![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قال أنبا إيليا السائح: إنه كان في مغارةٍ في أحد الجبال، فلم يأتِ نصفُ النهارِ في شدةِ الحرِ في شهرِ أغسطس، حتى قرع إنسانٌ على مغارتهِ، فخرج وأبصر امرأةً، فقال لها: «ماذا تصنعين ههنا»؟ قالت له: «أنا بقربِك في مغارةٍ على ميلٍ واحدٍ، أسيرُ سيرَتَك، وفيما كنتُ أدورُ في البريةِ عطِشتُ من شدةِ الحرِ، فاصنع محبةً يا أبي واسقني قليلَ ماءٍ». ثم قال: «فسقيتُها وأخليتُ سبيلَها، فلما انصرفَتْ تملَّكني قتالُ الزنى، فهُزمتُ له، وأخذتُ عصاي ومضيْتُ سائراً إلى مغارتِها في ساعةِ حرٍّ صعبٍ، فلما دنوتُ من مغارتِها والشهوةُ تُلهبُني، سَهوْتُ فأبصرتُ الأرضَ قد انفتحت وظهر من تحتِها أجسادُ موتى كثيرين مُنتِنةٌ جداً، وكان إنسانٌ بهيٌ يُريني تلك الأجسادَ ويقول لي: إلى أين أنت ذاهبٌ يا راهب، وماذا تريد؟ هلم الآن وانظر أجسادَ هذه النسوة التي كانت حسنةَ الصورة كيف صارت رائحتهم، فاشفِ الآن شهوتَك من أيهِا شئتَ، وأبصر كم من الأتعابِ تريدُ أن تُهلكَ من أجلِ هذه الشهوةِ المنتنةِ، وتحرم نفسَك مُلكَ السماءِ. ومن شدةِ رائحةِ النَتَن وقعتُ على الأرضِ، فأقامني ذلك الرجلُ، وأزال عني القتالَ، ورجعتُ إلى مغارتي أسبِّحُ الله وأمجدُه على خلاصي». فانظروا يا إخوتي كيف أن القربَ من النساءِ هو مُهلكٌ، ويسببُ القتالَ حتى للرجالِ الأبرارِ المتعَبين بالنسكِ طول أيامِهم. أخبر أحدُ الشيوخِ: إنه في بعضِ الليالي، في أثناءِ صلاتِه وهو في البريةِ الجوانية، سمع صوتَ بوقٍ يضربُ ضرباً عالياً، كمثل ما تُضرب أبواقُ الحربِ، فتعجب متفكراً بأن البريةَ مقفرةٌ وليس فيها آدمي، فمن أين صوتُ البوقِ في هذه البريةِ، أَتُرى حربٌ ها هنا؟ وإذا بالشيطانِ قد وقف مقابلَه وقال بصوتٍ عالٍ: «نعم يا راهب، حربٌ هي، إن شئتَ فحارب، وإلا سلِّم لأعدائك». سُئل شيخٌ: «كيف يقتني الراهبُ الفضيلةَ»؟ فأجاب: «إن شاء أحدٌ أن يقتني فضيلةً، إن لم يمقُت أولاً الرذيلةَ التي تضادها فلن يستطيعَ أن يقتنيها. فإن شئتَ أن يحصلَ لك النوحُ فامقت الضحكَ. وإن آثرتَ أن تقتني التواضعَ فابغض الكبرياءَ. وإن أحببتَ أن تضبطَ هواك فامقت الشرَّ والتحريفَ في الأشياءِ. وإن شئتَ أن تكونَ عفيفاً فامقت الفسقَ. وإن شئتَ أن تكونَ زاهداً في المقتنياتِ فامقت حبَ الفضةِ. ومن يريدُ أن يسكنَ في البريةِ فليمقت المدنَ. ومن يشتهي أن يكونَ له سكوتٌ، فليمقت الدالةَ. ومن أراد أن يكونَ غريباً من عاداتِهِ فليبغض التخليطَ. ومن يريد أن يضبطَ غضبَه فليبغض مشيئتَه. ومن يريد أن يضبطَ بطنَه فليبغض اللّذاتِ والمقامَ مع أهلِ العالمِ. ومن أراد عدمَ الحقدِ فليبغض المثالبَ. ومن لا يقدر أن يكابدَ الهمومَ فليسكن وحدَه منفرداً. ومن يريد أن يضبطَ لسانَه فليسد أذنيه لئلا يسمع كلاماً كثيراً. ومن يريد أن يحصل على خوفِ الله، فليمقت راحةَ الجسدِ ويحب الضيقةَ والحزنَ. فعلى هذه الصفةِ يمكنك أن تعبدَ الله بإخلاصٍ». قال شيخٌ: «أشرفُ أعمالِ الرهبنةِ أن يُحقِّرَ الإنسانُ نفسَه دائماً، ويردَّ اللومَ عليها». وقال أيضاً: «البابُ إلى اللهِ هو الاتضاع ومنه دخل آباؤنا إلى الملكوتِ بغنيمةٍ عظيمةٍ». وقال أيضاً: «إن الذي يخاصمه أخوه ولا يَحزن قلبُه، فقد تشبَّه بالملائكةِ، فإن خاصمه هو أيضاً ثم رجع صالحه من ساعتِهِ فهذا هو عمل المجاهدين. فأما الذي يُحزن إخوته ويَحزن منهم ويُمسك الحقدَ في قلبهِ، فهذا مطيعٌ للشيطانِ مخالفٌ لله، ولا يغفر له الله ذنوبَه إذا لم يغفر هو لإخوتهِ». وقال أيضاً: «كما أن الذي يُصفِّي الذهبَ، إذا كان يحمِّي النارَ ويشعلها حيناً ثم يخمدها ويطفئها حيناً آخر، لا ينتفع، كذلك الراهب إذا كان يحرص مرةً ويسترخي أخرى». قال شيخٌ: «إن إبراهيم أول دخولهِ أرضَ الميعادِ اشترى قبراً، فوَرِثَ هو وزرعُه الأرضَ بكمالِها، هكذا الذي يتخذ له بيتاً لموتِهِ من هذا العالمِ، ويحزن فيه على نفسِه، فإنه يرث أرضَ الحياةِ». قيل عن أحدِ الشيوخِ: إنه كان رجلاً وديعاً كثيرَ الحبِّ. ولم يفكر في الشرِّ أصلاً، وحدث مرةً أنَّ أحدَ الإخوةِ سَرَقَ زنابيلَ وحملها وأودعها عندَه ولم يعلم الشيخُ بسرِّها، فبعد أيامٍ عُرفت الزنابيل، فاتُّهم الشيخُ بسرقَتِها، فلما اتُّهم أنه السارق، سجد مطانية وقال: «اغفروا لي يا إخوتي من أجلِ الله فأتوب من هذه الدفعةِ الواحدةِ». وصار يبكي، فلما نظر الإخوةُ بكاءَه تركوه، وبعد أيامٍ قلائل جاء الأخُ الذي سرق الزنابيل، وأنشأ خصومةً مع الشيخِ قائلاً: «أنت سارقٌ، وقد سرقتَ زنابيل فلان». فسجد الشيخُ بين يديه قائلاً: «اغفر لي يا أخي كما غفر لي بقيةُ الإخوةِ». وكان هذا الشيخُ دائماً إذا غلط أخٌ وأنكر غلطَتَهُ، يسجد هو قائلاً: «اغفروا لي يا إخوتي هذه الغلطةَ». وكان كلامُه على الدوام بهدوءٍ واتضاع وسكينةٍ، ولم يخاصم أحداً قط، ولا سبَّب وجعَ قلبٍ لأحدٍ قط في وقتٍ من الأوقاتِ حتى ولو بكلمةٍ صغيرةٍ. |
![]() |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بستان الرهبان كامل مسموع |
زهور من بستان - كتاب بستان الرهبان |
تحميل كتاب بستان الرهبان كامل مسموع |
كتاب بستان الرهبان لبيلاديوس |
كتاب بستان الرهبان |