أوغسطين والسلطان الجامع:
بهذا المعنى يجب أن نفسر قول أوغسطين الشهير والمدهش حقاً : “لو لم يحركني سلطان الكنيسة الجامعة لما آمنت بالإنجيل” (V.f.epistolum fundaminti 6). يجب علينا أن نقرأ هذا العبارة ضمن سياقها. فأوغسطين لم ينطق بهذه العبارة بالأصالة عن نفسه، إنما بالأصالة عن الموقف الذي كان على المؤمن العادي أن يتخذه عندما يواجه الهراطقة، الذين يزعمون أنهم أصحاب السلطان. في هذا الحال، يليق بالمؤمن البسيط أن يحتكم إلى سلطان الكنيسة، التي تلقى فيها ومنها الإنجيل نفسه (أي البشارة) : “إنني آمنت بالإنجيل نفسه، لأن مبشرين “جامعيين بشروني”. فالإنجيل وتعليم الكنيسة الجامعة لا يفصلان. وأوغسطين لم يسمع إلى “إخضاع” الإنجيل للكنيسة، بل أراد أن يشدد على أننا نتلقى “الإنجيل” في إطار التبشير الجامع في الكنيسة، لأنه لا ينفصل عنها. في هذا الإطار وحده يأخذ الإنجيل مكانه ويُفهم فهماً صحيحاً. والحق، أن شهادة الكتاب بينة وواضحة كل الوضوح عند المؤمن الذي وصل إلى نضج “روحي”، وهذا ممكن في الكنيسة فقط. لذلك قاوم أوغسطين الأوهام التي يتعلل بها التفسير المانوي عبر هذا التعليم وعبر سلطان (auctoritas) البشارة اللذين يتصلان بالكنيسة الجامعة. فالإنجيل لا يخص المانويين. أما “سلطان الكنيسة الجامعة” فلم يكن مصدراً مستقلاً للإيمان، بل كان مبدأً ضرورياً للتفسير الصحيح. إننا نقدر أن نقلب هذه العبارة فنقول: يجب أن لا يؤمن المرء بالكنيسة ما لم يحركه الإنجيل. فالعلاقة متبادلة بنيهما بشكل تام
الأب جورج فلوروفسكي
من كتاب :الكتاب المقدس والكنيسة والتقليد