![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() شارك صديق مقرب ذات مرة كيف كان يصوم كل يوم لمدة شهر كامل كل عام، معتقدًا أن هذا الانضباط يكفي لوحده أن يقربه من الله. وقد وجد فعلا بعض الراحة أثناء ممارسة هذه الشعيرة. ولكن كلما انتهى من ممارسة طقوسه، كان السؤال المقلق يعود إليه من جديد: «هل فعلتُ ما يكفي؟» إذ بالرغم من تفانيه الصادق، ظل يشعر بعدم الارتياح والقلق في روحه، وغير متأكد مما إذا كانت جهوده الشخصية قادرة حقًا على إزالة عواقب المعاصي أو ضمان القبول الإلهي والغفران. وقد يستطيع العديد من الناس أن يتعاطفوا مع ذلك الشعور. نشعر أن الله قدوس وكامل، ونتوق إلى أن نكون في حضرته ونكون مقبولين لديه متمتعين برضاه. ويبدو أن الصوم والصلاة والأعمال الصالحة خطوات ذات مغزى للوصول نحو ذلك الهدف. ولكن هل من الممكن أن يشير هذا الجوع والعطش إلى شيء أعظم، شيء لا يمكن للصوم وحده أن يشبعه؟ وفقًا للكتاب المقدس، فالصوم كشعيرة دينية له قيمة روحية إن كان مقرونا بالتوبة والاخلاق النبيلة، إلا أنه ليس وسيلة لكسب النجاة والخلاص أو إزالة المعاصي وعقابها. بل إن الاقتراب الحقيقي من الله يأتي عن طريق الكفارة والذبيحة الكاملة التي يمثلها يسوع. فحين نثق فيه يستطيع وحده أن يجعلنا أصحاب تقوى حقيقية اي تقوى مبنية على العلاقة الروحية أكثر من الطقوس الجوفاء. دعونا إذن نستكشف أهمية هذا، وكيف يجلب الأمل لأولئك الذين يبحثون بإخلاص عن الله وعن العلاقة الروحية معه. جوع الروح: هل يشبع الصوم أعمق احتياجاتنا؟ يُنظر غالبًا إلى الصوم كوسيلة لضبط النفس، وتطهير القلب، والتركيزعلى مشيئة الله. كما يستخدم للتذلل وقهر الجسد لنوال رضى الله. هذه دوافع نبيلة تعكس الرغبة في القداسة لكنها مبنية على المجهوذ الذاتي والتدين الظاهري. ففي العديد من التقاليد الدينية، يُعتبر الصوم ممارسة مقدسة تحظى باحترام عميق وحرص شديد اكثر من الشعائر الأخرى أحيانا. ومع ذلك، يسلط الكتاب المقدس الضوء على بُعد آخر للصوم: وهوالجوع الروحي لتلك العلاقة الروحية مع الله. عندما صام يسوع المسيح في البرية، أغراه الشيطان ليستخدم قوته لإشباع الجوع الجسدي الذي هو حق طبيعي. فأجاب يسوع: «مَكْتُوبٌ: لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱللهِ» (متى 4: 4، فان دايك معدَّلة) يكشف هذا التصريح أن جوعنا الروحي والأعمق يتجاوز الاحتياجات الجسدية المؤقتة والتي رفض يسوع الاستجابة لها في ذلك الوقت بالضبط. إننا نجوع حقا في دواخلنا إلى الحق، والمغفرة، والسلام الحقيقي مع الله، والمصالحة معه، وهي أمور لا يستطيع الطعام أو الصيام عنه أن يوفرها. فمهما كنا منضبطين في الصوم والصلاة وكل الشعائر بمجهوذ ذاتي، فإننا لا نزال نحمل عبء المعاصي والشعور بالذنب في قلوبنا، ويبقى القرب الحقيقي من الله بعيد المنال. 2. كيف يمكننا أن نتأكد من قبول صيامنا وصلواتنا وقربنا لله؟ يكرّس كثيرون أنفسهم للصوم والصلاة على أمل أن تتفوق عبادتهم وصلاحهم البشري على معاصيهم. هذا الالتزام جدير بالإعجاب، بينما علينا أن نواجه حقيقة صارمة: وهي أننا جميعًا لن نبلغ معيار الصلاح الكامل الذي يريده الله منا. لأن حتى أكثر النفوس تقوى وتدينا اليوم تعاني من صراع مع ثقل المعاصي والشعور بالذنب. «وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ تَقْوَانَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَالْوَرَقَةِ، وَآثَامُنَا كَالرِّيحِ تَحْمِلُنَا» (إشعياء 64: 6، فان دايك معدَّلة) إذا كانت حتى أفضل جهودنا وتديننا تحمل وصمة المعاصي والشعور بالذنب، فكيف يمكن للصوم أو أية طقوس أخرى وحدها أن تجعلنا أصحاب تقوى وهداية حقيقية؟ تأمل في قاعة محكمة: رجل مذنب قاتل خارق للقانون، فيخبر القاضي بأنه تبرع للجمعيات الخيرية بالملايين، ويصلى يوميًا، ويصوم على الاقل يومين في الأسبوع وقام بكل الطقوس الدينية. هنا دور القاضي هو النظر في الجريمة، وليس قياس الأعمال الصالحة التي يريد المجرم ان يغطي بها جريمته. وبالمثل، لا يمكن لأي كمية من الصوم أو الأعمال الصالحة أن تمحو المعاصي بصفة عامة. لأن التعدي على حق الله أو الناس لن ينمحى بأعمالك الصالحة أبدا. لأن الجريمة أعظم وأصعب مما نتصور والعدل الإلهي يطلب الكمال وعقاب المجرم واسترداد المسلوب. اذن لابد من الكمال لإرضاء الله. التسديد الكامل للحق الإلهي هو من يشبع عدالة الله. وبعيدًا عن التقليل من قيمة الصوم، يوجهنا هذا الفهم إلى أن حاجتنا الأعظم والاعمق، وهي وسيلة للتطهير والقداسة من الداخل، وليس مجرد انضباط خارجي ذاتي وطقوس جوفاء خالية من الروح. 3. تحذير المسيح من صوم المنافق حذر يسوع بشدة من استخدام الصوم كـ استعراض ديني: «وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، لأَنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ» (متى 6: 16، فان دايك معدَّلة) لقد كشف خطر تحويل فعل مخصص لله وحده إلى استعراض أمام الناس لنوال مدحهم. لا يمكن لطقس خارجي مهما كانت التضحية من أجله أن يغير قلوبنا، خصوصا إذا كان الدافع وراءه هو الكبرياء أو التقوى الذاتية والمظهرية الدينية. هذا لا يعني أن الصوم خطأ، بل إن هذا يسلط الضوء على اهتمام الله بحالتنا الداخلية وتغيير السلوك والأفكار. أوضح يسوع أنه لا يمكن لأي طقس—مهما كان جادًا—أن يطهرنا من المعاصي. فهذا عمل لا يستطيع أن ينجزه إلا الله نفسه، ويتم من خلال الوسيط الوحيد يسوع المسيح. 4. ماذا يريد الله حقًا؟ تحدث الأنبياء قديما بقوة عن نوع الصوم الذي يرضي الله. ففي العهد القديم، واجه النبي إشعياء أولئك الذين صاموا ظاهريًا ونفاقا بينما تجاهلوا الظلم والمعاصي والفساد الأخلاقي المستشري في المجتمع: «أَلَيْسَ هَذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ ٱلشَّرِّ… وَإِطْلاَقَ ٱلْمُنْسَحِقِينَ أَحْرَارًا؟» (إشعياء 58: 6، فان دايك معدَّلة) يبين هذا المقطع أن الصوم الحقيقي لا يقتصر على الامتناع عن الطعام أو الجنس؛ بل هو وضع قلبي يعبر عن التوبة الحقيقية والرغبة في التغيير، ويسعى إلى تقوى الله ورحمته ومحبته في الحياة اليومية. قال يسوع: «طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى ٱلتَّقْوَى، لِأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ» (متى 5: 6، فان دايك معدَّلة) والسؤال هو: أين نجد هذه التقوى؟ قد نحاول القيام بواجبات دينية بجهد أكبر، لكن الكتب المقدسة تكشف أن قداسة الله أسمى بكثير من جهودنا لدرجة أننا لا يمكننا أبدًا أن نأمل في بلوغها بمفردنا وبمجهود ذاتي. نحن بحاجة إلى وسيلة فعالة ومضمونة لكي نصير أصحاب تقوى فعلية لهم علاقة روحية مع الله. 5. الطريقة الوحيدة لنكون راضين ومقبولين حقًا في أنحاء العهد القديم، نرى أنبياء مثل موسى يصومون في حضرة الله لتلقي إعلانه (خروج 34: 28). كما نرى قصصًا مثل يونان، حيث يصاحب الصوم التوبة (يونان 3: 5-10). تشير هذه الأمثلة إلى تحقيق أعظم لخبز روحي مشبع وهو مجيء المسيح. جاء يسوع المسيح باعتباره الإعلان النهائي والخبز الروحي الذي يحتاجه الجياع والعطاش الى الله. وصرح قائلاً: «أَنَا هُوَ خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا.» (يوحنا 6: 35، فان دايك معدَّلة) لم يكن يضيف مجرد ممارسة دينية جديدة أو طقسا من الطقوس؛ بل كان يحقق خطة الله التي وضعها منذ البداية، وهي أن الذبيحة هي من يتحمل عقوبة المعاصي. وهكذا صار المسيح تلك الذبيحة وحمل ثقل وعقاب المعاصي والذنوب على نفسه. ومن خلال موته وقيامته: دفع يسوع دين المعاصي الذي ينبغي أن ندفعه (رومية 5: 8). صار الشفيع الكامل، الذي تُقبل صلواته دائمًا لدى الله (عبرانيين 7: 25). ومن خلاله نقدم الشكر والعبادة. من صلوات واصوام هدفها التقرب أكثر من الله. هو حقًا خبز الحياة، القادر على إشباع أعمق جوع لدينا إلى التقوى والسلام والمحبة والمصالحة. 6. تسليط الضوء على سلطان يسوع يحترم كثيرون يسوع بوصفه معلمًا عظيمًا أو نبيًا، ومع ذلك تظهر الأسفار أنه علّم—وعمل—بسلطان لا مثيل له. عندما أُحضر إليه رجل مشلول، أعلن يسوع: «يَا بُنَيَّ، مَغْفُورَةٌ لَكَ مَعَاصِيكَ.» (مرقس 2: 5، فان دايك) تساءل بعضهم عن حقه في مغفرة المعاصي، فأجاب: «وَلَكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لِٱبْنِ ٱلْإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى ٱلْأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ ٱلْمَعَاصِي…» (مرقس 2: 10، فان دايك) ثم شفى الرجل، فأثبت سلطانه ليس فقط على المرض بل على المعاصي ذاتها. وهنا بين لرجال الدين اليهود هويته الإلهية. هذا النوع من السلطان يتجاوز ما ادعاه أي نبي من قبل؛ فهو يشير إلى الهوية الإلهية الفريدة ليسوع لهذا أرادوا قتله لأنه ينطق بالكفر وهو ليس سوى ابن مريم في نظرهم. فالله وحده هو من يستطيع أن يغفر المعاصي بهذه الطريقة. لكنهم ابوا أن يفهموا أنه كلمة الله الذي يقول للمشلول قم فيقوم، وهو الذي جسد صفاة الله على الأرض. 7. القوة التحويلية للإنجيل لا يقتصر الإيمان بيسوع المسيح على الموافقة العقائدية والطقسية فقط. بل يقود إلى تحول وتغيير جذري في القلب. يختبر المؤمن الجديد: مغفرة المعاصي: إذ يرفع عنه عبء الذنب الثقيل (أفسس 1: 7). السلام مع الله: فلا يعودون يجاهدون لنيل القبول، بل يستريحون في عمل المسيح المكتمل (رومية 5: 1). التجديد الداخلي: إذ يبدأ الروح القدس عملية تستمر مدى الحياة لتغيير الرغبات والأفكار والدوافع الشريرة (2 كورنثوس 5: 17). وبدلاً من النظر إلى أفعال دينية مثل الصوم باعتبارها التزامات وفرائض لإرضاء الله، يبدأ المسيحيون في رؤيتها على أنها استجابات تعبّدية وتعبير عن الشكر على النعمة التي نالوها. يظل الانضباط قائمًا، ولكن الدافع يتحول من الخوف أو الواجب والتضحية الذاتية إلى الامتنان والمحبة لمن ضحى من أجلنا ومن أجل رفع العقاب عنا. 8. دعوة للتأمل العميق إذا كان الصوم وحده او طقوس اخرى قادرًة على إزالة المعاصي وعقابها، فلماذا أشار أنبياء العهد القديم بل وحتى يسوع نفسه إلى حلٍّ أعظم لا يعتمد علينا بل على الله نفسه؟ هل يمكن أن نقول بأنهم جميعًا كانوا يتوقون إلى الشخص الذي سيحررنا حقًا؟ هل نعتمد على جهودنا الذاتية وممارسة الطقوس لكي نصير مقبولين لدى إله قدوس يطلب الكمال، أم نختار أن نلتفت إلى ذبيحة المسيح والكفارة الكاملة؟ هل اختبرنا التحول العميق الذي يأتي من الروح القدس، أم أننا نكتفي بممارسات طقسية خارجية خالية من الروح؟ إنها أسئلة جادة، تستحق التأمل الصادق في الصلاة وطلب الإرشاد الإلهي. إن دعوة الله ليست لممارسة المزيد من الأنشطة الدينية والفرائض فحسب، بل لاختبار قلب جديد وتغيير ايجابي في الأفكار والسلوك أي قلب ينبض بمحبة صادقة لله والبشر وليس قلب يمارس الطقوس ويكره ويسرق ويحسد ويقتل ويزني ويغتاب إخوته البشر ويسرق اليتامى والأرامل. كيف يصوم المسيحيون؟ لا يلغي الكتاب المقدس الصوم أبدًا؛ بل يعيد تحديد دوره وتصحيح المفاهيم لأولئك الذين يثقون في يسوع. فهو لم يأمر بوقت محدد أو مدة معينة للصوم. وبدلاً من ذلك، صام المؤمنون الأوائل: لطلب معونة الله (عزرا 8: 23). لتمييز مشيئته (أعمال 13: 2-3). للابتعاد عن المعاصي والتوبة (يونان 3: 5-10). للاتضاع أمام الله (دانيال 9: 3). للعبادة بصورة أكثر اكتمالاً (لوقا 2: 36-38). لكن لم يكن أيٌّ من هذه الأفعال والطقوس بغرض كسب المغفرة والنجاة من العقاب الالهي—لأن يسوع قد دفع الثمن بالفعل. فصار الصوم استجابة للنعمة التي نالوها، وتعبيرًا عن الاتكال والفرح بالله. لا تنسى أن تقوم بملء الاستمارة الموجودة في النهاية، لكي نتابع النقاش حول شخص المسيح وتعاليمه الخاتمة: دعوة إلى الرضى الحقيقي في المسيح فالله قدوس بلا حدود، ونحن جميعًا لن نصل بتقوانا الذاتية إلى بلوغ معياره الكامل. لا يمكن لأي قدر من الصوم أو الأعمال الصالحة والتضحية الذاتية وقهر للجسم مهما كان أن يجسر الهوة بين معاصينا وقداسته. ومع ذلك، لأن الله رحيم ورؤوف بنا، أوجد الطريق للنجاة: يسوع المسيح—الكلمة الأزلي—نزل من السماء. عاش حياة بلا معصية ومات كذبيحة كاملة عن المعاصي كلها. قام من الأموات، منتصرًا على قوة الموت والمعصية. والآن، يدعو الله الجميع إلى التوبة والإيمان بيسوع والخضوع له لنيل المغفرة والحياة الأبدية وقبول هذه النعمة المجانية التي هي نقيض تحقيق كبرياء وتدين الإنسان. «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ ٱلْمُتْعَبِينَ وَٱلثَّقِيلِي ٱلْأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (متى 11: 28، فان دايك معدَّلة) لم يكتفِ يسوع المسيح بمجرد دعوة الناس؛ بل أمرهم أن يبتعدوا عن المعاصي ويثقوا به وحده لنوال النجاة من طوفان العقاب وعواقب الفساد البشري. ومن خلاله، يمكننا أن نعلم أن معاصينا قد غُفرت وأن نختبر السلام والمصالحة مع الله. أما بالنسبة لأولئك الذين صاموا بإخلاص ولا يزالون يشعرون ببعد عن الله القدير، فليس الحل هو بذل مزيد من الجهد الديني ومزيد من التضحية الذاتية والطقوس، بل هو قلب جديد وحياة جديدة في المسيح. أي الحل الجذري وهو الولادة من جديد. |
![]() |
|