ولكن ليس من قبيل الصدفة أيضًا أن الدين الكاذب والروحانية الكاذبة غالبًا ما يقومان على رفض المادة، وتاليًا رفض العالم نفسه، وعلى جعل المادة مرادفة للشر أي التجديف على خليقة الله.
ورفض التدخل الإلهي في المادة كان من الأسباب التي أدّت بمحاربي الأيقونات إلى هرطقتهم واحتقار بقايا القديسين، فهم لم يرفضوا عقيدة التجسد من الناحية النظرية، بل على العكس فقد بنوا عقيدتهم بناءً عليها، أمّا من الناحية التطبيقية فرفضوا تقديس المادة بشكل عام وتأله الإنسان بشكل خاص، وبكلام آخر رفضوا قبول نتائج التجسد: تقديس الأشياء المنظورة، العالم المادي، وبالتالي لم يفهموا كل التدبير الخلاصي.
إن الكتاب المقدَّس والايمان المسيحي ينفردان باختبار المادة واظهار أنها صالحة في جوهرها، مع امكانية تحوّلها إلى اداة ناقلة لسقوط الإنسان وعبوديته للموت والخطيئة، ووسيلة يسرق بها الشيطان العالم من الله. ولكننا نستطيع “في المسيح” وبقوّته أن نحرّر المادة ونستعيدها كرمز لمجد الله ووجوده، وكسرّ لفعله وشركته مع الانسان.
إن التقديس سواء أكان تقديسًا للماء أو للخبز والخمر في سر الشكر لا يكون أبدًا معجزة ظاهرة و “مادية”، ولا تحويلاً يمكن أن تتفحصه حواسنا أو تبرهنه. فالواقع أنَّه في “هذا العالم” أي بحسب مقاييس هذا العالم وقوانينه “الموضوعية” لن يحصل شيء للماء، ولا للخبز والخمر.