احتار منوح في أمر المتكلم فأراد التعرف عليه من اسمه ليقدم له التكريم اللائق، قائلًا: "مااسمك حتى إذا جاء كلامك نكرمك؟" [17]. كأنه يقول له: أريد أن أتعرف عليك من اسمك حتى إذا ما تحقق كلامك ليّ ولزوجتي أرد لك الجميل حسب ما يليق بشخصك.
جاءت الإجابة: "لماذا تسأل عن اسمي وهو عجيب؟!" [18]، وجاءت في الترجمة السبعينية: "لماذا تسأل عن هذا؟ إنه أيضًا عجيب!". هكذا يُدعى اسم الله "عجيبًا"، إذ جاء في أشعياء: "لأنه يولد لنا ولدٌ ونعطى ابنًا وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام" (إش 9: 6).
وكما يقول القديس غريغوريوس النيصي: [نتعلم من هذا أنه يوجد اسم واحد للطبيعة الإلهية هو "العجيب" يكشف عن ما ينبع في القلب بخصوصها بطريقة لا يُنطق بها]. بمعنى آخر أن اسمه "عجيب" أي فائق للإدراك والنطق يدخل بالقلب كما بالفكر إلى حالة من الدهشة والعجب.
خلال الاسم "عجيب" كُشف شخص المتكلم أنه أقنوم إلهي، لذا قام منوح ليقدم جدي معزى تقدمة له على الصخرة [19]. ما هذه الصخرة إلاَّ السيد المسيح، حيث فيه تقدم ذبائح حبنا، إذ صار هو نفسه ذبيحة حبنا.
ما أن أصعد منوح جدي المعزى والتقدمة على الصخرة حتى انسحب قلبهما إلى منظر عجيب. لقد شاهدا صعود لهيب نار من الصخرة - أي من المذبح - نحو السماء، وقد صعد ملاك الرب في لهيب المذبح، فسقطا على وجهيهما إلى الأرض [20]. امتلأ رهبة وخشية إذ رأيا ملاك الرب يرتفع إلى السماء وسط اللهيب الناري. إنها صورة حيَّة للعمل الخلاصي بالصليب، ففيه يقدم السيد المسيح نفسه ذبيحة حب ملتهبة نارًا، خلالها يمحو كل خطايانا (جدي المعزى)، ويرتفع بنا خلال لهيب محبته كأعضاء في جسده المقدس... يحملنا معه إلى سمواته لنصير نحن أنفسنا لهيب نار أي شعلة التهبت باتحادها معه.