![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() رأينا في الأصحاح السابق إرميا النبي المجروح في بيت أحبائه، فقد ثار ضده شعبه مع غالبية القيادات لتحكم عليه: موتًا تموت! الآن نرى في هذا الأصحاح الصورة تتكامل بكون إرميا ظلًا للسيد المسيح المتألم. بينما كان الكهنة واللاويون يرتدون الثياب الفخمة، والقيادات تتبختر في مجدها الزمني إذا بإرميا بأمر إلهي يحمل نيرًا أو أنيارًا وأربطة... يحمل ما تئن منه الثيران! كرمز للسيد المسيح كان يحمل النير (الصليب)، فيُقال عنه: "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، ولا منظر فنشتهيه، محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع مختبر الحزن..." (إش 53: 2-3). كثيرون بلا شك كانوا يسخرون من منظره، فقد جاءوا إلى بيت الرب بثيابٍ فاخرةٍ أما ثوبه فهو: نير الحب الباذل! إرميا كنبي للشعوب (إر 1) حذر الأمم الغريبة مع يهوذا مطالبًا إياهم بالخضوع لنير بابل حتى يحيوا... فلا تتعرض بلادهم للحرق بالنار وشعبهم للقتل بالسيف، مع انتشار الجوع والوباء. 1. تحذير لرسل الملوك الغرباء: هذا الأصحاح هو المصدر الوحيد بين أيدينا عن وجود تحالف بين دويلات الغرب [3]، أما محتوياته التاريخية فقد ألقى عليها شيء من الضوء خلال التاريخ البابلي الذي نشره ويزمان. 1 فِي ابْتِدَاءِ مُلْكِ يَهُويَاقِيمَ بْنِ يُوشِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا، صَارَ هذَا الْكَلاَمُ إِلَى إِرْمِيَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ قَائِلًا: 2 «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِي: اصْنَعْ لِنَفْسِكَ رُبُطًا وَأَنْيَارًا، وَاجْعَلْهَا عَلَى عُنْقِكَ، 3 وَأَرْسِلْهَا إِلَى مَلِكِ أَدُومَ، وَإِلَى مَلِكِ مُوآبَ، وَإِلَى مَلِكِ بَنِي عَمُّونَ، وَإِلَى مَلِكِ صُورَ، وَإِلَى مَلِكِ صَيْدُونَ، بِيَدِ الرُّسُلِ الْقَادِمِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى صِدْقِيَّا مَلِكِ يَهُوذَا. 4 وَأَوْصِهِمْ إِلَى سَادَتِهِمْ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هكَذَا تَقُولُونَ لِسَادَتِكُمْ: 5 إِنِّي أَنَا صَنَعْتُ الأَرْضَ وَالإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ الَّذِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ، بِقُوَّتِي الْعَظِيمَةِ وَبِذِرَاعِي الْمَمْدُودَةِ، وَأَعْطَيْتُهَا لِمَنْ حَسُنَ فِي عَيْنَيَّ. 6 وَالآنَ قَدْ دَفَعْتُ كُلَّ هذِهِ الأَرَاضِي لِيَدِ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ عَبْدِي، وَأَعْطَيْتُهُ أَيْضًا حَيَوَانَ الْحَقْلِ لِيَخْدِمَهُ. 7 فَتَخْدِمُهُ كُلُّ الشُّعُوبِ، وَابْنَهُ وَابْنَ ابْنِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ أَرْضِهِ أَيْضًا، فَتَسْتَخْدِمُهُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَمُلُوكٌ عِظَامٌ. 8 وَيَكُونُ أَنَّ الأُمَّةَ أَوِ الْمَمْلَكَةَ الَّتِي لاَ تَخْدِمُ نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكَ بَابِلَ، وَالَّتِي لاَ تَجْعَلُ عُنُقَهَا تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ، إِنِّي أُعَاقِبُ تِلْكَ الأُمَّةَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ، يَقُولُ الرَّبُّ، حَتَّى أُفْنِيَهَا بِيَدِهِ. 9 فَلاَ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ لأَنْبِيَائِكُمْ وَعَرَّافِيكُمْ وَحَالِمِيكُمْ وَعَائِفِيكُمْ وَسَحَرَتِكُمُ الَّذِينَ يُكَلِّمُونَكُمْ قَائِلِينَ: لاَ تَخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ. 10 لأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِالْكَذِبِ، لِكَيْ يُبْعِدُوكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ، وَلأَطْرُدَكُمْ فَتَهْلِكُوا. 11 وَالأُمَّةُ الَّتِي تُدْخِلُ عُنُقَهَا تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ وَتَخْدِمُهُ، أَجْعَلُهَا تَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهَا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَتَعْمَلُهَا وَتَسْكُنُ بِهَا». [1-11]. تفترض أحداث هذا الأصحاح سبيعام 597 ق.م. بعد تجليس الملك صدقيا. جاء في النسخ العربية والسريانية وغيرها "ملك صدقيا" عوض "يهوياقيم" أما الترجمة السبعينية فلا توجد بها الآية الأولى. يرى Lightfoot أن إرميا قد بدأ في صنع الأنيار والأربطة في عهد يهوياقيم، وبعد ذلك ارسلها إلى الملوك المجاورين في عهد صدقيا الملك. في السنة الرابعة لملك نبوخذنصر شعر بعض الملوك بأن الجانب الغربيمن المملكة البابلية على وشك القيام بثورة وتمرد حيث ظهرت قلاقل في المملكة. ففي عام 5-596 ق.م. هُوجمنبوخذنصر بعدولا يعرف اسمه، ربما عيلام، وفي عام 4-595 ق.م. حدثت ثورة على حدود مملكته. في عام 3-594 ق.م. قاد حملة عسكرية داخل سوريا... فكانت أيام مملوءةبالقلاقل بالنسبة لنبوخذنصر. هذادفعبعض الدول في غرب مملكته أن تفكر في الخلاص من نيره. ويرى البعض أنه بعد ما فتحت جيوش ملك بابل أورشليم للمرة الأولى بأربع سنوات قام في مصر ملك جديد اختمرت في قلبه فكرة الثورة على بابل. أرسل الملوك المجاورون إلىصدقيا الملك يطلبونمشورته وعونه ويقيمون تحالفًا معًا. أكّد الأنبياء الكذبة أن بابل على وشك الانهيار وأن يهوياكين يعود إلىأورشليم ومعه كنوز يهوذا التي سُلبت، وأن الظروف مساعدة للثورة... لكن وُجد رجل واحد يقف أمام الكل لينادي ببطلان نبوات هؤلاء الأنبياء، وهو إرميا النبي! في نفس السنة، السنة الرابعة من ملكه، ذهب صدقيا الملك إلى بابل (إر 59: 51) إما باستدعاء الملك له أو ليظهر ولاءه على ضوء انتشار خبر تمرد الملوك في غرب المملكة. أتىإرميا بنير (أو أكثر) خشبي وبه الأربطة الجلدية، هذا الذي يوضع على عنق الثور ويثبَّت بالأربطة الجلدية حتى لا يلقي به الثور عن عنقه. وضعه على عنقه ليحدثهم بلغة التمثيل، إنه ينبغي أن يخضعوا لسلطان بابل. يرىالبعض أن إرمياجاء بعدة أنيار، وضع كل نير على عنقه ثم سلمه لرسول كل ملكٍ من الملوك كي يقدمه لملكه الذي أرسله، بينما يرى آخرون أنه جاء بنيرٍ واحدٍ مملوء أربطة، وما كان على الرسل إلا أن يبلغوا ملوكهم بما رأوه وسمعوه. بهذا يُحسب كأن النير قد وُضع على كل ملكٍ منهم، إذ جاء في الترجمة السبعينية "أرسله" [3] بصيغة المفرد، وليس "أرسلها" مما يوحي بأن إرميا جاء بنيرٍ واحدٍ فقط، وما على الرسل إلا إبلاغ الملوك بالخبر، دون أن يقدم نيرًا لكل رسول. ربما يتساءل البعض: هل كان بالحقيقة يضع إرميا نيرًا على عنقه؟ الإجابة بالإيجاب، إذ نرى في الأصحاح (إر 28: 10، 12) نبيًا كاذبًا يكسر النير الخشبي الموضوع على عنق إرميا. على كلٍ لم يتم التحالف المزمع إما لأن الملوك لم يستطيعوا أن يتفقوا معًا على الخطة، أو لأنهم رأوا أن الخطر عظيم. بدأ حديث إرميا بإعلان سلطان يهوه إله إسرائيل على الأرض كلها وشعوبها وكل الخليقة، ليس بكونه الخالق فقط، وإنما هو إله التاريخ وصانعه، وأنه هوالذي أقام نبوخذنصر عبده لغرض إلهي. هناك خطة من جهة نبوخذنصر وابنه وحفيده، وليس شيء يحدث اعتباطًا. يرى Adam Clarke أن ذلك قد تحقق حرفيًا حيث خلفه ابنه أويل مردوخ وفيما بعد حفيده بيلشاصر (دا 5: 11). بينما يرى البعض أنه لا يقصد هنا بالابن والحفيد حسب الجسد لكنه يقصد الذين يخلفونه بالتتابع لمدة طويلة، فيُحسب الملك الثالث بعده كحفيد له تولى عرش جده. نحن نعلم أن نبوخذنصر خلفه ابنه أويل مردوخ، بعد ذلك جاء نرجل شراصرNergalsharzer الذي يعرفه اليونانيون باسم Neriglissar (إر 39: 13) ليس ابنه بل زوج أخته بعد قتله أويل مردوخ، ثم تبعه ابنه Laborosoarchod وهو طفل، قُتل بعد 9 شهور بواسطة بعض المتآمرين، وبعد ذلك Naboned الذي اشترك معه بيلشاصر (حفيد نبوخذنصر) كشريكٍ في الملك. عدم الخضوع لبابل هو رفض للمشورة الإلهية ضريبتها السقوط تحت السيف مع الجوع والوبأ. تحدث إرميا بيقين ليس معتمدًاعلى تكهنات سياسية، وإنما باقتناع قوي أن الله رب الجنود هو قائد كل شئون العالم، له خطته نحو البشر. حقًا كان نبوخذ نصر شريرًا، ومع ذلك أعطاه الله نصيبًا وافرًا من خيرات هذا العالم، ولكن إلى حين. هذا ما نلمسه كل يوم حين نجد أشرارًا ناجحين، فنصرخ مع المرتل، قائلين: "لماذا تنجح طريق الأشرار؟!"... يستخدم الله أحيانا نجاحهم لتأديب أولاده مع نزع كل عذر للأشرار عن شرهم. * إنها خطايانا التي تجعل البرابرة أقوياء، إنها رذائلنا التي تقهر جنود روما... يا لبؤس الإسرائيليين الذين عندما قورنوا بنبوخذنصر دُعي هو عبد الله . يا لبؤسنا نحن أيضًا الذين إذ نُغضب الله يستخدم غضب البرابرة ليصب غضبه علينا. ومع هذا عندما تاب حزقيا هلك 185000 جنديًا أشوريًا بواسطة ملاكٍ واحدٍ (2 مل 19: 35). وعندما رنم يهوشفاط للرب تسابيح وهب الله ذاك الذي تعبد له النصرة (2 أي 20: 5-25). أيضًا عندما حارب موسى ضد عماليق، غلب لا بالسيف بل بالصلاة. لهذا إن أردنا أن نرتفع يلزمنا أولًا أن ننبطح! القديس جيروم واضح من [9] لا بُد أنه كان في الأمم المجاورة أنبياء كذبة يعتمدون على التنجيم والسحر والعرافة كما كان في إسرائيل. وقد ذكر السحرة الوثنيين والعرافين مع الأنبياء الكذبة إذ اشترك الكل في أمرٍ واحدٍ، وهو الرغبة في إرضاء سادتهم وتهدئة نفوس من هم حولهم على حساب الحق الإلهي. هكذا يختلط الوثنيون مع الذين يحملون اسم الله كذبًا ويتنبأون باسمه باطلًا. لهذا يليق بنا لكي نتعرف على إرادة الله (أف 5: 17) ونميز علامات الأزمنة (مت 16: 3) أن نتقدس ونحمل روح الطاعة والتمييز، ولا تكون لنا شركة مع الشر. إرميا مثل إشعياء الذيوضع حدًا لمملكة أشور (إش 5: 10-12) التي تنتهي عندما تحقق غرض الله منها، هكذا يتحدث إرميا عن بابل. يستخدم عدو الخير اسم الله كحجة ليبث أكاذيبه (مت 4: 6، 7: 22، 33). 2. نصيحة لصدقيا الملك: "12 وَكَلَّمْتُ صِدْقِيَّا مَلِكَ يَهُوذَا بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ، قَائِلًا: «أَدْخِلُوا أَعْنَاقَكُمْ تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ وَاخْدِمُوهُ وَشَعْبَهُ وَاحْيَوْا. 13 لِمَاذَا تَمُوتُونَ أَنْتَ وَشَعْبُكَ بِالسَّيْفِ بِالْجُوعِ وَالْوَبَإِ، كَمَا تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنِ الأُمَّةِ الَّتِي لاَ تَخْدِمُ مَلِكَ بَابِلَ؟ 14 فَلاَ تَسْمَعُوا لِكَلاَمِ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يُكَلِّمُونَكُمْ قَائِلِينَ: لاَ تَخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ، لأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِالْكَذِبِ. 15 لأَنِّي لَمْ أُرْسِلْهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، بَلْ هُمْ يَتَنَبَّأُونَ بِاسْمِي بِالْكَذِبِ، لِكَيْ أَطْرُدَكُمْ فَتَهْلِكُوا أَنْتُمْ وَالأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ»." [12-15]. يكرر إرميا ما قاله لرسل الملوك لصدقيا الملك، حتى يبدو كمن هو عميل لبابل وخائن لبلده. كان من الصعب على أي يهودي خاصة الملك أن يسمع تلك الكلمات: "ادخلوا أعناقكم تحت نير ملك بابل"، فقد عرفوا أن الله إلههم هو المحرر من نير العبودية، إذ سبق فوعد: "أن الرب إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر من كونكم لهم عبيدًا وقطع قيود نيركم وسيركم قيامًا" (لا 26: 13)، فكيف يطلب منهم أن ينحنوا ليُدخلوا أعناقهم تحت نير ملك وثني؟! إنها علامة غضب الله! كانت إحدى اللعنات التي يسقط تحتها الشعب في عصيانه للوصية هي: "تُستعبد لأعدائك الذين يُرسلهم الرب عليك... فيجعل نير حديد على عنقك حتى يهلكك، يجلب الرب عليك أمة من بعيد من أقصاء الأرض كما يطير النسر، أمة لا تفهم لسانها..." (تث 28: 48 إلخ). لم يسمع صدقيا له، فكان مصيره السبي (587 ق.م.) بعد قتل أولاده أمام عينيه، وفُقأت عيناه (2 مل 25: 1-7). لماذا أمرهم الله بالخضوع لنير بابل؟ أ. يبدو مما نعرفه من التاريخ أن إرميا نجح هذه المرة بأن يردّ صدقيا عن الاشتراك في مثل هذه الثورة. ومن ثمَّ نقدر أن نفهم موقف إرميا وهو يحث الملك والدول المجاورة على البقاء في خضوعها، لا لأنه كان يحب بابل ويُعجب بها ويؤثر سيطرتها على الحرية والاستقلال، بل لأنه أدرك بالإعلان الإلهي أن هذه هي إرادة الله وحكمته ولا يقدر الإنسان أن يقف أمامها. لعل الله أمرهم بذلك لكي يكتشفوا خلال المذلة لنير بابل النير الداخلي الذي سقطوا تحته، وهو نير الخطية. فباذلال الجسد وظروف الحياة القاسية وحرمانهم من بلدهم ومدينتهم المقدسة وهيكل الرب... يدركون ماذا يفعل نير سبي الخطية. فيقولون مع إرميا النبي: "جعلني ضربة اليوم كله، مغمومة؛ شَدَّ نير ذنوبي بيده، صعدت على عنقي. نزع قوتي، دفعني السيد إلى الابد لا أستطيع القيام منها" (مرا 1: 14). نسمع عن هذا النير في فريضة البقرة الحمراء (عد 19)، إذ يشترط في البقرة المقدمة كذبيحة خطية أن تكون "صحيحة، لا عيب فيها، ولم يعلُ عليها نير" (عد 19: 2). وذلك بكونها رمزًا للسيد المسيح الذي وحده بلا خطية، ليس فيه عيب، ولم يسقط تحت نير الخطية. لقد وبخ اليهود، قائلًا: "من منكم يبكتني على خطية؟" (يو 8: 46). يقول الرسول بولس: "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن البركات الله فيه" (2 كو 5: 21). وكما يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [نعم، المسيح نفسه يقول: "من أجلكم أقدس أنا ذاتي" (يو 17: 19)، ويقول أيضًا "رئيس هذا العالم قد دين" (يو 16: 11)، مظهرًا أن الذي ذُبح هو بلا خطية" ]. أيضًا حينما ارتبك الفلسطينيون بسبب الضربات التي حلت عليهم وضعوا التابوت على عجلة واحدة جديدة يجرها بقرتان مرضعتان لم يعلهما نير (1 صم 6: 7)... فانطلقت المركبة: نحو حقل يهوشع، أي حقل يسوع، كنيسة المخلص... وفرح الحصادون لما رأوا تابوت العهد! إذن ليحملوا نير بابل فيدركوا قسوة نير الخطية، خلال الصليب، معطيًا للنير عذوبة، لأنه نير صليب الحب الباذل. إذ يقول: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم؛ احملوا نيري عليكم، وتعلموا مني... لأن نيري هيّن (حلو) وحملي خفيف" (مت 11: 28-30). أنه يدعونا لنلقي نيرنا تحت قدميه، لا لنعيش بغير نير، وإنما نستبدل نيرنا بنيره العذب. عوض نير الخطية القاسي نحمل شركة نير المسيح، أي شركة آلامه النابعة عن الحب الباذل! يحدثنا عن نير الحب العذب هذا وفاعليته في حياتنا، قائلًا: "كنت أجذبهم بحبال البشر برُبُط المحبة، وكنت لهم كمن يرفع النير عن أعناقهم، ومددت إليه مُطعمًا إياه" (هو 11: 4). إذ يرى المؤمن مسيحه يحمل النير عنه يشتهي أن يكون له مجد الشركة معه في حمل هذا النير. يشتهي أن يحمله منذ صباه، محققًا قول إرميا النبي: "جيد أن ينتظر الإنسان ويتوقع بسكوت خلاص الرب؛ جيد للرجل أن يحمل النير في صباه" (مرا 3: 27). ب. إذ كانت خطاياهم تتسم بالظلم مع الرجاسات لذلك أراد لهم أن يحملوا نير بابل حتى يدركوا قسوة نيرهم الذين يلقونه على أعناق إخوتهم، فلا يفعلوا كما فعل رحبعام حين قال له يربعام وكل جماعة إسرائيل: "إن أباكم قسّى نيرنا، وأما أنت فخفف الآن من عبودية أبيك القاسية ومن نيره الثقيل الذي جعله علينا فنخدمك" (1 مل 12: 4)، أجابهم: "أبي ثقل نيركم وأنا ازيد على نيركم؛ أبي أدبكم بالسياط، وأنا أؤدبكم بالعقارب" (1 مل 12: 14). المؤمن الذي يدرك مرارة النير لا يطلب أن تنحني رقاب الآخرين لنير غير نير صليب المسيح الممتع. لهذا ففي مجمع الرسل المنعقد بشأن القادمين للإيمان من الأمم قال الرسول بطرس: "فالآن لماذا تجربون الله بوضع نيرٍ على عُنُق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله، لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن أن نخلص كما أولئك أيضًا" (أع 15: 10-11). هكذا طلب الرسول ألا يخضع القادمون للإيمان لنير الطقوس الحرفية للشريعة الموسوية، وكما يوصينا الرسول بولس بخصوص الخضوع الحرفي لختان الجسد: "فاثبتوا إذًا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها ولا ترتبكوا أيضًا بنير عبودية" (غلا 5: 1). 3. حديث مع الكهنة والشعب: 16 وَكَلَّمْتُ الْكَهَنَةَ وَكُلَّ هذَا الشَّعْبِ قَائِلًا: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَسْمَعُوا لِكَلاَمِ أَنْبِيَائِكُمُ الَّذِينَ يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ قَائِلِينَ: هَا آنِيَةُ بَيْتِ الرَّبِّ سَتُرَدُّ سَرِيعًا مِنْ بَابِلَ. لأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِالْكَذِبِ. 17 لاَ تَسْمَعُوا لَهُمْ. اُخْدِمُوا مَلِكَ بَابِلَ وَاحْيَوْا. لِمَاذَا تَصِيرُ هذِهِ الْمَدِينَةُ خَرِبَةً؟ 18 فَإِنْ كَانُوا أَنْبِيَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ مَعَهُمْ، فَلْيَتَوَسَّلُوا إِلَى رَبِّ الْجُنُودِ لِكَيْ لاَ تَذْهَبَ إِلَى بَابِلَ الآنِيَةُ الْبَاقِيَةُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ. 19 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ عَنِ الأَعْمِدَةِ وَعَنِ الْبَحْرِ وَعَنِ الْقَوَاعِدِ وَعَنْ سَائِرِ الآنِيَةِ الْبَاقِيَةِ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ، 20 الَّتِي لَمْ يَأْخُذْهَا نَبُوخَذْنَاصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ عِنْدَ سَبْيِهِ يَكُنْيَا بْنَ يَهُويَاقِيمَ مَلِكَ يَهُوذَا مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ وَكُلَّ أَشْرَافِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. 21 إِنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ عَنِ الآنِيَةِ الْبَاقِيَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ وَبَيْتِ مَلِكِ يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ: 22 يُؤْتَى بِهَا إِلَى بَابِلَ، وَتَكُونُ هُنَاكَ إِلَى يَوْمِ افْتِقَادِي إِيَّاهَا، يَقُولُ الرَّبُّ، فَأُصْعِدُهَا وَأَرُدُّهَا إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ». [16-22]. يُقصد بالأعمدة العمودين النحاسيين اللذين وضعهما سليمان في رواق الهيكل في المدخل، طول العمود الواحد ثمانية عشر ذراعًا (1 مل 7: 15-22). أما البحر فكان من النحاس دائري الشكل قطره عشر أذرع، يحوى ماءً يُستخدم في غسلات مختلفة أثناء العبادة، وكان قائمًا على اثنى عشر ثورًا، ربما هذه الثيران هي التي تُدعى هنا بالقواعد (1 مل 7: 22-25). إنكان الله يؤكد السبي البابلي والاستيلاء على بقية آنيةالرب وآنية بيت الملكلكنه يفتح باب الرجاءأمامهم، قائلًا: "إلى يوم افتقادي إياها" [22]. وقد تحقق ذلك في أيام كورش حيث حث الله قلبه أن يحقق هذه النبوة (عز 1: 7؛ 7: 19). في حديثه الممتع عن رعايته لشعبه بنفسه يقول: "ويعلمون أني أنا الرب عند تكسيري رُبط نيرهم، وإذ أنقذهم من يد الذين استعبدوهم، فلا يكونون بعد غنيمة للأمم، ولا يأكلهم وحش الأرض، بل يسكنون آمنين ولا مخيف" (حز 34: 27-28). كما يقول: "والآن أكسر نيره عنكِ وأقطع رُبُطك" (نا 1: 13). لم يكن إرميا النبي متشائمًا كما يظن البعض، فإنه في أحلك لحظات الظلمة لم يفقد ثقته في وعود الله بالخلاص. هكذا يليق بالمؤمن أن تستنير نفسه بالمواعيد الإلهية، فتتهلل أعماقه، متأكدًا أن خطة الله الخلاصية ستتم حتمًا، بغض النظر عن الظروف القائمة أو ما سيحل في المستقبل القريب... لننتظر الرب، فإنه حتما سيخلص في الوقت المعين! هكذا عاشت الكنيسة الأولى وسط الاضطهاد المرّ مملوءة رجاءً في عمل الله معها عبر الأجيال وثقتها في نعمة الله الغنية التي تتحدى الزمن! من وحي إرميا 27 خطيتي تدفعني تحت نير بابل! حبك يجذبني نحو نير الصليب! * دفعت بشعبك تحت نير بابل القاسي، لعلهم يدركون بالحق نير الخطية الداخلي. يدركون مرارة عبوديتها، ويشعرون بقساوة عنفها، فيصرخون إليك أيها المخلص محرر النفوس! * نير تأديبك الإلهي يكشف عن نير الخطية المرّ. لكنك وأنت القدوس بالحب حملته عني! أراك على الصليب حاملًا نيري! يا لك من مخلص عجيب! * حملت نيري، هب لي شرف حمل نيرك. نيري نير الخطية القاتل، نيرك نير الحب الباذل واهب الحياة! نيري عار وخزي، ونيرك مجد وبهاء! * لأحمل نيرك فيحملني هو! لأقبل آلام صليبك، فيرفعني صليبك إليك، ويدخل بي إلى حضن أبيك! * حقًا نيرك هين وعذب! به التقي بك أيها المصلوب! به أتمتع ببهجة قيامتك، به أتعرف على أسرارك، به أنعم بالأحضان الأبوية، وشركة الأمجاد الإلهية. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 22 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() رسالة إلى المسبيين لم يقف عمل إرميا النبي عند حدود يهوذا، إذ كان يمثل الصوت الإلهي الموجه إلى الملك ورجاله وكل القيادات الدينية والمدنية وأيضًا إلى الشعب المسبي، أغنيائه وفقرائه. لم يذهب إليهم بشخصه ويعمل بينهم في أرض عبوديتهم فقد أقام الله حزقيال النبي لهذه الخدمة (حز 1: 1) أما إرميا فكان يبعث إليهم رسائله. حُمل إلى السبي 3023 شخصًا عام 597 ق.م.، من بينهم يهوياكين وأسرته وبعض الكهنة والأنبياء الكذبة. لم يتأدب هؤلاء الكذبة ولا تغيرت قلوبهم، وإنما في عجرفة كملوا الطريق في أرض السبي. نادوا بسرعة انهيار بابل وعودة المسبيين إلى وطنهم مقدمين الآمال الزائفة. وشعر إرميا النبي أن من واجبه تحذير المسبيين من هذا الخداع. هكذا اتفق الأنبياء الكذبة معًا على مقاومة كلمة الله، سواء الذين بقوا في يهوذا أو الذين ذهبوا مع السبي، يعملون معًا بفكرٍ شريرٍ واحدٍ. يحويهذا الأصحاح مجموعة من الرسائل المتبادلة بين أورشليموبابل. على الأقل توجد أربع رسائل: واحدة من إرميا إلى المسبيين (1-15؛ 21-23) والأخرىمن شمعيا إلىصفنيا (25-28)، وثالثة من إرميا إلى شمعيا (24)، ورابعة رسالة إلى المسبيين (31-32). تمت هذه الرسائل في الأيام التالية لسقوط يهوذا عام 597 ق.م. ويبدو من الرسائل أن مملكة بابل كانت تُعاني من بعض قلاقلٍ داخلية. حملت رسائل إرميا كلمة توبيخ للأنبياء الكذبة والسالكين وراءهم، كما قدمت كلمة تشجيع لتعزية من لهم إيمان بمواعيد الله. يرى البعض أن ما ورد هنا هو من ذاكرة باروخ 1. رسالة إلى المسبيين: 1 هذَا كَلاَمُ الرِّسَالَةِ الَّتِي أَرْسَلَهَا إِرْمِيَا النَّبِيُّ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَقِيَّةِ شُيُوخِ السَّبْيِ، وَإِلَى الْكَهَنَةِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَإِلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِينَ سَبَاهُمْ نَبُوخَذْنَاصَّرُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ، 2 بَعْدَ خُرُوجِ يَكُنْيَا الْمَلِكِ وَالْمَلِكَةِ وَالْخِصْيَانِ وَرُؤَسَاءِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ وَالنَّجَّارِينَ وَالْحَدَّادِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ، 3 بِيَدِ أَلْعَاسَةَ بْنِ شَافَانَ، وَجَمَرْيَا بْنِ حِلْقِيَّا، اللَّذَيْنِ أَرْسَلَهُمَا صِدْقِيَّا مَلِكُ يَهُوذَا إِلَى نَبُوخَذْنَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ إِلَى بَابِلَ قَائِلًا: 4 «هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ لِكُلِّ السَّبْيِ الَّذِي سَبَيْتُهُ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ: 5 اِبْنُوا بُيُوتًا وَاسْكُنُوا، وَاغْرِسُوا جَنَّاتٍ وَكُلُوا ثَمَرَهَا. 6 خُذُوا نِسَاءً وَلِدُوا بَنِينَ وَبَنَاتٍ وَخُذُوا لِبَنِيكُمْ نِسَاءً وَأَعْطُوا بَنَاتِكُمْ لِرِجَال فَيَلِدْنَ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، وَاكْثُرُوا هُنَاكَ وَلاَ تَقِلُّوا. 7 وَاطْلُبُوا سَلاَمَ الْمَدِينَةِ الَّتِي سَبَيْتُكُمْ إِلَيْهَا، وَصَلُّوا لأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ، لأَنَّهُ بِسَلاَمِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلاَمٌ. 8 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: لاَ تَغُشَّكُمْ أَنْبِيَاؤُكُمُ الَّذِينَ فِي وَسَطِكُمْ وَعَرَّافُوكُمْ، وَلاَ تَسْمَعُوا لأَحْلاَمِكُمُ الَّتِي تَتَحَلَّمُونَهَا. 9 لأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَتَنَبَّأُونَ لَكُمْ بِاسْمِي بِالْكَذِبِ. أَنَا لَمْ أُرْسِلْهُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 10 «لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: إِنِّي عِنْدَ تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً لِبَابِلَ، أَتَعَهَّدُكُمْ وَأُقِيمُ لَكُمْ كَلاَمِي الصَّالِحَ، بِرَدِّكُمْ إِلَى هذَا الْمَوْضِعِ. 11 لأَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرّ، لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً. 12 فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. 13 وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ. 14 فَأُوجَدُ لَكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَرُدُّ سَبْيَكُمْ وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَمِنْ كُلِّ الْمَوَاضِعِ الَّتِي طَرَدْتُكُمْ إِلَيْهَا، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَرُدُّكُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَبَيْتُكُمْ مِنْهُ. 15 «لأَنَّكُمْ قُلْتُمْ: قَدْ أَقَامَ لَنَا الرَّبُّ نَبِيِّينَ فِي بَابِلَ، 16 فَهكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِلْمَلِكِ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ، وَلِكُلِّ الشَّعْبِ الْجَالِسِ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ، إِخْوَتِكُمُ الَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا مَعَكُمْ فِي السَّبْيِ: 17 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هأَنَذَا أُرْسِلُ عَلَيْهِمِ السَّيْفَ وَالْجُوعَ وَالْوَبَأَ، وَأَجْعَلُهُمْ كَتِينٍ رَدِيءٍ لاَ يُؤْكَلُ مِنَ الرَّدَاءَةِ. 18 وَأُلْحِقُهُمْ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ، وَأَجْعَلُهُمْ قَلَقًا لِكُلِّ مَمَالِكِ الأَرْضِ، حِلْفًا وَدَهَشًا وَصَفِيرًا وَعَارًا فِي جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدْتُهُمْ إِلَيْهِمْ، 19 مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا لِكَلاَمِي، يَقُولُ الرَّبُّ، إِذْ أَرْسَلْتُ إِلَيْهِمْ عَبِيدِي الأَنْبِيَاءَ مُبَكِّرًا وَمُرْسِلًا وَلَمْ تَسْمَعُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. 20 «وَأَنْتُمْ فَاسْمَعُوا كَلِمَةَ الرَّبِّ يَا جَمِيعَ السَّبْيِ الَّذِينَ أَرْسَلْتُهُمْ مِنْ أُورُشَلِيمَ إِلَى بَابِلَ. 21 هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَخْآبَ بْنِ قُولاَيَا، وَعَنْ صِدْقِيَّا بْنِ مَعْسِيَّا، اللَّذَيْنِ يَتَنَبَّآنِ لَكُمْ بِاسْمِي بِالْكَذِبِ: هأَنَذَا أَدْفَعُهُمَا لِيَدِ نَبُوخَذْرَاصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ فَيَقْتُلُهُمَا أَمَامَ عُيُونِكُمْ. 22 وَتُؤْخَذُ مِنْهُمَا لَعْنَةٌ لِكُلِّ سَبْيِ يَهُوذَا الَّذِينَ فِي بَابِلَ، فَيُقَالُ: يَجْعَلُكَ الرَّبُّ مِثْلَ صِدْقِيَّا وَمِثْلَ أَخْآبَ اللَّذَيْنِ قَلاَهُمَا مَلِكُ بَابِلَ بِالنَّارِ. 23 مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا عَمِلاَ قَبِيحًا فِي إِسْرَائِيلَ، وَزَنَيَا بِنِسَاءِ أَصْحَابِهِمَا، وَتَكَلَّمَا بِاسْمِي كَلاَمًا كَاذِبًا لَمْ أُوصِهِمَا بِهِ، وَأَنَا الْعَارِفُ وَالشَّاهِدُ، يَقُولُ الرَّبُّ. "هذا كلام الرسالة التي أرسلها إرميا النبي من أورشليم إلى بقية شيوخ السبي وإلى الكهنة والأنبياء وإلى كل الشعب الذين سباهم نبوخذنصر من أورشليم إلىبابل، بعد خروج يكنيا الملك والملكة والخصيان ورؤساء يهوذا وأورشليم والنجارين والحدادين من أورشليم. بيد ألعاسة بن شافان وجمريا بن حلقيا اللذين أرسلهما صدقيا ملك يهوذا إلى نبوخذنصر ملك بابل إلى بابل قائلًا..." [1-3]. واضح أن البابليين لم يمنعوا أية اتصالات بين المسبيين والذين بقوا في يهوذا وإسرائيل، ويرى بعض الدارسين أن البابليون لم يمارسوا أية وحشية ضد المسبيين. هذه الرسالة موجهة إلى "بقية الشيوخ" مما يشير أن بعض الشيوخ قد ماتوا في السبي أو قتلواأو سجنوا ربما بسبب بعض الاضطرابات المُشار إليها في [21-22]. وإن كان البعض يستبعدون حدوث قتل للشيوخ. معنى كلمة "الشيوخ yeter" هنا غير أكيد، ربما يُقصد بها البارزين أو الرؤساء . وُجهت الرسالة أيضًا إلىالخصيان، وهم فئةتشير إلى جماعة العاملين فيالقصر خاصة في قسم النساء، يُستخدم هذا اللقب على كل رجال القصر الرسميين (إر 52: 25؛ 1 صم 8: 15؛ تك 39: 1) وأصحاب المراكز الكبيرة حتى إن كانوا متزوجين، ففوطيفار الخصي كان متزوجًا. أُرسلت الرسالة مع ألعاسة بن شافان ربما أخ أخيقام بن شافان الذي هب لنجدة إرميا النبي في وقت الشدة (إر 26: 2) وجمريا بن حلقيا (إر 36: 10، 25 إلخ) وهو غير جمريا بن شافان الكاتب، الكل من عائلات كهنوتية لعبت دورًا هامًا في الإصلاح أيام يوشيا الملك. وكانا صديقين لإرميا ومتعاطفين معه في دعوته ورسالته (إر 26: 24؛ 36: 10، 25 إلخ)، كان عملهما بالنسبةلنبوخذنصر فيه شيء من اللطف معه بجانب جمعهم الجزية السنوية له، اُرسلا إلىبابل لتأكيد ولاء صدقيا لنبوخذنصر بعد أن ظهرت حركة تمرد بين الأمم التي في الغرب (ص 27). كان هذان الرسولان مبعوثين من صدقيا المتمرد للتفاوض مع الحاكم البابلي، إلا أنهما حملا رسالة من ملكٍ أعظم جدًا من هذا وذاك، من رب الجنود، هذا الذي يتنازل للاتصال بشعبه المسبي على هذا النحو. حملت الرسالة كلمات تشجيع لتثبيت إيمان المسبيين، وفي نفس الوقت حملت توبيخًا للأنبياء الكذبة الذين دأبوا على تقديم آمالٍ زائفةٍ. فمن جهة التشجيع كتب إرميا النبي: "هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل لكل السبي الذي سبيته من أورشليم إلى بابل. ابنوا بيوتًا واسكنوا واغرسوا جنات وكلوا ثمرها. خذوا نساء ولدوا بنين وبنات، وخذوا لبنيكم نساء، وأعطوا بناتكم لرجال فيلدن بنين وبنات واكثروا هناك ولا تقلوا. واطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم إليها، وصلوا لأجلها إلى الرب، لأنه بسلامها يكون لكم سلام" [4-7]. أ. جاءت الرسالة تناشدهم بقبول الضيقة بكونها من يد الرب، وعوض محاولة استعجال النجاة قبل الأوان المحدد يُلزمهم بالخضوع لبابل وأن يمارسوا حياتهم اليومية بطريقة طبيعية في استقرارٍ ما استطاعوا [5-6] وأن ينتظروا في خضوعٍ لله لكي ينقذهم في الوقت المناسب، لأن السبي مستمر ولن ينتهي في عامين كما ادّعى الأنيباء الكذبة. وأن عبادتهم لله الحيتستمر في البلد الغريب في غيبة الهيكل والذبائح (إر 7: 1- 15؛ 21، 22). بمعنى آخر كان غاية الرسالة ألا ينشغلوا بالعودة بل بالتوبة والعبادة حتى يأتي وقت الرجوع في الزمن المحدد. يبدو أنه قد حلّ بالمسبيين في البداية حالة كآبة لشعورهم بأنهم خطاة أكثر من كل الذين بقوا في أورشليم، لذلك كتب إليهم النبي ليهبهم نوعًا من التعزية خلال تحقيق مواعيد الله والخضوع للخطة الإلهية. لا بُد أن كثيرين من الشبان المسبيين كانوا غير متزوّجين، فحثّهم إرميا على الزواج، لكنه لا يعني بهذا الزواج بالبابليات. إن كان إرميا النبي قد طلب منهم أن يبنوا بيوتًا ويغرسوا جنات ويتزوجون كعلامة على استقرارهم زمنًا طويلًا، لكنه لم يطلب منهم أن يمارسوا حياة الفرح والتهليل، لأن فترة سبيهم إنما هي فترة توبة للرجوع إلى الحضن الأبوي. ب. يؤكد إرميا النبي أن هذه الرسالة مقدمة من "رب الجنود إله إسرائيل" [4]. فلم يكن إرميا إلا مجرد كاتب أو ناسخ لها. كان مريحًا لهم أن يسمعوا أن إلههم هو "رب الجنود" لم يدفعهم إلى السبي ليتركهم، لكنه قادر على خلاصهم ومساندتهم، وهو الإله الذي دخل مع شعبه في ميثاقٍ. فإن كان لم يُسر بهم بسبب خطاياهم لكنه ينتظر توبتهم ليردهم إليه. ج. إن كان يؤكد: "كل السبي الذي سبيته" [4]، "المدينة التي سبيتكم إليها" [7]، فإنه هو الذي سمح بالسبي ويسمح بالعودة في الوقت المعين! بمعنى آخر ما حدث لهم ليس لضررهم ولا حدث اعتباطًا، بل لخيرهم وبخطة إلهية. د. سمع صدقيا بارسال هذه الرسالة إلى المسبيين دون أن يقاومها، ربما إذ مات حننيا (إر 28: 17) شعر الملك بخطورة مقاومة النبي، أو لكي بطريق غير مباشر يؤكد للشعب عدم عودة يكنيا من السبي. ه. إذ جاءوا إلىبابل بسماحٍ إلهي يليق بهم أن يصلّوا لأجل خير مملكة بابل وثباتها [7]، فقد صاروا كجزءٍ منها. يطلب منهم أن يصلوا حتى عن سلامة الدولة التي سبتهم. إنه أمر مدهش بالنسبة لشعب اُمتصت كل أفكارهم وطاقاتهم في أرض الموعد، لكنها وصية عملية لشعب يبقى 70 عامًا في أرض السبي. يمكننا القول أن ما ورد هنا هو تذوق سابق للفكر الإنجيلي الخاصة بمحبة الأعداء والخضوع للرئاسات أيا كانت كما جاء في رسالة القديس بطرس الأولى: "اخضعوا لكل ترتيبٍ بشريٍ من أجل الرب: إن كان للملك، فكمن هو فوق الكل؛ أو للولاة، فكمرسلين منه للانتقام من فاعلي الشر وللمدح لفاعلي الخير؛ لأن هكذا هي مشيئة الله: أن تفعلوا الخير، فتُسكتوا جهالة الناس الأغبياء، كأحرارٍ، وليس كالذين الحرية عندهم سُترة للشر، بل كعبيد لله" (1 بط 2: 13، 16). وفي رسالة القديس بولس لتلميذه تيطس: "ذكرهم أن يخضعوا للرياسات والسلاطين" (تي 3: 1)، وفي رسالته إلى تلميذه تيموثاوس: "فأطلب أول كل شيء أن تُقام طلبات وصلوات وابتهالات وتشكرات لأجل جميع الناس، لأجل الملوك وجميع الذين هم في منصب لكي نقضي حياة مطمئنة هادئة في كل تقوى ووقار" (1 تي 2: 1-2). يرى القديس أغسطينوس في هذه العبارة التزام الكنيسة والمسيحي بالصلاة من أجل المسئولين، حتى في السبي، يُصلي المؤمنون لأجل سلامة الدولة حتى يقضوا حياة هادئة مطمئنة كقول الرسول بولس (1 تي 2: 2) . يقول العلامة ترتليان: [بخصوص الكرامات الواجبة للملوك والأباطرة، لدينا نص كافٍ أنه يليق بنا أن نكون في تمام الطاعة وذلك كوصية الرسول (تي 3: 1)... ولكن حدود الطاعة في هذا أن نحفظ أنفسنا منعزلين عن عبادة الأوثان. ولنا في هذا مثال الثلاثة فتية، الذين مع طاعتهم للملك نبوخذنصر ازدروا بتقديم التكريم لتمثاله، فلم يقبلوا العبادة له... هكذا أيضًا كان دانيال خاضعًا لداريوس في كل الأمور، ثابتًا في واجبه ما دام بعيدًا عن أساس إيمانه (دا 6)]. يبدو أن بعض المسبيين التجأوا إلى بعض العرافين لتحقيق الأحلام، لكن الله حذرهم من ذلك. "لأنه هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: لا تغشكم أنبيأوكم الذين في وسطكم وعرافوكم، ولا تسمعوا لأحلامكم التي تتحلمونها. لأنهم إنما يتنبأون لكم باسميبالكذب. أنا لم أرسلهم يقول الرب" [8-9]. يليق بنا أن نحمل روح التمييز فنمتحن ادعاءات الكاذبين بواسطة كلمة الله وخلال ثمارهم، فنرفض الذين يستبدلون الإعلان الإلهي بأحلامهم الصادرة عن رغبات قلوبهم العاصية. أكدتالرسالة العودة بعد سبعين عامًا. "لأنه هكذا قال الرب: إني عند تمام سبعين سنة لبابل أتعهدكم وأقيم لكم كلامي الصالح بردكم إلى هذا الموضع. لأني عرفت الأفكار التي أنا مفتكربها عنكم يقول الرب، أفكار سلامٍ لا شر، لأعطيكم آخرة ورجاء" [11-14]. وضع الله خطة معينة لشعبه وفي أزمنة محددة لديه؛ هي لسلامهم لا لضررهم، تبعث فيهم رجاءً في المستقبل [11]. وكما يقول المرتل: "ما أكرم أفكارك يا الله عندي! ما أكثر جملتها! إن أحصها، فهي أكثر من الرمل، استيقظت وأنا بعد معك" (مز 139: 17-18). لكن يلزمنا أن ندرك أن خطة الله غير خطتنا، وأفكاره ومقاييسه غير أفكارنا ومقاييسنا. وكما يقول: "أفكاري ليست أفكاركم، ولا طرقكم طرقي... لأنه كما علت السموات عن الأرض، هكذا علت طرقي عن طرقكم، وأفكاري عن أفكاركم" (إش 55: 8-9). حقًا قد تدخل بنا خطته إلى الطريق الضيق لنحمل الصليب ونقبل الألم، لكنه حتمًا يدخل بنا إلى مجد قيامته كملجأٍ آمنٍ منشودٍ. إنهم لا يجدون أرضهم التي اُنتزعوا منها فحسب، وإنما يجدون الله نفسه ملكًا لهم، يقتنوه فيرد سبيهمويجمعهم من كل الأمم ومن كل موضع طُردوا إليه. إن كان تمام السبعين عامًا حيث ينتهي السبي يشير إلى ملء الأزمنة حيث جاء مسيحنا يعلن: "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكون أحرارًا"، فبمجيئه نطلب الآب فنجده فينا، حيث تمت مصالحتنا واتحادنا معه في ابنه الوحيد خلال الصليب. لقد غيّر مسيحنا قلبنا، وها هو يجدده بروحه القدوس، فنطلب الله بكل قلوبنا بكونه شهوة نفوسنا. بهذا يتحقق الوعد الإلهي: "فتدعونني وتذهبون وتصلون إليّ فأسمع لكم. وتطلبونني فتجدونني، إذ تطلبونني بكل قلبكم. فأوجد لكم يقول الرب، وأرد سبيكم وأجمعكم من كل الأمم ومن كل المواضع التي طردتكم إليها يقول الرب وأردكم إلى الموضع الذي سبيتكم منه" [12-13]. يطلبون الرب بكل قلبهم، أي بكل حبهم وإرادتهم وطاقاتهم، لذا يجدونه حاضرًا فيوسطهم [13]؛ (عا 5: 4-6 ؛ هو 2: 16-20). ينزععنهم روح التمرد والعصيان فيوجد بينهم! كأن الله يقدم لهم تجديدًا للعهد بشرط الطاعة له. ربما ظن بعض اليهود أن الله لا يسمع لهم لأنهم مستبعدون من مدينة الله، أورشليم، ومن هيكله. هنا يؤكد إرميا النبي أن الله يطلب القلب لا المكان. كانوا في الأرض المقدسة والمدينة المنسوبة له وهيكله الفريد في ذلك الحين ومع ذلك بسبب فساد قلوبهم لم يسمع لهم، والآن في أرض غريبة وثنية إذ يصرخون من كل القلب بالتوبة ينصت إليهم ليردهم. نطلب الله بالقلب (الفم الداخلي)... فحين يتكلم القلب يتكلم الإنسان كله، نطلب الله بتقديس كل الأعضاء والحواس التي تتعلم كيف تتحدث مع القدوس. لذلك يقول رب المجد: "ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات". يؤكد الله لشعبه أنه هو غاية طلبهم، قائلًا: "تطلبونني فتجدونني، إذ تطلبونني بكل قلبكم. فأوجد لكم يقول الرب". يقارن القديس يوحنا الذهبي الفمبين الرسول بولس وأبينا إبراهيم حاسبًا الأول أعظم من جهة الترك... ترك حتى الاشتياق إلى السماء من أجل حبه للسيد المسيح. [تقول إن كل البشر يعظمون إبراهيم لأنه ترك بيته وبيت أبيه وأقرباءه حين سمع الوصية: "أبرام، أُترك مدينتك (أرضك) وبيت أبيك" (تك 12: 1). لقد أمره الله بهذا، وكان هذا يعني كل شيء بالنسبة له. حقًا فإننا نحن أيضًا نعجب منه. لكن هل هذا يجعله مثل بولس؟ لم يترك بولس بيته وبيت أبيه وذويه فحسب بل ترك العالم ذاته لأجل يسوع، بل بالأكثر أقول ترك السماء ذاتها. لم تشغل سماء السموات قلبه، إذ كان هدفه الوحيد هو حب يسوع. لنسمع كلماته الواضحة في هذا الصدد: "لا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق تستطيع أن تفصلنا عن محبة المسيح" (رو 8: 38-39)]. "لأنكم قلتم قد أقام لنا الرب نبيين في بابل. فهكذا قال الرب للملكالجالس على كرسي داود ولكل الشعب الجالس في هذه المدينة إخوتكم الذين لم يخرجوا معكم في السبي. هكذا قال رب الجنود: هأنذا أرسل عليهم السيف والجوع والوبأ وأجعلهم كتينٍ رديءٍ لا يؤكل من الرداءة. وألحقهم بالسيف والجوع والوبأ، وأجعلهم قلقًا لكل ممالك الأرض حلفًا ودهشًا وصفيرًا وعارًا في جميع الأمم الذين طردتهم إليهم" [15-18]. إذ تحدث عن الباقين في يهوذا أشار إلى الملك بقوله: "الملك الجالس على كرسي داود" [16]، ليؤكد لهم أن بقاء الملك على كرسي داود لا يعني رضاء الرب عنه. فقد قيل عن نسل داود: "إن ترك بنوه شريعتي ولم يسلكوا بأحكامي... افتقد بعصا معصيتهم وبضربات إثمهم، أما رحمتي فلا أنزعها عنه ولا أكذب من جهة أمانتي؛ لا انقض عهدي ولا أغير ما خرج من شفتي" (مز 89: 30-34). بمعنى آخر، يقول لهم إني أرسل السيف والوباء والجوع على الملك والشعب الباقي معه، ثم أطردهم إلى كل الأمم. سيكون حالهم أشر مما أنتم عليه! ربما يتساءل البعض: لماذا أطال الله مدة السبي لتبلغ السبعين بينما نادى الأنبياء الكذبة بأنها لن تتعدى السنتين؟ هذا لا يعني أن الأنبياء الكذبة أكثر حنانًا بالشعب من الله، لكن ما يهم الأنبياء الكذبة هو تهدئة النفوس ولو على حساب خلاصها وأبديتها، أما ما يهم الله فهو خلاص شعبه وأبديته. لم تكن مدة العامين كافيه ليفحص الشعب نفسه ويدرك فساده ليتوب. هذا وقد أنجبت هذه الفترة الطويلة رجالًا لله شهودًا أمناء أمام الأباطرة والشعب الغريب الجنس، مثل دانيال النبي والثلاثة فتية القديسين ومردخاي وإستير ونحميا وعزرا والأعداد الراجعة إلى أورشليم في غيرة ونقاوة قلب. "من أجل أنهم لم يسمعوا لكلامي يقول الرب إذا أرسلت إليهم عبيدي الأنبياء مبكرًا ومرسلًا ولم تسمعوا يقول الرب" [18-19]. لم يتوقف الله عن إرسال عبيده الأنبياء لتحذيرهم، إنه يكرر الرسالة طالبًا توبتهم. ويكرر القديس يوحنا الذهبي الفمحديثه عن "عدم القسم" مرارًا وتكرارًا معتمدًا على هذه العبارة [19] حيث يكرر الله نصحه لشعبه مرارًا وتكرارًا عبر الأجيال. * أريد أن أحدثكم مرة أخرى عن موضوع "القسم"، لكنني أشعر بالخجل. حقيقة بالنسبة لي لا أملّ عن أن أتحدث نهارًا وليلًا لأكرر نفس الأمر إليكم. لكنني أخشى إذ أصنع هذا لأيامٍ كثيرةٍ أبدو أنني أدينكم على إهمالكم الشديد... لست فقط أخجل بل أيضًا أخاف عليكم، فإن التعليم المستمر للذين يأخذون الأمر بجدية نافع ومكرم، أما بالنسبة للمتهاونين فضار وخطير للغاية. كلما سمع الشخص أكثر اقترب بالأكثر إلى عقابٍ أشد إذا لم يمارس ما قيل له. لهذا يوبخ الله اليهود قائلًا: "إذ أرسلت إليهم عبيدي الأنبياء مبكرًا ومرسلًا ولم تسمعوا" [19]. نحن نصنع هذا معكم لاهتمامنا العظيم بكم. لكننا نخشى أن يصير هذا النصح وهذه المشورة ضدكم في اليوم الرهيب . القديس يوحنا الذهبي الفم "وأنتم فاسمعوا كلمة الرب يا جميع السبي الذين أرسلتهم من أورشليم إلىبابل.هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل عن آخاب بن قُولايا وعن صدقيا بنمعسيا اللذين يتنبآن لكم باسمي بالكذب. هأنذا أدفعهما ليد نبوخذنصر ملك بابل فيقتلهما أمام عيونكم. وتؤخذ منهما لعنة لكل سبي يهوذا الذين في بابل فيُقال يجعلك الرب مثل صدقيا ومثل أخآب اللذين قلاهما ملك بابل بالنار. من أجلٍ أنهما عمِلا قبيحًا في إسرائيل وزنيا بنساء أصحابهما وتكلما باسمي كلامَّا كاذبًا لم أوصهما به وأنا العارف والشاهد يقول الرب" [20-23]. إن كان الله يرد المسببين بعد توبتهم ورجعوهم إليه بكل قلوبهم فهو أيضًا يؤدبالذين بقوا في يهوذا، الذين لم يسمعوا لصوته خلال أنبيائه. إنهم التين الرديء جدًا الذي لا يُؤكل بسبب ردائته (إر 24). عاد ليتحدث عن الأنبياء الكذبة الذين سُبوا، محددًا بالاسم أخاب بن قُولايا وصدقيا بن معسيا، هذان اللذان تكلما بالكذب فسُبيا في عام 597 ق.م؛ وعوض التوبة ارتكبا الزنا مع نساء أصحابهما، فارتبط فساد كلامهما بفساد سيرتهما، فاستحقا أن يقليهما نبوخذ نصر بالنار ليصيرا عبرة ومثلًا للعنة! اُستخدمت عقوبة "القلي" أو "الإلقاء في النار" أحيانا خلال تقديس الوثنيين للنار، كأنهم يقدمون ذبائح بشرية فيها. ان الشخصين المذكورين هنا لم نسمع عنهما في غير هذا المكان. ولعلَّ إرميا لم يعرفهما شخصيًا، بل سمع عنهما في رسالة من الرسائل التي وردت إلى أورشليم من المسبيين. يرى القديس جيروم أن هذين النبيين الكاذبين يشيران إلى الذين هم خارج الكنيسة، الذين يحرقهم عدو الخير كما بالنار، فيقليهما، لكنه لا يكف عن محاربة الذين في الداخل لكي يفسد كنيسة المسيح، إذ يقول: [لا يتطلع الشيطان إلى غير المؤمنين فإن هؤلاء في الخارج يحرقهم الملك الأشوري في الأتون [22]، وإنما إلى كنيسة المسيح إذ يسرع ليفسدها (إش 8: 1)، وكما جاء في حبقوق أن "طعامه من المختار" (حب 1: 16) (السبعينية)]. 2. رسالة إلى شمعيا: 24 «وَكَلِّمْ شِمْعِيَا النِّحْلاَمِيِّ قَائِلًا: تحدث إرميا إلى ثلاث مجموعات: الذين أخذوا إلى السبي (10-14)؛ والذين لحقوا بهم بعد ذلك (15-29)؛ ثم الأنبياء الكذبة في بابل (20-23)، وأخيرًا رسالة خاصة إلى نبي كاذب يُدعى شمعيا. كان لرسالة إرميا النبي إلى المسبيين أثرها عليهم، كما سببت حالة ثورة وغضب شديد خاصة بين الأنبياء الكذبة هناك، فهاجموها بعنف. بعث إرميا رسالة إلىنبي كاذب سبي عام 597 ق.م. يدعى شمعياالنحلامي الذي أرسل رسائل إلى الشعب وإلى صفنيا بن معسيا الكاهن وكل الكهنة يثيرهم ضد إرميا النبي، ويحتج لدى السلطات في أورشليم على رسالة إرميا بالقبض عليه ومحاكمته. لا نعرف شيئًا عنه، ربما كان موطنه نحلام وهي غير معروفة أم لا. ربما دُعي النحلامي لأنه كان من الحالمين إذ كان يَدَّعِي أن الله يتحدث إليه خلال الأحلام؛ أو لأنه لقب خاص باسرته. لم يرسل شمعيا إلى إرميا النبي ليبرر موقفه أو يعلن توبته إنما كتب ليثير الكل ضده... كتب كصاحب سلطان بروح العجرفة والكبرياء. 3. رسالة من شمعيا إلى صفنيا: 24 «وَكَلِّمْ شِمْعِيَا النِّحْلاَمِيِّ قَائِلًا: 25 هكَذَا تَكَلَّمَ رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ أَرْسَلْتَ رَسَائِلَ بِاسْمِكَ إِلَى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ، وَإِلَى صَفَنْيَا بْنِ مَعْسِيَّا الْكَاهِنِ، وَإِلَى كُلِّ الْكَهَنَةِ قَائِلًا: 26 قَدْ جَعَلَكَ الرَّبُّ كَاهِنًا عِوَضًا عَنْ يَهُويَادَاعَ الْكَاهِنِ، لِتَكُونُوا وُكَلاَءَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ لِكُلِّ رَجُل مَجْنُونٍ وَمُتَنَبِّئٍ، فَتَدْفَعُهُ إِلَى الْمِقْطَرَةِ وَالْقُيُودِ. 27 وَالآنَ لِمَاذَا لَمْ تَزْجُرْ إِرْمِيَا الْعَنَاثُوثِيَّ الْمُتَنَبِّئَ لَكُمْ. 28 لأَنَّهُ لِذلِكَ أَرْسَلَ إِلَيْنَا إِلَى بَابِلَ قَائِلًا: إِنَّهَا مُسْتَطِيلَةٌ. ابْنُوا بُيُوتًا وَاسْكُنُوا، وَاغْرِسُوا جَنَّاتٍ وَكُلُوا ثَمَرَهَا». 29 فَقَرَأَ صَفَنْيَا الْكَاهِنُ هذِهِ الرِّسَالَةَ فِي أُذُنَيْ إِرْمِيَا النَّبِيِّ. [24-29]. كان صفينا في ذلك الوقت رئيسًا لحرس الهيكل. لا نعرف شيئًا عن "صفنيا" ولا عن يهوياداع (آية 26) وغيرهما على وجه التحقيق، لكنهم كانوا بلا شك معروفين تمامًا للقراء والسامعين في ذلك الزمن. لم يرسل شمعيا باسم الله بل باسمه الشخصي متهمًا إرميا أنه قد بعث روح الاستكانة والخنوع وسط المسبيين، إذ طالبهم أن يبنوا بيوتًا ويغرسوا جنات كمن هم مستقرين في بابل. ليس عجيبًا أن يتهم النبي الكاذب رجل الله الحقيقي بأنه قد عيَّن نفسه بنفسه. كتب شمعيا إلى صفنيا ليثيره حاسبًا أن الله أقامه عوض يهوياداع لا لشيء إلا ليضطهد أنبياء الله الحقيقيين مثل إرميا الذي حسبه رجلًا مجنونًا. هكذا كان الأشرار يحسبون الأنبياء الحقيقيين مختلّي العقل (2 مل 9: 11، أع 26: 24؛ 2: 13، 15، 17، 18). كان إرميا رمزًا للسيد المسيح الذي اُتهم هكذا من أقربائه أنه مختل العقل (يو 10: 20). لم تصلنا بقية رسالة إرميا لشمعيا، ولكن ما وصل إلينا هو ملخص رسالة شمعيا لصفنيا، وقام الأخير بقراءتها علانية أمام إرميا، ربما لتحذيره من شمعيا. 4. رسالة إلى المسبيين: 30 ثُمَّ صَارَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا قَائِلًا: 31 «أَرْسِلْ إِلَى كُلِّ السَّبْيِ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِشِمْعِيَا النِّحْلاَمِيِّ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ شِمْعِيَا قَدْ تَنَبَّأَ لَكُمْ وَأَنَا لَمْ أُرْسِلْهُ، وَجَعَلَكُمْ تَتَّكِلُونَ عَلَى الْكَذِبِ. 32 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُعَاقِبُ شِمْعِيَا النِّحْلاَمِيَّ وَنَسْلَهُ. لاَ يَكُونُ لَهُ إِنْسَانٌ يَجْلِسُ فِي وَسْطِ هذَا الشَّعْبِ، وَلاَ يَرَى الْخَيْرَ الَّذِي سَأَصْنَعُهُ لِشَعْبِي، يَقُولُ الرَّبُّ، لأَنَّهُ تَكَلَّمَ بِعِصْيَانٍ عَلَى الرَّبِّ». [28-32]. كتب إرميا إلىالمسبيين بخصوص النبي الكاذب شمعيا بعبارات تقارب ما كتبه عن حنانيا (إر 28: 15-16)، فقد حُرم من الخير النهائي، أي عودة البقية الأمينة إلى يهوذا والتي كان يمكن أن تشمله هو وبيته. لم يصدر هذا الحكم من إرميا كرغبة في الانتقام الشخصي، إنما هو حكم إلهي صادر من أجل الشعب كله، وما على النبي إلا إعلانه. قد نستغرب من صرامة إرميا في ردّه على مكتوب شمعيا [31]، لكن ذلك كان بناء على أمرٍ إلهي، لكن لا يجوز لنا أن نرد هكذا على مقاومينا، ولا أن نرجو لهم شرًا أو موتًا سريعًا (مت 5: 44). من وحي إرميا 29 إسندني في أرض السبي! * أدبت شعبك بالسبي البابلي، وفي حبك لم تتجاهلهم! بعثت إليهم رسالة خلال نبيك إرميا تطمئنهم، * لأسمع صوتك في أرض السبي وأتقبل رسائلك! علمني أن أشعر بالاستقرار مهما طالت أيام غربتي، لأستريح فيك، فأنت وحدك راحتي. أعيش كما في وادي الدموع، لكنك تمد يدك لتمسح كل دمعة من عيني! * هب لي القلب المتسع فأصلي، أصرخ في أعماقي حتى أتمم أيام السبي بسلام، أصلي لأجل الذين حولي... حقًا ليتسع قلبي بالحب حتى نحو مضايقيّ! * هب لي ألا يكون السبي علة للتذمر، ولا مجالًا للانحراف، بل فرصة للتوبة والرجوع إلى أحضانك. اشتهي أن أتحرر لا من أرض السبي بل من عبودية العدو! أنطلق لا إلى أرض يهوذا، بل إلى أحضان الآب. اشتهي الهيكل غير المصنوع بيدٍ بشرية، أتمتع بالشركة مع طغمات السمائيين! * أخيرًا أكرر صراخي إليك: اسندني في أرض السبي! هب لي حياة الشكر الدائم! هيئني بروحك القدوس للحياة المجيدة! |
||||
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
أرميا النبي |
أرميا النبي |
تفسير سفر نشيد الأنشاد - للقمص أرميا بولس |
تفسير إنجيل يوحنا - للقمص أرميا بولس |
تفسير سفر الرؤيا لأبونا أرميا بولس |