أما العبودية فهي نوعان: أن نكون عبيداً أو أن نبتغي استعباد الآخرين لنا. إما أن نكون نحن عبيداً، فاقدي الحرية، بمنزلة أشياء مادية، وذلك بفعل هوى يأسرنا أو بفعل قوى مادية أقوى منا تفقدنا هويتنا(12)، بكلمة واحدة بقبولنا وخضوعنا للقوة التي تريد إخضاعنا، وأما أن نريد نحن إخضاع قريبنا لنا والتسلط عليه فنفرض عليه العبودية في شكل من الأشكال (سواء عن طريق المال أو الضغط الاجتماعي أو التفوق الثقافي أو الترؤس المستبِد الخ…) ونجعله بمثابة شيء، وبذا نصبح بدون انتباه منا عبيداً لعبيدنا، لأن من يستعبد الأخرين هو أول من يستولي عليه روح العبودية فيصير أسيراً لرغبته (على مثال مأساة الأهواء كلياً). ولذلك نطلب في صلاة أفرام السرياني أن «أعتقني من حب الرئاسة».
هذا وقد فهمنا ذلك بمجيء المسيح فقط. لم يكن الإنسان من قبل منطبقاً مع ذاته، لم يكن حراً، كان عبداً غير قادر على أن يَخدُم، ذلك لأن الخدمة لا تتم إلا في الحرية، أعني في عطاء الذات والتفاني والطاعة. إننا نرى رسماً لهذه الخدمة في العهد القديم في الخروج من مصر، إذ أعتق الله شعبه من العبودية المصرية ليجعله خادماً له. فالله لا يقبل خدماً له إلا أناساً أحراراً مفتدين. ولكن من يخدم الله يملك معه. يقول أحد اللاهوتيين: “انتبه أيها الإنسان فالله لا يقبل في ملكوته إلا الآلهة”. إن الخدمة تجعلنا مشابهين لله ومعاونين له، نجلس “على اثني عشر كرسياً…” (متى19: 28). لقد وعد يسوع بطرس بذلك عندما قال له بطرس: “ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك (لنخدمك) فماذا يكون لنا؟” فأجابه يسوع “تجلسون معي…”. هذا هو معنى الخدمة: المساهمة في ملكوت المسيح ومجده، بما فيه الصليب. “لم يخطر على قلب إنسان ما أعده الله للذين يحبونه” (1 كور2: 9).