* ليت غير الحليم يستمع إلى قول الكتاب المقدس: "البطيء الغضب خير من الجبار، ومالك روحه خير ممن يأخذ مدينة" (أم 16: 32). الانتصار على المدن أقل أهمية، لأن ما يتم إخضاعه هنا هو شيء خارجي، لكن الانتصار عن طريق الحِلم فهو فعل أعظم بكثير، لأن العقل هو الذي ينتصر ويسيطر بنفسه على نفسه، حين يجبر الحِلم العقل على التحكم داخليًا في ذاته.
ليدرك الغضوب ما يقوله الحق لمختاريه: "بصبركم اقتنوا أنفسكم" (لو 21: 19). إن طريقة الخَلْقْ هي في الحقيقة لشأن عجيب، حيث أن العقل يتحكم في النفس، وتسيطر النفس على الجسد. لكن النفس تفقد سيطرتها على الجسد إذا لم يسيطر العقل عليها. لذلك يبين لنا الرب أن الحِلم هو الحارس على أحوالنا، ويعلمنا أيضًا أنه بالحلم يمكن أن نمتلك أنفسنا. وهكذا ندرك فداحة خطيئة عدم الحُلم (أي الغضب) عندما نرى أننا به نفقد ماهيتنا (كينونتنا).
ليسمع الغاضبون ما يقوله سليمان: "الجاهل يُظهِر كلَّ غيظَه، والحكيمُ يُسَكِنُهُ أخيرًا." (أم 29: 11) إنه بدافع الغضب تتعرى الروح كليةَ، وتنزع إلى الغضب بسرعة أكثر وهذا لعدم توافر الانضباط الداخلي الحكيم. أما الإنسان الحكيم فإنه يتحفظ ويترك الأمور المستقبلية تهتم بذاتها. وعندما يخطئ إليه أحد لا يندفع إلى الانتقام على التو، لأنه يرغب باحتماله أن لا يفقد الآخرين مع أنه يعرف حقيقةً أن كل الأشياء سيتم عقابها بقضاءٍ عادلٍ في يوم الدينونة الأخير.
ومن جهة أخرى ينبغي أن نعظ الحليم بأن لا يحزن قلبه مما يقاسي منه خارجيًا. فهذه التضحية العظيمة التي يقدمها هؤلاء دون أي عائق لا ينبغي أن تفسدها أية عدوَى بخبثٍ داخلي. لأنه حتى لو لم يرَ الناس حزنهم فإن العين الإلهية الفاحصة تراه.