منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25 - 05 - 2025, 10:10 AM   رقم المشاركة : ( 197561 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,326,211

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



vأنت شبعي، أنت كنزي، أنت نُصرتي !
لأفرح وأتهلل بخلاصي بك !
لأركض وأكرز بك، فينعم الكل معي.
أصرخ: اليوم يوم بشارة !
كيف أتراخى، وقد اهتز كل كياني.
كيف أصمت، وقد تحوَّلت حياتي إلى عيدٍ لا ينقطع !
لتملأ فمي بمواعيدك الإلهية، فأُبشِّر بها.
 
قديم 25 - 05 - 2025, 10:15 AM   رقم المشاركة : ( 197562 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,326,211

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يارب أشكرك لأنك أنت أقوى من كل قوة.
أنت حصني وخلاصي فممن أخاف
أمين
 
قديم 25 - 05 - 2025, 10:16 AM   رقم المشاركة : ( 197563 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,326,211

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يارب إلى متى يحاصرني العدو،
ويُفقدني حرية مجد أولاد الله

فكن معي واعني على اعدائي
أمين
 
قديم 25 - 05 - 2025, 10:17 AM   رقم المشاركة : ( 197564 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,326,211

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يارب إلى متى يظنك كأحد آلهة الأمم الباطلة؟!
إلى متى يسخر بك ويذلني

فكن معي واعني على اعدائي
أمين
 
قديم 25 - 05 - 2025, 10:19 AM   رقم المشاركة : ( 197565 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,326,211

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يارب إلى متى أموت جوعَا في الحصار؟!
فساعدني لأقترب إليك فتقترب إليّ

أمين
 
قديم 25 - 05 - 2025, 10:20 AM   رقم المشاركة : ( 197566 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,326,211

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يارب أنت شبعي، أنت كنزي، أنت نُصرتي !
فساعدني لأفرح وأتهلل بخلاصي بك

أمين
 
قديم 25 - 05 - 2025, 10:46 AM   رقم المشاركة : ( 197567 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,326,211

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يارب ساعدني لأركض وأكرز بك
فينعم الكل معي
أمين
 
قديم 25 - 05 - 2025, 10:47 AM   رقم المشاركة : ( 197568 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,326,211

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يارب لتملأ فمي بمواعيدك الإلهية فأُبشِّر بها
أمين
 
قديم 25 - 05 - 2025, 11:27 AM   رقم المشاركة : ( 197569 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,326,211

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


شفاء حَزَقِيَّا وسقوطه في الكبرياء


في الأصحاح السابق رأينا حزقيا الملك بإيمانه الحي وتواضعه مع وضع حياته في يدي الله استطاع أن يغلب سنحاريب ملك أشور، لا بقوة عسكرية ولا بتحالف مع مصر ضد أشور، وإنما بعمل الله الفائق. نال وعدًا ونبوة عن عدم دخول سنحاريب أورشليم وعجزه عن إطلاق سهمٍ يدخل المدينة، وعدم تقدمه بترس أو إقامة مترسة عليها، إنما يرجع في الطريق الذي جاء منها، ويُغتال في معبد الوثن بمدينته بواسطة أيدي ابنيه. الآن يتحدى حزقيا الموت كآخر عدو يواجه الإنسان (1 كو 15: 28)، وينال وعدًا إلهيًا بإضافة خمسة عشر عامًا على عمره. كما طلب علامة من النبي أن الرب يشفيه، ونالها. هذا العظيم في إيمانه هرب من الأسد الذي يجول يزأر، ويفترس من يجده (1 بط 5: 8)، وسقط في خداع الحية، ألا وهو في الكبرياء الباطل، فكشف للعدو أسراره معتزًا ببيته وخزائنه وأسلحته. سقوطه هذا حطَّم بنيه ومملكته حتى بعد موته!

1. مرض حزقيا وشفاؤه

1 فِي تِلْكَ الأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِلْمَوْتِ، فَجَاءَ إِلَيْهِ إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ وَقَالَ لَهُ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَوْصِ بَيْتَكَ لأَنَّكَ تَمُوتُ وَلاَ تَعِيشُ». 2 فَوَجَّهَ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ قَائِلًا: 3 «آهِ يَا رَبُّ، اذْكُرْ كَيْفَ سِرْتُ أَمَامَكَ بِالأَمَانَةِ وَبِقَلْبٍ سَلِيمٍ، وَفَعَلْتُ الْحَسَنَ فِي عَيْنَيْكَ». وَبَكَى حَزَقِيَّا بُكَاءً عَظِيمًا. 4 وَلَمْ يَخْرُجْ إِشَعْيَا إِلَى الْمَدِينَةِ الْوُسْطَى حَتَّى كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ قَائِلًا: 5 «ارْجعْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا رَئِيسِ شَعْبِي: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ. هأَنَذَا أَشْفِيكَ. فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ. 6 وَأَزِيدُ عَلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً، وَأُنْقِذُكَ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ مَعَ هذِهِ الْمَدِينَةِ، وَأُحَامِي عَنْ هذِهِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي».

فِي تِلْكَ الأَيَّامِ مَرِضَ حَزَقِيَّا لِلْمَوْتِ.
فَجَاءَ إِلَيْهِ إِشَعْيَا بْنُ آمُوصَ النَّبِيُّ وَقَالَ لَهُ :
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَوْصِ بَيْتَكَ،
لأَنَّكَ تَمُوتُ وَلاَ تَعِيشُ. [1]
واضح من الآية 6 أن مرض حزقيا كان في فترة غزو سنحاريب الأشوري على المدينة المذكورة في (2 مل 18).
ربما يتساءل البعض: هل يُغَيِّر الله قراره الخاص بتحديد حياة حزقيا الملك وإعلانه له على لسان إشعياء النبي؟ ما أعلنه الله لإشعياء على لسان النبي لم يكن قرارًا إلهيًا، إنما هو إعلان عما كان يلزم أن يتم حسب قوانين الطبيعة التي وضعها الله والتي من حق الله أن يُغَيِّرها إن أراد. أما أن يمتد عمر حزقيا الملك فقد كان معروفًا لدى الله، ولم يعلنه إلا كثمرة لتواضع الملك وصراخه لله. فالله لم يُغَيِّر إرادته، إنما قدَّم للملك ما هو فائق للقوانين الطبيعية، فبحسب المرض المُصاب به كان سيموت، لكن الله الذي سمح له بالمرض وهبه الشفاء.
v أتريد أن تعرف ما هي قوة التوبة؟
أتريد أن تعلم سلاح الخلاص القوي، وتدرك قوة الاعتراف؟
بالاعتراف ضرب حزقيا خمسة وثمانين ألفًا ومائة من أعدائه (2 مل 19: 35). يا له من أمرٍ عظيمٍ، لكنه يُحسَب قليلاً بالنسبة لما أذكره لك. إذ بالتوبة استطاع الملك أن يحصل على تغيير في القول الإلهي الذي نطق به فعلاً. إذ لما مرض قال له إشعياء: "أوصِ بيتك، لأنك تموت ولا تعيش" [1]. هل يمكن أن يقوم استثناء بعد، أو يوجد رجاء شفاء بعدما قال له النبي: "لأنك تموت"؟!
لكن حزقيا لم يكف عن التوبة. وبتذكره ما هو مكتوب: [متى رجعت وبكيت تخلص] (راجع إش 30: 15)، اتجه بوجهه إلى الحائط وهو على سريره، رافعًا ذهنه إلى السماء (حيث لا تعوق الحائط بلوغ الصلوات بورعٍ إلى السماء) وقال: [اذكرني يا رب. يكفي أن تذكرني فأُشفى] (راجع إشعياء 38) إنك لا تخضع للزمان، بل أنت خالق القانون. أنت واهب قانون الحياة وتدبيرها حسب إرادتك، إذ لا تعتمد حياتنا على يوم ميلادنا، ولا على اقتران النجوم معًا في برجٍ واحد كما يظن البعض في غباوة.
القديس كيرلس الأورشليمي
يرى الآباءأن الله يُحدِّد عُمْرَ الإنسان بحكمته الإلهية التي تفوق الفكر البشري، كما وضع قوانين طبيعة تؤثر على عمره، وإن كان الله وهو واضع القوانين يمكن أن يتخطاها من أجل محبته للإنسان. توجد أيضًا عوامل كثيرة من بينها حياة الإنسان الروحية، فيسمح للبار كما للشرير بأن يعيش لمدة طويلة أو قصيرة لإعطاء كل فرصة لتوبة الإنسان وخلاص نفسه وتمتعه بالمجد هو أو الجماعة المنتمي إليها، أو التي حوله.
v [الذين يؤخذون قبل الوقت، حيث يفيض الغمر على أساسهم] (راجع أي 22: 16)... كل إنسان يؤخذ من هذه الحياة في وقت سبق معرفته قبل الزمن بسلطان إلهي. لكن يلزم معرفة أن الله القدير، في خلقته لنا وتدبير أمورنا، يُعَيِّن حدود (حياتنا) حسب استحقاق كل أحدٍ. فقد يلزم الشرير أن يعيش وقتًا قصيرًا، لئلا يسيء إلى كثيرين يسلكون باستقامة، وقد يلزم أن يبقى الإنسان الصالح مدة أطول في الحياة، حتى يكون معينًا في أعمال صالحة لكثيرين.
مرة أخرى فإن الشرير يلزم أن يبقى مدة أطول في الحياة حتى يضيف أعمالاً شريرة إلى أعماله. وهكذا البار قد يمارس حياة صادقة تتطهر بامتحانه، أو يلزم سحب الإنسان الصالح بأكثر سرعة، لئلا إن عاش أكثر، قد تفسد براءته.
لكن ليوضع في الاعتبار إن رآفات الله هي التي تهب الخطاة فرصة للتوبة. على أي الأحوال قد تُوهَب لهم أزمنة ولا يرجعون، ليحملوا ثمار الندامة، بل يخدمون الشر، وبرحمة الله ينالون الأزمنة لعلهم يتخلون عن تصرفاتهم.
بالرغم من أن الله القدير يعرف مسبقًا وقت موت كل أحدٍ، متى تنتهي حياته، لا يقدر أحد أن يموت قبل أوانه، بل في الوقت المُعيَّن لموته، فإنه إن كان قد أُضيف إلى حياة حزقيا خمسة عشر عامًا (2 مل 20؛ إش 38)، فإن زمن حياته بالحقيقة زاد عن النهاية التي كان يستحقها، وقد سبق فعرف الله وقته في هذه اللحظة والتي فيما بعد يسحبه من الحياة الحاضرة.
هذا الأمر هكذا: ماذا يعني [يُقطَع الأشرار قبل أوانهم] سوى أن كل أولئك الذين يحبون الحياة الحاضرة يعدون أنفسهم لفترات أطول من تلك الحياة؟ وعندما يسحبهم الموت من الحياة الحاضرة، فإن الفترات الطويلة لحياتهم التي اعتادوا أن يتخيلوها تكون قد سُحبت منهم، إنها تُقطع إربًا. بحق قيل عن هؤلاء: "أساسهم قد أفاض بطوفان"...
وُصف قايين إنه أول من أسس مدينة على الأرض (تك 4: 17)، وهو بهذا أكد بوضوح أنه غريب، حيث كان غريبًا عن الثبات في العالم الأبدي، فأنشأ أساسًا على الأرض. بكونه غريبًا عن الأمور العلوية وضع استقراره في أساسٍ لأمورٍ سفلية، ووضع استقرار قلبه في اللذة الأرضية.
البابا غريغوريوس (الكبير)
v طول أناة الخالق ستدين مرقيون، أقصد صبره في انتظار توبة الخاطي لا موته، إذ يريد رحمة لا ذبيحة (هو 6:6)، محوِّلاً نظره عن أهل نينوى، نازعًا الدمار الذي نطق به بالفعل ضدهم (يونان 3: 10)، واهبًا لدموع حزقيا امتدادًا لحياته.
العلامة ترتليان
فَوَجَّهَ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ،
وَصَلَّى إِلَى الرَّبِّ قَائِلًا: [2]
على نقيض أخزيا عندما مرض، لجأ حزقيا إلى رجل الله إشعياء، وليس بعل زبوب إله عقرون (2 مل 1: 1-2). فقد اتسم حزقيا بأنه رجل صلاة (2 مل 19: 1، 14-15).
آمن حزقيا الملك أنه ليس من وجه للمقارنة بين أسلحته وأسلحة أشور، ولا بين إمكانياته العسكرية وإمكانيات أشور، لكن لا تتوقف المعركة على كمية الأسلحة أو قدرتها والخطط العسكرية، وإنما على وجه الله الذي يديره نحو شعبه، فيتمتعون بالنصرة، أو يديره عنهم، فتفقد الأسلحة التي بين أيديهم قدرتها ورسالتها، وتتحول من الحماية ضد العدو إلى الاتجاه المضاد. كما أن كل الأمور تعمل للخير للذين يحبون الله (رو 8: 28)، هكذا كل الأمور تتحول للهلاك للذين يجحدون الله، وللنصرة للذين يتقونه!
آهِ يَا رَبُّ، اذْكُرْ كَيْفَ سِرْتُ أَمَامَكَ بِالأَمَانَةِ وَبِقَلْبٍ سَلِيمٍ،
وَفَعَلْتُ الْحَسَنَ فِي عَيْنَيْكَ.
وَبَكَى حَزَقِيَّا بُكَاءً عَظِيمًا. [3]
لعل السبب الرئيسي أنه لم يكن بعد قد وُلد منسى (2 مل 21: 1)، فلم يوجد من يخلفه على العرش، الأمر الذي أرْبَكَه، إذ كيف يتحقق الوعد لبيت داود أنه يبقى إلى الأبد. في هذا يضعف حزقيا جدًا على خلاف إبراهيم الذي قدَّم ابنه ذبيحة دون خوف، واثقًا أن وعد الله يتحقق حتمًا، مؤمنًا بالله القادر أن يُقيمه من الأموات. لقد أنجب حزقيا بعد ذلك "منسى" محب عبادة الأوثان الذي أثار غضب الله على يهوذا (2 مل 23: 26).
على أي الأحوال كان حزقيا رجل صلاة، لم يفقِد الخبر رجاءه في الرب، بل عرف كيف يُصلي ويُصارع. لقد وجَّه وجهه إلى الحائط، ربما متجهًا نحو الهيكل كعادة اليهود، ليُصلي إلى الرب قائلاً: "آه يا رب اذكر كيف سرتُ أمامك بالأمانة وبقلبٍ سليمٍ (كاملٍ) وفعلتُ الحسن في عينيك". تطلع حزقيا إلى حياته بكونها رحلة خلالها سار مع الله (تك 5: 24؛ 1 مل 9: 4) بإخلاص لا في كمال مطلق، وإنما هادفًا نحو الكمال (مت 5: 48)، بفكرٍ واحدٍ غير مترددٍ ولا منحرفٍ. لقد بكى حزقيا بكاءً عظيمًا.
فريكنديوس Verecundus وهو كاتب أفريقي، مات سنة 522م اهتم بمناقشة الفصول الثلاثة التي تحمل فكرًا نسطوريًا، يقول إن الله في رحمته تطلع إلى حزقيا ليس فقط لينزع عنه هلاك الموت الذي أوشك أن يحل به، بل أضاف إلى حياته خمس عشرة سنة، فسبَّح بالتسبحة الواردة في (إشعياء 38: 10-20).
ختم حزقيا تسبحته بوعدٍ قدَّمه ذبيحة شكر لله شافيه، قائلاً: "الرب لخلاصي. فنعزف بأوتارنا كل أيام حياتنا في بيت الرب" (إش 38: 20).
حزقيا الملك كرجل صلاة سلك في الرب، إذ يقول: "آه يا رب، اذكر كيف سرتُ أمامك". بكل أمانة سلك حزقيا كمن هو في حضرة الرب يخدمه (تث 5: 30-33؛ 30: 15-16). ما كان يشغله في شدة مرضه، لا سلطانه ولا غناه وثروته ولا مباهجه، إنما التصاقه بالله بأمانة.
v إذ سمع أنه يموت، لم يصلِّ حزقيا لكي يمنحه سنين أكثر، بل أن يسمح له أن يقف أمام حكم الله كما يشتاق، فقد عرف أن سليمان أرضَى الله بعدم سؤاله أن يهبه حياة أطول. إذ كان يُعد للرحلة إلى الرب استعرض أعماله، كيف سار أمام الرب في الحق وكمال القلب.
سعيد هو الضمير الذي يتذكر الأعمال الصالحة في وقت الضيق. "طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8)، أو كما هو مكتوب في موضع آخر: [من يتمجد في نقاوة قلبه؟] (راجع أم 20: 9).
هذا هو التفسير: يُنسَب إليه كمال القلب، لأنه حطَّم الأصنام، وأزال أواني البعل من الهيكل (2 مل 23: 4)، وسحق الحية النحاسية (2 مل 18: 4)، وصنع أمورًا أخرى يذكرها الكتاب.
القديس جيروم
v ليس شيء أكثر مسرة من الضمير القويم والرجاء الصالح.
إن كنتَ تريدُ أن تتعلم هذا، لتسأل ذاك الذي في لحظات رحيله وقد شاخ؛ فإننا إن ذكرناه بالولائم الفخمة التي تمتع بها، والمجد والكرامة والأعمال الصالحة التي مارسها يومًا ما وصنعها، إن سألناه: ماذا يبهجك بالأكثر، فإننا نراه يخجل من الأمور الأخرى ويغطي وجهه، أما في هذه فيطير ويثب متهللاً. هكذا حزقيا أيضًا عندما كان مريضًا لم يتذكر الولائم الفخمة والمجد أو الحياة الملوكية بل البرّ، إذ يقول: "اذكر كيف سرت أمامك بالأمانة".
القدِّيس يوحنا الذهبيّ الفم
وَلَمْ يَخْرُجْ إِشَعْيَا إِلَى الْمَدِينَةِ الْوُسْطَى،
حَتَّى كَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَيْهِ قَائِلًا: [4]
مع تقوى حزقيا الملك وصلواته الحارة، تحدث الله معه خلال نبيه إشعياء، كما تحدث مع يربعام الثاني خلال يونان النبي (2 مل 14: 25). فالعلاقة الشخصية مع الله والحب الناري في قلب المؤمن لا يعني عزله عن التدبير الكنسي.
ارْجِعْ وَقُلْ لِحَزَقِيَّا رَئِيسِ شَعْبِي:
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ دَاوُدَ أَبِيكَ:
قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ.
قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ.
هَئَنَذَا أَشْفِيكَ.
فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ تَصْعَدُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ. [5]
صدر الأمر الإلهي إلى إشعياء أن يذهب إلى الملك ليخبره: "هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ دَاوُدَ أَبِيكَ: قَدْ سَمِعْتُ صَلاَتَكَ. قَدْ رَأَيْتُ دُمُوعَكَ. هأَنَذَا أُضِيفُ إِلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً". جاءت الإجابة سريعة جدًا؛ ربما تحدث الله مع إشعياء فمًا لفم قبل خروجه من القصر الملكي بينما كان يُعطي نصائح روحية لرجال القصر لتهيئة الجو بعد موت الملك.
على مدى مائة عام من تاريخ يهوذا (732-640 ق.م) كان حزقيا الملك الوحيد الأمين في علاقته بالله. وبسبب إيمانه وصلاته ودموعه شفاه وأنقذ بلده من الأشوريين وأطال عمره.
v إنه (الآب) أيضًا [أب المراحم] (2 كو 1: 3). وُصف في الأنبياء "مملوء حنوًا ولطفًا وسخيًا في الرحمة" (مز 86: 15؛ 112: 4؛ 145: 8؛ يون 4: 2).
في يونان تجدون عمل الرحمة الرائع الذي أظهره لأهل نينوى المصلِّين (يون 3: 8). وكيف كان تصرفه (الثابت) أمام دموع حزقيا [3-4]. كيف كان مستعدًا أن يغفر لأخآب زوج إيزابل دم نابوت، عندما هدأ من غضب (الله)، (1 مل 21: 27، 29). كيف غفر فورًا لداود عند اعترافه بخطاياه (2 صم 12: 13)، مفضلاً طبعًا بالحقيقة توبة الخاطي عن موته، وذلك من أجل رحمته المملوءة حنوًا (حز 33: 11).
v لنستعر كلمات الرسول هذه التي كانت أمثلة لنا (1 كو 10: 6)؛ وقد كُتبت لكي نؤمن أن الرب أكثر قوة عن كل النواميس الطبيعية الخاصة بالجسد كما يظهر (الرب) نفسه حافظًا الجسد.
العلامة ترتليان
v البكاء وحده يقود للضحك المطوّب!
العلامة أوريجينوس
v توجد معمودية (خامسة) وهي عاملة بالأكثر، معمودية الدموع حيث كان داود يُعوِّم كل ليلة سريره، ويغسل فراشه بدموعه.
القديس غريغوريوس النزينزي
v من يقتني فرحًا عظيمًا إلا ذاك الذي يبكي كثيرًا، وكأنه ينال نعمة المجد العتيد بثمن دموعه؟!
القديس أمبروسيوس
v كثرة حزن الدموع هي موهبة من الله، تُعطَى باجتهاد طلبات السائل.
القديس يوحنا التبايسي
وَأَزِيدُ عَلَى أَيَّامِكَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً،
وَأُنْقِذُكَ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ مَعَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ،
وَأُحَامِي عَنْ هَذِهِ الْمَدِينَةِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِي، وَمِنْ أَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي. [6]
غيَّر الرب كلماته –إن صح التعبير– التي قالها لحزقيا بواسطة إشعياء من أجل صلواته ودموعه الصادرة من أعماق قلبه.
أي شيء أوضح من هذا البرهان أنه خلال رحمة الرب وصلاحه يبدو كمن يكسر كلمته، وعوض ما سبق أن أعده بتحديد موعد الموت حسب قوانين الطبيعة التي وضعها، أضاف 15 عامًا لحياته، عوض الإصرار على قرارٍ لا رجعة فيه؟[12]
يرى القديس أغسطينوس أن حزقيا كان يجب أن يموت خلال المسببات الطبيعية مثل المرض، لكنه أضاف 15 عامًا إلى حياته، هذه الإضافة يَعرِفها الله قبل تأسيس العالم، محتفظًا بها في إرادته. ما فعله من إضافة حقَّق ما في خطة الله إذ يعلم ما كان سيفعله حزقيا وما كان يهبه الله إياه.
ما يشغل ذهننا ليس البحث في هل الله كان قد سبق فحدَّد عمر حزقيا ثم تراجع عنه بإضافة 15عامًا إليه، وإنما إدراك قوة الصلاة بروح التوبة في حياتنا، فقد وهبته حياة بعدما كان يجب أن يموت حسب قوانين الطبيعة. الصلاة بكونها التصاق بالله واهب الحياة قادرة على كل شيءٍ، وغالبة للموت، موت الخطية.
v أي شيء أكثر وضوحًا من هذا البرهان، أنه من أجل الرحمة والصلاح يُغَيِّر الرب كلمته، وبدلاً من الترتيب المسبق الخاص بالموت يمد حياة ذاك الذي صلَّى خمسة عشر عامًا، مفضِّلاً ذلك عن أن يوجد جامدًا بعدم تغيير قراره؟
بنفس الطريقة أيضًا جاءت العبارة الإلهية لأهل نينوى: [بعد ثلاثة أيام تهلك نينوى] (يون 3: 4) LXX. لطَّف من هذه العبارة القاسية المفاجئة بتوبتهم وصومهم، وتحوَّلت الرحمة مع الصلاح لمعالجة الأمر بسهولة.
الأب يوسف
v إذ ضُرب حزقيا بالخوف الشديد المفاجئ عند اقتراب الموت جلبت له دموعه وصلواته تأجيلاً مؤقتًا لموته لمدة خمسة عشر عامًا (2 مل 20؛ إش 38).
القديس جيروم

2. إشعياء يصف له الدواء

فَقَالَ إِشَعْيَا: «خُذُوا قُرْصَ تِينٍ»
فَأَخَذُوهَا وَوَضَعُوهَا عَلَى الدَّبْلِ فَبَرِئَ. [7]

ورد استخدام التين في حالة القروح في سجلات الشرق الأوسط قديمًا. ذكرت في لوحات ترجع إلى القرن العشرين ق. م في أيام رأس شمرا. وفي حديث القديس باسيليوس الكبير عن عدم رذل فن الطب بسبب إساءة البعض استخدامه، أشار إلى طلب إشعياء النبي استخدام التين في شفاء حزقيا الملك.
v ليس بسبب عدم استفادة بعض الخطاة من فن الطب ننكر كل المزايا الصادرة عنه. لأنه يليق بنا ألا نرذل كل الفنون مجتمعة لمجرد إساءة استخدامها بواسطة طالبي اللذة بلا ضابط لصناعة الطهي أو الخبز أو النسيج، إذ يمارسونها من أجل لذَّاتهم الخاصة متعدين حدود الحاجة الضرورية. على العكس فإننا نظهر إساءتهم لاستخدامها في الحدود النافعة، وذلك باستخدامنا لها بقدرٍ سليمٍ. هكذا باستخدامنا صناعة الطب ينبغي علينا ألا نُسيء إلى من قدَّم الموهبة الإلهية بسوء استخدامنا لها، فلا نضع رجاءنا في الشفاء في يد الطبيب...
هذا ما نلاحظه لدى بعض الأشقياء الذين لا يترددون في دعوة أطبائهم "مُخَلِّصينْ" saviors لهم. على الجانب الآخر، فإن جحد المنافع الصادرة عن هذا الفن تمامًا هو علامة على شر طبيعتنا.
لم يظن حزقيا في قرص التين (2 مل 7:20) أنه وحده علة شفائه، ولا حسب هذه الثمرة هي مصدر شفاء جسده، بل مجد الله، شاكرًا إياه لخلقه التين.
القديس باسيليوس الكبير
v تشير الكرمة في مواضع ليست بقليلة إلى الرب نفسه، وتشير شجرة التين إلى الروح القدس، إذ يجعل الرب قلوب البشر مبتهجة (مز 103: 5)، والروح يشفيها. لقد أُمر حزقيال أن يصنع لزقة بكتلة من التين، الذي هو ثمرة الروح، فيُشفَى. بحسب الرسول هذا الشفاء يبدأ بالحب. إذ يقول: "ثمر الروح محبة فرح سلام طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف" (غل 5: 22-23). بسبب المسرة العظيمة التي لهذه الثمار يدعوها النبي تينًا روحيًا. لهذا يقول أيضًا ميخا: "يجلسون كل واحدٍ تحت كرمته وتحت تينته، ولا يكون من يرعب" (مي 4: 4). الآن، من المؤكد أن الذين يلجأون إلى الروح ويستريحون تحته، وتحت ظل الكلمة، لن يرتعبوا ولا يخشون من يقلق قلوب البشر.
الأب ميثوديوس

3. علامة من الرب على شفائه

8 وَقَالَ حَزَقِيَّا لإِشَعْيَا: «مَا الْعَلاَمَةُ أَنَّ الرَّبَّ يَشْفِينِي فَأَصْعَدَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ؟» 9 فَقَالَ إِشَعْيَا: «هذِهِ لَكَ عَلاَمَةٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ يَفْعَلُ الأَمْرَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ: هَلْ يَسِيرُ الظِّلُّ عَشْرَ دَرَجَاتٍ أَوْ يَرْجعُ عَشْرَ دَرَجَاتٍ؟». 10 فَقَالَ حَزَقِيَّا: «إِنَّهُ يَسِيرٌ عَلَى الظِّلِّ أَنْ يَمْتَدَّ عَشْرَ دَرَجَاتٍ. لاَ! بَلْ يَرْجعُ الظِّلُّ إِلَى الْوَرَاءِ عَشْرَ دَرَجَاتٍ!». 11 فَدَعَا إِشَعْيَا النَّبِيُّ الرَّبَّ، فَأَرْجَعَ الظِّلَّ بِالدَّرَجَاتِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا بِدَرَجَاتِ آحَازَ عَشْرَ دَرَجَاتٍ إِلَى الْوَرَاءِ.

وَقَالَ حَزَقِيَّا لإِشَعْيَا:
مَا الْعَلاَمَةُ أَنَّ الرَّبَّ يَشْفِينِي فَأَصْعَدَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ؟ [8]
فَقَالَ إِشَعْيَا: هَذِهِ لَكَ عَلاَمَةٌ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ يَفْعَلُ الأَمْرَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ:
هَلْ يَسِيرُ الظِّلُّ عَشَرَ دَرَجَاتٍ أَوْ يَرْجِعُ عَشَرَ دَرَجَاتٍ؟ [9]
يظهر شوق حزقيا الملك للشفاء وإطالة عمره من طلبه علامة من الرب أنه يحقق له ما وعده به عن طريق رجل الله إشعياء النبي. يرى البعض أن هذه العطية وُهبت له، لأنه لم يكن لدى حزقيا ابن يستلم العرش، إذا استلم ابنه العرش وهو في اثنتي عشرة سنة من عمره (2 مل 21: 1)، أي وُلد خلال هذه الخمسة عشر عامًا. وإن كان للأسف قد أفسد منسى الأعمال الصالحة في الرب التي حققها أبوه حزقيا. فإصرار حزقيا على هذا الطلب لم يكن للبنيان. هذا، ومن جانب آخر إذ شُفي الملك وجاء مندوبو ملك بابل يقدمون له هدايا ويكرمونه سقط في كبرياءٍ باطل كما نرى في هذا الأصحاح. وكأنه يليق بنا أن تكون طلباتنا حسب مشيئة الله، نُسَلِّمه أمورنا، لأننا لا نعرف ما هو لبنياننا وبنيان الآخرين.
طلب حزقيا الملك علامة أخرى من الرب على أنه يفعل ما تكلم بخصوص شفائه.
فَقَالَ حَزَقِيَّا: إِنَّهُ يَسِيرٌ عَلَى الظِّلِّ أَنْ يَمْتَدَّ عَشَرَ دَرَجَاتٍ.
لاَ! بَلْ يَرْجِعُ الظِّلُّ إِلَى الْوَرَاءِ عَشَرَ دَرَجَاتٍ! [10]
تُسمى مزولة آحاز "بدرجات آحاز" أو "سلم آحاز"، فقد كانت مزولة المصريين في ذلك العصر عبارة عن سلالم صغيرة يصعد عليها الظل وينزل.
يمكننا أن نستنتج مما ورد في (2 أي 32: 31) أن هذا الحدث فائق للطبيعة. لذلك بلغ خبره إلى البابليين الذين انشغلوا بالفلك، وكانوا يعبدون الكواكب، ويهتمون بتحركاتها. فقد أدركوا أن أمرًا غريبًا غير طبيعي قد حدث في تحركات الكواكب، وإذ بحثوا الأمر سمعوا عما حدث مع حزقيا الملك، وأبلغوا ملكهم بذلك[18].
فَدَعَا إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ الرَّبَّ،
فَأَرْجَعَ الظِّلَّ بِالدَّرَجَاتِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا بِدَرَجَاتِ آحَازَ
عَشْرَ دَرَجَاتٍ إِلَى الْوَرَاءِ. [11]
سمع الله لصلاة حزقيا، وتطلع إلى دموعه، وتذكر وعده مع داود أبيه، إذ يذكر الله عهده مع الأب لدى أبنائه (خر 20: 5؛ مز 89: 28-29). أعطاه سؤل قلبه، ما نطق به بلسانه وما تحدث به بقلبه: وهبه طول العمر، وخلاصًا من ملك أشور، وحماية عن مدينته أو عاصمة مُلْكِه أورشليم.
أعطاه الرب علامة كطلبه، فقد اختلف حزقيا عن أبيه الشرير الذي رفض أن يطلب علامة من الله (إش 7: 10-12).
الله أب كل الأنوار يُحرِّك الشمس ويوجهها لأجل بنياننا. جاءت العلامة الإلهية لتأكيد تحقيق الوعد الإلهي هكذا: رجوع الشمس عشر درجات [8، 9]. يرى البعض أنها مجرد تراجع للظل على الدرجات التي تقود إلى "بلكونة" في القصر أو تقود إلى العلية. ويرى البعض أنها كسوف للشمس حدث في 11 يناير 689 ق.م.[19] الشمس هي المقياس الصادق للزمن، وهي في يد الله محرِّك التاريخ والأحداث والزمن نفسه، استخدمها علامة في أيام يشوع (يش 10: 12)، وأيضًا في أيام حزقيا، وعند صُلب رب المجد، وقبل مجيئه الأخير حيث تظلم الشمس.
كاستجابة لصلاة إشعياء النبي من أجل حزقيال أوقف الرب قوانين الطبيعة، وعاد بالزمن إلى الوراء، هذا الذي كان يُقاس برجوع درجات الشمس.
قيل: "الآمر الشّمس فلا تشرق، ويختم على النجوم" (أي 9: 7). لا يتوقع أحد ما ألا تشرق الشمس في موعدها، إذ وضع لها الرب قوانين ثابتة. لكنه إن شاء فلا تشرق. مرة أمر أن تقف لخدمة شعبه فوقفت (يش 10: 12). ما حدث في أيام يشوع بن نون يعلن عمل الله العجيب خلال خدامه
وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [إن كانت الشمس قد توقفت في جبعون، والقمر في وادي إيلون إلاَّ أن هذا العمل ليس عمل ابن نون، بل عمل الرب الذي سمع الصلاة، هذا الذي انتهر البحر، وعلى الصليب جعل الشمس تظلم (مت 27: 45).] هكذا أيضًا بالنسبة للنجوم، فهو وحده يقدر أن يختمها أو يخفيها عن أعيننا. الله بإرادته يحفظ نظام سير الطبيعة كامتداد لعملية الخلق، وكعمل من أعمال العناية الإلهية.
يُعَلِّق القديس يوحنا الذهبي الفمعن العلامات العجيبة التي صنعها الرب، سواء في العهد القديم أو في العهد الجديد، كيف يُغيِّر طبيعة الأشياء. فقد غيَّر طبيعة البحر (يو 14: 12)، وغيَّر أشعة الشمس هنا، وأوقف الشمس والقمر (يش 10: 13)، وطبيعة أتون النار (دا 3)، وطبيعة الأسود الجائعة (دا6: 22). لكن ما هو أعظم من الكل ما يفعله في طبيعة الإنسان، إذ يقول لموسى النبي: "أنا جعلتك إلهاً لفرعون" (خر 7: 1) [إنه يوجهنا لنبني أنفسنا هيكلاً له. وإن كنت لم تخلق السماء لكنك تُوجد هيكل الله (1 كو 6: 19)، فإن السماء معروفة أنها مسكنه حيث يسكن الله فيها. نحن أيضاً سماء بالمسيح، يقول الكتاب: [أقامنا وأجلسنا معه على يمينه] (راجع أف 2: 6) ووهبنا أن نعمل أعمالاً أعظم مما عمله.]
كيف يمكن للظل أن يتراجع؟
من الواضح أن هذا كان معجزة. فلو كانت العلامة يسهل تحقيقها، فلن تكون علامة على تأكيد كلام الله [10]، وأية محاولة لتفسير ما حدث تكون مجرد استنتاج. الله يمكنه تسخير الطبيعة لتحقيق مشيئته ويمكن تحقيق إرادته بطريقة تتحدى التفسيرات الطبيعية. الله يصنع المعجزات وهذه إحدى معجزاته[22].
قيل بخصوص مزامير المصاعد الخمسة عشر (مز 120–134)، إن حزقيا الملك الذي شُفي، في بهجته بعمل الله العجيب معه نظَّم عشرة مزامير ليقارنها بعشرة درجات دوران الشمس، العلامة التي قدَّمها إشعياء النبي إليه بأن الرب يشفيه [8-1]؛ (إش 38). أضيف إليها أربعة مزامير كتبها داود النبي ومزمور كتبه سليمان الحكيم، ليصير المجموع خمسة عشر مزمورًا تقابل الخمس عشرة سنة التي أضافها الرب لحياة حزقيا[23]. ويُقال إن مزامير المصاعد هي تذكار للسنوات الخمس عشرة التي ذهبت لحزقيا بعد مرضه [8-11].
كانت هذه المزامير تُنشَد بواسطة الكهنة عند صعودهم درجات الهيكل الخمس عشرة كل عام أثناء عيد المظال. (سبع درجات تؤدي إلى الدار الخارجية، وثماني درجات إلى الدار الداخلية). كما قيل إن فرق التسبيح المكونة من اللاويين كانت تقف على كل درجة لتُرنِّم أحد هذه المزامير كجزءٍ من الخدمة الدينية. ويتطلع كثير من الآباء إلى هذه المزامير أو التسابيح بكونها السلم الروحي، الذي تصعد خلاله النفس في الإلهيات، من مرحلة إلى أخرى. تنطلق نحو حضن الآب وتستقر فيه، ترتفع "مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ". إنها تصعد من أرض الغربة، وتتجه نحو أورشليم العليا.

4. تكريم برودخ بلادان البابلي له

فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَرْسَلَ بَرُودَخُ بَلاَدَانُ بْنُ بَلاَدَانَ مَلِكُ بَابِلَ رَسَائِلَ،
وَهَدِيَّةً إِلَى حَزَقِيَّا،
لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّ حَزَقِيَّا قَدْ مَرِضَ [12]

رأينا أن بعض الدارسين يعتقدون بأن خبر شفاء حزقيا الملك انتشر في بابل بسبب تتبع حكماء لحركات الكواكب، وإدراكهم أن أمرًا غريبًا قد حدث، وإذ تساءلوا سمعوا عن العلامة التي أُعطيت لحزقيا الملك لتأكيد شفائه بقوة إلهية.
ربما كان بعض اليهود يعملون كخصيان أي كبار الموظفين في القصر الملكي البابلي قبل أن تصير بابل إمبراطورية عظيمة تستولي على أشور، وقبل حدوث السبي البابلي ليهوذا[24].
برودخ بلادان غالبًا هو نفسه مردوخ للادان الملك الكلداني الذي حكم مرتين (721-710؛ 703 ق. م)، وكان يحمل عداوة مستمرة لأشور، انهزم أمام أشور مرتين، وطُرِدَ من بابل. بعث هذه الإرسالية لحزقيا غالبًا لكي ما يقيم تحالفًا مع يهوذا ضد أشور، خاصة وأنه سمع عن خلاص حزقيا العجيب من جيش أشور (2 أي 32: 31).
وفقًا لتسلسل الأحداث الذي ذُكر في [12-15]، أتى الوفد الذي أرسله بردوخ بلادان (انظر إش 39: 1) لزيارة حزقيا بعد غزو سنحاريب عام 701 ق.م. ومع ذلك وبحسب الأدلة التاريخية، هرب بردوخ بلادان إلى عيلان Elan بعد أن طُرِدَ من بابل سنة 702 ق. م بواسطة سنحاريب. كيف يتفق التسلل الزمني بين هذه الآيات؟
الإجابة: إن حقيقة وصف غزو سنحاريب الذي ذُكر في كل من سفر الملوك الثاني وإشعياء، جاء قبل وصف الزيارة التي قام بها بردوخ بلادان. وهذا لا يعني أن هذا هو الترتيب الزمني للأحداث. في سفر الملوك الثاني الأصحاح العشرين يبدأ بعبارة "في تلك الأيام". ولكن هذا لا يشير بالضرورة إلى أن الأحداث التالية حدثت في نفس التوقيت الزمني. هذه الجملة تُسْتَخْدَم كثيرًا لإدخال مقطع جديد وهي مشابهة لعبارة "وفي تلك الأيام and it come to pass". نجد هذا النوع من الاستخدام في (قض 17: 6؛ 18: 1؛ 19: 1؛ إس 1: 2). كما يمكن الإشارة إلى أن الكلمة العبرية "hem" يمكن ترجمتها هنا "تلك those" كما يمكن أيضًا أن تعطي معنى "هذه these". ويحدد السياق أي منهما يستخدم. فيمكن ترجمة هذه العبارات إلى "في هذه الأيام In these days".
الزيارة التي وردت في [12-15] حدثت بالفعل قبل غزو سنحاريب الذي ورد في (2 مل 18-19)، وهذا يؤكد صحة حقيقة أن الملك حزقيا مات فيما بين (698-696 ق.م.) وبما أن الله قد أمد عمره 15 سنة، فهذا يعني أن وقت مرض حزقيا كان حوالي عام 713 ق. م. وهذا التاريخ الزمني يتفق مع زيارة الوفد الذي أرسله بردوخ بلادان الذي طرده سنحاريب عام 702 ق.م.

5. سقوط حزقيا في الكبرياء الباطل

فَسَمِعَ لَهُمْ حَزَقِيَّا، وَأَرَاهُمْ كُلَّ بَيْتِ ذَخَائِرِهِ،
وَالْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالأَطْيَابَ وَالزَّيْتَ الطَّيِّبَ،
وَكُلَّ بَيْتِ أَسْلِحَتِهِ وَكُلَّ مَا وُجِدَ فِي خَزَائِنِهِ.
لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَمْ يُرِهِمْ إِيَّاهُ حَزَقِيَّا فِي بَيْتِهِ وَفِي كُلِّ سَلْطَنَتِهِ. [13]

أحد سمات الكتاب المقدس أنه يستعرض أحيانًا أخطاء أبطال الإيمان مثل إبراهيم وداود وحزقيا. بحكمة روحية وتواضع واتكال على الله خلص حزقيا من جيش أشور، وبجهالة صار أسيرًا لحب الظهور، فعرض كل ما في خزائنه وكل بيت ذخائره وكل بيت أسلحته للغرباء.
v عندما كان حزقيا في ضيقٍ، انظروا ماذا فعل لأجل خلاصه؛ لقد لبس المسوح وما إلى ذلك، وعندما كان في وسعٍ سقط في كبرياء قلبه (2 مل 19: 20). لهذا يقول الكتاب المقدس: إذا "أَكَلْتَ وَشَبِعْتَ، فَاحْتَرِزْ" (تث 6: 11-12).
القدِّيس يوحنا الذهبيّ الفم

6. تأديب الرب له على كبريائه

14 فَجَاءَ إِشَعْيَا النَّبِيُّ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا وَقَالَ لَهُ: «مَاذَا قَالَ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ؟ وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا إِلَيْكَ؟» فَقَالَ حَزَقِيَّا: «جَاءُوا مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ بَابِلَ» 15 فَقَالَ: «مَاذَا رَأَوْا فِي بَيْتِكَ؟» فَقَالَ حَزَقِيَّا: «رَأَوْا كُلَّ مَا فِي بَيْتِي. لَيْسَ فِي خَزَائِنِي شَيْءٌ لَمْ أُرِهِمْ إِيَّاهُ». 16 فَقَالَ إِشَعْيَا لِحَزَقِيَّا: «اسْمَعْ قَوْلَ الرَّبِّ: 17 هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ، وَمَا ذَخَرَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ إِلَى بَابِلَ. لاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ، يَقُولُ الرَّبُّ. 18 وَيُؤْخَذُ مِنْ بَنِيكَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْكَ، الَّذِينَ تَلِدُهُمْ، فَيَكُونُونَ خِصْيَانًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ».

فَجَاءَ إِشَعْيَا النَّبِيُّ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا وَقَالَ لَهُ:
مَاذَا قَالَ هَؤُلاَءِ الرِّجَالُ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا إِلَيْكَ؟
فَقَالَ حَزَقِيَّا: جَاءُوا مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ بَابِلَ، [14]
فَقَالَ: مَاذَا رَأُوا فِي بَيْتِكَ؟
فَقَالَ حَزَقِيَّا: رَأُوا كُلَّ مَا فِي بَيْتِي.
لَيْسَ فِي خَزَائِنِي شَيْءٌ لَمْ أُرِهِمْ إِيَّاهُ. [15]
فَقَالَ إِشَعْيَا لِحَزَقِيَّا: اسْمَعْ قَوْلَ الرَّبِّ: [16]
هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ وَمَا ذَخَرَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ إِلَى بَابِلَ.
لاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ، يَقُولُ الرَّبُّ. [17]
كما سبق فقدَّم إشعياء النبي للملك حزقيا رسالة إلهية مملوءة حنانًا وترفقًا (2 مل 19؛ 20: 1-11) أيضًا قدَّم له رسالة تأديبية من قبل الرب.
كانت بابل في ذلك الوقت دولة صغيرة، ولم يكن يتخيل أحد قط أنها تغلب أشور، وتصير إمبراطورية ضخمة، تقتحم أورشليم وتسلب كل خزائنها وتسبي نبلاءها سنة 586 ق. م. هذا وحُمل منسى بن حزقيا إلى بابل بواسطة ملك أشوري (2 أي 33: 11).
v نقرأ عن حزقيا ملك يهوذا أنه كان رجلاً بارًا كاملاً في كل شيء، ومشهودًا له من الأسفار المقدسة، سقط بسهمٍ واحدٍ من المجد الباطل، بعد أن تعددت فضائله. وهكذا قهر التفاخر والغرور ذاك الذي استطاع بصلاة واحدة أن يقضي على مائة وخمسة وثمانين ألف جندي من جيش الأشوريين، بواسطة الملاك في ليلة واحدة.
سأغفل عن ذكر قائمة فضائل هذا الملك الطويلة، مكتفيًا بواحدة منها فقط. فبعد أن حدَّد الرب ختام حياته ويوم وفاته، نجح أن يمدها خمسة عشر عامًا بصلاة واحدة. ورجعت الشمس إلى الوراء عشرة درجات، كانت قد تقدمتها صوب الغروب، وبعودتها بددت خطوط الظل التي تبعت مسارها. وبهذه المعجزة الخارقة لنواميس الطبيعة امتد النهار الواحد نهارين للعالم كله. ومن ثمَّ اطمأن حزقيا الملك إلى أن الرب سيهبه الشفاء وطول العمر.
لكن بعد علامات عظيمة بهذا القدر لا يكاد يصدقها العقل، وبعد مثل هذه الأدلة على طيبته، اسمع ماذا يقول الكتاب المقدس عن ضروب هذا النجاح بالذات الذي قضى عليه: "في تلك الأيام مرض حزقيا إلى حد الموت، وصلى إلى الرب، فكلمه وأعطاه علامة"... تلك التي قرأنا عنها في السفر الرابع من الملوك، التي ذكرها إشعياء النبي بصدد رجوع الشمس إلى الوراء... لكن يقول الكتاب المقدس "لم يُردَّ حزقيا حسبما أُنعم عليه، لأن قلبه ارتفع، فكان غضب عليه وعلى يهوذا وأورشليم، ثم تواضع حزقيا بسبب ارتفاع قلبه هو وسكان أورشليم، فلم يأتِ عليهم غضب الرب في أيام حزقيا" (2 أي 24:32-26).
القديس يوحنا كاسيان
وَيُؤْخَذُ مِنْ بَنِيكَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْكَ الَّذِينَ تَلِدُهُمْ،
فَيَكُونُونَ خِصْيَاناً فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ. [18]
حدث ذلك غالباً قبل تمرد بابل على الإمبراطورية الأشورية، وقام سنحاريب بتدميرها عام 689 ق.م، أعاد ابنه آسرحدون بناء مدينة بابل، ولم يدرك أنها ستغتنم الفرصة حين يضعف ملوك أشور لتصبح أمة صغيرة وبعد سنوات تتمرد ثانية على أشور وتصير القوة العظمى في العالم بعد أن تقضي على أشور عام 612 ق.م.
v اهدأ يا من تفتخر بنفسك، لا تتبجح! فإن كانت ثروتك ترفع قلبك، فهي ليست بأكثر من ثروة حزقيا، الذي تمادَى وتشامخ بها أمام البابليين، فحُملت كلها إلى بابل.
إن كنت تفتخر بأبنائك، فسيُقادون من عندك إلى الوحش كأبناء حزقيا الملك الذين اقتيدوا بعيدًا، وصاروا خصيان في قصر ملك بابل [18]؛ (إش 39: 7).
وإن كنت تفتخر بحكمتك، فإنك في هذا لا تفوق رئيس صور، إذ قيل له: "هَا أَنْتَ أَحْكَمُ مِنْ دَانِيآلَ! سِرٌّ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ" (حز 28: 3).
وإن ارتفع عقلك متكلاً على عمرك أنك كثير السنوات، فعددها ليس بأكثر من سني رئيس صور الذي حكم المملكة خلال أيام (الكثير من ملوك) من بيت يهوذا... وإذ كانت سنوات ملك صور كثيرة لذلك قال في قلبه طوال هذا الوقت: "[أنا إله، وفي كرسي الله أجلس في قلب البحار] (حز 28: 2). لكن حزقيال قال له: "أنت إنسان لا إله" (حز 28: 2). فبينما كان رئيس صور بين حجارة النار يتمشى (حز 28: 14) كانت الرحمة تحل عليه. ولكنه عندما تشامخ قلبه صار "الكروب المظلل (وقد) حطَّمه".
القديس أفراهاط
v في مَثَلِ الغني، كان يفتخر بزيادة حقوله، لكن الله قال له: "يا غبي، هذه الليلة تُطلب نفسك منك، فهذه التي أعددتها لمن تكون؟" (لو 12: 20) بنفس الطريقة عندما سمع حزقيا الملك من إشعياء المصير المؤلم لمملكته بعد أن مجَّد نفسه أمام مبعوثي بابل بعرض كنوزه وودائعه الثمينة.
العلامة ترتليان

7. تأجيل تحقيق التأديب

فَقَالَ حَزَقِيَّا لإِشَعْيَا: «جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ».
ثُمَّ قَالَ: فَكَيْفَ لاَ، إِنْ يَكُنْ سَلاَمٌ وَأَمَانٌ فِي أَيَّامِي؟ [19]

فَقَالَ حَزَقِيَّا لإِشَعْيَا:
جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ.
v بالتأكيد لم يُسر حزقيا البار أن كارثة السبي ستحِّل على بنيه، لكنه لم يستطع أن يعارض إرادة الله، ولهذا استقبل أوامر الله بصبرٍ كخادمٍ متواضعٍ. هكذا يمكن للشخص أن يقبل هذا الاستحقاق ويشهد بفضيلته حتى وهو في السبي. فإرميا لم تقل سعادته في السبي (إر 37-38)، ولا دانيال (دا 1: 6)، ولا عزرا (عز 7: 6)، ولا حنانيا وعزاريا وميصائيل لم تكن سعادتهم أقل مما لو لم يسقطوا في السبي (تتمة دا 3: 19-96 س).
لقد دخلوا السبي بطريقة حتى يجلبوا للشعب تعزيات في السبي مع الرجاء في الخروج منه.
القديس أمبروسيوس
ماذا يعني حزقيا الملك بقوله عن تأديب الرب له وللشعب: "جيد هو قول الرب الذي تكلمت به"؟ سوى أن حزقيا أدرك خطأه في تصرفه مع إرسالية بابل، وفي تواضعٍ انحنى لتأديب الرب.
مع قبول حزقيا تأديب الرب للأُمة كلها بسبب خطاياه، لكن يبدو أنه لم يبالِ بذلك ما دام التأديب يحل بعد موته. نظرة مؤلمة قصيرة المدى، فالقائد الناجح هو الذي يتطلع إلى الأجيال القادمة، ويهتم بها.
v عندما يبتعد القلب عن فحص ذاته، لا يدرك الخسائر التي يعاني منها، أو يتعرف على خطورتها. فإن حزقيا لم يدرك إنه أخطأ عندما استعرض كنوزه للغرباء. عندما نخطئ في القلب، يصير ما نفعله داخل أنفسنا مخفيًا عن البشر، لكننا نخطئ في عيني الله.
البابا غريغوريوس (الكبير)



8. موت حزقيا واستلام منسى المملكة

20 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ حَزَقِيَّا وَكُلُّ جَبَرُوتِهِ، وَكَيْفَ عَمِلَ الْبِرْكَةَ وَالْقَنَاةَ وَأَدْخَلَ الْمَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ 21 ثُمَّ اضْطَجَعَ حَزَقِيَّا مَعَ آبَائِهِ، وَمَلَكَ مَنَسَّى ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.

وَبَقِيَّةُ أُمُورِ حَزَقِيَّا وَكُلُّ جَبَرُوتِهِ،
وَكَيْفَ عَمِلَ الْبِرْكَةَ وَالْقَنَاةَ،
وَأَدْخَلَ الْمَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ،
أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا. [20]
حفر حزقيا قناة بين نبع جيحون وبركة سلوام، لكي يحصل على ماء في الجانب الشرقي من سور أورشليم، هذا الإمداد له أهميته، خاصة إذا ما سقطت أورشليم في حصار.
ثُمَّ اضْطَجَعَ حَزَقِيَّا مَعَ آبَائِهِ،
وَمَلَكَ مَنَسَّى ابْنُهُ عِوَضاً عَنْهُ. [21]
كان حزقيا رمزًا للسيد المسيح، يُقدِّم لنا القديس أفراهاط صورة مبسطة لهذا الرمز مع مقارنة بينهما.
v حزقيا اُضطهد، كما أن يسوع اُضطهد.
حزقيا اُضطهد، وأهانه سنحاريب عدوه. يسوع أيضًا أهانه الشعب الغبي.
حزقيا صلى وغلب خصمه، وبصليب يسوع انهزم خصمنا.
كان حزقيا ملك إسرائيل، ويسوع هو ملك كل الأمم.
إذ كان حزقيا مريضًا، رجعت الشمس (درجات)، ولأن يسوع تألم أظلمت الشمس من نورها.
صار أعداء حزقيا جثثًا ميتة، وسيُطرح أعداء يسوع تحت قدميه.
كان حزقيا من عائلة بيت داود، ويسوع هو ابن داود حسب الجسد.
قال حزقيا: "سلام وأمان في أيامي" [19] وقال يسوع لتلاميذه: [سلامي أتركه لكم] (يو 14: 27).
صلى حزقيا فشُفي من مرضه، وصلى يسوع وقام من مسكن الأموات.
حزقيا بعد قيامه من مرضه أضاف إلى سنواته، ويسوع بعد قيامته نال مجدًا عظيمًا.
حزقيا بعد إطالة عمره ملك الموت عليه، أما يسوع فبعد قيامته لا يُعطي للموت سلطان إلى الأبد.
القديس أفراهاط

من وحي 2 مل 20

بك أتحدَّى الأسد، وبدونك تخدعني الحية!

v إذ كشف العدو عن أنيابه كأسد مفترس،
مزَّق حزقيا الملك ثيابه، وانسحق أمام الله.
لجأ إلى رجل الله ليسنده بصلواته!
الأسد الذي حطَّم ممالك كثيرة،
وحسب نفسه قادرًا أن يتحدَّى الله الحي،
انهار تمامًا، ولم يستطع أن يدخل مدينة الله.
فقد قوة جيشه بدون الدخول في معركة.
عاد الأسد، سنحاريب، بعد أن صار أضحوكة أمام الأمم.
تحوَّل ابناه اللذان من دمه إلى العداوة.
اغتالا أبيهما وهو ساجد أمام إلهه الوثن!
v هبْ لي يا رب روح القوة فلا أرتعب من زئير الأسد.
ليتجول إبليس في كل مكان، فإنه ليس له موضع في قلبي.
حيث تسكن فيّ، لا تقدر مملكة الظلمة أن تتسلل داخلي!
بك أتحدى إبليس الذي سحقته بصليبك!
v هوذا المرض ينهش بأنيابه جسمي الضعيف.
بحكم الطبيعة لا أستطيع مقاومة مرض خطير!
لكن أنت الطبيب السماوي،
سلطانك أعظم من كل النواميس الطبيعية.
تسمح بالمرض، وتشفي بقوتك.
ترد الحياة، وتبارك كل ثانية من ثواني عمري.
تضيف إلى حياتي لا خمسة عشر عامًا كهبة إلهية،
بل تهبني حياتك، فأختبر عربون الأبدية.
أتغنى مع الرسول بروح النصرة والتهليل:
أين شوكتك يا موت؟! أين غلبتك يا هاوية؟!
v لستُ أطلب شفاءً جسديًا،
ولا طول عمرٍ على هذه الأرض.
إنما هبْ لي ملكوتك المقدس في أعماقي.
قُدْ حياتي في القداسة التي لك.
هبْ لي أن أتمتع بك يا أيها الطريق والحق والحياة.
v لتكن حياة شعبك كله في يديك.
أنت تقود الكنيسة بروحك، وتهبها قوة وحبًا وتواضعًا!
للأسف اهتم حزقيا أن تكون حياته مملوءة سلامًا،
ولم يبالِ بما سيحل في الأجيال القادمة بعده.
هبْ لكنيستك حبًا فتحتضن الأجيال كلها.
هبْ لكنيستك سلامًا وعونًا حتى تأتي إلينا سريعًا على السحاب!
إننا في انتظار ظهورك على السحاب.
متى تأتي وتقيمنا وتحملنا إلى حضن أبيك؟!
_____

مَنَسَّى بن حزقيا الملك الشرير


كان حزقيا رجلاً صالحًا، طهَّر الهيكل من الرجاسات الوثنية، لكن تبوأ ابنه منسى عرش يهوذا سنة 697 ق.م. وهو ابن اثنتي عشرة سنة. كان أشر ملوكهم، اشتهر ملكه بنشر العبادة الوثنية والرجاسات مع العنف وسفك الدماء، فصار الشعب أشر من الأمم (2 مل 21: 2-9).
هنا تظهر خطورة القائد، متى تنجس قلبه أفسد المجتمع، فتصير الصلوات بغير التوبة الصادقة مرفوضة، حتى إن قدَّمها موسى أو صموئيل أو إرميا. لقد حلَّ غضب الله على الجماعة التي أفسدتها القيادة الشريرة.
يتحدث إشعياء النبي عن عصر منسى الملك الذي سفك دماءً بريئة كثيرة (2 مل 21؛ 2 أي 33) حتى اشتهى الأبرار الموت، وحسبوه راحة مما رأوه بأعينهم. يقول: "باد الصدِّيق وليس أحد يضع ذلك في قلبه، ورجال الإحسان يُضمُّون، وليس من يفطن بأنه من وجه الشر يُضم الصدِّيق. يدخل السلام، يستريحون في مضاجعهم، السالك باستقامة" (إش 57: 1-2). وينطبق ذلك بأكثر وضوحٍ في أيام ضد المسيح حيث يملك إنسان الخطية في هيكل الرب ويضطهد الكنيسة (2 تس 2: 4 الخ)، حتى يُقال: "من هو مثل الوحش؟! من يستطيع أن يحاربه؟!" (رؤ 13: 4)، "وأُعطي أن يصنع حربًا مع القديسين ويغلبهم، وأُعطي سلطانًا على كل قبيلة ولسان وأمة... هنا صبر القديسين وإيمانهم" (رؤ 13: 7، 10). أمام هذا المُرّ يُقال: "من وجه الشر يُضم الصِّدّيق". إذ يُباد الصّديقون أو يُضطهَدون ويُقتَلون.
تكشف لنا حياة منسى عن المسئولية الشخصية لكل إنسانٍ في علاقته بالله، فالملك منسى كان شريرًا، بذل كل جهده في إفساد كل إصلاح قام به والده حزقيا الملك الصالح. هذا وقد كان جده لأبيه آحاز ملكًا شريرًا. والعجيب أن ابن منسى يوشيا الملك الصالح. وكأن يوشيا الصالح ابن منسى الشرير، والأخير بن حزقيا الصالح، والأخير ابن آحاز الشرير.
والعجيب أن الله سمح أن يحكم منسى 55 سنة أكثر من أي ملك من ملوك المملكتين، ربما لأجل تأديب الشعب الذي لم يبالِ بإصلاحات الملك الصالح حزقيا، بل حاولوا إرضاء الملك شكليًا، حتى إذ مات الملك سرعان ما كشفوا عن فسادهم الداخلي ومقاومتهم لعبادة الله.
هنا قد يتساءل المؤمن: ما هو دوري وأنا إنسان لا سلطان لي في المجتمع؟ يليق بكل مؤمنٍ أن يُصلِّي من أجل الملوك والرؤساء وأصحاب السلطان (1 تي 2: 1-8)، لا في مداهنة، وإنما من أجل الرب.


1. منسى عمل ما هو أقبح من الأمم

1 كَانَ مَنَسَّى ابْنَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ حَفْصِيبَةُ. 2 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 3 وَعَادَ فَبَنَى الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي أَبَادَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ، وَأَقَامَ مَذَابحَ لِلْبَعْلِ، وَعَمِلَ سَارِيَةً كَمَا عَمِلَ أَخْآبُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ، وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. 4 وَبَنَى مَذَابحَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ عَنْهُ: «فِي أُورُشَلِيمَ أَضَعُ اسْمِي». 5 وَبَنَى مَذَابحَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ. 6 وَعَبَّرَ ابْنَهُ فِي النَّارِ، وَعَافَ وَتَفَاءَلَ وَاسْتَخْدَمَ جَانًّا وَتَوَابعَ، وَأَكْثَرَ عَمَلَ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لإِغَاظَتِهِ. 7 وَوَضَعَ تِمْثَالَ السَّارِيَةِ الَّتِي عَمِلَ، فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ عَنْهُ لِدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ابْنِهِ: «فِي هذَا الْبَيْتِ وَفِي أُورُشَلِيمَ، الَّتِي اخْتَرْتُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ، أَضَعُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ. 8 وَلاَ أَعُودُ أُزَحْزِحُ رِجْلَ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ لآبَائِهِمْ، وَذلِكَ إِذَا حَفِظُوا وَعَمِلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ، وَكُلَّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا عَبْدِي مُوسَى». 9 فَلَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ أَضَلَّهُمْ مَنَسَّى لِيَعْمَلُوا مَا هُوَ أَقْبَحُ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

كَانَ مَنَسَّى ابْنَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ.
وَاسْمُ أُمِّهِ حَفْصِيبَةُ. [1]
منسى بن حزقيا: ملك لمدة 55 عامًا (697-642 ق. م)، وهي أطول مدة حَكَمَ فيها ملك في المملكة المنقسمة. في أيام حُكْمِه بلغت المملكة الذروة. وكان يسودها سلام بين أشور ويهوذا، وذلك في أيام آسرحدون (681-668 ق.م) وآشور بانبال (668-626 ق.م).
لم يكن منسى بالملك الصالح، لكن الله أراد الكشف عن أمانته هو (الله) بالنسبة لشعبه بالرغم من عدم أمانة الملك والقادة والشعب.
كان حزقيا قصير النظر في اهتمامه بالدولة ككلٍ، وأيضًا في اهتمامه بأسرته، فنشأ ابنه لا على منوال أبيه الصالح، بل مقتديًا بجدِّه الشرير، فتبنَّى ممارسات البابليين والكنعانيين الشريرة، الذين طردهم الرب أمامهم، وسلمهم أرض الموعد.
لم يُصغِ منسى لأقوال الأنبياء، بل قاد شعبه إلى الخطية (2 أي 33).
دعا يوسف اسم بكره منسَّى، قائلاً لأن الله أنساني كل تعبي وكل بيت أبي (تك 41: 51). ولعل حزقيا جعل لابنه هذا الاسم، لأن الله أقامه من مرضه، وأعطاه نسلاً بعد خوفه من أنه يموت بلا نسل، فأنساه كل تعبه. عند ولادته كان عمر أبيه حوالي 42 سنة، ثلاث سنوات بعد شفائه من مرضه.
حفصيبة، معناها "مسرتي بها" (إش 62: 4).
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ،
حَسَبَ رَجَاسَاتِ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. [2]
كان منسى متشامخًا بمركزه وهو صغير السن، حاسبًا نفسه أحكم من أبيه. إذ تسيَّب منسى، ليعيش حسب أهوائه، صار مستعبدًا لها، لكن عندما سمح الله له بالسبي، تاب ورجع إلى مملكته (2 أي 33: 13).
كان الإصلاح في أيام حزقيا مُفرحًا للشعب (2 أي 29: 36). ولكن إلى حين، وليس من القلب. لهذا إذ ملك منسى وهو ابن 12 سنة أماله الرؤساء إلى الرجوع إلى عبادة الأصنام، وربما كان إشعياء النبي قد مات، هذا الذي كان مشيرًا لأبيه وجده.
هذه هي المرة الوحيدة التي سمح الله لملكٍ شريرٍ أن تمتد مملكته كل هذا الزمان، ربما لأن كثير من القادة والشعب تظاهر بالتديُّن في أيام أبيه الصالح حزقيا، لكن كانت تنقصهم مخافة الرب في قلوبهم. فأراد الله من جانب أن يفضح هؤلاء الأشرار أمام أنفسهم، لعلهم يندمون ويرجعون إليه. ومن جانب آخر سمح بذلك حتى إذ يُسبَى الملك الشرير في بابل، يندم ويتوب فيغفر له الرب ويرده إلى كرسيه. بهذا يكشف الله عن طول أناته مع الأشرار، منتظرًا توبتهم.
v كانمنسى شريرًا إلى أبعد حد (2 مل 21: 2-7). لقد نشر إشعياء ومزَّقه، وتدنس بكل العبادات الوثنية، ولطَّخ أورشليم بدم الأبرياء، لكنه عندما أُسر استخدم خبرته في محنته مستعينًا بالتوبة كعلاج، إذ يقول الكتاب عنه أنه تواضع جدًا أمام الرب، وصلَّى إليه، فاستجاب له، ورده إلى مملكته (2 أي 33: 12-13). فإن كانت التوبة قد أنقذت من نشر النبي ومزقه، أفما تخلصك أنت يا من لم ترتكب مثل هذا الشر العظيم؟!
القديس كيرلس الأورشليمي
v أنا لم أطلب منه، وهو حملني على كتفيه، أحضرني إلى حظيرته.
بإرادتي انهزمتُ، لأن خطاياي أضلتني، والآن ندمتُ وأتيتُ، ألا يفتح لي الباب لئلا تأكلني الذئاب خارج حظيرته؟
يداه سُمرتا بالمسامير، ولم يتركني، لأنني كنت حبيبه، وجعلتني خطاياي غريبًا عنه.
والآن تذللتُ وعُدتُ، هل سيلقيني كالغصن المرذول؟
لا، يا دياني، شري لا يغلب حنانك.
لا يا رب، لست أقول إن ذنبي أكبر من أن يُغفَر.
التوبة تطلب منك، هذه التي اعتادت أيها الحنان أن تعكس كلامك، وتحل أحكامك. بعد أن أردتَ أن تقلب نينوى لأنها أخطأت، لم تسمح لك أن تقبلها بعد أن تابت... لم ترجع أبدًا التوبة بخجلٍ من باب الحاكم. لم يُوجد وقت لم يُستجَب فيه للتوبة؛ لم تطلب قط إلا ونالت...
قال واضع الناموس: [ليس جيدًا أن يؤخذ خبز البنين، ويُلقي للكلاب] (مت 15: 26). تقول التوبة: "نعم، يحسن أن تأكل الكلاب من فُتات أصحابها"...
أسرعي أيتها النفس التائبة خطاكِ نحو التوبة وعيشي. ها أنتِ تسمعين ربك يحلف: [لا أريد موت الخاطي] (حز 33: 11).
لا تطلبي أن تمكثي في خطاياكِ لئلا تموتي. عودي إليه مثلما عادت سارة إلى إبراهيم (تك 12: 10- 20).
لا يطيب لكِ عيش العالم، كما لا تطيب لسارة مائدة الملك مثل عِشرة إبراهيم.
لم تُعيَّر لأنها عادت، وأنتِ أيضًا لا تلامين إذا ذهبت (لله). إنك تُلامين لو لم تجيئي.
إن أتيتِ يبسط ذراعيه، ويستقبلكِ، ويحملكِ، ويقدمكِ لأبيه، ويفرح بكِ، ويحبكِ، ويقول لكِ هكذا:
"ها صورتنا المفقودة قد وُجدتْ،
ها ابنتنا المسلوبة قد رجعت،
ها مقتنانا الذي نهبه الغرباء قد عاد إلينا".
إذًا يصير في السماء فرح لجميع الملائكة. الذين يبتهجون بوجودكِ، ويُسرون بتوبتكِ، ويسبحون بعودتكٍ. الآب الذي قبلكِ، والابن الذي أتى بكِ، والروح القدس الذي أعادكِ. له المجد والشكر والعظمة في كل الدهور إلى أبد الأبد، آمين.
القديس مار يعقوب السروجي
v بالحقيقة يتحرك الإنسان الحكيم نحو التوبة عن أخطائه، أما الغبي فيجد مسرة فيها. [البار يتهم نفسه] (أم 18: 17)، أما الشرير فهو مدافع عن نفسه. البار يود أن يسبق متهمه في ذكر خطاياه، أما الشرير فيود أن يخفيها. واحد يندفع في بدء حديثه ليكشف عن خطيته، والآخر يحاول أن يستبعد الاتهام عنه بثرثرة حديثه كمن لا يكشف عن خطيته.
القديس أمبروسيوس
وَعَادَ فَبَنَى الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي أَبَادَهَا حَزَقِيَّا أَبُوهُ،
وَأَقَامَ مَذَابِحَ لِلْبَعْلِ، وَعَمِلَ سَارِيَةً،
كَمَا عَمِلَ أَخْآبُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ،
وَسَجَدَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ وَعَبَدَهَا. [3]
كل ما أزاله حزقيا من شرور الكنعانيين في عبادتهم ورجاساتهم أعاده ابنه منسى.
"البعل": الإله الفينيقي الحارس. وقد سقط إسرائيل في هذه العبادة الوثنية منذ عصر القضاة (قض 2: 13). وأقام الملك منسى تمثالاً للبعل في الهيكل نفسه (2 مل 21: 3، 5، 7).
عبادة كل جند السماء: ربما ترجع إلى زمان آحاز (2 مل 23: 12)، وأصلها من الأشوريين والكلدانيين الذي كان منجموهم يدَّعون أنهم يَصِلُون إلى معرفة المستقبل بمراقبة حركات الأجرام السماوية، التي كان بعض الوثنيين يتعبَّدون لها، وأن هذه الحركات لها أثرها على أمور العالم. وتُدعَى النجوم جند السماء بسبب كثرتها ونظامها. يرى البعض أنها لا تعني هنا الملائكة والطغمات السمائية، بل جند السماء الذين سقطوا.
كانت عبادة جند السماء ممنوعة تمامًا حسب شريعة الله (تث 4: 19؛ 17 2-7). هاجمها الأنبياء (إش 47: 13؛ عا 5: 26). لم يصغِ منسى لا للشريعة ولا للأنبياء (2 مل 21: 7-8؛ 2 أي 33: 2-10).
وَبَنَى مَذَابِحَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ عَنْهُ:
فِي أُورُشَلِيمَ أَضَعُ اسْمِي. [4]
انحطَّ الشعب في ذلك الوقت، فأقاموا الأوثان في بيت الرب كما فعل منسى الذي "بنى مذابح في بيت الرب... ووضع تمثال السارية التي عمل في البيت" (2 مل 21: 3، 7)، وارتكبوا الفحشاء هناك تحت اسم التكريس للرب.
كان لبيت الرب دار داخلية (1 مل 6: 36) أو دار للكهنة (2 أي 4: 9)، ودار أخرى (1 مل 7: 8) التي كان فيها بيت الملك، وكانت دارًا كبيرة (1 مل 7: 9؛ 2 أي 4: 9)، تحتوي على جميع الأبنية كالهيكل وقصر الملك وغيرهما. ولم يكتفِ منسَّى بإقامة ذبائح وثنية في أماكن خارجية كما فعل سليمان (1 مل 11: 7)، بل أقامها في نفس المكان الذي كان الرب قد وضع اسمه فيه.
وَبَنَى مَذَابِحَ لِكُلِّ جُنْدِ السَّمَاءِ فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ. [5]
وَعَبَّرَ ابْنَهُ فِي النَّارِ،
وَعَافَ وَتَفَاءَلَ وَاسْتَخْدَمَ جَانًّا وَتَوَابِعَ،
وَأَكْثَرَ عَمَلَ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لإِغَاظَتِهِ. [6]
عبد الإسرائيليون مولك بعد دخولهم أرض الموعد؛ فبنى سليمان هيكلاً له على جبل الزيتون (1 مل 11: 7)؛ وأجاز منسى ابنه في النار، تكريمًا لهذا التمثال. وكان تمثال هذا الإله مصنوعًا من النحاس، ويداه ممتدتين كما لو كانتا تطلبان أن تحتضنا الطفل المُقدَّم ذبيحة. كانوا يوقدون نارًا في التمثال النحاسي حتى يحمر تمامًا، ويضعون الطفل على الذراعين المحميتين بين دقات الطبول والرقص، فيحترق الطفل تمامًا. يظن البعض أن هذا كان يتم تكريمًا لكوكب زحل ساتورن وهو إله الزراعة عند الرومان، والبعض يحسبونه تكريمًا للشمس، والبعض كوكب عطارد (رسول الآلهة، وإله التجارة والفصاحة والمكر واللصوصية عند الرومان).والبعض كوكب الزهرة، فينوس، إلهة الحب والجمال عند الرومان إلخ.
وَوَضَعَ تِمْثَالَ السَّارِيَةِ الَّتِي عَمِلَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ عَنْهُ لِدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ابْنِهِ:
فِي هَذَا الْبَيْتِ وَفِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي اخْتَرْتُ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ أَضَعُ اسْمِي إِلَى الأَبَدِ. [7]
تمثال السارية: ربما كان حسب رسم أخذه من بلاد أشور. وكان التمثال عمودًا مزينًا بقرون تيوس، وعلى رأس العمود صورة نخلة، وحوله شبكة من معدنٍ فيها صور نخل وبراعم ورمان وكروز صنوبر وإشارات إلى كثرة التوالد وأعضاء التناسل مما يهيج الشهوات.
وَلاَ أَعُودُ أُزَحْزِحُ رِجْلَ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَيْتُ لآبَائِهِمْ،
وَذَلِكَ إِذَا حَفِظُوا وَعَمِلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ،
وَكُلَّ الشَّرِيعَةِ الَّتِي أَمَرَهُمْ بِهَا عَبْدِي مُوسَى. [8]
يؤكد الرب لشعبه أنه لن يسمح لهم بالسبي إن حفظوا الوصية وسلكوا فيها.
فَلَمْ يَسْمَعُوا، بَلْ أَضَلَّهُمْ مَنَسَّى،
لِيَعْمَلُوا مَا هُوَ أَقْبَحُ مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ طَرَدَهُمُ الرَّبُّ مِنْ أَمَامِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. [9]
بعد عرض قائمة بتعديات منسى المتعمدة، من ممارسات قبيحة ورجاسات الأمم، وتدنيس هيكل الرب بوسيلة أو أخرى، دفع الشعب للشر حتى قيل: "أضلهم منسى، ليعملوا ما هو أقبح من الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل".
صاروا أشر من الأمم، لأنهم عرفوا الإله الحقيقي، ومعهم الشريعة، ولديهم الأنبياء، ومع ذلك سجدوا لآلهة كثيرة مختلفة، أما الأمم فسجدوا كل أمة لإلهها.
وكما يقول السيد المسيح: "وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيده ولا يستعد، ولا يفعل بحسب إرادته، فيُضرَب كثيرًا، ولكن الذي لا يَعْلَم ويفعل ما يستحق ضربات يُضرَب قليلاً. فكل من أُعطي له كثيرًا يُطلَب منه كثير، ومن يودعونه كثيرًا يطالبونه بأكثر" (لو 12: 47-48).
v أضلهم منسّى ليفعلوا الشر أكثر مما فعله الأمم الذين أهلكهم أمام شعب إسرائيل.
قوانين الرسل القديسين
v لا يُناقش في جريمة من يعرف إرادة سيِّده ويهملها ولا يعمل ما هو لائق بها كواجب ملتزم به، إذ يُحسَب في عارٍ واضحٍ ويستحق ضربات كثيرة. لكن لماذا يتحمَّل ضربات ولو قليلة من لا يعلم إرادة سيِّده ولا يفعلها؟ لأنه لم يرد أن يعرفها مع أن في قدرته أن يعرفها...
إنها لدينونة عنيفة يسقط تحتها من يعلمون. هذا ما يظهره تلميذ المسيح القائل: "لا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم" (يع 3: 1). فإن عطيَّة المواهب الروحيَّة وفيرة للذين هم رؤساء الشعب، إذ يكتب الحكيم بولس إلى الطوباوي تيموثاوس: "فليعطك الرب فهمًا في كل شيء" (2 تي 2: 7)، [لا تهمل أيضًا موهبة الله التي فيك بوضع يديّ] (راجع 2 تي 1: 6).
من هذا يظهر أن مُخلِّص الكل إذ يعطيهم أكثر يطالبهم أكثر.
ما هي الفضائل التي يطالبهم بها؟ الثبات في الإيمان، والتعليم الصحيح، والتأسيس حسنًا في الرجاء، والصبر بلا زعزعة، والقوَّة الروحيَّة التي لا تُغلَب، والفرح والشجاعة في كل تقدَّم حسن، بهذا نصير قدوة للآخرين في الحياة الإنجيلية. فإن عشنا هكذا يمنحنا المسيح الإكليل، الذي به ومعه السبح والسلطان للآب والروح القدس إلى أبد الأبد آمين.
القديس كيرلس الكبير
v انظر كيف يكشف بوضوح أنه لأمر خطير أن يخطئ إنسان بمعرفةٍ عن أن يخطئ بجهلٍ. ومع هذا فليس لنا أن نحتمي تحت ظلال الجهل، لأنه يوجد فارق بين أن تكون جاهلاً، وأن تكون غير راغبٍ في المعرفةٍ. فالإنسان الذي قيل عنه إنه "كف عن التعقل عن عمل الخير" (مز 36: 3) إرادته مخطئة وليس له حق الاعتذار بالجهل. ومع هذا فالجهل لا يبرر أحدًا أو يعفيه عن عقاب النار الأبديَّة... وإنما ربَّما يخفف عن العقوبة، إذ لم يقل عبثًا... "معطيًا نقمة للذين لا يعرفون الله" (2 تس 1: 8).
القديس أغسطينوس
v أي عذر لنا نحن الذين دخلنا القصر، وحُسبنا أهلاً أن ندخل الهيكل، وصرنا شركاء في التمتُّع بالأسرار غافرة الخطايا، ومع هذا نسلك أشر من اليونانيين (الأمم) الذين لم يشتركوا في شيءٍ من هذا القبيل؟
القديس يوحنا الذهبي الفم

2. الله يهدد بالتأديب

10 وَتَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ قَائِلًا: 11 «مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَنَسَّى مَلِكَ يَهُوذَا قَدْ عَمِلَ هذِهِ الأَرْجَاسَ، وَأَسَاءَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِي عَمِلَهُ الأَمُورِيُّونَ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَجَعَلَ أَيْضًا يَهُوذَا يُخْطِئُ بِأَصْنَامِهِ، 12 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: هأَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى أُورُشَلِيمَ وَيَهُوذَا حَتَّى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْمَعُ بِهِ تَطِنُّ أُذُنَاهُ. 13 وَأَمُدُّ عَلَى أُورُشَلِيمَ خَيْطَ السَّامِرَةِ وَمِطْمَارَ بَيْتِ أَخْآبَ، وَأَمْسَحُ أُورُشَلِيمَ كَمَا يَمْسَحُ وَاحِدٌ الصَّحْنَ. يَمْسَحُهُ وَيَقْلِبُهُ عَلَى وَجْهِهِ. 14 وَأَرْفُضُ بَقِيَّةَ مِيرَاثِي، وَأَدْفَعُهُمْ إِلَى أَيْدِي أَعْدَائِهِمْ، فَيَكُونُونَ غَنِيمَةً وَنَهْبًا لِجَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ، 15 لأَنَّهُمْ عَمِلُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَصَارُوا يُغِيظُونَنِي مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ آبَاؤُهُمْ مِنْ مِصْرَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ». 16 وَسَفَكَ أَيْضًا مَنَسَّى دَمًا بَرِيئًا كَثِيرًا جِدًّا حَتَّى مَلأَ أُورُشَلِيمَ مِنَ الْجَانِبِ إِلَى الْجَانِبِ، فَضْلًا عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي بِهَا جَعَلَ يَهُوذَا يُخْطِئُ بِعَمَلِ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. 17 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ مَنَسَّى وَكُلُّ مَا عَمِلَ، وَخَطِيَّتُهُ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ 18 ثُمَّ اضْطَجَعَ مَنَسَّى مَعَ آبَائِهِ، وَدُفِنَ فِي بُسْتَانِ بَيْتِهِ فِي بُسْتَانِ عُزَّا، وَمَلَكَ آمُونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.

وَتَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ يَدِ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ قَائِلًا: [10]
مِنْ أَجْلِ أَنَّ مَنَسَّى مَلِكَ يَهُوذَا قَدْ عَمِلَ هَذِهِ الأَرْجَاسَ،
وَأَسَاءَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِي عَمِلَهُ الأَمُورِيُّونَ الَّذِينَ قَبْلَهُ،
وَجَعَلَ أَيْضًا يَهُوذَا يُخْطِئُ بِأَصْنَامِهِ [11]
أرسل الله لهم عبيده الأنبياء وهم هوشع ويوئيل وناحوم وحبقوق وإشعياء يُقدِّمون لهم كلمات الرب من نصائح وإرشادات، وإن لم يسمعوا يُقدِّموا لهم تحذيرات نبوية.
جاء حديث الرب خلال أنبيائه هنا أشبه بصحيفة اتهام ضد الملك وكل مملكته، على أساسها يصدر الحكم ضدهم، ما لم يرجعوا إلى الرب بالتوبة.
يقصد بالأموريين هنا جميع الكنعانيين (1 مل 21: 26؛ عا 2: 9-10).
عندما يخطئ الملك ينظر إليه الشعب كقدوة، فيتمثلون به، لذلك إذ أخطأ منسى الملك وعبد الأصنام، جعل مملكة يهوذا تخطئ، وإن كانت توجد قلة أمينة للرب لم تقتدِ بالملك.
لِذَلِكَ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ:
هَئَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى أُورُشَلِيمَ وَيَهُوذَا،
حَتَّى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْمَعُ بِهِ تَطِنُّ أُذُنَاهُ. [12]
يُعلن الله عن خطورة التأديب بقوله: [كُلُّ مَن يسمع بِهِ تَطِنُّ أُذُنَاهُ]، وهو تعبير جاء في (1 صم 3: 11) عندما أخبر الله صموئيل النبي الصغير عما سيحل ببيت عالي الكاهن، حيث يُقضَى على بيته إلى الأبد، ولا يُكَفر عن شره بذبيحة أو تقدمة. وأيضًا في (2 مل 21: 12) عندما تحدث عن الشر الذي يحل على أورشليم ويهوذا بسبب رجاسات الملك منسى الذي سفك دمًا بريئًا كثيرًا جدًا حتى ملأ أورشليم. واستخدمه إرميا أيضًا ضد الكهنة والملوك مع كل الشعب السالك وراءهم.
يشير هذا التعبير إلى ارتكاب شرٍ عظيمٍ يقشعر كل من يسمع خبره. ويكشف عما وراء التهديدات من مرارة قاسية.
جاء في إرميا: "هكذا قال رب الجنود إله إسرائيل: هأنذا جالب على هذا الموضع شرًا كل من سمع به تطن أذناه" (إر 19: 3). إذ يتحدث عن التأديب الذي يحل بهم، فيبدو كضعيفٍ غير قادرٍ على الدفاع عن شعبه كإله إسرائيل مع أنه رب الجنود السماوية، إذ يُسَلِّم شعبه كما في ضعفٍ لأجل خلاصهم الأبدي.
لو أن الله ينتقم من الشرير مهما بلغ شره، لما كان يهدد، إنما يسمح بالتأديبات دون إنذار. الآن إذ ينذر إنما لكي يدفع منسى ومن معه إلى التوبة، فيرفع الله عنهم هذه التأديبات. هذا ما أكده القديس يوحنا الذهبي الفم في مناسبات كثيرة[8].
وَأَمُدُّ عَلَى أُورُشَلِيمَ خَيْطَ السَّامِرَةِ، وَمِطْمَارَ بَيْتِ أَخْآبَ،
وَأَمْسَحُ أُورُشَلِيمَ كَمَا يَمْسَحُ وَاحِدٌ الصَّحْنَ.
يَمْسَحُهُ وَيَقْلِبُهُ عَلَى وَجْهِهِ. [13]
المثل الذي يُقدِّمه الله للإنذار قوي، فإن كان شعب يهوذا ارتعب لما حدث مع إسرائيل من مرارة، فما حلَّ بمملكة إسرائيل يحل أيضًا بمملكة يهوذا، لأن الله ليس لديه محاباة. خراب السامرة كان شديدًا، ففقدت كل شيءٍ، كما يمسح الإنسان صحنًا ويقلبه، إذ لا يترك فيه أية آثار.
يُستخدَم الخيط والمطمار للبنيان، كما يُستخدمان أيضًا للهدم والدمار.
"كما يمسح واحد الصحن"، أي لا يبقى في أورشليم شيءٌ ما من مجدها وغناها. هذا التعبير يحمل احتقارًا، حيث تشبه أورشليم بصحنٍ، وأهلها بأقذارٍ يلزم إزالتها منه ليكون الصحن نظيفًا.
يقول الرب بإشعياء: "وأجعل الحق خيطًا، والعدل مِطمارًا" (إش 28: 17)، وقاس داود النبي الموآبيِّين "بِحَبْلَيْنِ لِلْقَتْلِ وَبِحَبْل لِلاسْتِحْيَاءِ" (2 صم 8: 2).
وَأَرْفُضُ بَقِيَّةَ مِيرَاثِي،
وَأَدْفَعُهُمْ إِلَى أَيْدِي أَعْدَائِهِمْ،
فَيَكُونُونَ غَنِيمَةً وَنَهْبًا لِجَمِيعِ أَعْدَائِهِمْ، [14]
بقوله: "أرفض بقية مراثي" لا يعني إزالة العهد الذي أُقيم مع داود (مز 89: 30-37)، إنما يعني أن يهوذا التي كانت تُحسَب البقية لميراث ملكوت الله، لا تُعفى من التأديب على خطاياها.
ميراث الرب شعبه الذي يعتز به، وحين انشقت مملكة إسرائيل ورفضت الكهنوت اللاوي الذين من نسل هرون، كما رفضت بيت داود، رفض الرب هذا القسم من ميراثه، وصارت مملكة يهوذا بقية ميراثه، بقيت حوالي 140 سنة حتى سقطت هي أيضًا في السبي.
لأَنَّهُمْ عَمِلُوا الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ،
وَصَارُوا يُغِيظُونَنِي مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ خَرَجَ آبَاؤُهُمْ مِنْ مِصْرَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ. [15]
الكتاب المقدس (العهد القديم) ليس تسجيلاً لغضب الله على شعبه، إنما هو تسجيل لطول أناة الله عبر التاريخ منذ أن أخرج شعبه من مصر على يدي موسى، وهو ينتظر أن يحمل ثمرًا، لكن الشعب يحمل تمردًا وعنادًا ومقاومة للحق الإلهي.
عملوا الشر في عينيّ الرب، فمن خطاياهم أنهم سجدوا على سطوح البيوت لكل جند السماء، وسكبوا سكائب لآلهة أخرى (إر 19: 13)، وصنعوا كعكًا لملكة السماء في شوارع أورشليم (إر 7: 18)، وبنوا مرتفعات توفة في وادي ابن هنوم ليحرقوا بنيهم وبناتهم بالنار (إر 7: 31)، وكان عند بيت الرب بيوت المأبونين، وكانت النساء ينسجن بيوتًا للسارية (2 مل 23: 7)، وكان الرؤساء أسودًا زائرة، والقضاة ذئابًا مفترسة، والأنبياء متكبرين غدَّارين، والكهنة منجسي القدس مخالفي الشريعة (صف 3: 3-4). وكان في المدينة إثم وجور واغتصاب وظلم وخصام (حب 1: 3-4).
وَسَفَكَ أَيْضًا مَنَسَّى دَمًا بَرِيئًا كَثِيرًا جِدًّا،
حَتَّى مَلأَ أُورُشَلِيمَ مِنَ الْجَانِبِ إِلَى الْجَانِبِ،
فَضْلاً عَنْ خَطِيَّتِهِ الَّتِي بِهَا جَعَلَ يَهُوذَا يُخْطِئُ بِعَمَلِ الشَّرِّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ. [16]
تعرَّض المؤمنون المخلصون لله لا إلى مضايقات فحسب، بل وإلى سفك دمائهم (يوئيل 3: 19). ولعل سفك الدم هنا يشير إلى الأبرياء الذين يُقدِّمون ذبائح بشرية للأوثان بغير إرادتهم، مثل الأبناء الأبرياء الذين يُقدِّمهم آباؤهم.
جاء في التقليد أنه في أثناء المذابح الجماعية التي قام بها منسى نُشر إشعياء نصفيْن عندما حاول أن يختبئ في كتله مجوفة من الخشب (عب 37:11-38)، وربما قُتل أنبياء آخرون في ذلك الوقت أيضًا.
واضح أن الذين تمسكوا بعبادة الرب، ورفضوا العبادة الوثنية، كانوا كثيرين، مات كثيرون كشهداء، إذ ملأ دمهم شوارع أورشليم.
وَبَقِيَّةُ أُمُورِ مَنَسَّى وَكُلُّ مَا عَمِلَ،
وَخَطِيَّتُهُ الَّتِي أَخْطَأَ بِهَا مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا. [17]
إذ لم يبالِ منسى بما حذره به رجال الله الأنبياء، صار سجينًا اقتاده ملك أشور. وإذ سقط في السبي رجع إلى الله ، إذ قيل عنه: "ولمّا تضايق طلب وجه الرب إلهه، وتواضع جدًّا أمام إله آبائه. وصلّى إليه، فاستجاب له وسمع تضرعه، وردّهُ إلى أورشليم إلى مملكته. فعلم منسّى أن الرب هو الله." (2 أي 33: 12-13).
v لقد سمعتم، أبناءنا المحبوبين، كيف أن الرب الإله عاقبه إلى حين ذاك الذي كان يُدمِن عبادة الأوثان، وقتل أبرياءً كثيرين، ومع هذا عندما تاب قبله وغفر له معاصيه وردّ له مملكته، فإنه ليس فقط يغفر للتائبين، بل ويرد لهم كرامتهم السابقة (2 أي 33: 12-13).
قوانين الرسل القديسين
v هكذا ارتكب (منسى) مفاسد لا تُعَد، ومدَّ يديه على القديسين، وجلب رجاسات في الهيكل، وملأ المدينة بالقتل، وصنع أمورًا كثيرة فوق كل اعتبارٍ، ومع هذا بعد ممارسة شرٍ عظيمٍ لمدة طويلة، غسل نفسه من هذا كله بالتوبة وفحص نفسه. فإنه لا توجد خطية لا تخضع لقوة التوبة وتفسح الطريق لها، بل بالحري بنعمة المسيح إن أردنا أن نتغير، فهو يُعيننا. وإن أردتم أن تكونوا صالحين، ليس من يعوقكم عن ذلك، بل بالحري يوجد واحد يعوقنا، الشيطان، الذي ليس له سلطان، مادمتم تختارون ما هو أفضل، وتجتذبون الله لمعونتكم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v الآن إذ يتأمل (منسى) في شروره ييأس في الإصلاح والتوبة، ويفقد كل ما ناله فيما بعد. لكنه إذ تأمل في حنو الله الذي بلا حدود عوض شناعة معاصيه يُحطِّم قيود الشيطان، وقام وصارع معه وتمم الجانب الصالح.
ديونسيوس
ثُمَّ اضْطَجَعَ مَنَسَّى مَعَ آبَائِهِ،
وَدُفِنَ فِي بُسْتَانِ بَيْتِهِ فِي بُسْتَانِ عُزَّا،
وَمَلَكَ آمُونُ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [18]
"بُسْتَانِ عُزَّا": واضح أنه لم يُدفَن مع ملوك يهوذا. يرى البعض أن بستان عُزَّا كان مزارًا مقدسًا لإله وهمي.
دُعي الملك عزيا أو عزريا عُزَّا.
دُفن خمسة عشر ملكًا من ملوك يهوذا في مدينة داود، ودُفِنَ منسى وابنه آمون في بستان عُزَّا، ودُفِنَ الأربعة الآخرون، واحد في مصر، واثنان في بابل، وواحد وهو يهوياقيم لم يُدفَنْ.



3. آمون سلك في طريق أبيه

19 كَانَ آمُونُ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ سَنَتَيْنِ فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ مَشُلَّمَةُ بِنْتُ حَارُوصَ مِنْ يَطْبَةَ. 20 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ. 21 وَسَلَكَ فِي كُلِّ الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَ فِيهِ أَبُوهُ، وَعَبَدَ الأَصْنَامَ الَّتِي عَبَدَهَا أَبُوهُ وَسَجَدَ لَهَا. 22 وَتَرَكَ الرَّبَّ إِلهَ آبَائِهِ وَلَمْ يَسْلُكْ فِي طَرِيقِ الرَّبِّ.

كَانَ آمُونُ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ سَنَتَيْنِ فِي أُورُشَلِيمَ.
وَاسْمُ أُمِّهِ مَشُلَّمَةُ بِنْتُ حَارُوصَ مِنْ يَطْبَةَ. [19]
تبع هذا الملك الشرير والده في شره، كما تبع أخزيا أباه آخاب الشرير (1 مل 22: 51-53).
يبدو أن بعض الشعب لم يستحسنوا العبادة الوثنية، فقتلوا آمون ليُملِّكوا ابنه يوشيا وهو ابن ثماني سنين فقط، لكي يرجعوا إلى عبادة الرب، وأحاطوه من صغره بوسائلٍ تساعده على الارتباط بالإيمان بالله.
يطبة: ربما هي يطبات المذكورة في (عد 33: 33).
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، كَمَا عَمِلَ مَنَسَّى أَبُوهُ. [20]
وَسَلَكَ فِي كُلِّ الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَ فِيهِ أَبُوهُ،
وَعَبَدَ الأَصْنَامَ الَّتِي عَبَدَهَا أَبُوهُ، وَسَجَدَ لَهَا. [21]
v لا توجد خطية أخطر من عبادة الأوثان، فإنها عقوق ضد الله، ومع هذا حتى هذه الخطية تُغفَر بالتوبة الصادقة. أما إن أخطأ أحد متخذًا موقفًا مضادًا، وعن عمدٍ يحاول حتى إن كان الله يعاقب الشرير أو لا يعاقبه، مثل هذا ليس له مغفرة، حتى إن قال لنفسه: [يكون لي سلام، أسلك حسب عادات قلبي الشرير] (راجع تث 29: 19). مثل هذا يكون كآمون بن منسّى... إذ برَّر آمون عصيانه قائلاً: [أبي منذ طفولته كان عاصيًا جدًا، وتاب في شيخوخته؛ الآن أنا أسلك حسبما تشتهي نفسي، وبعد ذلك أرجع للرب]. وصنع شرًا في عينيّ الرب أكثر من كل الذين سبقوه. فأهلكه الله تمامًا، وحرمه من أرضه الصالحة. وغدر به عبيده، وقتلوه في بيته، ولم يملك سوى سنتين.
قوانين الرسل القديسين
وَتَرَكَ الرَّبَّ إِلَهَ آبَائِهِ وَلَمْ يَسْلُكْ فِي طَرِيقِ الرَّبِّ. [22]

4. اغتيال آمون وإقامة ابنه يوشيا ملكًا

23 وَفَتَنَ عَبِيدُ آمُونَ عَلَيْهِ، فَقَتَلُوا الْمَلِكَ فِي بَيْتِهِ. 24 فَضَرَبَ كُلُّ شَعْبِ الأَرْضِ جَمِيعَ الْفَاتِنِينَ عَلَى الْمَلِكِ آمُونَ، وَمَلَّكَ شَعْبُ الأَرْضِ يُوشِيَّا ابْنَهُ عِوَضًا عَنْهُ. 25 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ آمُونَ الَّتِي عَمِلَ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ 26 وَدُفِنَ فِي قَبْرِهِ فِي بُسْتَانِ عُزَّا، وَمَلَكَ يُوشِيَّا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ.

وَفَتَنَ عَبِيدُ آمُونَ عَلَيْهِ،
فَقَتَلُوا الْمَلِكَ فِي بَيْتِهِ. [23]
لم يُشرْ الكتاب إلى سبب اغتياله، هل بسبب شره أم لأسباب سياسية بسبب علاقته مع أشور.
فَضَرَبَ كُلُّ شَعْبِ الأَرْضِ جَمِيعَ الْفَاتِنِينَ عَلَى الْمَلِكِ آمُونَ،
وَمَلَّكَ شَعْبُ الأَرْضِ يُوشِيَّا ابْنَهُ عِوَضًا عَنْهُ. [24]
قام الشعب بقتل الذين اغتالوه.
وَبَقِيَّةُ أُمُورِ آمُونَ الَّتِي عَمِلَ،
أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا. [25]
وَدُفِنَ فِي قَبْرِهِ فِي بُسْتَانِ عُزَّا،
وَمَلَكَ يُوشِيَّا ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [26]

من وحي 2 مل 21

لتُشرِقْ كلمتك بالنور على قلبي،

وليعمل روحك القدوس في حياتي!

v أي عذر يمكن أن يُقَدِّمه منسى الملك عن فساده.
نشأ في بيت والده التقي،
وأرسلتَ له أنبياء أتقياء ينطقون بكلمتك!
وبطول أناتك احتملته.
v إلهي لم تُرسلْ لي ملاكًا ولا رئيس ملائكة ولا نبيًا لخلاصي.
بل نزلتَ إليَّ، وحملتَ عاري على الصليب،
وفتحتَ لي باب الفردوس،
ولم تدعني معوزًا شيئًا من فيض حبك ونعمتك.
v لتُشرِقْ بنور كلمتك في أعماقي،
فلا تتسلل الظلمة في داخلي.
وليعمل روحك القدوس في حياتي.
كلمتك تنير لي الطريق،
وروحك يحملني، فأطير إلى السماء.
v لتُمرِّر الخطية في فمي، فلا أشتهيها.
ولتكشف لي أسرار حبك،
فأرتمي في أحضانك، راجعًا إليك.
أنت كلي الحب والرحمة!


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الملك الصالح يوشيا


اعتلاء يوشيا الملك الصالح العرش كان آخر محاولة قُدِّمتْ من قِبَل الله ليهوذا الذي كان قد فسد تمامًا، خاصة في السبعة والخمسين عامًا الأخيرة، في عصر منسى وابنه آمون الشريرين.
حقًا كان قد سبقهما الملك حزقيا، لكن كما سبق فرأينا أنه بالرغم من المجهودات الضخمة التي بذلها حزقيا للإصلاح، كان كثير من القادة والشعب ليس فيهم مخافة الرب، وغير مُخلِصين في تجاوبهم لإصلاحات حزقيا، لذا إذ مات الملك استطاعت بعض القيادات الشريرة أن تتبنَّى حركة الفساد خلال تأثيرها على الملك الصغير السن.
يظهر مدى ما بلغته مملكة يهوذا من شر أن الهيكل كان قد هُجر تمامًا، ولم يعرف أحد مكان سفر الشريعة. وكان العثور عليه يُمَثِّل مفاجأة حتى بالنسبة لحلقيا الكاهن العظيم كما للملك وكاتبه. ومع استقامة قلب يوشيا الملك لم يكن يعرف حتى الخطوط العريضة لسفر الشريعة، وحين سمع ما ورد في السفر مزَّق ثيابه، وطلب من بعض القادة مثل حلقيا الكاهن أن يسألوا خلدة النبية أن تسأل الرب عما يفعلوه.
وإذ يعلم الرب عدم إخلاص الشعب وكثير من القادة، أعلن عن سبي يهوذا، مع ضم المَلِك إلى آبائه، حتى لا ترى عيناه ما سيحل بالمملكة من شرٍ!


1. الطفل يوشيا ملك على يهوذا

1 كَانَ يُوشِيَّا ابْنَ ثَمَانِ سِنِينٍ حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ إِحْدَى وَثَلاَثِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ يَدْيَدَةُ بِنْتُ عَدَايَةَ مِنْ بُصْقَةَ. 2 وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَسَارَ فِي جَمِيعِ طَرِيقِ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَلَمْ يَحِدْ يَمِينًا وَلاَ شِمَالًا.

كَانَ يُوشِيَّا ابْنَ ثَمَانِ سِنِينٍ حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ إِحْدَى وَثَلاَثِينَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ.
وَاسْمُ أُمِّهِ يَدْيَدَةُ بِنْتُ عَدَايَةَ مِنْ بُصْقَةَ. [1]
كلمة "يوشيا" بالعبرية معناها "يهوه يشفي" أو "الرب يعين"، وذلك مثل كلمة "كورش" (إش 44: 28؛ 45: 1).
إذ استلم الحُكْمَ وهو طفل، لم يتأثر بوالده آمون ولا بجدِّه منسى، إنما انفتحت عيناه على أخطائهما، وأعطاه الله نعمة كي يتعلَّم من أخطائهما. انطبق عليه قول الرب لحزقيال النبي: "وأنتم تقولون لماذا لا يحمل الابن من إثم الأب. أما الابن فقد فعل حقًا وعدلاً حفظ جميع فرائضي وعمل بها، فحياة يحيا" (حز 18: 19).
يمكن القول إن هذا الملك العجيب صار مثلاً رائعًا إذ لم يتشامخ بالرغم من استلامه السلطة وهو طفل صغير، ولعل سرّ ذلك أنه كان خاضعًا لمشورة القلة القليلة المقدَّسة للرب، يسمع لهم في الرب، ويتجاوب معهم. كان في أيدي مشيرين صالحين، ربما كان من بينهم صفنيا النبي.
إنه أحد الملوك الصالحين إن لم يكن أفضل ملك في إسرائيل ويهوذا منذ تنيح داود الملك. لقد بدأ بداية حسنة، واستمر فيها، وانتهت حياته وهو مُقَدَّس للرب[1].
إذ تحدث القديس أغناطيوس الأنطاكي عن ضرورة تكريم الأسقف الشاب، قدَّم أمثلة كثيرة لشخصيات صغيرة السن تستحق كل وقارٍ وتكريمٍ، فكتب:
[ليس الكثيرو الأيام حكماء، ولا الشيوخ يفهمون الحق، ولكن في الناس روحًا] (أي 32: 8-9). فإن دانيال الحكيم وهو في الثانية عشرة من عمره ملكه الروح الإلهي، وأفحم الشيوخ، الذين باطلاً كان شعرهم فيه شيب، فكانوا شهود زور وشهوانيين يشتهون جمال امرأة الغير (تتمة دانيال 13).
وصموئيل وهو طفل صغير وبَّخ عالي الذي بلغ التسعين من عمره، لأنه كرم بنيه أكثر من الله (1 صم 3: 1-18).
بنفس الطريقة تسلم إرميا رسالته من الله: "لا تقل إني ولد" (إر 1: 7).
سليمان أيضًا ويوشيا هما مثالان لنفس الأمر. الأول صار ملكًا في الثانية عشرة من عمره، قدَّم حكمًا رهيبًا في أمر المرأتين بخصوص طفليهما (1 مل 3: 15-28)، والأخير إذ تولى العرش عندما بلغ الثامنة (2 مل 22؛ 23) هدم مذابح (الأوثان) وهياكلها...
لذلك صغر السن لا يُحتقَر، إذ كُرِّس لله. إنما من كان ذهنه شريرًا، فهو مُحتقَر حتى إن كان شيخًا ومملوء أيامًا.
كان تيموثاوس حامل المسيح شابًا، لكن اسمع ما كتبه عنه معلمه: "لا يستهن أحد بحداثتك، بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام، في التصرف" (1 تي 4: 12).]
جاء في الدسقولية عن إمكانية سيامة الأسقف الشاب متى كان حسن السيرة وله شهادة من جيرانه.
vصار سليمان ملكًا على إسرائيل وهو في الثانية عشرة من عمره، ويوشيا في الثامنة من عمره مَلَكَ ببرٍ (2 مل 22: 1)، وبنفس الطريقة يوآش مَلَكَ على الشعب في السابعة من عمره (2 أي 24: 1؛ 2 مل 11: 3-4). لذلك وإن كان الشخص شابًا، فليكن وديعًا لطيفًا وهادئًا. إذ يقول الرب الإله بواسطة إشعياء: [إلى من أنظر إلاَّ إلى المتواضع والهادئ والمرتعد من كلامي؟!] (إش 66: 2). وبنفس الطريقة جاء أيضًا في الإنجيل: "طوبى للودعاء، فإنهم يرثون الأرض" (مت 5: 5).
الدسقولية
ذكر اسم أمه "يدْيَدة" غالبًا ما يشير ما لها من دورٍ حيويٍ في حياة ابنها في طفولته وشبابه، وهو المؤنث للاسم الثاني لسليمان الحكيم "يديديا" (2 صم 12: 25)، أعطاه له الرب خلال ناثان النبي، ومعناه "محبوب يهوه".
إذ قامت "المحبوبة من الرب"، والتي تحمل روح كنيسة المسيح عروسه المحبوبة، أرضعت ابنها من لبن الإيمان العديم الغش، وكان ثمره هذا الآتي:
أ. مع فساد الكثير من القادة والشعب لم ينسحب معهم للشر، بل بقى أمينًا في محبته للرب، فصار مثل كوكبٍ منيرٍ في وسط جيلٍ مظلمٍ وملتوٍ. كان مجده في الداخل يتحدى الشر، ولا يهادنه.
ب. انشغل بترميم بيت الرب، مهما كلفه ذلك.
ج. إذ وُجد سفر الشريعة قام بتكريمه، بتهيئة مكانٍ في قلبه كخزانة ثمينة أمام الرب. لم يقم بتمزيقه لإراحة ضميره كغيره من الملوك، بل قام بتمزيق ثيابه الملوكية ليتسلم ثوب البرّ بعمل نعمة الله، الذي لا تقدر الخطية أن تُفسِدَه!
د. إذ عاش بقلبه مع آبائه المقدسين في الرب مثل داود الملك، تأهل حتى في زمن الضيق الشديد أن يضمه الرب إلى آبائه، حتى لا ترى عيناه ما سيحل بالمملكة من شرٍ عظيمٍ. هكذا انضم الابن المحبوب من الله إلى القديسين المحبوبين في الرب!
وَعَمِلَ الْمُسْتَقِيمَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ،
وَسَارَ فِي جَمِيعِ طَرِيقِ دَاوُدَ أَبِيهِ.
وَلَمْ يَحِدْ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً. [2]
بدأ يوشيا الحكم وهو ابن ثماني سنوات فقط، ومع هذا قلما نجد ملكًا مثله أطاع الله تمامًا.
غالبًا ما يتهم الناس في كل الأجيال الجيل الجديد بأنه غير ملتزم وغير ناضج. هذه النظرة قديمة قدم الإنسان منذ سقوطه، لكن يوشيا بن منسى وأمثاله يؤكدون أن كثيرًا من أبناء الجيل الجديد أحكم وأنقى وأقدس من بعض أبناء الجيل الحالي، فيوشيا الطفل لا يُقارَن بأبيه الشرير آمون وجده منسى.
لقد بدأ إصلاحاته وهو في السادسة والعشرين، لكن حياته المقدسة في صبوته وشبابه كانت رصيدًا له، تسنده في كل أعماله العظيمة.
سار يوشيا في طريق الرب المستقيم، أي بقى مشتاقًا أن يتمم مشيئة الله المقدسة، لا ينحرف خارج محبة الله ونعمته، بهذا لم يحد يمينًا ولا يسارًا.

2. ترميم بيت الرب

3 وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ يُوشِيَّا أَرْسَلَ الْمَلِكُ شَافَانَ بْنَ أَصَلْيَا بْنِ مَشُلاَّمَ الْكَاتِبَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ قَائِلًا: 4 «اصْعَدْ إِلَى حِلْقِيَّا الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ، فَيَحْسِبَ الْفِضَّةَ الْمُدْخَلَةَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ الَّتِي جَمَعَهَا حَارِسُو الْبَابِ مِنَ الشَّعْبِ، 5 فَيَدْفَعُوهَا لِيَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ الْمُوَكَّلِينَ بِبَيْتِ الرَّبِّ، وَيَدْفَعُوهَا إِلَى عَامِلِي الشُّغْلِ الَّذِي فِي بَيْتِ الرَّبِّ لِتَرْمِيمِ ثُلَمِ الْبَيْتِ: 6 لِلنَّجَّارِينَ وَالْبَنَّائِينَ وَالنَّحَّاتِينَ، وَلِشِرَاءِ أَخْشَابٍ وَحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ لأَجْلِ تَرْمِيمِ الْبَيْتِ». 7 إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ يُحَاسَبُوا بِالْفِضَّةِ الْمَدْفُوعَةِ لأَيْدِيهِمْ، لأَنَّهُمْ إِنَّمَا عَمِلُوا بِأَمَانَةٍ.

وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ يُوشِيَّا،
أَرْسَلَ الْمَلِكُ شَافَانَ بْنَ أَصَلْيَا بْنِ مَشُلاَّمَ الْكَاتِبَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ قَائِلاً: [3]
في السنة الثامنة عشرة من حكمه (622 ق. م) بدأ يوشيا حملة إصلاح للهيكل (2 مل 22: 4-7؛ 2 أي 34: 8-33).
جاء في (2 أي 34: 3-7) أنه في الثامنة من ملكه ابتدأ يطلب إله داود أبيه، وفي الثامنة عشر ابتدأ يُطَهِّر يهوذا وأورشليم من المرتفعات والسواري والتماثيل، كما هدم المذابح والسواري وقطع التماثيل في منسى وأفرايم وشمعون حتى نفتالي. وفي ذلك الوقت ابتدأ إرميا يتنبأ (إر 1: 2)، وكان يسند الملك في هذا العمل.
شافان: الكاتب الرسمي للدولة تحت حكم يوشيا، ساعد يوشيا الملكفي إصلاحاته. جاء ذكره في سفر إرميا، وكان ابنه أخيقام واقفًا إلى جانب إرميا ليخلصه من الذين طلبوا قتله (إر 26: 24؛ 39: 14). إذا كان "شافان" هذا هو نفسه الرجل المذكور في إرميا (إر 26: 24) يكون "جمريا" أخو "أخيقام". ولقد كان اسم "جمريا" شائعًا إلى حد ما في القرن السابع ق.م. وتذكر إحدى رسائل "لخيش" (اللوح الأول) "جمريا بن هيسيل ياهو" في عام 589 ق.م.
للأسف أنجب شافان يازنيا الرجل الفاسد الذي تزعم عبادة الأوثان في عصر حزقيال.
v أزال العبادات الغريبة التي أدخلها منسّى، وحطَّم الهياكل والمذابح (الوثنية). في ذات السنة الثامنة عشرة أمر بالتكفير عن الهيكل، كما طلب من الكهنة أن يقوموا بإصلاحات، وجاء بعاملين يجمعون الحجارة ومواد للبناء وأمورًا أخرى نافعة للبناء، كما دبَّر المال اللازم للتكاليف المتوقعة. صار يحاكي جده لأبيه يوآش دينيًّا (2 مل 12: 4-16) في غيرته التقوية. إعادة تجديد الهيكل في ذلك الوقت لم يكن بالأمر الهيِّن بالنسبة لما حدث قبل ذلك، فإنه في أثناء حكم منسّى لمدة خمسة وخمسين عامًا (2 مل 21: 1-18) أُهمِلَ الهيكل أو اُنتهكتْ مُقدَّساته.
القديس مار أفرام السرياني
فَيَحْسِبَ الْفِضَّةَ الْمُدْخَلَةَ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ الَّتِي جَمَعَهَا حَارِسُو الْبَابِ مِنَ الشَّعْبِ، [4]
قام حلقيا الكاهن بدور رئيسي في الإصلاح الديني، الأمر الذي أكمله الملك الشاب، وكان إصلاح الهيكل تحت إشرافه.
لقد أُهمل بيت الرب لسنين طويلة خاصة في أيام جده التي امتدت مدة حكمه 55 عامًا وفي أيام أبيه. لم يكن يوجد من ينشغل بعبادة الله الحي ولا بيته، ولعله قد تجمع الكثير من المال المُقدَّم للبيت دون الاهتمام بالعناية بالمبنى عبر الزمن.
أرسل الملك إلى الكاهن العظيم لجمع المبلغ المودع لحساب بيت الرب كي يُستخدَم في ترميم البيت.
في الفترة منذ توليه الحكم وهو في الثامنة من عمره حتى بلغ السادسة والعشرين، قام الملك مع أوصيائه بإصلاحات تخص بلدهم من جوانب كثيرة، منها إزالة العبادة الوثنية وبصماتها. يمكننا القول بأنها كانت فترة إعداد للبدء في ترميم الهيكل والاهتمام بعبادة الله الحي.
فَيَدْفَعُوهَا لِيَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ الْمُوَكَّلِينَ بِبَيْتِ الرَّبِّ،
وَيَدْفَعُوهَا إِلَى عَامِلِي الشُّغْلِ الَّذِي فِي بَيْتِ الرَّبِّ لِتَرْمِيمِ ثُلَمِ الْبَيْتِ: [5]
مع كل عمل صالح جاد حتمًا يبعث عدو الخير مقاومين، لكن من جانبٍ آخر فإن الله يعطي كل إنسانٍ من هم يسلكون حسب قلبه أيضًا. فإذ كان قلب يوشيا نقيًا، وقام بتطهير بلده من كل أثر للعبادة الوثنية لم نسمع عن مقاومة تُذكَر، لأن الله أعطاه هو والقائمين معه على العمل نعمة، فحُسبتْ المقاومة كلا شيء ولم يُشر إليها الكتاب. وأعطاه الله عاملين للشغل في إصلاح وترميم بيت الرب يعملون بغيرة مقدسة وأمانة [7].
كثيرًا ما نُخَطِّط ونضع حسابات تبدو صعبة وأحيانًا مستحيلة حين نسعى للإصلاح، لكن يوجد عنصر هام يقود كل الأمور، ألا وهو تقديسنا الحقيقي والخفي لحساب ملكوت الله. بهذا يقود القدوس نفسه حركة الإصلاح، ويُرسِل أناسًا مخلصين وأمناء يعملون بقوةٍ وغيرةٍ مقدسة.
لِلنَّجَّارِينَ وَالْبَنَّائِينَ وَالنَّحَّاتِينَ،
وَلِشِرَاءِ أَخْشَابٍ وَحِجَارَةٍ مَنْحُوتَةٍ لأَجْلِ تَرْمِيمِ الْبَيْتِ. [6]
إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ يُحَاسَبُوا بِالْفِضَّةِ الْمَدْفُوعَةِ لأَيْدِيهِمْ،
لأَنَّهُمْ إِنَّمَا عَمِلُوا بِأَمَانَةٍ. [7]



3. اكتشاف سفر الشريعة في بيت الرب

8 فَقَالَ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ لِشَافَانَ الْكَاتِبِ: «قَدْ وَجَدْتُ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ». وَسَلَّمَ حِلْقِيَّا السِّفْرَ لِشَافَانَ فَقَرَأَهُ. 9 وَجَاءَ شَافَانُ الْكَاتِبُ إِلَى الْمَلِكِ وَرَدَّ عَلَى الْمَلِكِ جَوَابًا وَقَالَ: «قَدْ أَفْرَغَ عَبِيدُكَ الْفِضَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْبَيْتِ وَدَفَعُوهَا إِلَى يَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ وُكَلاَءِ بَيْتِ الرَّبِّ».

فَقَالَ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ الْعَظِيمُ لِشَافَانَ الْكَاتِبِ:
قَدْ وَجَدْتُ سِفْرَ الشَّرِيعَةِ فِي بَيْتِ الرَّبِّ.
وَسَلَّمَ حِلْقِيَّا السِّفْرَ لِشَافَانَ، فَقَرَأَهُ. [8]
يُقصَد بسفر الشريعة غالبًا أسفار موسى الخمسة أو سفر التثنية أو أجزاء منها (تث 28- تث 31) كما يظن البعض. وهو يحتوي على تجديد العهد مع الله في سهول موآب. والذي يُحذِّر بقوة الذين يفسدون كلمة الله وعبادته[5]. هذا السفر وُضِعَ بجانب تابوت العهد (تث 31: 26)، فُقد أو أُخفي أو غُيِّر مكانه أثناء الحكم الشرير لمنسى وابنه آمون.
بسبب السلسلة الطويلة من الملوك الأشرار ضاع سفر شريعة الله. وكانت تُنسَخ الشريعة بكمية قليلة جدًا، وفي زمن الملوك الأشرار لم يسأل أحد عنها، وكان الكهنة واللاويون يمارسون خدمتهم الدينية بدون كتاب، غالبًا ما كان قد أُخذ من مكانه حتى لا يراه الشعب ويبكي على خطاياه الكثيرة.
بعناية الله وُجِدَ هذا السفر في أيام يوشيا المملوء غيرة نحو عبادة الله والهيكل والشريعة. لو أنه وُجِدَ في وقت ملك آخر ربما كان قد مزَّقه الملك وحرقه، كما فعل صدقيا بخصوص نبوات إرميا (إر 36: 23).
سمح الله باكتشافه في ذلك الوقت، لأن السبي كان على الأبواب، وقد تأجَّل بسبب فضيلة يوشيا [19-20].
كان سماع الشعب كله للشريعة ضروريًا في ذلك الوقت، لكي يدرك الكل أن طريق العودة من السبي هو التوبة والرجوع إلى الله، وليس التخطيطات البشرية والقوة العسكرية، فالسبي يتم لا بسبب نقص أو ضعف في الإمكانيات العسكرية، إنما بسبب الشر والإصرار عليه سواء من جهة القادة أو الشعب.
حسب الشريعة كان يلزم حفظ نسخة من الشريعة بجوار تابوت العهد في قدس الأقداس (تث 31: 25-26)، وقد اختفت أثناء حكم الملوك الأشرار، خاصة منسى وابنه آمون. اختفت هذه النسخة لأحد الأسباب التالية:
أ. إذ أُهمِلَ الهيكل والعبادة فيه لم ينشغل أحد بهذه النسخة، فأُلقيتْ في الهيكل في زاوية منه خلال الإهمال لعدم معرفتهم بقيمتها، وذلك كما يحاول بعض الأشخاص غير المهتمين بخلاصهم التخلُّص من الكتب المقدسة التي لديهم. ومع الزمن الطويل ينسى الشخص أين تخلَّص من الكتب، وبالتالي لا يفكر أبناؤه وأحفاده فيها.
ب. ربما أراد أحد الملوك الأشرار الخلاص من هذه لا بتمزيقها أو إحراقها، إنما بإخفائها حتى لا يُفَكِّر أحد في القراءة فيها، ومع الزمن لا تعود ترى النور.
ج. ربما إذ انتشرت العبادة الوثنية أراد أحد الأحباء للكتاب المقدس إخفاء النسخة، حتى لا تسقط في يد الملك، فيقوم بحرقها أو تمزيقها.
د. في كل الحالات بسماح من الله ورعايته الفائقة سمح بإخفائها لسبب أو آخر لكي تظهر في عصر يوشيا الملك الصالح، وتُقرأ قبل أن تسقط المملكة في السبي.
وَجَاءَ شَافَانُ الْكَاتِبُ إِلَى الْمَلِكِ وَرَدَّ عَلَى الْمَلِكِ جَوَابًا وَقَالَ:
قَدْ أَفْرَغَ عَبِيدُكَ الْفِضَّةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْبَيْتِ،
وَدَفَعُوهَا إِلَى يَدِ عَامِلِي الشُّغْلِ وُكَلاَءِ بَيْتِ الرَّبِّ. [9]



4. قراءه السفر وتفاعل الملك معه

10 وَأَخْبَرَ شَافَانُ الْكَاتِبُ الْمَلِكَ قَائِلًا: «قَدْ أَعْطَانِي حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ سِفْرًا». وَقَرَأَهُ شَافَانُ أَمَامَ الْمَلِكِ. 11 فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ مَزَّقَ ثِيَابَهُ.

وَأَخْبَرَ شَافَانُ الْكَاتِبُ الْمَلِكَ قَائِلًا:
قَدْ أَعْطَانِي حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ سِفْرًا.
وَقَرَأَهُ شَافَانُ أَمَامَ الْمَلِكِ. [10]
سمع الملك الشاب كلمة الله لأول مرة في حياته، فمزَّق ثيابه في توبةٍ صادقةٍ. لم يكن يود أن يسلك في الطريق بحسب فكره البشري، إنما حسب كلمة الله.
فَلَمَّا سَمِعَ الْمَلِكُ كَلاَمَ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ، مَزَّقَ ثِيَابَهُ. [11]
لكلمة الله فاعليتها في حياة المؤمن. لقد أدرك الملك قوة الكلمة الإلهية، فإنه إذ سمع الملك كلمة الله، مزَّق ثيابه، وقام بالإصلاح فورًا، وغيًّر مسار الشعب. يُقَدِّم لنا الآباء خبرتهم مع كلمة الله.
لم يفرح الملك بالنسخة، فأراد الاحتفاظ بها في قصره كنوعٍ من البركة، ولا طلب حفظها كنسخة أصلية أثرية لها قيمتها وتقديرها، إنما طلب من كاتبه شافان أن يقرأها أمامه، وإذ سمع ما ورد فيها مزَّق ثيابه، وأودع النسخة في قلبه وفكره، لكي يتمتع بالتوبة وتجديد العهد مع الله.
v معرفة الكتب المقدسة تُقَوِّي الروح، وتُنَقِّي الضمير، وتنزع الشهوات الطاغية، وتُعَمِّق الفضيلة، وتتسامى بالعقل، وتعطي قدرة لمواجهة المفاجآت غير المنتظرة، وتحمي من ضربات الشيطان، وتنقلنا إلى السماء عينها، تُحَرِّر الإنسان من الجسد، وتهبه أجنحة للطيران.
v عظيم هو نفع الكتب الإلهية!
عونها يحمل إلينا كل كفاية! هذا ما أعلنه بولس قائلاً: "لأن كل ما سبق فكُتب لأجل تعليمنا"... "نحن الذين انتهيت إلينا أواخر الدهور" (رو 15: 4؛ 1 كو 10: 11)...
الأقوال الإلهية هي كنز، هي مصدر غني بالأدوية، بها يستطيع الإنسان - إن أراد - أن يطفئ الكبرياء، وينعم بالهدوء في نومه، ويطأ محبة المال تحت قدميه، ويستهين بالألم، وينعم بالثقة، ويقتني الصبر.
v لا يمكن لمن أُنعِمَ عليه بفاعلية كلام الله أن يبقى هكذا في هذا الانحطاط الحاضر، بل بالأحرى يطلب له جناحين ينطلق بهما حالاً إلى الأرض العلوية، مكتشفًا نور الصالحات غير المحدودة.
v إن كان الشيطان يعجز عن الاقتراب من بيتنا ما دام قد وُضِعَ فيه الكتاب المقدس، فكم بالأولى لا يقدر روح شرير أو قوة خاطئة على الدخول في نفس تحمل مشاعر إنجيلية، أو حتى الاقتراب منها!
إذن فلتقدس نفسك وجسدك،
ليكن لك هذا في قلبك وعلى لسانك.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v تعليمك ممتلئ عيون نور من كل جانب، وهو يُنقِّي طريق العالم من العثرات.
القديس مار يعقوب السروجي
بتواضعه تمتع الملك بفاعلية كلمة الله في حياته.
v لا نقرأ في الكتب المملوءة تواضعًا عندما يوجد فينا الكبرياء.
إن لم تغطس النفس تحت التراب بالتواضع، لا يظهر لها جمال الكتاب، لأن جماله موجود حيث يشاهد تواضعه.
كُتُبُ الابن تُعَلِّمك أن تتواضع. أطلبُ منك ألا تقرأ فيها وأنت منتفخ بالكبرياء.
ابن العلي الذي نزل من السماء، وهو فوق الكل سُمِّي متواضعًا وأحقر الناس، لأنه كان متواضعًا بالحقيقة، وهو يقول لك: تعلَّم مني، لأنني وديع ومتواضع في قلبي.
v أنا لكلمتك كمثل تلميذ، وبتعليمك أصِلُ إلى الحقيقة.
القديس مار يعقوب السروجي

5. الملك يبعث مندوبين للنبية خلدة

12 وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنَ وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ وَعَكْبُورَ بْنَ مِيخَا وَشَافَانَ الْكَاتِبَ وَعَسَايَا عَبْدَ الْمَلِكِ قَائِلًا: 13 «اذْهَبُوا اسْأَلُوا الرَّبَّ لأَجْلِي وَلأَجْلِ الشَّعْبِ وَلأَجْلِ كُلِّ يَهُوذَا مِنْ جِهَةِ كَلاَمِ هذَا السِّفْرِ الَّذِي وُجِدَ، لأَنَّهُ عَظِيمٌ هُوَ غَضَبُ الرَّبِّ الَّذِي اشْتَعَلَ عَلَيْنَا، مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَسْمَعُوا لِكَلاَمِ هذَا السِّفْرِ لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْنَا». 14 فَذَهَبَ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ وَأَخِيقَامُ وَعَكْبُورُ وَشَافَانُ وَعَسَايَا إِلَى خَلْدَةَ النَّبِيَّةِ، امْرَأَةِ شَلُّومَ بْنِ تِقْوَةَ بْنِ حَرْحَسَ حَارِسِ الثِّيَابِ. وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي أُورُشَلِيمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَكَلَّمُوهَا.

وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنَ وَأَخِيقَامَ بْنَ شَافَانَ وَعَكْبُورَ بْنَ مِيخَا وَشَافَانَ الْكَاتِبَ وَعَسَايَا عَبْدَ الْمَلِكِ قَائِلًا: [12]
اذْهَبُوا، اسْأَلُوا الرَّبَّ لأَجْلِي وَلأَجْلِ الشَّعْبِ وَلأَجْلِ كُلِّ يَهُوذَا،
مِنْ جِهَةِ كَلاَمِ هَذَا السِّفْرِ الَّذِي وُجِدَ.
لأَنَّهُ عَظِيمٌ هُوَ غَضَبُ الرَّبِّ الَّذِي اشْتَعَلَ عَلَيْنَا.
مِنْ أَجْلِ أَنَّ آبَاءَنَا لَمْ يَسْمَعُوا لِكَلاَمِ هَذَا السِّفْرِ،
لِيَعْمَلُوا حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْنَا. [13]
واضح هنا أن سفر الشريعة كان موجودًا في زمان آبائهم، وفُقِدَ في زمان حديث. إذ سمع يوشيا كلمات الناموس أدرك في الحال أن مملكته قد انحرفت عن الله، وأخذ خطوات عملية للإصلاح. وكما يقول الرسول بولس إن "بالناموس معرفة الخطية" (رو 3: 20)، أما العلاج العملي فهو الالتقاء بالمُخَلِّص غافر الخطايا، إذ يقول: "كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح، لكي نتبرَّر بالإيمان" (غل 3: 24).
فَذَهَبَ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ وَأَخِيقَامُ وَعَكْبُورُ وَشَافَانُ وَعَسَايَا إِلَى خَلْدَةَ النَّبِيَّةِ،
امْرَأَةِ شَلُّومَ بْنِ تِقْوَةَ بْنِ حَرْحَسَ حَارِسِ الثِّيَابِ.
وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي أُورُشَلِيمَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَكَلَّمُوهَا. [14]
خلدة النبية: ذَكَرَ الكتاب المقدس نبيات أعطيت لهن مواهب مقدسة، مثل مريم النبية أخت هرون التي خرجت تضرب بالدف وسط النساء تُرَنِّم تسبحة النصرة بعد عبور البحر الأحمر (خر 15: 20)، ودبورة القاضية (قض 4: 3-4)، وزوجة إشعياء (إش 8: 3)، وخلدة النبية (2 مل 22: 14) وحنة بنت فنوئيل (لو 2: 36) وأربع بنات فيلبس المُبَشِّر (أع 21: 9). كما يتحدث حزقيال النبي عن النبيات الكاذبات اللواتي حوَّلن كلمة الرب إلى تجارةٍ ومكسبٍ ماديٍ: "أفتصطدن نفوس شعبي، وتستحيين أنفسكن، وتنجسنني عند شعبي لأجل حفنة شعير ولأجل فتات من الخبز لإماتة نفوس لا ينبغي أن تموت، واستحياء نفوس لا ينبغي أن تحيا بكذبكن على شعبي السامعين للكذب" (حز 13: 18-19). إنها تجارة رديئة، تُباع النفوس بثمنٍ بخسٍ، من أجل حفنة شعير أو فتات من الخبز، يُسَلِّمن النفوس البريئة للموت، ويبرئن النفوس الشريرة المستحقة للموت.
لم يُشِر الكتاب المقدس إلى خلدة النبية إلا هنا وفي (2 أي 34: 22-28)، لكن واضح مدى اعتزاز القادة الروحيين بآرائها وأفكارها في الرب. لقد كانت ملتهبة بالغيرة المقدسة، تتحدث مع الله، وهو يكشف لها عن أسرار خطته نحو المملكة. قامت بعمل النبوة في أيام إرميا النبي وصفنيا. يُقال إن شلَّوم زوجها قريب إرميا النبي (إر 32: 7-12).
يتساءل العلامة أوريجينوس إن كان الرسول بولس يوصي النساء بالصمت في الكنيسة، فكيف وُجدتْ نساء نبيات في العهدين القديم والجديد.
v إن كان الأمر هكذا، ماذا نقول عن فيلبس الذي كان له أربع بنات يتنبأن؟ إن كن قادرات على فعل ذلك، لماذا لا يُسمَح للنبيات عندنا أن يتنبأن؟
نجيب على هذا السؤال هكذا.
أولا: إن كانت النبيات لدينا يتكلمن، فلتُظهرن علامات النبوة فيهن.
ثانيُا: حتى إن كانت بنات فيلبس يتنبأن لم يفعلن ذلك داخل الكنيسة. هكذا في العهد القديم بالرغم من أن دبورة قيل إنها كانت نبية (قض 4:4) لم توجد أية إشارة أنها وجَّهت حديثًا للشعب مثل إشعياء أو إرميا، نفس الأمر بالنسبة لخلدة (2 مل 22: 14).
العلامة أوريجينوس
v [الصلاة التي تُتلَى في إقامة الشمامسة]:
أيها الإله السرمدي، أب ربنا يسوع المسيح، خالق الرجل والمرأة، يا من زوَّد بالروح مريم ودبُّورة وحنَّة وخُلدة (خر 15: 20؛ قض 4:4؛ لو 2: 36؛ 2 مل 22: 14)، يا من لم يستنكف ولادة ابنه الوحيد من امرأة...
دساتير الرسل القديسين
vتنبأ نساء أيضًا. في القديم مريم أخت موسى وهرون (خر 15: 20)، وبعدها دبورة (قض 4: 4)، بعهدما خلدة [14] ويهوديت (يهو 8)، الأولى في عهد يوشيا والثانية في أيام داريوس. كذلك والدة الإله تنبأت ونسيبتها اليصابات وحنة (لو 1-2). وفي أيامنا بنات فيلبس (أع 21: 9). ومع هذا هؤلاء لم يَسْخَرن برجالهن، بل حفظن قدرهن. لذلك إن كان بينكم من نال موهبة – رجلاً كان أم امرأة – فليكن متواضعًا لكي يسر الله به.
الدسقولية
v لسنا في حاجة أن ندهش أن خلدة النبية، زوجة شالوم، استشارها يوشيا ملك يهوذا، عندما اقترب السبي، وكان غضب الله يحلُّ على أورشليم، فإن هذا هو تدبير الكتاب المقدس عندما يفشل الرجال القديسون يُمتدَح النساء لتوبيخ الرجال.
القديس جيروم
يرى البعض أن طلب الملك من رئيس الكهنة وكاتب الملك وغيرهما من القادة أن يذهبوا للنبية خلدة يسألونها باسم الملك عن الطريق الذي يتخلص فيه من اللعنات الواردة في سفر الشريعة يُعتبَر أمرًا فريدًا. فقد كان إرميا قد بدأ عمله النبوي، لكن في ذلك الحين كان في قرية عناثوث، يصعب الوصول إليه، خاصة وأن أهله كانوا ضده، وسبق أن اتهموه بالخيانة الوطنية. أما صفنيا الذي بدأ عمله النبوي في أيام يوشيا الملك، فلم يكن بعد قد بدأ العمل. وكان رئيس الكهنة وكاتب الملك المامًا بالأمور المقدسة، لكن ربما خشى الملك أنه بسبب مركزهما لا يجسران على النطق بصراحة بخصوص حلول اللعنات والمتاعب على المملكة، لذا فضَّل الملك الالتجاء إلى نبية، قد عُرِفَ الأنبياء بالصراحة وعدم إخفاء ما سيحل بالمملكة بسبب غضب الله!

6. إعلان غضب الرب على المملكة

فَقَالَتْ لَهُمْ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ.
قُولُوا لِلرَّجُلِ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ إِلَيَّ: [15]
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا جَالِبٌ شَرًّا عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ،
كُلَّ كَلاَمِ السِّفْرِ الَّذِي قَرَأَهُ مَلِكُ يَهُوذَا، [16]
مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُونِي وَأَوْقَدُوا لآلِهَةٍ أُخْرَى لِكَيْ يُغِيظُونِي بِكُلِّ عَمَلِ أَيْدِيهِمْ،
فَيَشْتَعِلُ غَضَبِي عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَلاَ يَنْطَفِئُ. [17]

7. إعلان ضم الملك إلى آبائه

وَأَمَّا مَلِكُ يَهُوذَا الَّذِي أَرْسَلَكُمْ لِتَسْأَلُوا الرَّبَّ، فَهَكَذَا تَقُولُونَ لَهُ:
هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ مِنْ جِهَةِ الْكَلاَمِ الَّذِي سَمِعْتَ: [18]
مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رَقَّ قَلْبُكَ وَتَوَاضَعْتَ أَمَامَ الرَّبِّ،
حِينَ سَمِعْتَ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَعَلَى سُكَّانِهِ،
أَنَّهُمْ يَصِيرُونَ دَهَشًا وَلَعْنَةً،
وَمَزَّقْتَ ثِيَابَكَ وَبَكَيْتَ أَمَامِي.
قَدْ سَمِعْتُ أَنَا أَيْضًا يَقُولُ الرَّبُّ. [19]
لِذَلِكَ هَئَنَذَا أَضُمُّكَ إِلَى آبَائِكَ،
فَتُضَمُّ إِلَى قَبْرِكَ بِسَلاَمٍ،
وَلاَ تَرَى عَيْنَاكَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا جَالِبُهُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ.
فَرَدُّوا عَلَى الْمَلِكِ جَوَابًا. [20]

مات يوشيا في معركة (2 مل 23: 29-30)، ومع هذا كان وعد الله له على لسان خلدة "فتُضم إلى قبرك بسلام". وكان موته في المعركة يُعتبَر في عيني الله موت بسلام. هذه الميتة أفضل بكثير من بقائه حيًا يرى الكوارث التي تحل بشعبه، فتتمرر نفسه جدًا. لذلك قيل: [وجه الصديق يُضم من الشر].
مات يوشيا بعدما مُلْكِ 31 سنة، ودُفن في قبور آبائه، وناح عليه كل يهوذا وأورشليم، ورثاه إرميا، فترك ذكرًا طيبًا، وانضم إلى قبره بسلام، وإن كان قد قُتل في الحرب.

من وحي 2 مل 22

ضُمني إلى آبائي فيك يا رب!

v أشكرك يا رب، لأنك وهبتني يديدة المحبوبة لك أمًا لي.
حسبتني ابنًا لكنيستك أتمتع بلبنها المقدس.
أشرب من لبن التعليم السليم طعامًا مقدسًا للروح.
أختبر أحضانك المفتوحة لي وتترقب اتكائي فيها.
تستقر أعماقي فيك، فأصير محبوبًا منك.
ولا تستريح نفسي حتى أحب كل البشر!
متى يجتمع كل البشر فيك،
لتحمل روحك يا محب البشر؟!
v لأهرب إليك وأختبئ فيك يا حصن حياتي.
فلا تستطيع كل قوى إبليس أن تغويني.
ولا تتسلل الحية القديمة إلى عدن التي في داخلي.
v اهتم يوشيا بترميم بيتك الذي ثار ضده ملوك سابقين.
بروحك الناري تُقيم هيكلك المقدس في أعماقي.
تصير نفسي أورشليم الجديدة، أيقونة السماء!
سفر شريعتك منحوت بروحك القدوس في قلبي.
لأحفظ إنجيلك فيلتهب قلبي بتهليل سماوي لا ينقطع.
v كلمتك قوية وجبارة،
تحملني من مجدٍ إلى مجدٍ،
وتضمني إلى صفوف السمائيين،
وتهبني عربون السماء!
v أنضم إلى خورس السمائيين، كما إلى خورس المؤمنين.
تُرَى هل هما خورسان أم خورس واحد للسمائيين والبشر؟!
لأنضم إلى آبائي، ولا ترى عيناي الشر الذي يحل بالأشرار.
v ضُمِّني إليك فأثبت فيك،
وتُسَر نفسي بثبوت الملايين بل والبلايين فيك!
v هب لي ألا استصغر نفسي،
لأني فيك وبك أستطيع كل شيءٍ.
هبْ لي مع الطفل الملك يوشيا،
أن أبدأ حسنًا، وأسير حسنًا، وأنطلق من العالم حسنًا!
لتكن أنت هو البداية، تسير معي كل طريق حياتي.
v إلهي، كم تشتهي نفسي تقديس العالم كله.
من يقدر أن يتقدس، وقد بدا كأن عدو الخير
وضع العالم في الظلمة؟
هبْ لي يا أيها القدوس أن أتقدَّس،
فتقود بروحك القدوس كل حركة إصلاح.
تُرسِل أناسًا مُقدَّسين غيورين على ملكوتك!


إصلاحات يوشيا وموته


إن كان يوشيا هو آخِر ملك صالح في يهوذا، فلماذا أورد الكاتب إصلاحاته قبل موته؟ مع تأكيد أن "الرب لم يرجع عن حمو غضبه العظيم، لأن غضبه حمي على يهوذا من أجل جميع الإغاظات التي أغاظه إياها منسى" [26]؟
لقد بدأ إرميا خدمته في السنة الثالثة عشرة لملك يوشيا (626 ق.م)، أي قبل حوالي خمس سنوات من حركة الإصلاح الدينية العظيمة الواردة في (2 مل 23)[1]، واستمر في عمله النبوي حتى حوالي سنة 586 ق.م، أي لمدة حوالي 40 عامًا. بالرغم من مقاومة يوشيا الملك للوثنية بكل طاقاته، لكن تيار الفساد كان متغلغلاً في النفوس. لم يهتم الرؤساء المدنيون والدينيون والشعب أيضًا بإصلاح قلوبهم، مكتفين بترميم الهيكل وممارسة العبادة في شكليات بلا روح، ممتزجة بالرجاسات الوثنية، لذلك كانت دعوة إرميا النبي تتركز في الإصلاح القلبي.
لقد سمح الله بقيام المُصلِح العظيم يوشيا الملك بعد منسى وآمون الملكين الشريرين، لكي لا يجد القادة والشعب عذرًا لأنفسهم. فإن كانوا قد تجاوبوا مع منسى الشرير وأيضًا ابنه آمون، فقد أرسل المُصلِح المستقيم في عمله، ومع هذا بقوا في قلوبهم أشرارًا. تجاوبوا في المظهر الخارجي، أما قلوبهم فبقيت في شرها. وكأن قيام يوشيا يُعتبر أخِر فرصة للقادة والشعب أن يرجعوا بقلوبهم للرب، فلم يرجعوا.



1. اجتماع شعبي حول كلمة الله

1 وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ، فَجَمَعُوا إِلَيْهِ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. 2 وَصَعِدَ الْمَلِكُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ وَجَمِيعُ رِجَالِ يَهُوذَا وَكُلُّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ، وَالْكَهَنَةُ وَالأَنْبِيَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، وَقَرَأَ فِي آذَانِهِمْ كُلَّ كَلاَمِ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 3 وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَطَعَ عَهْدًا أَمَامَ الرَّبِّ لِلذَّهَابِ وَرَاءَ الرَّبِّ، وَلِحِفْظِ وَصَايَاهُ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ بِكُلِّ الْقَلْبِ وَكُلِّ النَّفْسِ، لإِقَامَةِ كَلاَمِ هذَا الْعَهْدِ الْمَكْتُوبِ فِي هذَا السِّفْرِ. وَوَقَفَ جَمِيعُ الشَّعْبِ عِنْدَ الْعَهْدِ.

وَأَرْسَلَ الْمَلِكُ،
فَجَمَعُوا إِلَيْهِ كُلَّ شُيُوخِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ. [1]
وَصَعِدَ الْمَلِكُ إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ،
وَجَمِيعُ رِجَالِ يَهُوذَا وَكُلُّ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ،
وَالْكَهَنَةُ وَالأَنْبِيَاءُ وَكُلُّ الشَّعْبِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ،
وَقَرَأَ فِي آذَانِهِمْ كُلَّ كَلاَمِ سِفْرِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي وُجِدَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. [2]
عندما أبلغ رئيس الكهنة الملك بوجود سفر الشريعة في بيت الرب، وقدَّمه لشافان كاتب الملك، قام الكاتب بقراءته أمام الملك (2 مل 22: 10). الآن يقوم الملك بنفسه بقراءة السفر، وهذا أمر غريب، إذ كان غالبًا ما تُترَك القراءة لرئيس الكهنة أو أحد الأنبياء مثل إرميا وصفينا وغيرهما متى كانوا حاضرين، لكن بسبب غيرة الملك واشتياقه أن يدخل الكل في تجديد العهد مع الله قام الملك نفسه بقراءته.
رأينا في الأصحاح السابق كيف أهمل الكل كلمة الله حتى لم يكن أحد يعرف أين توجد نسخة سفر الشريعة الخاصة بالهيكل. لاحظنا أن الملك وهو يسمع ما ورد في النسخة كان كمن يسمعها لأول مرة. الآن اشتاق الملك أن تكون الشريعة المقدسة هي الأساس الذي تُبنى عليه كل المملكة، من الملك ورجال قصره إلى رئيس الكهنة والقادة الدينيين والمدنيين.
القول: "جميع رجال يهوذا وكل سكان أورشليم" لا يستلزم حضور كل شخصٍ، بل نواب الشعب على اختلاف رتبهم. ويُقصَد بالأنبياء جميع الذين يتكلمون عن الرب، مثل المُعَلِّمين والمُصْلِحين لحياة الشعب الروحية.
"قرأ... كلام سفر الشريعة" مثل موسى (خر 24: 3-8) ويشوع (يش 8: 34- 35). سار يوشيا على منهج القادة الأتقياء القدامى (تث 17: 18-20؛ 31: 9-13)، واجتمع بالشعب لتجديد العهد مع الله (يش 24). بقوله: "قرأ... كل كلام سفر الشريعة" لا يعني أنه قرأ أسفار موسى الخمسة كلها، إنما قرأ الوصايا وكل ما يختص بواجبات الشعب نحو الرب.
يبدأ الإصلاح الحقيقي بالالتقاء معًا حول كلمة الله، فمع التزامنا بالعلاقة الشخصية مع الله خلال كلمته، يليق أن نجتمع معًا بروح الحب والوحدة. فكلمة الله هي أساس كل إصلاح على مستوى شخصي كما على مستوى كنسي أو جماعي.
هذا ومن جانب آخر، فإن اجتماع الكل معًا إنما يحمل دعوة للحب الأخوي في الرب، بدونه لا ننعم ببركات الكلمة الإلهية. وكما يقول القديس مار يعقوب السروجي بأنه يليق بالمتكلم والسامع كلاهما أن يتسما بالحب.
v اسمعوني أنتم إذًا بالمحبة، كما أتكلم (بالمحبة)، فبدون المحبة لا تُسمَع الكلمة العجيبة.
من يحب يجد الكثير من التعليم، لأن المحبة تفتح الباب لقبول الكلمة.
v ليجلبك الحب، كما أن الحب يحركني أنا أيضًا لأتكلم، لأن الفائدة لا تُجمَع إلا بالمحبة.
v يلزم أن تقوم المحبة مثل الوسيط، لأنه من يسمع بلا محبة لا يفهم
القديس مار يعقوب السروجي
وَوَقَفَ الْمَلِكُ عَلَى الْمِنْبَرِ،
وَقَطَعَ عَهْدًا أَمَامَ الرَّبِّ لِلذَّهَابِ وَرَاءَ الرَّبِّ،
وَلِحِفْظِ وَصَايَاهُ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ بِكُلِّ الْقَلْبِ وَكُلِّ النَّفْسِ،
لإِقَامَةِ كَلاَمِ هَذَا الْعَهْدِ الْمَكْتُوبِ فِي هَذَا السِّفْرِ.
وَوَقَفَ جَمِيعُ الشَّعْبِ عِنْدَ الْعَهْدِ. [3]
وقف الملك على المنبر أو المنصة النحاسية التي صنعها سليمان، وقد اعتاد الملوك أن يقفوا عليها عندما كانوا يوجهون حديثًا للشعب (2 أي 6: 13).
غاية الله دخولنا في عهد مع الله. قيل: "الكلام الذي صار إلى إرميا من قِبَل الرب قائلاً: اسمعوا كلام هذا العهد، وكلموا رجال يهوذا وسكان أورشليم" (إر 11: 1-2). يرى البعض أن النبي يشير هنا إلى الملك يوشيا والشيوخ الذين أكدوا ولاءهم للعهد المُقام بين الله وشعبه على جبل حوريب بسيناء، العهد الذي سُجِّل في درج (كتاب)، وُوجِدَ في الهيكل أثناء الإصلاح، وقد ارتبطوا به وتعهدوا أن يتمموا كلماته المكتوبة (2 مل 23: 3). فالحديث هنا موجه إلى مندوبين من قِبَل الملك.
يرى العلامة أوريجينوس أن الكلام الذي صار إلى إرميا من قبل الرب هو الكلمة الإلهي، إذ يقول:
[إذا تأملنا في قصة مجيء ربنا يسوع المسيح كما وصفتها الكتب التاريخية، كان مجيئه في الجسد مرة واحدة فقط خلالها أنار العالم كله: "والكلمة صار جسدًا، وحل بيننا". كان بالفعل "النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسانٍ آتيًا إلى العالم، كان في العالم، وكوِّن العالم به، ولم يعرفه العالم. إلى خاصته جاء، وخاصته لم تَقْبله".
مع ذلك يجب أن نعرف أنه جاء أيضًا قبل ذلك، وإن لم يكن بالجسد. جاء في كل واحدٍ من القديسين! كما أنه بعد مجيئه المنظور بالجسد يأتي إلينا أيضًا الآن.
إن كنتَ تريدُ دليلاً على هذا، أنصت إلى هذه الكلمات: "الكلام (الكلمة) الذي صار إلى إرميا من قِبل الرب قائلاً: اسمعوا".
ما هي إذًا تلك الكلمة التي صارت إلى إرميا أو إلى إشعياء أو حزقيال أو إلى غيرهم من الأنبياء، من قِبَل الرب، إلا الكلمة الذي كان عند الله منذ البدء؟ بالنسبة لي، لا أعرف كلمة أخرى للرب إلا التي قال عنها يوحنا الإنجيلي: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله".]
يلزمنا أن نعرف هذا: كان مجيء الكلمة أيضًا على مستوى شخصي. لأنه ماذا يفيدني إن كان الكلمة قد جاء إلى العالم، بينما أنا لا أحمله؟ لكن على العكس، حتى لو لم يكن قد جاء بعد إلى العالم كله، وكنت أنا مثل الأنبياء، يجيء إليَّ الكلمة. أقول مؤكِدًا أن السيد المسيح جاء إلى موسى وإلى إرميا وإلى إشعياء وإلى كل واحدٍ من الأبرار، وأن الكلمة التي قالها لتلاميذه: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر"، تحققت بالفعل قبل مجيئه. كيف كان لهؤلاء الأنبياء أن ينطقوا بكلام الله إن لم يكن كلمة الله قد جاء إليهم؟... ماذا نسمع نحن أيضًا من هذا (الكلمة) الكلام؟
رجال يهوذا هم نحن، لأننا مسيحيون، وجاء المسيح من سبط يهوذا. إذا كنت قد أوضحت من خلال الكتاب المقدس أن كلمة "يهوذا" يُقصَد بها السيد المسيح، فإن رجال يهوذا في هذه الحالة لن يكونوا اليهود الذين لا يؤمنون بالسيد المسيح، وإنما نحن كلنا الذين نؤمن به.
يتعلَّق الأمر هنا بالكنيسة، لأن الكنيسة هي مدينة الله، ومدينة السلام، وفيها يتراءى ويعظم سلام الله المُعطي لنا، إذا كنا نحن أيضًا أبناء سلام.
يقول العلامة أوريجينوس: [مَن الذي يسمع أفضل لكلام العهد الذي أمر الله به الآباء؟ هل الذين يؤمنون به، أم الذين -بحسب الأدلة الموجودة عندنا- لا يؤمنون حتى بموسى حيث أنهم لم يؤمنوا بالرب؟ يقول لهم المخلص: [لو كنتم آمنتم بموسى لآمنتم بي أنا أيضًا، لأنه تكلم عني في كتبه، ولكن إن كنتم لا تؤمنون بكتاباته، فكيف تؤمنون بكلامي](*). إذًا لم يؤمن هؤلاء الناس بموسى، أما نحن، فبإيماننا بالسيد المسيح، نؤمن أيضًا بالعهد الذي أُقيم بواسطة موسى، أي "العهد الذي أمرت به آباءكم".]
لم يظهر هنا أن الرب تكلم أو وعد شعبه بشيءٍ جديدٍ، بل كان الحديث كله من جانب الشعب وكان عهدهم أن يرجعوا إلى الله، ويحفظوا الشريعة التي أهملوها، فلم يكن العهد مع الرب، بل أمام الرب [3].
كيف نجلب شعب الله للتجديد؟ بالاستماع إلى كلمة الله، وتعلمها. لقد جمع يوشيا الشيوخ والشعب لسماع كلمة الله، فالكل قادة وشعبًا في حاجة أن يعيشوا خلال إعلان الله.
v يبدو أن العهود واستلام الناموس هما ذات الشيء، لكنني أظن أنه يوجد فارق بينهما. فالناموس أُعطي مرة واحدة بواسطة موسى، وأن العهد أُعطي مرارًا [مثل (تك 9: 8–17؛ 15: 18؛ 2 صم 23: 5) إلخ.]. ففي كل مرة يخطئ الشعب يُطرَح، ويفقدون الميراث. وفي كل مرة يستعطفون الله يدعوهم مرة أخرى لميراث ممتلكاتهم. إنه يُجَدِّد العهود، ويُعلِن أنهم ورثة مرة أخرى[6].
العلامة أوريجينوس
وقوف الشعب علامة تقديرهم وتوقيرهم لكلمة الله، وقبولهم كل ما قرأه الملك في آذانهم.



2. تطهير الهيكل من العبادة الوثنية

4 وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ، وَكَهَنَةَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ، وَحُرَّاسَ الْبَابِ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ هَيْكَلِ الرَّبِّ جَمِيعَ الآنِيَةِ الْمَصْنُوعَةِ لِلْبَعْلِ وَلِلسَّارِيَةِ وَلِكُلِّ أَجْنَادِ السَّمَاءِ، وَأَحْرَقَهَا خَارِجَ أُورُشَلِيمَ فِي حُقُولِ قَدْرُونَ، وَحَمَلَ رَمَادَهَا إِلَى بَيْتِ إِيلَ. 5 وَلاَشَى كَهَنَةَ الأَصْنَامِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ مُلُوكُ يَهُوذَا لِيُوقِدُوا عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَمَا يُحِيطُ بِأُورُشَلِيمَ، وَالَّذِينَ يُوقِدُونَ: لِلْبَعْلِ، لِلشَّمْسِ، وَالْقَمَرِ، وَالْمَنَازِلِ، وَلِكُلِّ أَجْنَادِ السَّمَاءِ. 6 وَأَخْرَجَ السَّارِيَةَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ خَارِجَ أُورُشَلِيمَ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ وَأَحْرَقَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ، وَدَقَّهَا إِلَى أَنْ صَارَتْ غُبَارًا، وَذَرَّى الْغُبَارَ عَلَى قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ.

وَأَمَرَ الْمَلِكُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنَ الْعَظِيمَ وَكَهَنَةَ الْفِرْقَةِ الثَّانِيَةِ وَحُرَّاسَ الْبَابِ،
أَنْ يُخْرِجُوا مِنْ هَيْكَلِ الرَّبِّ جَمِيعَ الآنِيَةِ
الْمَصْنُوعَةِ لِلْبَعْلِ وَلِلسَّارِيَةِ وَلِكُلِّ أَجْنَادِ السَّمَاءِ،
وَأَحْرَقَهَا خَارِجَ أُورُشَلِيمَ فِي حُقُولِ قَدْرُونَ،
وَحَمَلَ رَمَادَهَا إِلَى بَيْتِ إِيلَ. [4]
إذ كانت كلمة الله مفقودة، ولا موضع لها في قلوب الجميع، فلا ندهش إن كانت العبادة الوثنية ورجاساتها تسللت إلى بيت الرب وإلى كل أرض الموعد في يهوذا كما في إسرائيل، وعلى كل المرتفعات والبقاع. لذلك كان أول عمل للجميع بعد الاستماع لكلمة الله، هو الخلاص من هذا الوباء الخطير.
يرى البعض أن كهنة الفرقة الثانية تعني نواب رئيس الكهنة وليس نائبًا واحدًا. ويرى آخرون أن رئيس الكهنة يُعتبَر الفرقة الأولى، وجميع الكهنة دونه يُحسَبون الفرقة الثانية.
كان يوشيا على علاقة وثيقة مع الله، وكان مُصلحًا مثل جده حزقيا، طهَّر الهيكل وأحيا الطاعة للشريعة الإلهية، فقد أكد يوشيا إيمانه بأعماله (يع20:2؛ إر15:22-16).
يُقصَد بالآنية هنا جميع ما يختص بعبادة الأصنام كالمذابح وحلل الكهنة والتماثيل والأوعية والأدوات.
حُملتْ الآنية التي كانت تُسْتَخْدَم في العبادة الوثنية إلى حقول قدرون في إصلاحات آسا (1 مل 15: 13)، وإصلاحات حزقيا (2 أي 29: 16؛ 30: 14)، وإلى بيت إيل وحُمِل رماد الآنية الدينية كإدانة علنية وجريئة ضد الطقوس الوثنية وإدانة للموضع الذي ارتبط بها (1 مل 12: 28-30؛ عا 4: 4-5). تأثرت المملكة الشمالية أيضًا بإصلاحات يوشيا.
حرقها خارج أورشليم، حتى لا تتدنس المدينة برمادها.


يرى[7]R.E. Clements أن إقامة السواري مرتبط بطقوس خاصة بالخصوبة، إذ كانوا يتطلعون إلى الخصوبة والممارسات الجسدية كأمرين يمسان قوة الحياة السرية، لهما آثارهما حتى على محاصيل النباتات وإخصاب الحيوانات. هذه القوة تصدر عن ممارسات بين الآلهة والإلهات، وإن ممارسة الرجال والنساء ومشاركتهم في هذه الطقوس تعطيهم قوة الحياة.
لعله لهذا السبب كانت الرجاسات تُمارس بجوار مذابح مُقامة تحت كل شجرة خضراء على أكمة مرتفعة، لكي تقدم الآلهة الخصوبة للنباتات والحيوانات كما للإنسان.
لا يقف الأمر عند خصوبة النباتات والحيوانات، وإنما هذه الممارسات - في ذهنهم - تهبهم قوة للصراع ضد قوى الموت السرية غير المنظورة. وكأن الخصوبة والجنس يمثلان حياةً أو موتًا، بقاءً أو دمارًا! لهذا لا نعجب إن ارتبطت المذابح والسواري بالممارسات الدنسة والرجاسات كطقس ديني.
حقول قدرون: هي وادي قدرون إلى جهة الشرق من أورشليم، تفصل بين المدينة وجبل الزيتون. كان في هذا المكان مقبرة لعامة الشعب، وكان في هذه الناحية وادي ابن هنوم.
وَلاَشَى كَهَنَةَ الأَصْنَامِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ مُلُوكُ يَهُوذَا لِيُوقِدُوا عَلَى الْمُرْتَفَعَاتِ،
فِي مُدُنِ يَهُوذَا وَمَا يُحِيطُ بِأُورُشَلِيمَ،
وَالَّذِينَ يُوقِدُونَ لِلْبَعْلِ:
لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْمَنَازِلِ،
وَلِكُلِّ أَجْنَادِ السَّمَاءِ. [5]
ما ورد هنا بخصوص كهنة الأوثان ذكره أيضًا صفينا (صف 1: 4). هؤلاء الكهنة سبق فعيَّنهم بعض ملوك يهوذا السابقين. تحدث أيضًا هوشع عن إدانة الكهنة الوثنيين الذين كانوا يقودون عبادة العجل في بيت إيل (هو 10: 5).
لا يقصد بقوله "لاشى" أنه قتلهم، بل طردهم من خدمتهم الوثنية. الخطوة التالية للتجديد هي نزع كل ما هو غريب عن هيكل الرب. فمن يريد أن يتبع الرب يليق به أن ينصت إلى كلمته ويطيعها، ويرفض بكل قلبه الظلمة وأعمالها.
وَأَخْرَجَ السَّارِيَةَ مِنْ بَيْتِ الرَّبِّ خَارِجَ أُورُشَلِيمَ إِلَى وَادِي قَدْرُونَ،
وَأَحْرَقَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ،
وَدَقَّهَا إِلَى أَنْ صَارَتْ غُبَارًا،
وَذَرَّى الْغُبَارَ عَلَى قُبُورِ عَامَّةِ الشَّعْبِ. [6]
السارية: هي تمثال عشتروث (جمعها عشتاروت).
بالنسبة للسواري الخشبية المرتبطة بعبادة Asherah سبق أن حطَّمها الملك حزقيا (2 مل 18: 4)، لكن عاد منسى فأدخلها (2 مل 21: 7) وأيضًا آمون ويهوأحاز (2 مل 21: 21؛ 13: 6).



3. هدم بيوت المأبونين

وَهَدَمَ بُيُوتَ الْمَأْبُونِينَ الَّتِي عِنْدَ بَيْتِ الرَّبِّ،
حَيْثُ كَانَتِ النِّسَاءُ يَنْسِجْنَ بُيُوتًا لِلسَّارِيَةِ. [7]

بلغ الفساد أنه وجدت ممارسات قبيحة كجزءٍ من عبادة الكنعانيين (1 مل 14: 24؛ 15: 12؛ 22: 46). ما هو أخطر أن هؤلاء الأشخاص المنحرفين ليس فقط يتاجرون بالقبائح في أورشليم، وإنما أدخلوها إلى هيكل الرب.
كانت الأعمال القبيحة التي يمارسها المأبونون تُحسَب خدمة للآلهة، فكانت بيوتهم بجوار بيت الآلهة.

4. تطهير مدن يهوذا والمرتفعات

8 وَجَاءَ بِجَمِيعِ الْكَهَنَةِ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا، وَنَجَّسَ الْمُرْتَفَعَاتِ حَيْثُ كَانَ الْكَهَنَةُ يُوقِدُونَ، مِنْ جَبْعَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ، وَهَدَمَ مُرْتَفَعَاتِ الأَبْوَابِ الَّتِي عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ يَشُوعَ رَئِيسِ الْمَدِينَةِ الَّتِي عَنِ الْيَسَارِ فِي بَابِ الْمَدِينَةِ. 9 إِلاَّ أَنَّ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ لَمْ يَصْعَدُوا إِلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ بَلْ أَكَلُوا فَطِيرًا بَيْنَ إِخْوَتِهِمْ.

وَجَاءَ بِجَمِيعِ الْكَهَنَةِ مِنْ مُدُنِ يَهُوذَا،
وَنَجَّسَ الْمُرْتَفَعَاتِ، حَيْثُ كَانَ الْكَهَنَةُ يُوقِدُونَ مِنْ جَبْعَ إِلَى بِئْرِ سَبْعٍ،
وَهَدَمَ مُرْتَفَعَاتِ الأَبْوَابِ الَّتِي عِنْدَ مَدْخَلِ بَابِ يَشُوعَ رَئِيسِ الْمَدِينَةِ الَّتِي عَنِ الْيَسَارِ فِي بَابِ الْمَدِينَةِ. [8]
من جبع إلى بئر سبع، تعني من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.
مرتفعات الأبواب: كانوا يوقدون على سطوح البيوت (إر 19: 13). وكان عند أبواب المدينة أبراج، ربما كانت سطوحها هي المرتفعات المشار إليها كالمكان الذي أصعد فيه ميشع ابنه مُحرَقة (2 مل 3: 27).
يرى البعض أن هذه المرتفعات هي معابد وثنية، كانوا قد بنوها عند أبواب المدينة لكونها أماكن اجتماعات.
v كيف يخدم الملوك الرب بخوفٍ إلا بمنع كل الأعمال المرتكبة ضد وصايا الرب في صرامة ورفضها؟
يخدم الملك الله، بطريق بكونه إنسانًا، وبطريق آخر بكونه ملكًا. يخدم كإنسانٍ، بأن يسلك حسب الإيمان، ويخدمه كملكٍ بأن يبذل كل الجهد بقوةٍ ضرورية أن يصدر قوانين تأمر بالصلاح وتمنع ما يضاد ذلك.
هكذا خدمه حزقيا بتحطيم البساتين وهياكل الأوثان والمرتفعات التي أُقيمتْ ضد وصايا الله (2 مل 18: 4). وهكذا خدمه يوشيا إذ فعل نفس التصرُّفات...
هكذا يخدم الملوك الرب كملوكٍ عندما يُتمِّمون أعمالاً في خدمته لا يستطيع أحد أن يُتَمِّمها غير الملوك.
القديس أغسطينوس
باب يشوع رئيس المدينة: على شمال باب المدينة؛ الموضع الذي كان فيه رئيس المدينة يتحدث مع الشعب ويأخذ قرارات. بجوار هذا الموضع كانت توجد مذابح عامة، حيث كان يُقدَّم عليها تقدِّمات لله وأحيانًا للآلهة الباطلة.
إِلاَّ أَنَّ كَهَنَةَ الْمُرْتَفَعَاتِ لَمْ يَصْعَدُوا إِلَى مَذْبَحِ الرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ،
بَلْ أَكَلُوا فَطِيرًا بَيْنَ إِخْوَتِهِمْ. [9]
دُعوا كهنة مع أنهم لم يمارسوا خدمة الكهنوت في الهيكل، لأنهم كانوا سابقًا كهنة المرتفعات، ولكنهم أكلوا من التقدمات لكونهم من بني هرون، فكانوا كالكهنة الذين فيهم عيوب (لا 21: 21-23)، وكان خبز التقدمات فطيرًا (لا 6: 16-18).
كانوا ككهنة قد قدَّموا ذبائح في المرتفعات، ومع أنها قُدِّمتْ باسم الله الحي، غير أنه إذ قدَّموها في المرتفعات لا في بيت الرب صاروا غير أهلٍ للخدمة في الهيكل. ولكنهم إذ ينتمون إلى الكهنوت كان يُقدَّم لهم بعض الأنصبة من العشور والتقدمات والفطير وخبز التقدمة[9].

5. تنجيس توفة

وَنَجَّسَ تُوفَةَ الَّتِي فِي وَادِي بَنِي هِنُّومَ،
لِكَيْ لاَ يُعَبِّرَ أَحَدٌ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ لِمُولَكَ. [10]

يقول القديس جيرومأن توفة كانت موضعًا مبهجًا، به مياه عذبة للسقي مع ينابيع، وكانت مُزَيَّنة بالحدائق.
يرى بعض الدارسين أن مولك مرتبط بالآلهة الوثنية مثل إله العمونيين الذي يُسمَّى "مولوك" أو "ملكوم" (1 مل 11: 5) أو الإله الكنعاني (لا 20: 1-5)، وقد نُقِلَتْ هذه العبادات إلى أورشليم. يرى دارسون آخرون أن ملكوم هو اسم نوع من تقديم ذبيحة بشرية لطفلٍ مرتبطة بالبعل (إر 7: 31-32؛ 19: 5-6؛ 32: 35). توجد شهادة لذبيحة الطفل وجدت في حفريات مدينة فينيقية لقرطاجة.
كلمة "جهنّم" تتركّب من كلمتين عبريّتين: "جه، هنوم" أي "داخل هنوم". هنوم هو وادي فيه كانت تُلقَى مخلّفات الذبائح بميازيب خاصة، فكانت دائمًا مملوءة دودًا من مخلّفات الذبائح الحيوانية التي كانت تُقدَّم في الهيكل. ويُقَال إن هذا المكان استُخدِمَ بعد ذلك لإلقاء القاذورات، وكانت النار مشتعلة فيها بلا انقطاع، لحرق النفايات ولمنع انتشار الأمراض.
ومن هنا نفهم التعبير الذي استخدمه المسيح ثلاث مرات في بشارة القديس مرقس البشير عن عذاب الأشرار في جهنم: "حيث دودهم لا يموت والنار لا تُطفَأ" (مر 9: 44، 46، 48). هكذا يتَّضح كيف صار هذا الوادي، بما فيه من قذارة ونفايات ودود ونار بشكلٍ دائمٍ، صالحًا ليكون تشبيهًا تصويريًّا للمكان الأخير لاستقرار الأشرار بعد دينونتهم، حتى أن اسم هذا الوادي أُطلِقَ على هذا المكان. في هذا الوادي أجاز أحاز ومنسى أولادهما بالنار (2 مل 16: 3؛ 2 أي 28: 3؛ 33: 6). وعندما جاء يوشيا أحد ملوك يهوذا الصالحين أبطل هذه العبادات، ونجَّس ذلك الوادي ليصير مزبلة لأورشليم (2 مل 23: 10).
تُوفة:معناها موقدة أو مكان الإحراق، لأن فيها كانوا يحرقون الذبائح، ويجيزون أولادهم في النار، وهي الجزء الجنوبي الشرقي من وادي هنوم. وهو جنوب أورشليم وغربها، وينحدر من باب الخليل إلى بئر أيوب، ويُسمَّى أيضًا وادي ابن هنوم أو بني هنوم، وهم قبيلة من الكنعانيين (إش 30: 33). وكان لمولك إله بني عمون تمثال مجوَّف من نحاسٍ، كانوا يوقدون في جوفه نارًا حامية، ثم يضعون أولادهم بين يديه.

6. إزالة مركبات الشمس

وَأَبَادَ الْخَيْلَ الَّتِي أَعْطَاهَا مُلُوكُ يَهُوذَا لِلشَّمْسِ،
عِنْدَ مَدْخَلِ بَيْتِ الرَّبِّ عِنْدَ مِخْدَعِ نَثْنَمْلَكَ الْخَصِيِّ الَّذِي فِي الأَرْوِقَةِ،
وَمَرْكَبَاتِ الشَّمْسِ أَحْرَقَهَا بِالنَّارِ. [11]

كانت الخيول في الشرق مُكرَّسة لعبادة الشمس، وذلك بسبب سرعتها ومنافعها الكثيرة.
وُجدتْ حفريات في أورشليم تكشف عن مقدس خاص بعبادة الشمس، يرجع إلى عهد يهوشافاط. وُجدت خيول صغيرة عليها أقراص الشمس على جباهها في أورشليم وفي هازور Hazor.
شبَّه اليونانيون والرومانيون وغيرهم الشمس براكبٍ في مركبة يسير من المشرق إلى المغرب، وكانوا يستخدمون في احتفالاتهم الدينية مركبات الشمس. فأحرق يوشيا هذه المركبات، وأباد الخيل، أي امتنع من إعطائها لمركبات الشمس كأسلافه من ملوك يهوذا.
الخيول التي أبادها يوشيا الملك، يُقصَد بها إما خيول حية كانت تقود المركبات الخاصة بعبادة الشمس أو تماثيل للخيول المنحوتة؛ غالبًا ما يُقصَد بها المنحوتات[10]. كان هناك اعتقاد بأن الخيول كانت تسحب الشمس نفسها. أحيانًا كانت هذه الخيول تُقدَّم كذبائح للشمس، والبعض كان يستخدمها في المواكب الخاصة بتكريم الشمس. وكان عابدو الشمس أحيانًا يركبون الخيول في كل صباح لاستقبال شروق الشمس. يبدو أن الملوك الذين عبدوا الشمس مثل آحاز ومنسى أو قادتهم العظماء يركبون الخيول باكرًا كل صباح من الباب الشرقي للهيكل، ويُحَيُّون الشمس ويعبدونها عند ظهورها في الأفق[11].

7. إزالة مذابح الملوك الأشرار

12 وَالْمَذَابحُ الَّتِي عَلَى سَطْحِ عُلِّيَّةِ آحَازَ الَّتِي عَمِلَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا، وَالْمَذَابحُ الَّتِي عَمِلَهَا مَنَسَّى فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ، هَدَمَهَا الْمَلِكُ، وَرَكَضَ مِنْ هُنَاكَ وَذَرَّى غُبَارَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ. 13 وَالْمُرْتَفَعَاتُ الَّتِي قُبَالَةَ أُورُشَلِيمَ، الَّتِي عَنْ يَمِينِ جَبَلِ الْهَلاَكِ، الَّتِي بَنَاهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِعَشْتُورَثَ رَجَاسَةِ الصِّيدُونِيِّينَ، وَلِكَمُوشَ رَجَاسَةِ الْمُوآبِيِّينَ، وَلِمَلْكُومَ كَرَاهَةِ بَنِي عَمُّونَ، نَجَّسَهَا الْمَلِكُ. 14 وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ وَمَلأَ مَكَانَهَا مِنْ عِظَامِ النَّاسِ. 15 وَكَذلِكَ الْمَذْبَحُ الَّذِي فِي بَيْتِ إِيلَ فِي الْمُرْتَفَعَةِ الَّتِي عَمِلَهَا يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ، فَذَانِكَ الْمَذْبَحُ وَالْمُرْتَفَعَةُ هَدَمَهُمَا وَأَحْرَقَ الْمُرْتَفَعَةَ وَسَحَقَهَا حَتَّى صَارَتْ غُبَارًا، وَأَحْرَقَ السَّارِيَةَ. 16 وَالْتَفَتَ يُوشِيَّا فَرَأَى الْقُبُورَ الَّتِي هُنَاكَ فِي الْجَبَلِ، فَأَرْسَلَ وَأَخَذَ الْعِظَامَ مِنَ الْقُبُورِ وَأَحْرَقَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ، وَنَجَّسَهُ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ الَّذِي نَادَى بِهِ رَجُلُ اللهِ الَّذِي نَادَى بِهذَا الْكَلاَمِ. 17 وَقَالَ: «مَا هذِهِ الصُّوَّةُ الَّتِي أَرَى؟» فَقَالَ لَهُ رِجَالُ الْمَدِينَةِ: «هِيَ قَبْرُ رَجُلِ اللهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا وَنَادَى بِهذِهِ الأُمُورِ الَّتِي عَمِلْتَ عَلَى مَذْبَحِ بَيْتِ إِيلَ». 18 فَقَالَ: «دَعُوهُ. لاَ يُحَرِّكَنَّ أَحَدٌ عِظَامَهُ». فَتَرَكُوا عِظَامَهُ وَعِظَامَ النَّبِيِّ الَّذِي جَاءَ مِنَ السَّامِرَةِ. 19 وَكَذَا جَمِيعُ بُيُوتِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ الَّتِي عَمِلَهَا مُلُوكُ إِسْرَائِيلَ لِلإِغَاظَةِ، أَزَالَهَا يُوشِيَّا، وَعَمِلَ بِهَا حَسَبَ جَمِيعِ الأَعْمَالِ الَّتِي عَمِلَهَا فِي بَيْتِ إِيلَ. 20 وَذَبَحَ جَمِيعَ كَهَنَةِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي هُنَاكَ عَلَى الْمَذَابحِ، وَأَحْرَقَ عِظَامَ النَّاسِ عَلَيْهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ.

وَالْمَذَابِحُ الَّتِي عَلَى سَطْحِ عُلِّيَّةِ آحَازَ الَّتِي عَمِلَهَا مُلُوكُ يَهُوذَا،
وَالْمَذَابِحُ الَّتِي عَمِلَهَا مَنَسَّى فِي دَارَيْ بَيْتِ الرَّبِّ،
هَدَمَهَا الْمَلِكُ.
وَرَكَضَ مِنْ هُنَاكَ وَذَرَّى، غُبَارَهَا فِي وَادِي قَدْرُونَ. [12]
كان الذين يعبدون الشمس والقمر والكواكب يقيمون المذابح على الأسطح.
واضح أن آحاز كان قد بَنَى عُليَّة على أحد أبنية الهيكل، ومن سطوحها كانوا يرصدون الأجرام السماوية ويعبدونها (إر 19: 13)، وقد أقام ملوك يهوذا مذابح على هذا السطح.
وَالْمُرْتَفَعَاتُ الَّتِي قُبَالَةَ أُورُشَلِيمَ، الَّتِي عَنْ يَمِينِ جَبَلِ الْهَلاَكِ،
الَّتِي بَنَاهَا سُلَيْمَانُ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ لِعَشْتُورَثَ رَجَاسَةِ الصَّيْدُونِيِّينَ،
وَلِكَمُوشَ رَجَاسَةِ الْمُوآبِيِّينَ،
وَلِمَلْكُومَ كَرَاهَةِ بَنِي عَمُّونَ،
نَجَّسَهَا الْمَلِكُ. [13]
جبل الهلاك: قبالة أورشليم أي إلى جهة الشرق، وعن اليمين أي إلى جهة الجنوب، فهو القسم الجنوبي من جبل الزيتون. دُعي جبل الهلاك، لكونه مكان معابد الأصنام التي بناها سليمان لأجل نسائه الغريبات (1 مل 11).
كان تمثال عشتاروت الفاضح قد أقامه الملك الشرير منسى في هيكل الله (2 مل 7:21)، وكثيرًا ما توصف عشتاروت بأنها إلهة من إلاهات البحر، وأم للعديد من الآلهة بما في ذلك البعل.
يُسمَّى جبل الهلاك، لأنه أصبح بقعة مثيرة لبناء المعابد الوثنية التي قضى الله بتدميرها. هدم الملوك الأتقياء هذه المراكز، وفي العهد الجديد كثيرًا ما جلس ربنا يسوع على جبل الزيتون وعلَّم تلاميذه عن العبادة الحقيقية (مت 3:24).
دُعي الموآبيون أمة كموش (عد 21: 29) وشعب كموش ( إر 48: 46)، كما دُعي كموش "رجس الموآبيين". أدخل سليمان الملك عبادته إلى أورشليم (1 مل 11: 7)، وأبطلها يوشيا الملك حاسبًا إياها رجاسة. وكان الملوك الموآبيون ينسبون نصراتهم إلى كموش، كما يظهر في الحجر الموآبي أن الملك ميشع فعل ذلك (2 مل 3: 4).
ملكوم: كانت هناك صلة وثيقة بين كموش إله الموآبيين وملكوم إله العمونيين، وفي كلا العبادتين كان الأطفال يُقدَّمون ذبائح بإجازتهم في النار (2 مل 3: 27).
وَكَسَّرَ التَّمَاثِيلَ،
وَقَطَّعَ السَّوَارِيَ،
وَمَلأَ مَكَانَهَا مِنْ عِظَامِ النَّاسِ. [14]
ينظر إلى ملء مكانها من عظام الناس أنها نجاسة بذاتها عند اليهود كما عند الوثنيين، لأنها علامة الموت والفساد، بينما زعم الوثنيون أن الآلهة التي يعبدونها هي مصدر الحياة والخصوبة وكثرة التوليد (2 مل 21: 7).
وَكَذَلِكَ الْمَذْبَحُ الَّذِي فِي بَيْتِ إِيلَ فِي الْمُرْتَفَعَةِ الَّتِي عَمِلَهَا يَرُبْعَامُ بْنُ نَبَاطَ الَّذِي جَعَلَ إِسْرَائِيلَ يُخْطِئُ،
فَذَانِكَ الْمَذْبَحُ وَالْمُرْتَفَعَةُ هَدَمَهُمَا،
وَأَحْرَقَ الْمُرْتَفَعَةَ وَسَحَقَهَا حَتَّى صَارَتْ غُبَارًا،
وَأَحْرَقَ السَّارِيَةَ. [15]
تنبأ نبي منذ زمن بعيد عن تصرفات يوشيا التي تشجب مذبح يربعام الأول في بيت إيل (1 مل 13: 2-32). تحقيق هذه النبوة حرفيًا يؤكد أن إنسان الله القديم هذا هو نبي حقيقي (تث 18: 22).
كانت بيت إيل موضع عبادة العجلين (1 مل 12: 32). واضح أن سلطان أشور على أرض إسرائيل في ذلك الحين (2 مل 17: 24) كان ضعيفًا، لأن ملك يهوذا جاء وهدم وذبح أناسًا وأصلح دون عائق من المسئولين. هذا يطابق ما ورد في تواريخ الممالك في زمانه، لأن مملكة أشور كانت قد أوشكت أن تسقط.
وَالْتَفَتَ يُوشِيَّا، فَرَأَى الْقُبُورَ الَّتِي هُنَاكَ فِي الْجَبَلِ،
فَأَرْسَلَ وَأَخَذَ الْعِظَامَ مِنَ الْقُبُورِ،
وَأَحْرَقَهَا عَلَى الْمَذْبَحِ وَنَجَّسَهُ حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ.
الَّذِي نَادَى بِهِ رَجُلُ اللَّهِ الَّذِي نَادَى بِهَذَا الْكَلاَمِ. [16]
كان قد أتى من الشمال جماعة من السكيثيين، ودخلوا آسيا الصغرى، وقام البابليون والماديون على أشور، فانشغل الملك بهذه الحروب، وغضَّ النظر عما فعله يوشيا. وربما تسلَّط يوشيا وقتيًا على أرض إسرائيل.
انحرف الشعب إلى العبادة الوثنية، لذا هددهم الرب على لسان النبي بحلول الشر في كل موضع اُستخدم للشر، سواء كان جبلاً أو تلاً، واديًا أو نهرًا. يمتد السيف إلى صانعي الشر، فيُقتَلون وتُمحَى أعمالهم، وتصير مدنهم خرابًا وقفرًا، وتُباد مرتفعاتهم، وتُخرب مذابحهم، وتنكسر شمساتهم، وتذرى عظامهم حول مذابحهم علامة تدنيسها (2 مل 23: 16). هكذا يتحطم العابدون وموضوع عبادتهم ومكان العبادة نفسه.
ربما أحرق العظام على المذبح قبل هدمه، أو أحرقها في موضع المذبح ونجَّس حتى الموضع.
نادى رجل الله بهذا (1 مل 13: 2)، الذي تنبأ عن هذه الحادثة قبل حدوثها بثلاثمائة سنة، وسُمَّى يوشيا باسمه، ولم يعرف يوشيا ذلك إلا بعد أن تمت النبوة.
وَقَالَ: مَا هَذِهِ الصُّوَّةُ الَّتِي أَرَى؟
فَقَالَ لَهُ رِجَالُ الْمَدِينَةِ:
هِيَ قَبْرُ رَجُلِ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ مِنْ يَهُوذَا
وَنَادَى بِهَذِهِ الأُمُورِ الَّتِي عَمِلْتَ عَلَى مَذْبَحِ بَيْتِ إِيلَ. [17]
يقول القديس أغسطينوس أن ما حدث هنا هو تحقيق النبوة الواردة (1 مل 13: 2-32) التي ذكرت اسم الملك وعمله معه قبل النبوة بأكثر من 300 عام من النبوة[12].
فَقَالَ: دَعُوهُ. لاَ يُحَرِّكَنَّ أَحَدٌ عِظَامَهُ.
فَتَرَكُوا عِظَامَهُ وَعِظَامَ النَّبِيِّ الَّذِي جَاءَ مِنَ السَّامِرَةِ. [18]
النبي الذي جاء من السامرة كان نبي قديم لبيت إيل (1 مل 13: 11) اسم السامرة هنا يُقصَد بها كل المنطقة، وليس مجرد المدينة التي صارت فيما بعد عاصمة مملكة الشمال (1 مل 13: 32؛ 16: 23-24).
بعد موت رجل الله الذي شجب مذبح يربعام الأول في بيت إيل طلب أن يُدفَن في بيت إيل بجانب نبي يهوذا هذا (1 مل 13: 2، 32).
وَكَذَا جَمِيعُ بُيُوتِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ،
الَّتِي عَمِلَهَا مُلُوكُ إِسْرَائِيلَ لِلإِغَاظَةِ أَزَالَهَا يُوشِيَّا،
وَعَمِلَ بِهَا حَسَبَ جَمِيعِ الأَعْمَالِ الَّتِي عَمِلَهَا فِي بَيْتِ إِيلَ. [19]
وَذَبَحَ جَمِيعَ كَهَنَةِ الْمُرْتَفَعَاتِ الَّتِي هُنَاكَ عَلَى الْمَذَابِحِ،
وَأَحْرَقَ عِظَامَ النَّاسِ عَلَيْهَا،
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. [20]
إذ لم يكن كهنة المرتفعات من اللاويين اُستبعدوا حسب شريعة الله (تث 17: 2-7). أما الكهنة الحقيقيون للرب الذين كانوا يقدسون في المرتفعات بقوا. وإذ أزيلت المقدسات [8-9]. أخيرًا لم يستطع هؤلاء الكهنة أن يخدموا في الهيكل بأورشليم، فصاروا ككهنة بهم عيوب جسدية (لا 21: 17-23).
لقد أطال الله أناته عليهم لمدة 300 عامًا، وبسبب الكهنة هلك الكثيرون، لذلك وإن بدا هذا العمل فيه قسوة، فإن النبي لم يفعل عن نقمة شخصية، وإنما بسماح من الله لإنقاذ النفوس. هذا ما فعله إيليا في ذبح كهنة البعل (1 مل 18: 40). أما الآن في عهد النعمة، فلم يعد يجوز هذا الفعل.



8. الاحتفال بعيد الفصح

21 وَأَمَرَ الْمَلِكُ جَمِيعَ الشَّعْبِ قَائِلًا: «اعْمَلُوا فِصْحًا لِلرَّبِّ إِلهِكُمْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْعَهْدِ هذَا». 22 إِنَّهُ لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُ هذَا الْفِصْحِ مُنْذُ أَيَّامِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ حَكَمُوا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَلاَ فِي كُلِّ أَيَّامِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَمُلُوكِ يَهُوذَا. 23 وَلكِنْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ يُوشِيَّا، عُمِلَ هذَا الْفِصْحُ لِلرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ. 24 وَكَذلِكَ السَّحَرَةُ وَالْعَرَّافُونَ وَالتَّرَافِيمُ وَالأَصْنَامُ وَجَمِيعُ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي رُئِيَتْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ، أَبَادَهَا يُوشِيَّا لِيُقِيمَ كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ الْمَكْتُوبَ فِي السِّفْرِ الَّذِي وَجَدَهُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. 25 وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مَلِكٌ مِثْلُهُ قَدْ رَجَعَ إِلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ وَكُلِّ قُوَّتِهِ حَسَبَ كُلِّ شَرِيعَةِ مُوسَى، وَبَعْدَهُ لَمْ يَقُمْ مِثْلُهُ.

وَأَمَرَ الْمَلِكُ جَمِيعَ الشَّعْبِ قَائِلًا:
اعْمَلُوا فِصْحًا لِلرَّبِّ إِلَهِكُمْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي سِفْرِ الْعَهْدِ هَذَا. [21]
إذ أزالوا كل أثر للعبادة الوثنية ورجاساتها، أي أزالوا عن المملكة الخميرة القديمة، تأهلوا للاحتفال بعيد الفصح أي عيد العبور.
يليق بالمؤمن ليس فقط أن يطلب من الله أن يُطَهِّرَه من الفساد، وإنما أن يعبر به من عبودية إبليس إلى مجد حرية أولاد الله. يحمل عيد الفصح اليهودي رمزًا للعبور، لا إلى أرض الموعد، بل إلى كنعان السماوية.
قام حزقيا بالاحتفال بالفصح (2 أي 30) لكن مع بعض تعديلات (2 أي 30: 13-20). أما يوشيا فالتزم بالشريعة في الاحتفال بكل دقةٍ (2 أي 35: 1-19)، الأمر الذي لم يحدث منذ عصر القضاة. هذا وقد التزم الشعب من يهوذا وإسرائيل بحفظ الشريعة (2 أي 35: 18).
يدعونا القديس أمبروسيوس أن نقتدي بالملك يوشيا من حيث غيرته المتّقدة التي اشتعلت في قلبه.
v أحبُّوا الإيمان، فإن يوشيا بتقواه وإيمانه كسب لنفسه حبًا عظيمًا من أعدائه، إذ احتفل بفصح الرب حين كان في الثامنة عشرة من عمره (حكمه)، الأمر الذي لم يفعله أحد من قبله. بغيرة فاق فيها الذين جاءوا قبله. هكذا يا أبنائي لتُظهروا غيرة على الله تلتهمكم، فيقول كل واحدٍ منكم: "غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي" (مز 69: 9). دُعي تلميذ المسيح "الغيور" (لو 6: 15). ولماذا أتكلم عن رسولٍ؟ فإن الرب نفسه قال: "غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي" (يو2: 17). لتكن لكم إذن غيرة حقيقية على الله، لا أقصد غيرة أرضية، فإن هذه تُولِّد حسدًا.
القديس أمبروسيوس
إِنَّهُ لَمْ يُعْمَلْ مِثْلُ هَذَا الْفِصْحِ مُنْذُ أَيَّامِ الْقُضَاةِ الَّذِينَ حَكَمُوا عَلَى إِسْرَائِيلَ،
وَلاَ فِي كُلِّ أَيَّامِ مُلُوكِ إِسْرَائِيلَ وَمُلُوكِ يَهُوذَا. [22]
وَلَكِنْ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ يُوشِيَّا،
عُمِلَ هَذَا الْفِصْحُ لِلرَّبِّ فِي أُورُشَلِيمَ. [23]
من المفاهيم الخاطئة أن الله يريد أن ينزع عن الحياة الاحتفالات وروح البهجة، لكن الواقع أن الله يريدنا أن نمارس الحياة الفضلى في ملئها (يو10:10)، والذين يحبونه تتحول حياتهم إلى عيدٍ دائمٍ واحتفالٍ لا ينقطع.
في هذه السنة كان ترميم بيت الرب، والاجتماع العظيم في أورشليم، لأجل قراءة سفر الشريعة وتجديد العهد، وهدم المذابح الوثنية في أورشليم ويهوذا ومدن السامرة، وكان هذا كله يُعد لممارسة الاحتفال الفصح.
وَكَذَلِكَ السَّحَرَةُ وَالْعَرَّافُونَ وَالتَّرَافِيمُ وَالأَصْنَامُ،
وَجَمِيعُ الرَّجَاسَاتِ الَّتِي رُئِيَتْ فِي أَرْضِ يَهُوذَا وَفِي أُورُشَلِيمَ،
أَبَادَهَا يُوشِيَّا لِيُقِيمَ كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ الْمَكْتُوبَ فِي السِّفْرِ،
الَّذِي وَجَدَهُ حِلْقِيَّا الْكَاهِنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ. [24]
"ترافيم" كلمة عبرية تعني "مسعدات"، وهي أصنام أو آلهة رب البيت، صغيرة الحجم جدًا لسهولة حملها في الهروب بسرعة، يَعتقد الناس أنها مجلبة للفأل الحسن، وكانت تستشار في كل المقترحات (زك 10: 2). بحسب القانون البابلي كان لمن عنده الترافيم الحق في أن يرث نصيب البكر. وقد أباد يوشيا الترافيم مع غيرها من الأصنام.
وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ مَلِكٌ مِثْلُهُ قَدْ رَجَعَ إِلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِهِ وَكُلِّ نَفْسِهِ وَكُلِّ قُوَّتِهِ حَسَبَ كُلِّ شَرِيعَةِ مُوسَى،
وَبَعْدَهُ لَمْ يَقُمْ مِثْلُهُ. [25]
يُمتدَح كل من يوشيا وحزقيا على تقواهما؛ يوشيا بكونه أعظم من تمسك بالشريعة الإلهية في طاعة لله، فاق كل ملوك يهوذا وإسرائيل. وحزقيا بكونه أعظم مَن اتكل على الله في الإيمان (2 مل 18: 1-5).

9. غضب الرب على يهوذا

26 وَلكِنَّ الرَّبَّ لَمْ يَرْجعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ الْعَظِيمِ، لأَنَّ غَضَبَهُ حَمِيَ عَلَى يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ جَمِيعِ الإِغَاظَاتِ الَّتِي أَغَاظَهُ إِيَّاهَا مَنَسَّى. 27 فَقَالَ الرَّبُّ: «إِنِّي أَنْزِعُ يَهُوذَا أَيْضًا مِنْ أَمَامِي كَمَا نَزَعْتُ إِسْرَائِيلَ، وَأَرْفُضُ هذِهِ الْمَدِينَةَ الَّتِي اخْتَرْتُهَا أُورُشَلِيمَ وَالْبَيْتَ الَّذِي قُلْتُ يَكُونُ اسْمِي فِيهِ».

وَلَكِنَّ الرَّبَّ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِهِ الْعَظِيمِ،
لأَنَّ غَضَبَهُ حَمِيَ عَلَى يَهُوذَا مِنْ أَجْلِ جَمِيعِ الإِغَاظَاتِ الَّتِي أَغَاظَهُ إِيَّاهَا مَنَسَّى. [26]
بالرغم من الجهود المبذولة، فإن خطية يهوذا قد أحدقت بهم، وصار الحُكْم الإلهي بالتأديب لا مفر منه (2 مل 17: 18-19؛ 23: 26-27؛ مرا 1: 5). إن كان منسى قد تاب، لكنه بقى يجني ثمرة خطاياه، لأن توبته كانت مؤقتة.
تلخصت مشكلة مملكة يهوذا ككلٍ في السنوات الأخيرة قبل السبي البابلي في أمرين:
أولاً: لم يهتم الرؤساء المدنيون والدينيون والشعب بإصلاح قلوبهم، مكتفين بترميم الهيكل، وممارسة العبادة في شكليات بلا روح.
ثانيًا: كان الحُكَّام والشعب في صراع بين التحالف مع فرعون مصر أم مع أشور وفيما بعد مع بابل. فالغالبية لا تطيق بابل وتتوقع هجومها بين الحين والآخر، مما دفعهم للارتماء في أحضان فرعون مصر، وإن كانت خبرتهم مع الفراعنة كما مع بابل ليست بطيبة. ويمكننا إدراك ذلك الصراع مما حدث مع الملوك الخمسة الذين عاصرهم إرميا أثناء نبوته:
§ يوشيا الملك (626-609 ق.م): قتله المصريون في معركة مجدو.
§ يهوآحاز: خلعه فرعون بعد 3 شهور (2 أي 2:36).
§ يهوياقيم: أقامه فرعون عوض أخيه، وبقى مواليًا له لمدة 4 سنوات، وإذ غلب نبوخذناصَّر فرعون خضع لبابل، وكان موته غامضًا.
§ يهوياكين: بعد إقامته ملكًا عوض والده بـ3 شهور أسره نبوخذناصَّر.
§ صدقيا: أقامه نبوخذناصَّر عوض ابن أخيه. وكان في صراع بين ولائه لسيده في بابل وبين محاولته إرضاء الشعب الذي مال إلى فرعون مصر لحمايته من بابل، متطلعين إلى يهوياكين الأسير في بابل كملكٍ شرعي. تحالف صدقيا قلبيًا مع فرعون، فسباه ملك بابل بعد أن فقأ عينيه وسَبَى أورشليم ويهوذا (2 مل 25: 1-7).
هكذا كان يهوذا بين حجري رحى، وعوضًا عن الالتجاء إلى الله بالتوبة للتمتع بالخلاص، اتكأ على هذا أو ذاك.
فَقَالَ الرَّبُّ: إِنِّي أَنْزِعُ يَهُوذَا أَيْضًا مِنْ أَمَامِي كَمَا نَزَعْتُ إِسْرَائِيلَ،
وَأَرْفُضُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ الَّتِي اخْتَرْتُهَا أُورُشَلِيمَ،
وَالْبَيْتَ الَّذِي قُلْتُ يَكُونُ اسْمِي فِيهِ. [27]
قد يتساءل البعض: كيف يرفض الله المدينة التي اختارها الله لنفسه، وأقام بيته فيها؟ ألم يقم يوشيا بكل هذه الإصلاحات الجبارة، مع إطاعة القادة والشعب في كل ما أمر به؟
لقد مزق يوشيا ثيابه عند سماعه كلام سفر الشريعة (2 مل 22: 11)، وأقام هذا الاجتماع الشعبي العظيم، واحتفل بعيد الفصح الذي كاد الشعب أن ينساه، وأزال العبادة الوثنية ورجاساتها لا في بيت الرب وحده، بل وفي كل المدينة وفي أرجاء المملكة كلها، بل وبلغ أثره حتى على مملكة إسرائيل التي انهارت بسببها بواسطة أشور، لكن هذا كله تم في طاعة للملك الصالح وليس في توبة ورجوع إلى الله. غالبًا ما أُعجب الكثيرون إن لم يكن الكل بالملك، لكن لا يُطلَب مجرد الإعجاب بالملك التقي، ولا الطاعة لأوامره الصادقة، إنما يُطلَب صدق نقاوة قلب الشعب والتصاقه بالرب. لهذا لم يرجع الله عن حمو غضبه.

10. مقتل يوشيا في مجدو

28 وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يُوشِيَّا وَكُلُّ مَا عَمِلَ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا؟ 29 فِي أَيَّامِهِ صَعِدَ فِرْعَوْنُ نَخْوُ مَلِكُ مِصْرَ عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ. فَصَعِدَ الْمَلِكُ يُوشِيَّا لِلِقَائِهِ، فَقَتَلَهُ فِي مَجِدُّو حِينَ رَآهُ. 30 وَأَرْكَبَهُ عَبِيدُهُ مَيْتًا مِنْ مَجِدُّو، وَجَاءُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِهِ. فَأَخَذَ شَعْبُ الأَرْضِ يَهُوآحَازَ بْنَ يُوشِيَّا وَمَسَحُوهُ وَمَلَّكُوهُ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ.

وَبَقِيَّةُ أُمُورِ يُوشِيَّا وَكُلُّ مَا عَمِلَ، أَمَا هِيَ مَكْتُوبَةٌ فِي سِفْرِ أَخْبَارِ الأَيَّامِ لِمُلُوكِ يَهُوذَا. [28]
لم يذكر الكتاب شيئًا عن الأحداث من السنة الثامنة عشرة ليوشيا إلى آخر حياته، أي مدة 13 سنة، ويبدو أنه حكم بحكمةٍ وفي سلام.
يذكر التاريخ أن السيكثيين هجموا على آسيا الصغرى، وانتصر ملك مصر على فينيقية، وسقطت نينوى ومملكة أشور، وقامت مملكة بابل.
فِي أَيَّامِهِ صَعِدَ فِرْعَوْنُ نَخُو مَلِكُ مِصْرَ عَلَى مَلِكِ أَشُّورَ إِلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ.
فَصَعِدَ الْمَلِكُ يُوشِيَّا لِلِقَائِهِ،
فَقَتَلَهُ فِي مَجِدُّو حِينَ رَآهُ. [29]
يتساءل البعض: إن كان فرعون نخو ملك مصر قد صعد ضد أشور، فلماذا صعد الملك يوشيا لمقاتلة نخو، وبهذا دخل في معركة انتهت بقتل الملك الصالح يوشيا؟
توجد آراء كثيرة بخصوص هذا الموقف:
أ. في خلال السنوات الطويلة ليوشيا (640-609 ق. م) بدأت قوة أشور تتدهور حتى سقطت نينوى عام 612 ق. م، وذلك كما تنبأ ناحوم. وإذ كانت مصر في تحالف مع أشور، انطلق نخو شمالاً لمساعدة الأشوريين المُحاصرين. إذ تقدَّمتْ قوة يوشيا إلى وادي مجدو لمحاولة منع المصريين من مساندة الأشوريين في حاران؛ تأخر نخو بما فيه الكفاية حتى سقطت حاران من أيدي الأشوريين. غير أن تصرُّف يوشيا كلَّفه حياته ذاتها (2 أي 35: 20-25).
كان نخو فرعون مصر يزحف عبر مملكة إسرائيل إلى أشور متحالفًا مع أشور لمحاربة بابل التي صارت تهددها، إذ أوشكت أن تصير القوة العظمى المتسلطة في العالم. وقد خشى يوشيا أن تنقلب الدولتان ضده بعد أن يعترض جيش مصر مع بابل، لذلك حاول أن يعترض جيش مصر ويمنعه من المرور في أرضه، لكن يوشيا قُتِلَ وهُزم جيشه، وخضعت يهوذا لمصر سنة 609 ق.م (2 أي 20:35-25).
v نحن نعلم أن القديسين يُصابون بأمراض ومآسٍ وعوزٍ، وربما يُجرَّبون حتى يقولوا: "حقًا، قد زكيت قلبي باطلاً، وغسلت بالنقاوة يديَّ" (مز 73: 13)...
إن ظننتَ أن عماك سببه الخطية، وأن المرض الذي غالبًا ما يستطيع الأطباء إبراءه هو شهادة على غضب الله، فإنك تحسب اسحق خاطئًا، لأنه صار غير مُبصِرٍ تمامًا، حتى خُدِعَ عندما بارك إنسانًا لم تكن في نيته أن يباركه (تك 27).
وستتهم يعقوب بالخطية، إذ صار بصره عاجزًا، حتى لم يستطع أن يرى أفرايم ومنسى (تك 48: 10)، مع أنه ببصيرته الداخلية وروح النبوة استطاع أن يرى مقدمًا الأحداث المقبلة، وإن المسيح يأتي من النسل الملوكي (تك 49: 10).
هل من ملك أكثر قداسة من يوشيا؟ لقد ذُبح بسيف المصريين (2 مل 23: 29).
هل يوجد قديسون أسمى من بطرس وبولس؟ مع هذا سُفِكَ دمهما بسيف نيرون.
لا نتكلم بعد عن بشرٍ، ألم يحتمل ابن الله عار الصليب؟
القديس جيروم
v يوشيا أيضًا اُضطهد كما أن يسوع اُضطهد. يوشيا اُضطهد وفرعون الكسيح[15] قتله (2 مل 23: 29)، والشعب الذي صار كسيحًا قتلوا (يسوع) بخطاياهم.
طهَّر يوشيا أرض إسرائيل من الدنس، ويسوع طهَّر ونزع الدنس من كل الأرض.
بجَّل يوشيا اسم إلهه ومجَّده، ويسوع قال: [مجَّدت وسأُمجد (اسمك)] (يو 12: 28).
مزَّق يوشيا ثيابه بسبب آثام إسرائيل (2 مل 22: 11، 13)، ويسوع بسبب آثام الشعب شقَّ حجاب الهيكل المقدس (مت 27: 51).
يوشيا قال: [عظيم هو غضب الرب الذي اشتعل على هذا الشعب] (2 مل 22: 13). ويسوع قال إنه يكون سخط على هذا الشعب ويقعون بفم السيف.
نزع يوشيا الدنس من الهيكل المقدس، ويسوع طرد التجَّار الدنسين من بيت أبيه.
حزنت بنات إسرائيل وولولنَّ على يوشيا، وذلك كقول إرميا: [يا بنات إسرائيل أبكين على يوشيا] (2 أي 35: 25؛ مرا 4: 20)(**). وبكين بنات إسرائيل وحزن على يسوع، كقول زكريا: "وَتَنُوحُ الأَرْضُ عَشَائِرَ عَشَائِرَ عَلَى حِدَتِهَا" (زك 12:12؛ لو 23: 27-28).
القديس أفراهاط
ب. ارتكب يوشيا الملك هذا الخطأ، مع أنه عمل المستقيم في عيني الرب (2 مل 22: 2)، إلا أنه إذ صعد فرعون نخو ملك مصر لمحاربة أشور، صعد يوشيا الملك لمحاربته، مع أنه لم يصعد فرعون لمحاربة يوشيا. دخل في معركة في مجدو انتهت بقتله (2 مل 23: 29-30).
يليق بالمؤمن ألا يلقي نفسه بنفسه في معارك كان يمكنه أن يتجنبها. لهذا طلب ربنا منا أنه متى حلّ اضطهاد في مدينة، نهرب إلى أخرى، ليس خوفًا من الموت، ولا في جبنٍ وخنوعٍ، ولكن لكي لا ندفع أنفسنا بأنفسنا في تجربةٍ.
v إنه يترك لنا سلامًا وهو راحل، وسيُقدِّم لنا سلامه عندما يأتي في النهاية. سلامًا يتركه لنا في هذا العالم، وسلامه سيهبنا في العالم الآتي. يترك لنا سلامه، وإذ نسكن فيه نهزم العدو.
سيهبنا سلامه عندما لا يوجد بعد أعداء نحاربهم، فنملك كملوك.
سلامًا يترك لنا حتى نحب أيضًا بعضنا البعض هنا، وسيعطينا سلامه حين نكون فوق إمكانية حدوث نزاع.
سلامًا يتركه لنا حتى لا يدين الواحد الآخر فيما هو سرّ لكل منهما ونحن على الأرض؛ سيهبنا سلامه عندما "يُظهر آراء القلوب، وحينئذ يكون المدح لكل واحدٍ من الله" (1 كو 4: 5). ومع هذا ففيه ومنه ننال السلام سواء الذي يتركه لنا وهو ذاهب عند الآب أو ما سيمنحنا إياه عندما يُحضرنا إلى الآب.
وماذا يترك لنا عندما يصعد من عندنا سوى حضوره الذي لن يسحبه منا؟ فإنه هو سلامنا الذي يجعل كلاهما واحدًا (أف 2: 14). لذلك يصير هو سلامنا، سواء عندما نؤمن بأنه هو، أو عندما نراه كما هو (1 يو 3: 2).
لأنه إن كان ونحن بعد في هذا الجسد الفاسد الذي يُثقِّل على النفس ونسير بالإيمان لا بالعيان لا يترك الذين يرحلون وهم بعيدون عنه (2 كو 5: 6–7)، كم بالأكثر عندما نبلغ تلك الرؤية، سيملأنا بنفسه.
v السلام الذي يتركه لنا في هذا العالم يمكن بالأكثر لياقة أن يُدعَى سلامنا لا سلامه. إذ إنه بلا خطية تمامًا، ليس فيه أي عنصر من الخلاف في نفسه. أما السلام الذي لنا هو الذي في وسطه لا نزال نقول: [اغفرْ لنا ما علينا] (مت 6: 12)... إنه ليس بالسلام الكامل، إذ نرى ناموسًا آخر في أعضائنا ضد ناموس ذهننا (رو 7: 22–23).
القديس أغسطينوس
ج. أخطأ يوشيا، إذ انطلق لمحاربة نخو دون طلب مشورة الله. فإن كان نخو في صعوده كان منطلقًا لمساندة أشور في تحالف معها أو ضد أشور، فالخطأ ليس في اتجاه يوشيا السياسي، إنما بالأكثر في عدم اتكاله على الله وطلب مشورته.
جاء في سلسة "تفسير الكتاب القدس"[19]:
[عندما اتجه نخو للشمال "على ملك أشور" في عام 609 ق. م، لم يكن هذا سوى حجة ليستولي على ما يريد. ورغم أنه تظاهر بأنه ذاهب لمعونة ملك أشور، إلا أن الكتاب المقدس يوضح بواطن الأمور، لا مجرد الادعاءات الظاهرية. أما الإشارة إلى كركميش في (2 أي 35: 20) لا تتحدث عن هزيمة نخو الأخيرة في عام 605 ق. م (قارن إر 46: 2)، بل تشير بالحري إلى الهدف الذي كان يرمي إليه نخو في الغزو الاستعماري.. وهو أن يصل إلى كركميش.
وهنا رأى يوشيا أن استقلاله الذي حصل عليه حديثًا يزمع أن يأفل. ولهذا عزم بغباوة أن يعترض سير نخو، رغم أن الأخير كان عنده ما هو أهم من تلال اليهودية ليستولي عليها (2 أي 35: 21). أما الإشارة إلى ولاء يوشيا لتحالفه مع أشور أو بابل فلا أساس لها...
والأمر العجيب الغامض الذي أعطاه الله لنخو يوحي لنا بأن هذه الحرب لم يوافق عليها بعض الأنبياء كإرميا. ولكن يوشيا -كما فعل أخآب- استمع لأنبياء البلاط بدلاً من الأنبياء الآخرين.
أما اختصار كاتب سفر الملوك عن يوشيا يرينا أنه لم يكن من السهل عليه أن يُسَجِّل موت ملكٍ صالحٍ كيوشيا، سمح لنفسه أن يضل بسبب ثقته في نفسه. أما كون المعركة تمت في "مجدو"، فدليل على أن نخو لم يكن يقصد غزو يهوذا، وأنه كان يسير في الطريق العادي تجاه الشمال.]
وَأَرْكَبَهُ عَبِيدُهُ مَيِّتًا مِنْ مَجِدُّو،
وَجَاءُوا بِهِ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَدَفَنُوهُ فِي قَبْرِهِ.
فَأَخَذَ شَعْبُ الأَرْضِ يَهُوآحَازَ بْنَ يُوشِيَّا،
وَمَسَحُوهُ وَمَلَّكُوهُ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ. [30]
تذكر هذه الآية أن يوشيا مات في مدينة مجدو، لكن ذُكر في موضع آخر، إنه مات في أورشليم (2 أي 35: 24)، كيف؟
الإجابة: ذكر سفر أخبار الأيام موته فقط، أما سفر الملوك الثاني فيذكر بالتفصيل أين مات. وذكر بوضوح: "في أيامه صعد فرعون نخو ملك مصر على ملك أشور إلى نهر الفرات، فصعد الملك يوشيا للقائه فقتله في مجدو حين رآه. وأركبه عبيده ميتًا من مجدو، وجاءوا به إلى أورشليم، ودفنوه في قبره" (2 مل 23: 29-30).
لا نعجب إن كان الله قد سمح لجده منسى الشرير أن يملك لمدة 55 سنة، بينما سمح بقتل يوشيا الصالح وهو صغير السن نسبيًا كما بموتٍ سريعٍ.
v لا يليق بأحدٍ أن يظن أن الموت السريع يُقلِّل من شأن الإنسان، وذلك بسبب استحقاقه. أخنوخ اُختطف (تك 5: 24) حتى لا يُفسِد المكر قلبه. يوشيا الذي احتفل بفصح الرب في السنة الثامنة عشر من حكمه بطريقة فاقت في التقوى كل الملوك السابقين، لم يعش كثيرًا باستحقاق إيمانه. إنما بالحري، إذ حلَّ تهديد بدمارٍ خطير للشعب اليهودي أُخِذ الملك البار مُقدَّمًا.
القديس أمبروسيوس
يقول إرميا النبي عن موت يوشيا الملك: "لا تبكوا ميتًا، ولا تندبوه. ابكوا، ابكوا من يمضي، لأنه لا يرجع بعد فيرى أرض ميلاده. لأنه هكذا قال الرب عن شلوم (يهوآحاز) بن يوشيا ملك يهوذا المالك عوضًا عن يوشيا أبيه الذي خرج من هذا الموضع لا يرجع إليه بعد؛ بل في الموضع الذي سبوه إليه يموت، وهذه الأرض لا يراها بعد" (إر 22: 10-12).
الميت المذكور هنا هو يوشيا الذي قُتِلَ في معركة مجدو عام 609 ق.م. بعد حياةٍ صالحةٍ، مما يستوجب اشتداد الحزن والحداد. ولكن إرميا يقول هنا إنه يجب ألا يشتد البكاء على يوشيا، بل يلزم البكاء على الملك الجديد الشاب يهوآحاز بن يوشيا، الذي سُبِي بعد ثلاثة شهور وعشرة أيام بواسطة فرعون مصر نخو ولم يرجع منها فيما بعد.
يدعوه إرميا النبي باسمه قبل تولِّيه الحكم "شلوم"، وليس بالاسم الملكي "يهوآحاز"، ربما لأنه يُحسب كمغتصبٍ للحكم أو كمن لا يستحق الملوكية بسبب شره وفساد حياته.
تولّى يهوآحاز الحكم مع أنه لم يكن الابن البكر (2 مل 23: 34). بل الابن الثالث ليوشيا (2 مل 24: 18؛ 1 أي 3: 15). كان الابن الأكبر ليوشيا قد مات، والثاني ألياقيم أو يهوياقيم لم يكن له ثقل، والرابع متنيا (صدقيا) جلس على العرش كآخر ملك على يهوذا. لعلّه اُختير، لأن الشعب ظنوا أنه أقوى من أخيه البكر. لقد تولَّى الحُكْم ظلمًا، لذا لم يبقَ فيه، بل سُبي إلى مصر كما جاء في سفر التثنية: "ويردك الرب إلى مصر في سُفن في الطريق التي قُلت لك لا تعد تراها، فتُباعون هناك لأعدائك عبيدًا وإماءً وليس من يشتري" (تث 28: 68). يبدو أنه لم يُسبَى معه أحد (2 أي 36: 4).
يطلب الله من الشعب أن يبكوا يهوآحاز أكثر مما بكوا والده.
ذهب يوشيا إلى القبر في سلامٍ وبكرامةٍ، لا يحتاج إلى من يبكيه، أما ابنه الشقي فتُحسَب حياته كموته بلا كرامة، يعيش في السبي في مهانة.
حقًا لقد جُرِحَ يوشيا جرحًا مميتًا في موقعة مجدو، لكن مركبته حملته إلى بلده ليُسلِّم أنفاسه في مدينته المحبوبة لديه والمُحِبة جدًا له، يلتف حوله الشعب الذي خدمه لمدة ثلاثين سنة من حياته التي بلغت الثمانية والثلاثين.
ليتنا نحن أيضًا نُسلِّم أنفاسنا الأخيرة في مدينتنا المحبوبة لدينا، أي ونحن قاطنون في ملكوت السماوات، نُسلِّم نفوسنا في يد إلهنا الذي نُكَرِّس كل طاقتنا وحياتنا لحساب ملكوته. فنقول مع الرسول بولس: "إن عشنا فللرب نعيش، وإن متنا فللرب نموت، إن عشنا وإن متنا فللرب نحن" (رو 14: 8).
يلزمنا أن نكرم موت الصديقين ونشتهيه، بينما نشعر ببؤس حياة الأشرار. استطاع القديس بولس أن يقول عن موته: "أَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضًا" (2 تي 4: 8). لم يكن موته مثيرًا للحزن بل للبهجة والفرح، لأنه يترقب المكافأة التي أُعدَّتْ له عن جهاده الحسن.

11. يهو آحاز وأَسْرُه

31 كَانَ يَهُوآحَازُ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ حَمُوطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. 32 فَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَهُ آبَاؤُهُ. 33 وَأَسَرَهُ فِرْعَوْنُ نَخْوُ فِي رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ لِئَلاَّ يَمْلِكَ فِي أُورُشَلِيمَ، وَغَرَّمَ الأَرْضَ بِمِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَوَزْنَةٍ مِنَ الذَّهَبِ.

كَانَ يَهُوآحَازُ ابْنَ ثَلاَثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ،
وَمَلَكَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ فِي أُورُشَلِيمَ،
وَاسْمُ أُمِّهِ حَمُوطَلُ بِنْتُ إِرْمِيَا مِنْ لِبْنَةَ. [31]
ملك يهوآحاز لمدة ثلاثة أشهر، انتهت برجوع نخو من حاران.
يُقدِّم لنا التاريخ البابلي قصة سبي يهوآحاز، ففي عام 609 ق.م سقط آخر ملوك أشور Ashur-uballit تحت ضيقٍ شديدٍ في حاران بواسطة الجيوش الكلدانية[22]، فأسرعت مصر لمساندته خشية الخطر الكلداني الذي بدأ يظهر على مسرح التاريخ. جاء فرعون نخو إلى إسرائيل وصارت منطقة إسرائيل وسوريا في قبضته، وأقام قائده في ربلة على بعد 47 ميلاً جنوب حامة. استدعى يهوآحاز لمقابلته في ربلة كمركز قيادي لنخو في سوريا، حينئذ قيَّده وأُقتيد إلى مصر وأرسله إلى مصر[23]، ولم يرجع إلى بلده كما كان هو وشعبه يتوقعون (إر 22: 10-12).
فَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَهُ آبَاؤُهُ. [32]
يبدأ هذا الأصحاح بإصلاحات يوشيا بقوة، ومع ذلك نجد أن أولاده وشعبه قد رجعوا إلى الشرور حتى في نهاية حياته كما يظهر في سفر إرميا. ويُعَلِّل البعض ذلك بأن يوشيا استخدم العنف في الإصلاح والقوة القهرية، فكان أولاده وشعبه في حالة كبتٍ، ما أن وُجدتْ فرصة للخلاص منه، حتى ارتدوا إلى ممارسة الشر الذي كان له مكان خاص في قلوبهم. ويرى آخرون ما أن مات يوشيا الملك حتى ظهر شر الشعب، مما يدل على أن إصلاحات يوشيا كانت صادرة منه، لكن كان عموم الشعب في أعماقهم لا يقبلونها.
وَأَسَرَهُ فِرْعَوْنُ نَخُو فِي رَبْلَةَ فِي أَرْضِ حَمَاةَ لِئَلاَّ يَمْلِكَ فِي أُورُشَلِيمَ،
وَغَرَّمَ الأَرْضَ بِمِئَةِ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ وَوَزْنَةٍ مِنَ الذَّهَبِ. [33]
يقول عنه إرميا النبي إنه لا يعود الملك من السبي (إر 22: 11-12). وقد أكَّد لهم الله أنه لن يعود ولن يرى أرضه بعد، لأنه لم يتمثّل بأبيه الصالح كما اعتدى على حق أخيه الأكبر.

12. إقامة يهوياقيم ملكًا

34 وَمَلَّكَ فِرْعَوْنُ نَخْوُ أَلِيَاقِيمَ بْنَ يُوشِيَّا عِوَضًا عَنْ يُوشِيَّا أَبِيهِ، وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى يَهُويَاقِيمَ، وَأَخَذَ يَهُوآحَازَ وَجَاءَ إِلَى مِصْرَ فَمَاتَ هُنَاكَ. 35 وَدَفَعَ يَهُويَاقِيمُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ لِفِرْعَوْنَ، إِلاَّ أَنَّهُ قَوَّمَ الأَرْضَ لِدَفْعِ الْفِضَّةِ بِأَمْرِ فِرْعَوْنَ. كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ تَقْوِيمِهِ. فَطَالَبَ شَعْبَ الأَرْضِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لِيَدْفَعَ لِفِرْعَوْنَ نَخْوٍ. 36 كَانَ يَهُويَاقِيمُ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ، وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ، وَاسْمُ أُمِّهِ زَبِيدَةُ بِنْتُ فِدَايَةَ مِنْ رُومَةَ. 37 وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ آبَاؤُهُ.

وَمَلَّكَ فِرْعَوْنُ نَخُو أَلِيَاقِيمَ بْنَ يُوشِيَّا عِوَضًا عَنْ يُوشِيَّا أَبِيهِ،
وَغَيَّرَ اسْمَهُ إِلَى يَهُويَاقِيمَ،
وَأَخَذَ يَهُوآحَازَ، وَجَاءَ إِلَى مِصْرَ فَمَاتَ هُنَاكَ. [34]
أقام فرعون مصر الابن الآخر يهوياقيم الذي صار ألعوبة في يده، وفي عام 605 ق.م انهزمت مصر أمام بابل، وأصبحت يهوذا خاضعة لبابل (2 مل 1:24).
وَدَفَعَ يَهُويَاقِيمُ الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ لِفِرْعَوْنَ،
إِلاَّ أَنَّهُ قَوَّمَ الأَرْضَ لِدَفْعِ الْفِضَّةِ بِأَمْرِ فِرْعَوْنَ.
كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ تَقْوِيمِهِ.
فَطَالَبَ شَعْبَ الأَرْضِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ لِيَدْفَعَ لِفِرْعَوْنَ نَخُو. [35]
أرهق يهوياقيم الشعب بالضرائب ليدفع الجزية لسيده المصري، وكان يدفعها لمدة أربع سنوات (2 مل 23: 31-35)، وقد عبد الأوثان وصنع الشر.
في السنة الرابعة من حكمه سجَّل إرميا النبوات التي نطق بها خلال السنوات السابقة، وقام باروخ بنسخها في درج، وإذ مُنِعَ إرميا من الدخول إلى بيت الله زمانًا طويلاً أمر باروخ أن يأخذ الدرج إلى الهيكل، ويقرأه أمام الشعب الحاضر بمناسبة الصوم. وصل الدرج إلى يد الملك، فاستمع إلى بعض فقراته، وعندئذ مزَّقه وأحرقه بالنار. قام إرميا بكتابة درجين كالدرج الأول مع إضافات (إر 36: 27-32) بتوجيه إلهي، ولكن الكاهن فشحور الناظر الأول للهيكل وأحد أعداء النبي وضعه في مقطرة ثم أطلقه في اليوم التالي (إر 20: 1-3).
في 605 ق.م تغلَّب نبوخذناصَّر على نخو فرعون مصر في معركة كركميش Carchemish (إر 46: 1-2)، فاضطر يهوياقيم أن يحوِّل ولاءه وخضوعه لمصر إلى بابل، لكن ظل قسم ليس بقليل من الشعب يُفَضِّل الخضوع لمصر للجهاد معها ضد بابل، ويبدو أن يهوياقيم نفسه كان يميل إلى هذا، لكن إرميا حذَّر من ذلك.
كَانَ يَهُويَاقِيمُ ابْنَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ.
وَمَلَكَ إِحْدَى عَشَرَةَ سَنَةً فِي أُورُشَلِيمَ.
وَاسْمُ أُمِّهِ زَبِيدَةُ بِنْتُ فِدَايَةَ مِنْ رُومَةَ. [36]
وَعَمِلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ حَسَبَ كُلِّ مَا عَمِلَ آبَاؤُهُ. [37]
ملك يهوياقيم لفترة قصيرة (608-598 ق. م)، اتَّسمتْ بالشر المتزايد (2 أي 36: 5، 8)، ملأ الأرض بكل نوع من الشرور والعنف (إر 18: 18-20).
لا نسمع عن علاقة إرميا النبي بيوشيا الملك وابنه يهوآحاز، لكننا نسمع كثيرًا عن علاقته بالملك يهوياقيم. قال عنه: "ويل لمن يبني بيته بغير عدلٍ... يستخدم صاحبه مجانًا... عَيْنَيْكَ وَقَلْبَكَ لَيْسَتْ إِلاَّ عَلَى خَطْفِكَ، وَعَلَى الدَّمِ الزَّكِيِّ لِتَسْفِكَهُ... يُدْفَنُ دَفْنَ حِمَارٍ مَسْحُوبًا وَمَطْرُوحًا بَعِيدًا عَنْ أَبْوَابِ أُورُشَلِيمَ" (إر 22: 13-19)، بل ويُقتَل وتُطرَح جثته على الأرض.
فمن شروره الآتي:
أ. كان عدوًا لإرميا النبي: عنَّفه إرميا النبي على كبريائه وظلمِه خلافًا لأبيه يوشيا الرجل الصالح، ورَفضِه للعدل والبرّ (2 مل 23: 36-37). كما واجه إيليا النبي أخآب الملك، هكذا واجه إرميا النبي يهوياقيم. وقف إرميا في دار بيت الرب يُعلِنُ محاكمة الله لشعبه مُقدِّمًا لهم الرجاء الحيّ في العفو إن أعلنوا توبتهم وذلك عوض النظرة التفاؤلية التي قدَّمها الأنبياء الكذبة في رجاءٍ باطلٍ وخداعٍ. في ابتداء مُلْكِ يهوياقيم بن يوشيا مَلِك يهوذا صار الكلام من قبل الرب قائلاً:
"هكذا قال الرب: قف في دار بيت الرب وتكلم على كل مدن يهوذا القادمة للسجود في بيت الرب بكل الكلام الذي أوصيتك أن تتكلم به إليهم. لا تنقص كلمة.
لعلهم يسمعون ويرجعون كل واحدٍ عن طريقه الشرير، فأندم عن الشر الذي قصدتُ أن أصنعه بهم من أجل شر أعمالهم.
وتقول لهم هكذا قال الرب: إن لم تسمعوا لي لتسلكوا في شريعتي التي جعلتها أمامكم، لتسمعوا لكلام عبيدي الأنبياء الذين أرسلتهم أنا إليكم مبكرًا ومرسلاً إياهم فلم تسمعوا، أجعل هذا البيت كشيلوه، وهذه المدينة أجعلها لعنة لكل شعوب الأرض.
وسمع الكهنة والأنبياء وكل الشعب إرميا يتكلم بهذا الكلام في بيت الرب" (إر 26: 1-7).
كما وصفه يوسيفوس أنه لم يكن يخاف الله، ولا يهاب إنسانًا، وكان لزوجته نحوشتا أثرها عليه، هذه التي اشترك أبوها الناثان في جريمة قتل أوريّا.
ب. مزق درج الكتاب المقدس وأحرقه (إر 36: 27-32).
ج. قتل النبي أوريا بن شمعيا رجل الله، الذي نطق بكلمات قاسية ضد أورشليم وسكانها كتلك التي نطق بها إرميا، فغضب الملك حتى اضطر أوريا إلى الهروب إلى مصر، لكن الملك جاء به وضربه بحد السيف، وطرح جثته في قبور عامة الشعب انتقامًا منه لجرأته. وقد حاول الملك أن يفعل ذلك بإرميا لولا تدخل أخيقام بن شافان وغيره لإنقاذه (إر 26: 20-24).
د. كان يهوياقيم الملك المستبد الدكتاتور، رافضًا لإصلاحك أبيه الملك يوشيا، وكان منحازًا لفرعون مصر ومتكلاً عليه (2 مل 23: 34).
ه. كان خائنًا طماعًا وظالمًا لشعبه (إر13:22-19)، عندما أُقيم مَلِكًا في ظروف قاسية، إذ كان الملك ملتزمًا بدفع جزية باهظة لفرعون مصر (2 مل 23: 33-35)، عوض الاهتمام باحتياجات الشعب، ألزم الشعب ببناء قصره بطريقة مُبالَغ فيها.
هذا الشعب الذي كان يجب أن يُدعَى صاحبه تحوَّل إلى عبيد للملك، يعملون لحسابه بلا أجر، الأمر الذي حذَّرتْ منه الشريعة (لا 19: 13؛ تث 24: 14-15). كان يليق بالملك أن يحفظ هذه الشريعة، ويحميها وسط شعبه، فلا يكون بينهم مستغلاً، فإذا به هو أول كاسرٍ لها. بهذا صار مثلاً سيئًا لشعبه وقدوة فاسدة.
و. بَنَى مرتفعات توفة في وادي هنوم (جهنم) جنوب أورشليم. وكانت النيران فيها لا تنقطع، حيث يلقي الناس البقايا والعوادم.
في هذه المرتفعات كانت تُقدَّم ذبائح بشرية (2 مل 23: 10). يُقدِّم الناس أبناءهم وبناتهم ويحرقونهم بالنار تقدمة للإله مولوك. لذا يهدد الرب أورشليم انه يجعل منها "توفة" التي تعني بالعبرية תֹּפֶת / תׇּפְתֶּהأي "موضع نار" تُحرق فيها أجساد الكثيرين (إر 7: 31؛ 19: 13).
ز. تمرَّد على بابل بتحالفه مع مصر، فأخذه نبوخذناصر أسيرًا إلى بابل (2 أي 6:36)، لكنه عاد فسمح له بالعودة إلى أورشليم حيث مات.

من وحي 2 مل 23

لتنزع عني كل فسادٍ،

ولتملأ قلبي بفرحك السماوي!

v يا له من منظر بديع أن يجتمع الكل معًا في حضورك.
يجتمع في داخلي الملك مع كل شيوخ
يهوذا وسكان أورشليم والكهنة والأنبياء،
بحضورك أتمتع بسلطانٍ روحي، فأصير
كملكٍ أتحدى إبليس وكل قواته.
تهبني الحكمة السماوية، فأصير كأحد الشيوخ المقدسين.
أسكن كما في السماء، فأصير من سكان أورشليم العليا أمنا.
تقبل صلواتي وكل عبادتي، ذبيحة تسبيح أقدمها ككاهنٍ.
تنير أعماقي وأتعرف على أسرار حبك، كنبيٍ روحيٍ.
v يجتمع كل كياني حول شريعتك المقدسة.
لكي يُجَدِّد الجميع العهد معك!
لتجتمع كل طاقاتي معًا في حضورك الإلهي.
يجتمع العقل مع القلب وكل الحواس والعواطف.
تتقدس كل أعضاء جسمي مع نفسي بك، يا أيها القدوس!
لتعمل كلمتك فيّ، فأصير بالحق هيكلك المقدس.
لتتجلي في داخلي، وتسكب بهاءك في أعماقي.
v من ينزع عني كل بصمات الفساد إلا نعمتك؟!
من يطرد كل لذة شريرة إلا حلولك في داخلي؟
من يُكَرِّس كل طاقاتي لحساب مملكتك،
إلا روحك القدوس الساكن فيّ!
v لتعلن يا رب سكناك فيَّ!
ولتُقم ملكوتك الإلهي في داخلي!
ليملأ سلامك وفرحك وبهاؤك أعماقي!
لتصير نفسي وكالة السماء!
v أدخل معك في عهدٍ جديدٍ،
فاحتفل بفصحٍ روحيٍ يَعْبُرُ بي إلى أحضانك.
ويصير ناموسك دستور حياتي!
لتصرخ أعماقي: أنت لي، وأنا لك يا حبيب نفسي!
v قد أُعجَب بقادة روحيين وأقتدى بهم.
قد أُمارِس أعمالاً مقدسة،
لكن من يمس قلبي ويلهبه بالحب سواك؟!
من يهبني نقاوته وإخلاصه واتساعه للحق غيرك؟
توبني فأتوب، اشفني فُأشفَى!
رُدِّني إليك، فالتصق بك!

 
قديم 25 - 05 - 2025, 11:46 AM   رقم المشاركة : ( 197570 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,326,211

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


شفاء حَزَقِيَّا وسقوطه في الكبرياء


في الأصحاح السابق رأينا حزقيا الملك بإيمانه الحي وتواضعه مع وضع حياته في يدي الله استطاع أن يغلب سنحاريب ملك أشور، لا بقوة عسكرية ولا بتحالف مع مصر ضد أشور، وإنما بعمل الله الفائق. نال وعدًا ونبوة عن عدم دخول سنحاريب أورشليم وعجزه عن إطلاق سهمٍ يدخل المدينة، وعدم تقدمه بترس أو إقامة مترسة عليها، إنما يرجع في الطريق الذي جاء منها، ويُغتال في معبد الوثن بمدينته بواسطة أيدي ابنيه. الآن يتحدى حزقيا الموت كآخر عدو يواجه الإنسان (1 كو 15: 28)، وينال وعدًا إلهيًا بإضافة خمسة عشر عامًا على عمره. كما طلب علامة من النبي أن الرب يشفيه، ونالها. هذا العظيم في إيمانه هرب من الأسد الذي يجول يزأر، ويفترس من يجده (1 بط 5: 8)، وسقط في خداع الحية، ألا وهو في الكبرياء الباطل، فكشف للعدو أسراره معتزًا ببيته وخزائنه وأسلحته. سقوطه هذا حطَّم بنيه ومملكته حتى بعد موته!



 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 08:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025