منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07 - 11 - 2012, 04:56 PM   رقم المشاركة : ( 61 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي


الفصل الحادي والأربعون
سّقوط يسوع والاستعانة بسمعان القيروانى




الشّارع الذي تَكلّمنَا عنه، بعد انحرافه لليسار قليلا، صار واسعاً وشديد الانحدار وتعبر أسفله قناةِ تأتى من جبل صهيون، وبه حفر تمتلئ دوماً بالماءِ والطّينِ بعد الأمطارِ، وُضعت حجارة كبيرة في منتصفه ليستطيع الناس َعبوره بسهولة. عندما وَصلَ يسوع إلى هذه البقعةِ، كانت قوته قَدْ استنزفْت تماماً؛ لقد كَانَ عاجزاً تماماً عن أَنْ يتحرّكَ؛ وبينما كان الجنود يجرونه ويدَفعونه بلا أدنى رحمة، سَقطَ على هذه الحجارةِ، وسقط الصّليب بجانبه. واضطر الجنود أَنْ يَتوقفوا، شتموه وضَربوه بلا رحمة, لكن كل الموكبَ تَوقّفَ، مما تسَبّبَ فى بعض الاضطراب. عبثاً مد يدّه ليساعده أى أحدِ ليَنْهضَ، صاح : " آه!, إن كل شئ سَينتهي قريباً " وصَلّى من أجل أعدائه. قالَ الفريسيون : " أنهضوه وإلا فإنه سَيَمُوتُ في أيدينا. " كان هناك عديد من النِّساءِ والأطفالِ يَتبعون الموكبَ؛ بكت النساء وخاف الأطفالِ. على أية حال، لقد نال يسوع مساندةَ من فوق ورَفعْ رأسه؛ لكن هؤلاء الرّجالِ القساة، كانوا بعيدا عن السَعي لتخفيف آلامه، ووَضعَوا تاجَ الشّوكِ ثانية على رأسه قبل أن يسَحبوه من الطّينِ، وما أنَ وقف مرة أخرى على قدميه حتى وضعوا الصّليبَ على ظهره. زِادَ تاج الشّوكِ الذي طَوّقَ رأسه من آلامه بما يفوق الوصف, والزمه أَنْ يميل برأسه على أحد الجانبِين ليَعطي مكاناً لصليبه، الذى طُرح بشدّة على كتفيه.
تركت مريم الساحة فور إعلان الحكم الجائر، يرَافقهاَ يوحنا وبعض النِّساءِ. لقَدْ آلت على نفسها أن تسير متجهة إِلى عديد من الأماكن التى تقَدّستْ مِن قِبل إلهنا وترويها بدموعها؛ لكن عندما أعلن صوتَ البوقِ وتدافع الناسِ وضجيج الخيالةِ أنّ الموكب عَلى وَشَكِ المضي للجلجثةِ، لم تتمكن من أَنْ تُقاومَ رغبتها الملحة فى أَنْ ترى ابنها الحبيب مرة أخرى، توسلت إلي يوحنا أَنْ يَأْخذها إِلى الأماكنِ التي يَجِبُ أَنْ يَجتازها. قادها يوحنا إِلى قصر عِنْد مدخلُ الشّارعِ الذي سقط فيه يسوع أولِ مرة؛ لقد كان، كما اَعتقدُ، محل إقامة الكاهن الأكبرِ قيافا. حصل يوحنا على إذنِ من خادمِ عطوف أن يقف عند المدخل مع مريم ورفاقها. أم الرب كَانتْ شاحبَة، عينيها حمراء من كثرة البُكاءِ، وقَدْ لُفّتْ بإحكام‏ بعباءةِ رمادية. الصّخب والكلام المًهين للحشود الهائجة كان يُسْمع بوضوح؛ وأعلن منادي في تلك اللّحظةِ بصوتِ عال، أن ثلاثة مجرمين عَلى وَشَكِ أَنْ يُصْلبوا. فَتحَ الخادمُ البابَ؛ أصبحت الأصوات المُخيفة أكثر وضوحاً؛ وألقت مريم بنفسها على رُكَبتيها. بعد الصَلاةِ بتأجج، التفتت إِلى يوحنا وقالتْ : هَلْ أَبْقى؟ هَلْ على أَنْ أخْرجَ؟ هَلْ سَيكونُ لدى القوةُ لأبصرِه, أجابَ يوحنا: " إن لم تَبْقى لتَريه، فأنك سَتَحْزنُين بعد ذلك." لهذا ظلوا قُرْب البابَ، وأعينهم مثَبّتةَ على الموكبِ، الذي كان ما زالَ بعيدا، لكنه كان يَتقدّمُ بخطي بطيئةِ. عندما أقترب الذين يَحْملُون آلات التّنفيذِ، ورأت مريم نظراتهم الوقحةَ والمنتصرةَ، لم تتَمَكّنَ من السيطرَة على مشاعرها، بل مدت يديها كما لو أنها تُنشدَ معونة السّماءِ؛ مما جعل أحد المارة يقولَ لرفاقه : " من هذه المرأة التي تجيش بمثل هذا البكاءِ؟ ' فأجَاب رفيقه : " إنها أمُ الجليلى " عندما سمع الرّجال القساة هذا، بعيدا عن أن يتأثروا ببكائها بدءوا يتلهون بحزن هذه الأمِ المكلومة: أشاروا إليها، واَخذ واحد منهم المسامير التي ستستعمل فى تسمير يسوع بالصليب، وقَدّمها إِليها بأسلوب مهينِ؛ لكنها استدارتْ، مثَبّتةَ عينيها على يسوع، الذى كان يَقتربُ، واستندت على عمودِ، لئلا تَغِيبَ عن الوعي ثانية من الأسىِ، لأن وجهها كَان شاحبا كالموتى، وشفتاها شبه زرقاء. عَبر الفريسيون الذين على ظهور الجيادِ أولا، يتبعهم الصبي الذى يحمل اللوحة. ثم جاءَ ابنها الحبيب. غاْرقُاً تقريباً تحت ثّقلِ صليبه، ورأسه، الذى ما زالَ مُتوّجاً بالشّوكِ، كَانَ يَتدلّى في ألم على كتفه. ألقى نظرةَ شّفقةِ وحُزنِ على أمه، تَمايَل، وسقط لثاني مرة على يديه ورُكَبتيه. تعذبت مريم تماماً من هذا المنظر؛ نَسيتْ كل شئ ما عدا هذا؛ لا رَأتْ الجنود ولا الجلادين؛ لم تر شيء سوى ابنها الَحْبيبَ؛ وَقْفزتُ من المدخلِ إلي وسطِ المجموعةِ التي كَانَ تُهينُه وتشتمه، ألقت بنفسها على رُكَبتيها بجانبه واحتضنته. الكَلِمات الوحيدة التى سَمعتها هى : " أيا أبني الحبيب! " و" أماه! ".
بدا بعض الجنودِ متأثرين، ومع إنهم اجبروا العذراءَ المباركةَ على أَنْ تنسحب إلى المدخلِ، إلا أنه لا أحد منهم وَضعُ يديه عليها. أحاط بها يوحنا والنِّساء بينما سَقطتْ غائبة عن الوعيَ على الحجارةِ التي كَانتْ قُرْب المدخلَ، والتي انطبعت عليها يداها. هذه الحجارةِ كَانتْ صلبه جداً، وقَدْ انتقلت بعد ذلك إِلى أول كنيسةِ بْنيت في أورشليم، قُرْب بركة بيت صيدا، خلال فترة أسقفية القديس يعقوب الصغير لتلك المدينةِ. التّلميذان اللذان كانا مع أمِ يسوع حَملاها داخل الدّارِ، وأُغلق الباب. أثناء ذلك أنهض الجنود يسوع وأجبروه على أَنْ يَحْملَ الصّليب بأسلوب مختلفِ. لكون ذراعي الصليب لم تكن مثبتة من الوسط، ومُقيدة بالحبالِ التي كَانَ مقيد بهاَ، فأنه سندها بذراعه، وبهذه الطريقة ثقل الصّليبِ قد خف قليلا، حيث أنه جُر أكثر على الأرضِ. لقد رَأيتُ عدداً من الأشخاصِ يَقفُون في مجموعاتِ، الجزء الأعظم منهم كان يَسلّي نفسه بإهانةِ يسوع بطّرقِ مختلفةِ، لكن بضع نساء مؤتزرات كُنّ يَبْكينَ.
نشأ اضطراب مؤقتُ. سعى يوحنا والنِّساء القديّسات أن يُنهضوا مريم من على الأرضِ، ووبخها فريق الصلب، قال لها أحدهم : " ماذا تفعلين هنا يا امرأة؟ لقد كَانَ من الممكنُ ألا يَكُونَ أبنك في أيدينا لو كَانَ تربى بطريقة أفضلَ "
وَصلَ الموكب إلى بوابة في سور قديمِ فى المدينةِ، قبالة ميدان، تنتهي فيه ثلاثة شوارعِ، عندما تَعثّرَ يسوع فى حجرِ كبيرِ موُضوع، انزلق الصّليب من على كتفه وسَقطَ يسوع على الحجرِ وكَانَ عاجزَا بالكلية عن أَنْ يَنْهضَ. وقف عديد من الأشخاصِ كَانوا فى طريقهم إِلى الهيكلِ وصِاحوا على نحو عطوف : " انظروا لذلك الرجل المسكين، أنه يحتضر بالتأكيد!" لكن أعدائه لم يبدوا أية شفقةُ. تسبب هذا السّقوطِ فى تأخيرَ آخرَ، لم يتَمَكّنَ يسوع من أَنْ يَنْهضَ ثانية، وصاح الفريسيون فى الجنودِ : " نحن لَنْ نصل به إِلى مكانِ التّنفيذِ حياً ما لم تَجدُوا أحداً يَحْملَ صليبه. " فى تلك اللحظة كان سمعان القيروانى يَعْبرَ الطريق، يرَافقهَ ثلاثة مِن أولاده. إنه بستانيَ من الأمم كان عائدا توا إلى البيت بعد العَمَلِ في بستان قُرْب السور الشّرقي للمدينة ويحَمْل حزمة من الأغصان المُشَذَّبةِ. فهم الجنود من ردائه أنه من الأمم، امسكوه وآمروه أَنْ يُساعدَ يسوع في حَمْلِ صليبه. رَفضَ في بادئ الأمر، لكنه أُرغم على أَنْ يَطِيعَ، صرخ أولاده من الخوف وبكوا وأحدثوا جلبة عظيمة، مما جعل بعض النِساءِ يهدئون من روعهم . لقد كَانَ سمعان مغتاظاً للغاية واظهرِ سخطه لَكونه مُضطر أَنْ يسير مع رجل ذو مظهر يُرثى له وبحالة بغاية من الاتساخ والبؤسِ؛ لكن يسوع بَكى ونظر إليه نظرة وديعة وسماويةِ حتى أن الرجل تأثر وبدلا من مواصلة إظهار الإحجام سَاعده على النهوض، ربط الجلادون الصّليبِ على كتفيه، ومَشى خلف الرب يسوع، هذا أراحه بدرجة عظيمِة من ثقله؛ وعندما ترتبَ كل شئ، تحرك الموكب للأمام. كَانَ سمعان رجلاً قويَ المظهرَ، يبدو تقريباً فى الأربعين من العُمرِ. أكبر أولاده يُسَمَّى روفوس والثاني ألكسندر وقد صارا فيما بعد من عداد المُبشرين؛ الثالث كَانَ أصغرَ بكثيرَ، لكن بعد بضع سَنين ذَهبتْ ليَعِيشَ مع القديس اسطفانوس.




  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:56 PM   رقم المشاركة : ( 62 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي


تأمل الرب يسوع

ها أنا فى طريقي نحو الجلجثة. أولئك الرّجالِ الأشرار، خَوفُاً من يَروني أَمُوتَ قبل وُصُولِي للنّهايةِ، بْحثُوا عن أحدِ لمساعدتي فى حْملُ الصليب، أمسكوا برجلِ من منطقة مُجاوِرة‏ يُدَعى سمعان .
انظرواْ إليه خلفي وهو يُساعدني على حْملُ الصّليبَ، وفوق كل شيء خذوا بعين الاعتبار أمرين: أولاً أن هذا الرّجلِ تَنْقصُه النية الحسنةَ، ثانياً أنه إن كان قد جاء وشاركني فى ثّقل الصّليبِ، فذلك لأنه كان مكرهاً على ذلك. لهذا السّببِ، عندما شْعرُ أنه مُتعب جداً, تْركُ الثقل كله يقع عليّ وهكذا سْقطُت على الأرض مرّتان. إن هذا الرّجلِ يُساعدني على حْملُ جزءَ من الصّليبِ لكنة لم يحمل صّليبيَ كله.
هناك نفوساً تسير خلفي بهذه الطريقة. إنهم يَقْبلونَ مساعدتي على حْملَ صليبي لكنهم ما زالوا حريصين على رفاهيتهم وراحتهم. كثيرون آخرون يُوافقونَ على أن يَتْبعوني حتى النّهايةِ، مُنتهجين حياة مثالية. لكنهم لا يَتْخلون عن مصالحهم الشخصيّة، التي تظل تحيى فيهم، في عديد من الحالاتِ، تكون هى أولوياتهم. لهذا يَتردّدونَ ويَسْقطونَ صليبي عندما يثقل عليهم أكثر من اللازم. إنهم يسعون وراء المَعاناة لكن بأقلّ قدر من العناءِ، إنهم يرفضون نكران ذواتهم، يَتجنّبُون الإذلالَ ويَتْعبُون بقدر محتمل، ويَتذكّرونُ ربما بحُزنِ، ما قد تَركوه وراءهم، إنهم يُحاولونَ أَنْ يَحْصلوا على بعض الرّاحة والسّرور لنفوسهم.
باختصار، هناك نفوس أنانية ومغرورة قَدْ جاءت بالأكثر من أجل مصالحها ولا يسعونِ خلفي من أجلى أنا. إنهم يَتخلون عن ذواتهم فقط كى يقدموا لى ما يُضايقهم وما لا يُستطيعوا أَنْ يَضعوه جانبا ... ًإنهم يُساعدوني بحْملَ جزء صغير جداً من صليبي، وبمثل هذا الأسلوب يستطيعون وبصعوبة أَنْ يَكتسبوا استحقاقات لا غنى عنها لأجل خلاصهم . لكنهم في الأبدية، سَيَرواَ مدى بعدهم عن الطّريق الذي كَانَ يجبُ أَنْ يسلكوه .
بالمقابل، هناك نفوس، وهى لَيسَت بقليلة، تتحَرّك برغبتها للخلاص, أنهم مدفوعين بالحبِّ أساساً عندما رأوا ما عَانيتهُ من أجلهم، قرّرواُ أَنْ يَتْبعوني فى الطّريقِ نحو الجلجثةِ. لقد اعتنقوا حياةَ الكمال وأَعطواَ نفوسهم لخدمتي، ليس كى يُساعدوني بحْملُ جزء من الصّليبِ فقط, بل بحمل الصليب كلّه. رغبتهم الوحيدة كانت أَنْ يَريحوني وأَنْ يَواسوني. إنهم يَقدمون أنفسهم إِلى كل شيءِ تطلبه منهم مشيئتى، بْاحثُين عن أي شئ يُمكنُ أَنْ يُسرني. إنهم لا يُفكّرونَ فى الاستحقاقات أو المُكافئة التي تنتظرهم، ولا فى التعب أو الآلام التي ستَتْبع ذلك. الشيء الوحيد الذى يشغهلم هو الحب الذى يستطيعون إظهاره لى، والرّاحة التى سيَعطونها لى .
إن كان صليبي يُقدّمُ لهم كمرضِ، إن كان مخفياًَ تحت عمل يناقض ميولهم ويتفق قليلاًِ مع قدراتهم؛ إذا كان يَجيءُ مُرَافَقَاً لغيابِ الناسِ الذين يُحيطون بهم، فإنهم يقَبلونه باستسلام كاملِّ.
أه! هذه هى النفوس التي تَحْملُ صليبي حقاً؛ تُمجّده. يتحينون الفرصة، ليؤكدوا مجدي دون أدنى اهتمام آخر وبدون أي مُقابل آخر سوى حبّي. إنهم من يُبجلوني ويُمجّدوني.
أحبائي, إن لم تَروا نتائج لآلامكمَ، نتائج لنكران ذواتكَم، فحتماً سترون ذلك فيما بعد، تأكدوا أن ذلك لم يكَن بلا طائل أو بلا ثمر، بل، على العكس، فالثّمار سَتَكُونُ وفيرة.
النفوس التى تَحْبُّ حقاً، لا تَحتْفظُ بكشف حساب عن مدى ما عَانته أو ما صنعته، ولا تَتوقّعُ هذه المكافئة أو تلك، بل ستبحث فقط عما تؤمن أنه يُمجّدُ إلهها .... إنها من أجله لا تُوفّرُ لا الجهد ولا المشقة.
أنها لاْ تَصْبحَ مضطربة ولا مُستاءة، أنها لا تَفْقدُ سلامها إن وَجدُت نفسها مُحبَطَة أو مذلَّة لأن الحافزَ الوحيدَ لأفعالها هو الحبُّ، والحبّ لا يبالى لا بالعواقب ولا بالنَّتائِجَ. هذا هو هدفُ النفوس التى لا تَطْلبُ المُقابل. الشيء الوحيد الذي يتمنونه هو مجدي، مواساتي، راحتي، ولذلك السّببِ يأخذون صليبي وكل الثّقل الذى أشاء أَنْ أضعه عليهم.
أَدْعوني بأسمى يا أولادي، لأن كلمة يسوع تعنى كل شيءِ. أنا سَأَغْسلُ أقدامكَم، تلك الأقدامِ التي خَطتْ على طريقِ زلقِ وَجْرحتُها الصّخورِ. أنا سَأَمْسحُ دموعكَم، سأَشفيكمَ وأُقبّلكَم، ولن تَعْرفُوا طريق آخر سوى ذلك الطريق الذى يقودكمَ نحوى.
نحن الآن في الجلجثةِ! إنّ الغوغاءَ ثائرونُ لأن اللّحظةَ الرهيبة تقُترْب.... أنى مُنهَك بالإعياءِ، أستطيع أَنْ أسير بصعوبة. قدماي تَنْزفان بسبب أحجارَ الطريق.... ثلاث مرات سَقطتُ فى الطّريقِ: مرة كى أَعطي الخطاة الذين تعودوا على الآثمَ القوة أن يتوبواَ؛ الثانية كى أُشجّعَ النفوس التي تسَقطَ بَكُونُها ضعيفة، النفوس التى أعماها الحزنِ والضجر, كي تَنْهضَ وتباشر بشّجاعةِ طريقِ الفضيلةِ؛ والثالثة كى أُعين النفوس على أن تترك الخطيئةِ حتى لو في سّاعةِ موتها.



  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:57 PM   رقم المشاركة : ( 63 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثاني والأربعون
فيرونيكا


بينما كان الموكبَ يجتاز شارعاًِ طويلاً، حَدثتْ حادثة أوجدت تأثيراً قوياً على سمعان القيروانى. عدد من الأشخاصِ كَانوا يُسرعون نحو الهيكل، كثيرين منهم تنحى بعيدا عندما رَأوا يسوع، خوفا من أن يتلوثواِ، بينما الآخرون، بالعكس، وَقفَوا واظهروا رحمة نحو آلامه. لكن عندما تقدم الموكبَ حوالي مأتى خطوةِ من البقعةِ التى بَدأَ فيها سمعان فى مُساعدُة الرب في حَمْلِ صليبه، فُتح باب دارِ على اليسار وخَرجَت امرأة ممسكة بيد فتاة صغيرة وسارت نحو مقدمة الموكبِ. كَانَ اسم المرأةِ الشّجاعةِ التى تَجاسرتْ على أَنْ تُواجهَ الحشود الغاضَبة سيرافيا؛ إنها زوجةَ سيراخ، أحد أعضاء مجلس الهيكلِ، وقَدْ عُرِفت بعد ذلك باسم فيرونيكا، الذي يتكون من شقين هما vera icon ومعناه صورة الوجه الحقيقي، لتخليد ذكرى تصرفها الشّجاع فى هذا اليومِ.
كانت سيرافيا قَدْ أعدّتَ بعض النّبيذِِ، الذي نَويتْ أَنْ تُقدّمهَ ليسوع ليُعينه وهو فى طريقه المؤلمِ إِلى الجلجثةِ. لقد وقفت في الشّارعِ لبعض الوقت ثم رَجعتَ للدّارِ لتَنتظرَ. عندما رأيتها أولا كانت مرتدية شالا طويلا وممسكة بفتاة صغيرة فى حوالي التاسعة من العُمرِ تسَعى إلى إخفاء النّبيذِ. أولئك الذين كَانوا على رأس الموكبِ حَاولَوا أَنْ يَدْفعوها للخلف؛ لكنها شقت طريقها خلال الغوغاءِ والجنود وفرقة الصلب حتى وَصلَت إلى يسوع، سقطت على رُكَبتيها أمامه، وقَدّمَت شالها قائلة : " اسمح لى يا ربي أَنْ اَمْسحَ وجهك " اَخذ يسوع الشال بيده اليسرى ومَسحَ وجهه النَّازِفَ، وأرَجعه بشكر. قَبّلته سيرافيا ووَضعته تحت عباءتها. قدمت البنت حينئذ النّبيذ بخجل، لكن الجنودَ المتوحشين لَم يَسْمحوا ليسوع بأَنْ يَشْرب منه. هذا التصرف الشّجاعِ لسيرافيا فَاجأَ الحرّاس، وتسَبّبَ فى توقف الموكب بصورة مؤقتة استطاعت خلاله أَنْ تُقدّم الشال إِلى سيدها الإلهي. غضب الفريسيون والحرس بشّدة، ليس فقط للتّوقّفِ المفاجئِ، بل بالأكثر بالشّهادةِ العامّةِ للتّبجيلِ الذى قدمته ليسوع، وانتقموا لأنفسهم بضّرِبهِ وسبه، بينما عادت سيرافيا بعجلةِ إِلى دارها.
ما أن عادت إلى غرفتها حتى وَضعتْ شالها الصّوفيَ على منضدةِ، وركعت فاقد الوعي‏ تقريباً على رُكَبتيها. دخل صديق الغرفة بعد وقت قصير ووَجدها سْاجدة هكذا والطّفلةِ تبكى بجانبها، ورَأىَ بدهشة الوجه الدّموي ليسوع مطَبوعاً على الشال ويشبهه تماما، مع أنه مؤلماً أن تَنْظرَ إليه. أنهض سيرافيا وأشار إِلى الشال فسَجدتْ ثانية راكعة وصِاحتْ وهى تبكى: " سَأَتْركُ الآن كل شئ بقلبِ سعيدِ، لأن إلهى قَدْ أعطاني ذكرى عن نفسه "
هذا الشال كَانَ من الصّوفِ الناعم؛ طوله حوالي ثلاث أضعاف عرضه، وكان يُلُبِسَ على الأكتافِ. فيا بعد كان من المألوف أَنْ يُقدّمَ هذه الشال إِلى الأشخاصِ الذين يكونوا فى تجربة شديدة أو فى تْعب شديد أو مرض، لكى يَمْسحوا وجوههم به، وكانوا يفعلون هذا لينالوا تعزية وشفقة. احتفظت فيرونيكا بهذا الشال حتى موتها، وعَلّقته علي رأسِ سريرها؛ ثم أُعطىَ للعذراءِ المباركِة، التي تَركته للحواريين، وهم بعد ذلك تركوه للكنيسةِ.
سيرافيا ويوحنا المعمدان كَاناَ أبنيّ عمَ، أبوها كان شقيق زكريا. عندما جاءا يواقيم وحنة والعذراءَ المباركةَ وهى فى الرابعة من العمر، إلى أورشليم ليَضعاها بين العذارىِ في الهيكلِ، قطنا في دارِ زكريا التي تُقِع قُرْب سوق السّمكِ. سيرافيا كَانَت أكبر من العذراء المباركة بخمس سَنَوات على الأقل، كَانتَ حاضرة لخطبتها للقديس يوسف النجار، وهى أيضاً قريبة لسمعان الشيخ، الذي تَنبّأَ عندما حمل يسوع علي ذراعيهِ. لقَدْ تربّت مع أبنائه. عندما كان يسوع فى الثانية عشر من العمر، ومكث يُعلم في الهيكلِ، سيرافيا، التي لم تكَنَ قد تَزوّجت آنذاك، كانت تُرسلَ له الطعامَ يومياً فى مسكن صغير على مسافة ربع ميلِ من أورشليم حيث كان يُقيم عندما لا يكون في الهيكلِ. ذَهبَت العذراء مريم هناك لمدة يومين، عندما كانت فى طريقها من بيت لحم إِلى أورشليم لتقدم ابنها في الهيكلِ. الشيخان اللذان احتفظا بهذا البيت كَانا من اليونانيين، ويعرفان العائلةِ المقدّسةِ جيدا؛ كان البيت يحتوى على أساسِ فقيرِ، ويسوع وتلاميذه كانوا يترددن كثيرا هناك لقضاء الليلِ.
سيرافيا تَزوّجَت فى سن متأخّرة نوعا ما؛ زوجها، سيراخ، كان من نسل سوسنة العفيفة، وكَانَ عضوَ فى السنهيدرم. كان في بادئ الأمر مُعارضاً بشّدة ليسوع، وعَانت زوجته كثيراً معه بسبب ارتباطها بيسوع وبالنِّساءِ القديّساتِ، لكن يوسف الرامى ونيقوديموس أثرا عليه فسَمحَ لسيرافيا أَنْ تتبع يسوع. عندما اتّهمَ يسوع على نحو ظالم في محكمةِ قيافا، أنضم زوج سيرافيا إلى يوسف الرامى ونيقوديموس في مُحاولُة تبرئة يسوع، واستقال الثلاثة من مقاعدهم في المجلسِ.
كَانَت سيرافيا فى الخمسين تقريبا عند دخل يسوع أورشليم فى أحد السعفِ، وقد رَأيتُها تخلع شالها وتضعه على الأرضِ كى يسير عليه. كان هو نفس الشال الذي قَدمتْه ليسوع في موكبه الثّاني هذا، هذا الموكب الذي يبدو بعيداً عن أي مجد، لكنه في الحقيقة أكثر مجدا. بسبب هذا الشال تغير اسمها من سيرافيا إلى فيرونيكا .





  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:57 PM   رقم المشاركة : ( 64 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثالث والأربعون
السّقوط الرابع والخامس ليسوع
بنات أورشليم



كان الموكب لا يزالَ علي مسافةِ من البوّابةِ الجنوبية الغربيةِ، إنها بوابة كبيرةَ، ومرتَبطة بالتّحصيناتِ، كان الشّارع وعر وشديد الانحدار؛ كَانَ يعبر أولا تحت قوسِ مُقَبَّبِ، ثم على جسرِ، وأخيراً أسفل قوسِ ثانٍ. السور الذى على الجانبِ الأيسر للبوّابةِ كان يتجه أولاَ نحو الجنوبِ ثم يَنحرفُ قليلا إِلى الغربِ، ويتجه أخيراً نحو الجنوبِ خلف جبل صهيون. عندما كان الموكب يقترب من هذه البوّابةِ، دَفع الجنود المتوحشون يسوع في بركةِ راكدةِ، كَانتْ قريبة منه؛ سمعان القيروانى، رغبة منه فى أَنْ يَتجنّبَ البركة، لف الصّليبُ، مما جعل يسوع يسقط للمرة الرابعة في وسطِ الأوحال القذرة، وبصعوبة بالغة رَفْعِ سمعان الصّليبِ ثانية. حينئذ صِاحَ يسوع بنبرة مؤثرة وحزينة إلا أنها كانت واضحة : " أورشليم، كم من مرة أردت أن أجمع بنيك معا كما تجمع الدّجاجةِ فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا " عندما سمع الفريسيون هذه الكَلِماتِ، صاروا أكثرَ غضبا، واستهلوا إهاناتهم وضربهم ليُجبروه على النهوض من الوحل. أثارت قسوتهم هذه سمعان القيروانى حتى أنه صِاحَ " إن واصلتم هذه التّصرفاتِ الوحشيةِ، فسَأَطْرحُ الصّليب ولن أعود اَحْمله حتى لو قْتلتموني "
ظهر طريق ضيّق وحجري بعد المرور من البوّابةَ، وهذا الطّريقِ يتجه نحو الشمال، ويقودَ إِلى الجلجثةِ. أنقسم الطّريق الرئيسي بعد قليل إلي ثلاث طرقِ، احدهم يتجه إِلى الجنوب الغربي ويقود إِلى بيت لحم من خلال واديِ جيحون؛ الثاني إِلى الجنوبِ نحو عمواس ويافا؛ الثالث نحو الجنوب الغربي أيضا، يلف حول الجلجثةِ وينتهيَ ببوّابةِ تقودَ إِلى بيت صور. الشخص الذى يَبْلغُ البوّابةَ التى اقتِيدَ يسوع من خلالها يستطيع أن يَرى بسهولة بوّابة بيت لحم. كانت هناك لوحة معلقة فى بداية الطّريقِ إِلى الجلجثةِ، تُعلنَ للعابرين أن يسوع واللّصين قَدْ أدينوا إِلى الموتِ. تجمعت مجموعة من النِّساءِ قُرْب هذه البقعةِ، وكن يَبْكين ويَنحنُ؛ كثيرات منهن يحملن أطفالاً صّغار علي أياديهن؛ مُعظمهن كنَ عذارىَ صغيراتَ ونِساءَ من أورشليم، كن قَدْ سَبقن الموكب، وقليلات جئن من بيت لحم ومن حبرون "الخليل حاليا" ومن أماكنِ أخرىِ مُجَاوِرةِ ، للاحتفال بعيد الفصح .
كَانَ يسوع على وشك السقوط ثانية، لكن سمعان، الذي كَانَ خلفه، بتدارك أنّه لا يستطيع أَنْ يَقفَ، أسرع كى يسنده؛ اتكأ يسوع عليه، وهكذا أنقذه من السُقُوطِ على الأرض. عندما رأت النِّساء والأطفال الحالة التى يرثى لها التى كان يسوع عليها، بكين بأصوات عاليةَ، وطبقاً للتّقليد اليهودي، قَدّمن قماشاً ليَمْسحَن وجهه. التفت يسوع نحوهم وقالَ : " يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيِّ، بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ! فَهَا إِنَّ أَيَّاماً سَتَأْتِي يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ اللَّوَاتِي مَا حَمَلَتْ بُطُونُهُنَّ وَلاَ أَرْضَعَتْ أَثْدَاؤُهُنَّ! عِنْدَئِذٍ يَقُولُونَ لِلْجِبَالِ: اسْقُطِي عَلَيْنَا، وَلِلتِّلاَلِ: غَطِّينَا! فَإِنْ كَانُوا قَدْ فَعَلُوا هَذَا بِالْغُصْنِ الأَخْضَرِ، فَمَاذَا يَجْرِي لِلْيَابِسِ؟ " ثم وجه بضع كَلِمات التّعزيةِ إليهن لا أَتذكّرها بالضبط.
توقّف الموكبُ مؤقتا. وَصل الجلادون إلى الجلجثة بآلاتِ التّنفيذِ، وتُلاهم مائة من الجنودِ الرّومان الذين كانوا مع بيلاطس؛ الذى رَافقَ الموكب حتى المدخل ثم عاد إِلى المدينةِ.






  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:57 PM   رقم المشاركة : ( 65 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الرابع والأربعون
يسوع فى جبل الجلجثة


تحَرّكَ الموكبُ ثانية؛ كَانَ الطّريق شديد الانحدار ووعراً جداً بين أسوار المدينةِ والجلجثةِ، وكَانَ يسوع يجد صّعوبةُ عظيمة في السير بحمله الثّقيلِ على كتفيه؛ لكن أعدائه القساة، بعيدا عن الشعورِ بأدنى شّفقةِ، ودون إعطائه أقل مساعدة، استمروا يَحْثونّه بضّرباتِ قاسية والتفوه باللّعناتِ المُخيفةِ. أخيراً وَصلوا إلى بقعةَ حيث الممر يتحول فجأة نحو الجنوبِ؛ هنا تَعثّرَ وسقط يسوع للمرة السادسة. السّقوط كَانَ مُخيفاَ، لكن الحرّاسَ ضَربوه بطريقة أقسى ليُجبرونه على النهوض، وما أن وصل إلى الجلجثةَ حتى سقط للمرة السابعة.
سمعان القيروانى قَدْ مُلئ بالتّذمرِ والرّحمةِ؛ على الرغم من إعيائه، رَغبَ فى البقاء رُبَما يُساعدُ يسوع، لكن الجنود شَتموه وأبعدوه، صار سمعان القيروانى بعد ذلك مسيحيا وتبع التلاميذ. أمر الجلادون العُمّال والأولاد الذين يحَملون آلات التّنفيذِ أَنْ يرحلوا، ووصل الفريسيون فى الحال، لأنهم كَانوا على صهوة الجيادِ، وقَدْ اَخذوا الطّريق الممهد السّهل الذي يمتد شرقِ الجلجثةِ. منظرَ مدينةِ أورشليم بالكاملِ كان يُرى من قمةِ الجلجثةِ. هذه القمةِ كَانتْ مستديرة ومحاطةَ بسور منخفضِ ولها خمسة مداخلِ منفصلةِ. إن هذا العدد كان أمراً عادياً في تلك المناطق، لأنه كانت هناك خمسة طرقُ عند الحمامات، في الموضع حيث يتعَمّدوا، في بركةِ بيت صيدا، وكان هناك أيضا عديد من المدنِ ذات خمس بوّاباتِ. من هذا، كما في عديد من الخواصِ الأخرىِ للأرضِ المقدّسةِ، كَانَ هناك مغزىَ نبويَ عميقَ؛ عددِ خمسة هذا كَانَ يرمِز إلى‏ جراحِ مُخلصنا المقدّسةِ الخمسة، التي فْتحَت لنا أبوّاب السّماءِ.
توقف الخيالة عند الجانبِ الغربيِ للجبلِ، حيث لم يكنَ المنحدر شديد الانحدار؛ لأن الجانبِ الذي أتى منه يسوع كَان وعراً وشّديد الانحدار. أنتشر حوالي مائة جندي فى أجزاءِ الجبل المختلفةِ، ولأنه كان مطلوب خلو المكان، لم يُحضر اللّصان لأعلى، بل أمروا أَنْ يَتوقّفا قبل أن يصِلوا هناك، وأَنْ يرقدا على الأرضِ وأياديهم مقيدة بصليبيهما ووقف الجنود حولهما ليحَرسوهما، بينما وقفت جموع الناس الذين لم يخشوا من تَدْنيس أنفسهم قُرْب الرّصيفَ أو على المرتفعاتِ المُجَاوِرةِ؛ هؤلاء كَانوا في الغالب من الغرباءِ من الطبقات الدنيا ومن العبيد الوثنين، وعدد منهم كَن من النِساءَ.
كانت حوالي الساعة الثانية عشر إِلا ربعاً عندما وصل يسوع لموضع الصلب. جره الجلادون البرابرة لأعلى بالحبالِ التي رَبطوها حول خصره، وبعد ذلك حَلواَّ ذراعي الصّليبِ والقوهما على الأرضِ. منظر إلهنا المباركِ في هذه اللّحظةِ كَان حقاً يُحرّكَ أقسى القلوب نحو الرحمة؛ لقد وَقفَ أو بالأحرى انحنىَ على الصليب، لكونه قادراً بالكاد أن يسندِ نفسه؛ مُحياه السّماوي كَان شاحبا كما لشخصِ على حافة الموت، على الرغم من‏ أن الجراح والدماء شَوّهته لدرجةِ مخيفةِ؛ لكن قلوبَ هؤلاء الرّجالِ القساة كَانت للأسفً! أقسى من الحديدِ نفسه، وبعيدا عن إظهار أدنى رثاء له، طرحوه أرضاً بوحشية، صائحين باسْتِهْزاءِ : " أيها الملك القدير، ها نحن عَلى وَشَكِ أَنْ نَعدَّ لك العرش " وَضعَ يسوع نفسه فوراً على الصليب، وقِاسوه ووضعوا علامات فى أماكن قدميه ويديه، بينما استمر الفريسيون فى أهانه ذبيحتهم المستسلمة. عندما انتهوا من القياس، اقتادوه إِلى مغارة منحوتة في الصّخر، كَانت تُستعملْ فى السابق كقبوِ، فَتحواَ البابَ، ودَفعوه بغاية القسوة حتى أنه لولا مساندةِ الملائكةِ، لانكسرت ساقاه بالسقوط الصّعبِ جداً على الأرض الحجريةِ. لقد سَمعتُ آهات آلامه بوضوح، ثم أغلقوا البابَ بسرعة، ووَضعوا حرّاساً أمامه، وواصل الجنود إعدادهم للصليبِ. منتصف الرّصيفِ كَانَ جزءاً أكثر ارتفاعا، كان عبارة عن ربوة مستديرة، ترتفع قدمين تقريبا، وكان على المرء أَنْ يَصْعد درجتين أو ثلاث ليَصلَ إليها. حفر الجلادون ثلاث حفر للصّلبانِ الثّلاثة في قمةِ هذه الربوة، وَضعوا صليبى اللّصين واحد على يمينِ صليب يسوع والآخرِ عن يساره؛ كان كليهما أقل ارتفاعا من صليبه. ثم حَملوا صليب مُخلصنا إِلى البقعةِ حيث نَووا أَنْ يَصْلبوه، ووَضعوه بطريقة بحيث يَسهل سْقوطه في الفتحةِ المُعدة له. رَبطوا ذراعي الصليب بقوة بالجزء الطولي، سَمّرواَ قطعة من الخشب فى الجزء السفلي من الصليب حيث ستستند القدمين، ثقبوا أماكن المسامير، وجوفوا أماكن مختلفة في الخشب في الأجزاءِ التي بها رّأس وظهر المسيح، من أجل أن يستقر جسده على الصليب، بدلاً من يَكُونُ معلّقاً منه. هدفهم من هذا لم يكن رحمة منهم بل كَان إطالةَ مدة تعذيبه، لأن لو سُمح لوزنَ الجسد بالكاملَ أَنْ يتدلى من الأياديِ لتمزقت فتحاتِ المسامير تماما ويموت بسرعة أكثر مما يريدون. ثم جلب الجلادون قِطَعاً من الخشب يستعملوها كأوتاد ليحفظوا بها الصّليب قائماً.







  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:58 PM   رقم المشاركة : ( 66 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الخامس والأربعون
مريم والنّساء القديّسات فى الجلجثة .



مع أن العذراء المباركة كانت قَدْ حُملت بعيدا غائبة عن الوعي بعد اللقاء الحزينِ مع ابنها وهو حاَملا صليبه، إلا أنها استعادتْ وعيَها سريعا؛ لأن حبّها ورغبتها المتوهجة لرُّؤيته مرة أخرى، منحها شّعوراً خارقاً بالقوةِ. ذَهبتْ بصحبة مرافقيها إلى دارِ لعازر حيث تجمعت مارثا والمجدلية وعديد من النِّساءِ القديّساتِ مسبقا. الجميع كن حزانى ومُحبَطات، لكن المجدلية لم تتَمَكّنَ من حبس دموعها وبكائها. لقد بَدأن يسرن من هذه الدّارِ طريق الصّليبِ، بعبارة أخرى، لقد أردن أَنْ يَتْتبعن كل خطوه خطاها يسوع في هذه الرحلةِ الأكثر ألماً. حَسبَت مريم كل خطوةِ، ولَكُونُها أنَيّرتَ بشكل داخلي، أشارت إِلى مرافقيها إلى تلك الأماكنِ التي قَدْ كُرّستْ بآلام خاصة. حينئذ جاز السّيفَ الحادَّ الذى أنبأ به سمعان الشيخ فى البداية في قلبِ مريم, ذلك الولاءِ المؤثر الذى مارسته بشكل ثابت مَنحته مريم لمرافقيها، وهم بدورهم تَركوه لأجيالِ المستقبلِ، عطية ثمينة حقاً، مَُنحَت مِن قِبل إلهنا لأمه الحبيبةِ، والتى جازت من قلبها إِلى قلوبِ أولادها من خلال صّوتِ التّقليد.
عندما وَصلن النِّساءِ القدّيساتِ إلى دار فيرونيكا دَخلنه، لأن بيلاطس وضبّاطه كَانوا في ذلك الوقت يمرون خلال الشّارعِ، فى طريقهم للرجوع. لقد انفجرن باكيات عندما رأين وجه يسوع مطَبوعاً على الشال، وشكرن الرب على تلك العطية التى مَنحَها لخادمته الأمينة. آخذن النّبيذِ الذي منع اليهودِ يسوع من شُرْبِه، وبَدأَن معا المسير نحو الجلجثة. أزداد عددهم إلى حدٍّ بعيد، لأن عديد من الرّجال والنِّساء الأتقياء الذين ملأتهم آلام إلهنا بالرّحمةِ قَدْ انضموا إليهن، وارتقوا ‏الجانبَ الغربيَ للجلجثةِ، حيث المنحدرِ هناك لم يكنَ عظيما. أم يسوع برفقةَ ابنه أختها، مريم أبنه كلوبا ويوحنا وسالومه ذَهبن لحدود الرّصيفِ المستديرِ؛ لكن مرثا ومريم التى لهالى وفيرونيكا ويوحانان وخوزي وسوسنا ومريم أمّ مرقص بَقين مع المجدلية، التي استطاعت أَنْ تسند نفسها بصعوبة.
أسفل الجبلِ كانت هناك مجموعةَ ثالثة من النِّساءِ القدّيساتِ، وكان هناك بعض الأفرادُ المُبَعثَرين بين المجموعاتِ الثّلاث، كانوا يحَملون الرسائل من مجموعة إِلى الأخرِى. الفريسيون الذين يمتطون الجيادِ كانوا يجولون ذهاباً وإيابا بين الشعبِ، وكانت المداخل الخمسة بحراسة الجنودِ الرّومان. ثبتت مريم عينيها على بقعةِ الصلب، ووَقفتْ وكأنها مسلوبة القلب، لقد كان حقاً منظر يُروّعَ ويُمزّقَ قلب أى أمِّ. كان هناك الصليب الرهيب‏، المطارق، الحبال، المسامير، وبمحاذاة آلاتِ التعذيب المخيفةِ هذه وَقف الجلادون المتوحشون، نصف سكارى وتقريباً بلا ملابس، يلعنون ويجدفون، بينما يعدون أنفسهم. ازدادتْ آلام العذراءِ المباركةِ بشّدة لكونها لم تكن قادرة على رؤية ابنها؛ عَرفتْ أنّه ما زالَ حياً، وشَعرتْ برغبة متوهجة فى أَنْ تَنْظره مرة أخرى، بينما التفكيرَ فى العذابِ الذى ما زالَ عليه أَنْ يَتحمّلَه جعِلَ قلبها يفيض بالأسىِ.
كان قليل من الندى قد سْقط خلال بعض أوقات الصّباح، لكن الشّمسَ أشرقت بعد العاشرة، وضباب أحمر كثيف بَدأَ يحجبها نحو الثانية عشرَ.










  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:58 PM   رقم المشاركة : ( 67 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل السادس والأربعون
تسمير يسوع على الصّليب



ذهب أربعة جنود إلى المغارة حيث حبسوا يسوع وجروه خارجاً بوحشيتهم المعتادة، بينما الغوغاء ينظرونه ويُهينونه بإهانات بالغة، والتزم الجند الرّومان الحياد، ولم يفكّروا فى شيء سوى بإصدار الأوامر. عندما اقتيد يسوع ثانية، أعطت النّساء القديّسات رجل بعض المال، وناشدنه أن يقدم للجنود أي شئ يطلبوه إن سمحوا ليسوع أن يشرب النّبيذ الذي أعدته فيرونيكا؛ لكن الجنود القساة، بدلا من أن يعطونه ليسوع، شربوه هم.
كان مع الجنود إناءان، إحداها يحتوى على خل ممزوج بالمر، والآخر خليط من نّبيذ الممزوج بالمرّ والحنظل؛ فقدموا قدح من الخمر الممزوجة ليسوع، الذي بعد أن تذوقه، لم يشاء أن يشرب منه.
كان هناك ثمانية عشر جندياً فى موضع الصلب؛ السّتة الذين جلدوا يسوع، الأربعة الذين اقتادوه إلى الجلجثة، اثنان حملا الحبال التي دعمت الصليب، والستة الآخرون جاءوا لغرض صلبه. كانوا يختلفون عن اليهود أو الرومان؛ كانوا رجالا قصار القامة، ذوى مظهر شرس، بالأحرى يشبهون الوحوش، وهم الذين نفذوا عملية الصّلب.
هذا المشهد رأيته بصورة مخيفة برؤية الشّياطين، التى كانت غير ظاهرة للآخرين، رأيت أجساماً كبيرة من الأرواح الشّريّرة تحت أشكال ضّفادع وثعابين وتنانين وحشرات سامّة، يحثونّ هؤلاء الرّجال الأشرار على أن يكونوا بأعظم قسوة، واظلموا الهواء تماما. زحفوا في أفواههم وقلوبهم، جلسوا على أكتافهم، ملئوا أذهانهم بصّور شّريرة، وحرّضوهم على أن يشتموه ويهينوه بكل وحشية.
وقفت الملائكة الباكية حول يسوع، ومنظر دموعهم واساني قليلاً، وقد رافقتهم ملائكة المجد. كانت هناك أيضاً ملائكة الرّحمة وملائكة التّعزية التى كانت تقترب من العذراء المباركة بشكل متكرر ومن بقية الأشخاص الأتقياء الذين تجمّعوا هناك، وهمسوا بكلمات الرّاحة التي مكّنتهم من أن يتحمّلوا الموقف بثبات .
فى الحال نزع الجنود عباءة يسوع والحزام الذي رُبطت به الحبال وحزامه الخاص، عندما وجدوا أنه من المحال أن ينزعوا رداءه الصّوفي الذي كانت أمه قد نسجته له من على رأسه، بسبب تاج الشّوك؛ مزّقوا التاج المؤلم وهكذا تفتحت كل جراحه من جديد، واستولوا على الرداء. وقف إلهنا الحبيب ومُخلصنا عارياً أمام أعدائه القساة إلا من سترة قصيرة كانت على كتفيه، والملابس الكتانية التي تستر عريه. رداؤه الصوفي كان قد التصق بالجراح، ومن المتعذر وصف آلامه عندما نزعوه عنه بالقوة. لقد ارتجف من الألم، لقد كان بغاية الضعف والألم من نزف الدّم حتى أنه لم يتمكّن من أن يسند نفسه أكثر من بضع لحظات؛ لقد تغطّى بالجراح المفتوحة، وكتفاه وظهره قد تمزّقا حتى العظام من الجلد المخيف الذى ناله. لقد كان على وشك أن يسقط عندما أقتاده الجنود إلى حجر كبير وأجلسوه عليه بقسوة، خوفاً من أن يموت، وهكذا يحرمهم من مسّرة صّلبه، لكن ما أن أجلسوه حتى جددوا آلامه بوضع تاج الشّوك ثانية على رأسه. ثم قدموا بعض الخلّ الممزوج بالمر، لكنه لم يشأ أن يشرب واستدار في صّمت.
لم يسمح له الجنود أن يستريح طويلاً، بل أنهضوه ووضعوه على الصّليب الذي سيسمّرونه عليه. ثم أمسكوا بذراعه اليمين وسحبوها حتى الفتحة المعدة للمسمار، وأوثقوها بأحكام بحبل، جثا واحد منهم على صدره، بينما أمسك آخر بيدّه ليجعلها مفتوحة، والثالث أمسك بمسمار غليظ وطويل، غرزه فى راحة يده المفتوحة، التي كانت دوما مفتوحة لتمنح البركات والحسنات لليهود الجاحدين، وبمطرقة حديدية عظيمة جعله يخترق راحة يده وينفذ خلال الفتحة المُعدة من قبل في خشبة الصليب. تأوه يسوع بآهة واحدة عميقة مكتومة، وتدفق دمه وانتثر على أيدي الجنود. كانت المسامير كبيرة جدا، رّؤوسها بحجم قطعة النقود، وسّمكها كسمك إبهام الرجل.
وقفت العذراء المبارك ساكنة؛ من وقت لآخر يُسمع منها صوت أنين حزين؛ بدت كما لو أنها تغيب عن الوعي من الأسى، والمجدلية كانت بجانبها .
بعدما سمر الجنود يدّ يسوع اليمنى، أدركوا أنّ يده اليسرى لن تصل إلى الفتحة التى أعدوها مُسبقاً لنفاذ المسمار فيها، لهذا ربطوا ذراعه اليسرى بالحبال، ودعموا أقدامهم فى الصليب، شدوا اليد اليسرى بقسوة حتى وصلت المكان المُعد لها. هذه العملية المخيفة سبّبت ليسوع آلاماً يتعذر وصفها، صدره ارتفع، ساقاه تقلّصتا تماما. جثوا ثانية فوقه، أوثقوا ذراعيه، وسمروا المسمار الثّاني في يده اليسرى؛ تدفق دمه ثانية، وآهاته الضّعيفة سُمعت أكثر من مرة بين ضربات المطرقة، لكن لا شيء كان ممكن أن يحرّك قلوب هؤلاء الجنود القساة. هكذا امتدّت ذراعا يسوع، لم تعدا تغطّيان ذراعي الصّليب، اللتان كانتا منحدرتين وكان هناك فراغ واسع بينها وبين إبطيه.
كل عذاب وإهانة وقعت على يسوع سبّبت آلاماً جديدة لقلب أمه المباركة؛ لقد صارت شاحبة كجثة، بل أن الفريسيون سعوا لزيادة آلامها بكلمات وإيماءات مهينة، فأخذها التلاميذ إلى مجموعة من النساء التقيات اللاتي كن يقفن على بعد قليل .
ثبت الجنود قطعة من الخشب فى الجزء السفلي من الصّليب حيث ستُسمر قدما يسوع، لأن ثقل جسده لن تتحمله ثقوب راحة يديه، وأيضاً لكى تمنع كسر عظام قدميه عندما تسمّر على الصّليب. كانت هناك فتحة مُعدة فى الخشبة لينفذ فيها المسمار بعدما ينفذ من قدميه، وكان هناك أيضاً مكان صغير مجوف لأجل عقبيه, هذه التدابير الوقائية‏ قد اتخذت خشية أن تتمزق جراحه وتنفتح من قبل ثقل جسده، ويموت قبل أن يعانى كل التّعذيب الذي تمنّوا أن يروه وهو يُقاسيه على الصليب.
جسد يسوع بالكامل قد سُحب لأعلى، وتقلّص من الطريقة العنيفة التي مددّ بها الجنود ذراعيه، وركبتاه تقلصتا لأعلى؛ لهذا فردوها وقيدوها لأسفل بالحبال بإحكام؛ لكن سريعاً أدركوا أن قدميه لن تصلا لقطعة الخشب التي وضعوها لتستقر القدمان عليها وصاروا غاضبين. اقترح بعضهم عمل فتحات جديدة للمسامير الخاصة بيديه، لأنه ستكون هناك صعوبة في إزالة قطعة الخشب، لكن الآخرين لم يتوقفوا وصاحوا : " أنه لن يمدّ نفسه لكننا سنساعده " ورافقت هذه الكلمات الأقسام واللّعنات، وبعد ما ربطوا حبلاً بساقه اليمنى، سحبوها بقسوة حتى وصلت للخشبة، وبعد ذلك ربطوها بإحكام. الآلام التى جازت على يسوع من هذا الشد العنيف لمن المتعذر وصفها؛ " إلهي، إلهي " أفلتت هذه الكلمات من شفاهه، وزاد الجنود من ألمه بربط صدره وذراعيه بالصليب، خشية أن تتمزق الأيادي من المسامير. ثم ثبتوا قدمه اليسرى بقدمه اليمنى، جاعلين أولاً فتحة فيهما بمثقاب, لأنهم لم يستطيعوا أن يضعوهما بمثل هذا الوضع ليسمّرا معاُ. بعد ذلك اخذوا مسماراً طويلاً جدا وأنفذوه بالكامل فى كلتا القدمين وفي الصّليب، لقد أحصيت على الأقل ستة وثلاثون ضربة من المطرقة.
خلال فترة صّلب الرب لم يتوقّف يسوع عن الصلاة، وترديد فقرات من المزامير التي كان يرددها، مع ذلك, من وقت لآخر كان يُسمع أنين ضعيف بسبب زيادة الألم. بهذه الطريقة كان الرب يصلّى عندما كان يحمل صليبه، وهكذا استمرّ يصلّي حتى موته. سمعته يردد كل هذه الّنبوءات وكرّرتها بعده .
عندما انتهى صلب يسوع، أمر قائد الجنود الرّومان أن تُسمر اللوحة التى أمر بها بيلاطس على قمة الصّليب. أثار هذا سخط الفريسيون، وأزداد غضبهم من سخرية الجنود الرّومان، الذين أشاروا إلى ملكهم المصلوب؛ لذا تعجّل الفريسيون فى الرجوع إلى أورشليم وقد قرروا أن يبذلوا أفضل مساعيهم ليقنعوا الحاكم أن يسمح لهم أن يستبدلوا اللوحة بلوحة أخري.
كانت الساعة حوالي الثانية عشر والربع عندما صلب الرب يسوع؛ وفي اللحظة التى أرتفع فيها الصّليب، دوّت أبواق الهيكل، التي كانت تدوي دائما لتعلن عن ذبح حمل الفصح.









  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:59 PM   رقم المشاركة : ( 68 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي


تأمل الرب يسوع


انظرْوا بأية قسوةِ التف حولي هؤلاء الرّجالِ القساة. بعضهم جذب الصّليبِ ووضعوه على الأرضِ؛ الآخرون يُمزّقونَ ملابسي المُلتصقة بجراحي فانفتحت مرة أخرى فتفجرت الدماء منها.
انظروا يا أبنائي الأحباء، بأي خجل وخزي عانيت برُؤيةَ نفسي بهذه الطّريقةِ أمام هذه الحشود الهائلة ِ....أى ألم تجرعته نفسي ؟!
الجلادون يُنزعون ردائي ويلقوا قرعَة علية؛ هذا الرداء كثيرا ما غَطّتني به أمي بكثير من العنايةِ خلال طفولتي، وقَدْ نَما مع نموي. ماذا ستكون أحُزانَ أمي عندما تَتأمّلَ هذا المشهدِ؟ كم كَانتْ ستَرغب أَنْ تَحْتفظَ بذلك الرداءِ، إنه ملوّث الآن ومشبع بدمائي.
لكن السّاعةَ قَدْ حانت ومددني الجلادون على الصّليبِ، أمسكوا ذراعيّ وجذبوهما كى يَصلا للثقوب المُعدة فيه من قبل. كل جسدي تَمزق، لقد تلويت من جانب لآخر وأشواك إكليل الشوك اَنغرست بصورة أعمقَ في رأسي. أصغْوا إلى الضّربةِ الأولىِ للمطرقةِ التي سَمّرتَ يديّ اليمني...أن صوتها يَدوّي حتى أعماقِ الأرضِ.... أصغوا أكثر ... ها هم يُسمّرونَ يدى اليسرى، أمام مثل هذا المنظرِ، ارتعدت السّماوات، وطرحتُ الملائكة نفسهما. لقد اَحتْفظُت بأعمق صّمتَ. لا شكوىُ، ولا أنينُ أفلت من شفاهي، لكن دموعي اَختلطُت بالدّماءِ التى غَطت وجهي.
بعد ما سَمّروا يديّ، جذبوا قدمّي بقسوة... تَفْتحتُ جراحي، تمزقت أعصاب يديّ وذراعيّ، تَخْلعت العظام... أن الآلام لرهيبة! قدماي تُسمّرتاُ ودمي تخلل الأرضَ!....
تأمّلْوا للحظةِ هذا الدّمِ الذى لَطّخَ الأياديَ والأقدامَ ....تأمّلْوا هذا الجسدِ العاريِ، هذا الجسد المُغَطّى بالجراحِ والعرق والدم والأوَساّخْ .... تأملوا هذه الرّأس المثقوبة بالأشّواكِ الحادّةِ، المنقّوعة في العرقِ، المملوءة بالترابِ والمُغَطاة بالدّمِاء .
تعجبوا من الصّمتَ، تعجبوا من الصّبر والخضوع الذي قْبلُت به كل هذا الآلام. من الذى تألم بمثل هذا، من الذى ضحى بمثل هذا الإذلالِ؟ إنه ابن الإله! إنه من صنع السّماوات، إنه من أوجد الأرض والبحار، إنه من صنع كل الموجودات .... أنه خاَلقَ الإنسان، أنه من ثبّت المسكونة بقدرته الأزلية... أنه هناك بلا حراك, مُحتَقَراًُ، عارياً، وستتبعه حشود من النفوس التى ستَتْركُ من أجله الممتلكات الدنيوية، سيتركون من أجله العائلة والأوطان، سيتركون الكرامة ومحبة الذات، سيتركون مجد العالم وكل ما هو ممكن أَنْ يَكُونَ ضروري, وسيتبعونه كى يَعطوه المجد ويُظهروا له الحبّ الذى يُكنوه له
تفطني يا ملائكة السماء، وأنتم أيضاً يا أحبائي ... ها هم الجنود سيقلبون الصّليب على ظهره، ليثبّتوا المسامير حتى لا تنخلع بتأثير ثقل جسدي مما قد يؤدى إلى أن أسقط. ها هو جسدي سيعطي الأرض قبلة السّلام الآن. وبينما كان صوت المطارق يدوى خلال الفضاء الخارجي، اكتمل عند قمة الجلجثة المشهد الأكثر من رائع .... وبناء على طلب أمي التي عايشت كل ما كان يَحْدثُ وبَكُونهاُ كانت عاجزة عن أَنْ تُعطيني الراحة، التمست الرحمةَ من أبي السّماوي.... َنْزلت طغمات من الملائكةِ كى تُمجّدَ جسدي، وكي تبقيه هكذا كى لا يَمْسُّ الأرض، لتجنّبهَ أن ينَسْحق تحت ثقل الصّليبِ.
تأمّلواْ يسوعكَم، مُعلقاً على الصّليبَ، عاجزاً عن القيام بأدنى حركة... عارياً، بلا سمعة، بلا شرف، بلا حرية... لقَدْ سلبوا منه كل شيء! لم يكن هناك من يشفق عليه ويَشْعرُ بالآسف لآلامه! أنه فقط من يتلقى العذاب والسخرية والهزء! إن كنتم تَحْبونّني حقاً، فهَلْ سَتَكُونونُ مستعدينَ أنْ تقتدوا بى؟ ما الذى سَتَرْفضُونه كى تُطِيعوني، كى تُسروني وتَواسوني؟ اطرحوا ذواتكم على الأرض ودعوني أُقول لكم بضع كَلِماتَ: ليت مشيئتي تملك عليكم! ليت محبّتي تسحقكم ! ليت آلامكم تُمجّدني!


  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:59 PM   رقم المشاركة : ( 69 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل السابع والأربعون


نصب الصّليب



عندما انتهى الجنود من صلب يسوع، ربطوا الصليب بالحبال، وثبتوا نهايات هذه الحبال حول دعامة ثبّتت بشكل قوي في الأرض علي بعد قليل، وبهذه الحبال نصبوا الصّليب. البعض منهم سندوه بينما دفع الآخرون قاعدته نحو الحفرة المعدّة لتثبيته, سقط الصليب الثّقيل في هذه الحفرة بصدمة هائلة، تأوه يسوع بصرخة واهنة، وتمزّقت جراحه بطريقة مخيفة وتفجرت دمائه ثانية، وعظامه النّصف مخلوعة أحتك بعضها ببعض. دفع الجنود الصّليب ليجعلوه بشكل شامل في الفتحة، وجعلوه يتأرجح ليغرسوا خمسة أوتاد ليثبتوه .
منظر رهيب، لكن في نفس الوقت مؤثر أن تنظر الصّليب منتصباً في وسط حشد عريض من الأشخاص الذين تجمّعوا جميعاً حوله؛ لم يكن هناك الجنود والفريسيين المفتخرون وغوغاء اليهود القساة فقط، بل كان هناك أيضاً غرباء من كل الجهات.
لقد رددوا فى الفضاء هتافات ونّداءات سّاخرة عندما نظروا الصليب مرتفعاً عالياً، الذى بعدما تأرجح للحظة في الجو، سّقط بصدمة عنيفة في الفتحة التى أُعدت له في الصّخور. لكن دوّت فى الفضاء في نفس اللّحظة كلمات الحبّ والشّفقة؛ وهذه الكلمات والأصوات صدرت من الكلية القداسة, مريم العذراء, ويوحنا والنّساء القديّسات وكل أنقياء القلب, لقد ركعوا ومجّدوا الكلمة الذى صار جسداً مسمّراً على الصّليب؛ مدّوا أياديهم كما لو إنهم يتوقون أن يٌعينوا قدّوس القديسين، الذي نظروه مسمّراُ على الصّليب. لكن عندما سُمع صّوت سقوط الصّليب في الفتحة المعدةّ له في الصّخر، ساد صمت رهيب، امتلأ كل قلب بشعور غامض من الرّهبة والحنو لم يحدث أن جُرّب من قبل مطلقا، ولا يستطيع أحد أن يصفه حتى لنفسه؛ كل سجناء جهنم ارتجفوا بالرّعب، ونفّسوا عن تهيّجهم بالسعي إلى تحريض أعداء يسوع أن يواصلوا غضبهم ووحشيتهم؛ النفوس التى في عالم الانتظار امتلئوا بالبهجة والأمل، لأن الصّوت كان بالنسبة لهم بشير السعادة، مقدمة لظهور مُحررهم. هكذا زٌرع الصّليب المُبارك لإلهنا لأول مرة على الأرض؛ وجيّداً أن نقارنه بشجرة الحياة التى في الفردوس، لأن جراح يسوع كانت كينابيع مقدّسة، يتدفّق منها أربعة أنهار تستطيع أن تنقّي العالم من لعنة الخطيئة، وأن تعطيه خصوبة، لكي ينتج ثمار الخلاص.
الربوة التى غُرس الصّليب عليها كانت تعلو حوالي قدمين عن الأجزاء المحيطة بها؛ كانت قدمي يسوع قريبة من الأرض بما يكفى لأحبائه أن يصلوا إليها ليقبّلوها، ووجهه كان يتجه نحو الشمال
  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 05:00 PM   رقم المشاركة : ( 70 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثامن والأربعون
صلب اللّصين


خلال وقت صلب يسوع، تُرك اللّصان راقدين على الأرض على مسافة قليلة؛ أياديهم مقيدة، ووقف بقربهما بعض الجنود. الاتهام الذي كان قد ثبت ضدهم أنهما اغتالا امرأة يهودية كانت مسافرة مع أطفالها من أورشليم إلى يافا. وكانا قد سجنا لوقت طويل قبل أن يُحاكما. اللّص الذى وُضع على الجانب الأيسر كان أكبر سناً بكثير من الآخر وكان يُدعى جيماس؛ لقد كان أثيماً مُحترفاً، وهو الذي افسد الأصغر الذى كان يدعى ديماس وهو اللص اليمين. كلاهما كانا ينتميان إلى عصابة من اللّصوص التى روعت تخوم مصر؛ وكانا يسكنان مغارة عندما كانت العائلة المقدسة هاربة إلى مصر، في وقت مذبحة الأطفال. الطّفل المسكين المصاب بالبرص، الذي برأ فى الحال بمجرد أن غُمر في الماء الذي كان قد استخدم لاستحمام الطفل يسوع، لم يكن سوى ديماس هذا، ومحبة أمّه، باستقبال وإكرام العائلة المقدّسة، قد كوفئ بعلاج طفلها؛ بينما كانت هذه التّنقية الخارجية رمزاً للتّنقية الدّاخلية التى تحققت بعدئذ في نفس ديماس على جبل الجلجثة، من خلال ذلك الدّم المقدّس الذي كان يُراق حينئذ على الصّليب لأجل فدائنا. لم يكن ديماس يعرف شيئاً على الإطلاق عن يسوع، لكن لأن قلبه لم يكن قاسياً، منظر الصّبر الهائل ليسوع أثر فيه كثيراً.
عندما أتم الجنود رفع صليب يسوع، أمروا اللّصين أن ينهضا بلا تأخير، وحلّوا قيودهم من أجل أن يصلبا فى الحال، لأن السّماء صارت مُكفهرة جدا مُنذرة باقتراب زوبعة. بعد إعطائهما بعض المرّ والخلّ، نزعوا لباسهما وربطا الحبال حول أياديهم، وبمساعدة سّلالم صّغيرة جروهما إلى أماكنهما على صّليبيهما. ثم قيد الجنود أياديهم إلى الصليبين بالحبال، وقيدوا رسغيهما وكوعيهما وركبهما وأقدامهما أيضاً، جذبوا الحبال جدا حتى تكسرت مفاصلهما وتدفق الدم منها وصرخا بصرخات حادة، واللص اليمين صاح بينما كانوا يجذبونه لأعلى " أن هذا العذاب لمخيف، لكن إن كانوا عاملونا كما عاملوا هذا الجليلى المسكين، لكنا هلكنا منذ فترة طويلة."
قسّم الجنود ملابس يسوع، من أجل أن يجروا قرعة بينهم؛ عباءته، وردائه الأبيض الطّويل والحزام والثوب الداخلي الذي تشبع بالكامل من دمه المقدّس. ولأنهم لم يتفقوا من سيصبح مالك العباءة التى نسجتها أمه والتى بلا خياطة والتى لا يمكّن أن تُقطّع وتُقسّم، أحضروا ما يشبه رقعة الشطرنج مرسومة بأشكال، وكانوا على وشك أن يلقوا قرعة، عندما أعلمهم رسول، مُرسل من قبل نيقوديموس ويوسف الرامى، أن هناك من يريد أن يشترى كل ملابس يسوع؛ حينئذ جمّعوا كل ثيابه وباعوها كلها معا وهكذا تملك المسيحيون هذه الآثار المقدَّسة‏ الثّمينة.
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
آلام المسيح وقيامته التي تنبأت بها الكتب المقدسة
حقائق صادمة جدّاً عن آلام السيد المسيح وقيامته
شاهد عيان أمام مديرية القاهرة: الانفجار أطاح بنا من فوق كراسي المقهى
آلام المسيح وصلبه وقيامته: جوهر البشارة
شاهد عيان بالخصوص :مدير أمن القليوبية هددنا وحاول اعتقال الأقباط المتواجدين أمام الكنيسة


الساعة الآن 08:41 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025