منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 16 - 11 - 2022, 01:50 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,341,640

مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم

قداسة البابا شودة الثالث

اليأس من إمكانية التوبة




حدثتكم في مقالنا السابق عن بعض أنواع من أفكار اليأس التي يغرسها الشيطان في نفوس الناس. وكان موعدنا اليوم أن نطرق موضوع اليأس من إمكانية التوبة، وهذه محاربة شيطانية شائعة وأفكارها معروفة طالما أتعبت الكثيرين...

** وفي هذه المناسبة، أتذكر أنني منذ حوالي أربعين عامًا وصلني خطاب من أحد الشبان، قرأته فتأثرت كثيرًا جدًا... ثم أرسلت له ردًا قلت له في مقدمته "وصلني خطابك يا أخي المحبوب، ويُخيلّ إليَّ أنني قرأته مرارًا قبل أن أراه... إنه قصة قلوب كثيرة..".



** إن اليأس من التوبة هو أكثر خطورة من السقوط في الخطيئة، لأن أي شخص يمكن أن يخطئ ثم يتوب. أما في حالة اليأس فإنه قد يندمج في الخطيئة بالأكثر، ويتدرج من السيئ إلى الأسوأ. وربما تكون مقدمة اليأس بعض سقطات متتالية يوقع فيها الشيطان ضحيته بلا هوادة، حتى يصرخ الخاطئ قائلًا "لا فائدة فيَّ. فمن المستحيل أن أنجو مما أنا فيه"! وربما تكون مقدمة اليأس سقطة كبيرة أو خطيرة، يُشعره الشيطان بعدها بأنه لا مغفرة..! أو قد لا تكون السقطة بهذه الدرجة، ولكن الشيطان من عادته أنه يضخمّ في الأخطاء ليوقع صاحبها في اليأس...




إن الشيطان ماكر جدًا في هذه الناحية: فهو قبل السقوط يسّهل موضوع الخطية جدًا حتى لتبدو شيئًا عاديًا، ويضع لها مبررات... أما بعد السقوط، فإما أن يستمر في سياسة التهوين حتى تتكرر. أو أنه يدخل في أسلوب التهويل ليقع صاحبها في اليأس قائلًا له "هل من المعقول أن يغفر الله كل هذا الجرم؟!"



** وقد يجرّه إلى اليأس بإشعاره أنه لن يتوب... فيقول له: "هل من المعقول أنك ستترك الخطية؟! مستحيل. لقد صارت تجرى في دمك. عزيمتك انتهت، وإرادتك انحلت. بل حتى مجرد الرغبة في التوبة لم تعد موجودة عندك... كم مرة حاولت من قبل أن تتوب وفشلت؟ كم مرة ندمت على خطاياك، ثم رجعت إليها وربما في حالة أسوأ مما كنت؟!". وهكذا يحطم معنوياته، حتى يستسلم له، ويتوقف عن المقاومة!!

يقول له: "قد صرت كلك في يديّ، فكرًا وقلبًا وعملًا. بحيث أنى أنقلك من هذه اليد إلى الأخرى، بكل سهولة كما أشاء. فلا داعي إذن لصراع فاشل لا تكتسب منه شيئًا..."

وطبعًا كل هذه تخاويف لا أساس لها، وتهديدات زائفة.. فإن الله قادر أن يمنح الإنسان التوبة، مهما كانت حالته سيئة. والتاريخ يحكى لنا عن قصص كثيرة لتوبة أشخاص كانت سقطاتهم كثيرة ومريرة...



** يا أخي، لا تركز تفكيرك في عجزك عن القيام من سقطاتك. بل تذكرّ أن نعمة الله قادرة على إقامتك. وحيث تعمل النعمة فلا مجال لليأس. فاطلب إذن معونة من الله، وقل له في صلاتك "توّبني يا رب فأتوب. أنت يا رب تريدني أن أعيش حياة نقية بلا خطية. فامنحني هذه الحياة. وأعطني الإرادة والعزيمة، وابعد عنى كل مجالات السقوط. وامنحني قوة لكي أسلك كما ينبغي، وأصمد أمام كل الإغراءات"..



** ولعل الشيطان يحاربك قائلًا "من غير الممكن أن تتوب وقد تعودت على الخطية وأصبح قلبك يحبها! وكيف ستعيش طول عمرك بعيدًا عن هذه الخطية التي تشتاق إليها؟! فلو أنك تبت عنها إلى حين، لابد سترجع إليها".. ولا شك أن هذه مغالطة من الشيطان لكي يلقيك في اليأس، زاعمًا انك ستعيش في التوبة بنفس القلب الذي يحب الخطية!! كلا، فإن الله سوف يعطيك قلبًا جديدًا، وينزع منك محبة الخطية. وحينئذ لن تفكر أن ترجع إليها... بل على العكس سوف يجعلك الله في توبتك تكره الخطية وتشمئز منها...

** ويستمر الشيطان في حربه، فيقول لك "حتى أن تبت، ستبقى أفكارك ملوثة بصور قديمة"! لا تخف، ففي التوبة سوف ينقى الله فكرك ويمحو منه صور الماضي. وثق أن الخطاة الذين تابوا كانوا في حالة أقوى بكثير وأنقى.

** وربما من حيل الشيطان أن يحاول إقناعك بأنك لن تفلت مطلقًا من العدل الإلهي، وان الله لن يغفر لك كل ما فعلته...! كلا، فإن الله كثير المغفرة، ورحمته تشمل الكل. وكل جند السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب...



** لذلك لا تيأس مطلقًا. وتأكد أن اليأس هو من حروب الشيطان. وإن كنت ماشيًا في الطريق الروحي ووقعت، لا تظن أنك لا تحسن السير، بل قم في رجاء المؤمن وأكمل مسيرتك.

إن الشيطان يحسد رغبتك في التوبة، ويريد أن يعرقلها. ذلك لأنه هو نفسه لا يعرف التوبة ولا يؤمن بها. واعلم أنه لولا صفاء نيتك، ما كان يحاربك. لأنه دائمًا يحارب الراغبين في حياة البر، ويخاف جهادهم ضده.

** لذلك كن قوى القلب مهما كانت حروب الشيطان شديدة ومهما استمرت. كن راسخًا ولا تتزعزع ولا تقلق. ولا تيأس مهما سقطت، ومهما فشلت في تنفيذ وصية الله.

بل شجّع نفسك، وقل: لابد أن اثبت وارجع إلى الله مهما حاول الشيطان تعطيلي. سأسير نحو الله، حتى إن كنت أجرّ رجليّ جرًا إليه. ومهما سقطت في الطريق، سأقوم مرة أخرى وأكمل طريقي، وسوف تسندني نعمة الله وقوته...

قديم 20 - 11 - 2022, 10:33 AM   رقم المشاركة : ( 2 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,341,640

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم

مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم


قداسة البابا شنوده الثالث






الثمن




كل شئ له ثمن، سواء في السماء أو على الأرض.

فهكذا يقتضى العدل: عدل الله، والعدالة الأرضية أيض

الحرية مثلًا لها ثمن. وقد صدق الشاعر في قولا:

وللحرية الحمراء بابٌ بكل يد مضرّجة تُدقُّ

أى مضرجة بالدم، دم الذين جاهدوا ليحصلوا عليها...

حرية العبيد في أمريكا، كان لها ثمن هو ثورة العبيد في أمريكا.. وحرية السود في جنوب أفريقيا ، كان لها ثمن دفعه مانديلًا الذي احتمل السجن سنوات عديدة، حتى خرج ليكون أول شخص أسود حكم جنوب أفريقيا بعد زوال التفرقة العنصرية..

ونجاة مصر من الاحتلال البريطانى، كان له ثمن:

ثمنه الثورة الجبارة التي قام بها سعد زغلول سنة 1919 بعد أن نُفى إلى سيشل هو وأصحابه. تلك الثورة الشاملة التي قامت في مصر كلها. وأعقبها الحصول على الدستور لأول مرة سنة 1923

كذلك حصول الهند على الاستقلال بعد أن حكمتها انجلترا سنوات عديدة. هذا أيضًا كان له ثمن، هو الجهاد المضنى الذي قام بها الزعيم مهاتما غاندى، في أصوام وفي صبر واحتمال، حتى اعترفت بريطانيا باستقلال الهند أخيرًا.


النجاح أيضًا – في أي شيء – له كذلك ثمن:

وثمنه التعب والجهاد. ولاينال النجاح بمجرد الرغبة فيه، فهذه الرغبة وحدها لا يمكن أن توصل إلى النجاح. وكما قال الشاعر:

وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غِلاب

وعلى رأى المثل "من جدَّ وجد". ولا يقل أحد "لا داعىَ لأن أتعب. أنا استريح، وأنال ما أريد "عن طريق الفهلوة". فالفهلوة يا أخى هي أيضًا ثمن، لمن يستطيع أن يتقنها. وحتى إن أوصلت إلى ما تسميه نجاحًا، فهو غير دائم، وقد ينكشف...

يضاف إلى النجاح: التفوق. وهذا لا يمكن أن يناله الإنسان إلا بجهد فائق، غير عادى...


الصحة أيضًا، لا يحصل عليها أحد الا بثمن:

وثمنها هو مراعاة كل القواعد الصحية، وإبعاد الجسد عن كل أسباب المرض والضعف، وتقويته بما يحتاج إليه من غذاء ورياضة وهواء نقى. أما في حالة المرض، فثمن الصحة هو العلاج اللازم والدواء، وإطاعة الارشاد الطبية واحتمال الألم. وما اكثر الثمن الذي يبذله الإنسان في ظروف العمليات الجراحية، سواء من جهة ماله أو احتماله، والصبر حتى يُشفى. وبعد ذلك أيضًا الحرص في فترة النقاهة خوفًا من أن ينتكس...


كذلك أيضًا، كسب محبة الناس، ما أعظم الثمن الموصل إليها...

يحتاج الإنسان في ذلك إلى تدريب طويل على البذل والعطاء، والثبات في ذلك، واحتمال أخطاء الآخرين، وحسن معاملة الكل صغار وكبار، وعدم التعامل بالمثل، وعدم الخوض في سيرة الآخرين. وإن تحدث عنهم يذكر فضائلهم وينسى ما لهم من سيئات... بهذا كله يكسب محبة الناس. كما أنه يدرس ويختبر نفسيات الذين يتصل بهم، ويتعامل مع كلٍ منهم حسب ما يناسب نفسيته...

صدقونى، حتى الحب العاطفى بين فتى وفتاة، له أيضًا ثمن. والكل يذكر قصة (مجنون ليلى) وما بذله وما احتمله وقاساه...!

الأمانة أيضًا لها ثمن، والطاعة كذلك لها ثمن:

الأمانة الخاصة بعفة اليد، ثمنها تدرب الشخص على ألا يأخذ شيئًا ليس من حقه، ولا يأخذ شيئًا أزيد من حقه. وهكذا يبعد تمامًا عن المال الحرام، ويحترس من الرشوة بكل إغراءاتها...

الأمانة في اداء الواجب، ثمنها بذل الجهد على قدر المستطاع في القيام بمسئولياته، وعدم التقصير في شيء منها...

أما عن الطاعة، فثمنها محبة من تطيعه، والتضحية بمشيئتك الشخصية لأجل تنفيذ مشيئته، في نطاق مشيئة الله


كذلك تكوين الثروة له ثمن، والوصول إلى السلطة له ثمن... مصدر المقال: موقع الأنبا تكلاهيمانوت.

الثروة لا تهبط على الإنسان من فوق، كعطية مجانية من السماء! وإنما تحتاج إلى جهد وتعب في الحصول. وكثير من الناس يشتهون الثروة ويسعون إليها، ولكن لا ينالها إلا الذين تعبوا في الحصول عليها...

السلطة ما أكثر الذين يسعون إليها ويشتهوها. ولكن الذين حصلوا عليها هم الذين تعبوا من أجلها وصبروا، حتى حصلوا على مكانة توصلهم إلى السلطة

وفى كل ذلك، ليس فقط الحصول على الثروة والسلطة، يحتاج إلى ثمن. بل كذلك الحفاظ على كلٍ منهما يحتاج إلى ثمن. لأن كثيرين من الذين حصلوا عليهما قد فقدوهما بسبب سوء الإستخدام، أو بسبب النفخة الكاذبة والكبرياء...


التوبة أيضًا لها ثمن، وثمنها هو جهاد النفس ضد الخطية:

ونقصد بالخطية كل أنواعها: سواء خطايا الجسد أو الفكر أو القلب، أو خطايا اللسان أو خطايا الحواس وغير ذلك. ومن الناحية الايجابية حفظ نقاوة القلب وامتلائة بمحبة الله. ثم الثبات في كل ذلك، والبعد عن كل أسباب النكسة الروحية.

صدقونى يا أخوتى، إن الخطية أيضًا لها ثمن.

فما أكثر الذين بذلوا الجهد والمال والصحة ثمنًا للخطية. ثم بعد ذلك فقدوا الكل. فلا بقى لهم جهد ولا مال ولا صحة. كما فقدوا الخطية ولم تدم لهم...


أخيرًا احب أن أقول: إن السماء والحياة الأخرى لها أيضًا ثمن:

وثمنها هو الإيمان السليم والحياة الطاهرة المقبولة أمام الله. وسعيد كل من ثبت فيهما. وكل من كان في كل حين مستعدًا للقاء الله، بضمير صالح قدامه.
 
قديم 01 - 12 - 2022, 06:41 PM   رقم المشاركة : ( 3 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,341,640

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم

مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم

قداسة البابا شودة الثالث


الآخر.. مَنْ هو الآخر؟ ما علاقتك بالاخر؟

الآخر هو كل إنسان غيرك. فما هي علاقتك إذن بالآخر؟
حينما خلق الله أبانا آدم، خلق له كائنا آخر هو أمنا حواء.
وكانت علاقة كل منهما بالآخر علاقة حب وتعاون, نضعها كمثال طيب أمامنا. فلم يحدث في يوم من الأيام أن اختلف أحدهما مع الآخر.
إنما عاشا متزاملين ومتلازمين، يقطعان غربة العمر معا.
يقطفان الورد معا، وقد يجرحان من الشوك معا...
ثم كانت أول مأساة مع الآخر، فيما قاساه ابنهما هابيل من أخيه الذي قام عليه وقتله. فكان المثال الذي علينا أن نتحاشاه.
وبمرور الوقت اتسعت دائرة الآخر في الحياة: من العلاقة بين فرد وفرد، إلى العلاقة في محيط الأسرة، ثم القبيلة. وتطورت إلى العلاقات في البلد الواحد، إلى الوطن الواحد. وأخيرا إلى العالم كله، الذي نشأ من أسرة واحدة. فكيف يكون إذن التعامل مع هؤلاء؟ ولنبدأ بالتعامل مع الفرد، فنقول:

هل أنت تحترم الآخر أيا كان، كإنسان؟ هل نتعاون معه؟
هل تساعد الآخر؟ هل تجده؟ هل أنت على استعداد أن تبذل نفسك لأجل الآخر، وتضحي من أجله بكل شيء؟
اعلم أنه حسب نوعية التعامل مع الآخر، يكون مقياس حضارة الإنسان، فالإنسان المتحضر يكون سهل التفاهم مع الآخر، يأخذ ويعطى معه في مودة ويسر، ولا يسرع إلى الخلاف...
ما أجمل ما قاله احد الحكماء "ما عاش من عاش لنفسه فقط".
إنها الأنانية أو الانغلاقية، حيث يتمركز الشخص حول نفسه، ولا يخرج منها ويندمج مع الآخر. وهذا الاندماج هو البذرة التي يتكون بها المجتمع. وعلى العكس هناك من يرون أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بدون الآخر.. بل كل نشاطهم هو من أجل الآخر، وكل مواهبهم هي من اجل الآخر. وفي هذا يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
يا صديقي أنا لولا أنت ما غنيت لحن
كنت في قلبي لما كنت وحدي أتغنى
وإن كانت هذه هي كلمات شاعر، وخواطره ومشاعره وألحانه، فإنها أيضًا هي علاقة الكاتب مع الآخر، أعني مع القارئ..
وكأن الكاتب يقول للقارئ. بلغة إيليا أبو ماضي: أنا لولا أنت ما كنت أكتب! إذ أنني من أجلك اكتب ، حيث يختلط فكرى بفكرك، ويصير لنا فكر واحد، وليس آخر. فأنت هدفي، وأنا وسيلتك. وأنت أذني، وأنا فمك. وكلانا واحد. وحقًا ماذا تكون جدوى كلماتي من غيرك؟! إنها لا شيء!
نفس الأمر مع كل من يعمل عملًا، هو لغيره، أو نتيجته لغيره.. فالبائع لا شيء، إن لم يوجد المشترى. والمتكلم لا جدوى لكلامه، إن لم يكن هناك الذي يسمع. والراعي لا صفة له، إن لم تكن هناك رعية. والمعلم ما هدفه، إن لم يكن هناك من يتلقى عليه العلم. وهكذا دواليك. وفى كل هذه الأمثلة تظهر أهمية الآخر..
نقطة أخرى في علاقة الإنسان بالآخر، وهي:
إن الإنسان الواسع القلب، لا يزاحم الآخر في طريق الحياة.. بل هو في سيره، يفسح طريقًا لغيره. يفسح له الطريق ليعبر، أو لكي يسير معه في نفس الطريق. إنه لا يتعالى على الآخر، ولا يتفاخر، وهدفه أن يلتقيًا ولا يتباعدًا. وأتذكر أنني كتبت عن ذلك في إحدى قصائدي منذ زمن بعيد.
قل لمن يجرى ويعلو شامخ
يا صديقي قف قليلًا وانتظرني
نحن صنوان يسيران مع
إنا في حضنك مل أيضًا لحضني
قل لمن يعتز بالألقاب إن
صاح في فخره: من أعظم منى؟!
أنت في الأصل تراب"تافه"
هل سينسى أصله من قال "إني"..؟!
يا أخي اعرف جيدًا في صراحة كاملة:
انه كلما ازدادت (الأنا) عندك، حينئذ يختفي الآخر في مقاييسك حيث تقول: من الذي يعيش ويظهر، وينمو وينتشر: أنا أم الآخر؟ وحيث يقول البعض: إذا مت عطشان، فلا نزل المطر!! أو تقول : فلأكن أنا المنتصر على الدوام، وغيري المهزوم..!
الدنيا هي دنياي أنا، خلقها الله لي، لكي أعيش!! وتنسى أن الله تبارك اسمه، قد خلق الدنيا للكل، والكل رعاياه وموضع اهتمامه..
لماذا تطلب أن يختفي الآخر لكي تظهر أنت؟ ألا يمكن لكما أن تعيشا معا؟ حقًا إن عمق الاهتمام بالآخر يكمن في إنكار الذات (اقرأ مقالًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات)، وإيثار الغير على النفس. بينما إهمالك للآخر لون من الأنانية..
يا أخي، لماذا يكون قلبك ضيقًا، فلا يتسع للآخر؟!
ولماذا. إذا ما اتسع قلبك. فإنما ينفتح لنوعية خاصة من الناس ، بينما ينغلق أمام الآخرين؟! لماذا تخسر الآخر؟!
ليتك تستمع إلى سليمان الحكيم حينما قال "رابح النفوس حكيم"..
على أن أسمعك وأنت تهمس قائلًا: "ولكن فلانًا لست اتفق معه، طبعي لا يتفق مع طبعه، وفكري لا يتمشى مع فكرة". هنا وأراني مضطرًا أن أردد عبارة جميلة قالها القديس يوحنا ذهبي الفم، وهي: "من لم توافقك صداقته، لا تتخذه لك عدوًا".
لذلك نصيحتي لك، لا توسع دائرة أعدائك. فليس هذا من الصالح لك ولا لغيرك..
وهنا أسأل : إذا اختلف معك الآخر في الرأي، هل تحول ذلك إلى خلاف في القلب أيضًا؟!
وهل حينئذ تهاجم الآخر، وتعاديه، وتحقره، وتشهر به؟!ً أم تحاول أن تلتقي به وتتفاهم؟ وإن التقيت معه في حوار، أيكون حوارًا هادئًا، أم ساخنًا، أم ملتهبًا؟ أم حوارًا يسوده الاحترام والمودة؟
وهل يكون هدفك من الحوار أن تنتصر على الآخر، وترغمه على قبول رأيك؟ وهل حوارك ليس للتفاهم، إنما لإثبات شخصيتك، وتثبيت فكرك؟ وهل يؤول حواركما حينئذ إلى مزيد من التباعد في الرأي والقلب؟!
يا صديقي، هل تؤمن بحرية الرأي؟ وبالتنوع والتعدد في الأفكار؟ وهل يظهر ذلك في تعاملاتك؟ أم انك تعمل على إلغاء شخصية الآخر!! فإما أن يوافقك، أو تطرحه بعيدا عنك. ويتحول التنوع إلى خلاف، ويتحول الخلاف إلى قتال ويؤول القتال إلى عداوة، تحتد وتشتد!!
في الزواج مثلا: لماذا يحدث الطلاق أحيانًا؟ أليس السبب هو نفس الإشكال؟ أنا أم الآخر؟!
بينما الحكمة في الزواج، أن يصير الزوجان واحدًا، لا أن يكونا واحدًا وآخر..! وهكذا عن باقي أفراد الأسرة والأقارب، حيث يقول الواحد منهم عن قريبه: إنه لحم من لحمى، وعظم من عظامي. إنه دمى، وليس آخر...
وبالحب، يتسع نطاق أسرتك، حتى يشمل المجتمع كله. ولا تقول عن فرد منه إنه آخر. بل هذا المجتمع هو ذاتك الكبرى، وليس آخر..! عندئذ يتحول العالم كله إلى أسرة كبيرة متحابة، يتحدثون فيها عن التعاون الدولي، والمؤسسات الدولية، وما إلى ذلك.


لهذا كله، ينبغي على كل منا أن يتدرب على محبة الآخر. فالعلاقة مع الآخر كلما ازدادت قربًا تتحول إلى وحدة. وأتذكر أنني سئلت مرة عن الوحدة الوطنية فقلت:
يا أخي المواطن: حينما أنظر إلى نفسي فأراك، وأنظر إليك فأراني، وكأنني أنظر في مرآة، وكأننا زوج واحد في جسدين، عندئذ تكون هذه هي الوحدة الوطنية...
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مقالات متفرقة - نشرت في جريدة أخبار اليوم يوم السبت الموافق 13-01-2007 أمثال شائعة
مقالات متفرقة - نشرت في جريدة أخبار اليوم يوم السبت الموافق 20-01-2007 أمثال شائعة أخرى
من أهم مقالات القديس يوحنا ذهبي الفم مقالات دفاعية عن الحياة الرهبانية أو الديرية
مقالات قداسة البابا شنودة الثالث من جريدة الاهرام
الحق والباطل - مقالات البابا شنوده


الساعة الآن 04:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025