نُحِبُّ القريب حباً بالمسيحعندما تجسّد السيد المسيح واتّحد بالطبيعة البشرية، اتّحد بجميع الناس، لأنه عانى في جسده ما يعانيه جميع الناس -ما عدا الخطيئة- من شقاء، وشعر بما يشعرون به من أفراح واحزان. فأصبح جميع الناس يؤلفون معه جسدًا واحدًا لأنهم جميعًا مدعوون إلى الإنضمام إليه واعتناق عقيدته والإستفادة من استحقاقات آلامه وموته وقيامته. ويؤلّف المسيح مع الذين يحيون بحياته، بواسطة النعمة الإلهية، جسده السرّي. فهو رأس هذا الجسد والمؤمنون به أعضاءه. فمن أحبّ المسيح وَجٓبَ عليه أن يُحب أعضاءه ويحترمهم ويعتني بهم ومن سلّم بتجسد المسيح وَجَبَ عليه أن يسلّم بنتائج هذا التجسّد الذي جعل جميع المؤمنين جسدًا واحدًا. ومن إحتقر أعضاء المسيح إحتقر المسيح عينه، وهذا ما أشار إليه السيد المسيح عندما أنّب بولس –شاول يومذاك- على إضطهاده للمسيحيين وكان يتبعهم حتى في دمشق. فقال له: "شاول، شاول، لماذا تضطهدني"؟ (أعمال الرسل ٩: ٥)، ولم يقل لماذا تضطهد أتباعي والمؤمنين بتعاليمي. ومن المعلوم أن بولس لم يكن قد رأى المسيح من قبل ، ولم يتعرّف عليه، ولكن المسيح أفهمه بقوله هذا أن من يضطهد المسيحيين يضطهد المسيح ايضًا، وهو وهم يؤلفون جسدًا واحدًا. وعبر السيد المسيح عن هذه الحقيقة بصورة جلية مرّة ثانية عندما رسم لوحة عن الدينونة الأخيرة، فمثل الله جالساً على عرشه للقضاء الأخير والناس حوله، فراح يمّيز بين الأخيار والأشرار، بين الخراف والجداء، وجعل الخراف عن يمينه ودعاهم إلى دخول ملكوته لأنهم عادوه مريضًا وزاروه مسجونًا وأطعموه جائعًا وسقوه عطشانًا وكسوه عريانًا. وعندما أبدى هؤلاء دهشتهم لقوله لأنهم لم يروه كما وصف لهم، أجابهم قائلاً: "الحق اقول لكم: كلّما صنعتم شيئًا من ذلك لواحد من إخوتي هؤلاء الصغار فلي قد صنعتموه" (متى ٢٥: ٤٠) فالمسيح وإخوته كل الناس يؤلفون جسدًا واحدًا، ولأنهم كلهم وبدون استثناء مدعوين ليؤلّفوا معه جسده السري.