البدو والحضر:
كان العبرانيون قبل سِني إقامتهم في مصر يقيمون في خيام. فقد تخلى إبراهيم، إطاعةً لدعوة الله، عن حياة الاستقرار في مدينة أور المتحضرة على نهر الفرت النائي. وقضى باقي حياته يترحل من مكان إلى مكان، على الأقل بين الفينة والأخرى. كذلك سكن ابنه اسحاق وحفيده يعقوب أيضاً في خيام، على طريقة البدو. ولما كان الماء قليلاً، ولا سيما في الصيف وفي أزمنة القحط، حامى أهل كنعان عن آبارهم في وجه هؤلاء المرتحلين الذين استقوا الماء لهم ولمواشيهم أيضاً. ومن الأمثلة على هذا مخاصمة أبيمالك لإبراهيم حول الماء في بئر سبع (تكوين 21: 25- 31).
ومع أنه لم يكن لإبراهيم وأسرته إقامةٌ دائمة، فقد خبروا شيئاً من الاستقرار مكّنهم من الزرع والحصاد. ثم إنهم لم يبتعدوا كثيراً عن مراكز التجمعات السكنية الكبيرة.
وبعد زمن موسى أراد العبرانيون أن يستقروا في مواطن دائمة، ثم خاضوا حرباً امتدت بضع سنوات. ولما استولوا على الأرض، أرادت جماعاتٌ أخرى من البدو أن تستقر أيضاً هناك. فكان على العبراينين بدورهم أن يتعلموا معاملة هؤلاء الغرباء المشردين بلطف ورفق، وسرعان ما صار هؤلاء يشكلون الطبقة العاملة من الشعب.
وما كان نمط الحياة يوماً ليختلف عنه كثيراً في يوم آخر. حتى إن النمط الأساسي في حياة الأسرة قلّما تغير طيلة قرون. وما لم تكن تقطعه الجيوش الغازية، كان يسير على حاله بسلام. وقد كان للناس ارتباطٌ وثيق بالأرض. وكانت كل أسرة تعتني بحقلها الصغير. وكان هنالك دائماً بعض الحيوانات للرعي. أضف إلى ذلك التنظيف اليومي والخبز والغزل والنسج والصبغ، فضلاً عن العمل في الحقل.