منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم اليوم, 02:54 PM   رقم المشاركة : ( 199111 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,329,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



نصرته على اليبوسيين:

6 وَذَهَبَ الْمَلِكُ وَرِجَالُهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى الْيَبُوسِيِّينَ سُكَّانِ الأَرْضِ. فَكَلَّمُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: «لاَ تَدْخُلْ إِلَى هُنَا، مَا لَمْ تَنْزِعِ الْعُمْيَانَ وَالْعُرْجَ». أَيْ لاَ يَدْخُلُ دَاوُدُ إِلَى هُنَا. 7 وَأَخَذَ دَاوُدُ حِصْنَ صِهْيَوْنَ، هِيَ مَدِينَةُ دَاوُدَ. 8 وَقَالَ دَاوُدُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «إِنَّ الَّذِي يَضْرِبُ الْيَبُوسِيِّينَ وَيَبْلُغُ إِلَى الْقَنَاةِ وَالْعُرْجِ وَالْعُمْيِ الْمُبْغَضِينَ مِنْ نَفْسِ دَاوُدَ». لِذلِكَ يَقُولُونَ: «لاَ يَدْخُلِ الْبَيْتَ أَعْمَى أَوْ أَعْرَجُ». 9 وَأَقَامَ دَاوُدُ فِي الْحِصْنِ وَسَمَّاهُ «مَدِينَةَ دَاوُدَ». وَبَنَى دَاوُدُ مُسْتَدِيرًا مِنَ الْقَلْعَةِ فَدَاخِلًا. 10 وَكَانَ دَاوُدُ يَتَزَايَدُ مُتَعَظِّمًا، وَالرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ مَعَهُ.



كانت يبوس -اسم أُورشليم في عهد اليبوسيين- تمثل مساحة صغيرة إن قُورِنَت بأورشليم في أيام سليمان(27). كانت تناسب أن تكون العاصمة لداود أكثر من حبرون، أولًا لأن موقعها منيع للغاية، فهي مرتفعة (مز 48: 2)، حولها جبال (مز 125: 2) تحيط بها وديان عميقة من ثلاثة جوانب يبلغ عمق بعضها 800 قدم؛ ثانيًا لأنها على تخم يهوذا وبنيامين فترضي السبطين (سبط يهوذا الذي خرج منه داود، وسبط بنيامين الذي يضم بيت شاول الملك).
أما اليبوسيين(28) فهم قبيلة من الكنعانيين قبل دخول إسرائيل أرض الموعد (تك 10: 16؛ 15: 21؛ خر 3: 8). أثناء الخروج كانوا قبيلة جبلية (عد 13: 29؛ يش 11: 3). اتحدوا مع بعض الملوك ضد جبعون لأنها أقامت عهدًا مع يشوع، لكن الأخير هزمهم وقتل ملكهم أدوني صادق (يش 10: 23-26)، وأعطى أرضهم لبنيامين (يش 18: 28)، بعد ذلك احتلها رجال يهوذا لأنها كانت على حدود تخمهم، وأحرقوها (يش 15: 8؛ قض 1: 8)، لكن اليبوسيين لم يفقدوا قلعتهم فيها كما يقول يوسيفوس(29)، وإنما سكنوا مع بني يهوذا وبنيامين كغرباء (يش 15: 20-36؛ قض 1: 21؛ 19: 11)، بقوا فيها حتى بعدما أخذ داود حصنهم (2 صم 24: 16-18؛ 2 أي 3: 1).
كان اليبوسيين واثقين أن داود لن يستطيع الاستيلاء على حصنهم بسبب مناعته، حتى لو كان من بداخله عمي وعرج، لذا في استخفاف قالوا له: "لا تدخل إلى هنا ما لم تنزع العميان والعرج" [6].
أعلن داود عن المكافأة لِمَن يضرب المدينة حتى يبلغ إلى القناة، أي إلى النفق تحت الأرض من الوادي إلى فوق، فإن مَن يبلغ القناة يدخل الحصن، لم يذكر ما هي لأنها لا تحتاج إلى ذِكر، إذ عنَي أن يصير المنتصر "رأسًا وقائدًا" (1 أي 11: 6)؛ وقد حقَّق يوآب ابن صروية ذلك.
دخل يوآب المدينة وصار رأسًا (1 أي 11: 6)، وسكن داود ورجاله القلعة أو الحصن ودعاه "مدينة داود".
يلاحظ في استيلاء داود على يبوس الآتي:
أ. أراد اليبوسييون أن يسخروا منه فقالوا: "لا تدخل إلى هنا ما لم تنزع العميان والعرج" [6]، وكان القصد بذلك أنه لن يدخلها قط؛ لكنه إذ دخلها صار المثل: [لا يدخل البيت أعمى ولا أعرج] [8]. بمعنى آخر قال سكان يبوس إنهم حتى إن كانوا عميانًا وعرجًا فلن يقدر داود الملك بكل جيشه أن يحتل مدينتهم؛ لكنه إذ استولى عليها يقول: لم يَعُد بالمدينة أعمى أو أعرج، لا بمعنى أنه منع دخول أي أعمى أو أعرج، وإنما إعلانًا رمزيًا عن قوة رجاله وحكمتهم أن جميعهم مبصرون وقادرون على السير. ما حدث مع داود كان رمزًا لما تحقق مع ابن داود، فقد كان العالم قد احتله عدو الخير زمانًا حتى دُعي "رئيس هذا العالم" (يو 14: 30)، فصار العالم أسيرًا تحت قدميه (يبوس تعني مدوسًا تحت الأقدام)، وكانت البشرية أشبه بالعُمي والعُرج، انطمست أعنيهم الداخلية عن معاينة ملكوت السموات وعجزت أقدامهم الداخلية عن السير في الطريق الملوكي... مع هذا فقد ظن هؤلاء العمي والعرج أنهم محصنون لن يقدر ابن داود أن يقيم ملكوته في حياة البشرية. دخل ابن داود يبوس -أي العالم- وأقام بالصليب ملكوته محتلًا القلوب التي سبق فملك عليها عدو الخير، ونزع عنها كل عَمَى للبصيرة وكل عَجز عن الحركة، فصار المؤمنون الحقيقيون مبصرين تسرع أقدامهم نحو السموات، ليس بينهم أعمى أو أعرج روحيًا.


ب. إذ استولى داود على يبوس وجعل منها مدينته الخاصة، تحمل اسمه، قيل: "وبنى داود مستديرًا من القلعة فداخلًا" [9]. ماذا تعني الاستدارة إلا أن المدينة صارت كما في شكل دائرة ليس لها نقطة بداية ولا نقطة نهاية، بمعنى أنها حملت سمة جديدة هي الارتفاع فوق الزمن لتصير مدينة سماوية خالدة لا يقدر الموت أن يُنهي كيانها. هذه هي كنيسة العهد الجديد التي كانت مدوسة بالأقدام (يبوسًا) صار بعريسها السماوي وملكها ابن داود سماوية. وكما يقول القديس بولس "أجلسنا معه في السماويات" (أف 2: 6).
ويقول القديس إكلمينضس الاسكندري: [إن الأرض تصير بالنسبة للمؤمن صاحب المعرفة الروحية (الغنوسي) سماءً].
ليت ابن داود يحتل يبوسنا الداخلية فيجعل منها مدينة داود، مدينته الخاصة المستديرة أو السماوية، طاردًا عنها كل عمى للبصيرة وفالج للأقدام.
ج. ختم حديثه هنا بالقول: "وكان داود يتزايد متعظمًا والرب إله الجنود معه" [10]. كان داود يتزايد في العظمة ليس لأنه احتل حصن يبوس المنيع وإنما بالحري لأن الرب "إله الجنود" معه. هنا يُدعى الرب "إله الجنود" وكأنه هو القائد الحقيقي لشعبه وهو المحارب عنهم ليهبهم النصرة والمجد. هذه هي خبرة داود النبي التي عبَّر عنها في مزاميره، فجاء فيها:
"الرب نوري وخلاصي ممن أخاف؟! الرب حصن حياتي ممن أرتعب؟! (مز 27: 1).
"إنما هو صخرتي وخلاصي ملجأي فلا أتزعزع. على الله خلاصي ومجدي صخرة قوتي محتماي في الله" (مز 62: 5-6).
يقول القديس أغسطينوس: [يعطيني الرب كلًا من معرفة ذاته والخلاص، فمن يقدر أن يأخذني منه...؟! يُبدد الرب كل هجمات عدوي وشباكه فلا أخاف أحدًا]. هذا هو سر مجدنا غير المنقطع!

 
قديم اليوم, 02:56 PM   رقم المشاركة : ( 199112 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,329,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس إكلمينضس الاسكندري

[إن الأرض تصير بالنسبة للمؤمن صاحب
المعرفة الروحية (الغنوسي) سماءً].
 
قديم اليوم, 02:57 PM   رقم المشاركة : ( 199113 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,329,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس أغسطينوس


[يعطيني الرب كلًا من معرفة ذاته والخلاص،
فمن يقدر أن يأخذني منه...؟! يُبدد الرب كل هجمات
عدوي وشباكه فلا أخاف أحدًا].
هذا هو سر مجدنا غير المنقطع!
 
قديم اليوم, 02:59 PM   رقم المشاركة : ( 199114 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,329,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



تثبيت مملكته:

12 وَعَلِمَ دَاوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَثْبَتَهُ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَأَنَّهُ قَدْ رَفَّعَ مُلْكَهُ مِنْ أَجْلِ شَعْبِهِ إِسْرَائِيلَ. 13 وَأَخَذَ دَاوُدُ أَيْضًا سَرَارِيَ وَنِسَاءً مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ حَبْرُونَ، فَوُلِدَ أَيْضًا لِدَاوُدَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ. 14 وَهذِهِ أَسْمَاءُ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي أُورُشَلِيمَ: شَمُّوعُ وَشُوبَابُ وَنَاثَانُ وَسُلَيْمَانُ، 15 وَيِبْحَارُ وَأَلِيشُوعُ وَنَافَجُ وَيَافِيعُ، 16 وَأَلِيشَمَعُ وَأَلِيدَاعُ وَأَلِيفَلَطُ.

بعد حوالي 20 عامًا من مسحه سرًا في بيت لحم قيل: "وعلم داود أن الرب قد أثبته ملكًا على إسرائيل، وأنه قد رفّع ملكه من أجل شعبه إسرائيل" [12].
انتظر داود هذه السنوات الطويلة في إيمان وبصبر ليتدرب بنعمة الله على رعاية شعب الله، والآن يُثبت الله مملكته من أجل شعبه.
هكذا يليق بنا - مهما بلغت مواهبنا وقدراتنا ومهما تعاظم نجاحنا - أن ندرك أنها عطايا إلهية قُدمت لنا من أجل بنيان الجماعة المقدسة.


من أجل البشرية تجسد السيد المسيح ومن أجلها ملك على خشبة وقام وصعد إلى السموات ومن أجلها يأتي على السحاب ليجمع مؤمنيه ويرفعهم إلى حضن الآب. هكذا نحن كأعضاء جسده يليق بنا أن نحمل ذات فكره فنضرم كل موهبة فينا لبنيان الغير. يقول القديس بولس: "المحبة... لا تطلب ما لنفسها" (1 كو 13: 4-5).
 
قديم اليوم, 03:01 PM   رقم المشاركة : ( 199115 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,329,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



مقاومة الأعداء:

17 وَسَمِعَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ مَسَحُوا دَاوُدَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَصَعِدَ جَمِيعُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيُفَتِّشُوا عَلَى دَاوُدَ. وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ نَزَلَ إِلَى الْحِصْنِ. 18 وَجَاءَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَانْتَشَرُوا فِي وَادِي الرَّفَائِيِّينَ. 19 وَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ الرَّبِّ قَائِلًا: «أَأَصْعَدُ إِلَى الْفِلِسْطِينِيِّينَ؟ أَتَدْفَعُهُمْ لِيَدِي؟» فَقَالَ الرَّبُّ لِدَاوُدَ: «اصْعَدْ، لأَنِّي دَفْعًا أَدْفَعُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ لِيَدِكَ». 20 فَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى بَعْلِ فَرَاصِيمَ وَضَرَبَهُمْ دَاوُدُ هُنَاكَ، وَقَالَ: «قَدِ اقْتَحَمَ الرَّبُّ أَعْدَائِي أَمَامِي كَاقْتِحَامِ الْمِيَاهِ». لِذلِكَ دَعَى اسْمَ ذلِكَ الْمَوْضِعِ «بَعْلَ فَرَاصِيمَ». 21 وَتَرَكُوا هُنَاكَ أَصْنَامَهُمْ فَنَزَعَهَا دَاوُدُ وَرِجَالُهُ. 22 ثُمَّ عَادَ الْفِلِسْطِينِيُّونَ فَصَعِدُوا أَيْضًا وَانْتَشَرُوا فِي وَادِي الرَّفَائِيِّينَ. 23 فَسَأَلَ دَاوُدُ مِنَ الرَّبِّ، فَقَالَ: «لاَ تَصْعَدْ، بَلْ دُرْ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَهَلُمَّ عَلَيْهِمْ مُقَابِلَ أَشْجَارِ الْبُكَا، 24 وَعِنْدَمَا تَسْمَعُ صَوْتَ خَطَوَاتٍ فِي رُؤُوسِ أَشْجَارِ الْبُكَا، حِينَئِذٍ احْتَرِصْ، لأَنَّهُ إِذْ ذَاكَ يَخْرُجُ الرَّبُّ أَمَامَكَ لِضَرْبِ مَحَلَّةِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ». 25 فَفَعَلَ دَاوُدُ كَذلِكَ كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ، وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ جَبْعٍ إِلَى مَدْخَلِ جَازَرَ.

إن كان نجاح داود أعطاه نعمة في عيني حيرام ملك صور ليرسل له خشب أرز وبنائين علامة الصداقة العملية إلا أنه في الجانب المقابل، ضاعف نجاحه هذا من مقاومة الأعداء. مع كل نصرة نتوقع مقاومة وحربًا إن لم تكن من الخارج فمن الداخل، لذا قيل في سفر ابن سيراخ: [يا بني إذا تقدمت لخدمة الرب أعدد نفسك للتجربة] (سي 2: 1).
رأى الأعداء في مسح داود ملكًا على كل الأسباط وتزايده في المجد خطرًا عليهم خاصةً أن الشعب كله صار بقلب واحد معه. لم يخشونه في حبرون لكونه ملكًا على سبط واحد فاستهانوا به، ولأنه في حبرون كان خاضعًا لهم. أما في يبوس فصار مستقلًا ومحصنًا وصار نجمه يلمع ويتلألأ. لذا فتشوا عليه للخلاص منه. أما هو فلم يكن متوقعًا الحرب لذا نزل مع حرسه الخاص إلى حصنه القديم "عدلام". فتش عنه الأعداء المنتشرون في وادي الرفائيين (موقعه مجهول إلا أنه كان بين بيت لحم وأورشليم (يش 15: 8) ومشهورًا بالخصب (إش 17: 5).
في الحصن انحاز إليه بنو جاد (1 أي 12: 8-15) وكان العدد قليلًا جدًا إن قورن بجيش الأعداء. سأل الرب خلال أبيأثار الكاهن (1 صم 23: 11؛ 30: 7-8) الذي سمح له بالحرب. جاء إلى بعل فراحيم (أي إله أو سيد الهزيمات، وهو مكان مرتفع شمال وادي الرفائيين، وهو جبل فراصيم المذكور في (إش 28: 21).
ما أحوجنا أن نتكل على راعي نفوسنا الذي يتقدم قطيعه ليسير الكل وراءه ومعه، قائلين مع المرتل: "جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز 16: 8).
يقول القديس أغسطينوس: [إنه يُنعم عليَّ (بذاته) فأسكن فيه بثبات].


جاء داود برجاله ليقف وراء العدو ويقاومه مقابل أشجار البكاء عندما شعر بحضرة الرب وتقدمه ليحمله في طريق الجهاد، واهبًا له النصرة بنعمته. وكأننا إن أردنا حياة الغلبة على عدو الخير يلزمنا أن ننزل إلى وادي البكاء والدموع لنلتقي بالله عزنا. فنسمع المرتل يقول: "طوبى لأناس عزهم بك... عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعًا... يذهبون من قوة إلى قوة، يُرون قدام الله في صهيون" (مز 84: 5-7).
يقول القديس جيروم: [لنتأمل للحظة أننا في هذا الوادي؛ لسنا على الجبل، لسنا في جنة عدن، لسنا على مرتفعات الفردوس، إنما نحن في أسافل الأرض، على الأرض التي خضعت للَّعْنة وتُنتج شوكًا وحسكًا... مادمنا في وادي الدموع يليق بنا لا أن نضحك بل نبكي. يقول الرب "طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون" (لو 6: 21). الآن نحن في وادي الدموع، هذا العالم هو موضع للبكاء لا للتهليل... العالم المقبل هو عالم الفرح... وادي الدموع هو ساحة للجهاد والمثابرة].
نزل داود ورجاله إلى وادي الدموع لكي يتقبل نعمة الله المجانية أكثر فأكثر، فينطلق من قوة إلى قوة، إذ ضرب الأعداء من جبْع إلى مدخل جازَر [25]. في وادي الدموع انفتحت بصيرته ليرى الله يتقدمه ممهدًا له طريق النصرة، ومحطمًا العدو أمامه. وكأن الحضرة الإلهية التي تملأنا تعزية وسط الدموع، ترعب العدو وتحطمه تمامًا.
كلمة "جبع" معناها "تل"، وهي مدينة في بنيامين (يش 18: 24)، خصصت للكهنة (يش 21: 17)، مقابل مخماس؛ حاليًا قرية "جبع" تحمل ذات الاسم القديم وتبعد 6 أميال شمال شرقي أورشليم. هذا يعني أن الأعداء هربو تجاه الشمال الشرقي وليس نحو أرضهم في الغرب لكي يحتموا في الحصن الموجود في جبع (1 صم 13: 3). وإذ لم يحميهم هذا ساروا نحو أرضهم حتى جبعون (1 أي 14: 16)، ومنها ساروا في طريق عقبة بيت حورون (يش 10: 10) إلى مدخل جازر أي طريق جازر (كلمة "جازر" معناها "نصيب" أو "مهر العروس") وهي على تخم أرضهم وتبعد حوالي 18 ميلًا شمال غربي أورشليم، 5 أميال شرقي عقرون.
 
قديم اليوم, 03:02 PM   رقم المشاركة : ( 199116 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,329,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ما أحوجنا أن نتكل على راعي نفوسنا
الذي يتقدم قطيعه ليسير الكل وراءه ومعه، قائلين مع المرتل:
"جعلت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع"
(مز 16: 8).
يقول القديس أغسطينوس:
[إنه يُنعم عليَّ (بذاته) فأسكن فيه بثبات].
 
قديم اليوم, 03:03 PM   رقم المشاركة : ( 199117 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,329,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

جاء داود برجاله ليقف وراء العدو ويقاومه مقابل أشجار البكاء عندما شعر بحضرة الرب وتقدمه ليحمله في طريق الجهاد، واهبًا له النصرة بنعمته. وكأننا إن أردنا حياة الغلبة على عدو الخير يلزمنا أن ننزل إلى وادي البكاء والدموع لنلتقي بالله عزنا. فنسمع المرتل يقول: "طوبى لأناس عزهم بك... عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعًا... يذهبون من قوة إلى قوة، يُرون قدام الله في صهيون" (مز 84: 5-7).
يقول القديس جيروم: [لنتأمل للحظة أننا في هذا الوادي؛ لسنا على الجبل، لسنا في جنة عدن، لسنا على مرتفعات الفردوس، إنما نحن في أسافل الأرض، على الأرض التي خضعت للَّعْنة وتُنتج شوكًا وحسكًا... مادمنا في وادي الدموع يليق بنا لا أن نضحك بل نبكي. يقول الرب "طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون" (لو 6: 21). الآن نحن في وادي الدموع، هذا العالم هو موضع للبكاء لا للتهليل... العالم المقبل هو عالم الفرح... وادي الدموع هو ساحة للجهاد والمثابرة].
 
قديم اليوم, 03:06 PM   رقم المشاركة : ( 199118 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,329,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

25 فَفَعَلَ دَاوُدُ كَذلِكَ كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ،
وَضَرَبَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ مِنْ جَبْعٍ إِلَى مَدْخَلِ جَازَرَ


كلمة "جبع" معناها "تل" وهي مدينة في بنيامين (يش 18: 24)،
خصصت للكهنة (يش 21: 17)، مقابل مخماس؛
حاليًا قرية "جبع" تحمل ذات الاسم القديم وتبعد 6 أميال شمال شرقي أورشليم.
هذا يعني أن الأعداء هربو تجاه الشمال الشرقي وليس نحو أرضهم
في الغرب لكي يحتموا في الحصن الموجود في جبع (1 صم 13: 3).
وإذ لم يحميهم هذا ساروا نحو أرضهم حتى جبعون (1 أي 14: 16)،
ومنها ساروا في طريق عقبة بيت حورون (يش 10: 10)
إلى مدخل جازر أي طريق جازر (كلمة "جازر" معناها "نصيب" أو "مهر العروس")
وهي على تخم أرضهم وتبعد حوالي 18 ميلًا شمال غربي أورشليم، 5 أميال شرقي عقرون.
 
قديم اليوم, 04:39 PM   رقم المشاركة : ( 199119 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,329,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


إحضار تابوت العهد

إذ كان داود يتعظم وكان رب الجنود معه يهبه النصرة والغلبة حتى استقر في أورشليم كعاصمة لمملكته، أراد أن يؤكد أن الرب هو الملك الحقيقي مدبر أمور الشعب وواهبهم الغلبة، لذا فكر في إحضار تابوت العهد إلى أورشليم كعلامة منظورة لقوة الله غير لمنظورة.


1. موكب التابوت:

1 وَجَمَعَ دَاوُدُ أَيْضًا جَمِيعَ الْمُنْتَخَبِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، ثَلاَثِينَ أَلْفًا. 2 وَقَامَ دَاوُدُ وَذَهَبَ هُوَ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ مِنْ بَعَلَةِ يَهُوذَا، لِيُصْعِدُوا مِنْ هُنَاكَ تَابُوتَ اللهِ، الَّذِي يُدْعَى عَلَيْهِ بِالاسْمِ، اسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ، الْجَالِسِ عَلَى الْكَرُوبِيمِ. 3 فَأَرْكَبُوا تَابُوتَ اللهِ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ، وَحَمَلُوهُ مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ الَّذِي فِي الأَكَمَةِ. وَكَانَ عُزَّةُ وَأَخِيُو، ابْنَا أَبِينَادَابَ يَسُوقَانِ الْعَجَلَةَ الْجَدِيدَةَ. 4 فَأَخَذُوهَا مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ الَّذِي فِي الأَكَمَةِ مَعَ تَابُوتِ اللهِ. وَكَانَ أَخِيُو يَسِيرُ أَمَامَ التَّابُوتِ، 5 وَدَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ الرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الآلاَتِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ، بِالْعِيدَانِ وَبِالرَّبَابِ وَبِالدُّفُوفِ وَبِالْجُنُوكِ وَبِالصُّنُوجِ.

جمع داود ثلاثين إلفًا من المنتخبين، لا ليحاربوا، بل ليحتفلوا بإحضار التابوت إلى أورشليم. اشترك هذا العدد الضخم في الاحتفال تكريمًا لله سر فرح شعبه. هنا تبرز حكمة داود الروحية، إذ لم يرد أن ينشغل الشعب بالنصرة على الأعداء كمجد شخصي له وإنما سحب قلوبهم إلى الله نفسه، لكي تتهلل بالرب مخلصهم الحقيقي.
تابوت العهد كممثل للحضرة الإلهية حمل اسم رب الجنود كقائد حقيقي لشعبه الأبطال روحيًا، الرب الجالس على الكروبيم [2]؛ يظهر مجد الله خلال الكاروبين ليعلن رحمته لشعبه كما من عرش الرحمة أو كرسي الرحمة.


الله هو رب الجنود المهوب، مركبته سماوية هم جماعة الكاروبيم الملتهبون نارًا، يحل وسط شعبه برحمته أبًا مترفقًا يسندهم ويُفِّرح أعماقهم.
بدأ الموكب من "بعلة يهوذا" أو "بعلة" أو "قرية بعل" أو "قرية يعاريم" وهي إحدى مدن الجبعونيين (يش 9: 17) على تخم يهوذا وبنيامين، وُضع فيها التابوت بعد إرجاعه من أرض الفلسطينيين (1 صم 6: 19؛ 7: 2)، يُرَجَّح أنها قرية العنب أو أباغوش، تبعد حوالي 8 أميال شمال غربي أورشليم.
وضعوا التابوت على عجلة جديدة، ربما مقتدين بما فعله الفلسطينيون (1 صم 6: 7)، لكنهم بهذا خالفوا الناموس إذ كان يجب أن يحمله بنو قهات (عد 4: 15) على الأكتاف وليس على عجلة.
كان عُزة وأخيو ابنا أبيناداب (غالبًا كانا حفيديه) يسوقان العجلة؛ أخيو يتقدمها ليقودها بينما كان داود وكل بيت إسرائيل يلعبون بفرح ورقص يعزفون بكل أنواع آلات الطرب أمام الرب، بالرباب والدفوف والصنوج والجنوك (الجنك آلة موسيقية لها طوق من نحاس فيه ثقب، وبالثقب أسلاك معدنية تمتد من جانب إلى جانب، وللطوق مقبض يمسك باليد لتتحرك الأسلاك حيث الثقب واسع).

2. ضرب عُزَّة:

6 وَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى بَيْدَرِ نَاخُونَ مَدَّ عُزَّةُ يَدَهُ إِلَى تَابُوتِ اللهِ وَأَمْسَكَهُ، لأَنَّ الثِّيرَانَ انْشَمَصَتْ. 7 فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى عُزَّةَ، وَضَرَبَهُ اللهُ هُنَاكَ لأَجْلِ غَفَلِهِ، فَمَاتَ هُنَاكَ لَدَى تَابُوتِ اللهِ. 8 فَاغْتَاظَ دَاوُدُ لأَنَّ الرَّبَّ اقْتَحَمَ عُزَّةَ اقْتِحَامًا، وَسَمَّى ذلِكَ الْمَوْضِعَ «فَارِصَ عُزَّةَ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ. 9 وَخَافَ دَاوُدُ مِنَ الرَّبِّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ وَقَالَ: «كَيْفَ يَأْتِي إِلَيَّ تَابُوتُ الرَّبِّ؟» 10 وَلَمْ يَشَأْ دَاوُدُ أَنْ يَنْقُلَ تَابُوتَ الرَّبِّ إِلَيْهِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ، فَمَالَ بِهِ دَاوُدُ إِلَى بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ. 11 وَبَقِيَ تَابُوتُ الرَّبِّ فِي بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ الْجَتِّيِّ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَبَارَكَ الرَّبُّ عُوبِيدَ أَدُومَ وَكُلَّ بَيْتِهِ.

تحرك الموكب حتى بلغ بيدر ناخون أو كيدون (1 أي 13: 9)، عند موضع دراسة غلال رجل يُدعى ناخون أو نكون أو كيدون. هناك انشمصت الثيران، أي ذعرت وأخذت تركض وترفس، فمدّ عُزة يده إلى تابوت الله وأمسكه كي لا يسقط، فضربه الله هناك ومات.
لماذا أماته الرب؟ أما تُحسب هذه قسوة في التأديب؟
أ. كان يجب أن يُحمل التابوت على أكتاف اللاويين لا على عجلة. لقد سمح الله للوثنيين أن يضعوه على عَجلة جديدة تجرها بقرتان، إذ كانت ترمز لكنيسة العهد الجديد الحاملة لشخص المسيح في داخلنا بكونه رأسها، تضم الكنيسة شعبين: من اليهود ومن الأمم. لم يكن الوثنيون في ذلك الوقت قد تهيأو لحمل تابوت العهد، إذ لا شركة بين الله وبليعال (2 كو 6: 14). أما بنو قهات فكانوا يمثلون جماعة المؤمنين الذين تأهلوا ليكونوا سماءً ثانية يحملون الله في داخلهم، لذلك كان يلزمهم أن يُصروا على التمتع بحقهم في حمل التابوت دون العَجلة الجديدة.


الله لا يطلب عجلة جديدة ولا تقدمات هذا العالم بل الأكتاف الداخلية المقدسة التي تصير كالشاروبيم تحمل الله. الله يُريد قلوبنا لا إمكانياتنا.
ب. كان يجب على عُزَّة أن يعرف الناموس، خاصة وأن التابوت وُجد في بيت أبيه وجدّه لمدة حوالي 70 سنة، وأنه لا يليق لمسه. قيل: "لا يمسّوا القدس لئلا يموتوا" (عد 4: 15).
ج. ربما اعتاد عُزَّة أن يمد يده إلى التابوت بغير وقار، وقد تجاسر بالأكثر حين فعل ذلك علانية أمام كل الجماعة.
د. أراد الله تأكيد الحاجة إلى "مخافة الرب" جنبًا إلى جنب مع "الحب الإلهي"، كي يعيش داود وكل الشعب في مخافة ووقار مع حب ودالّة.
لقد كان الدرس قاسيًا لكي يتعلم الجميع منه، وذلك كما حدث مع حنانيا حين كذب على الرسل (أع 5: 5).


يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [عوقب ذلك الإنسان (حنانيا) وانتفع الغير بذلك... عُوقب عُزَّة فقع خوف على الكل].
اغتاظ داود لأن فرح الجماعة تحول إلى حزن وخوف، ولأن ارتباكًا ملأ الجميع واضطر الكل أن ينصرفوا... وخاف داود أن ينتقل التابوت إلى مدينته قبل التيقن من سر غضب الله على عُزَّة.
مال داود بالتابوت إلى بيت عوبيد آدوم الجتي، غالبًا من جت رمون في نصيب دان في الجنوب (يش 19: 45) أعطيت لبني قهات (يش 21: 20، 24). كان عوبيد آدوم (اسمه يعني "آدوم يعبد") من القورحيين من نسل قهات (عد 16: 1)، تمتع ببركة بقاء التابوت في بيته لمدة ثلاثة أشهر.
نود هنا أن نشير إلى أن داود لم يستشر الرب عدنما رغب في نقل التابوت إلى مدينته، مع أنه اعتاد أستشارته في كل صغيرة وكبيرة، حاسبًا أن هذا الأمر يُسرَّ به الرب قطعًا ولا حاجة إلى طلب مشورته، أو ربما أن شدة فرحه بنقل التابوت ورغبته في نوال البركة الإلهية أفقداه التفكير في ذلك. لو أنه استشار الرب، لكشف له خطأ نقل التابوت على عجلة... وبالتالي ما كان قد مات عُزَّة، ولما تحول فرح الشعب إلى حزن ورعب.


لقد أدرك داود النبي أن موت عُزَّة لم يكن لمجرد لمسه للتابوت وإنما وراء هذا اللمس وُجد عصيان وفساد، لذلك وضع المزمور 15 حيث يقول:
"يا رب من ينزل إلى مسكنك (خيمتك)؟!
من يسكن في جبل قدسك؟!
السالك بالكمال، والعامل الحق، والمتكلم بالصدق في قلبه...".

3. إحضار التابوت إلى أورشليم:

12 فَأُخْبِرَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَقِيلَ لَهُ: «قَدْ بَارَكَ الرَّبُّ بَيْتَ عُوبِيدَ أَدُومَ، وَكُلَّ مَا لَهُ بِسَبَبِ تَابُوتِ اللهِ». فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَصْعَدَ تَابُوتَ اللهِ مِنْ بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ بِفَرَحٍ. 13 وَكَانَ كُلَّمَا خَطَا حَامِلُوا تَابُوتِ الرَّبِّ سِتَّ خَطَوَاتٍ يَذْبَحُ ثَوْرًا وَعِجْلًا مَعْلُوفًا. 14 وَكَانَ دَاوُدُ يَرْقُصُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ أَمَامَ الرَّبِّ. وَكَانَ دَاوُدُ مُتَنَطِّقًا بِأَفُودٍ مِنْ كَتَّانٍ. 15 فَأَصْعَدَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ تَابُوتَ الرَّبِّ بِالْهُتَافِ وَبِصَوْتِ الْبُوقِ.

قَبِل عوبيد آدوم تابوت العهد في بيته بوقار وخشوع لذلك بارك الرب بيته (2 صم 6: 12؛ 1 أي 13: 13-14)، وبارك كل ما له، لذلك فكر داود النبي في إحضاره إلى أورشليم كما ورد ذلك بالتفصيل في (1 أي 15).
كلما ساروا ست خطوات ذُبح ثور وعجل (أي كبش) معلوف، وذلك سبع مرات (1 أي 15: 26). في كل مرة إذ يعبرون ست خطوات يقدمون ذبيحة شكر لله الذي أعانهم ولم يصبهم ما حل بعُزّة.
ارتدى داود أفودًا من الكتان، كانت تُلبس تحت الجبة، إذ لم يكن ممكنًا له أن يرقص وهو يرتدي الجبة. لقد كانت الجبة علامة العظمة أما الأفود الكتانية فعلامة النقاوة؛ وكأن داود قد خلع كل مظاهر الأبهة لكي يعلن في اتضاعه عن نقاوة داخلية وعن تهليله بحضرة الرب.
لقد رقص داود أمام التابوت معبرًا بذلك عن أعماقه الداخلية التي تهتز في تهليل أمام الرب، لكننا لم نسمع عن صموئيل النبي أنه فعل ذلك ليس لأن الأخير لم يكن متهللًا في أعماقه إنما كل مؤمن يعبر عن حبه وفرحه بما يناسب ظروفه. لذا يقول القديس أمبروسيوس: [رقص داود أمام التابوت وأما صموئيل فلم يرقص. داود لم يُلَم ومُدح صموئيل].


عبّر الطوباوي داود عن فرحه بالتابوت في مزموره الثلاثين (29 حسب الترجمة السبعينية)، جاء فيه:
[لأن للحظة غضبه، حياة في رضاه.
عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح الترنم.
حولت نوحي إلى رقص لي.
حللت مسحي ومنطقتي فرحًا.
لكي تترنم لك روحي ولا تسكت.
يا رب إلهي إلى الأبد أحمدك] (مز 30: 5-11).
كشفت هذه العبارات العجيبة عما في أعماق قلب داود من فرح وتهليل، مصدره ليس فقط الأحداث التي عاش فيها بنقله التابوت إلى مدينته وإنما أيضًا وبصورة أعظم لحلول المسيَّا المخلص نفسه في نفس مدينة النفس الداخلية، أو سكنى الرب في القلب لإقامة ملكوته داخلنا (لو 17: 21).
يقول داود المرتل: "لأن للحظة غضبه، حياة في رضاه" مشيرًا إلى الغضب الإلهي الذي تحقق إلى لحظة عندما سقط عُزَّة ميتًا أمام التابوت لأنه تجاسر فلمسه، كان ذلك للحظة، لكن خلال هذا التابوت تمتع الشعب بالحياة إذ نالوا رضى الله. كان ذلك رمزًا لما حدث مع رب المجد يسوع عندما حمل الغضب الإلهي على الصليب إذ قيل "إما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. أن جعل نفسه ذبيحة إثم... حمل خطية كثيرين" (إش 53: 10، 12)؛ كما إلى لحظة غضبه إذ وُضع إثمنا عليه، لكنه قام فأقامنا معه واهبًا إيانا الحياة في رضاه.
ما حدث مع عُزّة كان كما عند ظلام المساء، وما تحقق مع داود في نقله التابوت كان كما في نور الصباح: "عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح الترنم". تحقق ذلك بقوة عندما أسلم الرب الروح على الصليب فحل البكاء في المساء، لكن في فجر الأحد تهللت الكنيسة بقيامته لتبقى تنعم بالحياة المقامة فيه.
يقول داود المرتل: "حولت نوحي إلى رقص لي"... فقد ناح داخليًا عندما مات عُزّة وارتبك للغاية، لكنه رقص في أعماقه كرقصات يوحنا المعمدان في أحشاء أمه أليصابات عندما أدرك المسيح المتجسد في أحشاء البتول مريم. رقص داود أمام التابوت لأنه رآه رمزًا للمسيح القادم إلى العالم، ليحل بين البشرية ويرد لهم الحياة بعد الموت، والفرح عوض النوح.


يقول "حللت مُسحي ومنطقتي فرحًا"؛ إن كان قد خلع جبة العظمة وتمنطق ليرقص أمام التابوت، فإنه في ذلك رمزًا لخلعه أعمال الإنسان العتيق أو الطبيعة الفاسدة لينعم بمِنطقة الفرح أو الإنسان الجديد أو تجديد الطبيعة الإنسانية.
هكذا في المزمور الثلاثين يربط المرتل داود بين فرحه بتابوت العهد ورقصه أمامه وبين تهليله بمجيء المسيَّا مخلص العالم ومجدد الطبيعة البشرية خلال تمتعها بقيامته فيها.
يقول القديس أغسطينوس في شرحه للمزمور: [إنه مزمور فرح القيامة والتغيير وتجديد الجسد إلى حالة الخلود، ليس فقط بالنسبة للرب إنما أيضًا لكل الكنيسة].
كما يقول: ["حللت مُسحي ومنطقتي فرحًا". حللت حجاب خطاياي، حزن موتي، ومنطقتني بالثوب الأول، بالفرح الخالد].
لقد وضع داود النبي مزمورًا خاصًا بالاحتفال بقدوم تابوت العهد إلى مدينته، افتتحه بالصيغة التقليدية التي كانت الجماعة ترددها كلما نصبوا الخيمة: "يقوم الله. يتبدد أعداؤه، ويهرب مبغضوه من أمام وجهه" (مز 68: 1؛ عد 10: 35). عبَّر هذا المزمور بقوة عن بركات حلول الله في وسط شعبه كسرّ فرح وتهليل (مز 68: 3-4)، ورعاية واهتمام لشعبه خاصة اليتامى والأرامل بكونه أبا اليتامى وقاضي الأرامل (مز 68: 5)، مُشبع احتياجات المساكين (مز 68: 10)، واهب الخلاص (مز 68: 19) والقوة والشدة (مز 68: 35). إنه كنار يبدد الشر كالشمع قدامه ويذريه كدخان (مز 68: 2)، أمامه ترتعد الأرض (مز 68: 6) ويهرب الملوك (مز 68: 12).
وضع أيضًا المزمور 24 ليعلن أن بهجته الشديدة بتابوت العهد لا تعني حصر سكنى الرب في موضع معين، إنما هو رمز لرعاية الرب للبشرية كلها، إذ يقول: "للرب الأرض وملؤها؛ المسكونة وكل الساكنين فيها" (مز 24: 1) إلخ... في ختام هذا المزمور الرائع يرى داود النبي في دخول التابوت إلى أورشليم صورة رمزية لصعود السيد المسيح إلى أورشليم العليا بعد نصرته في معركة الصليب، إذ يقول:
"ارفعن أيتها الأرتاج رؤوسكن وارتفعن أيتها الأبواب الدهريات فيدخل ملك المجد.
من هو ملك المجد؟
الرب القدير الجبار، الرب الجبار في القتال... رب الجنود هو ملك المجد" (مز 24: 7-10).

4. احتقار ميكال لداود:

16 وَلَمَّا دَخَلَ تَابُوتُ الرَّبِّ مَدِينَةَ دَاوُدَ، أَشْرَفَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ الْكُوَّةِ وَرَأَتِ الْمَلِكَ دَاوُدَ يَطْفُرُ وَيَرْقُصُ أَمَامَ الرَّبِّ، فَاحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا. 17 فَأَدْخَلُوا تَابُوتَ الرَّبِّ وَأَوْقَفُوهُ فِي مَكَانِهِ فِي وَسَطِ الْخَيْمَةِ الَّتِي نَصَبَهَا لَهُ دَاوُدُ. وَأَصْعَدَ دَاوُدُ مُحْرَقَاتٍ أَمَامَ الرَّبِّ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. 18 وَلَمَّا انْتَهَى دَاوُدُ مِنْ إِصْعَادِ الْمُحْرَقَاتِ وَذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ بَارَكَ الشَّعْبَ بِاسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ. 19 وَقَسَمَ عَلَى جَمِيعِ الشَّعْبِ، عَلَى كُلِّ جُمْهُورِ إِسْرَائِيلَ رِجَالًا وَنِسَاءً، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَأْسَ خَمْرٍ وَقُرْصَ زَبِيبٍ. ثُمَّ ذَهَبَ كُلُّ الشَّعْبِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ، 20 وَرَجَعَ دَاوُدُ لِيُبَارِكَ بَيْتَهُ. فَخَرَجَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ لاسْتِقْبَالِ دَاوُدَ، وَقَالَتْ: «مَا كَانَ أَكْرَمَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ الْيَوْمَ، حَيْثُ تَكَشَّفَ الْيَوْمَ فِي أَعْيُنِ إِمَاءِ عَبِيدِهِ كَمَا يَتَكَشَّفُ أَحَدُ السُّفَهَاءِ». 21 فَقَالَ دَاوُدُ لِمِيكَالَ: «إِنَّمَا أَمَامَ الرَّبِّ الَّذِي اخْتَارَنِي دُونَ أَبِيكِ وَدُونَ كُلَّ بَيْتِهِ لِيُقِيمَنِي رَئِيسًا عَلَى شَعْبِ الرَّبِّ إِسْرَائِيلَ، فَلَعِبْتُ أَمَامَ الرَّبِّ. 22 وَإِنِّي أَتَصَاغَرُ دُونَ ذلِكَ وَأَكُونُ وَضِيعًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِي، وَأَمَّا عِنْدَ الإِمَاءِ الَّتِي ذَكَرْتِ فَأَتَمَجَّدُ». 23 وَلَمْ يَكُنْ لِمِيكَالَ بِنْتِ شَاوُلَ وَلَدٌ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهَا.

أُدخل التابوت إلى مدينة داود، وهي القسم الأعلى من الجنوب الغربي لأورشليم حيث يوجد الحصن الذي استولى عليه داود من اليبوسيين، هناك وُجد بيت داود وأيضًا مسكن التابوت حتى انتقل إلى الهيكل الذي بناه سليمان.


كانت ميكال تحب داود (1 صم 18: 20)، أنقذته من يد أبيها (1 صم 19: 12-13)، لكن شاول أعطاها لفلطيئيل زوجة، ثم أُعيدت ثانية إلى رجلها الأول داود... لكنها لم تكن قادرة أن تشاركه حبه لله وغيرته وإيمانه. لذا رأت في خلعه لجبته الملوكية ورقصه أمام التابوت نوعًا من السفاهة. استقبلته باحتقار قائلة له: "ما كان أكرم ملك إسرائيل اليوم، حيث تكشَّف اليوم في أعين إماء عبيده كما يتكشَّف أحد السفهاء" [20].
ما أبعد الفارق بين داود وميكال؛ الأول انسحب بكل كيانه الداخلي ليرى خلال التابوت تجسد الكلمة وحلول المسيا بين شعبه وتقديم عمله الخلاصي، أما ميكال فتعلق قلبها بالجبة الملوكية التي خلعها داود فرأته سفيهًا وعاريًا كما قالت له!!!
يبدو أن ميكال كانت تنتظر من رجلها كملك أن يبقى في قصره ويأتي إليه الكل يهنئونه بوصول التابوت، لا أن ينزل من القصر ويخلع جبته الملوكية ويرقص أمام التابوت في حضرة الجماعة. ميكال تمثل الأنا القابعة في داخل النفس، المتقوقعة والمغلقة، تطلب ما للأنا، ولا تنفتح على الله والناس، لذا أصيبت بعمى البصيرة الداخلية وتحجر القلب وفقدان الحس الداخلي تجاه العمل الإلهي الفائق. أما داود الطوباوي فيمثل النفس التي تخلع حب العظمة الزمنية، وتنفتح بالاتضاع المملوء حبًا نحو الله والناس، فتتحول عن مسوح الحزن إلى منطقة الفرح، وتعبر من بكاء المساء إلى فرح صباح القيامة!
بحضور التابوت قدمت محرقات وذبائح سلامة (لا 1: 3)، وكان تجسد الكلمة غايته ذبيحة الصليب التي هي موضع سرور الآب والقادرة على خلاصنا.
بارك داود الشعب وأعطى كل واحد رغيف خبز وكأس خمر وقرص زبيب. رغيف الخبز يشير إلى وحدة الكنيسة وتبادل الحب بين أعضائها إذ تجتمع الحنطة معًا في رغيف خبز؛ وكأس الخمر يشير إلى شركة الفرح بالروح، أما قرص الزبيب فيشير إلى عذوبة الكنيسة وحلاوتها باتحادها.
لم ينس داود بيته فجاء يباركه، لكن ميكال انتهرته. أما هو ففي حزم وبخها على نظرتها غير الإيمانية.
يُختم الأصحاح بالقول بأنه لم يكن لميكال ولد من داود، وكان ذلك عارًا في العهد القديم، علامة غضب الله، إذ تترقب كل مؤمنة أن يأتي المسيا من نسلها. فعقر ميكال ربما كان ثمرة تمردها على الرب ولكبريائها.


اشتياق داود لبناء بيت الرب

شعر داود النبي والملك بإحسانات الرب إليه فأراد أن يبني له بيتًا، إذ حسب أنه ليس من اللائق أن يسكن هو في بيت من الأرز بينما يسكن تابوت العهد في خيمة من الشقق.
1. رغبة داود في بناء بيت الرب:

1 وَكَانَ لَمَّا سَكَنَ الْمَلِكُ فِي بَيْتِهِ، وَأَرَاحَهُ الرَّبُّ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِهِ، 2 أَنَّ الْمَلِكَ قَالَ لِنَاثَانَ النَّبِيِّ: «انْظُرْ. إِنِّي سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْ أَرْزٍ، وَتَابُوتُ اللهِ سَاكِنٌ دَاخِلَ الشُّقَقِ». 3 فَقَالَ نَاثَانُ لِلْمَلِكِ: «اذْهَبِ افْعَلْ كُلَّ مَا بِقَلْبِكَ، لأَنَّ الرَّبَّ مَعَكَ».

لم يتبع الكاتب التسلسل الزمني، إذ أراد الكشف عما ورد في قلب داود النبي والملك من جهة بناء بيت للرب عوض الخيمة مباشرة بعد ذكره إحضار التابوت إلى مدينة داود، بينما ما جاء هنا غالبًا ما تحقق بعد الحرب التي وردت في الأصحاح التالي. لقد قيل هنا: "وأراحه الرب من كل الجهات من جميع أعدائه" [1].


بلا شك ظهر هذا الفكر في أعماق داود النبي عندما بدأ في بناء بيته، وربما اشتهى أن يبني بيت الرب قبل بيته، حاسبًا الله أولًا في كل أمور حياته. هذا الفكر تزايد بالأكثر بعدما أُحضر التابوت إلى مدينته، لكنه لم يتحدث مع ناثان النبي إلا بعدما استراح من الحروب، قاصدًا أن يبني بيتًا ضخمًا جدًا يحتاج بناؤه إلى أزمنة سلام، أي إلى تفرغ للبناء دون ارتباك بالحروب.
كان ناثان نبيًا أمينًا لله وللملك وله وقاره الخاص، قام بحزم وشجاعة لكنه في أدب بتوبيخ الملك عندما ارتكب الخطية مع امرأة أوريا الحثي (2 صم 12: 1-15). قام هو وجاد الرائي بترتيب خدمة بيت الرب (2 أي 29: 25). عمل مع بثشبع على إقامة سليمان ملكًا (1 مل 1: 28-45).
وافق ناثان في البداية على طلب داود الخاص ببناء بيت للرب، إذ حسبه طلبًا صالحًا ولائقًا، لكنه إذ استشار الرب أجابه ألا يعمل ذلك بل يترك الأمر لابنه من بعده.

2. ابن داود يبني البيت:

4 وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى نَاثَانَ قَائِلًا: 5 «اِذْهَبْ وَقُلْ لِعَبْدِي دَاوُدَ: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَأَنْتَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِسُكْنَايَ؟ 6 لأَنِّي لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ يَوْمَ أَصْعَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، بَلْ كُنْتُ أَسِيرُ فِي خَيْمَةٍ وَفِي مَسْكَنٍ. 7 فِي كُلِّ مَا سِرْتُ مَعَ جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ إِلَى أَحَدِ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَرْعَوْا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتًا مِنَ الأَرْزِ؟ 8 وَالآنَ فَهكَذَا تَقُولُ لِعَبْدِي دَاوُدَ: هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أَنَا أَخَذْتُكَ مِنَ الْمَرْبَضِ مِنْ وَرَاءِ الْغَنَمِ لِتَكُونَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. 9 وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ، وَقَرَضْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ، وَعَمِلْتُ لَكَ اسْمًا عَظِيمًا كَاسْمِ الْعُظَمَاءِ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ. 10 وَعَيَّنْتُ مَكَانًا لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ وَغَرَسْتُهُ، فَسَكَنَ فِي مَكَانِهِ، وَلاَ يَضْطَرِبُ بَعْدُ، وَلاَ يَعُودُ بَنُو الإِثْمِ يُذَلِّلُونَهُ كَمَا فِي الأَوَّلِ، 11 وَمُنْذُ يَوْمَ أَقَمْتُ فِيهِ قُضَاةً عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَقَدْ أَرَحْتُكَ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِكَ. وَالرَّبُّ يُخْبِرُكَ أَنَّ الرَّبَّ يَصْنَعُ لَكَ بَيْتًا. 12 مَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُكَ وَاضْطَجَعْتَ مَعَ آبَائِكَ، أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ أَحْشَائِكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. 13 هُوَ يَبْنِي بَيْتًا لاسْمِي، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّ مَمْلَكَتِهِ إِلَى الأَبَدِ. 14 أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا. إِنْ تَعَوَّجَ أُؤَدِّبْهُ بِقَضِيبِ النَّاسِ وَبِضَرَبَاتِ بَنِي آدَمَ. 15 وَلكِنَّ رَحْمَتِي لاَ تُنْزَعُ مِنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا مِنْ شَاوُلَ الَّذِي أَزَلْتُهُ مِنْ أَمَامِكَ. 16 وَيَأْمَنُ بَيْتُكَ وَمَمْلَكَتُكَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامَكَ. كُرْسِيُّكَ يَكُونُ ثَابِتًا إِلَى الأَبَدِ». 17 فَحَسَبَ جَمِيعِ هذَا الْكَلاَمِ وَحَسَبَ كُلِّ هذِهِ الرُّؤْيَا كَذلِكَ كَلَّمَ نَاثَانُ دَاوُدَ.

يبدو أن الله تحدث مع ناثان خلال رؤيا الليل [4، 17]، وقد رفض الله أن يبني داود بيتًا مقدمًا له هذا التعليل بأن الله لم يسكن في بيت منذ إخراجه للشعب من مصر، ولا طلب ذلك منهم. إنه ليس إنسانًا يحتاج إلى بيت (إش 66: 1). أكد الله ذلك لئلا يظن شعبه أنه حقق لهم انتصارات لأجل إقامة هيكل عظيم له، ولكي لا ينشغلوا ببيت الله فيما بعد كمبنى عظيم. هم أنفسهم بيته الحيّ، يود أن يسكن في وسطهم معلنًا حضوره الدائم فيهم خلال الحياة المقدسة. هذا ما كشفه العهد الجديد بأكثر وضوح. عندما طلب التلاميذ من السيد المسيح أن ينظر الأبنية العظيمة التي للهيكل. أكَّد لهم أنه لن يبقى حجر على حجر إلا وينقض (مت 24: 1-2)؛ كما تحدث عن الهيكل بكونه هيكل جسده هو الذي ينقضه اليهود على الصليب ليقوم في اليوم الثالث (يو 2: 19-22) واهبًا إيانا الحياة المقامة خلال اتحادنا معه. حدثنا أيضًا القديس بطرس عن الهيكل الحيّ الذي يقوم بحجارة حيَّة هي جماعة المؤمنين (1 بط 2: 5).
سبق أن تحدثنا في كتاب "الكنيسة بيت الله" عن ارتباط المبنى الكنسي بالحياة الداخلية، حيث استعرضت مقتطفات لكلمات
العلامة أوريجانوس، جاء فيها:
[أهِّلني يا رب يسوع المسيح أن أساهم في بناء بيتك...
إني أتوق أن أقدم ذهبًا للغطاء (خر 25: 17)، أو لتابوت العهد أو للمنارة أو للسرج...!


هلم نبني خيمة إله يعقوب يسوع المسيح ربنا، ونزّينها].
[ليكن للنفس مذبح في وسط القلب، عليه تُقدم ذبائح الصلاة ومحرقات الرحمة، فَتُذبح فوقه ثيران الكبرياء بسكين الوداعة، وتُقتل عليه كباش الغضب وماعز التنعم والشهوات...
لتعرف النفس كيف تقيم داخل قدس إقداس قلبها منارة تضئ بغير انقطاع].
إن ما يمجّد الله ليس في المباني المادية الضخمة، بل في النفوس الحية التي أقامها السيد المسيح من الأموات، وتعلن حضوره في وسطها وملكوته في داخلها. لذلك أبرز الله معاملاته مع داود كيف أقامه الله من المربض من وراء الغنم ليصير رئيسًا لشعبه، كيف كان معه أينما وُجد واهبًا له النجاح والغلبة. وكأنه مع كل نصرة روحية وكل نجاح داخلي يُعلن بيت الرب المجيد فينا.
على أي الأحوال، لم يحرم الله داود سؤال قلبه، إنما وعده بتحقيق ذلك خلال ابنه الذي يخرج من أحشائه، مقدمًا تبريرًا لذلك كما جاء في (1 أي 22: 8). بأن داود سفك دمًا كثيرًا وعمل حروبًا عظيمة، لذلك يليق بناء بيت الرب في أيام سليمان حيث تكون أيامه سلامًا.
الذي يقيم بيت الرب هو سليمان، وكان رمزًا للسيد المسيح ابن داود حسب الجسد الذي أقام كنيسة العهد الجديد بيتًا روحيًا يسكنه الثالوث القدوس.
يقول القديس أغسطينوس:
[مَن يظن أن هذا الوعد العظيم (2 صم 7: 12-16) قد تحقق في سليمان يخطئ خطأ عظيمًا، إذ يسمع القول [هو يبني لي بيتًا] لكنه لا يسمع للقول: [بيته يبقى أمينًا وتكون مملكته أمامي إلى الأبد]. ليته ينصت ويتأمل بيت سليمان المملوء نساءً غريبات يتعبَّدن لآلهة غريبة، بل والملك نفسه الذي كان حكيمًا خُدع بواسطتهن وسقط في عبادة الأوثان نفسها. ليته لا يتجاسر أحد فيظن أن الله قد وعد بذلك باطلًا أو أنه كان غير قادر أن يعرف ما سيكون عليه سليمان هذا وبيته.
إذن، يليق بنا ألا نشك في أن هذه الأمور قد تحققت في المسيح ربنا الذي جاء من نسل داود حسب الجسد (رو 1: 3)، لئلا تكون نظرتنا هنا باطلة مثل اليهود الجسدانيين الذين يدركون أن الابن المذكور هنا والموعود به لداود ليس سليمان ومع ذلك فبعماهم العجيب عن الموعود به (المسيح) والمعلن عنه يقولون إنهم ينتظرون آخر.
حقًا لقد ظهرت في سليمان صورة لما حدث فيما بعد، إذ بنى الهيكل وكان له سلام كاسمه (لأن سليمان يعني سالم)، وكان في بداية حكمه مستحقًا للمديح بطريقة عجيبة، بينما أظهر المسيح ربنا -بكونه ظلًا له- لكنه لم يماثله في شخصه].
جاء في الوعد الذي قدمه الله لداود أن ابنه يقوم ببناء البيت الآتي:


أ. "أثبت كرسي مملكته إلى الأبد" [13]. لقد ملك سليمان أربعين سنة، أما نسله فملكوا حتى نهاية المملكة. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). السيد المسيح هو الذي ليس لملكه نهاية (مز 89: 27، 36، 37). لقد سقطت مظلة داود (عا 9: 11)، أما مملكة المسيح فلن تسقط أبدًا.
جاء في عنوان المزمور 72 أن سليمان يملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقصى الأردن، سليمان هذا رمز للسيد المسيح الذي ملك من النهر أي خلال الأردن، مياه المعمودية، حيث يقيم مملكته في قلوب المعمدين كأعضاء جسده الخاضعة للرأس.
ب. "أقيم بعدك نسلك ..." [12] يرى القديس أغسطينوس أن سليمان ملك أثناء حياة داود، قبل موته، لهذا فالوعد في جوهره ينطبق على غيره، على المسيح الذي بنى الهيكل الروحي (1 كو 3: 17).
يقول أيضًا الأب لاكتانتينوس: [تسلم سليمان المملكة من أبيه نفسه بينما تحدث الأنبياء عمَّن (يبني البيت) أنه يولد بعد أن يرقد داود مع آبائه. هذا ولم يكن حكم سليمان أبديًا، إذ ملك لمدة أربعين سنة. ثانيًا لم يُدع سليمان قط ابن الله بل ابن داود، والبيت الذي بناه لم يثبت على الدوام مثل الكنيسة التي هي الهيكل الحقيقي لله، هذه التي لم تُبن من حوائط بل من القلوب (1 بط 2: 5) بإيمان الذين آمنوا به وقد دُعوا مؤمنين. أما هيكل سليمان فبُني باليد وهُدم باليد. أخيرًا تنبأ في (المزمور 127) عن عمل ابنه (حسب الجسد): [إن لم يبن الرب البيت فباطلًا تعب البناؤون، وإن لم يحرس الرب المدينة فباطلًا سهر الحراس].
ج. هيكل الله ليس هيكل سليمان الذي هدمه نبوخذنصَّر بل جسد المسيح (يو 2: 19-21) الذي حل بيننا وصعد إلى السماء ليقيمنا فيه أبديًا، به صرنا شركاء الطبيعة الإلهية (رؤ 21: 3).
د. "أنا أكون له أبًا وهو يكون لي ابنًا" [14]. صار سليمان كابن لكنه تعوَّج واحتاج إلى تأديب، إما السيد المسيح فهو الابن الأزلي الذي وهبنا فيه البنوة، خلاله لا تنزع عنا الرحمة الإلهية، لكننا إن أخطأنا يؤدبنا بقضيب الناس وبضربات بني آدم [14].
يقول القديس أغسطينوس: [بالنسبة للمسيح نفسه الذي هو رأس الكنيسة لا يمكن أن يوجد فيه أية خطية تحتاج إلى تأديب إلهي بتصحيحات بشرية ... إنما توجد في جسده وفي أعضائه الذين هم شعبه. لذلك ما قيل في سفر صموئيل "إن هو (تعوَّج)" جاء في المزمور (89): "إثم بنيه"، ("إن ترك بنوه شريعتي" (مز 89: 30)).


نختم حديثنا عن الوعد الإلهي لداود ببناء بيت الرب بيدي ابنه بالملاحظات التالية:
أ. الله في حديثه يقول: "هل تكلمت بكلمة إلى أحد قضاة إسرائيل الذين أمرتهم أن يرعوا شعبي إسرائيل قائلًا: لماذا لم تبنوا لي بيتًا من الأرز؟!" [7]. كأن بناء بيت الرب المفرح له هو رعاية شعبه والاهتمام بهم، يسيرون مع شعبه ويحامون عنه ويعتنون به كما يعتني الراعي بقطيع غنمه.
ب. لئلا يظن داود أن عدم بنائه للبيت يقلل من مركزه لدى الله قال ليوناثان: "هكذا تقول لعبدي داود" (2 صم 7: 8). كأن الله ينسب نفسه لداود شخصيًا، علامة الاعتزاز به.
ج. عدم بناء البيت إلى عصر سليمان لا يعني رفضه شعبه، إذ يهتم هو بهم وعيّن لهم حتى أرضهم: "عينت مكانًا لشعبي إسرائيل وغرسته، فسكن في مكانه ولا يضطرب بعد ..." [10]... هكذا هو بيت الرب الثابت: قدسيّة حياة مؤمنيه.
3. داود يشكر الله:

18 فَدَخَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: «مَنْ أَنَا يَا سَيِّدِي الرَّبَّ؟ وَمَا هُوَ بَيْتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى ههُنَا؟ 19 وَقَلَّ هذَا أَيْضًا فِي عَيْنَيْكَ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ، فَتَكَلَّمْتَ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ بَيْتِ عَبْدِكَ إِلَى زَمَانٍ طَوِيل، وَهذِهِ عَادَةُ الإِنْسَانِ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ. 20 وَبِمَاذَا يَعُودُ دَاوُدُ يُكَلِّمُكَ وَأَنْتَ قَدْ عَرَفْتَ عَبْدَكَ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ؟ 21 فَمِنْ أَجْلِ كَلِمَتِكَ وَحَسَبَ قَلْبِكَ فَعَلْتَ هذِهِ الْعَظَائِمَ كُلَّهَا لِتُعَرِّفَ عَبْدَكَ. 22 لِذلِكَ قَدْ عَظُمْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ مِثْلُكَ وَلَيْسَ إِلهٌ غَيْرَكَ حَسَبَ كُلِّ مَا سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا. 23 وَأَيَّةُ أُمَّةٍ عَلَى الأَرْضِ مِثْلُ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ الَّذِي سَارَ اللهُ لِيَفْتَدِيَهُ لِنَفْسِهِ شَعْبًا، وَيَجْعَلَ لَهُ اسْمًا، وَيَعْمَلَ لَكُمُ الْعَظَائِمَ وَالتَّخَاوِيفَ لأَرْضِكَ أَمَامَ شَعْبِكَ الَّذِي افْتَدَيْتَهُ لِنَفْسِكَ مِنْ مِصْرَ، مِنَ الشُّعُوبِ وَآلِهَتِهِمْ. 24 وَثَبَّتَّ لِنَفْسِكَ شَعْبَكَ إِسْرَائِيلَ، شَعْبًا لِنَفْسِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَأَنْتَ يَا رَبُّ صِرْتَ لَهُمْ إِلهًا. 25 وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ أَقِمْ إِلَى الأَبَدِ الْكَلاَمَ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ عَنْ عَبْدِكَ وَعَنْ بَيْتِهِ، وَافْعَلْ كَمَا نَطَقْتَ. 26 وَلِيَتَعَظَّمِ اسْمُكَ إِلَى الأَبَدِ، فَيُقَالَ: رَبُّ الْجُنُودِ إِلهٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ. وَلْيَكُنْ بَيْتُ عَبْدِكَ دَاوُدَ ثَابِتًا أَمَامَكَ. 27 لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبَّ الْجُنُودِ إِلهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ أَعْلَنْتَ لِعَبْدِكَ قَائِلًا: إِنِّي أَبْنِي لَكَ بَيْتًا، لِذلِكَ وَجَدَ عَبْدُكَ فِي قَلْبِهِ أَنْ يُصَلِّيَ لَكَ هذِهِ الصَّلاَةَ. 28 وَالآنَ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ أَنْتَ هُوَ اللهُ وَكَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ، وَقَدْ كَلَّمْتَ عَبْدَكَ بِهذَا الْخَيْرِ. 29 فَالآنَ ارْتَضِ وَبَارِكْ بَيْتَ عَبْدِكَ لِيَكُونَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامَكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمْتَ. فَلْيُبَارَكْ بَيْتُ عَبْدِكَ بِبَرَكَتِكَ إِلَى الأَبَدِ».

جلس داود غالبًا على الأرض وأحنى رأسه أمام الرب ليشكره من أجل هذا الوعد الذي أنعم به عليه قائلًا:
"من أنا يا سيدي؟! وما هو بيتي؟! حتى أوصلتني إلى هنا؟!" [18]. لقد أدرك أنه ليس عن استحقاق شخصي ولا عن كرامة لبيت أبيه نال هذا الوعد الإلهي، إنما هو نعمة إلهية فائقة جاءت به إلى كرسي المُلك ليكون في حضرة الرب ينعم بسكناه وحلوله معه وسخاء نعمه عليه.
ما أحوجنا أن نجلس في هدوء داخلي أمام الرب نسمع مواعيده المفرحة ونتحدث معه، مدركين عظمة عطيته المجانية، فقد أقامنا معه من الفساد وجعلنا له ملوكًا وكهنة، وحسبنا أبناء له ننعم بشركة أمجاده.
"وبماذا يعود داود يكلمك وأنت قد عرفت عبدك يا سيدي الرب" [20]. شعر داود بالخجل أن يتحدث مع الله الذي يعرفه تمامًا؛ يعرف ضعفات داود وخطاياه ومذلته كما يعرف محبته وغيرته وجهاده وصبره... ليس شيء مخفيًا عن الله.
"فمن أجل كلمتك وحسب قلبك فعلت هذه العظائم كلها لتعرف عبدك" [21]. ما تقدمه من عطايا فائقة ليس من أجل برّ ذاتي في الإنسان وإنما من أجل وعدك الإلهي، وكلمته الثابتة إلى الأبد، حسب محبتك السرمدية تقدم المواعيد العظمى لعبدك.
من أجل وعده لشعبه أَعطى داود هباتٍ كثيرة، فقد ثبَّت الله لنفسه شعبًا يفتديه بكونه إلههم الذي يتمجد فيهم. من أجل الكنيسة المقدسة التي تحمل اسم المسيح يمنح أسراره الفائقة لمؤمنيه.
يختم داود صلاته بطلب البركة: "فالآن ارتض وبارك بيت عبدك ليكون إلى الأبد أمامك، لأنك أنت يا سيدي الرب قد تكلمت، فليُبارك بيت عبدك ببركتك إلى الأبد" [29]. هذه هي البركة، أن يكون الإنسان أمام الله على الدوام.


انتصارات داود المستمرة

لم يكن داود منشغلًا بمجده الذاتي ولا باتساع رقعة مملكته وإنما كان مهتمًا بملكوت الله، لهذا لم يسعَ نحو إخضاع الأسباط تحت سلطانه إنما كان مشغولًا بخدمة الجميع ورعايتهم بكونهم شعب الله. الآن دخل داود النبي في حروب كثيرة وتكررت العبارة" "وكان الرب يخلص داود حيثما توجه" [6، 14]. حصل على هدايا وغنائم كرَّسها لخدمة بيت الرب.
كإنسان حكيم مهتم بملكوت الله لم تشغله الحروب الخارجية عن الاهتمام بتدبير أمور مملكته الداخلية بحكمة واتزان.

1. نصرته على الأمم المحيطة:

1 وَبَعْدَ ذلِكَ ضَرَبَ دَاوُدُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَذَلَّلَهُمْ، وَأَخَذَ دَاوُدُ «زِمَامَ الْقَصَبَةِ» مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. 2 وَضَرَبَ الْمُوآبِيِّينَ وَقَاسَهُمْ بِالْحَبْلِ. أَضْجَعَهُمْ عَلَى الأَرْضِ، فَقَاسَ بِحَبْلَيْنِ لِلْقَتْلِ وَبِحَبْل لِلاسْتِحْيَاءِ. وَصَارَ الْمُوآبِيُّونَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. 3 وَضَرَبَ دَاوُدُ هَدَدَ عَزَرَ بْنَ رَحُوبَ مَلِكَ صُوبَةَ حِينَ ذَهَبَ لِيَرُدَّ سُلْطَتَهُ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ. 4 فَأَخَذَ دَاوُدُ مِنْهُ أَلْفًا وَسَبْعَ مِئَةِ فَارِسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِل. وَعَرْقَبَ دَاوُدُ جَمِيعَ خَيْلِ الْمَرْكَبَاتِ وَأَبْقَى مِنْهَا مِئَةَ مَرْكَبَةٍ. 5 فَجَاءَ أَرَامُ دِمَشْقَ لِنَجْدَةِ هَدَدَ عَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ، فَضَرَبَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ اثْنَيْنَ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل. 6 وَجَعَلَ دَاوُدُ مُحَافِظِينَ فِي أَرَامِ دِمَشْقَ، وَصَارَ الأَرَامِيُّونَ لِدَاوُدَ عَبِيدًا يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. 7 وَأَخَذَ دَاوُدُ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى عَبِيدِ هَدَدَ عَزَرَ وَأَتَى بِهَا إِلَى أُورُشَلِيمَ. 8 وَمِنْ بَاطِحَ وَمِنْ بِيرَوَثَايَ، مَدِينَتَيْ هَدَدَ عَزَرَ، أَخَذَ الْمَلِكُ دَاوُدُ نُحَاسًا كَثِيرًا جِدًّا.

كانت حروب داود النبي ضد الأمم الوثنية التي انجرفت تمامًا في الرجاسات مع العنف والقسوة، تشير إلى جهاد المؤمن ضد الخطية بكل رجاساتها وعنفها.
لقد ضرب داود:
أ. الفلسطينيين: "أخذ... «زِمَامَ الْقَصَبَةِ» من أيدي الفلسطينيين" [1]؛ أي أخذ جت وقراها، بكونها قصبتهم وزمام دولتهم المتسلطة على يهوذا ودان، إذ كانت جت على تخم يهوذا وبالقرب من دان.


جاءت الكلمة العبرية لزمام القصبة Meth-eg-ammah، تعني حرفيًا "لجام الأمة"، إذ كانت جت عاصمتهم تمثل من يمسك بلجام يحرك إسرائيل كيفما شاء. لقد أمسك داود بهذا اللجام وقبض عليه في يده ليستخدمه للتحكم فيهم عوض تحكمهم هم فيه.
ب. الموآبيين: سبق أن أودع داود والديه لدى ملك موآب (1 صم 22: 3-4)، لسنا نعرف متى تحولت هذه الصداقة إلى عداوة لتستمر بعد ذلك. ربما كان موآب يسند داود عندما كان شاول يقاومه، يهدف بذلك إلى مقاومة شاول كملك رسمي، لكن إذ صار داود ملكًا واتحدت الأسباط معًا تحت قيادته واستقرت مملكته ثار موآب ضده.
ضرب داود المدينة، قتل الثلثين، واستبقى الثلث يدبرون أمورهم الداخلية مقابل دفع جزية (تقديم هدايا). وقد تحققت نبوة بلعام: "يقوم قضيب من إسرائيل فيُحطم طرفي موآب" (عد 24: 17).
بقى موآب يدفع الجزية حتى موت آخاب حيث ثار ملك موآب ضد إسرائيل وعصاه (2 مل 3: 3-4).
ج. السوريين أو الآراميين: كانت آرام تضم في الشمال مملكتين عظيمتين متمايزتين: آرام صوبة (عاصمتها صوبة يظن البعض أنها حمص) تسيطر على عدة ملوك؛ وآرام النهرين (عاصمتها دمشق).
بدأ داود بمحاربة هدد (هدر) عزر ملك آرام صوبة. كانت صوبة في أيام شاول وداود وسليمان مملكة آرامية قوية غرب الفرات. امتد سلطانها يومًا إلى حدود حماة إلى الشمال الغربي (2 صم 8: 10؛ 1 أي 18: 3) وكانت دمشق إلى جنوبها أو إلى الجنوب الغربي منها، لأن إحدى مدنها بيروثاي كانت تقع بين حماة ودمشق.
ضربه داود من الغرب في حماة (1 أي 18: 3)، من الوراء، فجاء ملك آرام دمشق لنجدته فضربه داود (يرى البعض أن آرام دمشق هي ذاتها آرام النهرين، موقعها فدان آرام حيث عاش الآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب).
بضرب داود آرام صوبة وآرام دمشق حطم كل ممالك آرام العظيمة؛ ولكي لا تتجمع جيوشهم ثانية لمحاربته أقام محافظين في صوبة ودمشق، وألزمهم بدفع جزية (تقديم هدايا).
استولى داود على أتراس الذهب (مطلية بالذهب)، وهي أتراس حراس الملك، وجاء بها إلى أورشليم.
كما جاء بنحاس كثير جدًا من مدينتي هدد "باطح" و"بيروثاي" وهما طبحة وخون (1 أي 18: 8)، الأولى ربما تكون هي طبحة التي بين حلب والفرات (باطح تعني ثقة)، أما الثانية فيرى البعض أنها بيروت، بينما يرجح آخرون أنها قرية بريتان على بعد 6 أميال جنوب غربي بعلبك (بيروثاي تعني "آبارًا").
استخدم سليمان الحكيم النحاس الذي أُخذ من هاتين المدينتين في صنع بحر النحاس والأعمدة والآنية النحاسية.
ترنم داود النبي بالمزمور الستين عندما حارب آرام صوبة وآرام النهرين (دمشق) وغلبهما.
يعلن القديس أغسطينوس على عنوان المزمور قائلًا: [إنه حمل روحًا نبويًا، إذ يعلن ما لم نجده في التاريخ ليكشف لنا خلال الرمز ما سيحدث مستقبلًا].
عنوان المزمور كما جاء في الترجمة السبعينية هو:
(إلى الذين لا زالوا يتغيرون.
إلى نصب تذكاري منقوش، لأجل داود،
للتعليم،
عندما حرق المصيصة السريانية (ما بين النهرين، آرام النهرين Mesopatamaia وصوبة السريانية (آرام صوبة).
فرجع يوآب وضرب من آدوم في وادي الملح اثنى عشر ألفًا).
يقدم لنا القديس أغسطينوس تفسيرًا رمزيًا لهذا العنوان موجزه الآتي (بتصرف):
* إن المزمور كتب من أجل الذين يغير المسيح (ابن داود) حياتهم لأجله هو... كأن السيد المسيح هو الذي يغير حياتنا ويجددها، وغاية هذا التغير هو أن نتعلم أن نلتقي به كغاية الناموس أو الوصية أو التعليم (رو 5: 10). فهو المعلم وهو المجدد وهو الغاية.
* كيف يحدث هذا التغيير؟
أ. بحرق المصيصة Mesopatamaia (ما بين النهرين) السورية (آرام): يرى القديس أغسطينوس أن سوريا تعني "تعالٍ" و"مصيصة" تعني "دعوة". وكأنه لكي تتغير حياتنا يحرق الرب تعالينا وعجرفتنا لننعم باتضاعه. أرسل روحه القدوس الناري إلى العالم ليحرق كل فساد مجددًا طبيعتنا (في مياه المعمودية)؛ عوض أن يُدخل العالم إلى النار فيهلك أرسل ناره إلى العالم ليجدده، بحرق أعمال الإنسان العتيق ومنح الإنسان الجديد الداخلي أو الحياة الجديدة التي في المسيح. ليتنا لا نخاف نار المسيح وإن كانت تحرق فهي تحرق ما هو قديم فينا.
ب. برجوع "يوآب"؛ في رأيه أن كلمة "يوآب" معناها "عدو". وكأن المسيحي يرجع إلى ابن داود المنتصر بعد أن كان عدوًا لله... لنرجع إلى مسيحنا أحباء بعد العداوة القديمة.
ج. ضرب اثني عشر ألفًا من آدوم في وادي الملح. إن كانت "آدوم" تعني "أرضًا"، فتغييرنا يعني ما هو أرضي فينا لنحمل ما هو سماوي. كما لبسنا صورة التراب (آدم الأول) هكذا يلزمنا أن نلبس صورة السماوي (آدم الثاني) (1 كو 15: 49).

2. توعي يقدم له هدايا:

9 وَسَمِعَ تُوعِي مَلِكُ حَمَاةَ أَنَّ دَاوُدَ قَدْ ضَرَبَ كُلَّ جَيْشِ هَدَدَ عَزَرَ، 10 فَأَرْسَلَ تُوعِي يُورَامَ ابْنَهُ إِلَى الْمَلِكِ دَاوُدَ لِيَسْأَلَ عَنْ سَلاَمَتِهِ وَيُبَارِكَهُ لأَنَّهُ حَارَبَ هَدَدَ عَزَرَ وَضَرَبَهُ، لأَنَّ هَدَدَ عَزَرَ كَانَتْ لَهُ حُرُوبٌ مَعَ تُوعِي. وَكَانَ بِيَدِهِ آنِيَةُ فِضَّةٍ وَآنِيَةُ ذَهَبٍ وَآنِيَةُ نُحَاسٍ.

أرسل توعي أو توعو ملك حماة ابنه إلى داود ليسأل عن سلامته ويباركه بسبب ضربه هدد عزر، الذي كان عدوًا لتوعي. قدم الابن هدايا: آنية فضة، آنية ذهب، آنية نحاس، قدسها داود لحساب بيت الرب. هكذا قبل داود هذه الإرسالية، معلنًا أنه لا يهوى الحرب بل يطلب السلام.

3. تقديس الهدايا والغنائم:

11 وَهذِهِ أَيْضًا قَدَّسَهَا الْمَلِكُ دَاوُدُ لِلرَّبِّ مَعَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الَّذِي قَدَّسَهُ مِنْ جَمِيعِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ أَخْضَعَهُمْ. 12 مِنْ أَرَامَ، وَمِنْ مُوآبَ، وَمِنْ بَنِي عَمُّونَ، وَمِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَمِنْ عَمَالِيقَ، وَمِنْ غَنِيمَةِ هَدَدَ عَزَرَ بْنِ رَحُوبَ مَلِكِ صُوبَةَ. 13 وَنَصَبَ دَاوُدُ تَذْكَارًا عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنْ ضَرْبِهِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ أَرَامَ فِي وَادِي الْمِلْحِ. 14 وَجَعَلَ فِي أَدُومَ مُحَافِظِينَ. وَضَعَ مُحَافِظِينَ فِي أَدُومَ كُلِّهَا. وَكَانَ جَمِيعُ الأَدُومِيِّينَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ. وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ.

كان داود الملك يهيئ الطريق لسليمان ابنه لبناء بيت الرب من جانبين:
أ. إخضاع الأمم المقاومة مثل آرام النهرين وآرام صوبة وآدوم، وإقامة علاقات ودّ مع الأمم المسالمة مثل مملكة حماة... حتى يعيش سليمان متفرغًا لبناء بيت الرب في جو من السلام.
ب. إعداد الإمكانيات للبناء، إذ لم يستخدم داود الغنائم والهدايا لصالحه الخاص ولا لإثراء أسرته وسبطه وإنما قدم الغنائم مع الهدايا لحساب بيت الرب.
ميز داود النبي بين التماثيل الذهبية والآنية الذهبية؛ الأولى حرقها (2 صم 5: 21) والثانية خصصها لخدمة بيت الرب. الأولى أي الأصنام تشير إلى الشر الذي يجب تحطيمه تمامًا، فإن الله ليس في حاجة إلى الذهب أو الفضة... والثانية تشير إلى تحويل الطاقات والمواهب المستخدمة للشر إلى طاقات ومواهب لحساب ملكوت الله. الله يرفض الشر ويقدس ما دنسناه خلال الشر، يكره الخطية لا الخطاة.
قيل أيضًا: "ونصب داود تذكارًا عند رجوعه من ضربه ثمانية عشر ألفًا من آدوم في وادي الملح" [13]. هكذا أقام نصبًا تذكاريًا يعلن تحطيمة آدوم (أي ما هو أرضي)... ما هو هذا النصب إلا صليب ربنا يسوع المسيح الذي حولنا عن الزمنيات إلى السماويات. لذلك جاء في المزمور 60 الذي تغنى به داود عند ضربه آدوم وآرام: "زلزلتَ الأرضَ فَصَمْتَها، أجْبُرْ كسرها لأنها متزعزعة... على آدوم أَطْرحُ نعلي". بصليب ربنا تتزلزل فينا الأفكار الأرضية لنطأها تحت أقدامنا!

4. تدبير أمور المملكة الداخلية:

15 وَمَلَكَ دَاوُدُ عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ. وَكَانَ دَاوُدُ يُجْرِي قَضَاءً وَعَدْلًا لِكُلِّ شَعْبِهِ. 16 وَكَانَ يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ عَلَى الْجَيْشِ، وَيَهُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ مُسَجِّلًا، 17 وَصَادُوقُ بْنُ أَخِيطُوبَ وَأَخِيمَالِكُ بْنُ أَبِيَاثَارَ كَاهِنَيْنِ، وَسَرَايَا كَاتِبًا، 18 وَبَنَايَاهُو بْنُ يَهُويَادَاعَ عَلَى الْجَلاَّدِينَ وَالسُّعَاةِ، وَبَنُو دَاوُدَ كَانُوا كَهَنَةً.

كما نجح داود في حروبه ضد الأمم المقاومة وكسب صداقات الأمم المسالمة نجح أيضًا في الاهتمام بشئون مملكته الداخلية ورعاية شعب الله على خلاف شاول الذي كان قويًا في الحروب وفاشلًا في سياسته الداخلية.


أولًا: اهتم بكل الشعب وبالقضاء لهم بالعدل: "وملك داود على جميع إسرائيل، وكان داود يجري قضاءً وعدلًا لكل شعبه" [15].
جاء في (المزمور 72): "يدين شعبك بالعدل ومساكينك بالحق، تحمل الجبال سلامًا للشعب والآكام بالبر. يقضي لمساكين الشعوب. يخلص بني البائسين ويسحق الظالم" (مز 72: 2-4).
ثانيا: نجح في توزيع المسئوليات على قادة يسندونه، فأقام:
أ. يوآب على الجيش.
ب. يهوشفاط بن أخيلود مُسجِّلًا يكتب أحكام الملك ويحفظها.
ج. صادوق بن أخيطوب من نسل أليعازار وأخيمالك بن أبيأثار كاهنين.
د. سرايا كاتبًا، أي وزيرًا ومفتشًا للدولة.
ه. بناياهو بن يهوياداع رئيسًا على الجلادين والسعاة الذي يعاقبون المذنبين، وهم أيضًا حراس الملك (2 مل 11: 4). الكلمة الأصلية لجلادين "كريتيون"، ربما لأن الملوك كانوا يفضلون استخدام حراس من الأجانب حتى إذا ما حدثت فتنة من الشعوب لا يتسترون عليهم بسبب القرابة.
و. بنيه (بني داود) كهنة أي شفعاء. كلمة "كهنة" هنا لا تعني ممارسة العمل الكهنوتي التعبدي وإنما عمل الشفاعة كحكام تحت يديْ داود ويعملون لحساب الشعب وخدمتهم؛ يقدمون لداود طلبات الشعب الحقيقية... لذا حسبوا ككهنة.
داود ومفيبوشث

عادة إذ يستريح الإنسان ويستقر ينسى الماضي بآلامه ويتجاهل مشاعر الغير، أما داود النبي والملك صاحب القلب الكبير فنجاحه واستقراره دفعه بالأكثر إلى بحثه عن راحة الآخرين. لقد أراحه الله من جميع أعدائه، وبعد موت شاول ويوناثان بحوالي 15 سنة لم ينس عهده مع يوناثان (1 صم 20: 14-17)، فبدأ يسأل إن كان قد بقى أحد من بيت شاول لكي يصنع معه إحسانًا من أجل يوناثان. سمع عن مفيبوشث بن يوناثان، الأعرج الرجلين، فاستدعاه ليرد له حقول جده شاول ويقيمه ضيفًا دائمًا يأكل معه على مائدته كأحد أفراد أسرته.

1. داود يستدعي مفيبوشث:

1 وَقَالَ دَاوُدُ: «هَلْ يُوجَدُ بَعْدُ أَحَدٌ قَدْ بَقِيَ مِنْ بَيْتِ شَاوُلَ، فَأَصْنَعَ مَعَهُ مَعْرُوفًا مِنْ أَجْلِ يُونَاثَانَ؟» 2 وَكَانَ لِبَيْتِ شَاوُلَ عَبْدٌ اسْمُهُ صِيبَا، فَاسْتَدْعَوْهُ إِلَى دَاوُدَ، وَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «أَأَنْتَ صِيبَا؟» فَقَالَ: «عَبْدُكَ». 3 فَقَالَ الْمَلِكُ: «أَلاَ يُوجَدُ بَعْدُ أَحَدٌ لِبَيْتِ شَاوُلَ فَأَصْنَعَ مَعَهُ إِحْسَانَ اللهِ؟» فَقَالَ صِيبَا لِلْمَلِكِ: «بَعْدُ ابْنٌ لِيُونَاثَانَ أَعْرَجُ الرِّجْلَيْنِ». 4 فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «أَيْنَ هُوَ؟» فَقَالَ صِيبَا لِلْمَلِكِ: «هُوَذَا هُوَ فِي بَيْتِ مَاكِيرَ بْنِ عَمِّيئِيلَ فِي لُودَبَارَ». 5 فَأَرْسَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَأَخَذَهُ مِنْ بَيْتِ مَاكِيرَ بْنِ عَمِّيئِيلَ مِنْ لُودَبَارَ. 6 فَجَاءَ مَفِيبُوشَثُ بْنُ يُونَاثَانَ بْنِ شَاوُلَ إِلَى دَاوُدَ وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَسَجَدَ، فَقَالَ دَاوُدُ: «يَا مَفِيبُوشَثُ». فَقَالَ: «هأَنَذَا عَبْدُكَ».

من العادات القديمة أن يقتل الملك الجديد كل نسل الملك السابق لئلا يقاوموه ويطلبوا المُلك لأنفسهم (2 مل 11: 1)، أما داود النبي فأدرك أنه لم يستلم المُلك من يد إنسان بل من الله، ولأنه لم يضع قلبه على المجد الزمني بل مجد الله لذا لم يخف على كرسيه ولا طلب قتل نسل شاول، إنما على العكس إذ استقر بدأ يبحث عمن بقى من نسل شاول ليصنع معه معروفًا [1].
استُدعى صيبا عبد شاول ووكيله قبل موته، فامتثل أمام داود الملك وأخبره بأنه يوجد بعد ابن ليوناثان أعرج الرجلين [3]، وأنه في بيت رجل غني يدعى ماكير بن عمِّيئيل في لودبار بجلعاد شرق الأردن ("ماكير" معناه "مُبتاع").


"صيبا" اسم آرامي يعني "غصنًا"، كان خادمًا أو عبدًا للملك شاول. حُرر ربما في وقت تغلب الفلسطينيين على شاول. وكان أبًا لعائلة كبيرة واقتني عبيدًا.

2. داود يرد له حقول شاول:

7 فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ: «لاَ تَخَفْ. فَإِنِّي لأَعْمَلَنَّ مَعَكَ مَعْرُوفًا مِنْ أَجْلِ يُونَاثَانَ أَبِيكَ، وَأَرُدُّ لَكَ كُلَّ حُقُولِ شَاوُلَ أَبِيكَ، وَأَنْتَ تَأْكُلُ خُبْزًا عَلَى مَائِدَتِي دَائِمًا». 8 فَسَجَدَ وَقَالَ: «مَنْ هُوَ عَبْدُكَ حَتَّى تَلْتَفِتَ إِلَى كَلْبٍ مَيِّتٍ مِثْلِي؟». 9 وَدَعَا الْمَلِكُ صِيبَا غُلاَمَ شَاوُلَ وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ مَا كَانَ لِشَاوُلَ وَلِكُلِّ بَيْتِهِ قَدْ دَفَعْتُهُ لابْنِ سَيِّدِكَ. 10 فَتَشْتَغِلُ لَهُ فِي الأَرْضِ أَنْتَ وَبَنُوكَ وَعَبِيدُكَ، وَتَسْتَغِلُّ لِيَكُونَ لابْنِ سَيِّدِكَ خُبْزٌ لِيَأْكُلَ. وَمَفِيبُوشَثُ ابْنُ سَيِّدِكَ يَأْكُلُ دَائِمًا خُبْزًا عَلَى مَائِدَتِي». وَكَانَ لِصِيبَا خَمْسَةَ عَشَرَ ابْنًا وَعِشْرُونَ عَبْدًا. 11 فَقَالَ صِيبَا لِلْمَلِكِ: «حَسَبَ كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ سَيِّدِي الْمَلِكُ عَبْدَهُ كَذلِكَ يَصْنَعُ عَبْدُكَ». «فَيَأْكُلُ مَفِيبُوشَثُ عَلَى مَائِدَتِي كَوَاحِدٍ مِنْ بَنِي الْمَلِكِ». 12 وَكَانَ لِمَفِيبُوشَثَ ابْنٌ صَغِيرٌ اسْمُهُ مِيخَا. وَكَانَ جَمِيعُ سَاكِنِي بَيْتِ صِيبَا عَبِيدًا لِمَفِيبُوشَثَ. 13 فَسَكَنَ مَفِيبُوشَثُ فِي أُورُشَلِيمَ، لأَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ دَائِمًا عَلَى مَائِدَةِ الْمَلِكِ. وَكَانَ أَعْرَجَ مِنْ رِجْلَيْهِ كِلْتَيْهِمَا.

كان داود النبي والملك نبيلًا للغاية في تعامله مع مفيبوشث، كريمًا في عطائه له:
أ. تحدث معه وهو صبي صغير السن وأعرج كإنسان معجب به، يُسر بالحديث معه، ذي كرامة... لقاء داود معه كان أثمن بكثير وأعظم من الحقول التي رُدت إليه، إذ أعطاه ما يريح نفسه الداخلية ويشبعها، الأمر الذي لا تقدر كل مقتنيات العالم أن تهبها للإنسان. هذا ما دفع القديس بولس أن يطالبنا بتقديم قلبنا (الحب) للمحتاجين قبل تقديم الأموال أو العطايا المادية. يقول الرسول: "وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي، وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ، وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئًا" (1 كو 13: 3).
ب. يبدو أن مفيبوشث كان خائفًا أن يقتله الملك، لذا طمأنه داود قائلًا له: "لا تخف، فإني لأعملن معك معروفًا من أجل يوناثان أبيك" [7]. ما زرعه يوناثان من حب خالص وأمانة في صداقته لداود يجنيه ابنه مفيبوشث بعد موت أبيه بسنوات.
ج. قدم داود حبًا عمليًا له: [أرد إليك كل حقول أبيك] [7]، وطلب من صيبا (يبدو أنه رجل طماع وخبيث أراد فيما بعد عندما طُرد داود أن يغتصب هذه الممتلكات) أن يعمل هو وبنوه وعبيده في حقول شاول لحساب حفيده مفيبوشث.
د. أخيرًا حسبه كأهل بيته: "وأنت تأكل خبزًا على مائدتي دائمًا" [7]... . لم يحتمل مفيبوشث هذا الكرم الشديد والحب المتدفق والرقة غير المتوقعة حتى وهو أعرج" سجد وقال: من هو عبدك حتى تلتفت إلى كلب ميت مثلي؟!" [8].
سبق أن سجد داود ليوناثان بكونه ولي العرش (1 صم 20: 41)، وها هو ابن يوناثان يسجد لداود كملك.
داود في سخائه يرمز للسيد المسيح ، الذي يدعونا إليه لنلتقي معه كأحباء؛ ينزع عنا الخوف، ويرد إلينا ما فُقد منا (الطبيعة الصالحة التي خلقنا عليها) كما وهبنا أن نجلس على مائدته السماوية نتناول جسده ودمه المبذولين سر خلاص وتمتع بالحياة الأبدية.
_____

تآمر الرؤساء على داود

أراد داود صاحب القلب الكبير أن يصنع معروفًا مع حانون ملك عمون من أجل ما فعله أبوه ناحاش معه، لكن المشيرين أساءوا الفهم وأثاروا الملك ضده مدعين أن داود أرسل جواسيس -ولا معزين- ليقتحم المدينة، فتحالف حانون مع الملوك المحيطين به لمحاربة داود... لكن داود انتصر عليهم.
كانت هذه الحروب وأمثالها فرصة ليسجل لنا داود بعض مزاميره (مز 2، 20، 21، 60، 110) التي تنبأت عن ثورة الأمم، وتآمر الرؤساء على السيد المسيح حتى يُصلب، ويبقى الأشرار يتحالفون ضد كنيسته فيتمجد السيد المسيح في الكنيسة المضطهدة.

1. حانون يهين رسل داود:



1 وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ مَاتَ، وَمَلَكَ حَانُونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. 2 فَقَالَ دَاوُدُ: «أَصْنَعُ مَعْرُوفًا مَعَ حَانُونَ بْنِ نَاحَاشَ كَمَا صَنَعَ أَبُوهُ مَعِي مَعْرُوفًا». فَأَرْسَلَ دَاوُدُ بِيَدِ عَبِيدِهِ يُعَزِّيهِ عَنْ أَبِيهِ. فَجَاءَ عَبِيدُ دَاوُدَ إِلَى أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ. 3 فَقَالَ رُؤَسَاءُ بَنِي عَمُّونَ لِحَانُونَ سَيِّدِهِمْ: «هَلْ يُكْرِمُ دَاوُدُ أَبَاكَ فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْكَ مُعَزِّينَ؟ أَلَيْسَ لأَجْلِ فَحْصِ الْمَدِينَةِ وَتَجَسُّسِهَا وَقَلْبِهَا، أَرْسَلَ دَاوُدُ عَبِيدَهُ إِلَيْكَ؟» 4 فَأَخَذَ حَانُونُ عَبِيدَ دَاوُدَ وَحَلَقَ أَنْصَافَ لِحَاهُمْ، وَقَصَّ ثِيَابَهُمْ مِنَ الْوَسَطِ إِلَى أَسْتَاهِهِمْ، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ. 5 وَلَمَّا أَخْبَرُوا دَاوُدَ أَرْسَلَ لِلِقَائِهِمْ، لأَنَّ الرِّجَالَ كَانُوا خَجِلِينَ جِدًّا. وَقَالَ الْمَلِكُ: «أَقِيمُوا فِي أَرِيحَا حَتَّى تَنْبُتَ لِحَاكُمْ ثُمَّ ارْجِعُوا».

أساء مشيرو حانون ملك بني عمون الظن بداود إذ حسبوا أن رسله للتعزية جواسيس لاقتحام المدينة، وبمشورتهم الشريرة أثاروا حربًا عظيمة أدت إلى هلاك الكثيرين. ما أخطر إساءة الظن على حياتنا!
جاء رُسل داود إلى مدينة ربّة أو ربّة عمون.
كلمة "ربة" معناها "عظيم" أو "عاصمة"، وهي غير ربّة التي على جبال يهوذا (يش 15: 60) القريبة من أورشليم، إنما هي ربة بني عمون القائمة عند منبع نهر يبوق، تبعد حوالي 23 ميلًا شرقي الأردن. جمّلها بطليموس فلادلفوس (سنة 285-246 ق.م.) ودعيت فيلادلفيا تكريمًا له، اسمها الحديث عمّان، عاصمة شرق الأردن. يمر بها الطريق التجاري بين دمشق وشبه الجزيرة العربية.
استمع حانون لمشيريه الأشرار فحلق نصف لحي الرسل وشق ثيابهم... يعتبر هذا العمل عند العبرانيين إهانه عظيمة. سمع داود الملك فذهب إليهم وطلب منهم ألا يرجعوا إلى أورشليم حتى لا يخجلوا من لقائهم مع رجال البلاط. هكذا حمل داود مشاعر رقيقة، إذ يهتم بمشاعر كل إنسان ويخشى إن تُجرح!

2. الغلبة على بني عمون وملوك آرام:

6 وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَنْتَنُوا عِنْدَ دَاوُدَ، أَرْسَلَ بَنُو عَمُّونَ وَاسْتَأْجَرُوا أَرَامَ بَيْتِ رَحُوبَ وَأَرَامَ صُوبَا، عِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِل، وَمِنْ مَلِكِ مَعْكَةَ أَلْفَ رَجُل، وَرِجَالَ طُوبَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ رَجُل. 7 فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ أَرْسَلَ يُوآبَ وَكُلَّ جَيْشِ الْجَبَابِرَةِ. 8 وَخَرَجَ بَنُو عَمُّونَ وَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ مَدْخَلِ الْبَابِ، وَكَانَ أَرَامُ صُوبَا وَرَحُوبُ وَرِجَالُ طُوبَ وَمَعْكَةَ وَحْدَهُمْ فِي الْحَقْلِ. 9 فَلَمَّا رَأَى يُوآبُ أَنَّ مُقَدَّمَةَ الْحَرْبِ كَانَتْ نَحْوَهُ مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ، اخْتَارَ مِنْ جَمِيعِ مُنْتَخَبِي إِسْرَائِيلَ وَصَفَّهُمْ لِلِقَاءِ أَرَامَ 10 وَسَلَّمَ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ لِيَدِ أَخِيهِ أَبِيشَايَ، فَصَفَّهُمْ لِلِقَاءِ بَنِي عَمُّونَ. 11 وَقَالَ: «إِنْ قَوِيَ أَرَامُ عَلَيَّ تَكُونُ لِي مُنْجِدًا، وَإِنْ قَوِيَ عَلَيْكَ بَنُو عَمُّونَ أَذْهَبُ لِنَجْدَتِكَ. 12 تَجَلَّدْ وَلْنَتَشَدَّدْ مِنْ أَجْلِ شَعْبِنَا وَمِنْ أَجْلِ مُدُنِ إِلهِنَا، وَالرَّبُّ يَفْعَلُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ». 13 فَتَقَدَّمَ يُوآبُ وَالشَّعْبُ الَّذِينَ مَعَهُ لِمُحَارَبَةِ أَرَامَ فَهَرَبُوا مِنْ أَمَامِهِ. 14 وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّهُ قَدْ هَرَبَ أَرَامُ، هَرَبُوا مِنْ أَمَامِ أَبِيشَايَ وَدَخَلُوا الْمَدِينَةَ. فَرَجَعَ يُوآبُ عَنْ بَنِي عَمُّونَ وَأَتَى إِلَى أُورُشَلِيمَ.

شعر بنو عمون أن إهانة سفراء داود موجهة إلى الدولة كلها، ملكًا وشعبًا، وأنه لا بُد أن ينتقم داود منهم، فاستأجروا آراميين من ممالك آرام وتحالفوا معهم على محاربة داود. استأجروا آراميين من بيت رحوب وصوبة ومعكة وطوب. هكذا دفعت إساءة الظن إلى حرب طاحنة بين دول وممالك كثيرة!
"بيت رحوب": اسم عبري معناه "بيت موضع رحب أو مفتوح أو بلازا". مدينة في شمال فلسطين، في وادي الأردن الأعلى (عد 13: 2)، تدعى "رحوب". سكنها الآراميون (السريان)، موقعها بقرب "دان" أو "تل القاضي"، كانت في موقع "بنياس" الحالية.
"صوبة" راجع تفسير الأصحاح الثامن.
"معكة" إحدى ممالك آرام دعيت "آرام معكة" أو "سوريا معكة" (1 أي 19: 6-7)، على تخوم فلسطين الشمالي الشرقي بين أرجوب غربًا والبرية شرقًا، سكانها من سلالة ناحور (تك 22: 24). (اسم "معكة" معناه "غبي").
"طوب": معناها "صالح" أو "حسن" أو "طيب". منطقة تقع شرق الأردن، هرب إليها يفتاح لما حرمه إخوته من الميراث (قض 11: 3، 5)، ربما هي أرض تبياس (1 مك 5: 13؛ 2 مك 12: 17)، لعلها هي "الطيبة" التي تبعد 10 أميال جنوبي جدارا Gadara (حاليًا أم قيس أو مقيس).


إذ سمع داود بتحالف هذه الممالك معًا ضده لم يخف وإنما بالأكثر تمسك بوعود الله له، فاستعد للحرب متكئًا على قوة الرب نفسه، قائلًا:
"لماذا ارتجت الأمم وتفكرت الشعوب في الباطل.
قام ملوك الأرض وتآمر الرؤساء معًا على الرب وعلى مسيحه...
الساكن في السموات يضحك. الرب يستهزئ بهم...
إني أخبر من جهة قضاء الرب.
قال لي: أنت ابني. أنا اليوم ولدتك. اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك وأقاصي الأرض ملكًا لك...
فالآن أيها الملوك تعقلوا... (مز 2).
لم يكن ممكنا لداود برجاله المشاة أن يقاوم هذه الممالك المجتمعة التي تحاربه من الجنوب (بني عمون) ومن الشمال (الآراميين) والتي خرجت بمركبات وخيل... إنما اتكل على قوة الله، قائلًا:
"يَا رَبُّ، بِقُوَّتِكَ يَفْرَحُ الْمَلِكُ، وَبِخَلاَصِكَ كَيْفَ لاَ يَبْتَهِجُ جِدًّا؟!" (مز 21: 1).
"هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن فاسم الرب إلهنا نذكر" (مز 21: 1).
رأى داود خلال هذه المعركة التي طرفاها الله نفسه وقوات الظلمة أي إبليس، معركة الصليب حيث تجمعت قوات الظلمة ضد الابن الوحيد الجنس، لذا أنشد قائلًا:
"قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك" (مز 110: 1).


خرج بنو عمون واصطفوا للحرب عند مدخل المدينة، غالبًا "ربّة"، بينما كان الآراميون (السوريون) في السهل (الحقل) مقابل ميديا (1 أي 19: 7) حتى يسهل تحرك مركباتهم.
لو أن يوآب جمع كل رجاله ليحارب بني عمون متجهًا نحو الجنوب لضربه الآراميون من خلف في الشمال، خاصة وأن الآراميين أكثر قوة من بني عمون. بحكمة قسّم يوآب رجاله قسمين، أخذ الجبابرة معه متجهًا نحو الآراميين بينما أخوه أبيشاي متجهًا نحو بني عمون، واتفقا معًا أنه إن ضعف طرف يسنده الآخر.
إذ كان الآراميون مستأجرين لم يستطيعوا الوقوف أمام يوآب ورجاله الأبطال، وبالتالي خاف بنو عمون وهربوا من أمام أبيشاي ودخلوا مدينة ربة قبل أن يبدأ أبيشاي بمحاربتهم. خافوا لأنهم أضعف من الآراميين. لم يلحقهم أبيشاي ولا يوآب بل عاد الاثنان مستحسنين تأجيل الحرب لمدة سنة كاملة (2 صم 11: 1).
اتفاق يوآب مع أخيه أبيشاي أن يكون كل منهما مستعدًا لنجدة الآخر يكشف عن أحد ملامح الجهاد الروحي الحيّ، وهي مساندة العضو لأخيه. لذا أوصى السيد المسيح تلميذه بطرس: "ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك، وأنت متى رجعت ثبت إخوتك" (لو 22: 32). فإن كان الله هو سر نصرتنا وقوتنا يلزمنا بدورنا أن نسند الضعفاء. يقول الرسول بولس: "أسندوا الضعفاء" (1 تس 5: 14).

3. الغلبة على هدر عزر:

15 وَلَمَّا رَأَى أَرَامُ أَنَّهُمْ قَدِ انْكَسَرُوا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، اجْتَمَعُوا مَعًا. 16 وَأَرْسَلَ هَدَرُ عَزَرَ فَأَبْرَزَ أَرَامَ الَّذِي فِي عَبْرِ النَّهْرِ، فَأَتَوْا إِلَى حِيلاَمَ وَأَمَامَهُمْ شُوبَكُ رَئِيسُ جَيْشِ هَدَرِ عَزَرَ. 17 وَلَمَّا أُخْبِرَ دَاوُدُ، جَمَعَ كُلَّ إِسْرَائِيلَ وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ وَجَاءَ إِلَى حِيلاَمَ، فَاصْطَفَّ أَرَامُ لِلِقَاءِ دَاوُدَ وَحَارَبُوهُ. 18 وَهَرَبَ أَرَامُ مِنْ أَمَامِ إِسْرَائِيلَ، وَقَتَلَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ سَبْعَ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَضَرَبَ شُوبَكَ رَئِيسَ جَيْشِهِ فَمَاتَ هُنَاكَ. 19 وَلَمَّا رَأَى جَمِيعُ الْمُلُوكِ، عَبِيدُ هَدَرِ عَزَرَ أَنَّهُمُ انْكَسَرُوا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، صَالَحُوا إِسْرَائِيلَ وَاسْتُعْبِدُوا لَهُمْ، وَخَافَ أَرَامُ أَنْ يُنْجِدُوا بَنِي عَمُّونَ بَعْدُ.

حاول الآراميون أن يردوا اعتبارهم وسمعتهم فتجمعوا من جديد لمحاربة رجال داود؛ وقد بعث إليهم هدر عزر ملك آرام صوبا (2 صم 8: 3) شوبك رئيس جيشه، لكن داود غلبه وقُتل شوبك في الحرب، فخاف الملوك الخاضعون لهدر عزر وتصالحوا مع داود واستعبدوا له ولم يعودوا يساندون بني عمون بعد.


متاعب داود وضعفاته

متاعب داود وضعفاته (2 صم 11-24)

قَدَّم لنا الكتاب المقدس صورة واقعية لشخصية داود النبي والملك، الذي عاش بقلب منفتح نحو الله والناس منذ صُبوَّته، في نقاوة وطهارة، مشتاقًا أن يخدم الله ويمجده في جدية وبغيرة متقدة نارًا، وأن يبذل حياته من أجل الأمانة حتى في رعايته الخراف غير الناطقة. كافأه الله على هذه الحياة الجادة المقدسة واهبًا له كل نجاح حتى تعظم جدًا وكان رب الجنود معه.
استطاع داود أن يقتل أسدًا ودبًا لينقذ خروفًا أو أكثر وأن يقتل بحجر أملس جُليات الجبار الذي يعير صفوف الشعب ويجدف على الله. واجه مقاومة شاول الملك المستمرة ومطاردته بقلب مملوء سماحة وحكمة. قبل وعود الله بصبر واتزان دون تلهف على نوال مجد واستلام المملكة. حين سقط مطارد له كشاول الملك أو منافس كمفيبوشث كان الرجلَ النبيلَ الذي لا يعرف الشماتة بل من أعماق قلبه يرثيه كرجل محبوب لديه...


هذه السيرة العطرة الفريدة من نوعها تكشفت بأعظم جلاء خلال المزامير التي أنشدها بروح الله لتبقى ذخرًا للمؤمنين وعونًا لهم في الحياة المقدسة في الرب.
الآن بعد أن صار ملكًا على كل الأسباط، واستقرت مملكته، وجاء بالتابوت إلى مدينته، في لحظة ضعف تهاون فسقط لتظهر الطبيعة البشرية بأعماق ضعفها في حياة داود العظيم. انهار هذا الجبار وانحدر بالتتالي من خطية إلى أخرى... وكان يظن أنه قادر على إخفاء هذا الضعف فإذا بها تنفضح أمامنا جميعًا عبر الأجيال بعد أن نال تأديبات مُرَّة وحلت به أحزان متوالية خلال كل بقية أيام حياته.
لم يخجل الوحي الإلهي عن تسجيل هذه السقطات في شيء من التفصيل، دون إخفاء للضعف أو تستر عليه حتى ندرك الحاجة إلى التجديد الكامل للطبيعة البشرية، بل الحاجة إلى تدخل الخالق نفسه لتحقيق هذا التجديد.
سقطات داود هي جرس تحذير يدوي عبر الأجيال لكي يتيقظ كل مؤمن وكل خادم -مهما بلغت قامته الروحية أو خبراته عبر السنوات- لئلا يسقط.
سقطات داود ملأته أحزانًا مُرّة لكن بالتوبة تحولت لمجده، فصارت سيرته ومزامير توبته سرّ قيام لكثيرين حطمتهم الخطية وهوى بهم اليأس!

سقوط داود مع بثشبع


هرب بنو عمون أمام أبيشاي ودخلوا مدينتهم الحصينة ربّة، وإذ تمت استعدادات كافية لمحاربتهم عند مدينتهم حتى لا يعودوا يمثلون خطرًا على مملكة داود، أرسل داود يوآب وعبيده للحرب حيث قاموا بتخريب مدن بني عمون وقراها وحاصروا مدينتهم الحصينة ربَّة، أما داود فأقام في أورشليم. استسلم داود للتراخي وتمشى على السطح وترك العنان لعينيه تتطلعان إلى امرأة أخيه فانحدر تدريجيًا حتى ارتكب خطايا بشعة.

1. تراخي داود:

1 وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ، فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ، أَنَّ دَاوُدَ أَرْسَلَ يُوآبَ وَعَبِيدَهُ مَعَهُ وَجَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرَبُوا بَنِي عَمُّونَ وَحَاصَرُوا رِبَّةَ. وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي أُورُشَلِيمَ. 2 وَكَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدًّا.

الخطوة الأولى في السقوط هي التهاون والاسترخاء. لم يسقط داود في مثل هذه الخطية (الزنا) حين كان يُجاهد في صباه وشبابه وهو يرعى الغنم، وحين عمل في البلاط الملكي لدى شاول، وحين صار طريدًا أمام الملك، وأيضًا حين كان ملكًا على سبط واحد، وحين اهتم بخلاص الأسباط جميعها، أما لأن وقد استقرت مملكته وتزايد في المجد وصار له بيت من الأرز ترك الحرب ليوآب رئيس جيشه واسترخى في بيته في أورشليم.


في وقت المساء عوض الصلاة من أجل المجاهدين قام عن سريره وتمشى على سطح البيت "فرأى من على السطح امرأة تستحم وكانت المرأة جميلة المنظر جدًا" [2]...
حياة التراخي خلقت فراغًا في القلب والحواس ليطلب الإنسان شبعًا لحواسه بجمال خارجي.
كثيرًا ما تحدث مار إسحق السرياني عن خطورة التراخي والكسل في حياة المؤمن كما في حياة القائد الروحي، فمن كلماته:
[تراخي أعضاء الجسد يتبعه هيام الأفكار وتشتيتها].
[عندما يتطلع الجسد إلى الترف والأمور العالمية ويرى علل الارتخاء في كل ساعة تلتهب فيه الشهوة المحرقة].
[الإهمال والرخاوة يضرَّان ليس فقط من يخضع لهما وإنما أيضًا من هم تحت قيادته].
[الإنسان الذي يصير في عهدته كنز لا ينام. إنْ راعَيْنا ناموس السهر ومارسنا التمييز بمعرفة، هذه التي نجني منها ثمرة الحياة فإنه لن تقترب إلى ذهننا هجمات الأهواء بأية وسيلة].

2. السقوط التدريجي:

3 فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: «أَلَيْسَتْ هذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟». 4 فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ، فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا. 5 وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى».

"فأرسل داود وسأل عن المرأة، فقال واحد: أليست هذه بثشبع بنت أليعام امرأة أوريا الحثي. فأرسل داود رسلًا وأخذها فدخلت إليه فاضطجع معها وهي مطهرة من طمثها، ثم رجعت إلى بيتها" [3-4].
كان داود قويًا، لم يسقط قط منذ صباه في الزنا، ولا قتل أحدًا بظلم، ولا مال يمينًا أو يسارًا عن الشريعة اللهم إلا في لحظات ضعف بسيطة، كيف يسقط الآن وهو ملك قوي ونبي مختار وقاضٍ عادل للشعب؟!
لعل داود لم يكن يتوقع في نفسه أنه ينحدر يومًا إلى هذا السقوط الشنيع، لكن الخطية خاطئة جدًا ومخادعة للغاية، تعرف كيف تلقي شباكها وفخاخها لتصطاد الجبابرة تدريجيًا. بدأ داود بالتراخي في أورشليم وقت الجهاد، والنوم على سرير الكسل في بيته، ثم بالمشي على السطح عوض الصلاة من أجل رجاله والانسحاق أمام الله من أجل شعبه؛ مال داود ونظر من على السطح ليرى امرأة تستحم في بيتها؛ سأل عنها إذ ربما حسبها فتاة عذراء ليتزوجها، وعرف أنها امرأة أوريا الحثي الذي يحارب من أجل مملكته، بعث إليها رسلًا وأخيرًا سقط معها!!


لقد شلت الشهوة كل تفكير جاد، فقد نسى داود الآتي:
أ. أنه مسيح الرب ونبيّه الذي نال نعمًا إلهية عظيمة؛ فلا يليق به أن يحطم قدسية حياته الداخلية في الرب.
ب. أنه في حالة حرب، وكان يليق به أن ينزل المعركة: كعادته ليبذل ويعطي بفرح من أجل مجد الله وبنيان الجماعة، لا أن يطلب ما لإشباع شهوات جسده.
ج. يغتصب امرأة متزوجة كاسرًا الشريعة التي تطلب قتل الاثنين (لا 20: 10).
د. يخون بطلًا أمينًا يدافع عن مملكته، وهو رجل غريب الجنس متهود.
هذا السقوط سرَّه التهاون بالثعالب الصغيرة المفسدة للكروم (نش 2: 15)، فإن الخطايا الكبيرة - إن صح التعبير - بدايتها إهمال صغير، وبالتدريج ينحدر الإنسان إلى سلسلة من الخطايا.
لقد كان الوقت مساءً [2] حين قام داود عن سريره يتمشى على سطح بيته ويتطلع نحو امرأة تستحم. كان الوقت ملائمًا للسقوط، لأن "شمس البر" قد غرب عنه، وحلت الظلمة حوله فعاش كما في ليل.
ما دام مسيحنا -شمس البر- مشرقًا فينا، فلن يحل بنا مساء، ولا تكتنفنا ظلمة، بل بالحري نصير أبناء نور محفوظين بنعمته من السقوط. يقول الرسول بولس: "وأما أنتم أيها الإخوة فلستم في ظلمة... جميعكم أبناء نور، وأبناء نهار، لسنا من ليل ولا ظلمة... وأما نحن الذين من نهار فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص" (1 تس 5: 4-8).
ارتباطنا بمسيحنا ينير أعماقنا فلا يزحف فكر خبيث إلينا ولا يتسلل لص إلى قلبنا.


لقد تسللت شهوة شريرة إلى أحاسيس داود في المساء، جاءت كضيف - على حد تعبير ناثان النبي (2 صم 12: 4) يُريد أن يأكل ويشبع، فأرسل داود إلى بيت أوريا الحثي يأخذ زوجته الوحيدة بثشبع، يقدمها طعامًا له. طلبها داود لإشباع شهواته مع أن له زوجاته... افترستها شهوته كما افترسته هو أيضًا!
يقول الكتاب أنها "دخلت إليه" [4]، ربما شعرت المرأة بما في قلبه فأغرته وأثارت مشاعره، إذ حسبت ذلك فخرًا لها أن يطلبها ملك عظيم... ومع هذا فإن داود لا يتبرر ولا نُسب له عذر، لأنه هو الذي أرسل يطلبها. لقد استطاع وهو صبي أن يقتل جليات الجبار ويرعب الوثنيين ويرد للشعب كرامته، وها هو أمام شهوته ينكسر في مذلة بين يدي امرأة!
يعلق القديس أغسطينوس عن سقوط داود أمام شهوته الجسدية قائلًا:
[هذا الضعف الذي للجسد يجب أن يكون موضع اعتبار. لتذكر كلمات الرسول: "لا تملكن الخطية في جسدكم المائت" (رو 6: 12). لم يقل: "لا تكن فيكم الخطية"، بل: "لا تملكن الخطية". توجد خطية فيك متى وجدت لذة، وتملك الخطية فيك متى وافقتها. يليق بك أن تلجم اللذة الجسدية النابعة عن مصدر غريب غير شرعي، ولا تتركها متسيبة. لتروضها متحكمًا فيها، لا أن تتركها تتحكم فيك... احذر حتى إن كان ليس فيك شيء يتحرك... هل أنت أقوى من داود...؟
هذه الخطية لم يرتكبها داود حين كان شاول يضطهده... وحين كان مرتبكًا بسبب أعدائه، هاربًا إلى أماكن متنوعة لكي لا يسقط بين أيديهم. لم يشته ما للغير، ولا قتل زوج امرأة بعد أن زنى معها. كان في ضعف من متاعبه، لكنه كان ملتصقًا بالله حينما كان يبدو أكثر بؤسًا. نافعة هي التجارب، إنها مشرط الجراح].

3. علاجه البشري:

5 وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى». 6 فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى يُوآبَ يَقُولُ: «أَرْسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ». فَأَرْسَلَ يُوآبُ أُورِيَّا إِلَى دَاوُدَ. 7 فَأَتَى أُورِيَّا إِلَيْهِ، فَسَأَلَ دَاوُدُ عَنْ سَلاَمَةِ يُوآبَ وَسَلاَمَةِ الشَّعْبِ وَنَجَاحِ الْحَرْبِ. 8 وَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «انْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ وَاغْسِلْ رِجْلَيْكَ». فَخَرَجَ أُورِيَّا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَخَرَجَتْ وَرَاءَهُ حِصَّةٌ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ. 9 وَنَامَ أُورِيَّا عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمَلِكِ مَعَ جَمِيعِ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَلَمْ يَنْزِلْ إِلَى بَيْتِهِ. 10 فأَخْبَرُوا دَاوُدَ قَائِلِينَ: «لَمْ يَنْزِلْ أُورِيَّا إِلَى بَيْتِهِ». فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَمَا جِئْتَ مِنَ السَّفَرِ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَنْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ؟» 11 فَقَالَ أُورِيَّا لِدَاوُدَ: «إِنَّ التَّابُوتَ وَإِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا سَاكِنُونَ فِي الْخِيَامِ، وَسَيِّدِي يُوآبُ وَعَبِيدُ سَيِّدِي نَازِلُونَ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ، وَأَنَا آتِي إِلَى بَيْتِي لآكُلَ وَأَشْرَبَ وَأَضْطَجعَ مَعَ امْرَأَتِي؟ وَحَيَاتِكَ وَحَيَاةِ نَفْسِكَ، لاَ أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ». 12 فَقَالَ دَاوُدُ لأُورِيَّا: «أَقِمْ هُنَا الْيَوْمَ أَيْضًا، وَغَدًا أُطْلِقُكَ». فَأَقَامَ أُورِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ ذلِكَ الْيَوْمَ وَغَدَهُ. 13 وَدَعَاهُ دَاوُدُ فَأَكَلَ أَمَامَهُ وَشَرِبَ وَأَسْكَرَهُ. وَخَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ لِيَضْطَجِعَ فِي مَضْجَعِهِ مَعَ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَإِلَى بَيْتِهِ لَمْ يَنْزِلْ.

بحسب الشريعة كانت بثشبع مستوجبة القتل (لا 20: 10)، لذلك أرسلت إلى الملك ليدبر أمر خلاصها من الموت. أرسل داود إلى رجلها يطلبه من الحرب لينزل إلى بيته، فيُحسب الحمل منه وتختفي آثار الجريمة، لكن أوريا لم يرض أن ينام في بيته ما دام إخوته يجاهدون في الميدان.
لقد وبَّخ الله داود على لسان أوريا دون أن يدري، إذ قال له: "إن التابوت وإسرائيل ويهوذا ساكنون في الخيام وسيدي يوآب وعبيد سيدي نازلون على وجه الصحراء، وأنا آتي إلى بيتي لآكل وأشرب وأضطجع مع امرأتي؟! وحياتك وحياة نفسك لا أفعل هذا الأمر" [11]. لقد حسب أوريا أن إيمانه بالله وقدسية حياته بل وشهامته كرجل حرب بل وإنسانيته، هذه جميعها تمنعه عن أن يدخل بيته في ذلك الوقت ليأكل ويشرب بينما المعركة دائرة. حسب ذلك إهانة لله (المرموز له بالتابوت) وللشعب (إسرائيل) ولسبط الملك (يهوذا) كما لقائده (يوآب) وإخوته في الميدان (عبيد داود) إن استراح في بيته ومارس حتى ما هو شرعي بالنسبة له... إنه وقت للبذل والجهاد لا للتمتع بالحقوق الشخصية! كان هذا توبيخًا لداود فبسقوطه أهان الله وشعبه وسبطه ورجال الحرب كما أهان الصداقة وأساء إلى نفسه!
استخدم داود كل وسيلة لإخفاء جريمته، دعا الرجل حاسبًا أنه يجد في هذه الدعوة فرصة لممارسة العلاقات الجسدية مع زوجته الجميلة، وأصدر الأمر إليه أن يدخل بيته فرفض حبًا في الله وداود وشعبه وتكريمًا لإخوته في الحرب، وأخيرًا أسكره... وحتى بعد سكره لم ينزل إلى بيته [13].

4. تسليم أوريا للموت:

14 وَفِي الصَّبَاحِ كَتَبَ دَاوُدُ مَكْتُوبًا إِلَى يُوآبَ وَأَرْسَلَهُ بِيَدِ أُورِيَّا. 15 وَكَتَبَ فِي الْمَكْتُوبِ يَقُولُ: «اجْعَلُوا أُورِيَّا فِي وَجْهِ الْحَرْبِ الشَّدِيدَةِ، وَارْجِعُوا مِنْ وَرَائِهِ فَيُضْرَبَ وَيَمُوتَ». 16 وَكَانَ فِي مُحَاصَرَةِ يُوآبَ الْمَدِينَةَ أَنَّهُ جَعَلَ أُورِيَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَلِمَ أَنَّ رِجَالَ الْبَأْسِ فِيهِ. 17 فَخَرَجَ رِجَالُ الْمَدِينَةِ وَحَارَبُوا يُوآبَ، فَسَقَطَ بَعْضُ الشَّعْبِ مِنْ عَبِيدِ دَاوُدَ، وَمَاتَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا. 18 فَأَرْسَلَ يُوآبُ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِجَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ. 19 وَأَوْصَى الرَّسُولَ قَائِلًا: «عِنْدَمَا تَفْرَغُ مِنَ الْكَلاَمِ مَعَ الْمَلِكِ عَنْ جَمِيعِ أُمُورِ الْحَرْبِ، 20 فَإِنِ اشْتَعَلَ غَضَبُ الْمَلِكِ، وَقَالَ لَكَ: لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ لِلْقِتَالِ؟ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ مِنْ عَلَى السُّورِ؟ 21 مَنْ قَتَلَ أَبِيمَالِكَ بْنَ يَرُبُّوشَثَ؟ أَلَمْ تَرْمِهِ امْرَأَةٌ بِقِطْعَةِ رَحًى مِنْ عَلَى السُّورِ فَمَاتَ فِي تَابَاصَ؟ لِمَاذَا دَنَوْتُمْ مِنَ السُّورِ؟ فَقُلْ: قَدْ مَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا». 22 فَذَهَبَ الرَّسُولُ وَدَخَلَ وَأَخْبَرَ دَاوُدَ بِكُلِّ مَا أَرْسَلَهُ فِيهِ يُوآبُ. 23 وَقَالَ الرَّسُولُ لِدَاوُدَ: «قَدْ تَجَبَّرَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ وَخَرَجُوا إِلَيْنَا إِلَى الْحَقْلِ فَكُنَّا عَلَيْهِمْ إِلَى مَدْخَلِ الْبَابِ. 24 فَرَمَى الرُّمَاةُ عَبِيدَكَ مِنْ عَلَى السُّورِ، فَمَاتَ الْبَعْضُ مِنْ عَبِيدِ الْمَلِكِ، وَمَاتَ عَبْدُكَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضًا». 25 فَقَالَ دَاوُدُ لِلرَّسُولِ: « هكَذَا تَقُولُ لِيُوآبَ: لاَ يَسُؤْ فِي عَيْنَيْكَ هذَا الأَمْرُ، لأَنَّ السَّيْفَ يَأْكُلُ هذَا وَذَاكَ. شَدِّدْ قِتَالَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْرِبْهَا. وَشَدِّدْهُ». 26 فَلَمَّا سَمِعَتِ امْرَأَةُ أُورِيَّا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ أُورِيَّا رَجُلُهَا، نَدَبَتْ بَعْلَهَا. 27 وَلَمَّا مَضَتِ الْمَنَاحَةُ أَرْسَلَ دَاوُدُ وَضَمَّهَا إِلَى بَيْتِهِ، وَصَارَتْ لَهُ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا. وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.

ضاق الأمر جدًا بداود الجبار فأحدرته الخطية ليسقط في سلسلة مُرَّة من الخطايا البشعة، إذ سلم بطله الأمين خطابًا يحمل رسالة خفية بقتله على يدي الأعداء دون ذنب.


استطاع داود قبلًا أن يدافع عن الحق ويحارب الوثنيين ليعيد للشعب كرامته وقدرته ولو على حساب صالحه الخاص، أما الآن فاستهان بالعدل واحتقر روح الأمانة والإخلاص مسلمًا القائد الأمين ومعه نفوسًا بريئة للموت بأيدي الأعداء لا لسبب سوى ستر فضيحته وإخفاء الحقيقة عن الأعين.
هل أدرك يوآب سر هذه الرسالة المختومة؟
ربما لم يدركها في البداية وكان عليه أن يطيع أمر سيده، لكنه قطعًا فهم ما وراءها عندما تزوج داود بامرأة الرجل بعد انقضاء فترة الحزن مباشرة. لعل يوآب أدرك -منذ البداية- أن وراء الرسالة سرًا خطيرًا، وأن أوريا سيكون ضحية هذا القرار الخفي، لأنه يموت دون محاكمة بلا دفاع من جانبه.
كانت بالنسبة ليوآب فرصة ثمينة ليحقق طلب الملك فلا يعود الملك يذله على قتله لمنافسه أبنير (2 صم 3). شعر داود بنوع من المذله أمام يوآب، لهذا نجد يوآب يتجاسر ويتحدث مع داود بعد قتله أبشالوم كما بسلطان (2 صم 19: 5-8)، وقد حاول عزله من منصبه فلم يقدر فأوصى ابنه سليمان بقتله (1 مل 2: 5-6).
جاء قتل أوريا ظلمًا وأيضًا بعض رجال الحرب وذلك بسبب ارتكاب خطية زنا، هكذا تلتحم القساوة والعنف والظلم مع النجاسة. فالإنسان الساقط تحت ثقل النجاسة تجده عنيفًا وقاسيًا في أعماقه حتى وإن كان له مظهر الرقة والوداعة، والإنسان العنيف في أعماقه ينهار أمام شهوة الجسد في مذلة. العنف والزنا أخوان متلازمان، يسند أحدهما الآخر. كثيرون سقطوا في شهوات الجسد لا لسبب إلا عنفهم؛ فحينما يكون الإنسان عنيفًا مع والديه أو إخوته أو أقربائه أو زملائه يشرب من ثمرة عمله فيصير جسده عنيفًا معه يقاوم كل طهارة أو عفة، وكما يقول عوبديا النبي "كما فعلتَ يُفعل بك، عملك يرتد على رأسك" (عو 15).
نعود إلى داود لنجده قد اشتعل غضبًا بسبب محاولة يوآب اقتحام المدينة والاقتراب منها جدًا، متجاهلًا ما حدث مع أبيمالك بن يربوشت حين قتلته امرأة بإلقاء رحيَ عليه من السور (قض 9: 5-45). أخبروه بأن أوريا الحثي مات فسكن غضبه!
سمعت بثشبع عن موت رجلها فندبته سبعه أيام حسب العادة القديمة (تك 50: 10، 1 صم 31: 13). ثم ضمها داود النبي زوجة له، حاسبًا إن ستارًا قد أسدل على جريمته إلى الأبد، فاستراح ضميره إلى عام كامل.
"وأما الأمر الذي فعله داود فقبح في عين الرب" [27]. الله ليس عنده محاباة، فإن كان داود قد جاهد كثيرًا من أجل الله ولبنيان شعبه لكنه لا يتستر على جريمته هذه، ولا يقبل هذا الفعل الشرير... إنه ينتظر توبته، فإن استكان ضميره يرسل له من يوقظه ويوبخه.
نختم حديثنا بما قاله القديس أغسطينوس في عظته عن المزمور الخمسين (51): [كانت المرأة بعيده لكن الشهوة قريبة (رو 6: 12)]؛ وكأن ما نرتكبه من خطايا ليس هو ثمره الظروف إنما لأننا نُملِّك الخطية فينا، تقودنا وتسحبنا إلى حيث تشاء!


اعتراف داود النبي

عاش داود النبي عامًا كاملًا مع خطيته لم يبكته ضميره عليها بالرغم من خبراته الروحية القديمة ومعرفته للناموس وعمله كقاض للشعب يحكم بالعدل. كان محتاجًا إلى ناثان ليبكته على عمله ويحفزه على الاعتراف بما ارتكبه.

1. ناثان يوبخ داود:

1 فَأَرْسَلَ الرَّبُّ نَاثَانَ إِلَى دَاوُدَ. فَجَاءَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: «كَانَ رَجُلاَنِ فِي مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَاحِدٌ مِنْهُمَا غَنِيٌّ وَالآخَرُ فَقِيرٌ. 2 وَكَانَ لِلْغَنِيِّ غَنَمٌ وَبَقَرٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا. 3 وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ إِلاَّ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ صَغِيرَةٌ قَدِ اقْتَنَاهَا وَرَبَّاهَا وَكَبِرَتْ مَعَهُ وَمَعَ بَنِيهِ جَمِيعًا. تَأْكُلُ مِنْ لُقْمَتِهِ وَتَشْرَبُ مِنْ كَأْسِهِ وَتَنَامُ فِي حِضْنِهِ، وَكَانَتْ لَهُ كَابْنَةٍ. 4 فَجَاءَ ضَيْفٌ إِلَى الرَّجُلِ الْغَنِيِّ، فَعَفَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ غَنَمِهِ وَمِنْ بَقَرِهِ لِيُهَيِّئَ لِلضَّيْفِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ، فَأَخَذَ نَعْجَةَ الرَّجُلِ الْفَقِيرِ وَهَيَّأَ لِلرَّجُلِ الَّذِي جَاءَ إِلَيْهِ». 5 فَحَمِيَ غَضَبُ دَاوُدَ عَلَى الرَّجُلِ جِدًّا، وَقَالَ لِنَاثَانَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ الْفَاعِلُ ذلِكَ، 6 وَيَرُدُّ النَّعْجَةَ أَرْبَعَةَ أَضْعَافٍ لأَنَّهُ فَعَلَ هذَا الأَمْرَ وَلأَنَّهُ لَمْ يُشْفِقْ». 7 فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «أَنْتَ هُوَ الرَّجُلُ! هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: أَنَا مَسَحْتُكَ مَلِكًا عَلَى إِسْرَائِيلَ وَأَنْقَذْتُكَ مِنْ يَدِ شَاوُلَ، 8 وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ سَيِّدِكَ وَنِسَاءَ سَيِّدِكَ فِي حِضْنِكَ، وَأَعْطَيْتُكَ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا. وَإِنْ كَانَ ذلِكَ قَلِيلًا، كُنْتُ أَزِيدُ لَكَ كَذَا وَكَذَا. 9 لِمَاذَا احْتَقَرْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ لِتَعْمَلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيْهِ؟ قَدْ قَتَلْتَ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ بِالسَّيْفِ، وَأَخَذْتَ امْرَأَتَهُ لَكَ امْرَأَةً، وَإِيَّاهُ قَتَلْتَ بِسَيْفِ بَنِي عَمُّونَ.



أرسل الرب ناثان إلى داود ليوقظ ضميره، فروى له قصة الرجل الغني الذي أبَىَ أن يذبح إحدى نعاجه لضيفه، مغتصبًا نعجة الفقير الوحيدة الصغيرة التي اقتناها لنفسه ورباها وكبرت معه مع بنيه جميعًا، أكلت من لقمته وشربت من كأسه، ونامت في حضنه وكانت له كابنة. حمى غضب داود على هذا الغني المغتصب أخاه الفقير وأصدر حكمه: "حيّ هو الرب أن يقتل الرجل الفاعل ذلك، ويرد النعجة أربعة أضعاف، لأنه فعل هذا الأمر ولأنه لم يشفق" [5-6]. أجابه ناثان النبي: "أنت هو الرجل" [7].
الضيف الجائع هي شهوة داود التي ثارت فيه خلال تراخيه وتهاونه مع الخطية، فأراد أن يشبعها باغتصابه بثشبع الصغيرة الوحيدة المحبوبة جدًا لدى رجلها، هذه التي عاشت معه تشاركه حياته وأكله وشربه وسرير نومه، رافقته زمانًا بكل أحاسيسها ومشاعرها، والآن يغتصبها الغني جدًا داود الذي أقامه الله ملكًا والذي تهاون بالناموس بزواجه كثيرات. في كل يوم كان داود يتعظم جدًا لأن رب الجنود كان معه (2 صم 5: 10). كان الله يود أن يقدم له أكثر فأكثر لكنه بخطيته أغلق على نفسه دون فيض النعم المجانية.
بحسب الشريعة لا يُقتل السارق إنما يرد أربعة أضعاف (خر 22: 1؛ لو 19: 8)، لكن ظروف السرقة كما وصفها ناثان (وتنطبق على داود) أغضبت داود جدًا فطلب قتل الرجل دون أن يدرك أنه يحكم على نفسه، خاصة وأنه لم يسرق نعجة وحيدة بل امرأة إنسان مخلص وأمين، اغتصبها في ظروف حرب وقتل رجلها... فماذا يستحق؟
يليق بنا أن نقف قليلًا أمام تصرف ناثان، فقد جاء تصرفًا حكيمًا، وصريحًا، حازمًا، ومملوءًا حبًا. لم يخف أن يتحدث بصراحة وبحزم مع ملك أخفى جريمته بقتل أوريا الحثي، وكان يمكن أن يتعرض ناثان لذات المصير، في جرأة لم يخشَ الملك ولا حاباه،
وكما جاء في الدسقولية: [لا تحابي الوجوه عندما توبخ على خطايا، إنما اعمل مثل إيليا وميخا مع آخاب (1 مل 18: 21-22)، وعبد ملك الأثيوبي مع صدقيا (إر 38، 39)، وناثان مع داود (2 صم 12)، ويوحنا مع هيرودس (مت 14)].
كان صريحًا وحازمًا وأيضًا مملوءًا حبًا... فتح أبواب الرجاء أمام داود الملك.
جاء ناثان ليتحدث مع داود خفية دون أن يقف ليشهر به علانية، وإن كان الله قد سمح بنشر كل ما حدث لأجل خلاصنا. هكذا يليق بنا عند توبيخنا للغير أن نلتقي بهم خلال دائرة الحب والصداقة، لا التشهير العلني أمامهم أو في غيبتهم.
يقول مار إسحق السرياني: [من يصلح أخاه في حجرته الخاصة يشفيه من الشر، أما من يتهم آخر في اجتماع علني فيدمي بالأكثر جراحاته. من يشفي أخاه خفية يعلن قوة حبه، وأما من يجعل أخاه في خزي أمام أصحابه فيبرهن على قوة حسده. الصديق الذي ينتهر آخر في السر هو طبيب حكيم، أما من يرغب في معالجته أمام أعين الكثيرين ففي حقيقته هو شتّام].



2. تأديب داود:

10 وَالآنَ لاَ يُفَارِقُ السَّيْفُ بَيْتَكَ إِلَى الأَبَدِ، لأَنَّكَ احْتَقَرْتَنِي وَأَخَذْتَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ لِتَكُونَ لَكَ امْرَأَةً. 11 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هذِهِ الشَّمْسِ. 12 لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ».

محبة الله لداود دفعته أن يرسل ناثان لإيقاظ ضميره ولتأديبه علانية، فمن الأفضل له أن يُفضح هنا في الزمان الحاضر فيتوب ويرجع إلى الله عن أن يغطي على جراحات النفس فيهلك الإنسان في خطيته أبديًا. لذلك قال ناثان لداود: "والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد، لأنك احتقرتني وأخذت امرأة أوريا الحثي لتكون لك امرأة. هكذا قال الرب. هأنذا أُقيم عليك الشر من بيتك وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس. لأنك أنت فعلت بالسر وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس" [10-12].
يبدو أن هذا التأديب كان قاسيًا للغاية لكنه كان ضروريًا لخلاص نفسه وخلاص الآخرين:
أ. أوضح أن هذا التأديب هو الثمر الطبيعي للخطية، فما يجتنيه داود إنما القليل من ثمار فعله. لقد قتل سرًا فأفاض القتلُ قتالًا. وزنى خفية وأفاض ذلك فسادًا. أما كون التأديب يتحقق داخل بيت داود، فمن جهة مات ابنه الذي من بثشبع، واغتصب أمنون بن داود ثامار أخته (2 صم 13: 1-22) فقتله أخوه أبشالوم (2 صم 13: 23-38)، وقام أبشالوم على أبيه داود ليغتصب منه الملك واضطجع مع سراريه أمام جميع إسرائيل (2 صم 16: 22) وطلب قتل والده (2 صم 17: 2) فقُتل هو (2 صم 18: 14-15)، وقتل أدونيا بأمر أخيه سليمان (1 مل 2: 25)...
هذه جميعها تمت داخل بيت داود لكن يؤكد الله أن ما تم إنما هو ثمر طبيعي داخلي للفساد الذي قبله داود بإرادته.
ب. خلال تأديبات داود التي حلت ببيته أوضح الكتاب المقدس خطورة دور الأسرة وقدسيتها. فما ارتكبه داود أثمر في حياة أولاده، وإن كانوا لا يعاقبون على خطئه، إنما يذوقون هنا مرارة ما ورثوه عن أبيهم. الآباء الفاسدون يقدمون لأبنائهم فسادًا، والمباركون يقدمون لهم البركة.
ج. كانت العقوبة قاسية بالنسبة لداود لأنه قائد، كان يليق به أن يكون مثالًا حيًا لشعبه، لذا صارت عقوبته مضاعفة. فالعقوبة ليست ثمنًا معادلًا للخطية، لكنها تأديب لإصلاح المخطئ ومن هم حوله، تختلف حسب ظروف كل إنسان.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليست العقوبة واحدة لكل الخطايا، بل توجد عقوبات كثيرة ومتنوعة حسب الأوقات والأشخاص ورتبهم وفهمهم وأمور أخرى].
د. لتأكيد أنه ليس عند الله محاباة، فإنه وإن كان قد أقامه نبيًا وملكًا وقاضيًا، وله تاريخ مجيد في حياة مقدسة لكنه متى أخطأ يستوجب التأديب.
يقول القديس إيريناؤس: [الله غير محاب للوجوه، لذا يوقع عقوبة مناسبة على التصرفات التي لا تسره. وذلك كما في حالة داود الذي عانى الاضطهاد من شاول (1 صم 18) من أجل البر، وهرب من الملك شاول ولم يرد أن ينتقم من عدوه، وأنشد بمجيء المسيح، وعلَّم الأمم الحكمة، وفعل كل شيء بإرشاد الروح وسُرّ به الله. لكنه عندما دفعته شهوته ليأخذ بثشبع زوجة أوريا يقول الكتاب: "وأما الأمر الذي فعله داود فقبح في عيني الرب" (2 صم 11: 27). وأرسل إليه ناثان النبي يشير له إلى جريمته حتى يحكم على نفسه ويدين ذاته فينال رحمة ومغفرة من المسيح].

3. توبة داود :

13 فَقَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ: «قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ». فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ. 14 غَيْرَ أَنَّهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ قَدْ جَعَلْتَ بِهذَا الأَمْرِ أَعْدَاءَ الرَّبِّ يَشْمَتُونَ، فَالابْنُ الْمَوْلُودُ لَكَ يَمُوتُ».

دخل داود النبي إلى أعماقه ليكتشف ضعفاته دون تقديم أي مبررات خارجية لنفسه. شعر أنه أخطأ بلا عذر، وحسب خطيته موجهة ليس ضد أوريا الحثي ولا بثشبع وإنما أولًا وقبل كل شيء ضد الله نفسه. لم يخجل كملك عظيم ونبي وقاض ومنظم لأمور العبادة أن يعترف لله في حضرة ناثان النبي قائلًا: "قد أخطأت إلى الرب" [13].


شعر أن الخطية في داخله مُرّة للغاية لذا وجب عليه أن يتقيأها،
وكما يقول مار إسحق السرياني: [تذكر أن كل لذة يتبعها غثيان ومرارة كصديقين متلازمين]. لقد تقيأ المُرّ الذي في داخله في خجل من نفسه ومن خطيته لا من الاعتراف أمام ناثان.
جاءت إجابة ناثان تعلن حب الله الفائق: "الرب... قد نقل عنك خطيتك لا تموت". بحسب الشريعة كان يجب أن يُقتل لكن الله في رحمته عفا عنه فلا يقتل، كما بالتوبة ينعم بالخلاص - خلال الذبيحة المقدسة - فلا يموت بل يتمتع بالحياة الغالبة للموت.
خلال هذه التوبة الصادقة سجل لنا داود النبي الكثير من "مزامير التوبة" مثل (مز 6، 32، 38، 51، 102، 130، 143) يتوّجها المزمور الخمسون (مز 51) الذي ننشده في كل صلاة طالبين مراحم الله بالتوبة الصادقة.
* أيا كنت أنت يامن تخطئ وتتردد في ممارسة التوبة عن خطاياك، يائسًا من خلاصك، اسمع داود يتنهد. لم يُرسَل إليك ناثان، إنما داود نفسه مُرسل لك.
اسمعه يصرخ، واصرخ معه!
اسمعه يتنهد، وتنهد معه!
اسمعه يبكي، واخلط دموعك بدموعه!
اسمعه وهو يصلح نفسه، وافرح معه!
إن كانت الخطية لم تُنْزَع عنك، فلا تنزع الرجاء في المغفرة!
أُرسل ناثان النبي لذلك الرجل، فلاحظ اتضاع الملك، إذ لم يحتقر كلمات النصح المقدمة له، ولم يقل له: كيف تتجاسر وتتحدث معي أنا الملك؟ الملك العظيم أصغى لنبي، ليت شعب (المسيح) المتضع ينصت للمسيح.
* [لأني أنا عارف بإثمي وخطيتي أمامي في كل حين] (مز 50: 3)(51)...


لم تكن خطيته قبلًا أمامه بل خلف ظهره، لم يكن يعرف إثمه... لكن جاء النبي بهذا الهدف أن يأخذ خطيته من وراء ظهره ويضعها أمام عينيه، لكي يرى الحكم المعلن ضده، لكي يفتح جرح قلبه ويداويه. استخدم مبضع (مشرط) لسانه...
القديس أغسطينوس
* داود أيضًا أخطأ [17]، لننظر كيف تاب... لقد غسل الخطية بالاتضاع وندامة القلب وتوبة النفس وعدم السقوط مرة أخرى، وبتذكره الدائم لخطيته، وقبوله كل ما حلَّ به بشكر، وتركه الذين يحزنونه، واحتماله المتآمرين عليه دون مقابلة الشر بالشر بل ومنع الذين يرغبون ذلك...
كان له قلب منسحق به تمتع بغسل خطاياه خلال التوبة والاعتراف.
القديس يوحنا الذهبي الفم
* أزال كل ثقل الخطايا خلال اعتراف كامل بكلمة واحدة.
القديس يوحنا كاسيان
أما عن محبة الله لمؤمنيه فتدفعه للتأديب من أجل بنيانهم:
* لا تنظر إلى الله كمجرد ديَّان بل تطلع أيضًا إلى أمثلة من تصرفاته هذه، إنه كُلِّيُّ الصلاح... تأمله عندما يظهر الرحمة. في مقابل حزمه (قسوته) ضع في الميزان لطفه.
العلامة ترتليان
* تأديب المحبة للإصلاح وليس للنقمة. الإنسان الحكيم البار يتشبه بالله، فإنه لن يؤدب إنسانًا ليرد له الشر وللانتقام، بل ليصلحه أو ليخيف الآخرين.
مار إسحق السرياني
الله محب لأولاده، في محبته يسمح بتأديبهم حتى يدركوا بغضه للخطية. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والتفاسير الأخرى). لقد سمح الله بموت الابن الذي جاء ثمرة الخطية [14]، لا لذنب ارتكبه الطفل وإنما حتى لا يظن من حوله -خاصة الوثنيين- أن عند الله محاباة.

4. موت ابن بثشبع:

15 وَذَهَبَ نَاثَانُ إِلَى بَيْتِهِ. وَضَرَبَ الرَّبُّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ امْرَأَةُ أُورِيَّا لِدَاوُدَ فَثَقِلَ. 16 فَسَأَلَ دَاوُدُ اللهَ مِنْ أَجْلِ الصَّبِيِّ، وَصَامَ دَاوُدُ صَوْمًا، وَدَخَلَ وَبَاتَ مُضْطَجِعًا عَلَى الأَرْضِ. 17 فَقَامَ شُيُوخُ بَيْتِهِ عَلَيْهِ لِيُقِيمُوهُ عَنِ الأَرْضِ فَلَمْ يَشَأْ، وَلَمْ يَأْكُلْ مَعَهُمْ خُبْزًا. 18 وَكَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ أَنَّ الْوَلَدَ مَاتَ، فَخَافَ عَبِيدُ دَاوُدَ أَنْ يُخْبِرُوهُ بِأَنَّ الْوَلَدَ قَدْ مَاتَ لأَنَّهُمْ قَالُوا: «هُوَذَا لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا كَلَّمْنَاهُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِصَوْتِنَا. فَكَيْفَ نَقُولُ لَهُ: قَدْ مَاتَ الْوَلَدُ؟ يَعْمَلُ أَشَرَّ!». 19 وَرَأَى دَاوُدُ عَبِيدَهُ يَتَنَاجَوْنَ، فَفَطِنَ دَاوُدُ أَنَّ الْوَلَدَ قَدْ مَاتَ. فَقَالَ دَاوُدُ لِعَبِيدِهِ: «هَلْ مَاتَ الْوَلَدُ؟» فَقَالُوا: «مَاتَ». 20 فَقَامَ دَاوُدُ عَنِ الأَرْضِ وَاغْتَسَلَ وَادَّهَنَ وَبَدَّلَ ثِيَابَهُ وَدَخَلَ بَيْتَ الرَّبِّ وَسَجَدَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى بَيْتِهِ وَطَلَبَ فَوَضَعُوا لَهُ خُبْزًا فَأَكَلَ. 21 فَقَالَ لَهُ عَبِيدُهُ: «مَا هذَا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلْتَ؟ لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا صُمْتَ وَبَكَيْتَ، وَلَمَّا مَاتَ الْوَلَدُ قُمْتَ وَأَكَلْتَ خُبْزًا». 22 فَقَالَ: «لَمَّا كَانَ الْوَلَدُ حَيًّا صُمْتُ وَبَكَيْتُ لأَنِّي قُلْتُ: مَنْ يَعْلَمُ؟ رُبَّمَا يَرْحَمُنِي الرَّبُّ وَيَحْيَا الْوَلَدُ. 23 وَالآنَ قَدْ مَاتَ، فَلِمَاذَا أَصُومُ؟ هَلْ أَقْدِرُ أَنْ أَرُدَّهُ بَعْدُ؟ أَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِ وَأَمَّا هُوَ فَلاَ يَرْجعُ إِلَيَّ».

مرض الطفل جدًا فتذلل داود من أجل محبته للطفل، وأيضًا لأنه شعر أن موت الطفل علامة غضب الله على والديه. كان يترجى أن الله يشفق على الطفل وعلى والديه، فكان يُصلي صائمًا واضطجع على الأرض [16]. "قام شيوخ بيته عليه ليقيموه عن الأرض فلم يشأ ولم يأكل معهم خبزًا" [17].


في اليوم السابع مات الطفل، وخاف عبيد داود أن يخبروه لِما رأوا فيه من تذلل. رآهم يتناجون فأدرك ما حدث، ولما سألهم أجابوه إن الطفل مات. قام داود عن الأرض اغتسل وتدهَّن وبدَّل ثيابه ودخل بيت الرب وسجد ثم جاء إلى بيته يطلب أن يأكل.
ما أعجب داود النبي الذي أعلن تسليمه الكامل لإرادة الله. لقد تذلل قبلًا طالبًا الرحمة، أما وقد مات الولد فيخضع لإرادة الله قائلًا: "الآن قد مات فلماذا أصوم؟ هل أقدر أن أرده بعد؟ أنا ذاهب إليه وأما هو فلا يرجع إليَّ" [23].
لقد مسح نفسه بالدهن علامة الفرح
إذ يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كانت عادة القدماء أن يمسحوا بدهن باستمرار عندها يكونون في سرور وفرح. هذا ما يراه الإنسان بوضوح في داود ودانيال (دا 10: 3)]. بقدر ما تذلل داود أثناء مرض طفله فرح وتهلل عندما أراد الله له أن يأخذه إليه.
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنها حكمة حقيقية! هذا هو الحب! مهما أحببت ابنك لن تحبه كما يحبه الله].
القلب المنفتح على السماء لا يخاف الموت بل يقبله بفرح كانطلاق نحو المسيح.
* لا تخف الموت، فقد دبر الله إعدادات لتقوم غالبًا الموت.
* ثبت رحيلك في قلبك يا إنسان؛ قل لنفسك على الدوام:
"انظر، الرسول على الأبواب، لقد جاء إليّ.
لماذا أنا متراخٍ؟! إن رحيلي أبدي، هناك لا توجد عودة!".
اعبر الليلة متأملًا في ذلك. تأمل في هذا الفكر خلال النهار. وعندما يأتي وقت الرحيل حيِّهِ ببهجة قائلًا: "تعال في سلام. لقد عرفت أنك قادم، فلم أهمل في أمر ينفعني في الطريق".
مار إسحق السرياني

5. ميلاد سليمان:

24 وَعَزَّى دَاوُدُ بَثْشَبَعَ امْرَأَتَهُ، وَدَخَلَ إِلَيْهَا وَاضْطَجَعَ مَعَهَا فَوَلَدَتِ ابْنًا، فَدَعَا اسْمَهُ سُلَيْمَانَ، وَالرَّبُّ أَحَبَّهُ، 25 وَأَرْسَلَ بِيَدِ نَاثَانَ النَّبِيِّ وَدَعَا اسْمَهُ «يَدِيدِيَّا» مِنْ أَجْلِ الرَّبِّ.

عزى داود بثشبع، فإنه لم يطردها بكونها علة أحزانه ومتاعبه؛ وأنجب منها سليمان (معناه "سالم" أو "صانع سلام"(75))، إذ في أيامه استراحت المملكة من الحروب (1 أي 22: 9).


اختار داود النبي هذا الاسم ربما لكي يعلن أنه وإن كانت الخطية قد أثارت زوابع كثيرة في حياته، لكنه بالتوبة الصادقة والاتكال على مراحم الله استعاد سلامه الداخلي بنواله المغفرة وإن حلَّت به التأديبات من كل جانب.
أحب الله هذا الطفل، وأرسل ناثان حيث دعاه "يديديا" أي "محبوب الله" ليؤكد الله لوالديه أنه وإن مات الطفل الأول للتأديب فالثاني يعلن محبة الله لهما وغفرانه خطيتهما.

6. داود يهزم ربّة:

26 وَحَارَبَ يُوآبُ رِبَّةَ بَنِي عَمُّونَ وَأَخَذَ مَدِينَةَ الْمَمْلَكَةِ. 27 وَأَرْسَلَ يُوآبُ رُسُلًا إِلَى دَاوُدَ يَقُولُ: «قَدْ حَارَبْتُ رِبَّةَ وَأَخَذْتُ أَيْضًا مَدِينَةَ الْمِيَاهِ. 28 فَالآنَ اجْمَعْ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ وَانْزِلْ عَلَى الْمَدِينَةِ وَخُذْهَا لِئَلاَّ آخُذَ أَنَا الْمَدِينَةَ فَيُدْعَى بِاسْمِي عَلَيْهَا». 29 فَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ الشَّعْبِ وَذَهَبَ إِلَى رِبَّةَ وَحَارَبَهَا وَأَخَذَهَا. 30 وَأَخَذَ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، وَوَزْنُهُ وَزْنَةٌ مِنَ الذَّهَبِ مَعَ حَجَرٍ كَرِيمٍ، وَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ كَثِيرَةً جِدًّا. 31 وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِي فِيهَا وَوَضَعَهُمْ تَحْتَ مَنَاشِيرَ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسِ حَدِيدٍ وَأَمَرَّهُمْ فِي أَتُونِ الآجُرِّ، وَهكَذَا صَنَعَ بِجَمِيعِ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ.

عاد الكاتب إلى خبر الحرب مع بني عمون الذي بدأه في (2 صم 11: 1)، حيث هزم يوآب ربّة عاصمة بني عمون. أرسل إلى داود الملك ليأتي ويدخل المدينة حتى تُحسب النصرة لداود وتنسب إليه المدينة كغالب ومنتصر. بالفعل خرج داود وحاربها وأخذ تاج ملكها الذي يزن وزنة ذهب (حوالي 28 رطلًا) مع حجر كريم. لبسه داود، وذلك بأن أمسكه اثنان من العظماء ورفعاه على رأسه بعض الوقت علامة تسلطه على مملكة بني عمون.
تمتع داود بغنائم كثيرة بعد أن قتل شعب المدينة.





 
قديم اليوم, 04:43 PM   رقم المشاركة : ( 199120 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,329,467

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



إحضار تابوت العهد

إذ كان داود يتعظم وكان رب الجنود معه يهبه النصرة والغلبة حتى استقر في أورشليم كعاصمة لمملكته، أراد أن يؤكد أن الرب هو الملك الحقيقي مدبر أمور الشعب وواهبهم الغلبة، لذا فكر في إحضار تابوت العهد إلى أورشليم كعلامة منظورة لقوة الله غير لمنظورة.

موكب التابوت:

1 وَجَمَعَ دَاوُدُ أَيْضًا جَمِيعَ الْمُنْتَخَبِينَ فِي إِسْرَائِيلَ، ثَلاَثِينَ أَلْفًا. 2 وَقَامَ دَاوُدُ وَذَهَبَ هُوَ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ مِنْ بَعَلَةِ يَهُوذَا، لِيُصْعِدُوا مِنْ هُنَاكَ تَابُوتَ اللهِ، الَّذِي يُدْعَى عَلَيْهِ بِالاسْمِ، اسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ، الْجَالِسِ عَلَى الْكَرُوبِيمِ. 3 فَأَرْكَبُوا تَابُوتَ اللهِ عَلَى عَجَلَةٍ جَدِيدَةٍ، وَحَمَلُوهُ مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ الَّذِي فِي الأَكَمَةِ. وَكَانَ عُزَّةُ وَأَخِيُو، ابْنَا أَبِينَادَابَ يَسُوقَانِ الْعَجَلَةَ الْجَدِيدَةَ. 4 فَأَخَذُوهَا مِنْ بَيْتِ أَبِينَادَابَ الَّذِي فِي الأَكَمَةِ مَعَ تَابُوتِ اللهِ. وَكَانَ أَخِيُو يَسِيرُ أَمَامَ التَّابُوتِ، 5 وَدَاوُدُ وَكُلُّ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ يَلْعَبُونَ أَمَامَ الرَّبِّ بِكُلِّ أَنْوَاعِ الآلاَتِ مِنْ خَشَبِ السَّرْوِ، بِالْعِيدَانِ وَبِالرَّبَابِ وَبِالدُّفُوفِ وَبِالْجُنُوكِ وَبِالصُّنُوجِ.

جمع داود ثلاثين إلفًا من المنتخبين، لا ليحاربوا، بل ليحتفلوا بإحضار التابوت إلى أورشليم. اشترك هذا العدد الضخم في الاحتفال تكريمًا لله سر فرح شعبه. هنا تبرز حكمة داود الروحية، إذ لم يرد أن ينشغل الشعب بالنصرة على الأعداء كمجد شخصي له وإنما سحب قلوبهم إلى الله نفسه، لكي تتهلل بالرب مخلصهم الحقيقي.
تابوت العهد كممثل للحضرة الإلهية حمل اسم رب الجنود كقائد حقيقي لشعبه الأبطال روحيًا، الرب الجالس على الكروبيم [2]؛ يظهر مجد الله خلال الكاروبين ليعلن رحمته لشعبه كما من عرش الرحمة أو كرسي الرحمة.


الله هو رب الجنود المهوب، مركبته سماوية هم جماعة الكاروبيم الملتهبون نارًا، يحل وسط شعبه برحمته أبًا مترفقًا يسندهم ويُفِّرح أعماقهم.
بدأ الموكب من "بعلة يهوذا" أو "بعلة" أو "قرية بعل" أو "قرية يعاريم" وهي إحدى مدن الجبعونيين (يش 9: 17) على تخم يهوذا وبنيامين، وُضع فيها التابوت بعد إرجاعه من أرض الفلسطينيين (1 صم 6: 19؛ 7: 2)، يُرَجَّح أنها قرية العنب أو أباغوش، تبعد حوالي 8 أميال شمال غربي أورشليم.
وضعوا التابوت على عجلة جديدة، ربما مقتدين بما فعله الفلسطينيون (1 صم 6: 7)، لكنهم بهذا خالفوا الناموس إذ كان يجب أن يحمله بنو قهات (عد 4: 15) على الأكتاف وليس على عجلة.
كان عُزة وأخيو ابنا أبيناداب (غالبًا كانا حفيديه) يسوقان العجلة؛ أخيو يتقدمها ليقودها بينما كان داود وكل بيت إسرائيل يلعبون بفرح ورقص يعزفون بكل أنواع آلات الطرب أمام الرب، بالرباب والدفوف والصنوج والجنوك (الجنك آلة موسيقية لها طوق من نحاس فيه ثقب، وبالثقب أسلاك معدنية تمتد من جانب إلى جانب، وللطوق مقبض يمسك باليد لتتحرك الأسلاك حيث الثقب واسع).



 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 06:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025