3 - رحمتك أمام عيني وفي حقك سلكت :
وضعت الرب أمامي في كل حين وبرغم خطايا صباي وجهلي إلا أن رحمتك افتقدتني ولم تهملني للحظة وغفرانك سربلني بثياب الملك والبهاء ومحا عني جميع خطاياي ... فسلكت حياتي كلها في نور شريعتك المحيية وحفظت الإيمان وأكملت السعي !!
القسم الثاني: دفاع عن هجره لشعبه وللهيكل (4-8):
بهروبه إلى بلد وثني عاش داود النبي طوال هذه الفترة المريرة محروماً من شعبه ومن بيت الله ، لكنه كان بقلبه يجلس مع أتقياء شعبه ويشارك العابدين بالروح والحق.
4 - لا أجالس المنافقين ومع الماكرين لا أدخل :
يبدأ المرنّم كعادته بفحص الضمير وهو مستعدّ لأن يمرّ عبر النار لا في الماء فقط لكي تُعلن براءته ويسرد في اعتراف سلبي: لم أجالس الأشرار، لم أدخل مع الماكرين،. لقد قرّر أن يعيش مع الله، ولهذا رفض مرافقة الأشرار (مزمور1: 1) وكذبهم (مزمور 12: 3؛ 41: 8) وأفكارهم الشريرة (مزمور 56: 6): ويعتقد أن من يحبّ الله يُبغض الأشرار (مزمور 5: 6؛ 139: 22). ويؤكد ذلك: كما تأمر الشريعة بالابتعاد عن المنافقين والماكرين، تحاشيت أن أجالسهم أو أخالطهم أو أشارك حتى في أحاديثهم، ولم أسهم قط في مؤامراتهم الدنيئة ولم أدخل حتى منازلهم ولم أشاركهم الطعام النجس ولا الحديث الدنس ولا الأقوال الباطلة والأفكار التافهة الجهالة التي تبعد الإنسان عن معرفة الله.
5 - أبغض أهل السوء ولا أجالس الأشرار :
يتفق العالم أجمع على أن الناس يُعرفون عبرالأصدقاء الذين يختارون، " قل لي من أصدقاؤك أقول لك من أنت"، " على أشكالها تقع الطيور "... فإن كان داود النبي قد اضطر إلى الهروب من وسط شعب الله إلى بلد وثني، لكنه لم يرافق من يعمل الظلم ولم يماثل الأشرار في خطاياهم. حقاً أن الوثنيين هم مجمع أشرار ومنافقون، وقد التجأ إليهم مضطراً هرباً من الاضطهاد، لكنه ليس له معهم شركة عمل أو فكر أو عقيدة أو طقوس وعبادة ؛ لم يجالسهم ولم يدخل معهم في عهود ولا أحب تصرفاتهم.
كانت الشريعة تنهي عن التعامل مع أهل السوء خوفاً من أن يجذبوا الأبرياء في فخاخهم ويزيغون عيون البسطاء ويسقطون المساكين... وكان هذا إجراءً وقائياً في مسيرة شعب الله إلى أن يتعمق الإيمان ويتجذر في قلوبهم مثلما تم منعهم عن كل صورة وتمثال وأيقونة ...
ولقد تجاوز المسيحيون مع مرور القرون ونضج الإيمان هذا الخطر إذ صار الإيمان داخلياً وعميقاً وراسخاً. كما أن كلمة يبغض في العبرية واليونانية لا تعني حقداً وكرهاً بل تعني " تفضيل" من يأتي إليّ فليبغض أباه وأمه"(لوقا 14 :26). والرب يسوع المحبة المتجسدة لا يطلب بغضاً بل أن تكون له الأولوية المطلقة في حياة من يتبعه.
6 - أغسل يدي بالنقاوة فأطهر وأطوف بمذبحك يا رب :
بعدما انتهى من استعراض ما يتحاشاه في التعاملات الاجتماعية مع الوثنيين؛ يتفحص داود علاقته الروحية مع الله وممارساته التقوية والطقسية، لم يكن داود النبي كاهناً ولا لاوياً لكنه كان عابداً صالحا وعاشقاً متيماً لبيت الرب... لكنه وقد اضطر للهروب من وسط شعبه وُحرم من العبادة الجماعية في بيت الرب المقدس، أعلن أولاً أن لا شركة له مع الأشرار في حياتهم الشريرة؛ ليصل من ثم إلى الجانب الإيجابي فيرى ذاته كأنه كاهن روحياً، إذ هو حاضر بقلبه في الهيكل وسط شعب الله يشارك الكهنة خدمتهم المقدسة، حاضر بالروح في الخيمة يغسل يديه مع الكهنة، لا بمياه المرحضة وإنما بنقاوة القلب الداخلي، ويطوف حول المذبح، لا بجسده وإنما بشوق قلبه الداخلي وحبه الناري الملتهب، يسمع التسبيح السماوي بأذنيه الروحيتين، ويتحدث عن عجائب الله... وكأنه لا توجد قوة ما قادرة أن تمنعه من التمتع بجمال بيت الله والتواجد في موضع مجد الله. هذا ما عبّر عنه بقوله: "أغسل يديَّ بالنقاوة. وأطوف بمذبحك يا رب.لكي ما أسمع صوت تسبيحك، وانطق بجميع عجائبك يا رب أحببت جمال بيتك وموضع مسكن مجدك ". بنما هو ما يزال بعيداً طريداً فهو إذن يتممّ في منفاه جميع الشروط اللازمة لدخول الهيكل (على غرار ما قرأنا في المزمور الرابع والعشرين، من يصعد إلى جبل الرب؟).