![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الفصل الثاني الخطية وسقوط الإنسان خلق الله الإنسان ووضعه في أجمل مكان قد أُعد خصيصاً له، وكل موضع فيه يشهد بحُب الله ورعايته، ولو تأمّلنا في قصة الخلق، لوجدنا أنَّها كُتبت بأعظـم لغة ألا وهى: الحُب، فالله محبة وكل ما يخرج منه أو يصدر عنه هو حُب ويدعو إلى حياة الحُب، وقد خلق الإنسان لكي يصير شريكه في المحبّة الإلهية، والمحبّة لا تنمو إلاَّ في جو من الحرية، فلا إكراه في المحبّة وإلاَّ صارت عبودية! وعاش آدم وحواء في الفردوس مدة لا نعلمـها، كانا خلالها في بداية طريق الكمال، فالله قد خلق الإنسان من (الألف)، وذلك لكي يصل بملء حريته وكامل إرادته إلى (الياء) على حد تعبير " باسكال " الفيلسوف الفرنسيّ. ولكن تحقيق الكمال لا يتحقق إلاَّ بالنمو في الروحيات فالله روح " وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا " (يو26:4)، فكان يجب على آدم أن يقترب من خالقه، وينمو في محبته، ويزيد من قامته الروحية حتى يبلغ الاتحاد بالله، لا لكي يصير إلهاً بل ليصل إلى الكمال البشريّ الذي يريده الله " َكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِل " (مت48:5). إغراء الشيطان ولكن الشيطان بعد أن سقط لم يحتمل مجد الإنسان، ولذلك تدخّل في حياته، كما يتدخّل في حياتنا على الدوام، لقد أوحى إلى حواء بأن تأكل من ثمر الشجرة المُحرَّمة، التي نهاه عن أن يأكل منها، فالله يريد الحياة للإنسان، ووصية ألاّ يأكل من شجرة معرفة الخير والشر هي لكي لا يموت فيفقد الحياة، لذلك يدعوه أن يُحبّه ويتبع صوته " إِذْ تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْمَعُ لِصَوْتِهِ وَتَلتَصِقُ بِهِ لأَنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ وَالذِي يُطِيلُ أَيَّامَكَ " (تث20:30). ويزيد الشيطان من شدة الإغراء، عندما أوهم حواء بأنَّ الأكل من الشجرة يجعلها هى وزوجها مثل الله " يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ " (تك5:3)، وتُخدع حواء! وبكامل حريتها تدخل تلك الدائرة السحرية، وتستجيب لإغراء الشيطان، فأكلت من الشجرة وأعطت زوجها، وقد كان وحدثت المأساة! لقد أراد أبوانا أن يتألّها بمعزل عن خالقهما! ولو ثبتا على حُبّهما لله وعملا بوصاياه لَمَا أثمرت تجربة الشيطان، لكنَّهما سقطا في التجربة عندما ضحَّيا بالمحبة الإلهية بدافع من مطامعهما الشخصية!! وهكذا سقطا في الكبرياء مثلما سقط الشيطان من قبلهما عندما قال في قلبه: " أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللَّهِ وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الاِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ أَصْعَدُ فَوْقَ مُرْتَفَعَاتِ السَّحَابِ أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ" (إش13:14،14) فآدم وحواء لم يعصيا لمجرد تحصيل لذة محسوسة، لأنَّهما كانا مُبرَّأين من الشهوة والدليل: إنَّهما كانا عريانين وهما لا يخجلان (تك5:2)، كما أنَّهما قد خُلقا على صورة الله ومثاله (تك26:1) وصورة الله تعني: الطهارة، البراءة... لكنهما أرادا قبل كل شيء أن يكونا " كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ " (تك5:3). لماذا لم يمنع الله سقوط آدم؟ لا نُنكر أنَّ الله كان يمكن أن يوقف هذه المهزلة بصورة أو بأُخرى، ولكنَّ الله محبّة وقد خلق الإنسان ليحيا في دائرة المحبّة، والمحبّة والحرية لا تنفصلان، فحيثما توجد محبّة توجد أيضاً حريّة، أمَّا الإكراه فيلغي المحبّة! ولهذا فإنَّ السيد لا يعرف حُب وإخلاص عبده إلاَّ إذا أعطاه حريته! لقد ترك الله حرية الاختيار للإنسان، لأنَّه بمعزل عن هذه الحرية يفقد الإنسان كرامته ومسئوليته.. ولا تُصبح للروحيّات والفضيلة والمحبّة قيمة، لأنَّه بهذا الأُسلوب يكون مسيّراً وليس مخيّراً! وإن كان الله يستطيع أن يعمل كل شيء إلاَّ أنَّ شيئاً واحداً يرفضه، ولا يقبل أن يعمله ألا وهو: إجبارنا على محبته، ولهذا لم يتدخل الله ليمنع الإنسان من السقوط، رغم عِِلمه السابق بسقوطه! لقد دبّر وسيلة لخلاصه، وارتضى أن يتجسّد ابنه الحبيب ويموت ليُخلّص الإنسان! ولكنه رفض أن يمنعه من السقوط! لأنَّ المنع مناقض لمفهوم الحرية، وطعن في احترام الله للإنسان، ولهذا عندما عصت الملائكة تركها هى الأُخرى تسقط. وحتى الآن رغم أنَّ الله يُعلن عن حقيقة وجوده بأساليب كثيرة وطرق شتى، ورغم أنَّه يريد أن يختاره الإنسان إلهاً ويحيا معه بكل مشاعره، إلاّ أنَّه سمح له بأن يرفضه ويُنكر وجوده!! وها نحن نتساءل: ماذا فعل الله مع الملحدين وعَبَدة الأصنام والشيطان؟! نستطيع أن نقول: إنَّ معرفة الله بخطية آدم وخطايانا لا تلعب دوراً في الحد من حرية الإنسان، إن سمح الله بالتجربة فيجعل معها المخرج " اللهَ أَمِينٌ الَّذِي لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تَسْتَطِيعُونَ بَلْ سَيَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ أَيْضاً الْمَنْفَذَ لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا " (1كو13:10)، وهو يترك الأمر في النهاية لحرية الإنسان. والحق إنَّ كل من يريد أن يسلب الإنسان حريته، يريد أيضاً وقف تقدّمه ونموه وإبداعه... ونحن لا نُنكر أنَّ الحريّة هى التي تجعل الطالب المتمرّد يرسم الخطوط الملتوية على الورق، ولكنَّها في نفس الوقت تُساعد الطالب المجتهد، أن يكتب خطوطاً مستقيمة على الخطوط الملتوية، وهو بهذا يُعالج الخطأ بالصواب. |
![]() |
|