يُصوَرُ ضعف الطبيعة الإنسانية وسرعة زوالها، أي يُعبَّر عن ضعف بشريتنا، وأيضاً يُعبَّر كتعبير رئيسي في العهد الجديد على الوقوع تحت سلطان عبودية الخطية والموت، لذلك مكتوب: [أن لحماً ودماً لا يقدران ان يرثا ملكوت الله] [1]، وذلك بسبب طبيعة الإنسان الساقطة تحت سلطان الموت الناشئ من تيار الفساد الذي سطا سطواً على إنسانيتنا التي سقطت بحريتها وإرادتها، فتغيرت الطبيعة البشرية من حالة مجد وشركة مع الله في النور، لحالة من الهوان والظلمة التي لا تقدر أن تتعامل مع الله النور الحقيقي، لأن عندما يُشرق الله تتبدد الظلمة وتتلاشى، لذلك قال الله لموسى لا يراني إنسان ويعيش، لا لأنه يريد أن يُميت الإنسان بل لأن طبيعة ظلمة الإنسان لن تحتمل نور الله وبهاء مجده، لذلك حينما رأى الشعب لمحة من نور الله على وجه موسى صرخوا ولم يحتملوا فوضع برقع ليستطيعوا النظر إليه.
[فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما، لكي يُبيد بالموت ذاك الذي له سُلطان الموت، أي إبليس، ويعتق أولئك الذين – خوفاً من الموت – كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية] [2]
فهذا اللفظ [لحم ودم] يُشير لحالتنا الساقطة كمخلوقات من (لحم ودم)، أي في حالتنا الطبيعية كبشر واقعين تحت سلطان الموت (لأن إلى الآن الجسد يفسد ويموت) لا نستطيع المشاركة في مجد الله: [إن لحماً ودماً لا يقدران أن يرثا ملكوت الله، ولا يرث الفساد عدم الفساد][3]، فالذي يرث ملكوت الله فقط هو الإنسان الجديد النوراني المخلوق حسب الله في القداسة والحق، أي المولود من فوق وله طبع سماوي، أي المولود من الله: الذين ولدوا ليس من دمٍ ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله[4]؛ لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها[5]؛ وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البرّ وقداسة الحق[6]
+ مصطلح لحماً ودماً ورؤية الله ومعرفته الحقيقية وحرب القوات الشريرة
أيضاً تعبير لحماً ودماً يوجه قلب الإنسان لمعرفة الله الحقيقية واستعلانه الخاص عن نفسه بواسطة الابن [الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّرّ – يوحنا 1: 18]، فتعبير لحمٍ ودمٍ يدل على عجز المعرفة الإنسانية بطبيعة الله النورانية، وذلك لأنها مرتبطة بظلمة الموت المُحيطة بالذهن الذي انطفأ فيه النور الإلهي منذ السقوط الأول، لذلك – عادةً – يفشل الإنسان في إقامة علاقة حقيقية اختبارية سليمة وعميقة (متأصلة في الحق) مع الله القدوس، وبالتالي لا يقدر على معرفته الحقيقية، لأن هذا هو الخبر الذي سمعناه منه (المسيح) الله نور وليس فيه ظلمة البتة (1يوحنا 1: 5)، فالظلمة لا تستطيع أن تجتاز السماوات وتأتي للنور، لأن الظلمة حسب طبيعتها سلبية لا تتواجد عندما يُشرق النور، فالظلمة تهرب من أمامه وتتلاشى لأنها لا تحتمل قوة النور وسلطانه، لذلك لا توجد شركة بين الظلمة والنور، لا بد من أن تتغير وتتبدل الظلمة بالنور لكي تحتمل النور: لأن عندك ينبوع الحياة، بنورك نرى نوراً (مزمور 36: 9)
فالإنسان بحسب طبيعته الساقطة وسيطرة الخطية على قلبه بالموت، لا يقدر أن يرى الله أو يتعرف عليه حتى لو حاول أن يقترب إليه عن طريق أعماله الصالحة كلها، لأن النبع التي تنبع منه نفسه مُرّ، لذلك معرفة الله الحقيقية لا تأتي على مستوى اللحم والدم، بل تأتي برؤية خاصة مُعلنه من السماء في داخل القلب سراً كما قال الرب لبطرس حينما قال أنت هو المسيح ابن الله الحي: [إن لحماً ودماً (حسب الترجمة الحرفية) لم يُعلن لك لكن أبي الذي في السماوات] [7]، وهذا يعني بالطبع أن يترك الإنسان نهائياً كل جهد شخصي للاستناد على الرؤية الإلهية بالسلطان الإنساني حسب جهده وعمله الشخصي: [لما سُرَّ الله الذي أفرزني (اختارني وخصصني) من بطن أمي. ودعاني بنعمته. أن يُعلن ابنه فيَّ لأُبشر به بين الأمم، للوقت لم استشر لحماً ودماً] [8]