
06 - 09 - 2025, 03:46 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
مَبدَأُ التَّواضُع
يُقَدِّمُ يَسوعُ المَبدَأَ الأَساسَ لِلتَّواضُعِ في بَيتِ أَحَدِ رُؤَساءِ الفِرِّيسِيِّين، حِينَ قال: "إِذا دُعيتَ إِلى عُرسٍ، فَلا تَجلِسْ في المَقعَدِ الأَوَّل، فَلرُبَّما دُعِيَ مَن هُوَ أَكرَمُ مِنكَ» (لوقا 14: 8). وَيَختِمُ تَعليمَهُ بِخُلاصَةٍ رُوحِيَّةٍ عَظيمَة: "مَن رَفَعَ نَفسَه وُضِع، وَمَن وَضَعَ نَفسَه رُفِع" (لوقا 14: 11).
َالتَّواضُعُ لَيسَ مُجرَّدَ خُلقٍ اجتِماعِيّ، بَل هُوَ فَضيلَةٌ أَساسِيَّةٌ تُساعِدُ الإِنسانَ أَن يَعرِفَ قَدرَ نَفسِهِ أَمامَ اللهِ وَالآخَرين. وَهُوَ عَكسُ الكِبرياءِ وَالزَّهُوِّ وَحُبِّ الظُّهور.
الإِنسانُ المُتَواضِعُ بَعيدٌ عَنِ الاِدعاءِ الفارِغ، وَلا يَتَّكِلُ عَلى حُكمِهِ الذّاتِيّ، بَل يَقبَلُ الواقِعَ كَما هُوَ. وَيُؤَكِّدُ سِفرُ الأَمثال: "لا تَكُنْ حَكيمًا في عَينَي نَفسِكَ، اِتَّقِ الرَّبَّ وَجانِبِ الشَّرّ" (أَمثال 3: 7).
وَيُعَلِّقُ القِدِّيسُ بَندِكتُس قائِلًا: "التَّواضُعُ في المَرتَبَةِ الأُولَى هُوَ أَن نَحفَظَ دومًا في نُفوسِنا مَخافَةَ الله، فَلا نَنسَاها مَهما حَصَل" (القَواعِد الرُّهبانِيَّة، الفَصل 7).
إِذَن، فَالتَّواضُعُ لَيسَ إِذلالًا وَلا احتِقارًا لِلنَّفس، بَل هُوَ اعتِرافٌ بِالحَقيقَة: أَنَّ كُلَّ خَيرٍ فينا هُوَ عَطيَّةٌ مِنَ الله وَبِفَضلِ الآخَرين. كَما يَقولُ بُولُسُ الرَّسُول: "فَمَنِ الَّذي يُمَيِّزُكَ؟ وَأَيُّ شَيءٍ لَكَ لَم تَنَلهُ؟ فَإِن كُنتَ قَد نِلتَهُ، فَلِمَ تَفتَخِرُ كأَنَّكَ لَم تَنَلهُ؟" (1 قورنتُس 4: 7).
وَيَشرَحُ القِدِّيسُ جان ڤيانيه ذلِكَ قائِلًا: "أَن يَكونَ الإِنسانُ مُتَواضِعًا لا يَعني أَن يَعتَبِرَ نَفسَهُ أَدنَى مِمّا هُوَ عَلَيهِ مِن ذَكاءٍ أَو مَعرِفَةٍ أَو فَضيلَة. يَكفِي أَلّا يَدَّعِيَ أَكثَرَ مِمّا لَهُ، وَأَن يَعتَرِفَ بِفَضلِ رَبِّهِ وَالنّاسِ عَلَيهِ، وَأَن يَقِفَ أَمامَ اللهِ بِحَقيقَتِهِ: بِالقَليلِ مِنَ الخَيرِ الَّذي فيهِ، وَبِالكَثيرِ مِنَ الشَّرّ. فَالتَّواضُعُ هُوَ الصِّدقُ مَعَ الذّات" ؟
هكَذا يَظهَرُ أَنَّ التَّواضُعَ، في نَظرِ يَسوعَ، لَيسَ مُجرَّدَ فَضيلَةٍ إِنسانيَّة، بَل هُوَ أُسلوبُ حَياةٍ إِنجيلِيّ، يَجعَلُنا نَرى حَقيقَتَنا أَمامَ الله، فَنُنسِبُ لَهُ كُلَّ مَجد، وَنَعتَبِرُ أَنفُسَنا خُدّامًا لِإِخوَتِنا.
|