![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
في صباح عادي من عام 1984، كانت محطة القطارات الشهيرة Estació de França في برشلونة مزدحمة كالعادة. أصوات الميكروفونات، صرخات المسافرين، وصفير القطارات القادمة والراحلة. وسط هذا الضجيج، جلس ثلاثة أطفال صغار على أحد المقاعد: ريكارد (5 سنوات)، رامون (4 سنوات)، وإلفيرا (سنتان فقط). كانوا أنيقين على نحو غير مألوف، يرتدون ملابس مصممة بعناية، وكأنهم أبناء عائلة ثرية. تركهم رجل يُدعى دينيس، صديق والدهم الفرنسي، وقال لهم بابتسامة مطمئنة: "انتظروا هنا... سأشتري لكم حلوى وأعود حالًا." لكن ذلك "حالًا" امتد إلى الأبد. لم يعد دينيس أبدًا. مرت الساعات، وبكاء الصغيرة جذب انتباه الناس. لم يكن لدى الأطفال إجابة واضحة عندما سُئلوا: "من أنتم؟ أين والداكم؟" كل ما استطاعوا تذكره أنهم عاشوا في باريس مؤخرًا، وأن حياتهم كانت مليئة بالرحلات في سيارات فاخرة، والسفر عبر أوروبا من سويسرا إلى بلجيكا. سرعان ما تدخلت السلطات الإسبانية، وتم نقل الأطفال إلى الرعاية الاجتماعية، ثم تبنتهم عائلة كتالونية طيبة احتضنتهم ومنحتهم حياة مليئة بالحب والاستقرار. ومع مرور السنوات، أصبحوا كأي أطفال آخرين... لكن ذكريات الماضي الغامض لم تفارقهم. كانت إلفيرا، الأصغر، تحمل في ذاكرتها شذرات مشوشة: جدّة تُصرّ على أن يشربوا الحليب، أب يدخل المنزل بملامح مثقوبة من الضرب، مسدس يلمع على طاولة، وصناديق مجوهرات مخبأة بإحكام. كانت طفلة، لكنها التقطت إشارات إلى عالم خطير لم تستطع فهمه آنذاك. ومع بلوغهم الشباب، بدأت رغبة لا تُقاوم تكبر داخلهم: من نحن حقًا؟ ولماذا تخلّى عنا أهلنا؟ بعد سنوات من البحث، وبمساعدة متطوعين واختبارات الحمض النووي، كُشف اللغز: والداهم هما رامون مارتوس سانشيث وروساريو كويتوس كروز، إسبانيان لهما سجل إجرامي حافل بالسطو والتزوير. كانا قد فرا من إسبانيا عام 1978 بعد تبادل إطلاق نار مع الشرطة، ومنذ ذلك الحين عاشا حياة هروب متنقلة بين الدول الأوروبية. آخر أثر لهما ظهر في باريس سنة 1983، ثم... اختفيا بلا أثر. اليوم، ورغم أن الإخوة الثلاثة يعيشون حياة مستقرة وسعيدة مع عائلتهم بالتبني، ما زالت بداخلهم مرارة سؤال بلا جواب: "لماذا تركونا؟ هل كان خوفًا من الشرطة؟ هل كانت تضحية لحمايتنا؟ أم مجرد هروب من المسؤولية؟" قصة هؤلاء الإخوة ليست مجرد لغز بوليسي عالق منذ الثمانينيات، بل درس إنساني عميق: أن الأطفال دائمًا هم الضحايا الأبرياء لاختيارات الكبار، وأن الماضي مهما حاول أن يُدفن يظل يطرق أبواب الذاكرة حتى يجد الحقيقة. |
![]() |
|