البشارة لمريم هي بشرى للكنيسة وللبشرية جمعاء : بأنها ستكون أم الإله المتجسد، المسيح التاريخي، وأم أعضاء جسده السري الذي هو الكنيسة، المسيح الكلي. لهذا السبب حياها جبرائيل بسلام الفرح والتغبيط: "السلام عليك! افرحي! ولا تخافي! لأنك نلتِ حظوة عند الله" (لو1/28 و30) هذه الحظوة هي للبشرية بأسرها لأنها تحظى بعهد الفداء الشامل، ومريم بشرف الأمومة للإله وللكنيسة، بعد أن ملأها الله نعمة، تفيض منها وبواسطتها على البشرية جمعاء، بوصفها شريكة في التّجسد والفداء. ولهذا السبب لم يسمّها الملاك باسمها عندما حياها بل سماها "ممتلئة نعمة" وتكشف هذه التسمية سرّ مريم: - إنها بريئة من دنس الخطيئة الأصلية، ذلك أن النعمة الإلهية ملأتها منذ اللحظة الأولى لوجودها، فلم تعرف الخطيئة، لا الأصلية ولا الفعلية. - إنها بتول وأم، وظلت بتولاً قبل الميلاد وفيه وبعده، بفعل قدرة الله التي استقرت عليها بحلول الروح القدس، هذا ما شرحه لها الملاك بعد أن قال لها "الرب معك" مؤكداً واقعاً حاضراً فيها، لا مجرد دعاء. وبذلك هي مثال الأمومة والأبوة الروحية للذين واللواتي يكرسون بتوليتهم لله وللكنيسة بنذر العفة سواء في الحياة الرهبانية أم في العالم. - إنها مثال الكنيسة، الأم والبتول (الدستور العقائدي في الكنيسة، 63)، وقدوة لها في الإيمان والمحبة، بفضل اتحادها الكامل بإرادة الآب، وبعمل فداء الابن، والهامات الروح القدس (التعليم المسيحي، 967). - إنها أيقونة الكنيسة النهيوية، إذ تكشف ما ستصير الكنيسة في الوطن السماوي، في نهاية رحلتها على وجه الأرض (المرجع نفسه، 976). - إنها مثال لكل مسؤول يحمل سلطة كنسية أم عائلية أم مدنية، فيدرك أن "لا سلطة إلاّ من الله" (روم13/1)، وان صاحب السلطة هو خادم الله لدى الجماعة، يلتزم العمل بموجب ما يوحيه الله له للخير العام :"أنا أمة الرّب، فليكن لي حسب قولك" (لو1/38).