منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27 - 02 - 2014, 04:27 PM   رقم المشاركة : ( 31 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,213,304

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب لماذا القيامة؟

القيامة تعلن أنه قد مات الموت، وانفتح الطريق إلى الأبدية بأفراحها

أهنئكم يا أبنائي وأخوتي الأحباء بعد القيامة المجيد، راجيًا لكم حياة سعيدة مباركة، ثابتة في الله ومحبته. وراجيًا للعالم كله سلامًا وهدوءًا وحلًا للمشاكل الإقليمية والمحلية.. وما أجمل أن ننتهز مناسبة هذا العيد، لكي نتأمل في القيامة: ما هي؟ وما بعدها؟
كتاب لماذا القيامة؟
القيامة هي انتصار على الموت الذي ساد على جميع البشر.

كتاب لماذا القيامة؟
بل هي نهاية للموت كما قال الكتاب "آخر عدو يبطل هو الموت" (1كو 15: 26). فيها تهتف قلوب الجميع: لقد مات إلى الأبد. وانفتح أمام البشرية طريق الأبدية السعيدة، بكل ما فيها من أفراح ومتعة روحية...
الموت الذي انتصر على كل إنسان، سوف تنتصر عليه القيامة العامة. ولا يوجد فيما بعد، سيغنى الجميع قائلين: لقد مات الموت.
وما أجمل ما قيل عن ذلك في سفر الرؤيا "والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد. لأن الأمور الأولى قد مضت" (رؤ 21: 24).
كتاب لماذا القيامة؟
وقد يقول البعض إن القيامة هي عودة الإنسان إلى الحياة. وفي الواقع إن هذا التعبير غير دقيق.
فالإنسان يتكون من عنصرين: أحدهما حي بطبيعته وهو الروح. والعنصر الآخر قابل للموت والتحلل وهو الجسد. وعندما يموت الإنسان، إنما يموت جسده ويعود إلى التراب كما كان (جا 12: 7) وتعود روحه إلى الله، وتبقى حية في مكان الانتظار إلى يوم القيامة، حين تعود إلى الجسد المقام.
ولأن روح الإنسان تبقى حية بعد موته، تكون لنا صلة بأرواح القديسين في العالم الآخر، نطلب صلواتهم من أجلنا. كما يحدث أحيانًا أن الله – تبارك اسمه. يرسل بعض هذه الأرواح إلى عالمنا، لتبليغ رسالة أو لإجراء معجزة.. ولأن روح الإنسان لا تموت بموته، لذل نقول لك في صلواتنا".. ليس موت لعبيدك، بل هو انتقال". ونقصد انتقال الروح إلى العالم الآخر.
كتاب لماذا القيامة؟

بالقيامة ينتهي تاريخ الموت إلى الأبد، ولا يكون له فيما بعد سلطان على الناس.
فأجساد القيامة ستكون أجسادًا روحية لا يقوى عليها الموت.
كما أن الموت كان في الحياة قبل القيامة، هو عقوبة الخطية منذ أيام أبينا آدم وبعد القيامة لا تكون هناك خطية، ولا يكون هناك موت.
الأبدية -بعيد القيامة- هي موطن الحياة الدائمة. لذلك قيل عن الأبرار إنهم يحيون إلى الأبد، أو تكون لهم حياة الأبدية" (دا 12: 2)
وقيل "يمضى الأبرار إلى حياة أبدية" (مت 25: 46).
وهناك نوع آخر من الموت سينتهي، هو موت الخطية.
فالخطية تعتبر حالة موت، موت روحي، لأنها انفصال عن الله الذي هو مصدر الحياة الحقيقية (يو 1: 4) (يو 14: 6)
ولذلك حسنًا قال الرب لراعى ساردس المخطئ "إن لك اسمًا أنك حي، وأنت ميت!" (رؤ 3: 1) وقال الأب عن توبة ابنه الخاطئ "ابني هذا كان ميتًا فعاش" (لو 15: 24) فما دامت الخطية هي حالة موت أدبي وروحي، وفي الأبدية لا تكون خطية، إذن سوف يزول هذا الموت بعد القيامة، ولا يكون له وجود في عالم الأبرار..
كتاب لماذا القيامة؟
والقيامة هي لون من التجلي للطبيعة البشرية. ويشمل ذلك التجلي الجسد والروح كليهما معًا.
فنقوم بأجساد روحانية نورانية سماوية، غير قابلة للفساد (1 كو 15: 42-49). فهي غير قابلة للتحلل ولا للموت. أجساد لا تمرض ولا تتعب، ولا تشكو ألمًا ولا وجعًا. ولا تتعبها شهوة ولا غريزة. ولا تنتقلها المادة، بل تكون خفيفة في كل تحركاتها وتنقلاتها.
نقوم أيضًا بأجساد لا عيب فيها ولا نقص. فالأعمى لا يقوم أعمى، بل يعود إليه البصر. والضعيف لا يقوم ضعيفًا، بل يمنحه الله قوة. والمشوه وغير الجميل، لا يقوم هكذا. بل يلبس في القيامة جمالًا وبهاء.. ففي القيامة يعوض الله الإنسان على كل نقص قاسى منه في هذا العالم الحاضر. ويعطيه أن يقوم بجسد ممجد، "على صورة جسد مجده" (فى 3: 21).
كتاب لماذا القيامة؟
وهكذا الروح أيضًا، سوف تتجلى بالنقاء والصفاء والبساطة.
تتجلى بنقاء أكثر مما كان لآدم وحواء قبل السقوط، حينما كانا في الجنة عريانين ولا يخجلان (تك 2: 25) إذ كانا في براءة عجيبة لا تعرف الخطية. ولكن طبيعتهما مع ذلك كانت تحتمل الخطأ، وفعلًا أخطأ الاثنان.
أما في الأبدية فسوف توجد براءة غير قابلة للسقوط. وتزول من الذهن كل معرفة الخطية. بل تنتهي الخطية إلى الأبد.. وهذا هو الذي قصده القديس بولس الرسول بقوله "وأخيرًا وضع لي إكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الديان العادل، وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا" (2 تى 4: 8).
كتاب لماذا القيامة؟
إذن تجلى الأرواح في الأبدية هو أن تتكل بالبر، وتصير كملائكة الله في السماء (مت 22: 30).
براءة كاملة لا تعرف الخطية، ولا تشتهيها، ولا تجول في ذهنها إطلاقًا. وذلك بأن ينسى الإنسان نسيانًا كاملًا كل ما كان في العالم من خطيئة ومن شر، أثناء حياته فيه. وهكذا يتنقى القلب والفكر تمامًا. ويعيش الكل في حياة روحية، لهم البصيرة الروحية ولهم الحس الروحي.
وليسوا فقط يتنقون من الخطأ. وإنما أيضًا من الناحية الإيجابية تكون لهم ثمار الروح، التي شرحها الكتاب بقوله "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام.. لطف صلاح إيمان.." (غل 5: 22، 23).
كتاب لماذا القيامة؟
يزول تمامًا الصراع الذي كان في العالم، سواء الذي بين الناس، أو الذي كان بين الروح والجسد.
حينما كان "الجسد يشتهى ضد الروح، والروح ضد الجسد. وهذان يقاوم أحدهما الآخر" (غل 5: 17).. إذ يصبح الجسد والروح في الأبدية، في خط واحد ومسيرة واحدة، لا تناقض بينهما ولا صراع..
كما تزول الخصومات والمشاكل والمتاعب.. ويعيش الناس في عالم حب وتفاهم. ويكون للكل لغة واحدة يتفاهمون بها معًا، لعلها لغة الروح. وفي حديثهم وتسبيحهم يكون لهم لسان واحد وفهم واحد..
كتاب لماذا القيامة؟
وتزول الثنائية التي عاش فيها الإنسان بعد الخطيئة.
ثنائية الحق والباطل، والحلال والحرام، والصواب والخطأ.. لأنه سوف لا يكون في الأبدية بعد القيامة سوى الحق فقط. ولا يكون مجال للاختيار بين طريقتين. فليس سوى طريق واحد يسير فيه الجميع ولا يعرفون غيره..
كتاب لماذا القيامة؟
وبعد القيامة يعيش الأبرار في فرح دائم، نسميه النعيم الأبدي.
فما هي ألوان هذا الفرح الذي يتمتع به الأبرار.
·أولا فرح الدخول إلى ملكوت السموات. فرح الانتصار على العالم وعلى الخطية والشيطان. هذا الانتصار الذي يؤهل الروح إلى الدخول في الملكوت. ذلك لأن ملكوت الله لا يدخله إلا الغالبون المنتصرون، الذين استطاعوا خلال فترة عمرهم على الأرض، أن ينجحوا في كل الحروب الروحية، ويظهروا أن محبتهم لله كانت فوق كل إغراء وكل شهوة أخرى. فاجتازوا فترة اختبارهم بسلام.
كتاب لماذا القيامة؟
يفرحون في الأبدية أيضًا بعشرة الملائكة والقديسين.
إنها متعة عظيمة بلا شك أن يتعرف الإنسان في الأبدية على كل الأنبياء والرسل الذين وردت أسماؤهم في الكتب المقدسة، أن تعرف على كل الشهداء في كافة عصور التاريخ، وتعرف على كل الآباء القديسين، وكل الرعاة الصالحين، وكل الذين اتصفوا بفضائل عميقة ميزت حياة كل منهم عن غيرها. كما يتعرف أيضًا على كل أبطال التاريخ الذين عاشوا حياة صالحة، وكل الشخصيات البارزة قرأ عنها من قبل في الكتب، وكانت مقبولة أمام الله..
معرفة كل هؤلاء وأمثالهم تملأ القلب فرحًا. أما معاشرتهم والحياة معهم والصلة بهم، فهذه متعة أعمق.
هؤلاء الأبرار يمثلون ما يقول عنه الكتاب "كورة الأحياء" (مز 27: 13)، أي الذين في الحياة الحقيقية الدائمة التي لا خوف عليها من موت فيما بعد..
كتاب لماذا القيامة؟
على أن المتعة في النعيم الأبدي، لابد أن تتفاوت في الدرجة.
الكل يكونون في فرح وفي مجد، ولكن ليس الكل في درجة واحدة. وكما قال الكتاب عن ذلك "لأن نجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1 كو 15: 41). إن الله في الأبدية سيكافئ كل واحد حسب أعماله (رؤ 22: 12).
أو كما قيل "لينال كل واحد ما كان بالجسد، بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًا" (2 كو 5: 10). ولا شك أن أعمال الناس تختلف في الدرجة وفي النوع والعمق ومقدار الروحانية، ومقدار المحبة نحو الله.. فعلى حسب جهاد الإنسان على الأرض، تكون مكافأته في السماء، ويكون نوع إكليله في الملكوت..
كتاب لماذا القيامة؟
وحتى الأقل درجة في السماء، لا يشعرون بنقص.
لأن الشعور بالنقص يجلب الحزن. والحزن لا يتفق مع النعيم الأبدي.. ‍! يمكننا تشبيه الأمر بعدد كبير من الأواني منها الكبير ومنها الصغير، والكبير جدًا، والصغير جدًا، والمتوسط. وكلها ممتلئة. أصغر واحدة فيها لا ينقصها شيء..
هكذا الأبرار في الأبدية. كلهم ممتلئون فرحًا، لا يشعر أحد منهم بنقص. وكل منهم في مجد، يشعر بالمكافأة. ولكن درجة الواحد غير درجة الآخر.
مثال آخر: لنفرض أن جماعة من الرفاق والأقارب، ذهبوا للقاء إنسان عزيز عليهم جدًا قد عاد من غياب طويل في سفر. الكل يحبونه، والكل مشتاق إليه، والكل في فرح بعودته. ولكن فرح كل منهم تكون درجته بحسب ما في قلبه من حب وشوق. وقد تتفاوت درجة حبهم، ولكن الكل شعر بالفرح.
كتاب لماذا القيامة؟
إننا نفرح بالقيامة، لأنه فرح بالخلود، وبالنعيم. ولكننا لا نستطيع أن نصف تمامًا كنه هذا الفرح.
اللغة قاصرة عن التعبير، والفهم أيضًا قاصر، والخبرة غير موجودة لأن ساعتها لم تأت بعد. ويكفينا ما قاله الكتاب عن النعيم الأبدي: "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1كو 2: 9).. مهما يخطر على فكرك من أوصاف، لا يمكن أن تعبر عن الحقيقة، لأن ما أعده الله للأبرار "لم يخطر على بال إنسان".
ولعل في قمة متع الأبدية: معرفتنا لله.
الآن "تعرف بعض المعرفة" (1 كو 13: 12). ولكن معرفتنا هذه تعتبر كلا شيء بالنسبة إلى الله غير المحدود. ولذلك قيل في الإنجيل المقدس "هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك.." (يو 17: 3).. كل يوم يمر علينا في الأبدية، سنعرف فيه شيئًا جديدًا عن الله، يبهر عقولنا ويشبع قلوبنا. ونقف في دهش وذهول، ونقول: كفانا كفانا . نحتاج إلى زمن حتى نستوعب هذا الذي كشفه الرب لنا عن ذاته.
ثم يوسع الله عقولنا وقلوبنا لنعرف أكثر، على قدر ما تحتمل طبيعتنا البرية. ومع كل ذلك تبقى طبيعتنا محدودة، تحاول الاقتراب من الله غير المحدود، لتعرف وتبتهج بالمعرفة..
حقًا متى نصير من العارفين بالله؟!.. يقول الكتاب "هذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك.." (يو 17: 3).
كتاب لماذا القيامة؟
هنا وأقول: إن المتعة في الأبدية ستكون في نمو مستمر، وتعدد..
لأنه لو وقف نمو متعتنا، أو تنوعها، قد تتحول مشاعرنا إلى روتين أو إلى جمود.. ولكن مخازن الله مملوءة خيرات، ومنابعه لا تنضب.. وكل متعة سوف نتمتع بها ستكون في الأبدية مثل نقطة في محيط..
يكفى الشبع الروحي، والشبع بالله نفسه، هذا الذي سنكون في دوام الشوق والحرقة إليه. وكما قال السيد المسيح له المجد "طوبى للجياع والعطاش إلى البر، لأنهم يشبعون" (مت 5: 6) ومهما أشبعنا الله، سيبقى شوقنا إليه قائمًا.. إلى متى؟ إنها الأبدية..
كتاب لماذا القيامة؟
إن كانت الأبدية هكذا، فما هو استعدادنا لها؟
ليتنا نضع القيامة الأبدية أمامنا في كل حين، ونعمل لملاقاتها.
نعمل بالإيمان بالله، وبنقاوة القلب، وبنمو محبتنا لله، وصفاء معاملاتنا مع الناس. ونعمل للأبدية بعمل الخير كل حين، على قدر ما نستطيع من قوة وعلى قدر ما ننال من النعمة.
لئلا مع وجود الأبدية والنعيم، يوجد إنسان محرومًا منهما..
آباؤنا الذين التصقت قلوبهم بالأبدية، حسبوا أنفسهم غرباء على الأرض (عب 11: 13)، مشتاقين باستمرار إلى السماء، يعملون من أجل استحقاق الوجود في عشرة الله والملائكة والقديسين.
كتاب لماذا القيامة؟

أرجو لكم يا أخوتي جميعًا حياة سعيدة على الأرض، وعملًا دائمًا من أجل الأبدية..
وليتنا ننتهز هذه الفرصة لنصلى من أجل عالمنا أن يسوده السلام وتسوده معرفة الله. في كل مكان..
إلهنا الصالح قادر أن يتولى بعنايته هذا العالم المضطرب، ويمنح معونة وحكمة من عنده.. وكل عام وأنتم بخير.
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 02 - 2014, 04:28 PM   رقم المشاركة : ( 32 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,213,304

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب لماذا القيامة؟

القيامة تتبعها الدينونة وساعة الحساب والثواب والعقاب



أهنئكم يا أخوتي وأبنائي جميعًا بعيد القيامة، راجيًا من الله أن يعيده عليكم بالخير والبركة، وأن يعيده على بلادنا المحبوبة وهى في سلام ورخاء.
وأتابع معكم في هذه المناسبة السعيدة أحاديثنا عن القيامة العامة..
فأقول إن القيامة تتبعها الدينونة العامة. فالإنسان لا ينال جزاءه بعد الموت مباشرة، لأن الجسد يكون وقتذاك في القبر، ويتحول بالوقت إلى تراب.
ولكن في القيامة، حينما يقوم الجسد وتتحد به الروح، يمكن حينئذ أن يبدأ الحساب للإنسان بكامل تكوينه جسدًا وروحًا. وذلك لأن ما فعله الإنسان من خير وشر، اشترك فيه الجسد والروح معًا. فيلزم إذن محاسبة الاثنين معًا: ينالان المكافأة معًا، أو يتحملان العقوبة معًا.

كتاب لماذا القيامة؟
وهكذا شاء الله أن يكون الحساب أو الدينونة بعد القيامة العامة، حينما تتحد الأرواح بالأجساد، ويكون الحساب أيضًا لكل البشر معًا.
كتاب لماذا القيامة؟
كل شيء مسجل أمام الله، وسوف يعلن في يوم الحساب، وسوف يعرف من الكل.. كل أفعال الناس، وكل أفكارهم وأقوالهم ونياتهم وأحاسيسهم، الخفيات والظاهرات. ولذلك صدق ذلك الأديب الروحي الذي قال "فكر كما لو كانت أفكارك مكتوبة على سحاب السماء بحروف من نور، وإنها كذلك.."
كتاب لماذا القيامة؟
الناس حينما يموتون، يتركون أموالهم وأملاكهم، وأقاربهم ومعارفهم. ويفارقون الكل. ولكن الشيء الذي لا يفارقهم هو أعملهم. لأن أعمالهم تتبعهم.
تلصق بهم كل أخطائهم، بكل صورها، وكل تفاصيلها، وكل بشاعتها، فتقلق قلوبهم، وتتعب أفكارهم.. وفي يوم الدينونة العامة يجدون كل ذلك أمامهم. فيكونون مدانين أمام أنفسهم، لا ينفعهم عذر ولا تبرير.
كتاب لماذا القيامة؟
لا يمحو هذه الخطايا والآثام سوى التوبة الصادقة الحقيقية.
فالخطأ الذي تاب عنه الإنسان توبة قلبية بغير رجعة، هذا تدركه مراحم الله الواسعة ومغفرته للتائبين.
والتوبة الحقيقية ليست مجرد ترك الخطية. فقط يتركها الإنسان من حيث الفعل والممارسة، ولكن يستمر يشتهيها في قلبه، ويقبلها في فكره. أما التوبة الحقيقية فهي كراهية الخطية قلبًا وفعلًا..
بكراهية الخطية وعدم اقترافها، يستحق الإنسان المغفرة، ولا تحسب عليه خطاياه في يوم الدين.
كتاب لماذا القيامة؟
ويبقى للتوبة شرط آخر، وهو معالجة نتائج الخطايا.
فمثلًا لا يقل الظالم "لقد تبت، وما عدت أظلم أحدًا، بل صرت أكره الظلم "هذا لا يكفى، لأنه خاص فقط بالحاضر والمستقبل. ولكن ماذا عن الماضي، وعن حال المظلومين الذين لا يزالون يقاسون من نتائج ظلمه؟! عليه أن يعالج هذه النتائج بكل ما يستطيع من قدرة وإن كان قد سرق من أحد شيئًا، عليه أن يرده إلى صاحبه. وإن كان قد أساء إلى سمعة إنسان، عليه أن يصلح ذلك ويرد إليه اعتباره.
كتاب لماذا القيامة؟
هنا يقف أمامنا سؤال قد يكون محيرًا، وهو: ماذا عن القاتل، وهو لا يستطيع أن يصلح ما فعله؟
والجواب هو أنه إذا أخذ عقوبة على الأرض، وقبلها برضى وبشعور أنه مستحق للعقوبة.. فإنه يستريح من عقوبة في يوم الدينونة الرهيب..
كتاب لماذا القيامة؟
الإنسان في يوم الدينونة ينال عقوبة على الخطايا التي لم يتب عنها، والخطايا التي لم ينل عنها عقوبة على الأرض.
إما لأنها كانت خطايا في الخفاء لم يعرفها أحد عنه، أو لم تثبت أدلة عليه، أو أمسك فيها أحد غيره ظلمًا. وفي هذه الحالة يعاقبه الله على خطيئتين: الخطيئة التي ارتكبها، يضاف إليها تركه لغيره يعاقب ظلم على ما اقترفه هو من إثم، دون أن ينقذه باعترافه. ومن الخطايا الخفية أيضًا: النيات والأفكار والمشاعر. وهذه كلها ينبغي أن تدركها التوبة لتمحوها، مع الجهاد الروحي لتنقية القلب والفكر.
ومن الخطايا التي تتعب الإنسان أيضًا في يوم الحساب، وهنا أيضًا على الأرض، أن يوقع غيره في خطية، ويتسبب في إفساده. ثم يتوب هو، ويبقى هذا الغير في الخطيئة والفساد، دون أن يقدر على إرجاعه!!
كتاب لماذا القيامة؟
وفى يوم الحساب، لا يعاقب الإنسان فقط على ما فعله من شر، وإنما أيضًا على ما كان بإمكانه أن يفعله من الخير ولم يفعله..
والكتاب المقدس يقول في ذلك "من عرف أن يعمل حسنًا ولا يفعل، فتلك خطية له" (يع 4: 17) بل من الخطايا أيضًا: تأخير عمل الخير، أو تأخير أعطاء الحقوق لأصحابها. ومن وصايا الكتاب في هذا الشأن:
"لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون في طاقة يدك أن تفعله. لا تقل لصاحبك اذهب وعد فأعطيك غدًا، وموجود عندك" (ام 3: 27، 28).
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 02 - 2014, 04:29 PM   رقم المشاركة : ( 33 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,213,304

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب لماذا القيامة؟

حاسب نفسك، فالله رحيم وعادلٌ أيضًا



لذلك كله ولغيره، على الإنسان أن يحاسب نفسه بكل دقة، قبل أن يدركه يوم الحساب وهو غافل عن نفسه...
وصدق ذلك القديس الذي قال لأحد الخطاة: "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يُحْكَم عليك"
ينبغى إن أن يتدرب كل إنسان على محاسبة النفس، وأن يدين نفسه، على أخطائها، ويحاول أن يصلح ذاته. فالفرصة لا تزال قائمة، والتوبة بإمكانه، قبل أن يغلق باب التوبة بالموت، ويقف في ذلك اليوم الرهيب مدانًا أمام الله. وصدق ذلك الشاعر الذي قال:
قبورنا تبنى ونحن ما تبنا
كتاب لماذا القيامة؟
وفى محاسبة الإنسان لنفسه، عليه أن يلتفت إلى الخطايا المركبة والخطايا الأصلية.

كتاب لماذا القيامة؟
وأعنى بالخطايا المركبة، تلك التي تحوى مجموعة كبيرة من الخطايا، بينما نلقى عليها اسمًا واحدًا.. كما توجد أيضًا خطايا أمهات، تلد كل منها عددًا كبيرًا من الخطايا.
فلا نستهن بالمرة، ونظن أننا قد ارتكبنا شيئًا بسيطًا!!
كذلك لا ننسى الخطايا الأصلية. فغالبية خطايا اللسان وخطايا الحواس، يكون سببها خطية أصلية موجودة في القلب..
فالذي ينظر نظرة حسد، أو نظرة شهوة، أو نظرة حقد، وما أشبه، ليست كل هذه مجرد خطية نظر، وإنما الحسد والشهوة والحقد وغير ذلك، موجود كله في القلب قبل أن يظهر في العين. فخطية القلب هي الخطيئة الأصلية. وخطيئة النظر هي الخطية اللاحقة، أو الثانية في الترتيب. وهكذا عليه أن يطهر قلبه أولًا، فتتطهر حواسه تلقائيًا..
كذلك الذي يوجه إلى غيره كلمة قاسية، القسوة موجودة في قلبه أصلًا، قبل أن تكون خطية لسان، عليه أن يتوب عن كلتيهما..
كتاب لماذا القيامة؟
الإنسان الدقيق في محاسبة نفسه، يمكنه التخلص من نقائصه وخطاياه. وهكذا يقف أمام الله طاهرًا في يوم القيامة، لا يبكته ضميره على شيء.. والإنسان الروحى لا يتساهل مع نفسه، ولا يغطى خطاياه بالتبريرات والأعذار. لأن الذي يبرر نفسه على الأرض، سيكون مكشوفًا تمامًا أمام الله في يوم الحساب، حيث يستند كل فم، ولا تنفع الأعذار..
كتاب لماذا القيامة؟
تقول عن الله رحيم، فأقول لك وهو أيضًا عادل.
رحمة الله سوف تدرك التائبين فيغفر لهم. وعدل الله لابد أن يلاحق المستهترين، الذي يستغلون رحمة الله ومغفرته، للتمادي في خطاياهم وشرورهم، وعصيانهم لله أولئك الذين لم يجعلوا الله أمامهم!
كتاب لماذا القيامة؟
يوم الحساب إذن هو يوم العدل الإلهي، الذي فيه سيجازى كل واحد بحسب أعماله مكافأتهم على برهم وحرصهم وطاعتهم.
هؤلاء الأبرار سيكافئهم الله على كل شيء، ليس فقط عن الأعمال العظيمة التي عملوها، بل حتى لي خير مهما بدا أمامهم ضئيلًا...
يكافئهم ليس فقط على أعمال الرحمة الكبيرة، وإنقاذ غيرهم من المشاكل والورطات، إنما ينالون ثوابًا حتى على كلمة التشجيع ليائس، وبسمة الحنان الصغار النفوس، وزيارة لمريض، ونظرة حب لطفل.
كتاب لماذا القيامة؟
وسوف يعوضهم الله عن كل خير عملوه، ولم ينالوا عنه جزاء على الأرض.
إما بسبب ظلم أو جاهل أو إهمال، أو بسبب أنهم أخفوا فضائلهم عن الناس، حتى لا يستوفوا خيراتهم على الأرض، بل نالوا جزاءهم كاملًا من يد الله يعرف الخفيات..
بل إنهم ينالون مكافأة عن الخير الذين أرادوا أن يفعلوه، ولم يستطيعوا لأسباب خارجة عن إرادتهم.
كتاب لماذا القيامة؟
وكل تعب احتملوه على الأرض، من أجل محبتهم لله ومحبتهم للناس، سيكون سبب راحة أبدية لهم
ستتبعهم في يوم الحساب أعمال برهم، وتكون شاهدة لهم أمام الله فطوبى لمن يتعب الآن في عمل الخير، وفي خدمة الغير، لكي يستريح في ذلك اليوم، وينال أجره بحسب تعبه (1كو 3: 8) في النعيم الأبدي..
كتاب لماذا القيامة؟
ليتنا نضع يوم القيامة والحساب أمام أعيننا باستمرار، حتى نسلك بحرص أمام الله، وحتى نقف أمامه في يوم الدين، دون أن تبكتنا ضمائرنا.
وليتنا نبذل كل جهد وتعب من أجل راحة الآخرين، سواء في محيط الأسرة أو المجتمع أو الوطن أو البشرية جمعاء، حبًا للكل، وليس لمجرد الجزاء. وهذا الحب سيقف إلى جوارنا في اليوم الأخير.
ولن يدخل ملكوت الله في ذلك اليوم، إلا القلوب العامرة بالحب، لن يدخله إلا الذين أحبوا الله، وأحبوا الخير، وأحبوا الغير..
بهذا الحب نصلى جميعًا من أجل بلادنا، ومن أجل أمنها وسلامتها، ومن أجل البلاد التي تسودها الحروب أو النزاعات الداخلية، لكي يمنح الرب سلامًا للعالم. ولكي يعطى الرب الغذاء للبلاد التي تسودها المجاعات، ويمنح النقاوة والتوبة للمجتمعات التي يسودها الفساد. ونطلب أن يبارك الرب كل من يعمل خيرًا فيعم الخير كل مكان. وكل عام وجميعكم بخير..
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 02 - 2014, 04:30 PM   رقم المشاركة : ( 34 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,213,304

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب لماذا القيامة؟

تأملات في أهمية القيامة: الحياة والخلود



مبارك هو الله الذي منحنا الوجود إذ لم تكن، وميزنا عن باقي الكائنات بالعقل والنطق.
وأعطانا الله الحياة. وهى سر يغوص الناس في أعماقه، ولا يصلون إلى مكنوناته.
وأعطى الله الحياة لكائنات حية عديدة جدًا تعيش معنا على هذا الكوكب، من طيوروحيوانات وحشرات وهوام وأسماك، كل منها له طبيعته.. ولكن الحياة في الإنسان تميزت بميزة أسمى من كل تلك الكائنات.. تميزت بالروح التي تختلف عن أنفس الحيوانات..
كتاب لماذا القيامة؟
فتلك الكائنات الحية معنا حياة. أما نحن فلنا حياة، وحياة أخرى. إذ أعطانا الله حين خلقنا أرواحًا خالدة..

كتاب لماذا القيامة؟
الخلود عطية عجيبة وعميقة جدًا، منحها الله للبشرية. فكان إذن من أهم عطاياه لنا: الوجود، والحياة، والخلود. مع سمو في كل من هذه الأمور الثلاثة، نتفوق فيها على كل المخلوقات الأرضية. يضيف لها الله مجموعة من المواهب والقدرات، تتنوع من إنسان لآخر، حسبما قسم الله لكل واحد كما شاءت مواهبه الإلهية (1 كو 12: 11).
كتاب لماذا القيامة؟
خروج الحياة من الإنسان سر لا ندريه. ورجوع الحياة إليه سر أعظم..
كل ما ندريه عن خروج الحياة من الإنسان هو بعض مظاهر خارجية، مثل توقف المخ، وتوقف القلب، وتوقف النفس، وتوقف النبض، وتوقف الحرارة، وتوقف الحس، وبالتالي توقف كل أجهزة الجسد.
أما خروج الروح من الجسد، فهو سر. كيف يحدث، ومتى؟ وما تحيط به من مشاعر وأحاسيس، أو من مناظر. وما يتبع ذلك، ومسيرة الروح.. كل هذه أسرار.. حتى الذين عادوا إلى الحياة، وأقامهم الأنبياء في العهد القديم، أو أقامهم السيد المسيح له المجد، لم يخبرونا بما حدث لهم، وكيف خرجت منهم الحياة، وكيف عادت إليهم، وكيف كانوا بين الحالين؟!.. كل ذلك بقى سرًا مختومًا عليه بسبعة ختوم.
كتاب لماذا القيامة؟
كل ما نستطيعه، هو أن نشكر الله لأنه وعد أن يعطينا حياة أخرى..
إنها حياة بعد الموت، ننالها في القيامة العامة، التي تقوم فيها جميع البشر. ترجع الأرواح إلى أجسادها فتقوم، لتقف في يوم الدينونة العظيم، الذي فيه يجازى الله كل نفس بما عملت. وينال كل واحد منا حسبما صنع بالجسد كان أم شرًا (2 كو 5: 10).
ولكن كيف تعود الأرواح إلى الأجساد؟ هنا نقف بالإيمان أمام قدرة الله القادر على كل شيء.
الله الذي خلق الكون كله من العدم، أتكون القيامة صعبة عليه؟ حاشا..
القيامة تعطينا إذن فكرة عن قدرة الله.
الله القوى المتناهي في قوته، الذي يستطيع أن يعيد هذه الأجسام مرة أخرى بعد أن تتحلل وبعد أن نتحول إلى تراب..
ويعيدها في نوع من التجلي، أجسادًا روحانية، سماوية، نورانية (1 كو 15: 49). لا يدركها الموت فيما بعد، ولا يدركها تعب، ولا مرض.
كتاب لماذا القيامة؟
فالله وعد الإنسان بالخلود، وليس بالخلود لجزء منه فقط هو الروح، بل الخلود للإنسان كله، روحا ًوجسدًا.
فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم الأبدي، إذن لا يمكن أن نقول إن الإنسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة، وإنما جزء منه فقط، وهو الروح. فبالضرورة إذن لابد أن يقوم الجسد من الموت، وتتحد به الروح، لتكون إنسانًا كاملًا تصير له الحياة الدائمة.
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 02 - 2014, 04:32 PM   رقم المشاركة : ( 35 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,213,304

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب لماذا القيامة؟

الجسد والروح معًا

القيامة عقيدة أساسية في جميع الأديان.
ولولاها ما يثبت دين إطلاقًا. فنحن نؤمن بقيامة الجسد من الموت وبالحياة الأخرى والنعيم الأبدي وعقوبة الأشرار.
كتاب لماذا القيامة؟
إن قيامة الأجساد ضرورة تستلزمها عدالة الله:
فالإنسان مخلوق عاقل ذو إرادة. وبالتالي هو مخلوق مسئول عن أعماله. وسيقف أمام الله، لينال ثوابًا أو عقابًا عما فعل خلال حياته بالجسد على هذه الأرض. فهل يعقل أن يقع هذا الجزاء على الروح فقط، أم يقع على الإنسان كله بروحه وجسده؟
كتاب لماذا القيامة؟
إن الروح والجسد اللذين اشتراكًا معًا في العمل، تقتضى العدالة الإلهية أن يتحملا الجزاء معًا، أو أن يتنعمًا بالمكافأة معًا.

كتاب لماذا القيامة؟
الجسد هو الجهاز التنفيذي للروح أو للنفس أو للعقل. الروح تميل إلى عمل الخير، والجسد هو الذي يقوم بعمل الخير، يجرى ويتعب ويشقى ويسهر ويحتمل. أفلا تكون له مكافأة عن كل ما اشترك فيه من خير مع الروح؟ أم تتنعم الروح وحدها في الأبدية، وكل تعب الجسد يضيع هباء؟! وهل يتفق هذا مع عدل الله الكلى العدالة؟!
ونفس الوضع نذكره أيضًا عن عمل الشر الذي يشترك فيه الجسد مع الروح. بل قد يكون له في الشر النصيب الأوفر.
فالجسد الذي ينهمك في الملاذ العالمية، من أكل وشرب وسُكْر ومخدرات وزنى ورقص وعبث ومجون، ويلذذ حواسه باللهو.. هل بعد هذا كله، تدفع الروح الثمن وحدها في الأبدية، ولا يلحق بالجسد شيء من العذاب أو من المجازاة؟! كلا، فهذا لا يتفق مطلقًا مع العدل الإلهي، الذي لابد أن يجازى الإنسان كله روحًا وجسدًا.. إذن لابد أن يقوم الجسد ليشترك في المجازاة، ويكون الحساب لكليهما معًا.
لأنهما اشتركا في العمل معًا، سواء بدأت الروح، وأكمل الجسد. أو أشتهى الجسد واستسلمت الروح له، واشتركت معه في شهواته.
كتاب لماذا القيامة؟
إن الجسد ينفذ ما تريده الروح، ويبر أيضًا عن مشاعرها.
ولنأخذ الجندي في الميدان مثالًا لنا.
الجندي تدفعه روحه إلى أعمال البسالة والبذل والفداء، وتشتعل روحه بمحبة وطنه ومواطنيه. ولكن الجسد هو الذي يتحمل العبء كله، ويدفع الثمن كله. الجسد هو الذي يتعب ويسهر ويحارب، وهو الذي يجرح ويتمزق وتسيل دماؤه. فهل بعد كل هذا تتمتع الروح وحدها، والجسد لا يشترك معها في المكافأة؟! وكأنه لم ينل أرضًا ولا سماء؟! إن العدل الإلهي لا يوافق إطلاقًا على هذا. إذن لابد أن يقوم الجسد من الموت، ليشترك مع الروح في أفراحها.
كتاب لماذا القيامة؟
ولنضرب مثلًا واحدًا للشركة بين الروح والجسد، وهو العين:
الروح تحب أن تشفق، ويظهر الحب والإشفاق في نظرة العين. والروح تغضب أو تميل إلى الانتقام. وترى العين نظرة الغضب أو نظرة الانتقام. الروح تتجه إلى الله بالصلاة، وترى في العين نظرة الابتهال، أو تغرورق العين بالدموع من تأثر الروح..
الروح الوديعة المتضعة يشترك معها الجسد بنظرات وديعة متضعة. والروح المتكبرة المتغطرسة المتعالية، يشترك معها الجسد أيضًا بنظرات التكبر والغطرسة والتعالي.
وكما تشترك العين، تشترك أيضًا كل ملامح الوجه، كما تشترك دقات القلب ومراكز المخ، وأعضاء أخرى من الجسد..
كتاب لماذا القيامة؟
هذه أمثلة من الشركة بين الروح والجسد.
وفى مجال الجد والاجتهاد، نرى هذا أيضًا. ويوضح هذا قول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت في مرادها الأجساد
إذن تكون المكافأة في الأبدية للروح الكبيرة التي أرادت الخير وصممت على عمله، وأيضًا للجسد الذي حمل عبء وجاهد واحتمل وصبر، حتى حقق حقق للروح رغبتها. وهكذا كما اشترك معها في العمل، ينبغي أن يقوم ليشترك معها في الجزاء وفي حمل المسئولية.. فالمجازاة هي للإنسان كله ..
كتاب لماذا القيامة؟
ونحن على الأرض نكافئ الجسد، ونعتبر هذا أيضًا مكافأة في نفس الوقت للروح التي لا نراها
ألسنا نمجد أجساد الشهداء والأبرار، ونجعل مقابرهم مزارًا، ونضع عليها الورود والأزهار والأطياب، ونصلى هناك من أجلهم..؟ ولا نعتبر هذا كله مجرد إكرام للجسد أو للعظام أو للرفات أو للتراب، وإنما للإنسان كله. لأننا فيما نفعل هذا، إنما نكرم روحه أيضًا..
وإن كان الإنسان لا يستحق الإكرام، ينسحب الإهمال على جسده وعلى روحه معًا. فالمجرمون الذين يحكم عليهم بالإعدام أو بالسجن، تنال أجسادهم جزاءها. وفي نفس الوقت يلحق بأرواحهم سوء السمعة، وتتأثر أرواحهم بما يحدث لأجسادهم.
فإن كانت عدالتنا الأرضية تفعل هكذا، فكم بالحري عدالة الله..
عدالة الله تشمل الإنسان كله، روحًا وجسدًا، لذلك لابد أن يقوم الجسد الذي عاش على الأرض مشتركًا مع الروح في أعمالها. وليس في مجرد الأعمال فقط، بل حتى في الأفكار والمشاعر.
فإن الجسد ينفعل بحالة الروح، بفكرها ومشاعرها ونياتها.
الروح تقدم المهابة أو الخشوع فينحني الجسد تلقائيا. الروح تحزن فتبكى العين، ويظهر الحزن على ملامح الوجه وفي حركات الجسد. الروح تفرح، فتظهر الابتسامة على الوجه.. الروح تخاف فيرتعش الجسد، ويظهر الخوف في ملامحه. الروح تخجل، فيعرق الإنسان، أو يبدو الخجل في ملامحه...
إنها شركة في كل شيء، ليس من العدل أن تتحملها الروح وحدها أو الجسد وحده إنما يتحملها الاثنان معًا، وهذا هو الذي يحدث في القيامة.
كذلك من العدالة أن تقوم الأجساد لتنال تعويضًا عما كان ينقصها.
فالعميان مثلًا والمعوقون أصحاب العاهات، والمشوهون، وكل الذين لم تنل أجسادهم حظًا من الجمال أو الصحة أو القوة.. من العادلة أن تقوم أجسادهم في اليوم الأخير، وتقوم بلا عيب، حتى يعوضها الله عما قاسته على الأرض من نقص وألم.
كذلك الذين عاشوا على الأرض في فقر وعوز، وفي جوع ومرض، كان له تأثيره على أجسادهم، يحتاجون أن تقوم أجسادهم في حياة أخرى لا تشعر فيها أجسادهم بما كان لها على الأرض من ألم..
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 02 - 2014, 04:32 PM   رقم المشاركة : ( 36 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,213,304

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب لماذا القيامة؟

كرامة الإنسان

إننا نفرح بالقيامة، ونراها لازمة وضرورية وممكنة. ونراها تعبيرًا عن محبة الله للبشر، وتعبيرًا أيضًا عن عدله.
القيامة أيضًا تعطينا فكرة عن محبة الله للبشرية،
الله الذي أحبنا حتى أنعم علينا بالخلود، كما أحبنا من قبل وأنعم علينا بالوجود. الله المحب منح البشرية هذا الخلود العجيب، فيحيون إلى الأبد في نعيم دائم.
القيامة أعطت الإنسان قيمة معينة، أعطت لحياته قيمة.

كتاب لماذا القيامة؟
فلو كانت حياة الإنسان تنتهي عند القبر، لأصبح مخلوقًا فانيًا زائلًا، مثله مثل الحيوان تمامًا، ومثل باقي الكائنات التي لها مجرد حياة أرضية فقط.
ما هي إذن الميزة التي لهذا الكائن البشرى العاقل الناطق، الذي وهبه الله من العلم موهبة التفكير والاختراع، والذي سلطه على كل الكائنات الأرضية الأخرى..! هل يعقل أن هذا الإنسان العجيب، يؤول جسده إلى مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهوام؟! إن العقل لا يمكنه أن يصدق هذا..
إذن قيامة الجسد تتمشى عقليًا مع كرامة الإنسان.
الإنسان الذي يتميز على جميع المخلوقات ذوات الأجساد، والذي يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعًا، وأن يقوم لها بواجب الرعاية والاهتمام إذ أراد. فكرامة الجسد هذا المخلوق العاقل، لابد أن تتميز عن مصير باقي أجساد الكائنات غير العاقلة غير الناطقة.
وهذه الميزة تظهر في قيامة الجسد وتجليه.
كتاب لماذا القيامة؟
لذلك نشكر اللهلأنه بالقيامة أعطى لحياتنا امتدادًا كبيرًا إلى غير نهاية، حيث يعيش الإنسان في حياة أخرى لا تنتهي إلى الأبد.
عندما خلق الله الإنسان خلقه حيًا، ذا نفس حية، ولم يكن تحت سلطان الموت.
إذن الموت دخيل على العالم، والحياة هي الطبيعة الأصلية للإنسان.
وبالقيامة يرد الله الإنسان إلى رتبته الأولى، إلى الحياة التي خلق بها ولأجلها.
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 02 - 2014, 04:33 PM   رقم المشاركة : ( 37 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,213,304

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب لماذا القيامة؟

فوائد أخرى للقيامة

بالقيامة تتثبت المبادئ الروحية، ويصبح الإنسان صاحب رسالة وصاحب قيم.
لأنه مع القيامة توجد المسئولية وتوجد الدينونة، والإنسان يقوم من الموت لكي يقف أمام منبر الله العادل ليعطى حسابًا عن كل ما فعله بالجسد إن خيرًا وإن شرًا. يعطى حسابًا ليس فقط عن أعماله، وإنما أيضًا عن أعماله ونياته وحواسه ومشاعره الباطنية.

كتاب لماذا القيامة؟
ومادام الإنسان سيقوم وسيعطى حسابًا عن كل شيء، ينبغي إذن له أن يحيا حياة التدقيق والحرص، حياة البر والقداسة التي يقف فيها بلا خجل ولا خزي ولا خوف أمام الله، وأمام الناس في اليوم الأخير.
كتاب لماذا القيامة؟
لو لم تكن قيامة لساد الفساد العالم، ولأنتشر الظلم، ولأكل الناس بعضهم بعضًا.
لو لم تكن هناك قيامة للأجساد، وحياة أخرى، لانتشر الفساد والأبيقورية التي تقول "لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت"، ولتهالك الإنسان على ملاذ الدنيا وعلى المادة. لكن بالقيامة أصبحت هناك قيم، وهناك مبادئ، وهناك أهداف روحية يحيا الإنسان لها، وهناك الحياة الآخرة التي يسعى الإنسان إليها بهدف واسع كبير غير الأهداف القصيرة المؤقتة التي يعيش لها الناس.
كتاب لماذا القيامة؟
وبالقيامة دخلت إلى الإنسان مشاعر الشجاعة والجرأة وعدم الخوف.
وأصبح الإنسان لا يخاف الموت، وهكذا على رجاء القيامة تقدم الشهداء إلى الموت غير هيابين إنهم يعرفون أن الموت ليس نهاية حياتهم، ويرون أن بعد الموت بابًا واسعًا لحياة لا تنتهي.
على رجاء القيامة عاش الناس على هذا الرجاء في فكرهم السماء ، وفي فكرهم النعيم الأبدي، وفي فكرهم سعادة تفوق سعادة الدنيا، وهى ما عبر عنها الكتاب بقوله "ما لم تره عين، وما لم تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشر ما أعده الله لمحبي اسمه القدوس".
إن الناس كلما يودعون راحلًا عن الدنيا يودعونه على رجاء القيامة، باعتبار أنهم سيرونه هناك.
كتاب لماذا القيامة؟
بل إن القيامة أعطت رجاء أوسع من هذا، ليس فقط في تلاقى الأحباء والأقرباء، وإنما في تلاقى الأجيال كلها.
حيث يلتقي الناس هناك في السماء مع أبينا آدموأبينا نوح والأنبياء، ومع جميع الأبرار في جميع العصور. ستلقى الأجيال كلها هناك في القيامة ولولا القيامة ما كان مثل هذا اللقاء ممكنًا، ولعاش الناس في جيل محدود، وفي زمن محدود لا يتعدونه.
كتاب لماذا القيامة؟
ومن هنا رأينا أناسًا يعيشون حياة الزهد والنسك والتجرد من الماديات في العالم، لأنهم يعرفون تمامًا أن وراء هذا النسك والزهد توجد مكافأة أبدية تعوض كل شيء.
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 02 - 2014, 04:34 PM   رقم المشاركة : ( 38 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,213,304

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب لماذا القيامة؟

الاستعداد




كتاب لماذا القيامة؟
ولكن ولكن هذه القيامة يا أخوتي هي فرح للأبرار، وهى خوف ورهبة للمخطئين والأشرار الذين يخافون من القيامة لأنها تفتح بابًا أبديًا في عقاب الله.
لذلك إذ نتذكر القيامة، وإذ نتذكر هذا العمر الطويل غير المتناهي الذي ينتظرنا في الأبدية، نستعد لهذه الحياة بحياة البر وحياة الإيمان، لكي نستحق هذا الخلود السعيد. لأنه لن يدخل في نعيم الله الأبدي إلا المؤمنون الذين عاشوا بالحب، وعاشوا بالسلام، وعاشوا في خير، ينشرون الخير أينما وجدوا، وأينما حلوا ويبحثون عن سعادة غيرهم أكثر من سعادتهم الشخصية. هؤلاء الأنقياء الأبرياء، الأبرار هم الذين يعيشون في النعيم الأبدي.
كتاب لماذا القيامة؟
علينا أن نحيا في هذا البر ما دامت لنا أنفاس تتردد فينا، ولنبذل كل طاقاتنا لكي نسعد الأجيال التي نعيش فيها، ولكي نتمثل بالسيد المسيح الذي قيل عنه "كان يجول يصنع خيرًا".
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 02 - 2014, 04:35 PM   رقم المشاركة : ( 39 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,213,304

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب لماذا القيامة؟

نؤمن بقيامة الأموات، وحياة الدهر الآتي



إننا نقول في (قانون الإيمان): "ننتظر قيامة الأموات، وحياة الدهر الآتي"..
فبالقيامة ننتقل إلى السماء، إلى الدهر الآتي. إلى عالم آخر غير عالمنا الحالي فما هو؟ وما طبيعة الحياة فيه؟
لو كانت الحياة في الآخرة مثل حياتنا ههنا على الأرض، إذن ما هو الفرق؟! وما معنى النعيم الأبدي؟ وما معنى ملكوت السموات؟ وما هي المكافآت التي تعطى للمؤمنين الغالبين؟
طبيعي أن الحياة على الأرض، غير الحياة في السماء.
كتاب لماذا القيامة؟
والحياة في هذا الدهر، غير الحياة في الدهر الآتي.
بل إننا نقول في صلاتنا بالمزامير "أنت يا رب تنجينا، وتحفظنا من هذا الجيل وإلى الدهر" (مز 12: 7).
لقد لخص السيد المسيح الحياة في الدهر الآتي بعبارة جميلة دقيقة موجزة قال فيها:
".. يكونون كملائكة الله في السماء" (مت 22: 30).
هنا عجيب شديد، وهنا الفارق الأساسي بين الدهر الحاضر، والدهر الآتي. بين هذا العالم المادي، والعالم السماوي الروحاني بعد القيامة.
الأشرار في الدهر الآتي، سوف يلقون في جهنم، في الظلمة الخارجية (مت 25: 30)، أي خارج مجمع الأبرار.
وحديثنا حاليًا هو عن حالة الأبرار في الدهر الآتي: كيف يجدونه؟
في الدهر الآتي سكون كل الأبرار معًا، في وحدة شاملة.
تجتمع كل الشعوب والأمم والبائل والأجناس، بلا تمايز بينها. لا تمايز من جهة الجنس أو اللون، لا خلاف عرقي ولا قبلي ولا قومي. الكل معًا في سلام، وفي وحدة القلب والفكر.
تبطل العداوات والحقد والحروب. ولا يكون صراع ولا منافسة..
الكل بلغة واحدة. أهي لغة الروح، أم لغة الملائكة؟
لست أدرى.. المهم أنهم سيفهمون بعضهم بعضًا، ولا يحتاجون إلى مترجم. بل لهم فهم واحد، ومفاهيم واحدة وفكر واحد.
تبطل الألسنة واللغات التي تميز مجموعة عن أخرى..
إن وجد تمايز، فإنه يكون في الدرجة الروحية.
وفى درجة المكافأة. لأن كل إنسان سينال جزاءه بحسب أعماله (مت 16: 27).
وطبيعي أن أعمال الناس على الأرض كانت متفاوتة في النوع والعمق والدرجة. فعلى هذا القدر تكون مكافأتهم في السماء أيضًا متفاوتة. ولكن الكل يكونون سعداء.
ويتكون المجتمع السمائي في الدهر الآتي، من الملائكة والبشر.
الكل يكونون معًا. وهنا نوع آخر من النعيم الأبدي، وهو عشرة البشر مع الملائكة بكافة درجاتهم وطغماتهم السمائية، ومعهم جموع الأنبياء والرسل، والشهداء والأبرار، في حفلة تعارف كبرى تضم الجميع..
حياة الدهر الآتي تتميز بالفرح الدائم
لذلك يطلق عليها لقب (التعب الأبدي). وكلمة (الأبدي) تعنى لا نهاية لها. فالدهر الحالي له نهاية. وحتى عندما تطول سنى حياة إنسان على الأرض، تدركه الشيخوخة بكل ما فيها من تعب وضعف.
أما الأبدية فهي الفرح الدائم الذي لا ينقص ولا يهتز. إنه الموضع الذي لا حزن فيه ولا كآبة، ولا خوف ولا دموع، ولا عوز ولا فقر.
إنه يقدم أروع مثال لما حاول الفلاسفة يتخيلوه. كما كتبوا عن (المدينة الفاضلة) أو (مدينة الله).
في الدهر الآتي سوف يبطل عمل الشيطان وتبطل حريته، وينتهي الشر.
لا تكون خطية فيما بعد. لا تكون هناك أية شهوة بطالة، ولا أي فكر شرير. الدهر الآتي سوف يتميز بالطهارة الكاملة، وبحياة القداسة التي تشبه ملائكة الله في السماء..
وطبعًا سوف لا توجد حروب روحية من عدو الخير يجاهد البشر في الانتصار عليها.
بل سوف يتمتع الجميع بنقاء تلقائي وصفاء في الروح والعقل. لخصه الكتاب في عبارة "إكليل البر" (2 تى 4: 8)
يتكلل البشر بالبر، أي تصبح طبيعتهم في حالة من القداسة غير قابلة للخطأ، ومنزهة عن كل شر.
في هذا الدهر نعيش في عالم مادي. فهل في الآخرة في الدهر الآتي، سنعيش في عالم مادي أيضًا؟‍!
هل سنعيش في ثقل هذا الجسد المادي وفي شهواته؟! وهل شهوات الجسد تتفق مع طهر السماء وقدسية السماء؟!
لا شك أن الجسد في السماء، سوف لا يكون كما هو حاليًا على الأرض. إنه ستخلص طبعًا من الجاذبية الأرضية.
محال أن تجذبه الأرض وهو في السماء!! وإلا فإنه يسقط من السماء إلى الأرض.
لذلك نؤمن أن الأجساد -في القيامة- ستقوم بطبيعة سماوية، لكي يكون هناك تجانس بينها وبين البيئة السماوية التي ستعيش فيها بعد القيامة. وهكذا يعلمنا الإنجيل أننا سنقوم بأجساد سماوية (1 كو 15: 49).
ستكون الأجساد في الدهر الآتي غير قابلة للتعب، ولا للمرض، ولا للموت ولا للتحلل، ولا للفساد. أجساد لها الطابع الروحاني (1 كو 15: 44، 53).
المتعة في السماء، ستكون غير المتعة على الأرض.
لأنه لو كانت المتعة في الدهر الآتي من نوع المتعة الأرضية، فما الفرق إذن بين مباهج الأرض ومباهج السماء؟! وماذا عن الذين جربوا كل أنواع المتعة الأرضية، وملوها وسئموها؟! وارتفع الأنقياء عن مستواها! هنا يقدم لنا الكتاب نوعًا أسمى من هذا كله، في قوله:
" ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9)
هنا إذن ارتفاع عن كل الأرضيات وكل الماديات، وكل الجسدانيات. فكلها قد رأتها العيون، وسمعت بها الآذان. ولا يستطيع أحد أن يقترح أو يستنتج نوعًا آخر من المتعة، وإلا يكون قد خطر على بال إنسان!
وفى حياة الدهر الآتي، لا يوجد تزواج ولا توالد.
فمن غير المعقول أن يولد إنسان جديد، ويجد نفسه في النعيم الأبدي دون أن تختبر إرادته ويثبت استحقاقه لهذا النعيم. حينما خلق الله آدم وحواء، كانا عريانين في الجنة وهما لا يخجلان (تك 2: 25). ما كانت الهوة الجنسية قد دخلت إلى طبيعتهما، ولا حتى مجرد معرفة الجنس والتمايز الجنسي.. لكنهما عرفا ذلك بعد الخطية والسقوط. فهل سيعود البشر إلى السمو الذي كان له قبل السقوط؟ أم سيبقى في عبودية (الجنس) وشهواته وضغطاته؟!
في الدهر الآتي سيرجع الإنسان إلى البساطة الأولى والنقاوة الأولى.
ولكن بوضع ثابت لا يتحول عنه ولا ينحرف.
حياة الدهر الآتي هي الشهوة الروحية التي اشتهاها القديسون.
واعتبروها انطلاقًا للروح من ضباب الجسد ورباطاته، ومن الحياة على المستوى المادي. حتى قال سمعان الشيخ "الآن يا رب تطلق عبدك بسلام حسب قولك" (لو 2: 29) كما قال القديس بولس الرسول "لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح. ذاك أفضل جدًا" (فى 1: 23).
إذن حياة الدهر الآتي هي حياة الانطلاق من قيود الجسد والمادة ومن رباطات هذا العالم الحاضر.
إنها حياة الحرية الحقيقية، حرية مجد أولا الله (رو 8: 21).
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب لماذا القيامة لقداسة البابا شنوده الثالث
كتاب مريم المجدلية، قديسة القيامة
كتاب تأملات في القيامة - الأنبا بيشوي
كتاب أنوار القيامة - الأنبا بيشوي
كتاب عيد القيامة للراهب كاراس المحرقي


الساعة الآن 11:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024