
16 - 07 - 2025, 12:50 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
لا تَحمِلوا كِيسَ دَراهِم ولا مِزوَداً ولا حِذاءً ولا تُسَلِّموا في الطَّريقِ على أَحد
"وَلَا تُسَلِّمُوا فِي الطَّرِيقِ عَلَى أَحَدٍ" إِلَى دَعْوَةِ يَسُوعَ لِتَلَامِيذِهِ إِلَى التَّرْكِيزِ الْكَامِلِ عَلَى رِسَالَتِهِمْ دُونَ تَشَتُّتٍ، وَعَدَمِ الِانْشِغَالِ بِالتَّحِيَّاتِ وَالْمُجَامَلَاتِ وَالتَّوَقُّفَاتِ غَيْرِ الضَّرُورِيَّةِ الَّتِي قَدْ تُبْطِئُ مِنْ وَتِيرَةِ الْإِرْسَالِيَّةِ في التبشير بالـملكوت. فَالسَّلَامُ فِي ذَاتِهِ لَيْسَ أَمْرًا مَرْفُوضًا، بَلْ هُوَ عَادَةٌ مُقَدَّسَةٌ وَمُحَبَّبَةٌ، وَلَكِنْ حِينَ يُصْبِحُ مُجَرَّدَ شَكْلِيَّاتٍ بِلَا هَدَفٍ أَوْ يُعَطِّلُ الرِّسَالَةَ، يُصْبِحُ عَائِقًا أَمَامَ الْإِنْجِيلِ. فَالْكَلِمَةُ هُنَا لَا تُدِينُ السَّلَامَ ذَاتَهُ، بَلْ تُشَجِّعُ عَلَى عَدَمِ إِضَاعَةِ الْوَقْتِ الثَّمِينِ فِي الطَّرِيقِ، خَاصَّةً أَنَّ الْإِرْسَالِيَّةَ عَاجِلَةٌ وَمُلِحَّةٌ. الْمَطْلُوبُ مِنَ التِّلْمِيذِ أَنْ يَكُونَ مُكَرَّسًا بِالْكُلِّيَّةِ لِلَّهِ، وَمَنْدَفِعًا بِشَغَفٍ نَحْوَ الرِّسَالَةِ. وَقَدْ سَبَقَ أَنْ وَرَدَ هَذَا الْأُسْلُوبُ فِي الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، حِينَ أَرْسَلَ النَّبِيُّ أَلِيشَاعُ خَادِمَهُ جِيحَزِي لِيُقِيمَ ابْنَ الشُّونَمِيَّةِ مِنَ الْمَوْتِ، فَقَالَ لَهُ: "اشْدُدْ حَقْوَيْكَ، وَخُذْ عَصَايَ فِي يَدِكَ، وَامْضِ، وَإِنْ لَقِيتَ أَحَدًا فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ أَحَدٌ فَلَا تُجِبْهُ" (2 مُلُوكَ 4: 29). لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَجَالٌ لِلتَّوَقُّفِ، لِأَنَّ الرِّسَالَةَ كَانَتْ ذَاتَ طَابِعٍ مَصِيرِيٍّ وَمُسْتَعْجَلٍ.
وَيُعَلِّقُ الْقِدِّيسُ أَمْبْرُوسْيُوسَ
عَلَى هَذَا النَّصِّ بِقَوْلِهِ: "السَّيِّدُ لَمْ يَمْنَعْنَا مِنْ تَحِيَّةِ السَّلَامِ، إِنَّمَا
مِنْ تَقْدِيمِهَا فِي الطَّرِيقِ، أَيْ أَنْ لَا تَكُونَ سَبَبًا لِتَعْطِيلِ الرِّسَالَةِ،
كَمَا فَعَلَ أَلِيشَاعُ النَّبِيُّ مَعَ خَادِمِهِ، إِذْ أَمَرَهُ بِالْإِسْرَاعِ لِإِتْمَامِ الْمُهِمَّةِ".
إِذًا، لَا يُقْصَدُ بِالتَّحْذِيرِ هُنَا قَطْعُ الْعَلَاقَاتِ أَوْ تَجَاهُلُ الْآخَرِينَ، بَلْ الْحِفَاظُ عَلَى الذِّهْنِ وَالنِّيَّةِ نَقِيَّيْنِ وَمُرَكَّزَيْنِ عَلَى الْهَدَفِ الْأَسْمَى: التَّبْشِيرُ بِمَلَكُوتِ اللهِ. فَالْمُرْسَلُ لَا يَجِبُ أَنْ يَسْمَحَ لِشَيْءٍ أَنْ يُشَتِّتَهُ عَنِ الْغَايَةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا أُرْسِلَ، كَمَا قَالَ بُولُسُ الرَّسُولُ: "هُوَذَا الْآنَ وَقْتُ الرِّضَى، هُوَذَا الْآنَ يَوْمُ الْخَلَاصِ" (2 قُورِنْتُس 6: 2). وَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا النَّصِّ أَنَّ الزَّمَنَ ثَمِينٌ، وَالرِّسَالَةَ عَاجِلَةٌ، وَالْمَلَكُوتَ قَرِيبٌ. فَلَا مَجَالَ لِلْمُمَاطَلَةِ أَوِ الْمُسَاوَمَةِ. فَكَمَا أَنَّ الْحَصَادَ لَا يَنْتَظِرُ، كَذَلِكَ الْكَلِمَةُ لَا تَتَحَمَّلُ التَّأْجِيلَ. إِنَّهَا دَعْوَةٌ لِأَنْ يَحْفَظَ الْمُرْسَلُ قَلْبَهُ وَفِكْرَهُ مُنْحَصِرَيْنِ فِي اللهِ، مَدْفُوعًا بِحُبِّهِ، دُونَ أَنْ يَتَشَتَّتَ فِي تَفَاصِيلَ يَوْمِيَّةٍ لَا تَخْدِمُ الْهَدَفَ، لِأَنَّ: "مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قَدِ اقْتَرَبَ"، وَإِتْمَامَهُ مُلْقًى عَلَى عَاتِقِهِمْ.
|