منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 10 - 12 - 2019, 04:41 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,212,232

هل حقاً حُبِل بالعذراء بلا دنس ؟

هل حقاً حُبِل بالعذراء بلا دنس ؟
إعداد د.علاء عيد

كثيرون اليوم يسيؤون فهم مصطلح "الحبل بلا دنس"

1. فيعتقدون أنه يشير إلى الحبل بالمسيح في رحم العذراء مريم بدون تدخّل أب بشري وولادته منها، ولكن هذا يسمى "الميلاد العذراوي".

2. آخرون يعتقدون أن القدّيسة مريم قد حبلت بها أمّها بقوة الروح القدس كما في حالة الحبل بالمسيح ولكن هذا أيضاً غير صحيحاً.

فالحبل بلا دنس يعني :
أن "العذراء مريم حُفِظت معصومة من كل دنس الخطيئة الأصلية منذ اللحظة الأولى للحبل بها, وذلك بامتياز ونعمة خاصة من الله القدير بالنّظر إلى استحقاقات يسوع المسيح فادي الجنس البشري".

- وقد ظهرت هذه العقيدة قبل نحو ١٦٣ عاماً. في ٨ ديسمبر عام ١٨٥٤م في الدّستور الرّسولي (Ineffabilis Deus) على يد البابا بيوس التاسع، وهذا شرحها بحسب الموسوعة الكاثوليكيّة (بصورة مُختصرة) Catholic Encyclopedia:

"في الدستور Ineffabilis Deus في الثامن من كانون الأول، ١٨٥٤ أعلن البابا بيوس التاسع وعرَّف أن المغبوطة العذراء مريم "في أول لحظة من حبلها، وبميزة وحيدة ونعمة ممنوحة من الله، بسبب فضائل يسوع المسيح، مخلِّص الجنس البشري، قد حُفظت معفاة من كل لطخة من الخطية الأصلية".

إن موضوع هذه المناعة ضد الخطية الأصلية هو شخص مريم في لحظة خلق نفسها ونفخها في جسدها.

إن تعبير الحبل لا يعني الحبل الفاعل أو المولِّد من قبل والديها. لقد شُكِّل جسدها في رحم والدتها، وكان للأب النصيب العادي في تشكيله. المسألة لا تتعلق بطهارة الفعل المولِّد لوالديها ... لقد حُفظت مريم معفاة من كل لطخة الخطية الأصلية في أول لحظة من إحيائها، وأُعطيت لها نعمة مقدِّسة قبل أن يمكن للخطيئة أن تفعل في نفسها. إن الجوهر الفعّال الأساسي للخطيئة الأصلية لم يُزَلْ من نفسها، كما يُزال من آخرين بالمعمودية؛ لقد تم استثناؤه. إن حالة القداسة الأصلية والبراءة والعدالة، المعاكسة للخطيئة الأصلية، قد مُنحت لها، وبهذه العطية فإن كل لطخة وخطأ، كل العواطف الفاسدة، والضعفات، المتعلقة بصورة أساسية في نفسها بالخطيئة الأصلية، قد تم استثناؤها. لكنها لم تُصيَّر معفاة من عقوبات آدم الزمنية: من الحزن، الضعفات الجسدية، والموت. المناعة ضد الخطيئة الأصلية قد أُعطيت إلى مريم باستثناء وحيد من الناموس الكوني بواسطة فضائل المسيح نفسها، والتي بها يُغسل أناسٌ آخرون من الخطيئة بالمعمودية ... إن فداءها كان تحفة حكمة المسيح الفادية بالذات. إنه فادٍ يدفع الدَّيْن أعظم من الذي يدفعه بعد أن يقع على المديون. هكذا هو معنى تعبير الحبل بلا دنس".

- الحبل بلا دنس بحسب التاريخ:
لهذه العقيدة جذور قديمة قبل أن تعلن كعقيدة على يد البابا بيوس التاسع

قد نشأت على يد ايليدفوس هانس أسقف طلطيلية باسبانيا وظلّت محصورة بها حتى تناقلها كهنة ليون بفرنسا مما أثار عليهم سخط برناردوس أحد كبار معلّمي الكنيسة الغربية وقدّيسيها ودفعه إلى تعنيفهم تعنيفاً مراً. كما قد رفض هذه العقيدة إلى جانب برناردوس رهبان دير كلوني بباريس, وبعض أشهر اللاهوتيين الكاثوليك البارزين مثل بونافنتورا, وألبير الكبير, وتوما الأكويني, وكلّهم مطوّبون قدّيسين في الكنيسة الكاثوليكية.

بينما أول المدافعون عن هذه العقيدة أمثال آدمير (١٠٦٠-١١٢٤), ودونس سكوت (١٢٦٠-١٣٠٨) لم يكونوا مطوّبين. فقد قال آدمير وهو تلميذ أنسلموس أسقف كانتربري: "إذا كان باستطاعة حبّة الكستناء أن تنمو تحت الشوك بدون أن تتأذى به, فالله إذن كان باستطاعته أن يجعل الحبل بالعذراء من والدين خاطئين بدون أن تكون هي نفسها ممسوسة بالخطيئة, يمكنه بالتأكيد أن يفعله اذا كان قد أراده, فقد فعله".

وأما عن دفاع دونس سكوت الراهب الفرنسيسكاني عن الحبل بلا دنس فقد قال: "هناك طريقان تحقّق بهما فداء البشر: الطريقة العامة التي تشمل كل البشر, والطريقة الإستثنائية التي تميّزت بها مريم العذراء فافتُدِيت استباقاً لاستحقاقات ابنها يسوع المسيح. (وهذا التحليل عينه هو الذي استخدمه البابا بيوس التّاسع في صياغة عقيدة الحبل بلا دنس).

وقد كانت هذه العقيدة مثار جدل بين رهبان "الفرنسيسكان"(١) (أتباع دونس سكوت) الذين جاهروا باعتناق مذهب كهنة ليون بالإيمان بالحبل بلا دنس، وبين رهبان "الدومينيكان"(٢) (أتباع توما الأكويني) الذين وقفوا في وجوههم وحملوا عليهم حملة شعواء وقالوا أن والداها (العذراء) أنجباها بالطريقة الطبيعيّة كبقيّة البشر وأنكروا الحبل بلا دنس.

وقد مهّد البابا سيكستوس الرابع (١٤١٤-١٤٨٤م) وكان من رهبنة الفرنسيسكان لعقيدة الحبل بلا دنس بأن كلّف راهباً من الفرنسيسكان يدعى لينو باردي لوجاروليس بأن يضع طقس حبل حنّة بلا دنس فوضعه خوفاً من رهبنة الدومينيكان التي عملت على مقاومة عقيدة الحبل بلا دنس في بداية ظهورها.

وحدث في المجمع التريدنتيني سنة ١٥٦٣م ان اختلف مندوبو البابا الثلاثة في الرأي حول الحبل بالعذراء مريم بلا دنس كما يلي (٣):

• مال الكاردينال دي مونتي للحبل بلا دنس.

• قاومها الكاردينال سنتا كروش.

• وأمّا الكاردينال بولي فلم يعلن عن رأيه.

وبقي الجدل قائماً حول هذه الفكرة حتى حسم البابا بيوس التاسع الأمر باعلان "الحبل بلا دنس" كعقيدة عام ١٨٥٤م.

- اعتمدوا هذه العقيدة وِفقاً لظهورات وحوادث رواها بعض الأشخاص!
أشار البابا بيوس الثاني عشر الذي تسيّد كرسي روما ما بين (١٩٣٩-١٩٥٨) إلى أن مريم أكّدت هذه العقيدة من خلال ما أعلنته بنفسها في ظهوراتها المتعدّدة, حيث جاء في أدبيّات الكنيسة البابوية

أن السيدة العذراء قد ظهرت في ٢٧ تشرين الثاني عام ١٨٣٠م في كنيسة في شارع دوباك ١٤٠ في باريس وعلّمت الأخت كاترين لابوري صلاةً تقول "يا مريم التي حُبل بها بلا دنس صلّي لأجلنا نحن الملتجئين إليك".

وفي الظهور السادس عشر للعذراء في لورد يوم الخميس ٢٥ آذار ١٨٥٨م سألت الطفلة برناديت السّيدة عن اسمها, مكرّرة السؤال ثلاث مرّات, ابتسمت فيها السّيدة وعندئذ امتلكت برناديت الشّجاعة لتسأل السّيدة عن اسمها للمرّة الرابعة! فأجابتها قائلة "أنا الحبل بلا دنس".

هذا ما جعل هذه الظّهورات التي توليها الكنيسة الكاثوليكية أهمّية بالغة موضع شكوك الكنيسة الأرثوذكسية لأسباب عدّة سنعرضها تباعاً.

أولاً:
ترى الكنيسة الأرثوذكسية أن هذه العقيدة ظهرت نتيجة فهم خاطىء للخطيئة الأصلية، فالكنيسة الكاثوليكية تستقي تعليمها عن الخطيئة الأصلية من اللاهوت الأوغسطيني, حيث أن المغبوط أوغسطينوس في معرض دفاعه عن الإيمان المسيحي ضد هرطقة بيلاجيوس الذي يدّعي أن الإنسان يستطيع بقواه الخاصة الحصول على الخلاص, أكّد أوغسطينوس ضرورة الخلاص بالمسيح, مرتكزاً على فساد الطبيعة البشريّة بعد خطيئة آدم وحواء. فهذه الخطيئة بالنسبة لأوغسطينوس تنتقل بالوراثة عن طريق التناسل الجنسي إلى كل انسان يولد من نسل آدم. وينتج عنها أن الإنسان يولد خاطئاً, كما ينتج أيضاً وراثة الخطيئة الأصلية انحراف إرادة الإنسان واستعبادها للشّهوة. فكل انسان يولد إذن خاطئاً ومستعبداً للشهوة.

أمّا بشأن مريم العذراء, فيرى أوغسطينوس أن مريم العذراء قد تحرّرت كلياً, بنعمة خاصة من الخطيئة الأصلية, ولا سيما من الإستعباد للشّهوة والخطيئة. وقد منحها الله هذه النعمة عندما وُلِدت, ولا يوضّح أوغسطينوس أي شيء بالنسبة إلى عدم الموت في تلك النعمة الخاصة، أي لا يتكلم عن نزاهة مريم العذراء عن الموت البشري الذي يختبره كل إنسان مولود في الخطيئة الأصلية.

ونتيجة لهذا الفهم الخاطىء عن الخطيئة الأصلية فقد أعتقدت الكنيسة الكاثوليكية "بالحبل بلا دنس" أي أن الله استثنى مريم من هذا الذنب الموروث بالتعريف الكاثوليكي, وذلك عندما تم الحبل بها من قبل أمها حنّة. لأنه لو كانت مريم قد ورثت الخطيئة الأصلية وورثت الذنب معها, لما أمكن اختيارها لتحمل ابن الله المتجسّد, لأن طفلها سيكون في هذه الحالة, قد ورث منها الذّنب نفسه ولصار تحت الدينونة الإلهية. ولكانت "فضائل" ذبيحته غير كافية للفداء.
وخلاصة هذا التعليم في المفهوم الكاثوليكي ان الانسان يولد وارثاً لخطيئة آدم وحواء، فينظر له الله كآكل من شجرة معرفة الخير والشر. بينما في اللاهوت الأرثوذكسي لا يرث الإنسان الخطيئة الأصلية, بل نتائجها وهي الفساد والموت, كما يخرج الجذر الفاسد ثماراً فاسدة. فالإنسان ليس معاقباً لكونه مسؤولاً عن خطيئة الأبوين الأولين آدم وحواء, بل هو مسؤول تجاه خطاياه وحده.

لذلك رفضت الكنيسة الأرثوذكسية هذه العقيدة كما رفضت الإعلان عنها من خلال ظهورات للعذراء متزامنة مع الفترة التي أعلن فيها الفاتيكان أن "الحبل بالعذراء بلا دنس" هو عقيدة موحاة وملزمة.

ثانيــاً:
عقيدة "الحبل بلا دنس" هذه مبنية على تحاليل عقلية بدون أساس في الوحي الإلهي, حيث أنه لا يوجد أي نص في الكتاب المقدس أو آباء القرون الأولى يقول أن النعمة حلّت على حنّة أم العذراء أثناء الحمل لتطهّر العذراء من الخطيئة الأصلية!

ويبرّر الكاثوليك إدعائهم بهذه العقيدة أن في سلام الملاك لمريم "أيتها المُنعم عليها" معنىً واضحاً عن تجرّد مريم العذراء من الخطيئة الأصلية, وإنها وحدها لم يكن عندها دنس الخطيئة الأصلية. أي أن العذراء مريم مختارة بموجب القضاء والقدر لا بسبب برّها الذاتي, فرغم أن الكنيسة الكاثوليكية تحارب القضاء والقدر لدى الكالفينية(٤) إلاّ أنها تقع فيه ههنا!

لذلك رأت الكنيسة الأرثوذكسية في المفهوم الكاثوليكي انتقاصاً وإهمالاً لدور مريم الذاتي في قداستها, إذ بعقيدتهم هذه يقدّسونها رغماً عنها, ودون دور لها في تلك القداسة, لمجرّد أن الله "شاء", بينما هي قد استحقّت أن تكون أماً للمسيح إذ يقول الكتاب "لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ" (لو30:1)، وأيضاً "لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ" (لو48:1). وهذا يُبرز دورها الذاتي في قداستها إذ وجدت نعمة عند الله الذي نظر إلى اتّضاعها فقدّسها.

ثالثــاً:
وفقاً لهذه العقيدة, فإن الكنيسة الأرثوذكسية تطرح أسئلة لا يجيب عنها اللاهوت الكاثوليكي ومن أهمها:

١) كيف يمكن أن تكون القديسة العذراء مريم محرّرة بإرادة إلهية من الخطيئة الأصلية, بينما هي مستمرة في حمل نتائج الخطيئة الأصلية "الموت" فهل تنقية الله وخلاصه ناقص؟ فبحسب هذه العقيدة لا يمكن أن تموت العذراء. حيث أن الموت في اللاهوت الأوغسطيني هو عقاب الخطيئة الأصلية, وكون العذراء قد حبل بها بلا دنس الخطيئة الأصلية وبالتالي أعفيت من نتائج سقوط آدم. فكيف يا ترى ماتت العذراء ونحن نعلم أن أجرة الخطيئة هي الموت وهي لم تولد بالخطيئة؟

٢) لماذا قالت العذراء "تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي" (لو46:1)؟ هل يعني هذا أن تجسّد المسيح الكلمة وفداؤه للبشر لم يشمل بخلاصه شخص مريم التي كانت مخلّصة مسبقاً قبل التجسد؟ بالطبع لا.

٣) بأي طريقة خلصت العذراء قبل أن يُصلب المسيح والكتاب يقول "وَبِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لاَ تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ" (عب٢٢:٩).

٤) إذا كان ممكناً أن يخلص إنسان كالعذراء من الخطيئة الأصلية بدون تجسّد الرب وصلبه وموته وقيامته فلماذا لم يخلّص الله البشر جميعهم بهذه الطريقة؟ ما حاجته أن يخلي الله ذاته ويأخذ صورة العبد وأن يُصلب ويموت؟!

٥) لم يستثني الكتاب المقدس أحداً من الخطيئة حين قال "هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي" (مز٥:٥١) وأيضاً "مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ" (رو١٢:٥). فكل البشرية هي مولودة وارثة للطبيعة الساقطة ومحتاجة الخلاص بما فيهم القديسة العذراء مريم. فكيف تكون قد ولدت بلا دنس؟

رابعــاً:
ترفض الكنيسة الأرثوذكسية هذه العقيدة لأنها تخالف شرح آباء الكنيسة لقول الملاك للعذراء "الروح القدس يحل عليك" فالقديس يوحنا الدمشقي فسّره بكلمة "يطهرك" (المائة مقالة). وكتب القديس أثناسيوس الكبير "إنّ الإله قد وُلد انساناً من البتول اذ سبقت فتطهّرت بالروح القدس نفساً وجسداً لذلك قال لها الملاك الروح القدس يحل عليك". وورد عن كبريانوس (سيربريان) والقديس كيرلس الأورشليمي ما نصّه "ان البتول قد انحلّت من الخطيئة عند الحبل بالمسيح". وتوما الأكويني وبوسيبه الأسقف الفرنسي البابوّيان يوافقان الأرثوذكسيّة في عقيدتها.
ولهذا تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية أن الروح القدس قد حلّ على العذراء وطهّرها من الخطيئة عند الحبل بالمسيح فالله لا يسكن الخطئية, ولذلك الرب يسوع المسيح عندما ولد شابهنا في كل شيء إلاّ الخطيئة . فهو "حمل بلا عيب" وقدّوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطأة.

خامسـاً:
ترفض الكنيسة الأرثوذكسية هذه العقيدة لأنها جعلت العذراء مريم "الإستثناء الأعظم" للبشريّة, وليس "النموذج الأعظم". فهذه العقيدة تضع والدة الإله على حده بالنسبة للبشرية, وليس فقط في درجة نقاوتها, بل أيضاً في النّوعية. فالقول بأنّ العذراء قد أعفيت من الخطيئة الأصلية هو مساوٍ للقول بأنها معفية من كونها بشرية. لاحظ أنه قد قيل في شرح العقيدة في الموسوعة الكاثوليكية أن العذراء قد أعفيت من كل لطخة من الخطيئة الأصلية قبل أن يمكن للخطيئة أن تفعل في نفسها (أي لم تقل إن الخطيئة الأصلية وجدت في مريم ومن ثم تمّت إزالتها, بل لم توجد فيها بالأصل أبداً). وهذا الكلام يلغي كل فضيلة وتقوى في العذراء قبل أن تصير والدة الإله, ويحولها إلى مجرد أداة مُفعلة لله, ويهمّش التدبير الإلهي في العهد القديم الهادف إلى التّهيئة لملء الزمان.

بالنسبة للأرثوذكس، إن مجد مريم يكمن بالضبط في حقيقة أنها بشرية مثلنا، بما في ذلك الطبيعة البشرية الخاضعة للأهواء. القديس يوحنا مكسيموفيتش أسقف سان فرنسيسكو يقول: "هذا التعليم (الحبل بلا دنس)، والذي له ظاهرياً هدف إعلاء والدة الإله، ينكر في الحقيقة بالكلية كل فضائلها… إن برّ العذراء مريم وقداستها قد أُظهرا في حقيقة أنها لكونها "بشرية مع أهواء مثلنا" قد أحبت الله جداً ووهبت نفسها له، حتى بنقاوتها تُعلَّى فوق بقية الجنس البشري. لهذا، وقد تمت معرفة هذا سلفاً وانتخابه، فقد مُنحت أن تكون مطهَّرة بالروح القدس الذي حلَّ عليها، وأن تحبل به، بمخلِّص العالم ذاته. إن تعليم حالة اللاخطيئة الممنوحة بالنعمة للعذراء مريم تنكر انتصارها على التجارب؛ فبدل منتصرة مستحقة أن تُكلَّل بأكاليل المجد، يجعلها هذا أداة عمياء لعناية الله"(٥).

من أجل ذلك ترتّل الكنيسة الأرثوذكسية للعذراء مريم (بواجب الاستئهال "أو الإستحقاق" حقاً نغبط والدة الإله...) وذلك لأن العذراء تكرّم وتعظّم عن استحقاق وليس عن مجاملة أو انعام مجّاني.

يقول القديس سلوان الآثوسي: "إنه كان بإمكان العذراء أن تخطىء ولكنّها لم تخطىء ولا حتى بفكرها". فهي مثلنا وُلدت وارثة لنتائج الخطيئة الجدية، ومحتاجة للخلاص، وغير معصومة عن الخطيئة، لكنها ولبرّها وقداستها لم تكن تخطيء.

ولأجل كل ما ورد أعلاه فإن الكنيسة الأرثوذكسية ترفض هذه العقيدة على أساس أنها ستؤدّي بصورة طبيعية إلى إعلاء العذراء الفائقة القداسة على قدم المساواة مع الله نفسه.

د.علاء عيد
.................
(١) الفرنسيسكان: رهبنة كاثوليكية أسّسها الراهب "فرنسيسكو" سنة ١٢٢٦م
(٢) الدومينيكان: رهبنة كاثوليكية أسّسها الراهب "دومينيكوس" الإسباني سنة ١٢٢١م
(٣) موسوعة علم اللاهوت, للأب ميخائيل مينا، ص٤٥١، الكتاب الرابع, الباب الثاني.
(٤) أتباع جون كالفن مؤسّس الكنيسة الكالفينية, وكذلك المعمدانيّون يتبعون تعاليمه.
(5) The Orthodox Veneration of Mary the Birthgiver of God, translated by Fr Seraphim Rose (Platina, CA: St. Herman of Alaska Brotherhood, 1994),
pp. 59-60
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
هي التي سهِرت على أول من جُبِل أبي العالم
الحبل بالعذراء القديسة مريم
عقيدة الحبل بالعذراء بلا دنس فى رأى البروتستانت
الاقباط يستنجدون بالعذراء
رجل غير مسيحى يحلم بالعذراء


الساعة الآن 04:30 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024