لقد طرحت خطايانا السيد المسيح في محبته لنا إلى قلب البحار ليحمل عنا الغضب الإلهي خلال الصليب، محولاً ملوحة البحار إلى عذوبة الأنهار، فيهبنا فيه خلال الصليب ذاته نهر روحه القدوس الذي يروي نفوسنا ويهبها ثمارًا ويمنحها شفاءً! هكذا حمل الصليب صورتين متكاملتين: صورة غضب الله عن الخطية التي كلفت السيد حياته، وصورة حب الله الفائق التي فجرت ينابيع نعمه الفائقة.
يقول القديس چيروم: [بالنسبة للمخلص الرب جاءت الصورة في المزمور: "غرقت في حمأة عميقة وليس مفر، دخلت إلى أعماق المياه والسيل غمرني" (مز ظ¦ظ©: ظ£)، كما قيل عنه في مزمور آخر: "لكنك رفضت ورذلت، غضبت على مسيحك، نقضت عهد عبدك، نجست تاجه في التراب، هدمت كل جدرانه" (مز ظ¨ظ©: ظ£ظ©)... ومع أنه صار في مياه مالحة إذ جُرب في كل شيء لكنها ليست مالحة (مرّة) بالنسبة له فقد أحاط به نهر كما قيل في موضع آخر: "نهر سواقيه تفرح مدينة الله" (مز ظ¤ظ¦: ظ¤)].
يُحدثنا القديس أمبروسيوس عن هذا النهر الذي يحيط بنا بكونه الروح القدس الذي يروي أورشليم السماوية الذي أفاض على الكنيسة بالمسيح يسوع المصلوب. [الروح القدس هو النهر، النهر الوفير، النهر العظيم الذي يفيض دومًا بلا انقطاع... فإن أورشليم السماوية لا ترتوي بنهر أرضي بل بالروح القدس[19]].