ. هُوَ كَامِلُ السِّنِّ. اسْأَلُوهُ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِهِ". قَالَ أَبَوَاهُ هذَا لِأَنَّهُمَا كَانَا يَخَافَانِ مِنَ الْيَهُودِ، لِأَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا قَدْ تَعَاهَدُوا أَنَّهُ إِنِ اعْتَرَفَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ يُخْرَجُ مِنَ الْمَجْمَعِ. لِذلِكَ قَالَ أَبَوَاهُ: "إِنَّهُ كَامِلُ السِّنِّ، اسْأَلُوهُ" (يوحنا 9:13-23).

لم يهتدِ المتعصبون إلى الذي سبَّب هذه المخالفة، فجرُّوا الأعمى الذي أبصر إلى مجلسهم ليحاكموه. ولما طلب أعضاء المجلس أن يسمعوا القصة من فمه رأساً قصَّها عليهم. ولما علموا أن المسيح الذي يبغضونه وينوون قتله فعل هذه المعجزة حاروا في أمرهم. إنْ هم حكموا على المسيح بمخالفة السبت يثبتون المعجزة ويشِيعُون خبرها، فيزيد تمسُّك الشعب بالمسيح. ولأنه وقت العيد العظيم لا يُستبعَد أن الشعب يثير حركة سياسية، وينادي بالمسيح ملكاً. وإنْ هم أنكروا حقيقة المعجزة، يخسرون الحُجَّة التي فرحوا لها للحكم عليه بأنه دنَّس السبت. لذلك ترددوا وناقضوا ذواتهم لأنهم أثبتوا المعجزة أولاً، وافتكروا الآن أن يلاشوا تأثيرها بقولهم إن فِعْلها في يوم السبت برهان أن الفاعل ليس من اللّه، بل قد فعلها بقوة الشياطين!

لكن قوماً في المجلس اعترضوا بقولهم: "كيف يقدر إنسان خاطئ أن يعمل مثل هذه المعجزة؟" فحصل انقسام في المجلس، وغيَّروا خطَّتهم وعمدوا إلى حيلة ضد الأولى، إذْ حاولوا إنكار المعجزة لعلهم ينجحون في اتهام المسيح بالاحتيال، وطلبوا أن يجبروا الرجل وأبويه على إنكار المعجزة. ولكنه قال: "أعلم شيئاً واحداً: أني كنتُ أعمى والآن أبصر". هذا القول هو شعار كل من اختبر الخلاص بالمسيح، بواسطة الإيمان الحي به، لأنه يقدم الشهادة عينها.

"فَدَعَوْا ثَانِيَةً الْإِنْسَانَ الَّذِي كَانَ أَعْمَى، وَقَالُوا لَهُ: "أَعْطِ مَجْداً لِلّهِ. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ هذَا الْإِنْسَانَ خَاطِئٌ". فَأَجَابَ: "أَخَاطِئٌ هُوَ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالْآنَ أُبْصِرُ". فَقَالُوا لَهُ أَيْضاً: "مَاذَا صَنَعَ بِكَ؟ كَيْفَ فَتَحَ عَيْنَيْكَ؟" أَجَابَهُمْ: "قَدْ قُلْتُ لَكُمْ وَلَمْ تَسْمَعُوا. لِمَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تَسْمَعُوا أَيْضاً؟ أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصِيرُوا لَهُ تَلَامِيذَ؟" فَشَتَمُوهُ وَقَالُوا: "أَنْتَ تِلْمِيذُ ذَاكَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّنَا تَلَامِيذُ مُوسَى. نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مُوسَى كَلَّمَهُ اللّهُ، وَأَمَّا هذَا فَمَا نَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُوَ". أَجَابَ الرَّجُلُ وَقَالَ لَهُمْ: "إِنَّ فِي هذَا عَجَباً! إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ. وَنَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ لَا يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي اللّهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ فَلِهذَا يَسْمَعُ. مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَداً فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى. لَوْ لَمْ يَكُنْ هذَا مِنَ اللّهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئاً". أَجَابُوا قَالُوا لَهُ: "فِي الْخَطَايَا وُلِدْتَ أَنْتَ بِجُمْلَتِكَ، وَأَنْتَ تُعَلِّمُنَا!" فَأَخْرَجُوهُ خَارِجاً" (يوحنا 9:24-34).

ولما وجَّه الرؤساء أسئلتهم للأعمى الذي أبصر قال: "قلت لكم ولم تسمعوا. لماذا تريدون أن تسمعوا أيضاً؟ ألعلكم أنتم تريدون أن تصيروا له تلاميذ؟" فشتموه مفتخرين بأنهم تلاميذ موسى، بينما هو تلميذ هذا الجليلي المجهول الأصل. شتموه بحجة أنه ضلَّ وكفر في تسميته المسيح نبياً. ولامهم الأعمى الذي أبصر لأنهم - وهو معلمو الدين - يجهلون أصل شخص عمل ما يبرهن أنه من اللّه. وختم جوابه بكلام قوي أظهر ذكاءه وشجاعته وإيمانه. إذ قال إن كل تاريخهم منذ نشأة العالم لا يذكر شخصاً واحداً منح البصر لمولود أعمى. ثم قال: "نعلم أن اللّه لا يسمع للخطاة، ولكن إنْ كان أحد يتّقي اللّه ويفعل مشيئته فلهذا يسمع. لو لم يكن هذا من اللّه ما قدر أن يفعل شيئاً".

ويستند قوله هذا على بعض آيات الكتاب، فالخاطئ الوحيد الذي يسمع له اللّه هو الذي يقدم توبة حقيقية صادقة. فاستشاطوا غيظاً وقالوا له: "في الخطايا وُلدت أنت بجملتك وأنت تعلّمنا!". ثم حكموا عليه بالحَرْم الأعظم وأخرجوه من المجمع.

"فَسَمِعَ يَسُوعُ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهُ خَارِجاً، فَوَجَدَهُ وَقَالَ لَهُ: "أَتُؤْمِنُ بِابْنِ اللّهِ؟" أَجَابَ: "مَنْ هُوَ يَا سَيِّدُ لِأُومِنَ بِهِ؟" فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "قَدْ رَأَيْتَهُ، وَالَّذِي يَتَكَلَّمُ مَعَكَ هُوَ هُوَ". فَقَالَ: "أُومِنُ يَا سَيِّدُ". وَسَجَدَ لَهُ" (يوحنا 9:35-38).

وما أن خرج الرجل من المجمع مطروداً حتى لاقاه المسيح، فقال له: "أتؤمن بابن اللّه؟". لم يعلن المسيح ذاته كابن اللّه للعلماء في الأمة، لكنه أعلن ذلك لهذا الفقير الميَّال إلى الإيمان، والذي ظهر جوهره لما أجاب: "من هو يا سيد لأومن به؟" فأناره المسيح بقوله: "قد رأيتَه، والذي يتكلم معك هو هو".

ما أصعب هذا الجواب على مسامع يهودي متمسك بالتوحيد. كيف يكون هذا الرجل الذي أمامه ابن اللّه وكل ملامحه بشرية؟ فإنْ كان حقاً ابن اللّه فيجب أن يسجد له حالاً، وإلا فلا يجوز، بل يكون السجود له خطيئة عظيمة. لقد عرف أولاً واعترف أن المسيح نبي ولم يسجد له، وأما الآن فيسجد، لأنه صدَّق أنه ابن اللّه، وهذا يُجيز سجوداً له لا يُعطَى لنبي أو ملك أو ملاك.

في هذه الساعة تمَّ شفاء هذا الرجل من عماه الروحي الذي وُلد فيه، فأبصر جلياً ورأى أمامه بعينه الجسديتين يسوع الناصري ابن مريم، وبعين الإِيمان رأى ابن اللّه الوحيد. أخذ هذا المسكين من رؤسائه الشتيمة والحرم، لكن المسيح عوَّض عليه أضعاف الأضعاف بالبركة والخلاص. أولئك أخرجوه من المجمع وأغلقوا في وجهه باب النظام الديني والحقوق المذهبية، لكن المسيح أدخله إلى ملكوت اللّه وفتح له باب السماء. وبسبب عماه اهتدى إلى الخلاص الأبدي، وربح صداقة هذا الخِلّ السماوي، ونال ذكراً شريفاً أبدياً في التاريخ. ثم أنه خدم المسيح بنشر صيته انتشاراً جديداً بشهادته الصادقة له، وخدم ذوي القلوب السليمة حوله بإعطائهم أسباباً كافية ليلجأوا إلى هذا المخلّص وينالوا به خلاصاً. أفلا يحقُّ لنا أن نتصَّوره بين القديسين في السماء يقدم شكراً وافراً على الدوام، لأنه وُلد أعمى.
رد مع اقتباس
قديم 28 - 03 - 2015, 09:40 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
Ramez5 Male
❈ Administrators ❈

الصورة الرمزية Ramez5

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 1
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 51
الـــــدولـــــــــــة : Cairo - Egypt
المشاركـــــــات : 43,808

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Ramez5 متواجد حالياً

افتراضي رد: موضوع متكامل عن المولود أعمى ( الاسبوع السادس من الصوم الكبير )

نسمع في نص إنجيل يوحنا الخاص بمعجزة شفاء المولود أعمي سؤال التلاميذ للرب :
" يا معلم مَنْ أخطأ هذا أم أبواه حتي وُلدِ أعمي " ( يو 9 : 2 ) كيف إعتبر التلاميذ أن الأعمي يستطيع أن يخطئ قبل ولادته ؟
وكيف نفسر إجابة المسيح بأن " لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه " ( يو 9 : 3 ) ؟
ينبغي علينا لكي ندرك مفهوم سؤال التلاميذ فيجب أن نعرف الخلفيات التعليمية لهذا السؤال.
إن سؤال التلاميذ : " يا معلم مَنْ أخطأ هذا أم أبواه حتي وُلدِ أعمي "(يو 9 : 2) ؟
هو سؤال عادي ومتوقع بالنسبة لطريقة التفكير اليهودية, تلك الطريقة التي بمقتضاها كل شيء يُقيّم ويُفهّم بإرتباطه بالناموس الموسوي.
الخطية ـ بالنسبة لليهودي ـ هي مخالفة الوصية الناموسية. وهذه الخطية تجلب للمخالف ـ قياساً بمدي حجمها وإتساعها ـ غضب الله وعقابه.
إذن التلاميذ وضعوا في حسابهم ـ كأمر مسلم به ـ أن الأعمي أو أبواه قد خالفوا الناموس, وبالتالي أدركوا هذا العمي علي أنه بمثابة عقاب الله بسبب هذه المخالفة.
فالتلاميذ ألقوا مسؤلية ما يعاني منه المولود أعمي للمولود أعمي نفسه علي أساس الفكر اليهودي بأن الجنين يمكن أن يخطئ وهو موجود في بطن أمه.
كمثال يتعلق بهذا الأمر ما ذُكِر عن عيسو في النصوص الرابونية, بأنه حاول وهو جنين أن يؤذي أخوه التوءم يعقوب.
كذلك أيضاً ينسب التلاميذ لأبوي المولود أعمي المسئولية حيث أنه في العهد القديم نجد الأعتقاد بأن عقاب الله يُمكن أن يُنقل من الآباء إلي الأبناء ( حز 20 : 5 ): " أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء الجيل الثالث والرابع من مبغضي " [ راجع أيضاً عدد 14 : 18. تث 5 : 9. مز 108: 14. أش 65 : 6 ـ 7 ].
علي الجانب الآخر, فإن حياة الإنسان ـ بحسب العهد القديم ـ ترتبط جوهرياً بقدرة هذا الإنسان علي الرؤية. فالنور يمثل جوهر الحياة. كون أنك لا تري النور يعني أنك ميت, بينما أن تمنح النور يعني أنك مُنحت الحياة.
بالتالي, المولود أعمي كان محكوم عليه بأن يعيش حالة الموت المستمرة, طالما يحيا محروماً منذ ولادته من الصلاح الجوهري للحياة, أي النور.
هذا الإنسان المولود أعمي لم يواجه فقط نتائج عماة بل في نفس الوقت عاني من الإحتقار الديني والعُزلة الإجتماعية, لأنه في نظر الجميع هو خاطيء ويحمل فوقه ـ بوضوح ـ علامات الغضب الإلهي والعقاب ولعنة الهجران الإلهي.
لأجل هذا قال له الفريسيون : " في الخطايا وُلدت أنت بجملتك وأنت تُعلمنا. فأخرجوه خارجاً " (يو 9 : 34) حالة الأعمي كانت صعبة جداً من واقع أنه ليس لديه أي رجاء للشفاء, إذ لم يسجل في العهد القديم حالات شفاء لأعمي منذ الولادة.
لأجل هذا يقول هذا الأعمي بعد معجزة الشفاء للمحققين من الفريسيين : " منذ الدهر لم يُسمع أن أحداً فتّح عيني مولود أعمي " ( يو 9 : 32 ).
علي النقيض كان موقف مريض بركة جسدا, الذي كان يأمل في أن يأتي أحد لكي يلقيه في البركة عند تحريك المياه ( أنظر يو 5 : 7 ), بينما كان الأعمي لا ينتظر إلا الموت الذي سوف يجده علي هذه الحالة من العمي.
علي الجانب الآخر, أظهر سؤال التلاميذ أنهم أيضاً مصابون بعمي روحي. مناداة الرب بالمعلم أي الرابي يا معلم, أي بلقب محترم لمعلمي الناموس, يظهر أن التلاميذ لم يدركوا بعد أن معلمهم هو هذا الاله ـ الكلمة المتجسد, الذي هو " النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتياً إلي العالم " (يو 1 : 9).
لقد ظلّ التلاميذ عميان أمام سر شخص وعمل الرب المحي. السؤال أظهر عماهم الروحي بوضوح, أيضاً لم يدركوا الأبعاد الحقيقية للخطية والسقوط, لقد واجهوا الخطية ـ كحالة معينة. وإعتبروا نتائجها الوخيمة بأنها نتائج حاسمة وجذرية ولا يمكن تغييرها, إذ لم يتطلعوا لشفائه بواسطة يسوع.
قد يكون سؤال التلاميذ نظرياً ـ شيق لاهوتياً, إلا أنه لا يلمس جوهر الأمور. لأنه لم يتركوا ولو هامش صغير للتدخل الإلهي.
الجزء الأول من إجابة يسوع : " لا هذا أخطأ ولا أبواه " أزال التساؤلات. ولكي ندرك جيداً أجابة يسوع ينبغي أن نفهمها خارج المعطيات اليهودية وتحت نور تعاليم العهد الجديد حيث الخطية لا تنحصر في مخالفة محدده للناموس. فالخطية هي ظُلمة يعيش فيها العالم ( أنظر يو 3 : 19 ), هي حالة الموت التي تسود علي الناس بلا إستثناء من بداية سقوط الآباء الأولين, هذه الحالة شوهت الإنسان المخلوق بحسب صورة الله.
هكذا عمي إنسان معين منذ الولادة مثله مثل الإنسان الممسوس, أو الأبرص, أو المقعد, أو أي مرض جسدي ونفسي, إشارة إلي سيادة الخطية والموت علي الوجود البشري. الرب لم يرفض في إجابته إرتباط الخطية بالمرض, بل رفض فقط النظرة للخطية علي أنها حالة محددة. فالذي تسبب بالعمي للإنسان ليست خطية بعينها بل السقوط وقوة الخطية التي سادت علي كل الجنس البشري.
الجزء الثاني من إجابة يسوع " لكي تظهر أعمال الله فيه.. " يحتاج إلي إيضاح حيث يبدو من الوهلة الأولي أنه يعني تركيز مفهوم عمي الإنسان في برهان مرئي لقوة الله, وعن حق إذا تسائل أحد قائلاً :
هل من الممكن أن يسمح الله بعذاب إنسان فقط لكي يبرهن ـ في لحظة ما ـ قوته ؟ هذه الرؤية بالطبع لا تتجاوب مع الواقع. إن أداة الربط " لكي " لا يجب أن تفسر كأمر نهائي ـ كما يقول ذهبي الفم ـ فالأعمي لم يُولد بهدف أن يُظهر ـ بواسطة شفاءه ـ أعمال الله, بل علي النقيض نتيجة عماه هو ظهور أعمال الله. إن يسوع بإجابته هذه يقدم ذاته كإله حقيقي, إذ يصف عمل شفاء الأعمي كعمل الله.
وبذلك أراد أن يقّوم هكذا الإنطباع الخاطئ للتلاميذ بأنه مجرد معلم حكيم للناموس. إن معلم الناموس ـ كما نعرفه من الكتابات الرابونية ـ في مثل هذا الموقف, ينشغل بتحليل هذه الحالة لكي يعرف مَنْ هو المسئول عن المرض الجسدي للمولود أعمي.
لكن يسوع بكونه الاله الحقيقي وبكونه " نور العالم " الحقيقي والفريد [ أنظر يو 8 : 12 : : 90 :5] يتخطي التشوق النظري للسؤال ويتدخل لكي يمنح النور للأعمي وأيضاً الحياة ذاتها. وفي نفس الوقت يمنح يسوع النور لأعين التلاميذ الروحية لكي يدركوا أنه هو كلمة الله المتجسد, وأن عمله هو عمل الله, بمعني عطية الحياة إلي الناس.
علي أساس كل ما ذكرناه فإن المولود أعمي يظل رمز للجنس البشري الساقط الذي خضع لسلطان الخطية والموت, والذي لا يستطيع بمفرده أن يُغير هذه السيادة, والذي ليس لديه ـ أيضاً ـ أي معرفة بوجود إمكانية لحياة تختلف تماماً نوعياً والتي لا تحمله مسئولية شخصية علي ما هو عليه.
المسيح هو بمفرده نور العالم والذي يمكن أن يُبطِل الخطية, وأن يُغير نتائجها الثقيلة علي الإنسان ويفديه ويحرره مِن العمي الروحي والموت مانحاً إياه النور والحياة. وينبغي علي الإنسان أن يدرك قيمة هذه العطية ويقبلها.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
الأحد السادس أحد المولود أعمى كارتون رائع للأطفال أحاد الصوم الكبير المقدس
الاسبوع السادس من الصوم المقدس (المولود اعمى)
الأحد السادس ( أحد التناصير ) من الصوم الكبير موضوع متكامل
الاحد السادس من الصوم الكبير ( المولود أعمى )
الاحد السادس من الصوم الكبير ( المولود أعمى - احد التناصير )


الساعة الآن 07:59 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025