منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24 - 01 - 2023, 11:59 AM   رقم المشاركة : ( 11 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,204,095

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حزقيال

تفسير سفر حزقيال





جماعة المختومين





حقًا أن "إثم إسرائيل ويهوذا عظيم جدًا جدًا، وقد امتلأت الأرض دماء وامتلأت جَنفًا" [9]، ولكن وُجد أناس بالرغم من قلة عددهم كانوا يئنون في حزن شديد على ما وصلت إليه أورشليم، هؤلاء يختمهم الرب بسمة خاصة ليحفظهم تحت اسمه معتزًا بهم. هذا هو موضوع هذه الرؤيا التي قدمها الله لحزقيال النبي ربما ليكشف له ما سبق أن أعلنه لإيليا عندما صغرت نفسه جدًا، قائلًا: "أبقيت لنفسي سبعة آلاف رجل لم يحنوا ركبة لبعل" (رو 11: 4، 1 مل 19: 18).







1. الرجال الستة:

جاء هؤلاء الرجال "مقبلين من طريق الباب الأعلى الذي من جهة الشمال، وكل واحد عُدَّته الساحقة بيده" [2] لعل مجيئهم من جهة الشمال إشارة إلى الهجوم الكلداني من جهة بابل. وربما لأن مجلس تمثال الغيرة كان في مدخل الدار الداخلية المتجه نحو الشمال (8: 3) وكأنه حيث يوجد الشر من هناك ينطلق التأديب الإلهي. أما كون عددهم ستة فربما لأن أبواب أورشليم في ذلك الحين كانت ستة، وكأنه سيتم الهجوم من كل الأبواب ولا يوجد مجال للهرب كما كان قادة جيش الكلدانين أيضًا ستة (إر 39: 3). على أية الأحوال رقم 6 غالبًا ما يشير إلى النقص لذلك فان رقم اسم الوحش 666، أي تأكيد نقصه ثلاث مرات. إذن هؤلاء الرجال إنما يقدمون للأشرار ثمن شرهم الذي هو الثمر الطبيعي له.
2. لابس الكتان:

وسط هؤلاء المؤدبين من يلبس ثيابًا كهنوتية: "رجل لابس الكتان وعلى جانبه دواة كاتب" [2].
قديمًا قليلون هم الذين كانوا يعرفون الكتابة، فكان الكاتب غالبًا ما يلازم الأشخاص المهمين الذين يقومون بإرسالية معينة كأمين سر لهم. كانت الدواة عبارة عن قرن حيوان مملوء حبرًا يتكون من سُخام المصابيح (السَّناج) ممتزجًا بصمغ وماء، وكان الكاتب يضع الدواة بالحبر على جنبه. أما القلم المستخدم فهو من الخشب أو العظام. كان الكاتب دائمًا مستعدًا للكتابة. أنه بلا شك يمثل السيد المسيح الذي جاء لخلاصنا، هذا الذي أفاض من جنبه المطعون دمًا وماءً لتسجيل أسمائنا في سفر الحياة.
حين صار حزقيال "آية لإسرائيل" قدمت له آثامهم شللا فصار نائمًا على جنبه بلا حركة، أما السيد المسيح فإذ أحنى رأسه ليحمل آثامنا ويدينها في جسده لم يكن ممكنًا للموت أن يمسك به ولا للخطيئة أن تتعلق به، فأفلض لنا من جنبه سر الحياة وخلاصًا أبديًا! لقد انفتح جنبه لكي ندخل إلى أحشاء محبته اللانهائية، فيرفعنا إلى حضن أبيه، مصالحًا إيانا معه بدمه الكريم. وكما يقول الرسول: "فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب أي جسده، وكاهن عظيم على بيت الله لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي" (عب 10: 19-22).
دخل الرجال الستة "ووقفوا جانب مذبح النحاس" [2]، الذي يرمز إلى صليب ربنا يسوع المسيح الحامل الذبيحة، وفي ضوئها يُدان غير التائبين. خلال الذبيحة يتمتع التائبون بالمراحم اللانهائية، ويسقط الأشرار تحت دينونة أبدية.
"ومجد إله إسرائيل صعد عن الكروب الذي كان عليه إلى عتبة البيت" [3]. لقد تحول عرش النعمة إلى عرش قضاء، لقد ديست النعمة الإلهية وأسيء إلى قداسة الله.
3. السمة:

"وقال له الرب: اعبر في وسط المدينة
في وسط أورشليم وسم سمة على جباه
الرجال الذين يئنون ويتنهدون على
الرجسات المصنوعة في وسطها" [4].
كلمة "سمة" هنا Taw أي ختم ارتبطت باسم الله، فإن السيد المسيح إذ قدم دمه كفارة عن خطايانا دخل بنا إلى ملكية الله، فصرنا حاملين اسمه على جباهنا كسر تقديسنا، كما كان رئيس الكهنة في القديم يضع صفحية ذهبية على جبهته مكتوب عليها: "قدس للرب"، بدونها لا يقدر أن يتمتع بالمقدسات الإلهية (خر 28: 36-38). بهذا ندخل إلى الحضن الأبوي، فنصير محفوظين من الهلاك. هذا هو عمل الروح القدس الذي نختم به في سر الميرون، فتصير كل أعضائنا في ملكية الرب، وتحفظ نفوسنا في حمايته الإلهية .
كلمة "سمة" أو Taw جذبت أنظار الكثيرين بكونها تحمل الحرف اليوناني Taw الذي يحمل شكل الصليب، فيشير العلامة أوريجانوس إلى هذا الأصحاح متحدثًا عن السمة أنها علامة الصليب.

ويتحدث العلامة ترتليان عنها بكونها علامة آلام السيد المسيح كسر للخلاص من الهلاك

كما قال: [الحرف اليوناني Tou أو حرفنا (اللاتيني) T هو نفس شكل الصليب الذي تنبأ عنه كعلامة أورشليم الجامعة الحقيقية]
هذه هي العلامة التي تحفظ المؤمن، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أنت أحد المؤمنين، ارسم علامة الصليب. قل: هذا هو سلاحي الوحيد، هذا هو دوائي، لا أعرف شيئًا سواه].
كما يقول: [ليعلق الصليب فوق أَسرّتنا عوض السيف، ولننقشه على أبوابنا بدل المزلاج. وليكن حول بيوتنا موضع السور ].
يقول القديس جيروم: ["يقول حزقيال: سِمْ سمة Thaw على جباه الذين يئنون ولا تقتل أيا مما لهم السمة؛ ليس أحد له علامة الصليب على جبهته يمكن للشيطان أن يضربه، فإنه لا يقدر أن يمحيها، إنما الخطية وحدها تقدر ].
4. حاملوا السمة:

يقول عنهم: "الذين يئنون ويتنهدون على كل الرجاسات المصنوعة في وسطها" [4]. لم يقل لم يسقطوا في الخطأ لكنه يؤكد كراهيتهم له وأنينهم المستمر على الرجاسات.
يرى القديس أغسطينوس أنهم يمثلون صورة حيَّة للمجاهدين الذين يعيشون وسط الرجاسات، يتعرضون لها لكنهم يطلبون الخلاص منها بتنهدات غير منقطعة. [إنهم يتنهدون ويتأوهون لذلك ختموا جباههم، ختموا على جبهة إنسانهم الداخلي لا الخارجي، إذ توجد جبهة للضمير كما توجد للوجه... هؤلاء اتسموا بالعلامة لكي لا يهلكوا، لأنهم وإن كانوا غير قادرين على تصحيح الخطايا التي ترتكب في وسطهم لكنهم يحزنون. هذا الحزن في ذاته يجعلهم في عيني الله مفصولين (عن الأشرار) حتى وإن كانوا في عيني الناس مختلطين بالآخرين. إنهم يحملون العلامة بطريقة سرية وليس علنًا].
على أية الاحوال سفر حزفيال الذي يركز في أغلب أصحاحاته الأولى على التأديب والعقوبة، كثيرًا ما يتحدث عن البقية المحفوظة لله. إنها قصة كل جيل وموضوع رعاية الله، فلم ينس الله لوطًا وعائلته حين تعاظمت خطية سدوم وعمورة جدًا وأمطر عليها كبريتًا ونارًا من السماء (تك 19)، ولا نسى نوحًا وعائلته حينما أغرق الأرض بالطوفان (تك 6، 7)، وحينما رفضته أورشليم مدينة الملك العظيم وجد في بيت عنيا راحته في فترة البصخة...
5. حركة التأديب:

يقول: "ابتدئوا من مقدسي، فابتدأوا بالرجال
الشيوخ الذين أمام البيت وقال لهم: نجسوا
البيت واملأوا الدور قتلى اخرجوا فخرجوا
وقتلوا في المدينة" [6-7].
صدر الأمر الإلهي بالتأديب، على أن يبدأ بالشيووخ العاملين في بيت الرب وكما يقول العلامة أوريجانوس: [تبدأ الدينونة مع بيت الله].
وعندما حاسب الرب أصحاب الوزنات بدأ أولًا بصاحب العشرة وزنات وانتهى بصاحب الوزنة الواحدة. هكذا يهتم الله بتقديس الذين يعملون في كرمه لكي يقدروا أن يكونوا مثلًا حيًا لشعبه، فإن أساء هؤلاء التصرف سقطوا في التأديب قبل غيرهم. حقًا ما أحوج أن تهتم الكنيسة بتقديس كهنتها وكل العاملين في بيت الرب قبل الشعب حتى لا يسقطوا في الفِرّيسيّة أو الناموسية. لقد نجسوا البيت الإلهي بالعبادة الوثنية، وها هو الرب يتركه مُدنسًا بجثث القتلى فيه، هؤلاء الذين تمردوا عليه.
6. ظهور السيد متمنطقًا:

جاء في الترجمة السبعينية (9: 11) أن اللابس الكتان كان متمنطقًا.
ويعلن القديس يوحنا الذهبي الفم على ذلك بقوله: [إن التمنطق يشير إلى اليقظة المستمرة، لهذا أمر الله أيوب أن يتمنطق (أي 38: 3)، وموسى والأنبياء والرب نفسه يظهر متمنطقًا].
لقد خرّ النبي على وجهه [8] حين رأى حثث الكهنة والشعب، وصرخ من أعماقه إلى الله ألا يهلك البقية الباقية عندما يصب غضبه على أورشليم، فأجابه الرب أنه متمنطق بالبر... إن كان قد سمح بالتأديب القاسي لكنه لا يتجاهل القلة المقدسة، فقد سبق فقال: "لا تقربوا من إنسان عليه السمة" [6]... أن صرخات النبي لن تضيع، بل يسمع الصوت الإلهي: "قد فعلُت كما أمرتني"[11].
من وحي حزقيال 9

ما أعظم ختم الروح!


* ما أعظم ختم روحك القدوس عليّ!
ختمتني بالسمة في سرّ الميرون،
فحسبتي في ملكيتك!
صليبك على جبهتي علامة الجندية الروحية،
وعليها السمة: "قدس للرب!"
صرت بك مخوفًا،
لا يقدر العدو أن يُحطمني مادمت معك!
* إني أخاف لئلا تدينني ثيابي السوادء،
أخشى لئلا أتهاون، متسترًا في ثياب الخدمة!
أحرسني، فإني في خطر!
* عجيب أنت أيها القدوس،
في التأديب تبدأ بكهنتك،
أنت حازم مع تلاميذك لأجل بنيانهم،
لكنك رئيس الكهنة العامل فيهم!
أنت حلو وعذب حتى في تأديباتك
جراحات تأديباتك أعذب من قبلات العدو!
لتؤدبني شمالك ولتخضني يمينك يا عريس نفسي!

  رد مع اقتباس
قديم 24 - 01 - 2023, 12:15 PM   رقم المشاركة : ( 12 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,204,095

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حزقيال

تفسير سفر حزقيال





المجد الإلهي يفارق الهيكل



تعتبر الرؤيا الواردة هنا تكملة لما ورد في الأصحاح السابق حيث يرى النبي الرجل اللابس الكتان وعلى جنبه دواة حبر، غير أن الموقع قد تغير، فعوض الهيكل المقدس الأرضي حيث المذبح النحاسي وعرش الرحمة (تابوت العهد)، نرى السموات عينها والعرش الإلهي.



1. حرق المدينة:

قبل أن يعلن الرب مفارقته بيته تمامًا أعلن لنبيه الرؤيا التي سبق أن أظهرها له عند نهر خابور، أي مركبته الإلهية النارية، كما سبق أن دعاها "شبه مجد الرب"، وقد سبق الحديث عنها بشيء من التفصيل في الأصحاح الأول غير أن المخلوقات الحية يدعوها هنا "كاروبيم".
والجديد في هذه الرؤيا أنه رأَى الرجل اللابس الكتان الذي على جانبه دواة الكاتب، الذي يسم المتنهدين على رجاسات أورشليم (أصحاح 9) يدخل بين البكرتين تحت الكروب، ويأمر كاروبًا أن يملأ حفنتيه جمر نار من بين الكروبيم ويذريها على المدينة ليحرقها.
قلنا إن الرجل اللابس الكتان إنما هو "كلمة الله المتجسد" الذي جاء كاهنًا، يلبس الملابس الكهنوتية ليقدم ذبيحة حبه لخلاص البشرية. أما دخوله بين البكرتين فإعلان أنه هو محور العهدين، فالعهد القديم أو الناموس غايته المسيح، والعهد الجديد أو الإنجيل إنما هو إعلان سر يسوع المسيح... أما نزوله تحت الكروبيم فإعلان عن سر تجسده كقول الرسول بولس: "وضعته قليلًا عن الملائكة" (عب 2: 7).
ربما يتساءل البعض:إن كان السيد قد جاء لخلاصنا، فلماذا يأمر كاروبًا أن يأخذنا نارًا ويلقيها على المدينة؟
أ. في هذا إعلان عن نار الذبيحة السرية، فإن كان السيد قد تقدم ككاهن، لكنه في نفس الوقت تقدم كذبيحة يحمل أجرة خطايانا -هذا الذي لا يعرف خطية -قبل أن يحمل نارها المدمرة للمدينة، لكنها تعجز عن أن تدمره!! لهذا ففي أسبوع البصخة المقدسة تركز الكنيسة على نبوات العهد القديم التي تُظهر بشاعة الخطيئة وآثارها المدمرة، لكي تكشف عن محبة المسيح الحامل خطايا العالم. وبقدر ما يعلن الروح القدس للنفس البشرية ثمر الخطيئة القاتل بقدر ما تتعلق بذاك الذي حمل عنها هذا الثمر.
ب. لعل هذه النار أيضًا ترمز للروح القدس الناري الذي أرسله لنا السيد المسيح من عند الآب ليحرق فساد الخطيئة، هادمًا فينا المدينة القديمة، أو الإنسان العتيق، مقيمًا مدينة جديدة أو هيكلًا جديدًا داخليًا يسكنه الرب.
ج. كان هذا العمل إعلانًا عن حرق البابليين للمدينة (2 مل 25: 9)على يد نبوزردان رئيس الشرطة وعبد نبوخذنصَّر ملك بابل.. فإذ تركت المدينة المقدسة قداسة الحياة استحقت الإبادة بيدّي الأعداء الأمميين.
ويلاحظ أنه عندما دخل السيد بين الكروبيم ملأت السحابة الدار الخارجية وكأنه بدخول الابن إلى التجسد أعلن مجده فينا نحن الذين كنا في الخارج. إنه يقول: "وسمع صوت أجنحة الكاروبيم إلى الدار الخارجية كصوت الله القدير الذي تكلم" [5]، وكأننا نحن الذين كنا في الخارج بلغ إلينا صوت الله القدير بمجيء الكلمة إلينا.
"لم تدر عند سيرها؛ بل إلى الموضع الذي توجّه إليه الرأس ذهبت وراءه" [11]. هكذا تسير عجلة مركبة الله وراء الرأس، أي بخطة إلهية، لن يستطيع الإنسان، بل ولا خليقة ما أن تتحدى الله. إنه في عرشه الإلهي يهب نعمة ورحمة لطالبيه ويصدر الحكم والدينونة على مقاوميه. من يقدر أن يتحدى الله؟!
مركبته مملوءة عيونًا حواليها [12]، لا تسير اعتباطًا، إنما دينونته عدل وحق، إنه الناظر إلى القلوب والفاحص الكلى... وليس شيء مخفيًا عنه!
2. مفارقة المجد الإلهي بيت الرب:

"وخرج مجد الرب على عتبة البيت ووقف على الكروبيم، فرفعت الكروبيم أجنحتها وصعدت عن الأرض قدام عينَّي" [18]. لقد أكد النبي أنه رأى مجد الرب يفارق بيته، حيث انطلق بمركبته النارية بعيدًا عن الشعب الرافض للمجد الإلهي.
لم يكن ممكنًا للرب أن يستقر حيث يصمم الإنسان على الشر "لأنه أية خلطة للبر مع الإثم، وأية شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟!" (2 كو 6: 14-15).
كان لا بُد أن يفارق الرب هيكله القديم الذي أصر على الجحود ليقيم فينا هيكلًا جديدًا هو من صنع روحه القدوس.
يتحدث العلامة أوريجانوس عنه، قائلًا: [ليكن للنفس مذبح في وسط القلب، عليه تقدم ذبائح الصلاة ومحرقات الرحمة، فتذبح فوقه ثيران الكبرياء بسكين الوداعة، وتقتل عليه كباش الغضب وماعز التنعم والشهوات... لتعرف النفس كيف تقيم داخلها قدس أقداس قلبها منارة تُضئ بغير انقطاع].
رأى النبي مجد الشكينة ينطلق خارجًا على عتبة البيت ويرتفع إلى السموات، لكنه رأى كأن المجد قد وقف إلى حين من فوق مدخل الباب الشرقي، وكأنه ينتظر آخر فرصة حتى بعد مغادرته الموضع لعلهم يتوبون فيرجع. إنه يفارق بيته ليصعد إلى السماء دون أن تصيبه خسارة، لكنه يطلب نفع البشرية وخلاصها ومجدها! لقد عبر الرسول بولس عن ذلك بقوله: "لا تحزنوا الروح!".
يا للعجب بينما يبذل الشرير كل الجهد ليفارق الله حياته لا يريد الله أن يفارق مجده قلب الإنسان، معطيًا فرصًا لا حصر لها لكي يعمل فيه!
من وحي حزقيال 10

ليته لا يفارقني مجدك!

* لست محتاجًا إلى قلبي الصغير،
فالسماء والأرض مملوءتان من مجدك!
أنا محتاج ألا يفارقني مجدك،
يا من يمجدك كل السمائيين!
* أعترف لك بدموعي وتنهدات قلبي!
إنني بخطاياي وآثامي أطرد مجدك من داخلي،
أحزن روحك القدوس الساكن فيّ!
أما أنت فلا تريد إن يفارق مجدك قلبي!
* لست محتاجًا أن تعلن مجدك في داخلي،
لكن حبك العجيب يشتهي إعلانه فيّ!
لتتمجد في داخلي،
فأتأهل إلى شركة مجدك الأبدي!
  رد مع اقتباس
قديم 24 - 01 - 2023, 12:27 PM   رقم المشاركة : ( 13 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,204,095

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حزقيال

تفسير سفر حزقيال





مفارقة مجد الرب المدينة



تبلغ الرؤيا نهايتها، ففي الأصحاح السابق تحدث النبي عن مفارقة مجد الرب الهيكل ليس بلا سبب، إنما أوضح ما وصل إليه الهيكل من رجاسات (ص 8)، وبعد أن ختم عبيده بسمة مقدسة لكي لا يقترب الهلاك إليهم (ص 9)، والآن يعلن مفارقته للمدينة كلها، أيضًا ليس بدون سبب وإنما يعلن ما بلغ إليه قادة يهوذا والمشيرون من شر.




1. مثل اللحم والقدر:

قبل أن يعلن النبي عن مفارقة الرب للمدينة كلها أشار إلى الخمسة والعشرين من رؤساء الشعب الذين يقدمون مشورة رديئة تناقض ما أعلنه إرميا النبي. هؤلاء أكدوا أن المدينة في أمان، فأشاروا بالثورة ضد نبوخذنصَّر مستعينين بفرعون مصر (إر 28: 16) وأن ينقضوا القسم الذي تعهد به الملك مع الكلدانيين (2 مل 26: 13). دللوا على مشورتهم بقولهم "ما هو قريبُ بناء البيوت هي القدر ونحن اللحم" [3]، وهي عبارة غامضة لكنها تظهر في الترجمة السبعينية بأن المدينة في أمان بدليل استقرار الحال وبناء بيوت منذ وقت قريب. وكأنهم يخطّئون مشورة إرميا النبي الذي أعلن عن ضرورة قبول التأديب الإلهي من خلال السبي البابلي، فالذين سُبوا في المرحلة الأولى حرموا من أرضهم وهيكلهم أما الباقون في المدينة فإنهم في أمان يقيمون البيوت علامة استقرارهم.
يرى البعض أن حزقيال النبي مثل إرميا قد عرف أن السبي يدوم سبعين عامًا، وانهم سيستقرون هناك ويبنون بيوتًا ويتأهبون للإقامة في أرض غريبة، لكن كثيرين ثاروا على هذا الأمر، إذ ظنوا أن الله لا بُد أن يتدخل ويردهم سريعًا إلى وطنهم. وقد قام أنبياء كذبة يشجعونهم في توقعهم هذا. فكما كانوا في أيام ما قبل السبي يطمئنون ضمائر الناس بأن الله لن يسمح بخراب مدينته وهيكله، هاهم بعد السبي يحملون روح الكذب مؤكدين لهم العودة السريعة.
كانوا يرددون القول: "هي القدر ونحن اللحم" [3]. إن كنا لحمًا فأورشليم هي القدر الذي يحفظنا ويحمينا من هجمات الكلدانيين. لكن روح الرب كشف لحزقيال خطأ هذه المشورة معلنًا أن الذين في داخل القدر أي أورشليم ليسوا اللحم بل القتلى الذين سفك دمهم لا بسبب الكلدانيين بل بسبب المشورة الرديئة. فلو أنهم قبلوا مشورة رميا وتفاهموا مع الكلدانيين لما سفك دم هؤلاء، لهذا يؤكد الرب: "هذه لا تكون لكم قدرًا ولا أنتم تكونون اللحم في وسطها" [11]. وكأنه يقول إنها لا تكون مصدر حماية لكم مادمت أنا نفسي ضدكم "في تخم إسرائيل أقضي عليكم"[11]. إن كانت المدينة هي مدينتي فتحتمون فيها، فأنا نفسي ضدكم لأنكم لم تسلكوا في فرائضي ولا تعملون أحكامي، أحكم عليكم في تخم إسرائيل، في داخل المدينة، وليس لكم ملجأ أو حماية! هكذا إن كان الله قد أوضح سر مفارقته بيته ألا وهو انحراف المتعبدين على أعلى مستوى قيادي في العبادة، فإنه يفارق أيضًا المدينة كلها لأن قادتها رفضوا المشورة الإلهية وتركوا الوصية! إن كان الهيكل يشير إلى النفس، والمدينة تشير إلى الجسد الذي يحتضن النفس داخله، فإنه ليس شيء يحطم النفس (الهيكل) مثل العبادة الشكلية، ولا ما يهلك الجسد مثل مشورة الأردياء ورفض المشورة الإلهية.
يلاحظ أنه لكي يفضح النبي المشورة الرديئة أكد أن روح الرب حل عليه [4] هذا الذي يعرف حتى الأفكار الخفية. إن كان هؤلاء الرجال تسلموا العمل القيادي لكن كان ينقصهم روح الرب الذي بحق يقدم المشورة الصالحة، أما حزقيال فيحمل الروح الإلهي الذي يقدر أن يقود.

وكما يقول القديس كيرلس الأورشليمي: [انظروا كيف أن الروح القدس يفرز ويدعو ويرسل بسلطان]
[هو روح حيّ يهب الحكمة في الكلام متحدثًا وواعظًا بنفسه]

كما يقول: [يجب أن نفهم الكلمتين "حل عليّ" بطريقة حسنة تعني أنه حلّ عليه بالمحبة، كما وقع يعقوب على عنق يوسف حين وجده، وكما جاء في الأناجيل عن الأب المحب حين رأى ابنه الراجع من ضلاله تحنن عليه وركض ووقع على عنقه وقبله (لو 15: 20)]. هذا هو الروح الإلهي الذي حلّ على النبي ليعطيه روح القيادة والحكمة والمشورة الصالحة وذلك من أجل محبته لله ودعوته للناس كي يتمتعوا بهذا الحب عينه.
2. فساد المشورة الرديئة:

دلل الرب على فساد مشورة الأردياء من جانبين:
أ. إن أحد مقدمي المشورة "فلطيا بن بنايا" مات، الأمر الذي أرعب حزقيال النبي، لأنه كان صاحب المشورة مات فماذا يكون حال بقية الشعب. لهذا خرّ على وجهه وصرخ بصوت عظيم، قائلًا: "آه يا سيد الرب هل تفنى أنتَ بقيّة إسرائيل؟!" [13].
ب. إن كان الذين بقوا في أرض يهوذا لم يحملوا إلى السبي (في مرحلته الأولى) ظنوا أنهم أسعد حالًا من الذين حملوا إليه مثل حزقيال نفسه فهم مخدوعون. إنهم فرحون لأنهم في أرضهم وبجوار الهيكل الذي لم يصبه تدمير. لأن الحال سيتغير ويتم السبي في المرحلة القادمة سريعًا، خلالها تحرق المدينة ويدمر الهيكل ويقتل سكان أورشليم. أما الذين ذهبوا إلى السبي فإن الله لن ينساهم. هم حُرموا من المقدسات الإلهية في مدينة الملك العظيم لكن الملك نفسه يصير مقْدِسًا لهم في غربتهم:
"فإني أكون لهم مقْدِسًا صغيرًا في الأرض التي يأتون إليها" [16].
يصير الرب مقدسًا لهم، إذا يقدس قلبهم بالتوبة، واعدًا إياهم بالخلاص. هنا يعلن الله حبه العجيب لإنسان، فإنه حتى بعد تأديبهم ومفارقة مجد الرب الهيكل والمدينة لا يترك المسبيين، لكنه يعدهم أنه يجمعهم في أرض سبيهم... أنه ينتظر نفسًا واحد في السبي لتكون له هيكلًا ومقدسًا صغيرًا يُسر بها. أنه يؤدب لا لينتقم بل ليُصلح ويجدد!

هنا ينقلهم الله إلى الخلاص المسياني، إذ يقول: "وأعطيهم قلبًا واحدًا (آخر)وأجعل في داخلهم روحًا جديدًا وأنزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم، لكي يسلكوا في فرائضي ويحفظوا أحكامي ويعلوا بها ويكونوا لي شعبًا وأنا أكون لهم إلهًا" [19-20].
إنه لا يعدهم برجوعهم من السبي إلى الهيكل في أورشليم ومدينة الملك العظيم بل ما هو أهم إنه يُحطم إنسانهم العتيق مقدمًا لهم الإنسان الجديد، فيصيروا هم أنفسهم هيكل الرب ومدينته المقدسة، وتصير فرائضه وأحكامه قانونهم الطبيعي.
هذا ما قدمه لنا السيد المسيح في مياه المعمودية المقدسة حيث يردنا من سبي إبليس وأسر الخطيئة ويجعل منا إنسانًا جديدًا على صورة خالقنا. أنه يهدم فينا القلب الحجري ويقيم القلب اللحمي الروحي .
ينزع القلب الحجري، أي الفهم الحرفي القاتل للناموس، الذي ينزع عنا كل إحساس، ويهبنا بالروح القدس القلب اللحمي أي الفهم الروحي للوصية التي تهب حياة.
وكما يقول القديس أغسطينوس: [لا في ألواح حجرية بل في ألواح قلب لحمية" (2 كو 3: 3) ].
3. مفارقة مجد الرب المدينة:

يقع الهيكل في الجانب الشرقي للمدينة، لكن هنا يقف المجد في وسط المدينة، لأنه لا يفارق الهيكل فقط وإنما يفارق كل المدينة، يفارق الشعب كما يفارق الكهنة والعاملين في الهيكل، يفارق الجسد كما فارق الروح!
أما الجبل الشرقي الذي وقف عليه فهو ناحية قدرون أو وادي يهوشفاط، أي جبل الزيتون (2 صم 15: 3؛ تك 14: 4). لقد توقف مجد الرب قليلًا وكأنه يحزن على مفارقته شعبه الذي أصر على رفضه. على هذا الجبل توقف السيد المسيح وسط موكب مستقبليه وتطلع إلى المدينة وهو يبكي، قائلًا: "إنك لو علمتِ أنتِ أيضًا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك، ولكن الآن قد أُخفى عن عينيك. فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة، ويهدمونك وبنيك فيك ولا يتركون فيكِ حجرًا على حجر، لأنكِ لم تعرفي زمان افتقادك" (لو 19: 41-44)، يقف الرب نفسه يبكي على المدينة التي ترفضه فصارت مرفوضة، قتلت أنبياءه فدخل الموت إليها.
من وحي حزقيال 11

ليته لا يفارق مجدك مدينتي!


* قديمًا فارق مجدك الهيكل ثم فارق أورشليم،
وهكذا إذ تتسلل الخطية إلى حياتي،
تفقد نفسي كما جسدي جلالك!
ترفق بي... ليته لا يفارقني مجدك!
* بعد مفارقة مجدك الهيكل والمدينة،
كنت تنتظر نفسًا واحد ترجع إليك،
وأنت مشتاق إلى تقديس الكل بك!
حبك يملأني رجاءً!
لقد أخطأت، وأحزنت روحك القدوس،
وكان مجدك قد فارق أورشليمي الداخلية،
لكن يبقى وعدك الصادق:
أكون لك مقدسًا!
* وعدك عجيب:
أجعل في داخلهم روحًا جديدة!
ليعمل روحك فيّ،
وليجدد روحي وكل كياني!
انزع عني القلب الحجر،
وهب لي قلبًا لحميًا مقدسًا!
لقد وعدت أن تقيم من الحجارة أبناء لإبراهيم،
ها أنا بين يديك أقم مني ابنًا مقدسًا!
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 01 - 2023, 02:54 PM   رقم المشاركة : ( 14 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,204,095

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حزقيال

تفسير سفر حزقيال


تأكيد السبي

إذ أعلن الرب مفارقته مجده بيته ومدينته أكد سرعة حدوث السبي، موضحًا ذلك بأعمال رمزية وتشبيهات وأمثلة، ناصحًا الشعب والمسئولين أن يسمعوا للأنبياء الحقيقيين ويرفضوا الأنبياء الكذبة.


1. خروجه من بيته:

أمام إصرار الشعب على عدم تصديق الأنبياء بمفارقة الرب بيته ومدينته وتخليه عن حماية شعبه بل السماح بسبيهم للتأديب، اضطر النبي -بأمر إلهي- أن يجَّسم رسالته في سلوكه، فصار رمزًا لإسرائيل. يقول له الرب: "لأني جعلتك آية لبيت إسرائيل" [6]. كما قال النبي: "أنا آية لكم" [11]. ففي النهار قام من موضعه وذهب إلى موضع آخر لعلهم يدركون جلاءهم من بلدهم وأخذهم إلى السبي، لكنه عاد في المساء وسط الظلام ونقب حائط بيته وخرج خلسة، كالخارجين إلى الجلاء، حاملًا أمتعته على كتفيه. وكأنهم إذ رفضوا التصديق بحدوث السبي يتم هذا العمل ليلًا، وهم نيام في وسط الظلمة الداخلية بلا استعداد ويُحمَل ملكهم حملا بغير إرادته.
هكذا صوّر النبي حال الآلاف من المسببين... وكان الشعب ينظر إليه باستغراب.
صار حزقيال آية لشعبه، كل ما في قدرته أن يكشف لهم عن حالهم بخروجه من بيته ليلًا يحمل أمتعته، معلنًا، أن خطاياهم تدفع بهم إلى السبي: يفقدون أرضهم وممتلكاتهم وشعبهم وحريتهم، أي يفقدون حقهم الإنساني. وقد صار مسيحنا آية، إذ قيل: "يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش 7: 14). إنه من عند الآب خرج في ملء الزمان، طأطأ السماوات ونزل إلى أرضنا كما في الليل؛ نزل إلينا نحن الجالسين في الظلمة يحمل خطايانا على كتفه، ليكشف عن سبينا وأسرنا في عبودية إبليس، لكنه لم يقف كحزقيال عند الكشف عن مرارة حالنا، بل وهبنا العتق من العبودية، ردنا إلى بيته السماوي نحمل طبيعة جديدة تتمتع بعربون المجد الأبدي. وكأن النبي قد شخَّص المرض وأوضح خطورته، أما مسيحنا الطيب الحقيقي فقدم حياته المبذولة على الصليب علاجًا وشفاءً!
2. تغطية وجهه:


يُحمل الملك صدقيا (رئيس يهوذا) إلى بابل ليلًا، لكنه لا يراها كما يقول إرميا النبي (إر 32: 5)، إذ فقئوا عينيه في ربلة (2 مل 25: 4-7، إر 52: 8، 11).
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه لم ير بابل مع أنه حمل إليها... لأنه في اليهودية فُقئت عيناه، في الموضع الذي فيه حنث بالقسم هناك نال العقوبة ].
لقد خان العهد وحنث بالقسم ولو مع رجل وثني لهذا نال عقوبة مضاعفة: السبي والعمى. هذا هو ثمر خيانة العهد مع الناس فكم بالحري مع الله؛ إنها تُفقد النفس حريتها والبصيرة الداخلية نورها، فيخضع الإنسان لعبودية داخلية وعمى داخلي.
3. الأكل بارتعاش:

إذ صار النبي آية لشعبه قام بعمل رمزي آخر لتأكيد حدوث السبي، فقد أمره الرب هكذا: "يا ابن آدم كل خبزك بارتعاش واشرب ماءك بارتعاد وغم، وقل لشعب الأرض: هكذا قال السيد الرب على سكان أورشليم في أرض إسرائيل يأكلون خبزهم بالغم ويشربون ماءهم بحيرة لكي تخرب أرضها" [18-19]. إنها صورة مرعبة لحياة الإنسان في خطيته تكمل الصورة السابقة: الأولون حملوا إلى السبي قسرًا وفقدوا بصيرتهم الداخلية أما هؤلاء فقد تُركوا في أرضهم لكنهم دخلوا إلى حالة جوع مع غم، وعطش مع حيرة. تفقد الخطيئة الإنسان شبعه الداخلي وارتواءه كما تفقده سلامه، لهذا يقول السيد المسيح "أنا هو خبز الحياة، من يقبل إلى فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبدًا" (يو 6: 35). هو سر شبعنا الداخلي وارتوائنا الروحي.
أكل حزقيال خبزه بارتعاش وشرب ماءه بارتعاد وغم [18]، أما مسيحنا فقدم جسده ودمه المبذولين خبزًا محييًا، ينزع عنا الغم، ويدخل بنا إلى فرحه الأبدي.
4. تجاهل النبوة الحقيقية:

أشاع الأنبياء الكذبة بعض الأمثال على مستوى شعبي لتشكيك الناس في النبوات الحقيقية، منها "قد طالت الأيام وخابت كل رؤيا" [22]. بهذا المثل الشائع حسب الكثيرون رؤى الأنبياء كذبًا ومجرد تهديدات لن تتحقق.
هذا الفكر يسود في كل العصور، إذ يشكك عدو الخير في الكلمة الإلهية...

ففي العصر الرسولي تشكك البعض في عودة ربنا يسوع المسيح: "أين هو موعد مجيئه؟ لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باقٍ هكذا من بدء الخليقة!" (2 بط 3: 4).
وإذ صَعُب على البعض أن يقبلوا هذا المثل بدأ التشكيك بطريقة أخرى هي ليس رفض النبوة تمامًا وإنما الادعاء بأنها ستتحقق بعد زمن طويل غير زمانهم: "هوذا بيت إسرائيل قائلون الرؤيا التي هو رائيها هي إلى أيام كثيرة وهو متنبئ لأزمنة بعيدة" [27].
هذا هو عمل عدو الخير الدائم التشكيك في كلمات الرب أو الادعاء بتأجيلها ليعيش الإنسان خارج دائرة الوصية في استهانة. ولهذا يؤكد الرب دائمًا: "لا يطول بعد شيء من كلامي" [28]، فإن الوقت قريب ويتحقق كل قول الرب لنا، وكما تعلن كلمة الله بصراحة: "كما كانت أيام نوح، كذلك أيضًا مجيء ابن الإنسان" (مت 42: 37).
من وحي حزقيال 12

اجعلني آية يا سيدي!


* اجعلني آية يا سيدي!
يا من صرت لأجلي آية:
آية في ميلادك العذراوي العجيب،
وآية في قيامتك من قبر مختوم!
اجعلني آية فأشهد لعجائبك في حياتي الجديدة!
تُظهر من عقمي ثمرًا روحيًا،
تحول مقبرة قلبي الفاسدة إلى مقدسات سماوية!
هب لي حياتك المُقامة فأمتلئ بهجة وتسبيحًا!
* جعلت حزقيال نبيك آية،
فخرج ليلًا يحمل أمتعته بعد نقب الحائط كما إلى السبي!
وصرت أنت يا سيدي آية،
من عند الآب خرجت،
نزلت إلى أرضنا كما إلى ظلال الموت، تحمل صليبك!
نقبت الحائط الحاجز بيننا وبين الآب فتحررنا من السبي!
هب لي أن أصير آية،
فينطلق قلبي كما من ظلمة الخطية،
أعبر خلال الحاجز المُحطم وباب السماء المفتوح،
حاملًا إياك أمتعتي الوحيدة والثمينة!
عوض الهروب كما إلى السبي يرفعني روحك القدوس إلى حضن الآب!
* أمرت نبيك حزقيال أن يأكل خبزه بارتعاش،
ويشرب ماءه بارتعاد وغم!
حسبته كما في سجن يأكل خبز الضيق.
أعترف لك يا سيدي أني سجين خطاياي،
تحوَّل خبزي إلى مرارة.
هب لي خبزك السماوي: جسدك ودمك المبذولين،
يعتقاني من أسري،
ويهباني الحرية والفرح والتهليل.
أثبت فيك وأنت في يا شهوة قلبي.
فأصير بالحق آية عجيبة هي من صنع يديك!




  رد مع اقتباس
قديم 25 - 01 - 2023, 03:46 PM   رقم المشاركة : ( 15 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,204,095

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حزقيال

تفسير سفر حزقيال


خطايا إسرائيل ويهوذا

مجد الأنبياء الكذبة

بعد أن أكد حزقيال حدوث السبي معلنًا ضرورة تصديق الأنبياء الحقيقيين، بدأ يطالب برفض مشورات الأنبياء الكذبة والنبيات المخادعات.

1. الأنبياء الكذبة:

عرف اليهود نوعين من الأنبياء الكذبة، نوعا يمثل العبادة الوثنية المقاومة لله علنًا كأنبياء السواري الذين قتلهم إيليا النبي (1 مل 18: 40). والنوع الآخر يتنبأون من وحي قلوبهم ومشاعرهم الذاتية ورغباتهم الخاصة تحت اسم الله. غالبًا ما كانوا ينطقون بما يُفرح قلب الملك أو المسئولين وذلك من عندياتهم كنوع من التملق (1 مل 22: 5-28). هذا النوع أخطر من الأول لأنهم مخادعون يتكلمون كمن يحملون الوحي الإلهي بينما هم يحملون وحي ذواتهم الشريرة. هؤلاء إرميا النبي يقاومهم، وأيضًا حزقيال.
لقد دعاهم "حمقى nebiem"، ويلاحظ أن النبي يلعب بالألفاظ فعرض كلمة nebalim يقول nebiem، وذلك كما في الإنجليزية يقال profitless عوض prophets. أما سر غباوتهم أنهم تنبأوا "من تلقاء قلوبهم" [2]، يذهبون "وراء روحهم" [3] لا وراء روح الرب، الذي هو روح الحكمة.
إن كان الله يحذر شعبه من الأنبياء الكذبة، فإنه في نفس الوقت يهتم برجوع هؤلاء الكذبة عن شرهم وكذبهم،
كما يقول العلامة أوريجينوس: [لا يوجد أي نوع من الخطايا لم يتحدث عنه الكتاب المقدس ويوضحه لقارئيه.
كلمة الله المُرسلة لشفاء الناس يجب أن تتناول كل أنواع الخطايا، وتُحدث جميع أنواع الناس، حتى لا يُحرم أحد من العلاج النافع أو الدواء المفيد لشفاء جرحه.
توجد كلمات تخص الشعب وأخرى لكبار الكهنة وثالثة للكهنة وغيرها للرعاة والمعلمين. توجد كلمات تمدح المعلمين الصالحين، وكلمات توبخ الأشرار، فتحث البعض على مواصلة الصلاح والأخرى لئلا ينحدروا إلى ما هو أسوأ مما هم عليه.
يلزمنا أن نفسر تعاليم الله عن الأنبياء الكذبة... ونتطلع إلى بعض معلمي الكنائس الذين ليسوا على وفاق في كلامهم أو سلوكهم مع العقيدة التي يعلمون بها. إنهم أنبياء كذبة.
إننا نسعد جدًا عندما نجد الكتاب المقدس يحثنا على الابتعاد عن الرذائل، ونسعد بالأكثر عندما نجد كلمة الله تتناول وتتلامس مع بعض رتب الكنيسة، لأننا نريد الشفاء من جميع الخطايا.
"يا ابن آدم تنبأ على أنبياء إسرائيل" [2]. كان في إسرائيل أنبياء بالاسم لا بالحقيقة. أما اليوم فيوجد أيضًا في إسرائيل الحقيقية، أي الكنيسة، بعض الأنبياء والمعلمين الكذبة، الذين تخصهم كلمة الله بهذه النبوة. إن كانت كلمة الله تخصني، يلزمني أن أغير من حالي، بالابتعاد عن الرذائل، حتى لا أكون ممن يدينهم الكتاب المقدس هنا، بل أصير من معلمي الكنيسة الذين ينشرون كلمة الله بكل أمانة.
"تنبأ على أنبياء إسرائيل الذين يتنبأون،
وقل للذين هم أنبياء من وحيّ قلوبهم" [2-3]...
تشير كلمة الله هنا إلى معلمي الكنائس الذين يتكلمون بما يخالف الحق. الاتفاق مع تعاليم الروح القدس الذي نطق في التلاميذ هو تكلم لا من وحي القلب (الذاتي) بل حسب هذا الروح الذي نطق في بولس الرسول وبطرس الرسول وكل التلاميذ والرسل الآخرين.
أما إذا كنا نقرأ الإنجيل ونطبق مفاهيمنا الخاصة عليه دون أن نفهم مقاصد الله فعلًا، نصير أنبياء كذبة، نتكلم من وحي قلوبنا في الإنجيل.
أما الهراطقة... فإنهم يشرحون خرافاتهم عن الأيونات مستندين على الأناجيل والرسل، مفسرين ذلك من وحيّ قلوبهم لا بحسب الروح القدس. إنهم لا يستطيعون القول:
"لأنه من عرف فكر الرب فيُعَلِّمه؟!
وأما نحن فلنا فكر المسيح".
أو "نحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله
لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله" (1 كو 2: 12، 16)].
جاءت في الترجمة السبعينية:
"إنهم يجمعون قطعانا ضد بيت إسرائيل
الذين يقولون:
في يوم الرب لا يقوموا،
يرون رؤى باطلة" [5-6].
ويعلق العلامة أوريجاينوس على هذه العبارة، قائلًا: [إنهم يجمعون قطعانًا تنفصل عن كنيسة الله وعن بيت إسرائيل.
إنهم لا يقومون مع السيد المسيح... لأنهم يرون رؤى باطلة... لن يقوموا معه، لأن القائمين الحقيقيين يقولون: "فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة" (رو 6: 4).لأنه كما أخذنا "عربون الروح" (2 كو 1: 22) هكذا أخذنا عربون القيامة، إذ لم يقم أحد منا القيامة الكاملة...
إنهم لم يأخذوا بعد معمودية القيامة لأنهم معلمون وأنبياء كذبة... كل ما يرونه باطلًا؛ فلا يستطيعون أن يروا رؤى الحق... إنما لهم رؤى كاذبة للكتاب المقدس].
"لذلك ها أنا عليكم يقول السيد الرب، وتكون يدي على الأنبياء الذين يرون الباطل والذين يعرفون بالكذب" [8-9]. لقد أرادوا بالحكمة البشرية أن يكسبوا الناس ويخدَّروا ضمائرهم بالنبوة الكاذبة على حساب الحق الإلهي فيخسروا الرب كضد لهم، ويُنزعوا من الشعب نفسه "في مجلس شعبي لا يكونون وفي كتاب إسرائيل لا يكتبون وإلى أرض إسرائيل لا يدخلون، فتعلمون أني أنا السيد الرب. من أجل أنهم أضلوا شعبي قائلين: سلام وليس سلام" [9-10]. أرادوا بتملقهم للشعب أن ينطقوا بكلمات ناعمة أنهم في أمان وسلام، فيُحرمون من الشعب ومن المدينة ومن الأرض!
يقول القديس أمبروسيوس:[تجدون في الإنجيل سلامًا يرفضه المسيح، إذ يقول بنفسه: "سلامي أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا" (يو 14: 27) لأنه يوجد سلام لا يضع حجر عثرة، ويوجد سلام يضع ذلك. أما الذي لا يضع حجر عثرة فهو سلام الحب، والذي يُعثر هو سلام المظاهر (الرياء). لهذا يقول النبي: "سلام سلام وليس سلام" [10].
فلنهرب إذن من سلام الأشرار، لأنهم يتآمرون ضد البريء، ويجتمعون على مضايقة البار (حك 2: 12)، ويقهرون الأرملة ويسحقون اتضاعها].
إنهم ينطقون بالكلمات الناعمة...
وكما يقول العلامة أوريجينوس : [إنه عندما تُفتح الأسفار (دا 7: 10) بكلامنا نتبرر وبكلامنا نُدان (مت 12: 37) كقول السيد المسيح. فالمعلمون الكذبة يقدمون آراء فاسدة مهلكة تدينهم ولا تبررهم. وما يتم بالنسبة للكلام هكذا يتحقق بالنسبة للأعمال فإن "خطايا بعض الناس واضحة تتقدم إلى القضاء، وأما البعض فتتبعهم؛ كذلك أيضًا الأعمال الصالحة واضحة والتي هي على خلاف ذلك لا يمكن أن تُخفي" (1 تي 5: 24-25). كذلك بالنسبة للأفكار فإنها تشتكى أو تحتج (رو 2: 15). إذن لنحذر من كلماتنا وأعمالنا وأفكارنا لئلا تديننا كمعلمين كذبة!]
يقول القديس جيروم: [الذين جاءوا لحسابهم ولم يُرسلوا هم سراق ولصوص (يو 10: 8)].
صار هؤلاء الأنبياء الكذبة كالثعالب في الأماكن الخربة [4] التي تعرف بالخداع، يخربون المدينة تحت ستار "السلام" بدلًا من أن يبنوها بالمشورة الصالحة. عوض أن يقيموا "جدارًا لبيت إسرائيل للوقوف في الحرب في يوم الرب" [5] أي عوض أن يقيموا أسوارًا قوية لحمايتها، إذا بهم يملّطون الحوائط المنهارة بالطفال [10]، فيصير لها مظهر القوة لكن إلى حين، إذ سرعان ما تسقط الأسوار لأنه عندما تسقط الأمطار ينكشف الحائط الحقيقي، ويزول الطفال وتظهر حجارة الحائط أنها حجارة بَرَد تشققها العواصف وتُحطمها [11]. تزول طبقة الطفال الخادعة التي أقامها الأنبياء الكذبة وينهار السور تمامًا:
"لذلك هكذا قال السيد الرب: إني أشققه بريح عاصفة في غضبي، ويكون مطر جارف في سخطى، وحجارة برد في غيظي لإفنائه. فأهدم الحائط الذي ملطتموه بالطفال وألصقه بالأرض وينكشف أساسه فيسقط وتفنون أنتم في وسطه فتعلمون أني أنا الرب" [13-14]. هكذا يحل غضب الله على الذين ملطوه، وعلى الطفال الذي وضعوه والحائط نفسه.
ويلاحظ أن حزقيال النبي يلعب بالألفاظ إذ يقول: "فقل للذين يملطونه بالطفال tapel إنه يسقط napel " [11].
هذا الطفال، أي الكلمات اللينة المخادعة: "يرون لها رؤى سلام ولا سلام يقول السيد الرب" [16] وكما جاء في ميخا: "هكذا قال الرب على الأنبياء الذين يضلون شعبي الذين ينهشون بأسنانهم وينادون سلام" (مي 3: 5)، وفي إرميا: "لأنهم من صغيرهم إلى كبيرهم كل واحد مولع بالربح ومن النبي إلى الكاهن كل واحد يعمل بالكذب، ويشفون كسر بنت شعبي على عثم قائلين سلام سلام ولا سلام" (إر 6: 13-14).
ويرى العلامة أوريجينوس أن الثعالب تشير إلى الشياطين، إذ يقول المرتل: "يدخلون في أسافل الأرض، يدفعون إلى يدي السيف، يكونون نصيبًا للثعالب" (مز 63: 10-11). فإن الثعالب مفسدة للكروم (نش 2: 15)... وكأن هؤلاء الأنبياء إذ يخدمون لحساب مملكة إبليس يُحسبون جنوده أو كأنهم أرواح شريرة تفسد كرم الله.
يقول العلامة أوريجينوس: [ننتقل إلى آية أخرى توبخ هؤلاء الأنبياء والمعلمين الكذبة. وإني أطلب أن أُحفظ من هذا التوبيخ بفضل صلواتكم عني.
ما هو إذن هذا التوبيخ؟
"أنبياؤك يا إسرائيل صاروا كالثعالب في الخرب" [4]. الثعلب حيوان غير نافع، خبيث، متوحش ومفترس. يقول المخلص: "قولوا لهذا الثعلب: ها أنا أُشفي اليوم وغدًا وفي اليوم الثالث أكمل" (لو 13: 32).
احتاج شمشون إلى هذه الثعالب ضد الغرباء، إذ أمسك 300 ثعلبًا وربط أذيالهم، وجعلها مشاعل، ثم أطلقها لإحراق زرع الأعداء (قض 10: 24). هذه هي نوعية المعلمين الكذبة، إذ هم خبثاء وأشرار، يشبهون هذه الحيوانات.
إن كنت أنا هكذا فلا أكون فقط ثعلبًا وإنما أكون ثعلبًا في خرب.
هؤلاء المنافقون الخبثاء التافهون يسكنون القفار والخرب، ودائمًا هم في أماكن منعزلة (عن الله). إذا سكن الله في النفس، وامتلأت من الروح القدس، فلا يمكن أن تدخل إليها عقائد الهراطقة. أما إذا غاب عنها السيد المسيح ففي هذه الأماكن تنتشر سموم التعاليم الخاطئة الشريرة ].
2. النبيَّات الكاذبات:

ذكر الكتاب المقدس نبيات أعطيت لهن مواهب مقدسة مثل مريم النبيه أخت هرون التي خرجت تضرب بالدف وسط النساء ترنم تسبحة النصرة بعد عبور البحر الأحمر (خر 15: 20)، ودبورة القاضية (قض 4: 3-4)، وزوجة إشعياء (إش 8: 3)، وخلدة النبية (2 مل 22: 14) وحنة بنت فنوئيل (لو 2: 36) وأربع بنات فيلبس المبشر (أع 21: 9). أما هنا فيتحدث حزقيال النبي عن النبيات الكاذبات اللواتي حولن كلمة الرب إلى تجارة ومكسب مادي: "أفتصطدن نفوس شعبي وتستحيين أنفسكن، وتنجسنني عند شعبي لأجل حفنة شعير ولأجل فتات من الخبز لإماتة نفوس لا ينبغي أن تموت واستحياء نفوس لا ينبغي أن تحيا بكذبكن على شعبي السامعين للكذب" [18-19]. إنها تجارة رديئة، تُباع النفوس بثمن بخس، من أجل حفنة شعير أو فتات من الخبز، يسلمن النفوس البريئة للموت، ويبرئن النفوس الشريرة المستحقة للموت.
إنهن يصطدن النفوس البشرية بالكلمات الناعمة اللينة كالوسائد لكل رأس، وكأنها تنصب الفخاخ لتصطاد طيورًا. لهذا يتدخل الرب من أجل اسمه الذي يتنجسن إياه هؤلاء المخادعات، ومن أجل النفوس المسكينة التي تسقط ضحيتهن، فيمزق الرب وسائدهن وينقذ الشعب من فخاخهن.
جاءت في الترجمة السبعينية: "ويل للواتي يُخطن وسائد لاصطياد النفوس" [18].

هؤلاء كما يقول القديس أمبروسيوس: [يخطن القديم بالجديد... لكن قد جاء مسيحنا الذي صنع كل شيء جديدًا (رؤ 21: 5)، لأنه هو القيامة (يو 11: 25) بكر الراقدين (كو 1: 18)، لا يتركنا في إنساننا القديم بحرفه القاتل.]
من وحي حزقيال 13

وصيتك لكل نفس!

* قدمت وصيتك لي ككاهن،
وتقدمها للشعب أيضًا!
نفسي ثمينة جدًا في عينيك،
سواء كنت سيدًا أو عبدًا،
شيخًا أو شابًا أو طفلًا،
رجلًا أو امرأة!
محبتك عجيبة لكل نفس بشرية يا سيدي!
* تحذرني من الأنبياء الكذبة والنبيات المخادعات،
وفي نفس الوقت تسألهم التوبة والرجوع إليك!
تكره الخداع، لكنك تطلب نفوس المخادعين!
تكره الهرطقات والبدع، لكنك تشتهي توبة الهراطقة!
عجيب أنت يا مخلص العالم!
* هب لي ألا أسقط في خداع الكلمات الناعمة،
ولا أتكئ على وسائد المعلمين الكذبة،
ولا أثق في عذوبة لسانهم المملوء سمًا قاتلًا!
* احفظني لئلا تخدعني أفكاري أو كلماتي أو أعمالي!
فأني أُعطي حسابًا عن كل فكر باطل،
وعن كل كلمة عقيمة،
وكل عمل لا نفع له!
  رد مع اقتباس
قديم 25 - 01 - 2023, 03:59 PM   رقم المشاركة : ( 16 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,204,095

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حزقيال

تفسير سفر حزقيال


المسئولية الفردية

إذ تحدث عن ضرورة قبول مشورة الأنبياء الحقيقيين ورفض كلمات الأنبياء الكذبة والنبيَّات المخادعات، بدأ يوضح الحاجة إلى شعبٍ مقدس يسأل النبي الحقيقي بقلب تائب، فيستجيب لهم الرب. فالسائل ينبغي أن يكون مقدسًا والنبي كذلك. فإن أخطأ السائل يُحاسب على خطيئته، وأيضًا إن ضل النبي يُلزم العقاب عن ضلاله.
1. إثم السائل الشخصي:

عندما جاء رجال من شيوخ إسرائيل وجلسوا أمامه يسألون، صارت إليه كلمة الرب: "يا ابن آدم هؤلاء الرجال قد أصعدوا أصنامهم إلى قلوبهم ووضعوا معثرة إثمهم تلقاء أوجههم، فهل أُسأل منهم سؤالا؟!" [3]. حقًا لقد جاءوا يسألون الله لا الأصنام، يسألونه خلال حزقيال نفسه النبي الحقيقي، لكن كيف يستجيب الله لسؤال من قد عبد الأوثان في قلبه؟! لقد صار إثمهم غير المنظور معثرة يغلق باب استجابة الله في وجوههم. إنه يجيب لا حسب قلب النبي بل حسب كثرة أصنامهم؟ التي ملكت قلوبهم [4-5].
لقد توقف عن إجابتهم لكي يثير فيهم روح التوبة... "توبوا وارجعوا عن أصنامكم، ومن كل رجاساتكم اصرفوا وجوهكم" [6]. إنه يتحدث معهم بكل صراحة أنه لن يجيبهم حتى يطردوا أصنامهم من قلبهم لكي يعود فيملك الرب نفسه في القلب.


2. إثم النبي الشخصي:

"فإذا ضل النبي وتكلم كلامًا، فأنا الرب قد أضللت ذلك النبي، وسأمد يدي عليه وأبيده من وسط شعبي إسرائيل، ويحملون إثمهم. كإثم السائل يكون إثم النبي" [9-10]. ليس لديَّ محاباة إن أخطأ السائل أجازيه حسب قلبه الشرير، وإن أخطأ النبي أجازيه حسب قلبه. الله يُدين الكاهن كما الشعب، الخادم كما المخدومين.
3. التزام الإنسان بتصرفاته:

كانت كلمة الله له: "يا ابن آدم إن أخطات إليَّ أرض وخانت خيانة، فمددت يدي عليها وكسرت لها قوام الخبز وأرسلت عليها الجوع وقطعت منها الإنسان والحيوان، وكان فيها هؤلاء الرجال الثلاثة نوح ودانيال وأيوب فإنهم إنما يخلصون أنفسهم ببرهم يقول السيد الرب" [13-14].
يقول "إن أخطأت إليّ الأرض"، ماذا يعني بالأرض؟
أ. يرى العلامة أوريجينيوس أنه لا يُقصد بها سكان الأرض.
ب. في رأيه أن كل خاطئ يُحسب أرضًا: [يُدعى الخاطئ أرضًا، لأنه قيل لآدم: "أنت أرض وإلى أرض تعود" (تك 3: 19). هكذا نستطيع القول بإن ارتكاب الخطية يجعل الخاطى أرضًا... عندما تنظر الأرض الله تتزلزل وتضطرب... ونحن أيضًا كالأرض نرتجف ونضطرب بسبب خطايانا].
لقد أكد الرب أنه إن أخطات الأرض وخانته فضربها بالجوع وكان بها هؤلاء الثلاثة "نوح ودانيال وأيوب" فلن يُخَّلصوا أحدًا إنما تخلص نفوسهم ببرهم. ثم عاد فأكد أنه إذا ضربت الأرض بالوحوش المفترسة الرديئة فأثكلت سكانها فلن يُخَّلص هؤلاء الرجال البنين ولا البنات. مرة ثالثة إن جلب الرب سيفًا يقطع به الإنسان والحيوان من الأرض فلا يخلص هؤلاء الثلاثة البنين أو البنات. وأخيرًا للمرة الرابعة إن جلب على الأرض وباء وسكب غضبه عليها بالدم فلن يخلص هؤلاء ابنا ولا ابنة، إنما يخلصون أنفسهم ببرهم. وكأن الرب - في سفر حزقيال - كان على الدوام يؤكد مسئولية الإنسان الشخصية عن إيمانه وحياته، فقد رأينا السائل (الشعب) يحمل إثم نفسه، والنبي أيضًا، وهنا يؤكد أنه إن وجد إنسان بار يخلص لكنه لا ينقذ حتى ابنه أو ابنته إن كان الأولاد لا يسلكون في البر كآبائهم. فإن كان هذا الجيل من نسل إبراهيم أب الآباء ورجل الإيمان، فهو لا ينفعهم شيئًا، وإن كان الجيل الذي سبقهم قد انحرف إلى العبادة الوثنية فهذا لا يلزمهم بالغضب الإلهي، إنما يُطالبون عن أنفسهم... هذا ما سيعود فيؤكده بأكثر إيضاح في الأصحاح الثامن عشر.
على ضوء هذا الأصحاح نفهم دور القديسين في حياتنا
إذ يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن كنا مهملين لا نستطيع أن ننال خلاصنًا ولا بمساعدة الآخرين... أقول هذا لا لكي أنفي طلبات القديسين إنما لكي أوقف إهمالكم واكتفاءكم بالاتكال على الآخرين وأنتم مطروحون على ظهوركم]،
كما يقول: [ما أعظم بركات صلوات القديسين إن كنا نحن أيضًا نعمل].
لقد كانت الشفاعة عن الشعب جزءًا حيًا من عمل الأنبياء والكهنة فصموئيل النبي يقول: "وأما أنا حاشا لي أن أخطئ إلى الرب فأكف عن الصلاة من أجلكم" (1 صم 12: 23). وفي المصفاة إذ هاج الفلسطينيون عليهم قالوا لصموئيل: "لا تكف عن الصراخ من أجلنا إلى الرب إلهنا فيخلصنا من يد الفلسطينيين" (1 صم 7: 8). وأيضًا موسى كان يشفع في شعبه حتى قال الرب له: "اتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم فأصيَّرك شعبًا عظيمًا" (خر 32: 10)... صلوات القديسين تسند النفس المجاهدة الراغبة في التوبة، أما إذا أصرت على عنادها فلا نفع لها، إذ يقول الرب لإرميا النبي: "وأنت فلا تصلِ لأجل هذا الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة ولا تلح عليَّ لأني لا أسمعك" (إر 7: 16، 11: 14). الله الذي قال: "أحامي عن هذه المدينة لأخلصها من أجل نفسي ومن أجل داود عبدي" (2 مل 19: 14) وفي أيام حزقيا الملك البار لم ينطق بهذا في أيام الشر المتكاثر حين أسلم المدينة لنبوخذنصَّر.
لماذا اختار هؤلاء الرجال: نوحًا ودانيال وأيوب؟

ربما لأنهم يمثلون عّينة من رجال أبرار عاشوا في وسط أشرار، فنوح عاش وسط جيل فاسد استحق الطوفان، وأيوب احتفظ ببره وسط جو وثني، أما دانيال فإما قُصد به دانيال الذي عاش مع الثلاث فتية في أرض السبي طاهرًا وهو بعيد عن كل إمكانيات الحياة المقدسة أو ربما قصد به دانيال الوارد في ألواح راس شمرا Ras-shamra التي ترجع إلى حوالي 1400 ق.م.، كان رجلًا حكيمًا، وقاضيًا فينيقيا، يحكم بالعدل في قضايا الأرامل والأيتام.

بهذا يكون الرب قد وبخ هذا الشعب اليهودي إذ قدَّم ثلاث رجال أبرار ليسوا عبرانيين هم نوح وأيوب قبل إبراهيم ودانيال رجل فينيقي، وكأن الله يؤكد لهم عدم محاباته. إنه يُريد خلاص كل نفس مهما يكن جنسها مادامت تتجاوب مع محبته ووصيته.
ويرى القديس أغسطينوس أن هؤلاء الرجال يمثلون رموزًا، إذ يقول: [قدم الله في هؤلاء الرجال الثلاثة بلا شك رموزًا للدرجات الثلاث من الناس الذين يخلصون].
أعتقد أن نوحًا يمثل قادة الأمم الأبرار بسبب تدبيره الطوفان كرمز للكنيسة، ودانيال يمثل الأبرار في الطهارة، وأيوب يمثل الأبرار المتزوجين.
ويرى العلامة أوريجانوس أن كل واحد من الثلاثة مرّ بمراحل ثلاث: فترة سعادة يلحقها مرحلة من الحزن والألم ثم عودة إلى الفرح والسعادة.

هكذا يبدأ الإنسان حياته الروحية بتعزيات إلهية يلحقها طريق ضيق ومتاعب تدخل به إلى أمجاد روحية جديدة... هذا هو طريق الصليب الممجد، أو طريق الشركة مع المسيح المتألم القائم من الأموات، أو طريق الخلاص.
أما العقوبات المُرَّة التي يسقط تحتها الإنسان بسبب خطاياه فهي أربعة:
أ. الجوع الذي يقطع الإنسان والحيوان عن الأرض [13].
ب. الوحوش الرديئة التي تُحوِّل الأرض خرابًا وتُثكل الأمهات [15].
ج. السيف الذي يقطع الإنسان والحيوان عن الأرض [17].
د. الوبأ الذي يسكب غضب الله على الأرض بالدم [19].
أما ذكره "الإنسان والحيوان"، فلأن الإنسان يشير إلى الجانب العقلي أو النفسي، والحيوان إلى الجانب الجسدي، وكأن الخطيئة وهي تحرم الإنسان من الله إنما تفقده البركات الروحية والزمنية، أو بركات النفس الداخلية والجسد أيضًا.
الجوع، وفقدان الأمان (الوحوش الرديئة)، ونزع السلام (السيف)، والحرمان من الصحة (الوباء) إنما هي ثمار طبيعية يجتنيها الإنسان من الخطيئة التي تعزله عن الله مصدر شبعه وأمانه وسلامه وصحته.

لهذا إذ يشعر القديس أغسطينوس بالجوع والقلق يلجأ إلى الله، مناجيًا إياه:
[إلهي... لقد جعلت نفسي قادرة على أن تسع جلالك غير المحدود، لئلا يكون لها شيء يقدر أن يملأها سواك!
إلهي... إنك صنعتنا لأجلك... لذلك يبقى قلبنا مضطربًا، قلقًا، عديم الراحة على الدوام حتى يستريح بك].
هذه الضربات بما تحمله من رموز إنما تمثل جوانب أربعة نتيجة لعمل الخطيئة في حياة الإنسان هي: الجوع بسبب فقدان معرفة الحق، الوحوش الرديئة التي تمثل سيطرة الشياطين على النفس فتقتل كل فضيلة فيها وتجعل النفس كالأم الثكلى بلا رجاء، والسيف إذ يفقد الإنسان حيويته فيصير كالقتيل بلا نفع، وأخيرًا الوبأ إذ يصير الإنسان جرثومة فساد يُحطم من هو حوله. وكأن الضربات ترمز إلى حرمان الإنسان من الحق وخضوعه لسيطرة إبليس، وحرمانه من كل حيوية وصيرورته بؤرة فساد للآخرين!
4. اهتمام الله بالبقية التائبة:

في كل مرة يتحدث الله عن تأديب شعبه
أو غضبه بسبب خطاياهم المتكاثرة
لا ينسى أن يؤكد اهتمامه بالبقية القليلة التائبة.
من وحي حزقيال 14

أخطأت! أخطأت!


* إلهي... ما أصعب على نفسي أن تعترف!
اكشف لي أعماقي الخفية فأصرخ:
أخطأت! أخطأت!
* قديمًا كان الشعب يلقى باللوم على الكهنة،
وكان الكهنة يلقون اللوم على الشعب،
وكل جيل يحسب أنه يُعاقب عن أخطاء آبائه.
لكنني أعترف لك:
أخطأت! أخطأت!
* أبي لن يشفع في إن أهملت خلاصي!
وأنا لا أعاقب عن ضعفاته!
اعترف لك بمسئوليتي الشخصية!
أخطأت فسامحني واغفر لي!
* موسى النبي شفع عن شعبه،
وصموئيل النبي لم يكف عن الصلاة من أجلهم،
إننا محاطون بسحابة من الشهود،
يشفعون ويصلون لأجلنا ويسندوننا!
علمني أن أهتم بخلاص نفسي،
فتكون السحابة بحق سندًا لي!
* أشكوك نفسي فقد حطمتني الخطية:
حلت بي مجاعة في كلمة الرب!
وصرتُ قفرًا يسكنني الأفكار الشريرة كوحوش رديئة!
ضرب سيف الخطية أعماقي محطمًا طاقاتي!
صرت بخطيتي كوباء مفسد لمن هم حولي.
أعترف لك بخطيتي،
فأنا وحدي المدين!
خلصني... انقذني!
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 01 - 2023, 01:50 PM   رقم المشاركة : ( 17 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,204,095

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حزقيال

تفسير سفر حزقيال



عود الكرم

الكرمة الإلهية



كثيرًا ما يناجي الله شعبه بكونه كرمته الإلهية التي غرسها بيمينه ورعاها بنفسه ولم يدعها في عوز إلى شيء. اختار الله الكرمة لأنها بين الأشجار الأخرى تُعتبر صغيرة، لينة العود... لا يصلح خشبها كألواح لأغراض البناء ولا كأوتار ودعامات للخيّم، ولا حتى كوقود، إذ تلتهمها النار بكليتها في لحظات... إن ميزتها الوحيدة تقريبًا هي الثمر المتكاثر. فإن لم تثمر لا تصلح لشيء بالمرة. هكذا ما يطلبه الله من كنيسته: ثمر الروح النفيس.
ففي إشعياء النبي يعلن أنه أقامها على أكمة خصبة، نقبها ونقى حجارتها وبنى برجًا في وسطها ونقر فيها معصرة (إش 5: 1-2). لقد وهبها كل إمكانية للإثمار، سيَّج حولها بروحه القدوس وأزال عنها الطبع الحجري، ووهبها برج المعرفة الإلهية... وانتظر منها ثمرًا جيدًا فإذا به عنب رديء. لهذا يعاقبها قائلًا: "والآن يا سكان أورشليم ورجال يهوذا احكموا بيني وبين كرمي، ماذا يُصنع أيضًا لكرمي وأنا لم أصنعه له؟! لماذا انتظرت أن يصنع عنبًا صنع عنبًا رديئًا؟! فالآن أعرّفكم ماذا أصنع بكرمي: أنزع سياجه فيصير للرعي، أهدم جدرانه فيصير للدوس وأجعله خرابًا لا يقضب ولا ينقب، فيطلع شوك وحسك وأوصي الغيم أن لا يمطر عليه مطرًا. إن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل، وغرس لذته رجال يهوذا، فانتظر حقًا فإذا سفك دم، وعدلًا فإذا صراخ" (إش 5: 3-7).
مرة أخرى يصف المرتل شعب الله ككرمة الرب التي رعاها بيمينه لكنها لم تحتفظ بكيانها... إذ يقول: "كرمة من مصر نقلت، طردت أممًا وغرستها، هيأت قدامها فأصَّلت أصولها فملأت الأرض. غطى الجبال ظلها وأغصانها أرز الله. مدت قضبانها إلى البحر وإلى النهر فروعها. فلماذا هدمْتَ جدرانها فيقطفها كل عابري الطريق، يفسدها الخنزير من الوعر، ويرعاها وحش البرية؟!" (مز 80: 8-13).
هذا ما حدث حرفيًا مع شعب إسرائيل كما يحدث رمزيًا في حياة الكثيرين فمن الناحية الحرفية أقام الرب شعبه في مصر كأول نبتة على مستوى أمة خاصة به، ثم نقلها من هناك على يدي موسى بيد رفيعة وذراع قوية. طرد الكثير من الأمم من أمام وجهها لتقطن في أرض الموعد، فتزايد شعبها وكثر عددهم وملأت أرض الموعد، واحتضنت جبال إسرائيل وأرز لبنان، امتدت شرق البحر الأبيض إلى نهر الأردن... لكنها إذ انحرفت عن الله هدم الرب سورها ودخل إليها كثير من الغرباء يذلونها، وصارت نجسة بدخول العبادات الوثنية إلى هيكلها، وعوض رعاية الرب لها صار وحش البرية في داخلها يفترس أولادها.
أما من الناحية الرمزية فإن المؤمن وهو مغروس في مصر (العالم) يعبر به الرب إلى أورشليم العليا، ويدخل به إلى السمويات على يدي السيد المسيح نفسه بيد قوية. يطرد من أمامه كل قوات الظلمة فلا يكون لها موضع في قلبه ويعيش ملكًا، له سلطان أن يدوس على الحيات والعقارب، يحتضن في داخله الجبال المقدسة (أنبياء العهد القديم ورسل العهد الجديد) وأرز الله إذ يدخل في شركة مع القديسين الذين يعيشون في استقامة الأرز. تمتد حياته إلى البحر والنهر أي إلى مجاري المياه المقدسة، أو نهر المعمودية المبارك لكي تعيش على روح الله القدوس كسر استنارتها ونموها الدائم. مثل هذه النفس إن لم تثبت فيما وهب لها حتى النهاية تضيع فتصير ألعوبة الشيطان!! لهذا يحذرنا الرسول بولس "إذا من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقط" (1 كو 10: 12).
عود الكرم:

إن كانت كنيسة العهد القديم كما العهد الجديد قد دعيت بالكرمة بين شجر الوعر، لأنها حملت عنقود الحياة - رب المجد يسوع - الذي هو سر فرحنا وتهليلنا. حملت ثمرًا بين أشجار الوعر غير المثمرة، فإنه في هذا الأصحاح دعى الشعب القديم بعود الكرم فوق كل عود أو فوق القضيب الذي من شجر الوعر. أنه غصن الكرمة الذي كان يلزم أن يكون حاملًا للعنقود، لكنه للأسف إذ قطع عن الأصل صار جافًا وبلا عمل. لقد جف وأكلته النار من طرفيه كما حرق وسطه، فهل يصلح لعمل ما؟! "هوذا حين كان صحيحًا لم يكن يصلح لعمل ما، فكم بالأحرى لا يصلح بعد لعمل ما، إذ أكلته النار فاحترق؟!" [5].
أولًا: قد قُطع عن الأصل، ففقد حياته ولم يعد يصلح بعد إلا للحرق بنار الدينونة
وكما يقول القديس أغسطينوس: [الغصن يناسب فقط أحد أمرين: أما الكرمة وإما النار. فإن لم يكن ثابتًا في الكرمة يكون نصيبه النار. وإن أراد أن يهرب من الموضع الأخير يلزم أن يكون له موضعه في الكرمة].
ثانيًا: احتراق طرفيه هو إشارة إلى ما أصاب هذا الشعب بسبب خطاياه، فقد سقطت مملكة الشمال عام 721 ق.م. في السبي البابلي، ومملكة الجنوب في أول سبي لها حوالي عام 597 ق.م. لقد أصابها اعتزالها الله نفسه، الاحتراق الداخلي بسبب الخطيئة. لهذا لا بُد أن يتم الاحتراق الكلي.
من وحي حزقيال 15

ثبتني فيك أيها الكرمة الحقيقية!


* ثبتني فيك أيها الكرمة الحقيقية،
فبدونك أجف ولا أصلح حتى للحريق!
* هوذا أنا قصبة مرضوضة، فلا تقصفني!
أصلح حالي بلمسات يدك الشافية!
هب لي روحك القدوس عاملًا فيّ!
عوض الجفاف احمل ثمار الحية
وعوض الموت أتنسَّم حياة أبدية!
* رويت كرمك بدمك الثمين،
غرست كنيستك كرمة صالحة،
حوطتها بأسوار روحك القدوس،
وقدمت لها كل إمكانية للإثمار!
لتعمل فأحمل ثمرك في داخلي أيها القدوس!
  رد مع اقتباس
قديم 27 - 01 - 2023, 02:37 PM   رقم المشاركة : ( 18 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,204,095

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حزقيال

تفسير سفر حزقيال




قصة العروس الخائنة




بعد أن تحدث عن المسئولية الشخصية لكل إنسان عن خطاياه، سواء على مستوى الشعب أو الأنبياء، قدم لنا في هذا الأصحاح صورة حياة الشعب -كما النفس البشرية- الفاسدة، وعمل الله معه، واختياره كعروس له، ومقابلة هذا الحب الإلهي بالخيانة والزنا.

يقول العلامة أوريجانوس : [إننا نشبه عبيدًا لدى سيد واحد، نرى العبد رفيقنا والسابق لنا في منزل سيده قد أخطأ فعوقب وعندما سلك كما يليق أُمتدح، فنتعظ منه. هكذا يقدم لنا الكتاب المقدس أورشليم مثلًا يلزم أن تنتفع به كنيسة العهد الجديد حتى تتجنب أخطاءها ولا تسقط فيما سقطت فيه].




1. أورشليم الفتاة المزدرى بها:

إن كان هذا الأصحاح في الحقيقة يمثل أنشودة الخلاص المجاني الذي قدمه لنا الله بالرغم من خطايانا ونجاسات قلبنا، ويبقى يقدمه لنا كل أيام غربتنا حتى يدخل بنا كعروس مقدسة للسيد المسيح، فإن بدء هذه الأنشودة هو "اكتشافنا خطايانا" لكي نتقبل عمله فينا. تبدأ كلمات الرب هكذا: "يا ابن آدم عّرِف أورشليم برجاستها" [2]. هذا هو الطريق الذي هيأه القديس يوحنا المعمدان للسيد المسيح، حينما جاء يكشف عن الضعف البشري، لكي يقبل الخطاة ذبيحة المسيح الكفارية.
هذا هو عمل الروح القدس فينا، يفضح ضعفاتنا أمام بصيرتنا الداخلية فنعترف بها
وكما يقول القديس أنبا أنطونيوس الكبير: [إذا أسلمت النفس ذاتها للرب بكل قوتها فإن الله الصالح يظهر لها هذه الأوجاع والعيوب واحدة واحدة لكي تحيد عنها].
ويقول القديس مار أفرام السرياني: [لا تستطيع أن تصغي لكلماته وأنت بعد لم تعرف ذاتك].
ما هي رجاستها؟ "قل هكذا قال السيد الرب لأورشليم: مخرجك ومولدك من أرض كنعان أبوك أموري وأمك حثية" [3]... كان يهوذا وأيضًا إسرائيل يفتخران أنهما من نسل إبراهيم، جنس مختار. لكن الرب يعلن لأورشليم أنها لم تخرج من صلب إبراهيم روحيًا ولا ولدت منه، بل من أرض كنعان، أبوها أموري وأمها حثية. لقد سقطوا في خطايا الأموريين والحثيين وارتبطوا بهم من خلال الشر، فنزعت عنهم بنوتهم لإبراهيم أبي المؤمنين، بل ونزع عنهم انتسابهم لله، وصاروا بالحق أبناء هذين الشعبين.
وكما يقول العلامة ترتليان: [إنهم ليسوا من سلالة هذين الشعبين، إنما دعوا أولادًا لهما بسبب تشبههم بشرهما، هؤلاء الذين دعاهم قديمًا أبناء له بإشعياء النبي، قائلًا: "ربيت بنين ونشأتهم" (إش 2: 1)].
ويقول القديس أغسطينوس: [إذ كان الأموريون والحثيون أشرارًا، وقد تمثل اليهود بهم في شرهم وجدوا فيهم والديْن لهم، ليس لأنهم ولدوا منهم وإنما لأنهم اشتركوا معهم في دينونتهم إذ سلكوا في عاداتهم ].
ويقول العلامة أوريجانوس: [ارتكبت أورشليم مثل هذه الخطايا (عبادة الأوثان) فلا تستحق أن تدخل في وعود الله].
لقد صارت كنعانية أمورية الأب، حثية الأم، خارج دائرة المواعيد الإلهية. هكذا من يقبل التعاليم الغريبة والفلسفات الكاذبة، بعيدة عن روح الكتاب المقدس يبقى خارجًا، فلا يُحسب أورشليم المقدسة بل كنعانيًا أو أموريًا أو حثيًا!
لاحظ العلامة أوريجانوس أنه عند توبيخ أورشليم ذكر الرب أن والدها من جنسية (أموري) ووالدتها من جنسية أخرى (حثية)، لأنه حيث توجد الخطية يوجد انقسام وانشقاق وتفريق، وحيث الفضيلة توجد الوحدة، إذ يقول: [حيث توجد الخطايا تكون العثرة والانفصال والهرطقات والخلافات؛ وحيث الفضيلة فهناك الوحدة والاتحاد، حيث يكون المؤمنون بقلب واحدٍ وروح واحدة. لنقل في صراحة إن أصل الشرور هو الكثرة وبداية الصلاح أن نحيا في وحدة... فتكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدة. لكن إن كنا غير متحدين فنقول: أنا لبولس وأنا لأبولس وأنا لصفا... بجانب هذا نكون منقسمين ومنفصلين ولا نصل إلى موضع من جمعتهم الوحدة وكما أن الآب والابن واحد كذلك يكون واحدًا جميع الذين لهم روح واحدة ].
أما عن بدء ارتكابها الرجاسات فهو كما يقول: "أما ميلادك يوم ولدت، فلم تقطع سرتك، ولم تُغسلي بالماء للتنظف، ولم تملحي تمليحًا، ولم تقمطي تقميطًا. لم تشفق عليك عين لتصنع لك واحدة من هذه لترق لك. بل طُرحت على وجه الحقل بكراهة نفسك يوم وُلدت" [4-5]. كان الطفل حديث الولادة يُدلك بالملح بخفة ويُقمط وتترك يداه ورجلاه مقمطة لعدة أيام. كانت الأمهات يعتقدن أنه بهذا يصير أطفالهن أقوياء، محفوظين من أي ميكروب. هذه هي عادة الشرق قديمًا، لذا نسمع عن السيدة العذراء أنها قمطت الطفل يسوع.
عدم تقميط الطفل أو تمليحه يعني أنه طفل غير مرغوب فيه. إنها صورة مؤلمة للجنس البشري كله إذ يولد الإنسان ورجاساته تعمل في داخله، ليس من يقدر من البشر أن يغسل أدناسه أو يستر عليه بقماط أو يحمله من عاره! لهذا يصرخ المرتل قائلًا: "هآنذا بالإثم صورت، وبالخطية حبلت بي أمي" (مز 51: 5)، ويقول إرميا النبي: ملعون الرجل الذي يتكل على الإنسان ويجعل البشر (الجسد) ذراعه وعن الرب يُحيد قلبه" (إر 17: 5)... هكذا يشعر الإنسان بالعجز الكامل عن التقديس، ليس من يسنده ولا من يُعينه، لهذا كان لا بُد لله نفسه أن يتدخل.
يرى بعض الآباء في قوله "لم تقطع سرتك" إشارة إلى الخطيئة الأولى حين سقطت حواء في النهم وأغوت رجلها معها، وإلى خطيئة الانشغال بالأكل والشرب التي سقط فيها الشعب اليهودي كقول الرسول: "كما هو مكتوب جلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب" (1 كو 10: 7، خر 32: 6).
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [حقًا إن آدم بعد ضبطه لبطنه طرد من الفردوس، ولنفس السبب حدث الطوفان في أيام نوح...].

كما يقول: [ليس الجسد ولا الطعام من الشيطان. بل الترف وحده، فعن طريقه يُقدم الشيطان الخبيث شروره بلا عدد. بهذا يصير له ضحايا من كل البشر ].

يقول الأنبا موسى الأسود: [اعلم يقينًا إن كل إنسان يأكل ويشرب بلا ضابط ويحب أباطيل هذا العالم أنه لا يستطيع أن ينال شيئًا من الصلاح بل ولن يدركه لكنه يخدع نفسه].

ويقول مار إسحق السرياني: [جالس الضباع ولا تجالس الشره الذي لا يكتفي(140)].
2. الله يخطبها لنفسه عروسًا:

يؤكد الرب للنفس البشرية: "فمررت بكِ ورأيتكِ مدوسة بدمك... فمررت بكِ ورأيتكِ وإذا زمنك زمن الحب" [6-8]. مرّ عليها السيد فوجدها عريانة، ليس من يستر عليها. فتقدم إليها بالحب وخطبها عروسًا له: "فبسطت ذيلي عليكِ وسترت عورتكِ، وحلفت لكِ، ودخلت معكِ في عهد يقول السيد الرب فصرتِ لي" [8]. لم يستنكف القدوس من أن ينزل إلينا في أرض الشقاء، ويمد يده إلى ضعفنا ليهبنا الاتحاد معه، مقدمًا ذاته عريسًا لنا، لنكون عروسًا له.
في هذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما قلت إن ذاك الذي هو عظيم وقوى، هكذا رغب في زانية، وإنني أتكلم عن الطبيعة البشرية تحت ذلك الاسم "زانية" إن كان إنسان يرغب في زانية فإنه يُدان، فكيف يرغب الله في زانية حتى يصير عريسًا لها؟! ماذا يفعل؟! إنه لم يرسل إليها واحدًا من خدامه لا ملاكًا، ولا رئيس ملائكة، ولا شاروبًا ولا ساروفًا، بل نزل بذاته ذاك الذي يحبها مقتربًا إليها... فطالما تعجز هي عن أن تصعد إلى العلي نزل هو على الأرض، جاء إلى الزانية ولم يخجل أن يمسك بها وهي في سكرها... وكيف جاء؟ جاء ليس (معلنًا) جوهر طبيعته بطريقة مجردة، إنما صار مثلما الزانية عليه (فيما عدا الخطية)، لا بحسب النية بل بالحقيقة صار مثلها، حتى لا ترتعب منه عندما تراه فتجري وتهرب!! جاء إلى الزانية وصار إنسانُا!...].

ماذا قدم لها الله؟

"فحممتك بالماء وغسلت عنك دماءك، ومسحتك بالزيت.
وألبستك مطرزة ونعلتك بالتُخس وأزرتك بالكتان وكسوتك
بزًا، وحليتك بالحلي، فوضعت إسورة في يديك وطوقًا في
عنقك، ووضعت خزامة في أنفك وأقراطًا في أذنيك وتاج
جمال على رأسك، فتحليت بالذهب والفضة ولباسك الكتان
والبز والمطرز، وأكلت السميذ والعسل والزيت، وجملت جدًا
جدًا فصلحت لمملكة، وخرج لك اسم في الأمم لجمالك لأنه
كان كاملا ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد الرب" [9-14].
إنها صورة رائعة لعمل السيد المسيح معنا. خاصة من خلال مياه المعمودية المقدسة ومسحة الميرون وسر الإفخارستيا، وقد سبق لنا تفسير هذا النص في كتابنا "الروح القدس بين الميلاد الجديد والتجديد المستمر".
لقد دخل بها إلى مياه المعمودية المقدسة لكي يغسلها من دماء خطاياها [9].
وكما يقول القديس أغسطينوس: [بميلادنا من الماء والروح القدس نتطهر من كل خطيئة، سواء كانت من آدم الذي به خطيء الكل أو بفعلنا وقولنا، لأننا نغتسل منها في المعمودية ].
يدهنها بزيت المسحة المقدسة فتصير بروحه القدوس في ملكيته، لها ختم الروح. يلبسها ثياب البرّ، تحتذي لتسلك طريق الله. تلبس الكتان علامة النقاوة والطهارة، والبز علامة البرّ. يقدم لها حليًا ليست من هذا العالم، لكنه عربون الروح الذي يكسب النفس جمالًا، يضع أسوره في يديها وطوقًا في عنقها وخُزامة في أنفها وأقراطًا في أذنيها وتاج جمال على رأسها، ما هذه إلا أعمال الروح القدس في حياتنا الداخلية إذ تقدس كل حواسها وطاقاتها لحساب الملكوت، فتمتد يدها للعمل بلا كسل، وينحني عنقها لحمل أثقال الآخرين بفرح، وينفتح أنفها لتشتم رائحة السماء وتتزين أذناها بسماع الوصايا الإلهية، أما تاج جمالها فهو السيد المسيح نفسه الذي يملأ فكرها ويدبر كل تصرفاتها. هذا هو عمل الله فينا! إنه يقدم لنا الذهب والفضة، أي يقدم لنا "الحياة السماوية" التي يُشار إليها بالذهب، وكلمة الله التي هي مصفاة سبع مرات كالفضة. يشبع نفوسنا بالجسد المقدس ولا يتركنا جائعين إلى شيء! بهذا تجمل النفس جدًا جدًا وتصلح أن تدخل مملكة عريسها كملكة مزينة ببهاء عريسها الكامل الذي يسكبه عليها، ويصير لها اسم هو اسم مسيحها القدوس.
3. خيانتها له:

بعد أن قدم الرب للنفس كل هذه الإمكانيات، إذا بها تخونه، إذ يقول لها: "فاتكلت على جمالك وزنيت على اسمك وسكبت زناك على كل عابر فكان له" [15].
هنا يتحدث عن الزنا الروحي، الذي هو انحراف النفس وراء عريس آخر غير عريسها، وارتباطها بالأمور الزمنية على حساب علاقتها بالله.
في هذا يقول العلامة أوريجانوس: [الزنا بمعناه الواسع يحوي كل صور الخطيئة، فإنه يوجد زنا بمعنى أنه عندما تدخل النفس في علاقة متبادلة مع الرب الكلمة وتتحد معه بنوع من الزواج ثم تفسد وتتدنس بآخر، هو عدو ذاك الذي ملك عليها بالإيمان - كلمة الله - الذي هو الرب يسوع، عريس النفس العفيفة والطاهرة وقرينها. وكما يقول الرسول: "لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح، ولكنني أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح" (2 كو 11: 2). إذًا مادامت النفس متحدة بعريسها وتسمع كلماته وتتعلق به تنال منه ثمر الكلمة... فإذا كانت النفس تحبل من أعمال المسيح تلد أولادًا، من أجلهم قيل لها: "ستخلص بولادة الأولاد، إذا ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل" (1 تي 2: 15)... حقًا طوبى لهذه النفس المخصبة التي ساهمت في إنجاب كلمة الرب وتجاوبت في أحضانه بهذا تلد ذرية أصيلة فتخرج الطهارة والبر والصبر والوداعة والمحبة وكل نسل جليل. أما إذا كانت النفس بائسة فتترك المرقد المقدس لكلمة الله وتدخل إلى أحضان الفساد، وتنخدع بضلال إبليس والشياطين، فإنها بالتأكيد تلد، لكنها تنجب أطفالا كتب عنهم أنهم فاسدون غير كاملين، ذرية من مرقد المنافق يحذفون].
يرى العلامة أوريجانوسأن الزنا هنا يعني ترك بيت الزوجية أو الخروج عن الأسرة المقدسة... هكذا الخطاه بزناهم الروحي يبقون خارج خيمة الرب، أما القديسون ففي داخلها.
من يرتبط بكلمة الرب ويسلك في طاعته يعيش كما في بيت الزوجية الروحي، أما من يرتبط بالفلسفات الكاذبة فيحرم نفسه من العُرس السماوي ويُحسب زانيًا.
هذا هو الزنا الروحي الذي ترتكبه النفس بتركها الله عريسها وتلجأ إلى إبليس وطرقه. أما ملامح هذا الزنا الروحي فهي:
أ. الكبرياء: "فاتكلت على جمالك وزنيت على اسمك وسكبت زناك على كل عابر فكان له" [15]. بدء السقوط هو الكبرياء، حيث يتكل الإنسان على ذراعه البشري، ويظن في نفسه شيئًا، فتتخلى عنه نعمة الله ويصير ملهىً لكل خطيئة.
ويقول مار إسحق السرياني: [الذي يحب الكرامة لا يستطيع أن ينجو من علل الهوان].
ويقول القديس أنبا موسى الأسود: [الذي يعتقد في نفسه أنه بلا عيب فقد حوى في ذاته سائر العيوب].
ويقول الأب غريغوريوس (الكبير): [حقًا إن النفس التي تثق في جمالها وتظن أنها بارة تقوم بدور الزانية بسبب شهرتها، لأنها فيما تفعله حسنًا لا تفعله لإعلان مجد خالقها بل تطلب مجدها الذاتي].
ب. تدنيس الجسد: "وأخذت من ثيابك وصنعت لنفسك مرتفعات موشاه وزنيت عليها" [16]. إن كانت الثياب في الكتاب المقدس تشير إلى الجسد، فإن الله يعاقب الإنسان الذي يجعل من جسده مرتفعات أي مواضع شر، عليها تُقدم ذبائح للأوثان ، فيجد الشيطان له مواضع كثيرة في الجسد، خلال العين والأذن واليد والبطن... يتحول جسدنا الصالح إلى آلات إثم للموت. لهذا يقول الرسول: "لا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله" (رو 6: 13)، "لأنه كما قدمتم أعضاءكم عبيدًا للنجاسة والإثم للإثم هكذا الآن قدموا أعضاءكم عبيدًا للبر للقداسة" (رو 6: 19). "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حيَّة مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية" (رو 12: 1).
ج. تدنيس مقدسات الله: "وأخذتِ أمتعة زينتك (مجدك) من ذهبي ومن فضتي التي أعطيتك وصنعت لنفسك صور ذكور وزنيت بها" [17]. هكذا يُعاقب الرب عروسه، ليس لأنها خائنة فحسب، بل لأنها أخذت غناه ومقدساته لتستخدمها في خيانتها له.
يقول العلامة أوريجانوس: [إنها أخذت الأشياء التي يُصنع منها ما هو لمجدها وفخرها، التي كتب عنها موسى في سفر العدد من مباخر وكؤوس ومنارة ذهبية... وصهرت هذه كلها وصنعت لنفسها تماثيل ذكور للفساد والزنا، فصارت نفسها زانية. هذا عن التفسير الحرفي أما الرمزي فيرى العلامة أوريجانوس هو استبدال مفاهيم كلمة الله بمعانٍ مزيفة، فيصهر الأشرار الكلمة الإلهية التي قدمت لهم لمجدهم ويستبدلون الحق بالباطل، والله وبصور أخرى... لقد قدم لنا الله الناموس والأنبياء لمجدنا الداخلي لكننا نُسيء استخدامه .] إنها تستخدم ذهبه وفضته [17] وزيته وبخوره [18] وخبزه وكل طعام قدمه لها من سميذ وزيت وعسل(148)! تأخذ النفس الجاحدة ذهب المسيح وفضته لتصنع بهما لنفسها صورًا، أي تستخدم الأمور السماوية (الذهب) وكلمته الإنجيلية (الفضة)، لا في رفع النفس إلى الحياة الإلهية بل لخدمة أفكار الزمنية. يصير الإيمان بالنسبة لها ليس اتحادًا مع الله بل وسيلة لأهداف أرضية.
نذكر على سبيل المثال دافع الحب الذي يهبه الله للبشرية، وينميه في حياة المؤمن... لكن البعض يحّول الحب إلى شهوات جسدية، فتُستخدم عطية الله لحساب ملكوت الظلمة.
ما يقوله عن الحب ينطبق على الغضب، فهو عطية، به يغصب الإنسان على نفسه ضد الخطية، لكن البعض يستخدمه للغضب على الآخرين.
"وأخذِت ثيابكِ المطرزة وغطيتها بها" [18].
ما هي هذه الثياب الجميلة المزينة بالألوان إلا أحشاء الرحمة والاتضاع والصبر واحتمال الآخرين... هذه هي الزينة التي يتحلى بها المؤمن ويتغطى بها.
يقول العلامة أوريجانوس: [إن الهرطوقي يمزج فلسفته المهلكة للنفس بثياب خارجية مزينة مخادعة، فيحمل صورة الطهارة والعفة والوداعة ليقتنص البسطاء إلى الهلاك المدمر لحياتهم كلها، فيكون كمن يغطي المعبودات الوثنية بزينة جميلة.
[لنحترس جدًا من الهراطقة الذين يظهرون كما بحياة كاملة... فالشيطان كصياد العصافير يصنع طُعمًا ليصطاد بسهولة العصافير مقدمًا لها طعامًا شهيًا.
يوجد للشيطان نوع من الطهارة ومن الوداعة... لإغراء النفس البشرية حتى يمكن بالكلام المزيف يقتنصها في شبكته وفخاخه المتنوعة، فالشيطان يُجاهد حتى يُفقد الإنسان كل شيء].
مرة أخرى يقول: [إن الشيطان يتمم كل ما يبدو حسنًا... ويخلط ويشوش الأمور ليهلك الطبيعة البشرية. من يكون حريصًا على خلاص نفسه فإنه لا يندفع وراء هذه الخدع ].
"ووضعتِ أمامها زيتي وبخوري" [18].
المعنى الحرفي يعني عوض استخدام الزيت والبخور للمنارة الذهبية ومذبح البخور الذهبي، أُستخدما في العبادة الوثنية الزيت يشير إلى مسحة الروح، والبخور إلى صلوات القديسين، وكأنه عوض التمتع بقيادة الروح القدس ورفع القلب للصلاة كي يتمتع المؤمن بالشركة مع الله في ابنه يسوع المسيح بالروح القدس، تتحول عبادته إلى إرضاء الناس، فيصيرون متعبدًا لهم... يفقد أقدس الأمور وأثمنها خلال هذه العبودية... العبودية للمجد الباطل وطلب مديح الآخرين. أما زيت الرب وبخوره فيشيران إلى العبادة، عوض أن تكون سلمًا روحيًا للارتفاع نحو الأبديات تصير شكليات تخدم مصالحها الذاتية.
أما أنواع الطعام فهي العطايا الإلهية التي يقدمها الله لها، فتنحرف بها عن هدفها الروحي "وخبزي الذي أعطيتك السميذ والزيت والعسل الذي أطعمتك، وضعتها أمامها رائحة سرو" [19]. ما هو هذا الطعام الذي يقدمه لنا الله ألا كلمته في العهدين، الناموس والأنبياء هي السميذ أو الدقيق الفاخر، والعهد الجديد هو العسل. كلمة الله في العهد القديم هي خبزنا الذي نقتات عليه بدونه ما كان يمكننا أن نتعرف على مسيحنا في العهد الجديد، الذي هو "مشتهى الأمم"، العسل الحلو المذاق في أعماق النفس! أما الهراطقة فيستخدمون حتى كلمة الله، الطعام الروحي، لإفساد عقول البسطاء!
حقًا ما أصعب أن يرى الله وسائط الخلاص والنمو الروحي والاتحاد معه هي بعينها تستخدم لتحطيم العلاقة معه، بل تُستخدم لحساب عدوه!
د. تحطيم طاقات النفس والجسد: "أخذت بنيك وبناتك الذين ولدتهم لي وذبحتهم لها طعامًا... إنك ذبحت بنيَّ وجعلتهم يجوزون في النار لها" [20-21]. لقد صنع الشعب هذا بصورة حرفية حينما قدموا أطفالهم الذين هم أطفال الله وذبحوهم وأَجَازوهم في النار في عبادات وثنية. كانت الأمهات يأخذون أطفالهن حديثي الولادة ويقدموهن ذبائح للإله ملوخ. يستلمهم الكهنة، وعلى أصوات ضرب الطبول العالية يلقون على أذرع الإله النحاسية المحماة بالنار، فلا يسمع أحد صرخات الأطفال، بل يرقص كل طربًا ويزنون... كعبادة للإله!! الأطفال الذين كان ينبغي أن ينشأوا كأولاد لله مقدسين في الحق يُقدمون ذبائح للشيطان! أما رمزيًا فالبنون والبنات الذين نلدهم للرب ثم نعود فنذبحهم لحساب الشيطان، فهم طاقات النفس والجسد التي تتقدس بالروح القدس، ثم نعود فنُنجسها في رجاسات شريرة. فالمؤمن إذ يتقبل من يدي الرب المحبة ليتسع قلبه بالحب لله والناس، أحيانًا ينحرف بها لتصير شهوة جسدية لتخدم أغراضه الذاتية لحساب عدو الخير. وهكذا كل دوافع النفس وميولها وطاقاتها يلهبها الروح القدس لتصير كأبناء وبنات لله تعمل، داخل القلب لحسابه، متى انحرفت صارت لخدمة مملكة الظلمة.
ه. تحولها إلى هياكل وثنية: "إنك بنيتِ لنفسك قبة، وصنعت لنفسك مرتفعة في كل شارع. في رأس كل طريق بنيت مرتفعتك ورجست جمالك... إلخ" [24-25]. عوض أن تكون النفس هيكلًا مقدسًا لسكنى الله فيها، تصير قبة الشيطان، وتقيم له موضعًا في كل حياتها. تضع مرتفعات للشيطان في كل شوارعها، أينما سارت لا فكر لها سوى ملذات الجسد ومحبة العالم. في رأس كل طريق تبنى مرتفعة، في حياتها العائلية أو العمل أو العلاقات الاجتماعية... لا تفكر فيما لله بل فيما للخطيئة.
لقد رجست جمالها الذي خلقه الله، وكما يقول العلامة أوريجانوس: [النفس البشرية جميلة جدًا، جمالها رائع، لأن الله خلقها قائلًا: "لنجعل الإنسان على صورتنا ومثالنا". أي جمال أبرع من هذه الصورة وهذا المثال.؟ لكن بعض الزناة التافهين ينجذبون لجمالها، فيرغبون في افسادها... لهذا يقول بولس الحكيم: "ولكنني أخاف أنه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التي في المسيح" (2 كو 11: 3)...].
يقول أيضًا: [إن الهراطقة يفسدون جمال النفس والعقل بأفكارهم الخاطئة، إذ تسقط النفس في زنا روحي يفسدها ].
ز. تخطئ بلا شبع: "زنيت مع جيرانك بني مصر الغلاظ اللحم وزدت في زناك لإغاظتي... وزنيت مع بني أشور إذ كنت لم تشبعي فزنيت بهم ولم تشبعي أيضًا. وكثرت زناك في أرض كنعان إلى أرض الكلدانيين، وبهذا أيضًا لم تشبعي" [26-29]. مع أن مصر وآشور كانا متضادين لكن اليهود في ذلك الحين كانوا في حالة عدم شبع، يقبلون آلهة مصر وفي نفس الوقت آلهة آشور، كالإنسان الذي تتحول الخطيئة في حياته إلى حالة مرضية، يخطئ يمينًا ويسارًا بلا هدف وبلا شبع. يرتكب خطايا متضادة في وقت واحد، كأن يسقط الإنسان في خطيئة الكبرياء والاعتداد بالذات وفي نفس الوقت يلتهب القلب بالشهوات الرديئة..."ما أمرض قلبك يقول السيد الرب؟!" [30].
و. تخطئ بلا حياء: لقد شبهها الرب بامرأة "زانية سليطة" [30]، ترتكب الخطيئة بلا حياء، فهي تدعو الآخرين ولا تطلب أجرة بل تقدم هدايا ورشوة: "لكل الزواني يعطون هدية أما أنت فقد أعطيت كل محبيك هداياك ورشيتهم ليأتوك من كل جانب للزنا بك" [33]. قد يعلل الإنسان ارتكابه الخطأ لاحتياجه أو عوزه لأجل مصالحة المادية أو الاجتماعية... لكن الإنسان إذ يعتاد الخطيئة يرتكبها على حساب صحته أو مصلحته المادية أو الاجتماعية...
حينما كتب القديس يوحنا الذهبي الفم لصديقه الساقط في الزنا والكاسر لنذر البتولية ثيؤدور وأراد أن ينتشله من اليأس في هذا الأصحاح صورة حيَّة لمحبة الله التي تدعو الزناة بهذا الشكل البشع للرجوع إليه.
ويرى القديس جيروم في إحدى رسائله في هذا الوصف صورة رمزية للنفس العاطلة التي بلا عمل، تترك نفسها كمجال للشر في كل موضع وبكل نوع، لهذا يحذرنا من الحياة العاطلة، قائلًا: [في مصر وضعت الأديرة قانونًا ألا تستقبل أحدًا ممن لا يرغب في العمل، إذ يتطلعون للعمل ليس كأمر ضروري لاحتياجات الجسد فحسب وإنما لخلاص النفس. لا تدع ذهنك يجول في أفكار باطلة فيكون كأورشليم في زناها تفتح رجليها لكل عابر (حز 16: 25) ].
يقدم لنا العلامة أوريجانوس تفسيرًا رمزيًا للزانية السليطة التي ترتكب الزنا بلا حياء... إنها تمثل الإنسان المتدين الذي يخطئ ويبقى في مظهره متدينًا. فالشرير يزني روحيًا ويعترف بزناة، في خجل، أما المتدين فيزني وفي عدم حياء يحمل مظهر المتدين.
ما هي الهدايا التي تقدمها الزانية لعشاقها؟ إنها تأخذ ما لرجلها وتقدمه للزناة هذا ما يفعله الهراطقة حين يسيئون فهم كلمة الله وعطاياه فيستخدمونها لحساب مملكة عدو الخير .
4. عقاب الخيانة:

أ. تأديبها العلني: سبق لنا أن تحدثنا كيف يستر الله على خطايانا، ينصحنا خفية لعلنا ننتصح فإن إصرارنا على الخطأ يسمح بالتأديب العلني لا للتشهير بل للتأديب (أصحاح 5). هنا إذ صارت في زناها "زانية سليطة" [30] ودخلت في حالة مرضية لا تشبع من الخطيئة ولا تكف عن ارتكابها مع كل عابر التزم الرب لتأديبها أن يتدخل معها بشيء من القسوة لأجل خلاصها، إذ يقول: "هأنذا أجمع جميع محبيك الذين لذَذْتِ لهم وكل الذين أحببتهم مع كل الذين أبغضتهم فأجمعهم عليك من حولك وأكتشفُ عورتك..." [37].
ب. يترك الفساد يُحطم نفسه بنفسه، فالذين وجدت فيهم لذتها هم الذين يحطمون حياتها. "أُسلمك ليدهم فيهدمون قبتك ويهدمون مرتفعاتك وينزعون عنك ثيابك، ويأخذون أدوات زينتك ويتركونك عريانة وعارية" [39].
الأمور التي يظن الإنسان أنها موضوع سعادته تصير هي بعينها سر شقائه، وما يظن أنه سر شبعه يجده في النهاية سر جوعه وعطشه وعريه وخزيه!
ج. غضب الرب عليها: إذ يندفع الإنسان نحو الشر، ليس فقط يصير الشر في ذاته عقابًا له، لكنه يحرم من الوجود مع الله فيسقط تحت الغضب الإلهي. أما أمرّ درجات الغضب الإلهي وأقساها فهي أن الله "لا يعود يغضب بعد" [42]، أي يتجاهلها تمامًا. فإن كان الله يغضب علينا لأنه يحبنا ويشتهي اتحادنا معه. فإننا إذ نصرّ على رفضه لا يعود يغضب فنفقد كل حب إلهي. "وأحلّ غضبي بك فتنصرف غيرتي فأسكن ولا أغضب بعد" [42].
في هذا يقول القديس جيروم: [إن أشد درجات غضب الله ضد الخطاة يكون حينما لا يظهر غضبًا... "لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله" (عب 12: 6). فالأب يرشد ابنه، والمعلم لا يصحح طريق تلميذه لو لم يحبه إذ يرى فيه علامات الوفاء. حينما يتوقف الطبيب عن الاهتمام بالمريض يكون ذلك علامة يأسه منه].
كما يقول: [بمعنى آخر، حين كنت مجرد زانية أحببتك بحب مملوء غيرة، لكن إذ صار لك عشاق كثيرون ازدريت بك، لا أعود أغضب عليكِ. بنفس الطريقة يغير الإنسان على زوجته حينما يحبها، لكنه إن كان غير غيور عليها إنما يكرهها، فلا يقول كلمات (الله) "أفتقد بعصا معصيتهم" (مز 89: 33)، بل يقول "لا أعاقب بناتكم لأنهن يزنين" (هو 4: 14)].
ه. تصير مضربًا للأمثال: "هوذا كل ضارب مثل يضرب مثلًا عليك قائلًا: مثل الأم بنتها" [44]. حينما يسقط المؤمن في الشر غالبًا ما يكون أشر من غير المؤمن، لأنه يأخذ ما لله بالإمكانيات القوية التي وهبت له ويستخدمها للشر، لهذا يصير مثلًا أمام الكثيرين. هنا يُعاتب الشعب أنهم تركوا الله كأب لهم. وصارت أمهم حثية وأبوهم أموريًا بانتسابهم لهم من خلال اشتراكهم معه في شرهم، وصارت أختهم السامرة (إسرائيل أو مملكة الشمال) التي اندفعت في الشر زمانًا طويلًا، وأختهم الصغرى سدوم التي استحقت أن تحرق بالنار، وإنما صارت أشر من هؤلاء جميعًا، إذ يقول: "ولا في طريقهن سلكتِ ولا مثل رجاساتهن كأن ذلك قليل فقط ففسدتِ أكثر منهن في كل طرقك" [47].
يركز على الخطايا التالية [49]
1. الكبرياء [49-50] تدفع إلى الثورة ضد الله والعصيان... نهاية الكبرياء السقوط.
يقول العلامة أوريجانوس: [ما هي إذن أكبر الخطايا جميعًا؟ بالطبع تلك التي سببت سقوط الشيطان ما هي هذه الخطية التي سببت انهيار تلك العظمة حيث يقول الرسول: "لئلا يتصلف فيسقط في دينونة إبليس" (1 تي 3: 6). فالتصلف والكبرياء والعجرفة هي خطايا الشيطان، بسببها ترك السماء ونزل إلى الأرض. لذلك: "يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع 4: 6).
لماذا يتكبر من هو تراب ورماد فيتعجرف الإنسان، ناسيًا ما سيكون عليه مصيره، ناسيًا أنه إناء هش، متجاهلًا الأقذار التي يغوص فيها والنفايات التي تخرج من جسده؟].
يوبخ العلامة أوريجانوس الكهنة المتكبرين، قائلًا: [كم نسوا الاتضاع حين نُصبوا كهنة؟! كأنهم قد رُسموا لكي يكفوا عن الاتضاع مع إنه كان يجب أن يسلكوا طريق الاتضاع، إذ يقول الكتاب: "بمقدار ما تكون عظيمًا هكذا ازدد في الاتضاع" (ابن سيراخ 3: 18). الجماعة تختارك وأنت تحني رأسك، جعلوك رئيسًا فلا تتعالى، كن بينهم كواحد منهم. يلزمك أن تتضع وأن تتذلل وتهرب من الكبرياء لأنه منبع الشرور].
2. الشبع من الخبز [49]، حيث يطلب الإنسان الشبع المادي ويتكل على الزمنيات، مستهينا بكل القيَّم الروحية.
3. سلام الاطمئنان [49]: أو تهدئة الضمير... عوض الاعتراف بالخطأ وتقديم التوبة يستكين الإنسان ويقول لنفسه: سلام...؛ أي اختيار الطريق الواسع والحياة المدللة عوض التوبة وحمل الصليب.
5. طريق الإصلاح: الخجل!

"فاحملي أيضًا خزيك أنتِ القاضية على أخواتك...
فاخجلي أنتِ أيضًا واحملي عارك بتبرير أخواتك،
وأُرجع سبيهن: سبي سدوم وبناتها، وسبي السامرة وبناتها، وسبي مسبييك في وسطها...
يرجعن إلى حالتهن القديمة" [52-55].
لاحظ العلامة أوريجانوسأن طريق العودة إلى الحالة القديمة، أي حالة ما قبل السبي تستلزم حمل الخزي والشعور بالخجل مما ارتكبه الإنسان من خطأ ورجاسات. ففي تعليقه على العبارات السابقة يقول:
[ينبغي ألا يُمارس عمل مخزي، بل كل ما هو صالح بطبيعته، يُوجَّه إلى الله في ثقة حقيقية. ولكن بما أننا كبشر نخطئ كثيرًا... يلزمنا أن نخزى، نخفض عيوننا باتضاع بسبب جرائمنا، ولا نتقدم بوجه وقح كمن يخطئ في شيء ما قط.
فإنه خير للإنسان أن يشعر بالخزي بعدما أخطأ، خاصة وأن المخادع، صانع الشرور، كثيرًا ما يجعل الخاطئ يتصرف كأنه على حق بدلًا من أن يتذكر العقاب المستوجب. يمكننا أن نرى ونتعلم من الحياة اليومية كم من أناس بعدما يرتكبون خطاياهم لا يندمون على ما فعلوه، بل يدافعون باطلًا عن فسادهم... لهذا قيل: "فاخجلي أنتِ أيضًا..." لا تظن أن هذه الكلمة قد قيلت لأورشليم وحدها، وإنما قيلت لكل أحد منا، نحن الذين نجرد أنفسنا من الأخطاء. "ليفحص كل ما فكر به... يستحق الخزي أمام فاحص القلوب والكلى (مز 7: 10)، عندئذ يخزى عندما يميز بتدقيق الأفكار والأعمال والكلمات... ويسمع قول النبي: فاخجلي... فإن الخجل يتبع الخزي. من يمارس عملًا يستحق الخزي يجعله الله خجولًا، ويقول له: "فاخجل"].
إن كان الله يأمر أورشليم أن تحمل خزيها وتخجل، إنما لكي تعترف بما ارتكبته من رجاسات، وبالتوبة يردها من حالة العار إلى الكرامة، يردها من سبيها إلى وطنها، إذ يقول: "وأرجع سبيهن... يرجعن إلى حالتهن القديمة"
يعلق العلامة أوريجانوس على ذلك بقوله:
[إنه عار للمواطن أن يُنفَى من وطنه...
يدرك الديان العادل ذلك فيقول لمن يرتكب الأعمال المعيبة: لا تستقبل أيها المستوجب العقاب نفيك بحزن، فإن تذمرك على العقاب يجعلك غير مستحق للرحمة؛ بل بالأحرى افهم أنك مستوجب العذاب الذي تعانيه. وحينما تتضع وتعترف بعدالة الحكم الصادر بشأنك يمكنك أن تنال الرحمة من القادر بعد إدانتك أن يعيدك إلى حالتك القديمة، كما يمكن لرئيس عظيم أن يفرج عمن في جزيرة أو منفي أو سجن هكذا بالأكثر يمكن لإله الكون أن يرد الكرامة القديمة لمن فقدها، بشرط أن يعترف بخطية وأنه مستحق للآلام التي يُعانيها].
يقدم العلامة أوريجانوس مثلًا عمليًا في الكنيسة إن حُرم إنسان من الكنيسة، سواء من الكهنوت أو الشعب. فإنه إن أثار الشعب يجر وراءه الأشرار ويذخرون لأنفسهم غضبًا (رو 2: 5). أما إن قبل ذلك في اتضاع كامل، سواء كان حرمانه عن حق أو ظلم، تاركًا الحكم لله، محتملًا الحكم بصبر، ينال رحمة من الله، وغالبًا ما يرجع إلى حالته القديمة (العضوية الكنسية) في أكثر مجد وكرامة.
عندما نخجل هنا ونخزى نُحرِّك في الدهر الآتي "أحشاء رحمة إلهنا" (لو 1: 78)، فيُنزع عنا العار، أما من يتذمر هنا فيسقط في العار أو الخزي الأبدي.
لاحظ أيضًا العلامة أوريجانوس أن الرجوع من السبي إلى الحالة القديمة يتم حسب حالة الإنسان... بدأ بسدوم وبناتها ثم السامرة وبناتها وأخيرًا أورشليم وبناتها [55]. فمن يعرف أكثر يُضرب أكثر. سدوم الأممية معرفتها أقل من السامرة (الهراطقة)، ومعرفة السامرة أقل من أورشليم.
[كلما زاد قُربنا من الله... كلما زاد بُعدنا عنه إذا أخطأنا، فنقترب إلى عذابات رهيبة أكثر؛ لأن حكم الله بار "لأن الحقير المتضع يُسامح من طريق الرحمة؛ وأما الأقوياء فيعذبون عذابًا شديدًا" (حكمة 6: 7). من كان صغيرًا جدًا (1 كو 15: 9) يستحق رحمة سريعة].
يعلق العلامة أوريجانوس على قول الكتاب: "وأختك الكبرى السامرة هي وبناتها الساكنة على شمالك، وأختك الصغرى الساكنة عن يمينك هي سدوم وبناتها [46]،
قائلًا: [كما أن الفضيلة تجعلني أخًا للسيد المسيح هكذا الخبث (الشر) يكسبني أخوات كثيرات كلهن خطاة. عندما بدأت أورشليم تميل إلى الخطية لم تكن لها بعد السامرة أختًا ولا شقيقتها سدوم، لكنها إذ توغلت في الجريمة... أصبحت وسط أختيها الكبرى السامرة والصغرى سدوم].
لكي يُبرز مدى رجاسات أورشليم أوضح أنها بما فعلته من رجاسات بررت إخوتها مثل السامرة، إذ تقول:
"ولم تخطئ السامرة نصف خطاياك،
بل زدتِ رجاساتك أكثر منهن،
وبررت أخواتك بكل رجاساتك التي فعلتِ...
هن أبر منكِ" [51-52].
يقول العلامة أوريجانوس:
[بالفعل تبررت السامرة وسدوم برجاسات أورشليم... لنحذر فإنه في يوم الدينونة سيحاكمنا من هم أقل منا شرًا ونحن ندين آخرين. واحد فقط الذي هو مبرر أمام الجميع، ولا يتبرر أحد أمامه. سدوم مبررة بأورشليم التي ارتكبت رجاسات أكثر منها، وربما تتبرر أورشليم بمدينة أخرى أشر منها...
من الذي يبرر ضد المسيح الذي سيظهر أكثر إجرامًا من الكل...؟!
ليس من يتبرر قدام (الله). فإبراهيم كان بارًا، وموسى وغيرهما من المشاهير، لكنهم إن قورنوا بالمسيح فلا يحسبوا أبرارًا. عندما يقتربون من نوره يُحسب نورهم ظلامًا، كما يظلم المصباح في أشعة الشمس. هكذا يشرق نور الأبرار أمام الإنسان، لكنه لا يضيء أما المسيح. فإنه لم يقل فقط "فليضئ نوركم" بل قيل "فليضئ نوركم قدام الناس"، لأنه لا يمكن لنور الأبرار أن يضيء قدام المسيح].
6. الوعد بقبولها من جديد:

بعد أن أعلن هذه الصورة البشعة ليهوذا في زناها العلني السليط الذي فاق شر الأمم، وقدم لها التأديب، عاد يفتح لها باب الرجاء بعودتها إليه خلال العهد الجديد الذي تدخل فيه في المسيح يسوع ربنا: "وأقيم لك عهدًا أبديًا... وأنا أقيم عهدي معك فتعلمين أني أنا الرب، لكي تتذكري فتخزي ولا تفتحي فاك بعد بسبب خزيك حين أغفر لك كل ما فعلت يقول السيد الرب" [60-63]. هذا هو العهد الأبدي، الذي فيه لا نعود نذكر خطايانا بل نجد فيه غفرانا لكل ما فعلنا فيستريح قلبنا فيه إلى الأبد.
من وحي حزقيال 16

لست واحدًا بين البلايين!


* الآن عرفت أنني لست واحدًا وسط البلايين!
إني موضع حبك واهتمامك الشخصي!
* طرحتني خطيتي في الطريق فصرت ككمية مُهملة!
ليس من ينظر إليّ، ولا من يسأل عني!
ليس من يحملني من وسط تراب الطريق ومخاطره!
* مررت بي، وتطلعت بنظراتك الإلهية عليّ!
أحسست بدفء الحب.
سمعتك تهمس في أذنَّي:
زمنك زمن الحب!
* حملتني على ذراعيك الأبديتين،
غسلتني في مياه المعمودية،
مسحتني بزيت الميرون،
صرت أنت ثوبي، اختفي فيك!
صرت أكلي وشربي! غناي وثروتي!
فرحي وبهجة قلبي!
أشرقت ببهائك عليّ،
فصارت أعماقي جميلة جدًا جدًا ومجيدة!
* حسبتني ابنًا لك،
عروسًا مقدسة لك يا ملك الملوك!
جعلتني ملكة،
أجلس في السمويات!
صيرتني عضوًا في جسدك المقدس!
وهيأتني سماءً ثانية لملكوتك المفرح!
* ترى من يهتم بي مثلك؟!
من لي على الأرض وفي السماء غيرك؟!
إني مشتاق إليك يا عريس نفسي!

  رد مع اقتباس
قديم 28 - 01 - 2023, 02:11 PM   رقم المشاركة : ( 19 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,204,095

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حزقيال

تفسير سفر حزقيال





الكرم والنسران




1. أُحجية الكرم والنسرين:

طلب الرب من حزقيال النبي أن يحاجٌ بيت إسرائيل بأحجية حملت صورة حيَّة ودقيقة لما تم في السبي الأول ليهوذا وما تبعه من أحداث ومواقف.
قال إن نسرًا عظيمًا كبير الجناحين، كثيف الريش ومتنوع الألوان، كثير المخالب، قد رسم أن يدخل لبنان
وكما يقول العلامة أوريجانوس: [إن وصف النسر هنا يختلف عن بقية النسور من حيث حجمه الضخم وأجنحته الهائلة ومخالبه القوية، كما أنه مخطط للدخول إلى لبنان، يخلع غصون أرز مختارة ويقتلعها ويذهب بها إلى أرض كنعان، مدينة التجار، المحاطة بأسوار... أنه يحمل الزروع إلى الخارج، ليغرسها في حقل قريب من ماءٍ جارٍ .
أوضح الرب إن هذا النسر هو ملك بابل [11]، فهو كبير الجناحين وكثير المخالب رمز لقوة أسلحته وضخامة جيشه. أما كثافة ريشه وتنوع ألوانه فيشيران إلى الممالك الكثيرة التي كانت تحت سيطرته. لقد وضع هذا الملك في قلبه أن يستولي على لبنان التي تُشير إلى مملكة يهوذا.
يقول العلامة أوريجانوس عن نبوخذنصَّر: [لقد كان النسر العظيم، كبير الجناحين، واسع المناكب (حز 17: 3)، إذ تجرأ فقال: "بقدرة يدي صنعت وبحكمتي، لأني فهيم. ونقلت تخوم شعوب، ونهبت ذخائرهم، وحططت الملوك كبطل. فأصابت يدي ثروة الشعوب كعش، وكما يُجمع بيض مهجور جمعت أنا كل الأرض" (إش 10: 13-14)...
لم يكن لهذا النسر العظيم سلطان أن يدخل لبنان... لكنهم إذ أخطأوا عند الرب، انتزعهم هذا النسر العظيم، انتزع فروع الشجرة كلها، ونقلها إلى كنعان حيث يُقال عن أرض البابليين (الملعونيين ككنعان)، إذ يقول نوح: "ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لإخوته" (تك 9: 25)].

حوالي عام 597 ق.م. دخل نبوخذنصَّر المدينة المقدسة عاصمة يهوذا (رمزيًا لبنان) بعد أن حاصرها ثمانية عشر شهرًا، فماذا فعل الملك؟
أ. أخذ أعلى فرع في الأرز [3] أو بحسب الترجمة السبعينية فروع الأرز المختارة. فإن كانت شجرة الأرز هنا تُشير إلى بيت داود الملوكي، فإن فرعه المختار أو المرتفع هو الملك يهوياقين مع عائلته الذين حملهم إلى بابل.
ب. قصف رأس خراعيبه [4]، أو رؤوس الأغصان الجديدة ودخل بها إلى مدينة التجار، مشيرًا إلى حصده خيرة الشباب من أصحاب مهارات عالية وأبناء الكهنة والأرستقراطيين وجمعهم في شباكه إلى بابل، وترك لهم كمال الحرية في العمل هناك، فقاموا بأعمال تجارية ضخمة أثناء سبيهم.
ج. أخذ من بذار الأرض وألقاها في الحقل خصيب ورواها بمياه كثيرة فصارت كشجر الصفصاف [5]، يستظل تحتها الكثيرون. نبتت البذار وصارت كرمة منتشرة لكنها قصيرة الساق. مالت أغصانها نحو النسر لتضمه إليها لكن أصولها أو جذورها كانت تحته [6].
ما هذه البذار إلا صدقيا الملك ابن أخ يهوياقين الذي أقامه نبوخذنصَّر ملكًا على يهوذا عوض عمه يهوياكين، فإن نبوخذنصَّر لم يحطم المدينة ولا هدم الهيكل إنما اكتفي بأخذ بعض الشباب مع آنية بيت الرب. لقد ترك صدقيا ليرعى الحقل الخصيب بمياه كثيرة ويضم شعبه بعد أن تمت معاهدة وأقسم الملك بعدم الخيانة. وبالفعل بدأت البذار تكبر لتصير كرمة منتشرة، لكنها قصيرة الساق لأنها تحت سيطرة ملك بابل. لقد مالت بأغصانها لتضم النسر، أي دخلت مع الملك في معاهدة، أما جذورها فكانت تحته، علامة سلطانه عليها.
إنها قصيرة الساق وكما يقول العلامة أوريجانوس: [لم يكن ممكنًا أن تكون إلا قصيرة الساق، تلك التي انبتت في بابل. كيف كان يمكنها أن تحتفظ بقوتها القديمة تلك التي بدأت تصبح كرمة بابلية؟! لقد نقلها النسر العظيم لأنها لم تكن قد أنتجت ثمارًا في المدينة المقدسة. ها هي تستقر في كنعان، فصارت قصيرة الساق، هزيلة. لما كانت في الأرض المقدسة كانت كرمة عظيمة، وإذ نُقلت إلى أرض الخطاة صارت ضعيفة وهزيلة. وأنتِ أيتها الكرمة التي تسمعيني، إن أردتِ أن تكون عظيمة لا تخرجي عن حدود الكنيسة. استقرى في الأرض المقدسة، في أورشليم، وإلا فبسبب خطاياك تصيرين في حالة سيئة، تُنقلي إلى أرض أخرى. تصيرين كرمة هزيلة ويابسة، تسقط ثمارك، وتجف جذورك، فتشتاقي إلى الراحة بالقرب من النسر الآخر].
[لقد أُخذ البعض وحُملوا إلى بابل، هؤلاء الذين كانوا أمراء في الكنيسة، بسبب خطيتهم نُقلوا من قمة لبنان... لنصِلِّ حتى لا يُنقل أحد من أورشليم إلى كنعان، وألا نتجه بعيدًا عن مشيئته حتى لا يُصاب الغصن بالفساد، فيجف الثمر مع الجذور. فإن غرس أورشليم لا يقدر أن يأتي بثمر على أرض أخرى، ولا ينتج زرعًا في أرض غريبة، بل يجف وييبس بثمره ما لم يثبت في مشيئة الرب وفي كنيسته، أي في الأعمال والوصايا وإدراك حقيقة يسوع المسيح ].
أما النسر العظيم الآخر فهو فرعون مصر، هو كبير الجناحين رمز لقوة جيشه، وله ريش كثيفرمز لضخامة عدد جنوده، لكنه ليس متنوع الألوان، لأنه لا يسيطر على أمم كثيرة مثل بابل، هذا الذي مالت إليه الكرمة بجذورها، واتجهت بأغصانها ليسقيها مع نمو زرعها. هذه الكرمة تشير لصدقيا الملك الذي مال مع غالبية الشعب نحو الالتجاء إلى فرعون مصر ضد نبوخذنصَّر، فخان الملك العهد وحنث بالقسم إذ فكر في الثورة على ملك بابل. وهنا قام حزقيال بتحذير الملك من خطأين: أولهما الحنث بالقسم حتى وإن كان مع ملك وثني، والثاني الاتكاء على ذراع بشر (فرعون مصر) عوض التوبة والرجوع إلى الله من كل القلب. لقد أعلن أن مصير صدقيا سيكون كمصير سابقيه يهوآحاز الذي أُخذ أسيرًا إلى مصر عام 607 ق.م. (19: 4)، ويهوياقين الذي أسر إلى بابل (19: 9).
إذ تمرد صدقيا الملك على نبوخذنصَّر بإرساله رسله إلى مصر ليعطوه خيلًا وشعبًا كثيرين [15]، يسأله الله: "هل تنجح؟" [9] وجاءت الإجابة في الحال: "أفلا يقلع أصولها ويقطع ثمرها فتيبس؟! كلٌّ من أوراق أغصانها تيبس، وليس بذراع عظيمة أو بشعب كثير ليقلعوها من أصولها؟! ها هي المغروسة فهل تنجح؟! ألا تيبس يبسًا كأن ريحًا شرقية أصابتها. في خمائل نبتها تيبس؟!" [9-10]. هكذا يؤكد أكثر من مرة أن الكرمة تيبس في جذورها وثمرها، وفي أوراقها كما في خمائل نبتها، أي تجف تمامًا على كل المستويات!

تساؤلات:

يتساءل العلامة أوريجانوس عن سبب دعوة كل من نبوخذنصَّر وفرعون "نسرًا"، وهو من الطيور المكروهة (لا 11: 13)، وفي نفس الوقت يشبه الأبرار والصالحون بالنسور. فقد جاء في الأمثال: "لا تتعب لكي تصير غنيًا، كفّ عن فطنتك؛ هل تطير عينيك نحوه وليس هو؛ لأنه إنما يصنع لنفسه أجنحة؛ كالنسر يطير نحو السماء" (أم 23: 4-5)؛ (فالإنسان البار يعتني لا بفطنته إنما يصنع لنفسه جناحي نسر، هما الإيمان والأعمال أو محبة الله ومحبة الناس، بهما يطير إلى السماء ليستقر بنعمة الله في الحضن الإلهي) كما قيل أيضًا: "وأما منتظروا الرب فيجددون قوة، يرفعون أجنحة كالنسور، يركضون ولا يتعبون، يمشون ولا يعيون" (إش 40: 31).
يقول العلامة أوريجانوس: [إن كان النسر مكروهًا وملعونًا فلا يليق بنا أن نتخذ أجنحة كأجنحة عندما نكون صالحين، وإن ازدادت ثروات الأغنياء، فلا ينبغي أن يصنعوا لأنفسهم أجنحة كالنسور]

فلماذا استخدم النسر تشبيهًا للصالحين؟
يجيب على هذا التساؤل، قائلًا:
[يوجد في الكتاب المقدس أسماء لبعض الحيوانات يمكن اعتبارها خيّرة وشريرة في نفس الوقت...
فمثلًا الأسد له جانبان: جانب خيِّر "يهوذا جرو أسد، من فريسة صعدت يا ابني... جثا وربض كأسد وكلبوة من ينهضه؟!" (تك 49: 9). وجانب شرير: "لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط 5: 8-9). علاوة على هذا، فإن الماكر المخادع إذ يرغب في الوقوف بنا وسقوطنا: "يكمن في المختفي كأسد في عرينه يكمن ليخطف المسكين" (مز 10: 9).
إذن، كما رأينا يمكن اعتبار الأسد من جانبين: أحدهما خيِّر والآخر شرير، هكذا أيضًا النسر...
الصالح ليس نسرًا، وإنما كالنسر، لأنه ينافس النسر.
وبالمثل الحية النحاسية (عد 21: 8) كانت رمزًا للمخلص، لأنها لم تكن حيَّة حقيقية بل شبيهة بها. إنها تُشير إلى المخلِّص: "وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان" (يو 3: 14)... ومن وفي موضع آخر يؤمر الإنسان الصالح أن يكون حكيمًا كالحيات (مت 10: 16)، لا أن يصير هو نفسه حية، وذلك بالطبع لكي يتجنب اكتساب خداع الحية الحقيقية...
النسر والأسد ضمن الكائنات الطاهرة إذ نجد للشاروبيم "وجه إنسان ووجه أسد لليمين لأربعتها، ووجه ثور من الشمال لأربعتها، ووجه نسر لأربعتها" (حز 1: 10)... إنهما طاهران، لأنه ليس شيء دنسًا في حضرة الله.
وأنت أيها المؤمن قد صرت طاهرًا، وما صيَّره الله طاهرًا لا تجعله أنت دنسًا. هكذا قيل لبطرس الرسول عن كل شيء: "ما طهره الله لا تدنسه أنت" (أر 10: 15).
هكذا أعلن أيضًا عن طهارة الأسد والنسر اللذين ظهرا مع الشاروبيم. علاوة على هذا فإن التنبؤ عن مجيء المسيح يتم بالتعرف على الأسد الطاهر والنسر الطاهر... "فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي، والأسد كالبقر يأكل تبنًا" (إش 11: 6)، وذلك عندما يتحقق ذلك بالإيمان بالمسيح، حيث تتحد الطبائع المختلفة فيما بينها، فلا يكون الأسد مكروهًا، إنما ينسى وحشيته. وكل الحيوانات التي يُقال عنها أنها مكروهة في شريعة الله تتسلم مرة أخرى طبيعة حالتها القديمة في بدء الخليقة. وقد بدأ هذا التحول بالفعل ويتحقق عند المجيء الثاني...
لا تندهش إذن كثيرًا إن كان قد شُبه كل من فرعون ونبوخذنصَّر أنهما كالنسر...].
2. تفسير الأحجبة:

لم يترك الرب الأحجبة غامضة بل قدم للبيت المتمرد [12] تفسيرها حتى لا يكون لهم عذر في اندفاعهم على الاتكال على فرعون مصر وجيوشه، وقد ركز في التفسير على خطورة كسر العهد ونقضه والحنث بالقسم حتى وإن كان مع ملك وثني، مما اضطر الرب نفسه إلى التدخل لتأديبهم بالهزيمة. لقد أكد أن الخراب لا يتم بقوة بشرية بل قام الله نفسه ضدهم لتأديبهم. إنه يؤكد:
"فهل تنجح؟!
هل يفلت فاعل هذا أو ينقض عهدا ويفلت؟!
حي أنا يقول السيد الرب إن في موضع الملك
الذي ملكه الذي ازدرى قسمه ونقض عهده فعنده
في وسط بابل يموت.
ولا بجيش عظيم وجمع غفير يعينه فرعون في
الحرب بإقامة مترسة وببناء برج لقطع نفوس كثيرة.
إذ ازدرى القسم لنقض العهد وهوذا قد أعطى يده
وفعل هذا كله فلا يفلت.
لأجل ذلك هكذا قال السيد الرب. حيّ أنا إن قسمي
الذي ازدراه وعهدي الذي نقضه أردهما على رأسه،
وأبسط شبكتي عليه فيؤخذ في شركي وآتي به إلى
بابل وأحاكمه هناك على خيانته التي خانني بها، وكل
هاربيه وكل جيوشه يسقطون بالسيف، والباقون يذرون
في كل ريح فتعلمون أني أنا الرب تكلمت" [15-21].
هكذا اعتبر الله أن القسم قسمه هو، والحنث به إهانة له شخصيًا، فلا يقدر فرعون بكل جيوشه أن ينقذه من يد الرب ولا من يد نبوخذنصَّر، وأن الذي يصطاده في شبكته هو الرب، فيحمله إلى بابل ليموت هناك مقابل خيانته للعهد. سيسقط هو ومشيروه وجيشه بالسيف وبقية الشعب يُسبى، ويشتت في كل ريح!
لهذا حذرنا السيد المسيح من القسم نهائيًا بقوله: "سمعتم أنه قيل للقدماء لا تحنث بل أوفِ للرب أقسامك. وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا البته، لا بالسماء لأنها كرسي الله، ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه، ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم، ولا تحلف برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء بل ليكن كلامكم نعم نعم لا لا، وما زاد على ذلك فهو من الشرير" (مت 5: 33-37).
لقد حذر القديس يوحنا الذهبي الفم كثيرًا من استخدام القسم، فمن كلماته:
[إني مستعد اليوم لا أن أظهر دمار بيت أو أثنين أو ثلاثة بسبب القسم بل دمار مدينة بأسرها وشعب محبوب من الله كان يتمتع دائمًا بالكثير من الرعاية الإلهية وجنس هرب من مخاطر كثيرة، أورشليم نفسها، مدينة الله، التي كان بها الهيكل المقدس وكل الخدمة الإلهية، التي وجد فيها الأنبياء ونعمة الروح والتابوت ولوحا العهد والإناء الذهبي، والتي كانت الملائكة كثيرًا ما تفتقدها... قد هلكت فقط بسبب قسم ].
[ليس القسم هو الذي يجعل الإنسان موضع ثقة، إنما شهادة حياته واستقامة كلماته وحسن صيته. كثيرون يفتحون حناجرهم بالقسم ومع ذلك لا يقدرون أن يقنعوا أحدًا بالثقة فيهم، وآخرون مجرد يعبرون عن قبولهم الشيء يكونون مستحقين التصديق أكثر من الذين يقسمون كثيرًا].
[حقا أن متاعب القسم عظيمة للغاية...
إذ نعرف ذلك فلنتجنب القسم، وليمارس فمنا على الدوام القول "صدقني" فيصير هذا ينبوعًا لكل سلوك ورع. فإنه إذ يتدرب اللسان على استخدام هذا التعبير وحده يصير في حياء ويخجل من أن ينطق بكلمات شريرة ورديئة ].
[عندما نمتنع عن القسم نهائيًا نغلق أمام (الشيطان) المدخل تمامًا، فإذا نطقنا بقسم واحد نقدم له فرصة ليسبب لنا مضارًا بلا نهاية].
ويطالبنا القديس يوحنا الذهبي الفم ليس فقط ألا نقسم بل ولا نطالب الآخرين أن يقسموا، إذ يقول:
[أسألك، هل أنت في شك بخصوص أمور مالية، فتقتل نفس (أخيك بطلبه أن يقسم)...؟!
إن كنت تعتقد أنه صادق فلا تلزمه أن يقسم، وإن كنت تعرف أنه كاذب فلا تجبره على ارتكاب القسم كذبًا].
3. الوعد بمملكة جديدة:

إن كان الدخول مع ملك بابل في معاهدة قد أعان يهوذا إلى حين، فصارت كشجر الصفصاف وككرمة منتشرة لكنها قصيرة الساق [5-6]، وإن كان الالتجاء إلى فرعون مصر قد حطمها تمامًا، فلهذا لا خلاص للإنسان بذراع بشري. لا بُد أن يتدخل الله نفسه ويغرس كرمته بيديه، يغرسها فيه هو الجبل العالي المتشامخ فلا يقدر العدو أن يقترب إليها. "هكذا قال السيد الرب: وآخذ أنا من فرع الأرز العالي وأغرسه وأقطف من رأس خراعيبه غصنا وأغرسه على جبل عال وشامخ" [22]. إنه يأخذ من فرع بيت داود (الأرز)، حيث يتجسد السيد المسيح بن داود فيغرس الكنيسة فيه! إنه رأس الأغصان الجديدة، هو الغصن المغروس لا بذراع بشري ولا من بذار بشرية، لكنه كلمة الله المولود قبل كل الدهور يتجسد في جبل إسرائيل العالي، ويظهر كغصن مثمر، ويصير أرزًا كبيرًا يسكن تحته المؤمنون من كل لون ومن كل قبيلة ولسان وأمة. يطيرون إليه بالروح القدس ويستقرون في ظل أغصانه [23]!
هكذا وسط النبوات المظلمة والتأديبات القاسية يشرق الرب عليهم بالرجاء في الخلاص بذراع إلهي من خلال المسيا، الملك الحقيقي، من نسل داود، الذي يضم في جسده أعضاء من كل الشعوب!
الله الذي سمح لهم بالنسرين: ملك بابل وفرعون مصر لتأديبهما، يحملهما كما بجناحي نسر لا ليدخل بهم إلى أرض الموعد، وإنما ليحمل البشرية من كل الأمم إلى حضن الأب، في أورشليم العليا، حيث لا تقدر النسور أن تخطف!
من وحي حزقيال 17

احملني كما بجناحي نسر!


* قديمًا حَملتَ شعبك من عبودية فرعون كما بجناحي نسر،
وأتيت بهم إليك،
ودخلت بهم إلى أرض الموعد!
لكنهم إذ تركوك صاروا فريسة النسور!
حملهم نبوخذنصَّر كنسر يلتهمهم،
لجأوا إلى فرعون مصر، فإذا به كنسر يخطفهم!
الآن قد أتيت إلى عالمنا البشرية المؤمن بك،
تحملهم كما بجناحي نسر إلى حضن أبيك!
* إلهي... كم أنا محتاج إليك!
هوذا خطاياي أثارت النسور عليّ!
هربت من بين يديك فصرت فريسة رخيصة!
تعال أيها العجيب في حبك،
احملني فيك، واخفيني، واستر عليّ!
هب لي جناحي حمامة فأطير إلى السماء!
هب لي روحك القدوس عاملًا فيها!
لتحملني إلى حضن أبيك أيها القدوس!
كم أنا مشتاق إليك يا صخرة نفسي!



  رد مع اقتباس
قديم 28 - 01 - 2023, 02:52 PM   رقم المشاركة : ( 20 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,204,095

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: تفسير سفر حزقيال

تفسير سفر حزقيال






المسئولية الشخصية



في الأصحاح الرابع عشر تحدث عن مسئولية الإنسان الشخصية عما يرتكبه من آثام أو يفعله من برّ، فالنبي الكاذب إذ يضل يكون إثمه عليه، وكل فرد من الشعب يسأل نبيًا كاذبًا أو يرتكب إثمًا يحمل إثم نفسه. وأكد أنه متى عاقب الرب المدينة لشرها فإن وجد "نوح ودانيال وأيوب" يخلصون أنفسهم ولا يخلصون الشعب ولا حتى أبناءهم أو بناتهم. أما هنا فيتحدث عن التزام كل إنسان بما يفعله بغض النظر عن والديه وسلوكهما، أو ماضيه وما كان عليه، مقدمًا أمثلة لذلك:




1. المسئولية الشخصية:


في هذا الأصحاح عالج الرب المثل الشائع بين الشعب اليهودي: "الآباء أكلوا الحصرم وأسنان الأبناء ضرست" [2]. فقد شعروا أن ما يحل عليهم من غضب إلهي إنما هو ثمرة شر آبائهم الذين أدخلوا العبادة الوثنية إلى المقدسات الإلهية. لكن الرب أراد أن يؤكد أنه لن يجازي إنسانًا من أجل خطايا والديه. وأن ما يسمح به من تأديب فهو من أجل ما يصنعه الناس في ذلك الوقت.
سبق أن عالجنا هذا الموضوع أثناء تفسير سفر الخروج، إذ يقول الرب: "لأني أنا الرب إلهك إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيَّ" (خر 20: 5). رأيناأنالله لا يعني بهذا أنه يُحمِّل جيلاً ما خطايا الأجيال السابقة، لكنه في محبته يطيل أناته على جيل وجيلين لعلهم يتوبون، فإن لم يتوبوا يحمِّل الجيل الثالث وأيضًا الرابع التأديب لأنهم لم يتوبوا عن طريق آبائهم، إذ يسميهم "من مبغضيَّ أما إذا تابوا عن طريق آبائهم فلا يحسبون أبناء للأشرار بل يصير الله نفسه أباهم، فينعموا بنعمته.
*النفسالتي لا تسكن في الله هي مصدر شرورها، فتخطئ، والنفس التي تخطئ هي نفسها تموت .
القديس أمبروسيوس
ليس لدى الله محاباة، نفس الأب كنفس الابن، أو كما يقول: "ها كل النفوس لي. نفس الأب كنفس الابن، كلاهما لي. النفس التي تخطئ هي تموت" [4]... هنا نتساءل:
أولًا: ألا يرث الإنسان شيئًا من ضعفات أبيه؟
ثانيًا: هل تموت النفس؟

أولًا: ألا يرث الإنسان شيئًا من ضعفات أبيه؟

لا يتجاهل الكتاب المقدس أثر الوالدين على حياة الإنسان، فالإنسان الذي يولد في بيت مقدس، يتربي بين أبوين تقيين، يجد إمكانية تساعد على نمو حياته الروحية، وانطلاق نفسه للحياة مع الله. وبالعكس إذا وجد أب شرير وأم شريرة إن لم يشجعا ابنهما على الخطيئة والشر فلا أقل من أن يقفا عثرة أمام نموه الروحي. ومع هذا فكثير من الأبناء أحبوا الشر بالرغم من تقوَى والديهم مثل ابني عالي الكاهن، وأيضًا من الأبناء من أحبوا البر بالرغم من شر آبائهم. البيئة التي يحيا فيها الإنسان قد تكون صالحة أو شريرة لكنها لا تلزمه بالصلاح أو الشر. بل إن الإنسان نفسه قد يبدأ حياته بالشر ثم يعود فيكمل طريقه مع الله، وقد يبدأ بالروح ليعود فيسقط في الشر ويعيش في الخطيئة. لهذا قدم لنا هذا الأصحاح أربعة أمثلة: من كان شريرًا لأب بار، ومن كان بارًا لأب شرير، ومن كان بارًا ثم انحرف أو العكس. وقد تم ذلك في ملوك يهوذا. فحزقيال الملك الصالح كان خادمًا مكرسًا "عمل المستقيم في عيني الرب حسب كل ما عمله داود أبوه" (2 أي 29: 2) افتتححكمه بترميم الهيكل وتطهيره وأزال المرتفعات وطرح التماثيل... أما أبوه آحاز فقد تعلق قلبه بحب الأصنام من أول حكمه وأجاز ابنه في النار وذبح على المرتفعات (2 مل 16: 3-4)بل وأغلق أبواب رواق الهيكل وأطفأ السرج ولم يوقد بخورا ولا أصعد محرقة لله الحي (2 مل 29: 7). أمامنسى بن حزقيا فأضل شعبه عن الحق، وجعلهم يذبحون لكل جند السماء، وعملوا ما هو أقبح من كل الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل (2 مل 21: 2-9) وإنكان في أواخر أيامه أصلح الكثير مما أفسده (2 أي 33: 1-20).
ثانيا: هل تموت النفس؟


يميز القديس جيرومبين قول المرتل: "أي إنسان يحيا ولا يري الموت؟!" (مز 88/89: 49)،وماجاء في حزقيال النبي: "النفس التي تخطئ هي تموت" [4]، قائلًا: [إن هناك فارقًا بين رؤية الموت وتذوقه، فإن من يري، يري بالتأكيد لكنه لا يتذوقه، ومن يتذوقه بالضرورة يراه]. يقصد بهذا كل البشرية تري الموت، موت الجسد، لكن من كانت نفسه مقدسة في الرب يري موت جسده لكنه لا يذوق الموت إذ هو حامل قوة قيامة المسيح عاملة فيه.
*كمايوجد موت الجسد يوجد موت للنفس... موت النفس على أي الأحوال ليس كموت الجسد، إنه مفزع للغاية. موت الجسد هو انفصال النفس عن الجسد، الواحد عن الآخر، فيعتق الإنسان من الاهتمامات المعلقة والأتعاب وينقل الآخر (النفس) إلى مسكن واضح. عندئذ إذ ينحل الجسد ويتحلل يعود فيجُمع من جديد في عدم فساد ويتقبل النفس التي له مرة أخرى. هذا هو موت الجسد، أما موت النفس فمخيف ومرعب. ففيه إذ يحدث انحلال لا تنتهي النفس كالجسد إنما ترتبط بالجسد مرة أخرى ولا تفني بل تلقي معه في نار لا تُطفأ.
القديس يوحنا الذهبي الفم
*هذاالموت (للنفس)ضده وعدوه ذاك القائل: "أنا هو الحياة" (يو 14: 6).
العلامة أوريجانوس
*حسبالكتب المقدسة نحن نتعلم أنه يوجد ثلاثة أنواع من الموت:
موت عندما نموت عن الخطيئة ونحيا لله. مبارك هو هذا الموت الذي به نهرب من الخطيئة ونتكرس لله، فيفصلنا عما هو مائت ويقدسنا لذاك الذي هو غير مائت.
والموت الآخر هو الرحيل عن هذه الحياة كما مات الأب إبراهيم والأب داود ودفنا مع آبائهما، عندما تتحرر النفس من قيود الجسد.
والموت الثالث هو ما قيل عنه "دعالموتى يدفنون موتاهم" (مت 8: 22). بهذاالموتلا يموت الجسد فقط بل والنفس أيضًا، لأن "النفس التي تخطئ هي تموت" (حز 18: 4) تموتعن الرب لا من خلال ضعف الطبيعة وإنما من خلال ضعف ارتكاب المعصية. هذا الموت ليس تركا لهذه الحياة بل هو السقوط في الخطأ.
إذن الموت الروحي شيء، والموت الطبيعي آخر، والثالث هو الموت العقوبة.
القديس أمبروسيوس


يري القديس إكليمنضس الإسكندري أن الكلمات الواردة بهذا الأصحاح [4-9] "تحويوصفًا لسلوك المسيحيين، حيث يحثنا الله بنبل على الحياة المطوَّبة التي هي مكافأة حياة الصلاح، الحياة الأبدية" . فقد شمل هذا الوصف الجوانب الإيجابية والسلبية في حياة المؤمن:
أ. يليق بالمسيحي أن يسلك في البر، يفعل الحق والعدل [5]، لا يأكل على الجبال التي تدنست بذبائح الوثنيين ولا يرفع عينيه إلى أصنامهم. هكذا يتقدس بالكلية، يتقدس في قلبه بالبر والحق والعدل، ويتقدس في أكله بامتناعه عن الاشتراك في الولائم الوثنية، بل ويتقدس في نظرات عينيه، فلا يرفع عينيه إلى أصنامهم. يتقدس بالعمل الايجابي الذي هو فعل البر وحب الحق والعدل، وسلبيًا بامتناعه عن كل ما هو شر...
ب. المسيحي لا يُنجس امرأة قريبه ولا يقرب من زوجته متى كانت طامثًا، يحب القداسة في حياته الداخلية وفي جسده كما في الآخرين، إنه لا يشتهي امرأة أخيه...
ج. لا يمارس ظلمًا ضد أحد لا بإعطائه الآخرين حقوقهم الشرعية فحسب، إنما يعطي الفقير حقه في مشاركته احتياجاته، ويهب العريان حقه في مشاركته ثيابه، ويقدم للمدين المحتاج حق الحب والرحمة فلا يطلب منه ربا، كما يقدم للآخرين حق مساندة المظلوم ضد الظالم، فلا يقف في سلبية بل "يجري العدل الحق بين الإنسان والإنسان" [8].
د. أما سر حياته البارة فهو دخوله في الوصية الإلهية، إذ يقول الرب: "سلك في فرائضي وحفظ أحكامي ليعمل بالحق فهو بار" [9].

2. ابن شرير لأب بار:

أول مثل قدمه الرب عن المسئولية الشخصية هو الابن الشرير للأب البار إنه "لا يحيا؛ قد عمل كل هذه الرجاسات فموتًا يموت. دمه يكون على نفسه" [13]. بر أبيه لا ينقذه من ثمر رجساته بل موتًا يموت.
كتب القديس جيروم إلى الشماس سابنيانُس Sabinianus يحثه على التوبة هكذا: [ربما تغتر في نفسك أن الأسقف الذي سامك رجل قديس، فتظن أن استحقاقاته تكفر عن معاصيك. لقد سبق فقلت لك إن الأب لا يُعاقب عن ابنه ولا ابن عن أبيه. النفس التي تخطئ هي تموت ].
3. ابن بار لأب شرير:

لقد ظن الشعب في أيام الملك صدقيا أنهم أبر من الشعب في أيام الملك منسى فشعروا أنهم يتحملون إثم آبائهم، لكن الرب يؤكد هنا: "إن وَلد ابنا رأى جميع خطايا أبيه التي فعلها فرآها ولم يفعل مثلها... فإنه لا يموت بإثم أبيه، حياة يحيا. أما أبوه فلأنه ظلم واغتصب أخاه اغتصابًا وعمل غير الصالح بين شعبه فهوذا يموت بإثمه" [14-19].
إذ يرتكب الإنسان إثما يفقد حياته كقول القديس غريغوريوس النيصي: [الخطيئة ليست إلا تغربًا عن الله الذي هو الحياة الحقيقية وحده].
لكن ربما يتساءل البعض، كيف لا يحمل الابن البار إثم أبيه وقد قيل: "ليذكر إثم آبائه لدى الرب ولا تمح خطيئة أمه" (مز 109: 14)؟
ُيجيب القديس أغسطينوس: [هل يفهم أنه يحل بالإنسان حتى إثم آبائه؟ الذين يتحولون في المسيح لا يحل عليهم إثم آبائهم، إذ لا يعودون بعد أبناء للأشرار لكونهم لم يتمثلوا بسلوكهم. لذلك يُضاف للكلمات: "افتقدذنوب الآباء في الأبناء... من مبغضيَّ" (خر 20: 5)،أيالذين يبغضونني كما أبغضني آباؤهم ].
4. رجوع الإنسان عن شره:

قلنا إن الرب أراد بحديثه هنا أن يدفع شعبه نحو التوبة، بعدم ارتباكهم بسبب خطايا آبائهم، بل وأيضًا عدم ارتباكهم بخطاياهم الشخصية السابقة أو الحالية إن قدموا توبة صادقة، إذ يقول: "فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقًا وعدلا فحياة يحيا. لا تموت" [21]. يعتبر البعض هذه العبارة هي مركز السفر كله، أثمن عبارة وردت فيه، إنها دعوة قوية للتوبة! "هل مسرةً أُسر بموت الشرير، يقول السيد الرب، إلا برجوعه عن طريقه فيحيا؟!" [23] إنه يفتح باب الرجاء على مصراعيه لكي لا تهلك نفس واحدة بروح اليأس القاتل.
لقد وجد الآباء الكنسيون في هذا الأصحاح حقلًا خصبًا يدخل إليه كل ساقط يائس ليأكل من ثمر التوبة فيمتلئ رجاءً، كما يقدم تحذيرات واضحة للنفوس القائمة لئلا تفقد بتهاونها كل تعبها الماضي. وفيما يلي بعض تعليقات الآباء:
*بالتشجيعيخفف من ثقل الخطايا ويقلل من الشهوات، باعثًا الرجاء في الخلاص.
القديس إكليمنضس الإسكندري
*منأجل الذين هم في خطر اليأس قدم لهم ملجأ الغفران، ومن أجل الذين هم في خطر الرجاء (الاستهتار)وهم يماطلون بالتأجيل جعل يوم الموت غير أكيد.
القديس أغسطينوس
*إنسمعوا هذا الصوت وآمنوا به يشفوا من اليأس، ويقوموا من الهوة التي لا نهاية لأعماقمها التي سقطوا فيها.
القديس أغسطينوس
*نحنلا نيأس من إنسان مادامت أناة الله تقتاد الأشرار إلى التوبة، فلا نطرده من هذه الحياة.
القديس أغسطينوس
*لاتيأس من الخلاص. تذكر ما هو مكتوب في الكتاب المقدس أن الساقط يقوم والضال يعود (إر 8: 4) والمجروحيشفي،والذي سقط فريسة للوحوش يفلت، والذي يقر بخطاياه لا يحتقر... إنه وقت للاحتمال وطول الأناة، وقت للشفاء والتصحيح، فهل تعثرت؟ قم! هل أخطات كف عن الخطيئة!
القديس أغسطينوس

*التوبةهي "حياة"أفضل من الموت...
لتسرع إليها أيها الخاطئ، وتحتضنها كما يحتضن الغريق بعض العوارض فتنشلك من الغرق وسط أمواج الخطايا، وتحملك إلى الميناء الإلهي المملوء حنوًا.
العلامة ترتليان

* مادام ما يقوله الرب هو حق، عندما اتوب ينسي كل خطاياي الماضية وكل آثامي لماذا تخيفنني؟
الله يعدني بالغفران، فهل تسقطني أنت في اليأس؟
الأب قيصريوس أسقف آرل
في الوقت الذي فيه فتح أبواب الرجاء بكل قوة أمام الخطاة لكي يتوبوا إذا به يحذر القيام لئلا يسقطوا، قائلًا: "وإذا رجع البار عن بره وعمل إثمًا وفعل مثل كل الرجاسات التي يفعلها الشرير أفيحيا؟! كل بره الذي عمله لا يذكر في خيانته التي خانها وفي خطيته التي أخطأ بها يموت" [24].
وكما يقول القديس أنبا أنطونيوس: [ليتنا نثبت في تدريبنا كل يوم، عالمين أننا إذ نهمل لمدة يوم واحد لن يغفر لنا الرب من أجل الماضي، بل يحل غضبه على إهمالنا... فقد أفسد يهوذا جهاده الماضي بسبب ليلة واحدة].
ويقول القديس باسيليوس الكبير:[متى حدث تغير يصير تعب البار باطلاً كما لا يُلام الخاطئ وذلك بانحراف الأول عما هو حسن إلى ما هو أشر، وميل الثأني عما هو شر إلى ما هو أفضل ].
لكن ألا تعتبر هذه العبارة قاسية وعنيفة؟
القديس يوحنا الذهبي الفم: [لقد أظهر الله حتى في هذا الأمر عظمة حنو محبته، مقدمًا لنا هذه الأمور المرعبة لكي يقيمنا ويوقظ فينا شهوة الملكوت ]

القديس إكليمنضس الإسكندري: [إن عقوبات الله هي للخلاص، والتأديب يقودنا إلى التوبة، إذ يشتاق الله إلى التوبة أكثر من موت الخاطئ ].
"لأني لا أُسر بموت من يموت يقول السيد الرب. فارجعوا واحيوا" [32].
هذه الكلمات ينطق بها الله لك إن كنت بائسًا: "لأني لا أُسر بموت شرير".
حتى أن كنت تريد موتك، فأنا لا أريد ذلك.
إنك لم تخلق نفسك، لكنك باليأس تهلك.
على أي الأحوال، لقد خلقك الله حين لم تكن موجودًا، بعد ذلك هو بحث عنك عندما ضللت، ووجدك خلال دم ابنه وخلصك.
هو نفسه يدعوك: ارجع من هاوية اليأس. تعال، فإنني لا أشاء موت الخاطئ بل أن يرجع ويحيا...
لا تفقد الثقة بسبب اليأس من جهة خطاياك، وفي نفس الوقت لا تثق في طول الحياة. لذلك تب... لماذا لا تتب اليوم ؟
الأب قيصريوس أسقف آرل
يري العلامة أوريجانوس في هذا الحديث الإلهي الخاص بإمكانية رجوع الخطاة إلى الله وبتحذير القائمين من السقوط، تأكيد خطأ القائلين بوجود طبائع مختلفة تخلق هكذا، موضحًا أنه يمكن للخاطئ أن يصير صالحًا والعكس بالعكس .

من وحي حزقيال 18

لم تخلقني لأموت!


*خلقتنيكملك أحيًا في العالم - قصري الملوكي!
لم تخلقني لأموت، بل لأحيا بك ومعك!
*عجيبأنت يا رب في حبك لي،
فإنني حتى إن طلبت الموت أنت تُريد حياتي!
أني لا أعرف ما هو لبنيأني ومجدي!
أما أنت فتعرف كل ما هو لحياتي يا خالقي!
*إنكلا تشاء موتي بل حياتي،
لا تحاسبني على أخطاء آبائي،
ولا تجرح مشاعري عن خطايا تركتها،
انك عجيب في اهتمامك بي!
*أنتمخلص النفوس من الفساد،
أنت وحدك تقدر على تجديد طبيعتي يا مخلصي!
  رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
هل نبوة حزقيال عن ياتي الذي له الحكم هي عن رسول الاسلام ؟ حزقيال 21
هل استجابة الرب لطلبة حزقيال يعتبر ناسخ ومنسوخ ؟ حزقيال 4: 10-12
تفسير سفر حزقيال - د/ مجدى نجيب
تفسير "حزقيال 23" اهولة واهوليبة (للرابي اليهودي الحاخام جاك أبرامويتز)
" تفسير مجازى للرؤيا الموصوفة في سفر حزقيال النبي"


الساعة الآن 02:52 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024