![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 191831 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يارب نشكرك لأن نحن مستترون فيك أنت ملجأ لنا، وحصن حياتنا آمين |
||||
|
|||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191832 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يارب نشكرك لأنك أنت قائد الموكب وواهب النصرة! تُحَطِّم إبليس، وتطرحه تحت الأقدام. آمين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191833 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يارب نشكرك لأنك تنزع عنَّا فسادنا! تُعطِينا روح القوة والسلطة آمين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191834 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يارب نشكرك لأننا نمتلئ من انعكاس بهائك. وتتهلل نفوسنا بنُصرتك العجيبة آمين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191835 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() نقل التابوت إلى أورشليم بعد موت عُزَّا ودفنه تَعَلَّم داود النبي والملك الدرس، تَعَلَّم من خطئه، فلم يعد يعمل شيئًا بدون مشورة الله مع دراسة الشريعة، والالتزام بالوصية الإلهية. عظمة داود ليس أنه لم يخطئ، وإنما انتفع من كل خطأ ارتكبه. لم يسلك حسب المَثَل السائد: "أتريد ألا تخطئ؟ لا تعمل فلا تخطئ". إنه يعمل ويخطئ، ولا يستسلم للخطأ، بل يَتَعَلَّم منه، فينمو في النقاوة خلال نعمة الله العاملة في التائبين. راعَى داود الملك في هذه المرة أن يُمارِسَ عملية نقل التابوت على أكمل وجه: 1. تمَّت العملية بأكثر دِقَّة من المَرَّة السابقة. 2. أعدَّ للتابوت موضعًا خاصًا به في المدينة [1-2]. نصب داود للتابوت خيمة خاصة في أورشليم غير خيمة الاجتماع وأثاثاتها التي بقيت في جبعون (1 أخ 16: 39) حتى أيام سليمان. أَعَدَّ خيمة للتابوت وليس بيتًا، يبدو أنها أخذت نفس طابع الخيمة التي أقامها موسى في البرية (خر 26؛ عد 1: 50). 3. صدرت الأوامر أن يقوم الكهنة بحمل التابوت على أكتافهم، وليس على عجلة كالمَرَّة السابقة. 4. قام بتنظيم اللاويين، ولكل فئة دورها اللائق. 5. لم يُخطِئ اللاويون أو غيرهم في ممارستهم للعمل [26]. 6. كان الجو مملوءًا فرحًا بالنسبة لكل المُشترِكين في هذا العمل. 7. ما أبدته ميكال من استنكاف لرقص داود أمام التابوت لم يشغل أحدًا قط. 1. داود يَتَعَلَّم من خطأه 1 وَعَمِلَ دَاوُدُ لِنَفْسِهِ بُيُوتًا فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَأَعَدَّ مَكَانًا لِتَابُوتِ اللهِ وَنَصَبَ لَهُ خَيْمَةً. 2 حِينَئِذٍ قَالَ دَاوُدُ: «لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ تَابُوتَ اللهِ إِلاَّ لِلاَّوِيِّينَ، لأَنَّ الرَّبَّ إِنَّمَا اخْتَارَهُمْ لِحَمْلِ تَابُوتِ اللهِ وَلِخِدْمَتِهِ إِلَى الأَبَدِ». 3 وَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَجْلِ إِصْعَادِ تَابُوتِ الرَّبِّ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي أَعَدَّهُ لَهُ. وَعَمِلَ دَاوُدُ لِنَفْسِهِ بُيُوتًا فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ، وَأَعَدَّ مَكَانًا لِتَابُوتِ الله، وَنَصَبَ لَهُ خَيْمَةً. [1] عندما بنى داود بيوتًا له ولأسرته وللعاملين في القصر الملكي، حرص أن يُعِدَّ موضعًا لتابوت العهد في مدينة داود. في كل عمل نقوم به، يليق بنا أن نراعي إيجاد موضع لتابوت الله. حضرة الله هي جوهر حياتنا وعِلَّة نموِّنا وسرّ بنياننا الدائم. حِينَئِذٍ قَالَ دَاوُدُ: "لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَحْمِلَ تَابُوتَ الله إِلاَّ لِلاَّوِيِّينَ، لأَنَّ الرَّبَّ إِنَّمَا اخْتَارَهُمْ لِحَمْلِ تَابُوتِ الله، وَلِخِدْمَتِهِ إِلَى الأَبَدِ." [2] تَعَلَّم داود من الدرس السابق حين حاول نقل التابوت من قرية يعاريم (1 أي 13). إذ نقل التابوت إلى بيت عوبيد أدوم الجتِّي بعد موت عُزَّا بقي هناك ثلاثة أشهر، وكان داود في أثناء ذلك يستعد لاصعاده واستقباله في أورشليم. في هذه المَرَّة دَرَسَ بدقةٍ الناموس، ليعرف إجراءات نقل التابوت. اكتشف داود السبب في غضب الله. أدرك أن البركة التي حلَّت على بيت عوبيد بسبب التابوت، وأن في المَرَّة الأولى لتحريك التابوت وحمله كانت كارثة لأنها لم تُعْهَد للاويين. طلب داود أن يحمل الكهنة اللاويون تابوت العهد، ولا يوضع على عجلة مهما كن ثمنها أو جمالها، إذ يُسَرّ الله بمؤمنيه أن يحملوه في قلوبهم، ويُمَلِّكوه على عواطفهم وأحاسيسهم. الله لا تشغله المباني مهما بلغت فخامتها، إنما يجد لذَّته في تقديس بني الإنسان. وَجَمَعَ دَاوُدُ كُلَّ إِسْرَائِيلَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، لأَجْلِ اصْعَادِ تَابُوتِ الرَّبِّ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي أَعَدَّهُ لَهُ. [3] إن كان لا يجوز لأحد أن يلمس التابوت غير اللاويين، إلا أن التابوت يُمَثِّل الحضرة الإلهية لا وسط الكهنة واللاويين وحدهم، وإنما وسط كل شعبه. لذلك جمع داود كل إسرائيل لكي يتمتَّع الكل باللقاء بالله مُحب كل البشر. 4 فَجَمَعَ دَاوُدُ بَنِي هَارُونَ وَاللاَّوِيِّينَ. 5 مِنْ بَنِي قَهَاتَ: أُورِيئِيلَ الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ. 6 مِنْ بَنِي مَرَارِي: عَسَايَا الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ مِئَتَيْنِ وَعِشْرِينَ. 7 مِنْ بَنِي جَرْشُومَ: يُوئِيلَ الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ مِئَةً وَثَلاَثِينَ. 8 مِنْ بَنِي أَلِيصَافَانَ: شَمَعْيَا الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ مِئَتَيْنِ. 9 مِنْ بَنِي حَبْرُونَ: إِيلِيئِيلَ الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ ثَمَانِينَ. 10 مِنْ بَنِي عُزِّيئِيلَ: عَمِّينَادَابَ، الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ مِئَةً وَاثْنَيْ عَشَرَ. 11 وَدَعَا دَاوُدُ صَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنَيْنِ وَاللاَّوِيِّينَ: أُورِيئِيلَ وَعَسَايَا وَيُوئِيلَ وَشَمَعْيَا وَإِيلِيئِيلَ وَعَمِّينَادَابَ، 12 وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ رُؤُوسُ آبَاءِ اللاَّوِيِّينَ، فَتَقَدَّسُوا أَنْتُمْ وَإِخْوَتُكُمْ وَأَصْعِدُوا تَابُوتَ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ إِلَى حَيْثُ أَعْدَدْتُ لَهُ. 13 لأَنَّهُ إِذْ لَمْ تَكُونُوا فِي الْمَرَّةِ الأُولَى، اقْتَحَمَنَا الرَّبُّ إِلهُنَا، لأَنَّنَا لَمْ نَسْأَلْهُ حَسَبَ الْمَرْسُومِ». 14 فَتَقَدَّسَ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ لِيُصْعِدُوا تَابُوتَ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. 15 وَحَمَلَ بَنُو اللاَّوِيِّينَ تَابُوتَ اللهِ كَمَا أَمَرَ مُوسَى حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ بِالْعِصِيِّ عَلَى أَكْتَافِهِمْ. جمع داود 870 من اللاويين لإحضار التابوت إلى أورشليم. لم تكن هناك مشكلة بسبب كثرة العدد والتنظيم، لأن ما كان يشغلهم هو أن يمارسوا هذا العمل بفرحٍ بكل قلوبهم، يخدمون الرب بالبهجة (مز 100: 2). يعبدون الرب بغيرةٍ متَّقدةٍ، كما فعل داود وهو يرقص أمام تابوت العهد. فَجَمَعَ دَاوُدُ بَنِي هَارُونَ وَاللاَّوِيِّينَ. [4] مِنْ بَنِي قَهَاتَ أُورِيئِيلَ الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ. [5] مِنْ بَنِي مَرَارِي عَسَايَا الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ مِئَتَيْنِ وَعِشْرِينَ. [6] مِنْ بَنِي جَرْشُومَ يُوئِيلَ الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ مِئَةً وَثَلاَثِينَ. [7] مِنْ بَنِي أَلِيصَافَانَ شَمَعْيَا الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ مِئَتَيْنِ. [8] مِنْ بَنِي حَبْرُونَ إِيلِيئِيلَ الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ ثَمَانِينَ. [9] مِنْ بَنِي عُزِّيئِيلَ عَمِّينَادَابَ الرَّئِيسَ، وَإِخْوَتَهُ مِئَةً وَاثْنَيْ عَشَرَ. [10] وَدَعَا دَاوُدُ صَادُوقَ وَأَبِيَاثَارَ الْكَاهِنَيْنِ وَاللاَّوِيِّينَ أُورِيئِيلَ وَعَسَايَا وَيُوئِيلَ وَشَمَعْيَا وَإِيلِيئِيلَ وَعَمِّينَادَابَ [11] استدعى أيضًا رئيسي الكهنة صادوق وأبياثار (1 مل 4:4) لهذه المناسبة [11]. كان صادوق في خدمة الخيمة في جبعون، وكان أبياثار كاهنًا في أورشليم في الخيمة التي أُعِدَّت هناك لتابوت العهد. تحدث داود النبي مع آباء اللاويين وطلب منهم أن يتقدَّموا ليحملوا تابوت العهد. من كان أبًا أو قائدًا أو رئيسًا فليتقدَّم للعمل قبل الآخرين. عمل الأب الحقيقي لا أن يُصدِرَ أوامر، أو يضع تنظيمات، إنما أولاً وقبل كل شيءٍ أن يشترك في العمل، ويكون قدوة لأبنائه ومرؤوسيه. وَقَالَ لَهُمْ: "أَنْتُمْ رُؤُوسُ آبَاءِ اللاَّوِيِّينَ، فَتَقَدَّسُوا أَنْتُمْ وَإِخْوَتُكُمْ، وَأَصْعِدُوا تَابُوتَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ إِلَى حَيْثُ أَعْدَدْتُ لَهُ. [12] ماذا يعني "تَقَدَّسوا" أو "تَطَهَّروا" لنقل تابوت العهد؟ إن كانت كلمة التقديس تعني أحيانًا الانفصال أو الاعتزال، والتطهير تعني الغسل، فإن الإنسان يَتَقَدَّس ويَتَطَهَّر حين يعزل قلبه وفكره وأعماقه عن كل ما لا يليق بالله. مع غسل أنفسهم وثيابهم بطقوسٍ مُعَيَّنة (عد 8: 5-8) يلزم غسل الإنسان الداخلي عن كل ما هو غريبٍ عن الله، مع الالتزام بالطاعة للوصية الإلهية. الله القدوس يُسَرُّ بالعمل مع من يُقَدِّسهم، بل ويتجلَّى في قلوبهم ويُعلِن لهم نفسه وأسراره. إنه يهب كنيسته المُقَدَّسة روحه القدوس كي يُقَدِّس مؤمنيه. يقول الرسول بولس: "لأن الله لم يدعنا للنجاسة، بل في القداسة" (1 تس 4 : 7). كما يقول: "اتبعوا السلام مع الجميع، والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب" (عب 12: 14). v الروح القدس المنبثق عن الله (الآب) هو مصدر القداسة، القوة الواهبة الحياة، النعمة التي تُعطِي كمالاً، خلاله ينعم الإنسان بالتبني، يصير الفاسد في عدم فساد، إنه واحد مع الآب والابن في كل شيء، في المجد والأبدية والقوة والملكوت واللاهوت، هذا ما يختبر بتقليد معمودية الخلاص. v إن تَعَدُّد الأسرار هو عمل مقصود حسب تدبير الخليقة الجديدة، لأن المعمودية تُجَدِّد أصلنا، والميرون يعطي لنا القداسة والمواهب الروحية والإفخارستيا تعطي لنا الغذاء الإلهي. القديس باسيليوس الكبير البابا أثناسيوس الرسولي ويُعَلِّم الرسول أيضًا أن الروح القدس يُقَدِّس، إذ يقول: "وأما نحن فينبغي لنا أن نشكر الله كل حين لأجلكم أيها الإخوة المحبوبون من الرب أن الله اختاركم من البدء للخلاص بتقديس الروح وتصديق الحق" (2 تس 13:2)... لكن التقديس واحد، لأن المعمودية واحدة، ونعمة السرِّ واحدة. القديس أمبروسيوس اقْتَحَمَنَا الرَّبُّ إِلَهُنَا، لأَنَّنَا لَمْ نَسْأَلْهُ حَسَبَ الْمَرْسُومِ". [13] مع غيرة داود المتَّقدة وحُبّه للتابوت وتقديره وتكريمه له، إذ سبق أن أراد أن ينقل التابوت، ولم يطلب من الكهنة أن يحملوه حسب الشريعة، فشل في تحقيق اشتياقه، الآن نراه يعترف بخطئه، مُدرِكًا أن الله الذي يطلب نقاوة القلب وغيرة النفس هو أيضًا إله نظام وترتيب، وليس إله تشويش (1 كو 14: 33). هذه الحادثة وردت في (1 أخ 13: 8-11؛ 2 صم 6: 1-11). في هذه المَرَّة إذ أُحضِرَ تابوت العهد إلى أورشليم حمله الكهنة على أكتافهم [2، 15]، كما سبق أن طلب موسى (عد 4: 2، 14؛ تث 10: 8؛ 31: 25؛ 1 صم 6: 15). لقد تَعَلَّم داود من المرة السابقة ألا تُحمَل خيمة الاجتماع إلا حسب الشريعة [13]. حقًا في المرة الأولى مات عُزَّا، لأنه لمس التابوت بحُسْنِ نيَّة وبقصد الحرص عليه، لكن خلافًا لما طلب الناموس. لقد تَعَلَّم داود أن العبادة لله لها طقوسها التي نلتزم بها، وإن كان يجب تنفيذها بالروح. يليق بنا أن ندرك أن السماء عينها لها أيضًا طقوسها، تلتزم بها الطغمات السماوية، لأن إلهنا ليس إله تشويش. فالطقس في العبادة ليس مُجَرَّد نظام، لكنه يَمِسُّ فهمنا لقداسة الله وبنيان نفوسنا وخلاصها، وذلك لمجد الله. يليق بعبادتنا أن تتجاوب مع إعلان الله نفسه وليس حسب فكرنا البشري المحض. اكتشف داود سرَّ غضب الله، والخطأ الذي حدث، وحاول معالجته هذه المرة: 1. لم يستشر الرب في المرة الأولى، والآن يستشيره على النقل وكيفية القيام به. 2. تَطَهَّر الكهنة واللاويون وتَقَدَّسوا استعدادًا لحمل التابوت حسب الناموس. 3. حملوه على عصي على أكتافهم حتى لا يلمسه أحد، كما فعل عُزَّا. تصرُّف داود وإصلاحه للخطأ، أكَّد للشعب أن الله نفسه هو القائد الحقيقي للمملكة والمُدَبِّر لشئونها. كثيرًا لا يُدرِك الطفل ما وراء توجيهات أبيه له، هكذا لاق بالملك كما بالقادة والشعب أن يلتزموا بأوامر الله وتوجيهاته، كأبناء يسمعون لمشورة أبيهم العارف بأمورٍ قد لا يستطيعون إدراكها في ذلك الوقت. فَتَقَدَّسَ الْكَهَنَةُ وَاللاَّوِيُّونَ لِيُصْعِدُوا تَابُوتَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. [14] يؤكد هنا مرة أخرى أن الأشخاص المناسبين يَتَقَدَّسون حتى يحملوا التابوت وبالطريقة اللائقة حسب كلمة الرب مع موسى. وَحَمَلَ بَنُو اللاَّوِيِّينَ تَابُوتَ الله كَمَا أَمَرَ مُوسَى حَسَبَ كَلاَمِ الرَّبِّ، بِالْعِصِيِّ عَلَى أَكْتَافِهِمْ. [15] كثيرون ممن يُهمِلون في واجبهم إذا ما أُنْذروا، يُصْلَحون ويعملون بطريقة أفضل، فالعقوبة التي حلَّتْ بعُزَّا جعلت الكهنة أكثر حرصًا على لتقديس أنفسهم بالله مقدسهم، ، أيّ يَتَطهَّرون من الزغل الروتيني، ويتأهبون لخدمة الله في جدية لكي ما يفيضوا هيبة على الشعب. يتقدَّسون كي يكونوا مثًلا صالحًا لكي ما يَتَمَثَّل الآخرون بهم. أعان الله اللاويين الذين حملوا التابوت! في الواقع لم يكن التابوت ذا حمل ثقيل بحيث يحتاج حاملوه إلى مساعدة غير عادية، ولكن: أ. حينما تَذَكَّر اللاويون العقوبة التي حلَّتْ بعُزَّا، ربما ابتدأوا يرتجفون عند حمل التابوت، لكن الله أعانهم، أيّ أنه شجعهم ونزع عنهم خوفهم، وقوَّى إيمانهم. ب. يُستحسَن أن نلاحظ المساعدة المُرَتَّبة من العناية الإلهية حتى في المواقف التي في نطاق قدرتنا الطبيعية، فبدون معونة الرب لا يمكن أن نخطو خطوة. ج. يجب أن نستمد معونة خاصة لأداء خدماتنا الدينية (انظر أع 26: 22)، فكل كفايتنا للخدمات المقدسة تأتي من الله. د. ساعدهم الله ليقوموا بالعمل بنظامٍ وجديةٍ دون أن يرتكبوا أيّ خطأ. إذا ما قمنا بأيّ واجب ديني، يليق بنا أن ننسب القضل لمعونة لله، لأننا إن تُرِكنا لأنفسنا قد نسقط في إخفاقات جسيمة. فخُدَّام الله الذين يحملون آنية الرب يحتاجون إلى معونة خاصة في خدمتهم لكي ما يتمَجَّد الله فيهم وكنيسته تُبنَى بهم، أما إذا أعان الله اللاويين فيجني الشعب الفائدة. 3. اختيار الموسيقيين 16 وَأَمَرَ دَاوُدُ رُؤَسَاءَ اللاَّوِيِّينَ أَنْ يُوقِفُوا إِخْوَتَهُمُ الْمُغَنِّينَ بِآلاَتِ غِنَاءٍ، بِعِيدَانٍ وَرَبَابٍ وَصُنُوجٍ، مُسَمِّعِينَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِفَرَحٍ. 17 فَأَوْقَفَ اللاَّوِيُّونَ هَيْمَانَ بْنَ يُوئِيلَ، وَمِنْ إِخْوَتِهِ آسَافَ بْنَ بَرَخْيَا، وَمِنْ بَنِي مَرَارِي إِخْوَتِهِمْ إِيثَانَ بْنَ قُوشِيَّا، 18 وَمَعَهُمْ إِخْوَتَهُمْ الثَّوَانِيَ: زَكَرِيَّا وَبَيْنَ وَيَعْزِئِيلَ وَشَمِيرَامُوثَ وَيَحِيئِيلَ وَعُنِّيَ وَأَلِيآبَ وَبَنَايَا وَمَعَسْيَا وَمَتَّثْيَا وَأَلِيفَلْيَا وَمَقَنْيَا وَعُوبِيدَ أَدُومَ وَيَعِيئِيلَ الْبَوَّابِينَ. 19 وَالْمُغَنُّونَ: هَيْمَانُ وَآسَافُ وَإِيثَانُ بِصُنُوجِ نُحَاسٍ لِلتَّسْمِيعِ. وَأَمَرَ دَاوُدُ رُؤَسَاءَ اللاَّوِيِّينَ أَنْ يُوقِفُوا إِخْوَتَهُمُ الْمُغَنِّينَ بِآلاَتِ غِنَاءٍ، بِعِيدَانٍ وَرَبَابٍ وَصُنُوجٍ، مُسَمِّعِينَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِفَرَحٍ. [16] عَيَّنَ داود أناسًا مُدبرين لكي يكونوا مستعدين لاستقبال التابوت بكل تعبيرات الفرح. تم نقل التابوت خلال موكبٍ مُفرِحٍ، لأن حضور الله وسط شعبه يبث فرحًا في حياة الكل. حرص داود أن يمتزج الترتيب أو الطقس بروح الفرح، لا بالحرف الجامد، إذ يليق بالمؤمن في تنفيذه للطقس أن يحمل خبرة السماء المتهللة. كثيرًا ما يشير سفرا أخبار الأيام إلى دور المُغَنِّين بآلات التسبيح، فالعبادة لله مُفرِحة ومُبهِجة. مَسَرَّة الله أن يمارس شعبه عبادتهم وحياتهم بروح الفرح والتهليل، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي. الأدوات الموسيقية المذكورة هنا كانت مستخدمة في الهيكل بعد السبي، ولا تزال تُستخدَم في العبادة اليهودية، خاصة في الاحتفال ببدء السنة اليهودية. فَأَوْقَفَ اللاَّوِيُّونَ، هَيْمَانَ بْنَ يُوئِيلَ، وَمِنْ إِخْوَتِهِ آسَافَ بْنَ بَرَخْيَا، وَمِنْ بَنِي مَرَارِي إِخْوَتِهِمْ إِيثَانَ بْنَ قُوشِيَّا، [17] أمر داود رؤساء اللاويين أن يدعوا الذين يُعرَف عنهم بالمهارة في الخدمة، فأوائل المدعويين كانوا مُغَنِّين، لهم صلة بالمزامير: هيمان (مز 88) وآساف (مز 73- 83) وإيثان (مز 89). وَمَعَهُمْ إِخْوَتَهُمْ الثَّوَانِيَ: زَكَرِيَّا وَبَيْنَ وَيَعْزِئِيلَ وَشَمِيرَامُوثَ وَيَحِيئِيلَ وَعُنِّيَ وَأَلِيآبَ وَبَنَايَا وَمَعْسِيَّا وَمَتَّثْيَا وَأَلِيفَلْيَا وَمَقَنْيَا وَعُوبِيدَ أدوم وَيَعِيئِيلَ الْبَوَّابِينَ. [18] كان في هذا المحفل أو الموكب الروحي لمسات روحية بترتيب ونظام، فعُيِّن لكل عملٍ جماعة خاصة، سواء بالنسبة لحمل التابوت أو الحراسة إلخ. تَعَيَّن البعض أن يكونوا بَوَّابين [18]، وآخرون تَعيَّنوا حافظي أبواب للتابوت [23، 24] وواحد منهم كان عوبيد أدوم الذي اعتبر هذا موضوع شرف ومكافأة له على العناية التي أعطاها للتابوت عندما حفظه في بيته ثلاثة أشهر. ويرى أحد الآباء أن وجود التابوت في بيت عوبيد أدوم لمدة ثلاثة أشهر كان رمزًا وإشارة لمكوث التابوت العقلي (السيدة العذراء والدة الإله الكلمة) في بيت زكريا واليصابات لمدة ثلاثة أشهر (لو 1: 56). وَالْمُغَنُّونَ هَيْمَانُ وَآسَافُ وَإِيثَانُ بِصُنُوجِ نُحَاسٍ لِلتَّسْمِيعِ. [19] أخذوا يُصَوِّتون بصنوج نحاس، وآخرون بالرباب [20]، وأخرون بالعيدان على القرار للإمامة [21] أيّ على نوتة أعلى أو أخفض من الآخرين حسب قواعد الكونسرتو، وكان بعض الكهنة ينفخون بالأبواق [24] كما كانت العادة أثناء نقل التابوت (عد 10: 8) وفي الأعياد المقدسة (مز 81). ربما استُخدِمَت الأربعة عشر مزمورًا التي للمصاعد (مز 120، 134) في صورتها الأولى أثناء هذه المناسبة، على أن بعض التغيُّرات ربما طرأت عليها فيما بعد. وسواء استخدموا هذه المزامير أم لا، يوجد صدى لمثل هذه الأوتار كما لو كانت قد لُحِّنَتْ من هذه المزامير وغيرها. مثل هذه الطريقة لتسبيح وحمد الله لم تكن مُستخدَمة حتى ذاك الوقت، ولكن داود بما أنه نبيّ وضعها بتدبير إلهي، وأضاف إليها فرائض جسدية أخرى كما قال بولس الرسول (عب 9: 10). ما يشغل قلب داود الملك أن يستغل كل مناسبة لتسبيح الرب. 20 وَزَكَرِيَّا وَعُزِّيئِيلُ وَشَمِيرَامُوثُ وَيَحِيئِيلُ وَعُنِّي وَأَلِيَابُ وَمَعَسْيَا وَبَنَايَا بِالرَّبَابِ عَلَى الْجَوَابِ. 21 وَمَتَّثْيَا وَأَلِيفَلْيَا وَمَقَنْيَا وَعُوبِيدُ أَدُومَ وَيَعِيئِيلُ وَعَزَزْيَا بِالْعِيدَانِ عَلَى الْقَرَارِ لِلإِمَامَةِ. 22 وَكَنَنْيَا رَئِيسُ اللاَّوِيِّينَ عَلَى الْحَمْلِ مُرْشِدًا فِي الْحَمْلِ لأَنَّهُ كَانَ خَبِيرًا. 23 وَبَرَخْيَا وَأَلْقَانَةُ بَوَّابَانِ لِلتَّابُوتِ. 24 وَشَبَنْيَا وَيُوشَافَاطُ وَنَثْنَئِيلُ وَعَمَاسَايُ وَزَكَرِيَّا وَبَنَايَا وَأَلِيعَزَرُ الْكَهَنَةُ يَنْفُخُونَ بِالأَبْوَاقِ أَمَامَ تَابُوتِ اللهِ، وَعُوبِيدُ أَدُومَ وَيَحِيَّى بَوَّابَانِ لِلتَّابُوتِ. 25 وَكَانَ دَاوُدُ وَشُيُوخُ إِسْرَائِيلَ وَرُؤَسَاءُ الأُلُوفِ هُمُ الَّذِينَ ذَهَبُوا لإِصْعَادِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ، مِنْ بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ بِفَرَحٍ. وَزَكَرِيَّا وَعُزِّيئِيلُ وَشَمِيرَامُوثُ وَيَحِيئِيلُ وَعُنِّي وَأَلِيَابُو وَمَعْسِيَّا وَبَنَايَا بِالرَّبَابِ عَلَى الْجَوَابِ. [20] وَمَتَّثْيَا وَأَلِيفَلْيَا وَمَقَنْيَا وَعُوبِيدُ أدوم وَيَعِيئِيلُ وَعَزَزْيَا بِالْعِيدَانِ عَلَى الْقَرَارِ لِلإِمَامَةِ. [21] وَكَنَنْيَا رَئِيسُ اللاَّوِيِّينَ عَلَى الْحَمْلِ مُرْشِدًا فِي الْحَمْلِ لأَنَّهُ كَانَ خَبِيرًا. [22] وَبَرَخْيَا وَأَلْقَانَةُ بَوَّابَانِ لِلتَّابُوتِ. [23] أُقيم بَوَّابان لحراسة تابوت العهد، حتى لا يتجاسر أحد ويرفع غطاء التابوت، كما صار في بيت شمس، فمات كثيرون (1 صم 6: 19). وَشَبَنْيَا وَيُوشَافَاطُ وَنَثْنَئِيلُ وَعَمَاسَايُ وَزَكَرِيَّا وَبَنَايَا وَأَلِيعَزَرُ الْكَهَنَةُ يَنْفُخُونَ بِالأَبْوَاقِ أَمَامَ تَابُوتِ الله، وَعُوبِيدُ أدوم وَيَحِيَّى بَوَّابَانِ لِلتَّابُوتِ. [24] نَفْخُ الكهنة بالأبواق أثناء التحرُّك بالتابوت، عاد بذاكرة الحاضرين بما كان يتم في البريّة عندما كانوا يحملون التابوت للتحرُّك في رحلتهم التي تحمل رمزًا لرحلتنا في هذه العالم، ليس نحو أرض الموعد، إنما نحو كنعان السماوية. وأيضًا خلق جوًّا من الاحتفال كعيدٍ مُقَدَّسٍ رهيبٍ (مز 81: 3). وَكَانَ دَاوُدُ وَشُيُوخُ إِسْرَائِيلَ وَرُؤَسَاءُ الأُلُوفِ هُمُ الَّذِينَ ذَهَبُوا لإِصْعَادِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ، مِنْ بَيْتِ عُوبِيدَ أدوم بِفَرَحٍ. [25] هنا نجد تسجيًلا لهيبة المناسبة، فقد كان موكب انتصار عظيم، سار من منزل عوبيد أدوم إلى مدينة داود. لم يكن حمل التابوت يحتاج إلى كل هذا العدد، إذ لم يكن ثقيلاً، لكن خلال خبرة المحاولة الأولى أدرك الكل أن التحرُّك بالتابوت لا يتوقَّف على وزنه، ولا على عدد المشاركين في الموكب، إنما على تَدَخُّل الله نفسه ومَسَرَّته بشعبه وخُدَّامه ولكل القادة. كأن الجميع أدركوا بأنه لا نجاح للعمل دون تَدَخُّل الله. وَلَمَّا أَعْلَنَ الله اللاَّوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ، ذَبَحُوا سَبْعَةَ عُجُولٍ وَسَبْعَةَ كِبَاشٍ. [26] عندما اختبروا وجود الله معهم (في حضرة التابوت)، قدَّموا له ذبائح تسبيح [26]، وفي هذا أعانهم الله أيضًا. لقد قَدَّموا هذه العجول والكباش ربما كتكفيرٍ عن الخطأ السابق، لكي ما لا تُذكَر ضدهم الآن، وأيضًا عن طريق الاعتراف بالمعونة التي حصلوا عليها الآن. أرادوا أن يردوا لله الحب بالحب، والبذل بالبذل، لكن شتَّان ما بين محبة الله لنا وحُبّنا نحن له. 5. داود يرقص أمام التابوت 27 وَكَانَ دَاوُدُ لاَبِسًا جُبَّةً مِنْ كَتَّانٍ، وَجَمِيعُ اللاَّوِيِّينَ حَامِلِينَ التَّابُوتَ، وَالْمُغَنُّونَ وَكَنَنْيَا رَئِيسُ الْحَمْلِ مَعَ الْمُغَنِّينَ. وَكَانَ عَلَى دَاوُدَ أَفُودٌ مِنْ كَتَّانٍ. 28 فَكَانَ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ يُصْعِدُونَ تَابُوتَ عَهْدِ الرَّبِّ بِهُتَافٍ، وَبِصَوْتِ الأَصْوَارِ وَالأَبْوَاقِ وَالصُّنُوجِ، يُصَوِّتُونَ بِالرَّبَابِ وَالْعِيدَانِ. 29 وَلَمَّا دَخَلَ تَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ مَدِينَةَ دَاوُدَ، أَشْرَفَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ الْكُوَّةِ فَرَأَتِ الْمَلِكَ دَاوُدَ يَرْقُصُ وَيَلْعَبُ، فَاحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا. وَكَانَ دَاوُدُ لاَبِساً جُبَّةً مِنْ كَتَّانٍ، وَجَمِيعُ اللاَّوِيِّينَ حَامِلِينَ التَّابُوتَ، وَالْمُغَنُّونَ وَكَنَنْيَا رَئِيسُ الْحَمْلِ مَعَ الْمُغَنِّينَ. وَكَانَ عَلَى دَاوُدَ أَفُودٌ مِنْ كَتَّانٍ. [27] وُجِدَتْ تعبيرات عظيمة عن الفرح، فقد ضُرِبَتْ الموسيقى المقدسة، ورقص داود، ورَنَّمَ المُغَنُّون، وصاح الشعب [27-28]. ذُكِرَ هذا أيضًا في (2 صم 6: 14- 15). نَتَعَلَّم من هذا: أ. أننا نخدم سيدًا صالحًا، يُسَرُّ أن خدامه يُرَنِّمون أثناء عملهم. ب. أوقات النهضة الشعبية يجب أن تكون أوقات فرح للشعب، فالذين لا يفرحون بالتابوت لا يستحقونه. ج. إنه ليس حطًّا من كرامة أعظم الناس أن يُظهِروا غيرتهم لأعمال العبادة، فميكال ابنة شاول الملك التي صارت أول زوجة لداود عندما رأته مُظهِرًا حماسًا وفرحًا لخدمة الرب، فَكَّرَتْ في قلبها أنه متعصب دينيًا. نحن في حاجة إلى أناس مثل داود في أيامنا وليست الحاجة إلى تَعَصُّب بل إلى فرحٍ يفيض من أعماق قلب شعب الله وحياتهم. يرى الأب مكسيموس أسقف تورين Turin في إدخال تابوت العهد إلى أورشليم لقاء العريس السماوي بالعروس. يليق بنا أن نفرح مع داود إذ كان يرقص أمام التابوت (2 صم 6: 14). هكذا يليق بنا أن نفرح ونتهلل بالمسيح المتجسد في أحشاء القدِّيسة مريم، وكأنها بتابوت العهد. v ماذا يمكننا أن نقول عن التابوت إن لم يكن هو القدِّيسة مريم. إذ حمل التابوت في داخله حَجَرَي العهد، أما مريم فحملت سيد هذا العهد؟ حمل التابوت الشريعة فيه، ومريم حملت الإنجيل. كان التابوت يومض في داخله وخارجه ببريق الذهب، أما القدِّيسة مريم فأشرقت في الداخل والخارج ببهاء البتولية. تَزَيَّن التابوت بذهبٍ أرضيٍ، والقديسة بذهبٍ سماويٍ. الأب مكسيموس أسقف تورين v كاروبا الذهب مصوران مظللان على الغطاء بأجنحتهما كل حين يظللان على موضع قدس الأقداس في القبة الثانية. وأنت يا مريم ألوف ألوف وربوات ربوات يظللان عليك. مسبحين خالقهم، وهو في بطنك. هذا الذي أخذ شبهنا... ثيؤطوكية الأحد v أسألك أن تقبل الحبل به وأن ترقص أمامه، إن لم يكن في الرحم كيوحنا فعند استقرار التابوت كما فعل داود. القديس غريغوريوس النزينزي تصمت العذراء مثل سفينة مملوءة بالأسرار، وبيت الكاهن يبتهج ويفرح ويكرمها. نظرا إليها كأنما إلى سفينة الله، وكانا يحسبانها كتابوت العهد المملوء بالنار. v كان الإسرائيليون يرقصون بفرح أمام الله (تابوت العهد) حين كان يُحمَل في أماكن خاصة. كان الملك داود يرقص أمام تابوت العهد (2 صم 6: 14-16)، ولم ينتبه إلى بروتوكول الملكية، بسبب الفرح العظيم الذي في قلبه. عندما كان يوحنا جنينًا، رقص بابتهاج أفضل من داود. إنه لم يخجل من أن يرقص، لأنه ما زال صغيرًا. الأم العذراء والطوباوية كانت أبهى من التابوت المملوء بأسرار بيت الله. وداود الذي رقص بفرحٍ أمام التابوت، أنبأ أن يوحنا سوف يرقص أيضًا أمام مريم. لم يَسمَعْ أحد من قبل أن ملكًا يرقص ماعدا داود، ولا أن جنينًا يرقص ماعدا يوحنا، لأن الواحد سبق وأنبأ عن الآخر. الأنبياء والملوك أَعدُّوا الطريق لابن الله. وعندما جاء كمَّل الأسرار التي كانوا يبحثون عنها. بينما كان التابوت يُحمَل، رقص داود بابتهاج، حتى يستطيع هو أيضًا أن يشهد لمَلِكِه وربِّه. لقد صَوَّر بالحقيقة حال العذراء مع يوحنا، لأن هذه الفتاة كانت أيضًا تابوت اللاهوت. ربُّ الأسرار حلَّ فيها، لهذا رقص الجنين بابتهاج، مثل الملك المملوء انتصارات. كانت محمولة مثل تابوت مملوء بالكتابات المقدسة؛ حلَّ فيها تفسير كل النبوات الغامضة. حتى تصبح عظمتها أكثر من التابوت، ابتهج الجنين لأنها كانت مُزَيَّنة بمنظرٍ رائعٍ. إثارة الرضيع الصامت في الرحم المُغلَق كانت غير مقيدة. لقد أبهجت البطن الذي ظلَّ كئيبًا لزمانٍ طويلٍ. القديس مار يعقوب السروجي وَبِصَوْتِ الأَصْوَارِ وَالأَبْوَاقِ وَالصُّنُوجِ يُصَوِّتُونَ بِالرَّبَابِ وَالْعِيدَانِ. [28] العبادة الجماعية يشترك فيها الكهنة واللاويون وجميع إسرائيل، والملك نفسه الذي كان يرقص بكل قوته. وَلَمَّا دَخَلَ تَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ مَدِينَةَ دَاوُدَ، أَشْرَفَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ الْكُوَّةِ، فَرَأَتِ الْمَلِكَ دَاوُدَ يَرْقُصُ وَيَلْعَبُ، فَاحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا. [29] كان داود نفسه يرقص أمام تابوت العهد، الأمر الذي ساء في عيني ميكال زوجته، ابنة شاول. كان مستعدًا أن يبدو غبيًا في أعين البعض حتى زوجته، ليُعَبِّر عن فرحه وشكره لله بكل قوةٍ وأمانةٍ. سَخَرَتْ ميكال ابنة شاول بزوجها داود حين رأته يرقص أمام تابوت العهد، لأن شاول أباها لم يكن يشغله تابوت العهد. لقد استخفِّت بإخلاص داود في عبادته لله، إذ كانت تُمَثِّل عائلة شاول التي لم تطلب الرب في كل شيءٍ! يرى البعض أن موقف ميكال من داود، وإن كان في ظاهره أنها استخفَّت به كملكٍ يرقص في وجود شعبه، إلا أن ما بداخلها هو نظرتها نحو التابوت التي تَعَلَّمَتها من أبيها شاول، فكانت تحمل نوعًا من الاستهتار والاستخفاف به. في الأصحاح التالي نرى داود مرتين يسأل الرب غالبًا أمام تابوت العهد (1 أخ 14: 10، 14). اهتم سفر الأخبار أن يعلن عن اهتمام داود بإعلانات الله لداود عن إرادته الإلهية. يُعَلِّق القديس أمبروسيوس على موقف ميكال، أنها عوقبت بعدم إنجابها (2 صم 6: 23)، قائلاً: [هكذا، إنه درس واضح أن النبي الذي يضرب على طبلةٍ ويرقص أمام تابوت الرب يُبَرَّر، بينما التي انتهرته دينت بالعُقْمِ.] علِّمني كيف أتهلل في موكبك البهي! v اشتهى داود أن يُقِيم لتابوت عهدك خيمة في مدينته. ودعا الكهنة واللاويين والقادة وكل إسرائيل، كي يشترك الكل في موكبك البهي! هَبْ لي أن أُقَدِّم لك قلبي مسكنًا لك، تضع فيه رأسك وتستريح! لتُعلِن على الدوام حضورك الإلهي. فتتقدَّس كل أعماقي وتتهلل بك. v ليعزف روحك القدوس سيمفونية الحب على قيثارتي. ليعزف على أوتار حواسي وعواطفي مع قلبي وفكري. لتشترك كل أعضاء جسمي في الهتاف لك. هَبْ لي لا أن أنفخ في أبواق فَضِّية لأعلن عن حضورك. إنما أنفخ بكل نسمات حياتي بالطاعة لوصاياك. v أخبرني، ماذا أرتدي في هذا الموكب السامي؟ هَبْ لي أن أرتدي ثوب برِّك عوض خطاياي. هَبْ لي أن أخضع لوصاياك، فأحمل زينة سماوية. v أيّة ذبيحة أُقَدِّمها لك في هذا الموكب؟ هَبْ لي ذبيحة الحُبِّ لك ولكل البشرية. هَبْ لي ذبيحة التسبيح والشكر والحمد؟ فإنك بمثل هذه الذبائح تُسَرُّ! v حوِّل حياتي إلى موكبٍ لا يتوقَّف، فتستريح في داخلي كما في خيمة مقدسة. وأستريح فيك، فأنت لذَّتي ومسرَّتي! v تعالَ أيها الرب يسوع مع أبيك وروحك القدوس، لكي أتحرَّك نحوك، وأستقر في أحضانك. متى أراك على السحاب وأنطلق معك إلى حجالك؟! متى أرى السمائيين متهلِّلين بيوم العُرْسِ الأبدي؟! طقس تثبيت التابوت والعبادة الدائمة إذ نُقِلَ تابوت الرب إلى مدينة داود في موكبٍ مقدسٍ مُفرِحٍ ومهوبٍ، أُقيم احتفال بمناسبة نقله وتثبيته أشبه بعيدٍ عظيمٍ. يرى بعض الدارسين المحدثين أن هذا الاحتفال بإحضار تابوت العهد في وسط الخيمة التي نصبها له داود في أورشليم أشبه بتجليس الملك، والمزامير التي سُبِّح بها بهذه المناسبة أشبه بخطاب العرش. كانت هذه المناسبة مُفرِحة للملك والقادة والشعب مع الكهنة. إذ وضع داود في قلبه أن يخدم الله، وجد أصدقاء يسندونه مثل حيرام ملك صور؛ وكان الله نفسه يقوده ويرشده، وفي نفس الوقت وُجِدَ أعداء يقاومونه. مع كل نجاحٍ في الحياة الروحية يُثِير عدو الخير معركة مُقَدَّسة. فعندما انتصر يشوع بن نون في معركة أريحا (يش 3: 16)، حاربه العدو في معركة عاي خلال تصرُّف عاخان بن كرمي فانهزم (يش 7: 5)، وإذ كان نحميا يعمل، طلب من العاملين أن يعملوا باليد ويمسكوا السلاح (كلمة الله والصلاة) باليد الأخرى (نح 4: 17). 1. طقس تثبيت التابوت 1 وَأَدْخَلُوا تَابُوتَ اللهِ وَأَثْبَتُوهُ فِي وَسَطِ الْخَيْمَةِ الَّتِي نَصَبَهَا لَهُ دَاوُدُ، وَقَرَّبُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ أَمَامَ اللهِ. 2 وَلَمَّا انْتَهَى دَاوُدُ مِنْ إِصْعَادِ الْمُحْرَقَاتِ وَذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ بَارَكَ الشَّعْبَ بِاسْمِ الرَّبِّ. 3 وَقَسَمَ عَلَى كُلِّ آلِ إِسْرَائِيلَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ، رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَأْسَ خَمْرٍ وَقُرْصَ زَبِيبٍ. 4 وَجَعَلَ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ مِنَ اللاَّوِيِّينَ خُدَّامًا، وَلأَجْلِ التَّذْكِيرِ وَالشُّكْرِ وَتَسْبِيحِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ: 5 آسَافَ الرَّأْسَ وَزَكَرِيَّا ثَانِيَهُ، وَيَعِيئِيلَ وَشَمِيرَامُوثَ وَيَحِيئِيلَ وَمَتَّثْيَا وَأَلِيآبَ وَبَنَايَا وَعُوبِيدَ أَدُومَ وَيَعِيئِيلَ بِآلاَتٍ رَبَابٍ وَعِيدَانٍ. وَكَانَ آسَافُ يُصَوِّتُ بِالصُّنُوجِ. 6 وَبَنَايَا وَيَحْزِيئِيلُ الْكَاهِنَانِ بِالأَبْوَاقِ دَائِمًا أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ اللهِ. يُقَدِّم لنا السفر طقس إدخال تابوت العهد في أورشليم وتثبيته في وسطها يحمل مفاهيم إنجيلية رائعة. ا. تثبيته في وسط الخيمة [1]. إن كانت الخيمة تشير إلى كنيسة المسيح وشعب الله، فدخول التابوت يُشِير إلى نزول الكلمة متجسدًا ليُقِيم في وسط شعبه. ب. تقريب مُحرَقات وذبائح سلامة أمام الله: جاء مسيحنا كذبيحة وفدية عن البشرية ليُصالِح العالم مع الآب. ج. مباركة الشعب باسم الرب [2]: مع أن داود ليس كاهنًا، لكنه إذ هو رمز لابن داود الكاهن على طقس ملكي صادق بارك الشعب. تكرَّر الأمر عند تدشين الهيكل حيث بارك سليمان الشعب بكونه رمزًا للسيد المسيح ملك السلام. د. تقديم رغيف خبز وكأس خمر وقرص زبيب للرجال والنساء، يُشِير إلى السيد المسيح مُشبِع الجموع وواهب الفرح والروحي (مز 132: 15-17). هـ. قيام اللاويين بخدمة الشكر والتسبيح. اهتم سفرا أخبار الأيام بإبراز دور التسبيح لله، خاصة بواسطة اللاويين. و. كان الكاهنان بنايا ويحزئيل يضربان بالأبواق بلا انقطاع أمام تابوت عهد الله [6]، إشارة إلى الإعلان بقوةٍ كما بالأبواق عن التعليم الصحيح والإنذار بكلمة الله. وَأَدْخَلُوا تَابُوتَ الله، وَأَثْبَتُوهُ فِي وَسَطِ الْخَيْمَةِ الَّتِي نَصَبَهَا لَهُ دَاوُدُ، وَقَرَّبُوا مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ أَمَامَ الله. [1] "أثبتوه في وسط الخيمة": لقد كان يومًا عظيمًا ومناسبة مُبهِجة عندما أُثبت تابوت الله بالسلامة في وسط الخيمة التي جهَّزها داود، هذا الرجل الصالح كان قلبه على التابوت، فلم يستطع أن ينام مطمئنًا إلاًّ بعد أن أوجد له مكانًا (مز 132: 4- 5). أ. صار التابوت في وضع أفضل مما كان عليه قَبْلاً، حينما كان التابوت موضوعًا في قرية صغيرة في وسط الحقول والغابات. والآن قد نُقِلَ إلى مكان عام في المدينة الملكية حتى يراه كل أحد. كان مُهمًلا كإناء منبوذٍ، والآن يُخدَم بتبجيل، ويُسأل الله به. كان في حُجْرَة في بيت خاص يستمتع به عدد قليل على سبيل المجاملة، والآن أصبح له مسكن خاص به، وليس رُكنًا منزويًا في بيت. يليق بنا أن نلاحظ أن كلمة الله ومُقَدَّساته، إن حُجِبَت لوقتٍ ما، لكن أخيرًا سوف تُشرِق وتُبَدِّد الظلمة. ب. ما تمَّ بنقل التابوت إلى مدينة داود أقل كثيرًا مما تحقق فيما بعد حيث بُنِي الهيكل. فالخيمة التي نصبها داود كانت موضعًا لا يُقارَن بالهيكل الذي بناه سليمان. مع ذلك فإن داود كان أفضل بكثير من سليمان ابنه الذي بنى الهيكل ولكن أعطاه ظهره في النهاية. 2. لما تثبت التابوت في مدينة داود تَمَتَّع الملك براحة البال، عَبَّر عن ذلك بالآتي: أ. مجَّد داود الله بتقديم الذبائح والمُحرَقات [1]، اعترافًا بفضل الله. ب. مجَّده بالتسبيح، فقد عَيَّن لاويين ليُسَجِّلوا هذه المناسبة في تسابيح لفائدة الآخرين، واحتفلوا هم أنفسهم بشكر وتسبيح لإله إسرائيل [4]. هكذا يليق أن تُعَبِّر كل أفراحنا عن الشكر لله الذي منه نستلم كل راحتنا. وَلَمَّا انْتَهَى دَاوُدُ مِنْ إِصْعَادِ الْمُحْرَقَاتِ وَذَبَائِحِ السَّلاَمَةِ، بَارَكَ الشَّعْبَ بِاسْمِ الرَّبِّ. [2] تقديم مُحرَقات وذبائح سلامة للرب (لا 1، 3)؛ هذان النوعان من الذبائح يحتلان مركز الصدارة في الأعياد والمناسبات المُفرِحة. لا يعني هذا أن داود قام بنفسه بإصعاد المُحرَقات وتقديم الذبائح، إنما قَدَّم الحيوانات، وقام الكهنة بذبحها وتقديمها للرب؛ وذلك كما يُقَال أنه نصب الخيمة، لا يعني أنه بنفسه قام بالمباني، إنما اهتم بشراء المواد وطلب من البنَّائين والنجارين وغيرهم عمل الخيمة ونصبها. لكي ما يَتمتَّع الشعب بالفرح وبقُدْسية هذا اليوم، أعطاهم داود البركة باسم الرب كأب مع بنيه [2]، فقد صلَّى إلى الله من أجلهم، واستودعهم لنعمته، كما يقول الترجوم "باسم كلمة الرب، الكلمة الأبدي، الذي هو يهوه، ومنه تأتي لنا كل بركة". وَقَسَمَ عَلَى كُلِّ آلِ إِسْرَائِيلَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ، رَغِيفَ خُبْزٍ وَكَأْسَ خَمْرٍ وَقُرْصَ زَبِيبٍ. [3] جاء في الترجمة اليسوعية: "لكل واحدٍ رغيف خبز وكعكة بلح وقرص زبيب". وجاء في "الكتاب المقدس للشباب": كعكة بلح أو قطعة لحم مشوية[1]. وَجَعَلَ أَمَامَ تَابُوتِ الرَّبِّ مِنَ اللاَّوِيِّينَ خُدَّامًا. وَلأَجْلِ التَّذْكِيرِ وَالشُّكْرِ وَتَسْبِيحِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ: [4] لم يقف التسبيح لله بفرح أثناء حمل التابوت ونقله فقط، إنما عَيَّن داود عددًا من اللاويين لتقديم الشكر والتسبيح للرب على الدوام، بلا انقطاع. نلاحظ هنا ثلاثة أنواع من الصلاة: التذكير: تضرع أو استرحام invocation. أي تذكير الشعب حتى لا ينسوا أعمال الله العظيمة الصالحة لشعبه. يمتزج التذكير بالحمد والشكر والتسبيح لله. الشكر: يليق بنا أن نشكر الله، سواء نلنا طلبتنا أو رُفِضَتْ! v لتعلموا أن هذه الصلاة هي حديث مع الله. اسمعوا النبي يقول: "فيلذ الله حواري[2]"، أي ليكن كلامي جالبًا للسرور أمام عينيّ الله. ألا يستطيع أن يخدمنا قبل أن نسأله؟ إنه ينتظر حتى نُقَدِّم له الفرصة، فيجعلنا أهلاً لعنايته. وسواء نلنا ما طلبناه أم لا، فلنواظب على صلواتنا، ونشكره لا حينما ننال طلبتنا فحسب، بل وحينما لا ننالها، إذا ما شاء الله ألا يجيب سؤالنا، لأن ذلك فيه خير لنا، نشكره كما لو كنا قد نلنا ما نطلبه في الصلاة. فإننا لا نعرف ما هو الخير لنا كما يعلم هو. لهذا يليق بنا أن نشكر، سواء نلنا طلبتنا أو رُفِضَتْ. القديس يوحنا الذهبي الفم v في كل حين دائمًا تسبيحه في فمي" (مز 34: 1). يبدو أن النبي يُقَدِّم وعدًا لا يستطيع الوفاء به. كيف تكون تسبحة الله دائمًا في فم الإنسان؟ عندما يتكلم في أحاديثه العادية الخاصة بحياته، لا يُسَبِّح فمه الله، وعندما ينام لا يتكلم أبدًا، عندما يأكل أو يشرب، كيف يُسَبِّح الله بفمه؟! والإجابة على هذا السؤال تأتي بالإشارة إلى فم الإنسان الروحي الداخلي، الذي يتغذَّى بكلمة الحياة، الخبز النازل من السماء (يو 6: 33). عن هذا الفم يقول النبي: "فغرت فمي لأجذب لي روحًا" (مز 119: 131). والرب يدعونا جميعًا أن نغفر أفواهنا حتى تمتلئ بغذاء الحق "افغر فاك واسعًا فأملأه" (مز 79: 11). عندما ينغرس فكر الله ويختم في أعماق النفس، تستطيع أن تُسَبِّح الله الساكن على الدوام في النفس، والإنسان البار يفعل كل شيء لمجد الله (1 كو 10: 31) كما ينصح الرسول، بحيث يأخذ كل فعلٍ وكل كلمةٍ وكل نشاطٍ قوة تمجيد الله. ويُمَجِّد الإنسان الله أيضًا أثناء أكله وشربه ونومه، إذ يقول قلبه مع عروس النشيد: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 5: 2) فكثيرًا ما تُعَبِّر الأحلام عن أفكار النهار. القديس باسيليوس الكبير وَأَلِيآبَ وَبَنَايَا وَعُوبِيدَ أَدُومَ وَيَعِيئِيلَ بِآلاَتٍ رَبَابٍ وَعِيدَانٍ. وَكَانَ آسَافُ يُصَوِّتُ بِالصُّنُوجِ. [5] رجع من السبي مئة وثمانية وعشرون من بني آساف، كلهم مُغَنُّون. وَبَنَايَا وَيَحْزِيئِيلُ الْكَاهِنَانِ بِالأَبْوَاقِ دَائِمًا أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ الله. [6] كانت الأبواق الفضية التي ينفخ فيها الكهنة تُشِيرُ إلى كلمة الله، كقول النبي: "كلام الرب كلام نقي كفضة مصفاة في بوطة في الأرض، ممحوصة سبع مرات" (مز 12: 6). 7 حِينَئِذٍ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَوَّلًا جَعَلَ دَاوُدُ يَحْمَدُ الرَّبَّ بِيَدِ آسَافَ وَإِخْوَتِهِ: 8 «اِحْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. أَخْبِرُوا فِي الشُّعُوبِ بِأَعْمَالِهِ. 9 غَنُّوا لَهُ. تَرَنَّمُوا لَهُ. تَحَادَثُوا بِكُلِّ عَجَائِبِهِ. 10 افْتَخِرُوا بِاسْمِ قُدْسِهِ. تَفْرَحُ قُلُوبُ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الرَّبَّ. 11 اطْلُبُوا الرَّبَّ وَعِزَّهُ. الْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِمًا. 12 اذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ. آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فَمِهِ. 13 يَا ذُرِّيَّةَ إِسْرَائِيلَ عَبْدِهِ، وَبَنِي يَعْقُوبَ مُخْتَارِيهِ. 14 هُوَ الرَّبُّ إِلهُنَا. فِي كُلِّ الأَرْضِ أَحْكَامُهُ. 15 اذْكُرُوا إِلَى الأَبَدِ عَهْدَهُ، الْكَلِمَةَ الَّتِي أَوْصَى بِهَا إِلَى أَلْفِ جِيل. 16 الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ. وَقَسَمَهُ لإِسْحَاقَ. 17 وَقَدْ أَقَامَهُ لِيَعْقُوبَ فَرِيضَةً، وَلإِسْرَائِيلَ عَهْدًا أَبَدِيًّا. 18 قَائِلًا: لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ حَبْلَ مِيرَاثِكُمْ. 19 حِينَ كُنْتُمْ عَدَدًا قَلِيلًا، قَلِيلِينَ جِدًّا وَغُرَبَاءَ فِيهَا. 20 وَذَهَبُوا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ وَمِنْ مَمْلَكَةٍ إِلَى شَعْبٍ آخَرَ. 21 لَمْ يَدَعْ أَحَدًا يَظْلِمُهُمْ بَلْ وَبَّخَ مِنْ أَجْلِهِمْ مُلُوكًا. 22 لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي وَلاَ تُؤْذُوا أَنْبِيَائِي. 23 «غَنُّوا لِلرَّبِّ يَا كُلَّ الأَرْضِ. بَشِّرُوا مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ بِخَلاَصِهِ. 24 حَدِّثُوا فِي الأُمَمِ بِمَجْدِهِ وَفِي كُلِّ الشُّعُوبِ بِعَجَائِبِهِ. 25 لأَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ وَمُفْتَخَرٌ جِدًّا. وَهُوَ مَرْهُوبٌ فَوْقَ جَمِيعِ الآلِهَةِ. 26 لأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الأُمَمِ أَصْنَامٌ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ السَّمَاوَاتِ. 27 الْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ أَمَامَهُ. الْعِزَّةُ وَالْبَهْجَةُ فِي مَكَانِهِ. 28 هَبُوا الرَّبَّ يَا عَشَائِرَ الشُّعُوبِ، هَبُوا الرَّبَّ مَجْدًا وَعِزَّةً. 29 هَبُوا الرَّبَّ مَجْدَ اسْمِهِ. احْمِلُوا هَدَايَا وَتَعَالَوْا إِلَى أَمَامِهِ. اسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ. 30 ارْتَعِدُوا أَمَامَهُ يَا جَمِيعَ الأَرْضِ. تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ أَيْضًا. لاَ تَتَزَعْزَعُ. 31 لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ وَتَبْتَهِجِ الأَرْضُ وَيَقُولُوا فِي الأُمَمِ: الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. 32 لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ، وَلْتَبْتَهِجِ الْبَرِّيَّةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا. 33 حِينَئِذٍ تَتَرَنَّمُ أَشْجَارُ الْوَعْرِ أَمَامَ الرَّبِّ لأَنَّهُ جَاءَ لِيَدِينَ الأَرْضَ. 34 احْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. 35 وَقُولُوا: خَلِّصْنَا يَا إِلهَ خَلاَصِنَا، وَاجْمَعْنَا وَأَنْقِذْنَا مِنَ الأُمَمِ لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ، وَنَتَفَاخَرَ بِتَسْبِيحَتِكَ. 36 مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ». فَقَالَ كُلُّ الشَّعْبِ: «آمِينَ» وَسَبَّحُوا الرَّبَّ. لا يتوقَّف سفر الأخبار عن السرد المستمر للقيام بتسابيح الحمد والشكر لله، مع الاهتمام بفئات المُغَنِّين والمُسَبِّحين في الهيكل، فإن السفر يود أن يؤكد أن ملكوت الله في حقيقته تَمَتُّع بالحياة السماوية المتهللة. نجد هنا مزمور الحمد الذي ألَّفه داود بالروح، وسَلَّمه لرئيس المُغًنِّين، لكي ما يُلَحَّن في المناسبة الشعبية لدخول التابوت في المكان المُعَد له. وُيظَن أن داود رتَّب هذا المزمور لكي يُرَتِّل يوميًا في خدمة الهيكل، فمهما رَتَّلوا من مزامير أخرى يجب أن لا يستثنوا هذا المزمور. وضع داود مزامير كثيرة قبل هذا، بعضها في وقت المتاعب التي عاناها من شاول، أما هذا المزمور فقد ألَّفه وأعطاه لآساف للاستعمال في الهيكل. نجد أجزاء من هذا اللحن مُكَرَّرة في ثلاثة أجزاء أخرى من المزامير: (أعداد 8، 22؛ في مز 105: 1، 15؛ أعداد 22- 33 في مز 96: 1، 3؛ أعداد 34، 36 في مز 106: 1، 47-48). هذه المزامير تتحدث عن أعمال الله العجيبة لخلاص شعبه في الماضي، وقد سبق الحديث عنها في تفسير المزامير. جاءت هذه التسبحة لا تُرَكِّز فقط على إحضار التابوت إلى أورشليم، إنما تفتح باب الرجاء للشعب القادم من السبي وهم قليلو العدد وفاقدون للسلطة والقوة أمام العالم، لكن حضور الرب في وسطهم يُشْبِع كل احتياجاتهم. يدعوه البعض مزمور بدء المملكة، يرى داود مملكة المسيّا فيُحَدِّثنا عن أبعادها. ا. هو دعوة لشهادة وسط الأمم، لكي تَتَمَتَّع الشعوب بملكوته. غاية هذا المزمور بث روح الرجاء في حياة الشعب الراجع من أرض السبيّ. فهو يؤكد للراجعين من أرض السبيّ، والذين شعروا كأن أمتهم (دولتهم) صارت مفقودة وسط قوى العالم، إلا أن الله معهم. وهو الله نفسه الذي خلَّص آباءهم قديمًا، وأقام معهم عهدًا في الماضي؛ إنه ديَّان الأرض كلها، يدافع عن رسله المُختارِين. يضم هذا المزمور جزئين: 1. الجزء الأول مُوجَّه لإسرائيل [8-22]. حث الإسرائيليين على التسبيح للرب على عظمة أعماله، وطلب وجه الرب. يليق بهم أن يَذْكُروا عهده ووعوده التي قدَّمها لآبائهم. 2. الجزء الثاني مُوجَّه لكل الأمم [23-34]. يدعو المُرَتِّل كل الأمم أن يُمَجِّدوا الرب، فإن هذا لائق بإله الخليقة، ومن أجل قدرته وجلاله. ب. ملكوت أبدي [15]. ج. ملكوت كل إنسانٍ مؤمنٍ أمينٍ [16]. د. ملكوت شعبه [17-22]. هـ. ملكوت مُفرِح [23-24]. و. ملكوت لمجد الله [25-30]. ز. الأرض تتناغم مع السماء [31-33]. ح. صلاح الله وخلاصه [34-36]. ختم المزمور بكلمة "آمين" التي يتغنَّى بها الشعب علامة قبوله ما نطق به المزمور الليتورجي. يُغَنِّي بها الشعب بصوت جهوري مع استخدام الصنوج وأدوات موسيقية أخرى. يكشف لنا المزمور الوارد هنا عن منهج الشكر لله: 1. نتذكر ما فعله الله معنا في الماضي [12]. 2. إخبار الآخرين (الشعوب) بأعماله معنا [8]. 3. الافتخار بالله، وباسمه القدوس [10]. 4. الابتسامة الدائمة والفرح بالرب [10]. 5. تَذَكُّر أحكام الله وعهده عبر الأجيال [14-18]. 6. وعوده الأمينة وحمايته لنا [21-22]. 7. دعوة كل البشرية للاشتراك في التسبيح له [23-34]. 8. نأتي إليه بتقدمات علامة الشكر له [29]. 9. مشاركة السمائيين في تسبيحهم للرب وفرحهم به وشكرهم الدائم [31]. 10. مشاركة الطبيعة معنا في التسبيح، أو مشاركتنا نحن معها [32-33]. 11. التسبيح والشكر على المستوى الشخصي والجماعي، طلبة لبنيان ملكوته ونمو كنيسته [36]. حِينَئِذٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوَّلاً جَعَلَ دَاوُدُ يَحْمَدُ الرَّبَّ بِيَدِ آسَافَ وَإِخْوَتِهِ: [7] لم يفارق التسبيح قلب داود ولسانه حتى في أَمَرِّ الأوقات وسط الضيقات، غير أن دخول تابوت الله وتثبيته في وسط الخيمة يُعتبَر نقطة انطلاق جديدة للتسبيح. فالتسبيح الجماعي أمام تابوت العهد بترتيب ونظام مُعَيَّن له طعمه الخاص. "اِحْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. أَخْبِرُوا فِي الشُّعُوبِ بِأَعْمَالِهِ. [8] ليتمجَّد الله في كل تسابيحنا، ولنُمَجِّده بشكرنا (احمدوا الرب)، وبصلواتنا (ادعوا باسمه)، وترانيمنا (غنوا له [8])، وأحاديثنا (تحادثوا بكل عجائبه [9]). لنُمَجِّده كإله عظيم ومُسَبَّح جدًا [25]، كإلهٍ عالٍ (فوق جميع الآلهة)، كإلهٍ واحد،ٍ لأن كل آلهة الأمم أصنام [26]. لنُمَجِّده بكونه أكثر بهاء وبركة [27]، وكخالقٍ (الرب صنع السماوات)، وحاكمٍ لكل الخليقة (في كل الأرض أحكامه [14])، وكمن لنا وحدنا فهو الرب إلهنا. غَنُّوا لَهُ. تَرَنَّمُوا لَهُ. تَحَادَثُوا بِكُلِّ عَجَائِبِهِ. [9] لا يستطيع الكل أن يُسَبِّح الله بنغمٍ ما، فهذا يحتاج إلى موهبة خاصة، لكن كل المؤمنين مدعوون للحديث بعجائب الله. افْتَخِرُوا بِاسْمِ قُدْسِهِ. تَفْرَحُ قُلُوبُ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الرَّبَّ. [10] يفتخر به المؤمن من جهة إلهه، إنه القدوس، واهب القداسة لمن يؤمن به ويلتصق به. سرُّ فرح قلوب من يلتمسونه أن الله يود خلاص كل الشعوب، فيضم ملكوته كل المسكونة. لنتشجَّع ولننتصر ونفتخر بالله ونثق فيه، فالذين يُمَجِّدون اسم الله يسمح لهم أن يفتخروا باسمه [10]، ليتجرأوا للحصول على مواعيده لهم، لتفرح قلوب الذين يطلبون الرب، وبالأكثر الذين وجدوه، اطلبوا وجهه وقوته أيّ اطلبوه في تابوت قوته حيث يظهر فيه. يُعَلِّق الشهيد يوستينوس على هذا المزمور (التسبحة)، قائلاً بأن المرتل يتحدث عما سيتم بعد خمسة عشر قرنًا بمجيء السيد المسيح كمن يراه قد تَمَّ فعلاً. v الآن عندما يتحدث الروح النبوي عن أمور مُقبِلة كأنها قد حدثت فعلاً، كما يظهر في العبارات المقتبسة، فإنني سأشرح هذا أيضًا حتى أن الذين يأتون إليها يجدون عذرًا في عدم فهمها. الأمور التي يفهمها تمامًا أنها ستحدث ينطق عنها مُقَدَّمًا كما لو كانت قد حدثت فعلاً. افحصوا تمامًا العبارات المقتبسة، فسترون أن هذا هو الطريق الذي يسلكونه. لقد نطق داود الكلمات المقتبسة 1500 سنة قبل تجسد المسيح وصلبه، وليس أحد ممن صلبوا قبله وهبوا فرحًا للأمم، وأيضًا الذين صُلبوا بعده. وإنما في أيامنا يسوع حكمة الله الذي صُلب ومات وقام ثانية وصعد إلى السماء بدأ يملك. وبواسطة كرازة الرسل في كل الأمم بخصوصه يوجد فرح للذين يتطلَّعون إلى عدم الفساد الذي وعد به. القديس يوستينوس الشهيد الْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِمًا. [11] إذ يرجع داود بذاكرته إلى شاول الذي عوض أن يسأل الرب سأل الجان، يدعونا "اطلبوا الرب وعِزَّه". اذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ. آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فَمِهِ. [12] يَا ذُرِّيَّةَ إِسْرَائِيلَ عَبْدِهِ وَبَنِي يَعْقُوبَ مُخْتَارِيهِ. [13] يدعو المرتل المؤمنين مختاري الرب. وكما يقول السيد المسيح: "ليس أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمرٍ، ويدوم ثمركم، لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي" (يو 15: 16). هُوَ الرَّبُّ إِلَهُنَا. فِي كُلِّ الأَرْضِ أَحْكَامُهُ. [14] اذْكُرُوا إِلَى الأَبَدِ عَهْدَهُ، الْكَلِمَةَ الَّتِي أَوْصَى بِهَا إِلَى أَلْفِ جِيلٍ. [15] إن كان الله قد قطع عهدًا مع إبراهيم ثم مع إسحق فيعقوب، فهو يود أن يقطع عهده مع كل من يؤمن به، مع القلة القليلة التي تطلبه، إنه يوصي بعهده إلى ألف جيل. ليكن العهد الأبدي هو موضع فرحنا وتسبيحنا، وفي موضع مقابل: ذكر إلى الدهر عهده (مز 105: 8)، وحيث أن الله لا ينسى عهده أبدًا، يليق بنا نحن أيضًا ألا ننساه. لقد أمر الله بعهده، وهو يحثنا أن نطيع وصاياه، لأن له السلطان أن يعطي الوعد والقدرة على تنفيذه. الَّذِي قَطَعَهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ. وَقَسَمَهُ لإِسْحَاقَ. [16] كان هذا العهد قديمًا، ولكن لن يُنسَى أبدًا. لقد قطعه الله مع إبراهيم وإسحق ويعقوب الذين ماتوا من القديم [16، 18]، ولكن ما زال جديدًا للنسل الروحي ومواعيده نافذة. وَقَدْ أَقَامَهُ لِيَعْقُوبَ فَرِيضَةً، وَلإِسْرَائِيلَ عَهْداً أَبَدِيًّا. [17] من السمات الجميلة في حياة داود أنه يُقَدِّم ذبيحة شكر لله لأجل وعوده من أجل نسله. كما قَدَّم صلاة ليس من أجل نفسه فحسب، بل ومن أجل نسله عبر الأجيال. قلبه ملتهب بالحب نحو أحفاده وأحفاد أحفاده. يليق حتى بالشاب الذي لم يبلغ بعد سن الزواج أن يُصَلِّي بكل قلبه من أجل تقديس الأجيال المُقبِلة. قَائِلاً: لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ حَبْلَ مِيرَاثِكُمْ. [18] حِينَ كُنْتُمْ عَدَداً قَلِيلاً، قَلِيلِينَ جِدًّا، وَغُرَبَاءَ فِيهَا. [19] "عددًا قليلاً": لا تتوقف عهود الله على عدد المؤمنين، ولا على إمكانياتهم وقدرتهم، فإبراهيم أخذ المواعيد وكان وأسرته فقط مؤمنين. في كل جيل توجد قلة قليلة أمينة تَتَمَتَّع بالمواعيد الإلهية، وتقبل الدخول في عهدٍ مع الله. لنتذكَّر بالشكر والتسبيح مراحم الله قديمًا لآبائنا وأجدادنا، ونتذكَّر كيف حافظ الله على البطاركة عندما كانت أحوالهم غير مستقرة، وعندما جاءوا نزلاء وغرباء في كنعان، ولما كانوا قلة، ومن الممكن ابتلاعهم بسهولة، لما كانوا في ترحالٍ مُستمِرٍ مُعرَّضون للخطر، ولما تحرَّش بهم كثيرون وأرادوا إزعاجهم. لكنه لم يسمح الله لأحد أن يؤذيهم، ولا حتى من الكنعانيين، والمصريين، فملوك مثل فرعون وأبيمالك وُبِّخوا وضُرِبوا بسببهم. فهم كانوا ممسوحين من الله، مُقَدَّسين بنعمته لمجد اسمه، واستلموا مسحة الروح. كانوا أنبياءه المسترشدين فيما لله لتعليم الآخرين. فالأنبياء كانوا ممسوحين (1 مل 19: 16)، لذلك إذا مَسَّهم أحد فقد مسَّ حدقة عينه (تث 32: 10؛ زك 2: 8)، وإذا ضرَّهم أحد يؤدي ذلك لهلاكه [19، 22]. وَذَهَبُوا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، وَمِنْ مَمْلَكَةٍ إِلَى شَعْبٍ آخَرَ. [20] لَمْ يَدَعْ أَحَداً يَظْلِمُهُمْ، بَلْ وَبَّخَ مِنْ أَجْلِهِمْ مُلُوكًا. [21] لم يدع أحد يظلمهم، مع قلة عددهم وكثرة الأعداء المقاومين وشراستهم، يهبهم الله الشجاعة والقوة ويحفظهم من الشر. وبّخ من أجلهم ملوكًا: مثل فرعون (تك 12: 17)؛ وأبيمالك (تك 20: 3). لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي، وَلاَ تُؤْذُوا أَنْبِيَائِي. [22] يحسب الرب من يدعوهم ليتمتعوا بمواعيده، ويسلكوا في الحق، ويشهدوا له في العالم الشرير مسحاءَ له. أما الأنبياء فهم الذين يكلمهم الله، فيتكلمون عنه، ويشهدون له وللمجد الذي يعده للأمناء. يستشهد العلامة أوريجينوس بهذه العبارة وهو يتحدث عن الذين يخدمون خلاص البشر في كل موضعٍ، ويُعَلِّمون بإنجيل يسوع في كل البلاد بتعليم صحيح وحياة مستقيمة يدعون "مسحاء". v كما نسمع أن ضدَّ المسيح يأتي، ونعرف أنه يوجد أضداد للمسيح كثيرون في العالم (1 يو 2: 18)، بنفس الطريقة نعرف أن المسيح يأتي، ونرى أن خلاله يوجد مسحاء كثيرون في العالم، الذين مثله يُحِبُّون البرَّ، ويبغضون الإثم. v إن رغب أحد أن يرى أجسادًا كثيرة مملوءة بروح إلهي مثل المسيح الواحد، يخدمون من أجل خلاص الشعب في كل مكانٍ، فليلاحظ هؤلاء الذين يُعَلِّمون بإنجيل يسوع في كل الأماكن بتعليم صحيح واستقامة الحياة، الذين يُدعون هم أنفسهم "مسحاء" بواسطة الأسفار المقدسة بالقول: "لا تمسّوا مسحائي" (1 أي 16: 12؛ مز 105: 15) LXX. لأننا كما نسمع بأنه يوجد أضداد المسيح كثيرون في العالم (1 يو 2: 18)، بنفس الطريقة يأتي المسيح، وبسببه يوجد مسحاء كثيرون في العالم، الذين يتشبَّهون به، فيحبون البرّ، ويبغضون الشر، لذلك فإن الله (الآب)، يمسحهم هم أيضًا بزيت البهجة". العلامة أوريجينوس بَشِّرُوا مِنْ يَوْمٍ إِلَى يَوْمٍ بِخَلاَصِهِ. [23] يدعو داود الملك والنبي، مرتل إسرائيل الحلو، المسكونة كلها لتُسَبِّح الله. بَشِّروا من يومٍ إلى يومٍ بخلاصه. هكذا يرى إرميا النبي مراحم الله جديدة في كل صباح (مرا 3: 23). إذ يفتح المؤمن عينيه في الصباح يتوقَّع أخبارًا مُفرِحة، إذ تضم الكنيسة كل يوم الذين يخلصون (أع 2: 47). ليكن الخلاص العظيم الذي لربِّنا هو الموضوع الخاص لتسابيحنا [23]. "خَبِّروا ببشارة خلاصه يومًا فيومًا، أيّ وعد الخلاص الذي للمسيح، فلنا الحق أن نتهلل به يومًا فيومًا لأننا ننهل منه يوميًا، وهو موضوع لا يمكن أن يفرغ أبدًا. حَدِّثُوا فِي الأُمَمِ بِمَجْدِهِ، وَفِي كُلِّ الشُّعُوبِ بِعَجَائِبِهِ. [24] ليت الجميع يستنيرون ويَتَعَلَّمون. أخبروا في الشعوب بأعماله [8]، حَدِّثوا الأمم بمجده [24]، ليتعرَّف عليه المتغربون عنه، ليُقَدِّموا له الولاء والعبادة، لذلك يجب أن نعمل لانتشار ملكوته بين الناس لترتعد أمامه جميع الأرض [30]. يتحدث المرتل هنا عن الأمم بكونها تُمَجِّد الله، مع أنها لم تكن بعد قد قَبِلَتْ الإيمان، إنما يتكلم المرتل عن المستقبل الأكيد كأنه ماضٍ. v كان الرب متجسدًا بين اليهود وحدهم، فلم يولد من عذراء من شعوب الأمم ولا عاش بينهم... ومع هذا فقد تحقق ما قيل عنه: "شعب لم أعرفه يتعبَّد لي" (مز 18: 43)؛ ولكن كيف يتعبَّد له دون أن يعرفه؟ "من سماع الأذن يسمعون لي" (مز 18: 44). عرفه اليهود فصلبوه، وأما العالم كله فسمع عنه وآمن به. القديس أغسطينوس لأَنَّ الرَّبَّ عَظِيمٌ وَمُفْتَخَرٌ جِدًّا.وَهُوَ مَرْهُوبٌ فَوْقَ جَمِيعِ الآلِهَةِ. [25] لأَنَّ كُلَّ آلِهَةِ الأُمَمِ أَصْنَامٌ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَقَدْ صَنَعَ السَّمَاوَاتِ. [26] الْجَلاَلُ وَالْبَهَاءُ أَمَامَهُ. الْعِزَّةُ وَالْبَهْجَةُ فِي مَكَانِهِ. [27] "العزة والبهجة" عزة عظماء العالم مُرتبِطة بالخوف، لأنها عزة تقوم على سلطانٍ بشريٍ زائلٍ. أما عزة الله فترتبط بالجمال الروحي والبهجة، لأنها تقوم على قداسته وحُبِّه وحنوِّه ورحمته. هَبُوا الرَّبَّ يَا عَشَائِرَ الشُّعُوبِ، هَبُوا الرَّبَّ مَجْداً وَعِزَّةً. [28] هَبُوا الرَّبَّ مَجْدَ اسْمِهِ. احْمِلُوا هَدَايَا وَتَعَالُوا إِلَى أَمَامِهِ. اسْجُدُوا لِلرَّبِّ فِي زِينَةٍ مُقَدَّسَةٍ. [29] جاءت في بعض الترجمات: "اسجدوا أمام القدوس عندما يظهر". زينة مقدسة، لا تقوم على مظاهر خارجية زائلة، إنما على قداسة داخلية تتلألأ بالأكثر في السماء. لنُسَبِّحْ الله بالعناية الدائمة لمقدساته التي عيَّنها. أحضروا تقدمة "آنذاك من ثمار الأرض، أما الآن فثمار شفاهنا من القلب" (عب 3: 15)، و"اسجدوا للرب في زينة مقدسة" [29]. فالقداسة هي بهاء الرب، وبهاء كل النفوس المقدسة، وكل الخدمات الخاصة بالأسرار. ارْتَعِدُوا أَمَامَهُ يَا جَمِيعَ الأَرْضِ. تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ أَيْضًا. لاَ تَتَزَعْزَعُ. [30] تتزعزع المسكونة بسبب الحروب وسقوط أنظمة وممالك، فحيث توجد الخطية والظلم يحلُّ الدمار والفساد وعدم الأمان. أما حيث يوجد برُّ الله وقداسته فتثبت المسكونة. لِتَفْرَحِ السَّمَاوَاتُ وَتَبْتَهِجِ الأَرْضُ، وَيَقُولُوا فِي الأُمَمِ: الرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. [31] ليكن ملكوت الله سبب مهابة وفرح للشعب جميعه. ليتنا نهابه: "ارتعدي أمام الرب يا كل الأرض، ونفرح به." لتفرح السماوات وتبتهج، لأن الرب يملك، وقد ثبت المسكونة فلا تتزعزع [30-31]. v صرخ صوت الرسل ليملأ الأرض كلها، يبلغ أقاصي المسكونة. العلامة أوريجينوس v جاء (السيد المسيح) إلى هذه الكورة البعيدة الأرضية (لو 19: 12) لكي يَتَقَبَّل مملكة الأمم.القديس باسيليوس الكبير لِيَعِجَّ الْبَحْرُ وَمِلْؤُهُ، وَلْتَبْتَهِجِ الْبَرِّيَّةُ وَكُلُّ مَا فِيهَا. [32] البحر كناية عن الاضطراب والقلق، فيقول القدِّيس يوحنا اللاهوتي عن السماء إن البحر لا يوجد فيما بعد (رؤ 21: 1). أما هنا فيعج البحر، أي عوض الأمواج والاضطرابات يُسَبِّح البحر الله بلغة الفرح والسلام. حِينَئِذٍ تَتَرَنَّمُ أَشْجَارُ الْوَعْرِ أَمَامَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ جَاءَ لِيَدِينَ الأَرْضَ. [33] ليكن منظر الدينونة القادمة حاثًا لنا لسرورٍ غامر، ولتفرح الأرض والبحر والحقول والغابات لمجيء يوم الرب العظيم ليدين الأرض [32-33]. احْمَدُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُ صَالِحٌ لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. [34] وَقُولُوا: خَلِّصْنَا يَا إِلَهَ خَلاَصِنَا، وَاجْمَعْنَا وَأَنْقِذْنَا مِنَ الأُمَمِ لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ، وَنَتَفَاخَرَ بِتَسْبِيحَتِكَ. [35] جاءت الصلاة الختامية للمزمور [35-36] مطابقة للمزمور (مز 106: 47-48). في وسط تسابيحنا ليتنا لا ننسى أن نصلي لأجل نجاة القديسين وخدام الله الذين في شدة [35]: "نجنا يا الله مخلصنا، أجمع شملنا وأنقذنا من الوثنيين، نحن المُشَتَّتين والمُضطهَدين" وعندما نكون في فرحٍ بنعم الله علينا، يجب أن نتذكَّر إخوتنا المذلولين ونُصَلِّي لأجل خلاصهم ونجاتهم، كما نصلي لأجل أنفسنا، فنحن أعضاء بعضًا لبعض، ولذا عندما نغني "يا رب خَلِّصهم" يليق بنا بالأحرى أن نقول "يا رب خَلِّصنا" وأخيرًا فيجب أن يكون الله هو الألف والياء في تسبيحنا، فداود يبدأ "احمدوا الرب" [8]. مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. فَقَالَ كُلُّ الشَّعْبِ: "آمِينَ"، وَسَبَّحُوا الرَّبَّ. [36] بقول الشعب: "آمين"، يُعلِنون ثقتهم في الله، وتَعَهُّدهم أن يسلكوا بأمانة، ويحفظوا العهد مع الله. يختم بقوله: "مبارك الرب"، وحيث نجد في الموضع الذي اقتُبست منه هذه التسبحة (مز 106: 48) الإضافة: ليقل كل الشعب آمين الليلويا، نجد هنا أيضًا أنهم فعلوا هكذا: فقال كل الشعب آمين، وسَبَّحوا الرب. فقط عندما أنهى اللاويون هذا المزمور والتسبيح (وليس قبل ذلك) أبدَى الشعب رضاه وموافقته بقولهم آمين، وهكذا سَبَّحوا الرب وهم بلا شك متأثرين بهذه الطريقة الجديدة للعبادة التي كانت مُستخدَمة فقط في مدارس الأنبياء (1 صم 10: 5)، وإن كانت هذه الطريقة للتسبيح تسرّ الرب أفضل من الكباش والثيران ذات القرون والأظلاف، "فيرى ذلك الودعاء فيفرحون" (مز 69: 31-32). 3. اللاويون وخدمة الرب الدائمة 37 وَتَرَكَ هُنَاكَ أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ آسَافَ وَإِخْوَتَهُ لِيَخْدِمُوا أَمَامَ التَّابُوتِ دَائِمًا خِدْمَةَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهَا، 38 وَعُوبِيدَ أَدُومَ وَإِخْوَتَهُمْ ثمَانِيَةً وَسِتِّينَ، وَعُوبِيدَ أَدُومَ بْنَ يَدِيثُونَ وَحُوسَةَ بَوَّابِينَ. وَتَرَكَ هُنَاكَ أَمَامَ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ آسَافَ وَإِخْوَتَهُ، لِيَخْدِمُوا أَمَامَ التَّابُوتِ دَائِماً خِدْمَةَ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهَا [37] بعد أن فتح داود الباب لعبادة منظمة، ترك اللاويين يمارسون التسبيح بلا توقُّف، والكهنة يُقَدِّمون الذبائح والتقدمات لله. لكل عضو في كنيسة المسيح عمله: التسبيح، والحراسة (الرعاية)، والكرازة (ضرب الأبواق)، والصلاة. عبادة الله ليست هي عمل يوم ما، لكنها يجب أن تكون يوميًا. لذلك يُثَبِّتها داود لتُمارَس على الدوام، ويضع لها طريقة يتبعها الذين تعيَّنوا كل في موهبته. في الخيمة التي صنعها موسى كان التابوت والمذبح معًا، ولكن منذ أيام عالي الكاهن كانا قد انفصلا واستمرا كذلك إلى أن بُنِي الهيكل، وليس واضحًا لماذا لم يُحضِرْ داود التابوت إلى جبعون حيث كان المذبح والخيمة، أو يُحضِر خيمة الاجتماع إلى جبل صهيون حيث أحضر التابوت. ربما أجزاء من خيمة موسى كانت قد وهنت بمرور الوقت تحت تأثير الطقس، ولذلك لم يكن نقلها أو لم تكن مناسبة لحماية التابوت، ومع ذلك لم يعملها من جديد مكتفيًا بخيمة للتابوت لأن الوقت كان قد اقترب لبناء الهيكل. فأيا كان السبب فإنهما كانا مفترقين كل أيام داود، ولكنه حرص ألا يكون أيّ منهما مُهمَلاً، وهذا واضح من أنه في أورشليم حيث كان التابوت تعيَّن آساف وإخوته ليخدموا أمام التابوت دائمًا خدمة كل يوم بيومها [37]. ربما لم تُقَدَّم هناك ذبائح أو بخور، لأنه لم يكن هناك مذابح، ولكن صلوات داود كانت مرفوعة كبخور ورفع يديه كذبيحة مسائية (مز 141: 2). هذا وكانت الذبائح تُقَدَّم في جبعون. وَعُوبِيدَ أَدُومَ وَإِخْوَتَهُمْ ثمَانِيَةً وَسِتِّينَ، وَعُوبِيدَ أَدُومَ بْنَ يَدِيثُونَ وَحُوسَةَ بَوَّابِينَ. [38] 39 وَصَادُوقَ الْكَاهِنَ وَإِخْوَتَهُ الْكَهَنَةَ أَمَامَ مَسْكَنِ الرَّبِّ فِي الْمُرْتَفَعَةِ الَّتِي فِي جِبْعُونَ 40 لِيُصْعِدُوا مُحْرَقَاتٍ لِلرَّبِّ عَلَى مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ دَائِمًا صَبَاحًا وَمَسَاءً، وَحَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ الَّتِي أَمَرَ بِهَا إِسْرَائِيلَ. 41 وَمَعَهُمْ هَيْمَانَ وَيَدُوثُونَ وَبَاقِيَ الْمُنْتَخَبِينَ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ لِيَحْمَدُوا الرَّبَّ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. 42 وَمَعَهُمْ هَيْمَانُ وَيَدُوثُونُ بِأَبْوَاق وَصُنُوجٍ لِلْمُصَوِّتِينَ، وَآلاَتِ غِنَاءٍ للهِ، وَبَنُو يَدُوثُونَ بَوَّابُونَ. وَصَادُوقَ الْكَاهِنَ وَإِخْوَتَهُ الْكَهَنَةَ أَمَامَ مَسْكَنِ الرَّبِّ، فِي الْمُرْتَفَعَةِ الَّتِي فِي جِبْعُونَ [39] العبادة في جبعون (1 أخ 16: 37-43): في (2 صم 6) لا نجد إشارة إلى الاستمرار في العبادة في خيمة الاجتماع بجبعون. أما سفر الأخبار الأول، فيؤكد وجود مركزيْن رئيسييْن للعبادة في هذه المرحلة من تاريخ إسرائيل إلى أن بُنِي الهيكل في أيام سليمان. نَصْبُ الخيمة في أورشليم وإحضار التابوت فيها لم يُبطِلْ الاهتمام بمركز العبادة في المرتفعة التي في جبعون، إنما صار في إسرائيل مركزان للعبادة، واهتم داود بالمركزيْن، وكان يوجد رئيسان للكهنة، واحد في كل مركز. حتى في بدء حكم سليمان كان لجبعون تقديرها، وكانت العبادة تُقَدَّم هناك. جاء في (1 مل 3: 4-5) أن سليمان نفسه كان يذبح هناك "لأنها هي المرتفعة العظمى، وأصعد سليمان ألف مُحرَقة على ذلك المذبح. وفي جبعون تراءى الرب لسليمان في حلمٍ ليلاً، وسأله ماذا يعطيه" (1 مل 3: 4-5). كان لخيمة الاجتماع التي في جبعون تقديرها، إذ كان الله يتكلم فيها مع موسى في البرية وجهًا لوجه (خر 33: 11)، وكانت تُمَثِّل حضرة الله وتقود الشعب. إذ استقر التابوت في صهيون عاد الشعب إلى بيوتهم، ورجع داود يُسَبِّح الله في بيته. v لقد منعت الشريعة الصلاة وتقديم ذبائح خارج أورشليم (تث 12: 1-32)، فلماذا قَدَّم سليمان ألف مُحرَقة على المذبح في جبعون؟ لأن الخيمة كانت في جبعون، كما يشهد سفر الأخبار (1 أي 16: 39؛ 21: 29)، لذلك من أجل تكريم المسكن القديم كان سليمان يذهب كل عام ويُقَدِّم مُحرَقات. أشوداد (نسطوري) وَحَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ الَّتِي أَمَرَ بِهَا إِسْرَائِيلَ [40]. في جبعون كانت المذابح حيث يخدم الكهنة لأن عملهم كان تقديم الذبائح ورفع البخور وكانوا يقومون بها صباحًا ومساءًا حسب شريعة موسى (خر 39-40). هذه كان يجب إقامتها لأنها تشير إلى وساطة المسيح، لذلك وضع لها شرف عظيم والقيام بها له بركته الهامة. فكان هنا صادوق ليُشرِف على خدمة المذبح، بينما كان أبياثار هناك في أورشليم ليُشرِف على خدمة التابوت، لأن معه صدرة القضاء التي يجب أن يسأل عن طريقها أمام التابوت، لذلك نقرأ أن صادوق وأبياثار "كانا الكاهنان" في أيام داود (2 صم 8: 17؛ 20: 25)، فأحدهما كان يخدم المذبح والآخر يخدم التابوت. هنا وقد استقرت الأشياء ووُضِعَت الأمور الدينية في نصابها. نلاحظ: أ. كان الشعب راضيًا وذهبوا إلى منازلهم مسرورين. ب. عاد داود ليبارك بيته، مُعتزِمًا أن يحافظ على عبادته العائلية والتي لا يجب أن تلغيها العبادة العامة. وَمَعَهُمْ هَيْمَانَ وَيَدُوثُونَ وَبَاقِيَ الْمُنْتَخَبِينَ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أَسْمَاؤُهُمْ لِيَحْمَدُوا الرَّبَّ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. [41] وَمَعَهُمْ هَيْمَانُ وَيَدُوثُونُ بِأَبْوَاقٍ وَصُنُوجٍ لِلْمُصَوِّتِينَ وَآلاَتِ غِنَاءٍ لِلَّهِ، وَبَنُو يَدُوثُونَ بَوَّابُونَ. [42] في جبعون حيث توجد المذابح عيَّن داود مُغَنِّين ليشكروا الرب: "لأن إلى الأبد رحمته [41]، وقد استخدموا آلات موسيقية مقدسة ومخصصة لمثل هذه الخدمة تختلف عما كانوا يستعملونه في المناسبات الأخرى، فبين المرح العادي والفرح المقدس فرق شاسع، والحدود والمسافة بينهما يجب أن تُراعَى بدقةٍ. يرى القديس باسيليوس الكبير أن داود وضع مزامير وأعطاها ليدوثون ليستخدمها، لكي يُصلحَ آلام نفسه، وكأغنية للخورُس يُسَبِّحون بها في حضور الشعب. بهذا يَتَمَجَّد الله، ومن يسمعونها يُصلحون عاداتهم. ثُمَّ انْطَلَقَ كُلُّ الشَّعْبِ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ، وَرَجَعَ دَاوُدُ لِيُبَارِكَ بَيْتَهُ. [43] يليق بنا أن نشهد لعمل الله حتى في وسط عائلاتنا، حيث يتلامس أفراد الأسرة مع سلامنا وفرحنا الداخلي. لم يُذكَرْ هنا موقف ميكال زوجة داود ابنة شاول التي استخفت بداود لأنه رقص أمام تابوت العهد. لتتهلل أعماقي كما في عيدٍ دائمٍ v إلهي، إذ بَنَى داود الملك له بيوتًا، نصب خيمة في أورشليم لينقل فيها تابوت عهدك. أدرك أنه مَدِين لك بحياته وبنجاحه، وبكل البركات التي حلَّت عليه وعلى بيته. اسمح لي أن تُعلِنَ حضورك فيَّ، أحسب كل كياني خيمة، قَدِّسها وهيِّئها كي تتمتع بحضورك الدائم فيها. v قدَّم لك داود مُحرَقات وذبائح سلامة. اقبل تسبيحي وشكري ومحبَّتي ذبائح مقبولة. لتبسط يديك وتباركني، لتُدَشِّن كل أفكاري ومشاعري لك. v ليقُد روحك القدوس كل حياتي، أعلن ملكوتك في داخلي، فتمتلئ نفسي بفرح الروح الدائم. أنصت إلى صوتك العذب، وأثق في وعودك الأمينة. وأشكرك في كل الأوقات، ففي وسط ضيقتي تُحَوِّل النيران إلى ندى. v هَبْ لي ألا أكف عن التسبيح لك، فأشهد لك بالفرح السماوي عن عجائبك. أفتخر بك، إذ تُقِيم من حياتي عيدًا لا ينقطع. أطلبك على الدوام، لأنك سرُّ تعزيتي. أذكر وعودك الأمينة الثابتة. وعدت أن الأرض للرب ولمسيحه. متى أرى كل البشرية ترتمي في أحضانك. متى يَتَمَتَّع العالم بعربون السماء؟ v وعدت: لا تَمِسُّوا مسحائي، ولا تؤذوا أنبيائي. أعترف لك ليس من يؤذيني مثل خطيتي. هَبْ لي التوبة الصادقة وانسحاق القلب. لا أُلقي باللوم على الغير، إهمالي هو عدوِّي! لتُمَرِّر الخطية في فمي فأبغضها. حَرِّر نفسي من أسر الخطايا. هَبْ لي سلطانًا فلا أخشى إبليس وكل حيله. v لك المجد يا أيها العجيب في حُبِّك. ماذا أَرُد لك من أجل مَحَبَّتِك الفائقة. لتعمل نعمتك فيها فتتزيَّن نفسي. لا أكفُّ عن السجود لك بزينة مقدسة. زينتي هي من عمل يديك، وفيض نعمتك، وقداسة برِّك الفائق! داود يعزم على بناء الهيكل: ابنك يبني لي بيتًا! ما كان يشغل قلب داود، لا أن يسكن ويستقر في وسط شعب الله، بل يجتمع مع كل القادة والشعب في حضرة الله. فقد أدرك أن الله هو سرُّ حياته وبنيانه الدائم ونجاحه في كل ما تمتد إليه يداه وفرحه وسعادته ومجده. أدرك أن الله هو مصدر البركات، بل ويجعل منه بركة لكل من يلتقي به. رأينا في الأصحاح السابق كيف صار فرحٌ في كل إسرائيل، واشتهى داود أن تُسَبِّحَ الأرض كلها الرب وتُبَشِّر بخلاصه (1 أي 16: 23). الآن وقد بذل حيرام ملك صور كل جهده ليبني قصر داود، لم يحتمل الأخير أن يجد نفسه ساكنًا في قصرٍ عظيمٍ بينما يُوضَع تابوت العهد المُمَثِّل للحضرة الإلهية في خيمة. اشتهى داود أن يبني لله بيتًا علامة حضور الله وسط شعبه، بل دعوة للقاء العالم كله مع الله. يُبرِز الكاتب أن إقامة هيكل للرب في أورشليم هي فكرة داود أولاً. في سفر الملوك الأول نُسِبَ بناء الهيكل لسليمان كتحقيق لنبوة داود وللوعد الإلهي له، وقد أوضح سفر أخبار الأيام الأول أن دور سليمان هو تنفيذ خطة أبيه داود. جاءت مزامير الصعود تؤكد هذه الفكرة، كمثال جاء في المزمور 132 (مز 131) LXX: "اذكر يا رب داود كل ذُلِّه. كيف حلف للرب، نذر لعزيز يعقوب. لا أدخل خيمة بيتي، لا أصعد على سرير فراشي. لا أعطي وسنًا لعيني، ولا نومًا لأجفاني. أو أجد مقامًا للرب، مسكنًا لعزيز يعقوب" (مز 132: 1-5). لم يُذكَر اسم سليمان في أحد مزامير الصعود التي يَتَغَنَّى بها القادمون للاحتفال بالعيد في الهيكل، إنما يطلبون من الله أن يذكر داود وبيته، كما يذكرون هم أنفسهم داود. ليس عجيبًا أن يشتهي داود أن يبني للرب بيتًا [1-2]، ويبني الرب نفسه بيتًا لداود [10]، ويقصد به عرش داود. يقول الرب: "وأقيمه في بيتي وملكوتي إلى الأبد، ويكون كرسيه ثابتًا إلى الأبد" [14]. يرى المؤمن المسيحي في هذا صورة حيَّة لتجسد كلمة الله، الذي يصير ابنًا لداود حسب الجسد. لقد سُرَّ الله برغبة داود أن يبني له بيتًا حتى سمح الوحي الإلهي أن يُعَاد تسجيل سلسلة الأحداث كما وردت في (2 صم 7)، ويمكن الرجوع إلى التأملات التي ذكرت في كتابنا عن تفسير وتأملات الآباء الأولين لسفر صموئيل الثاني. وهذا الأصحاح يشمل موضوعين رئيسيين: 1. رأفة الله في قبول رغبة داود لبناء بيت له، والوعد الذي منحه الله لداود كرَدِّ فعل [1-15]. 2. قبول داود بتسليمٍ كامل ومسرة لوعد الله ببناء بيته بواسطة سليمان ابنه، وصلاة داود كرَدِّ فعلٍ. عاد داود الملك إلى قصره، وقد اهتزَّت أعماق قلبه بفرح الشعب بكل فئاته بتابوت العهد، فاشتهى أن يبني لله بيتًا يضع فيه تابوت العهد.\ ارتبط داود بناثان بعلاقة صداقة قوية، فطلب من ناثان النبي أن يبني للرب بيتًا، ولثقة ناثان في نقاوة قلب داود، قال له في الحال: "افعل كل ما في قلبك". كان يُشَجِّع صديقه على العمل. تتكرر كلمة "عبدي" وما يعادلها 10 مرات. حسن أن يطلب العبد لسيده (الله) ما لمجده، لكن يليق به أن يسأل ما هي مسرة سيده. رعاية الله لعبده في الماضي: "أنا أخذتك من المربض" [7]، وقائمة في الحاضر "أنا معك حينما توجَّهت" [8]، وتبقى في المستقبل: "أقيم بعدك نسلك... وأثبت مملكته" [11]. غير أنه وعده أن الذي يبني بيت الله هو سليمان لا داود. "دخل الملك داود، وجلس أمام الرب وقال": [16]. جلس كطفلٍ صغيرٍ يشكر أبيه على وعوده: "افعل كما نطقت" [23]. لقد ذاق عذوبة أبوَّة الله له، وانعكس ذلك على حياته فحمل نوعًا من الأبوَّة أو الحب الأبوي لأهل بيته، بل ولكل الشعب. يحتضن طلبته من الرب بتحقيق وعوده بالتسبيح قبل الطلبة وبعد الطلبة. 1 وَكَانَ لَمَّا سَكَنَ دَاوُدُ فِي بَيْتِهِ، قَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ النَّبِيِّ: «هأَنَذَا سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْ أَرْزٍ، وَتَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ تَحْتَ شُقَق!» 2 فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: «افْعَلْ كُلَّ مَا فِي قَلْبِكَ لأَنَّ اللهَ مَعَكَ». 3 وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَانَ كَلاَمُ اللهِ إِلَى نَاثَانَ قَائِلًا: يؤكد الرب أن مملكة داود ومملكة سليمان مجرد مساهمة في مملكة الله نفسه، إذ يقول الرب: "وأقيمه في بيتي وملكوتي إلى الأبد" [14]. في (2 أي 9: 8) الملك الحقيقي لإسرائيل هو الله نفسه. وجَّه ربُّنا ناثان بأن داود ليس بالرجل المختار لهذا العمل. وَكَانَ لَمَّا سَكَنَ دَاوُدُ فِي بَيْتِهِ، قَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ النَّبِيِّ: "هَئَنَذَا سَاكِنٌ فِي بَيْتٍ مِنْ أَرْزٍ، وَتَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ تَحْتَ شُقَقٍ!" [1] كثيرًا ما كرَّر السفر نبوة ناثان الواردة في (2 صم 7)، وهي في نظره على جانبٍ كبيرٍ من الأهمية. فإنها تُعَبِّر عن العهد المقطوع بين الله وداود، وعن استمرارية سلالته الملوكية، حتى جاء ابن داود الملك الأبدي. كان قلب داود مُلتهِبًا بالحبِّ لله، فلم يطق أن يكون له قصر فخم، بينما تابوت العهد موضوع في خيمة. لذا أراد أن يبني هيكلاً للرب. لكن كل شيء عند الرب له زمان خاص به. إذ شعر داود باستقرارٍ في قصره الذي بناه أراد أن يبني بيتًا للرب يُوضَع فيه تابوت العهد. لم يكن بال داود مرتاحًا أن يسكن هو في بيت من أرز، بينما التابوت موضوع في خيمة. انظر كيف كان اهتمام داود ومشروعاته عندما كثُرَتْ ثروته وعظمت قوته، إنه لم يفكر ماذا يعمل لأولاده ليُشْرِكَهم في الثروة، أو كيف يملأ خزائنه ويوسع سلطانه، بل بالحري فكر ماذا يفعل لكي يخدم ويُمَجِّد الله. هكذا يليق بنا أن نهتم بخدمة ملكوت الله في العالم، وبكنيسته. فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: "افْعَلْ كُلَّ مَا فِي قَلْبِكَ، لأَنَّ الله مَعَكَ". [2] حالما علم ناثان النبي برغبة داود، قال له: "افعل كل ما في قلبك لأن الله معك"، لأنه لم يكن لديه أدنى شك في أن الله كان مع داود. من الواجب على خدام الله أن يُثِيروا في أنفسهم وفي الآخرين حركة النعمة والمواهب التي فيهم. وَفِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَانَ كَلاَمُ الله إِلَى نَاثَانَ: [3] يرى بعض الشُرَّاح (مثًل J. H. Blunt) أن نصيحة ناثان النبي قد عُدِّلَت بعدما جاءت إليه كلمة الله تلك الليلة، فإنه يُحتمَل أن الأنبياء لم يكونوا دائمًا تحت الإلهام الإلهي وفي الإمكان أن يتكلموا في بعض الأمور تحت تأثير فكرهم البشري فقط. 4 «اذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ عَبْدِي: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتَ لاَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِلسُّكْنَى، 5 لأَنِّي لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ يَوْمِ أَصْعَدْتُ إِسْرَائِيلَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، بَلْ سِرْتُ مِنْ خَيْمَةٍ إِلَى خَيْمَةٍ، وَمِنْ مَسْكَنٍ إِلَى مَسْكَنٍ. 6 فِي كُلِّ مَا سِرْتُ مَعَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مَعَ أَحَدِ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ أَنْ يَرْعَوْا شَعْبِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتًا مِنْ أَرْزٍ؟ "اذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ عَبْدِي: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: أَنْتَ لاَ تَبْنِي لِي بَيْتًا لِلسُّكْنَى، [4] جاءت إجابة الله على طلب داودهكذا: داود لا يبني هذا البيت إنما يُعِدّ له ولا يبنيه، مثلما أتى موسى بشعب إسرائيل بالقرب من كنعان، ولكن ترك يشوع ليُدْخِلهم إليها. إنه من حق السيد المسيح وحده أن يكون رئيسًا لعمله ومكملاً له. الله يتنازل ويَقْبَل الآراء الجيدة من شعبه، حتى وإن منعهم من تتميمها، فقد أرسل ناثان النبي ليُطَيِّب خاطر داود، ويقول له: 1. يا داود، إن ترقيتك للمنصب الرفيع لم تضع سدى، أنا أخذتك من المربض من وراء الغنم، ليس لبناء الهيكل، بل لتكون رئيسًا على شعبي إسرائيل، وهذا شرف كافٍ لك. اترك البناء لآخر يأتي بعدك [7]، لماذا يظن أحد بأنه يقوم بكل شيءٍ، ويُتَمِّم كل عملٍ صالحٍ إلى النهاية؟ فليترك شيئًا لمن يخلفونه. فالله أعطى داود انتصارات وعمل له اسمًا [8]، وفوق ذلك عزم أن يُعَيِّن خلاله مكانًا لشعبه إسرائيل ويُحَصِّنه ضدّ أعدائه، فذلك يجب أن يكون عمله كرجل حرب، وأن يترك بناء الكنائس لمن لم يَتَعَيَّن أبدًا أن يكون جنديًا. 2. يا داود، لا تظن أن غرضك الحسن قد ضاع سدى، أو أنك ستفقد جزاءه، فبالرغم من أنني أمنعك من أن تنفذه إلاَّ إنك ستُجازَى كما لو كنت قد عملتَه، "فالرب يبني لك بيتًا، ويضم تاج إسرائيل إليه" [10]، فحينما توجد الإرادة الحسنة، فهي لا تُقْبَل فقط بل تُجازَى أيضًا. 3. يا داود، لا تظن إني أمنعك من القيام بهذا العمل الجليل، فلا يتم أبدًا وأن تفكيرك فيه قد ضاع سُدَى، فإنني سأقيم نسلك وهو يبني لي بيتًا [11- 12]. فهيكل الله سوف يُبنَى في الميعاد المُحَدَّد ولو لم يكن لنا شرف المساعدة في بنائه أو الفرح لرؤيته مستكمًلا. 4. يا داود، يجب ألا تحصر أفكارك في الرخاء الدنيوي لأسرتك، بل أن تُعلِّل نفسك بمملكة المسيا المرتقبة، فهو الذي يأتي من بين حقويك ويكون عرشه ثابتًا إلى الأبد [14]. فسليمان نفسه لم يكن قد تثبَّت في بيت الله كما كان يجب، ولم تُثبَّت أسرته في المملكة: "ولكن سيأتي من نسلك الذي أُثبِّته في مملكتي". وهذا يعني أنه سيكون رئيس كهنة على بيت الله، ويكون له وحده السلطان على أعمال مملكة الله بين البشر، وكل القوة في السماء وعلى الأرض، في البيت وفي المملكة، في الكنيسة وفي العالم، فيكون كاهنًا على عرشه، وتكون مشورة السلامة بينهما كليهما، وسوف يبني هيكل الرب (زك 6: 12- 13). 3. لم يطلب الله بيتًا للتابوت بل خيمة لأَنِّي لَمْ أَسْكُنْ فِي بَيْتٍ مُنْذُ يَوْمَ أَصْعَدْتُ إِسْرَائِيلَ إِلَى هَذَا الْيَوْمِ، بَلْ سِرْتُ مِنْ خَيْمَةٍ إِلَى خَيْمَةٍ، وَمِنْ مَسْكَنٍ إِلَى مَسْكَنٍ. [5] لم يكن قد حان الوقت لإقامة التابوت في بيتٍ للرب. فِي كُلِّ مَا سِرْتُ مَعَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ، هَلْ تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مَعَ أَحَدِ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ أَمَرْتُهُمْ، أَنْ يَرْعُوا شَعْبِي إِسْرَائِيل،َ قَائِلاً: لِمَاذَا لَمْ تَبْنُوا لِي بَيْتاً مِنْ أَرْزٍ؟ [6] الله لا يريد المظهر الخارجي في الأبَّهة والفخامة في خدمته، فتابوت عهده كان راضيًا بخيمةٍ، ولم يطلب بناء بيتٍ له، حتى بعدما أراح الله شعبه في مدن عظيمة جيدة لم يبنها (تث 6: 10)، وقد أمر القضاة أن يرعوا شعبه، ولكنه لم يسألهم قط أن يبنوا له بيتًا [6]، فليتنا نقنع أحيانًا بوسائل راحة متواضعة كما كان تابوت الله. وَالآنَ فَهَكَذَا تَقُولُ لِعَبْدِي دَاوُدَ: هَكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: أَنَا أَخَذْتُكَ مِنَ الْمَرْبَضِ مِنْ وَرَاءِ الْغَنَمِ، لِتَكُونَ رَئِيسًا عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، [7] وَكُنْتُ مَعَكَ حَيْثُمَا تَوَجَّهْتَ، وَقَرَضْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ، وَعَمِلْتُ لَكَ اسْمًا كَاسْمِ الْعُظَمَاءِ الَّذِينَ فِي الأَرْضِ. [8] هذه هي مسرة الله أن يقيم من كل إنسانٍ قائدًا لمشاعره وأفكاره وكلماته وتصرفاته، كما يسلك بروح الثقة لا الخوف. يرى القديس كيرلس أن الذين لا يخافون الله لا يستحقون أن يذكر المرتل أسماءهم بشفتيه [4]، أما المسكين فيذكر الله اسمه بلسانه (لو 16: 19، 20)[1]. فهو عظيم في عيني الله، ويجعله عظيمًا أمام السمائيين وبني البشر. 4. مسرته في راحة شعبه وَعَيَّنْتُ مَكَاناً لِشَعْبِي إِسْرَائِيلَ، وَغَرَسْتُهُ فَسَكَنَ فِي مَكَانِهِ، وَلاَ يَضْطَرِبُ بَعْدُ، وَلاَ يَعُودُ بَنُو الإِثْمِ يَبْلُونَهُ كَمَا فِي الأَوَّلِ [9] 10 وَمُنْذُ الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أَقَمْتُ قُضَاةً عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ. وَأَذْلَلْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ. وَأُخْبِرُكَ أَنَّ الرَّبَّ يَبْنِي لَكَ بَيْتًا. 11 وَيَكُونُ مَتَى كَمَلَتْ أَيَّامُكَ لِتَذْهَبَ مَعَ آبَائِكَ، أَنِّي أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَنِيكَ وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. 12 هُوَ يَبْنِي لِي بَيْتًا وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّهُ إِلَى الأَبَدِ. وَمُنْذُ الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أَقَمْتُ قُضَاةً عَلَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ، وَأَذْلَلْتُ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ، وَأُخْبِرُكَ أَنَّ الرَّبَّ يَبْنِي لَكَ بَيْتًا [10] يقول الكتاب عن القابلتيْن اللتيْن رفضتا أن تقتلا الأطفال الذكور لبني إسرائيل: "وكان إذ خافت القابلتان الله أنه صنع الله لهما بيوتًا" (خر 1: 21)، فهل يصنع الله بيوتًا؟! إذ تشير القابلتان إلى الكتاب المقدس، فإنه إذ يُدرَس بمخافة إلهية، ويعيشهما المؤمنون كما يجب، يُقِيم الله للكتاب موضعًا في أماكن كثيرة، أي ينفتح مجال الخدمة وتُقَام بيوت لله. هكذا يحتاج العالم أن يرى فينا كلمة الله عاملة في قلبنا بخوفٍ إلهيٍ، فيجد الإنجيل له موضع في كل قلب. يرى العلامة أوريجينوس[2] في القابلتين "المعرفة" التي تسند أولاد الله في ولادة الذكور كما الإناث، أي يكون لهم ثمر في التأمل العقلي الإلهي، وفي تقديس العواطف. لأن الذكور يشيرون إلى العقل والإناث إلى العاطفة. وتشير القابلتان أيضًا إلى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، خلالهما ينعم أولاد الله بالثمر المتزايد عقليًا وعاطفيًا، أو روحيًا وجسديًا. وَيَكُونُ مَتَى كَمُلَتْ أَيَّامُكَ لِتَذْهَبَ مَعَ آبَائِكَ، أَنِّي أُقِيمُ بَعْدَكَ نَسْلَكَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ بَنِيكَ، وَأُثَبِّتُ مَمْلَكَتَهُ. [11] هُوَ يَبْنِي لِي بَيْتًا، وَأَنَا أُثَبِّتُ كُرْسِيَّهُ إِلَى الأَبَدِ. [12] إن كان داود قد التزم بالدخول في معارك كثيرة، لأجل استقرار الشعب وأمانه، لم يسمح له الرب ببناء الهيكل، لأن يديه سفكتا دماء كثيرة. من هو هذا الذي يبني بيتًا لله وكرسيه يدوم إلى الأبد، إلا السيد المسيح ابن داود الذي بنى كنيسته على الصخر. يرى يوسابيوس القيصري أن الآية 13 لا يمكن أن تنطبق على سليمان، إنما على المسيح ملك السلام. v لا يوجد شك في أن سليمان كان ابن داود، وهو خليفته في المملكة. وهو أولاً بنى هيكل الله في أورشليم، وربما يفهم اليهود أنه هو موضوع النبوة. لكننا بحق نسألهم إن كان الوحي ينطبق على سليمان، الذي يقول: "وأنا أُثَبِّت كرسيه إلى الأبد" [12]. وأيضًا أين أقسم الله بتأكيد أنه قدوسه: كما يُنبئ عن عرشه أن يكون كالشمس وأيام السماء. فإن كانت سنوات مُلْكِ سليمان محصية فهي أربعين لا أكثر. فإن أُضيفت إليها سنوات مُلك كل نسله، فإنها لا تبلغ 500 عامًا. وإن افترضنا أن خطهم (في المملكة) استمر حتى إلى آخر هجوم على الأمة اليهودية بواسطة الرومان، كيف تتحقق النبوة القائلة: "كرسيك يبقى إلى الأبد، ويكون كالشمس وأيام السماء؟" وأيضًا الكلمات: "أنا أكون له أبًا، وهو يكون لي ابنًا" [13]. كيف تشير إلى سليمان؟ فإن تاريخه يخبرنا الكثير عنه بما يضاد عن التبني لله وغريب عنه. لا؛ اسمعوا الاتهام الموجَّه ضده: "وأحب الملك سليمان نساءً غريبة كثيرة مع بنت فرعون موآبيات وعمونيات وأدوميات وصدونيات وحثّيات، من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل: لا تدخلون إليهم، وهم لا يدخلون إليكم" (1 مل 11: 1-2). أضيفوا إلى هذا القول: "ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب كقلب داود أبيه، فذهب سليمان وراء عشتروث إله الصيدونيين وملكوم رجس العمونيين. وعمل سليمان الشر في عينيّ الرب" (1 مل 11: 4-6). مرة أخرى قيل بعد ذلك: "وأقام الرب الشيطان ضد سليمان، هدد الأدومي" (انظر 1 مل 11: 14) LXX. الآن من يستطيع أن يتجاسر ويقول إن الله أبوه، هذا الذي سقط تحت اتهامات خطيرة؟... لذلك يلزمنا أن نسأل عن آخر يُعلَن عنه أنه من نسل داود... لكن لا يوجد آخر وُلِدَ منه، كما سُجِّل إلا ربنا ومخلصنا يسوع مسيح الله وحده، الذي دُعِي في العالم كله ابن داود حسب ميلاده جسديًا، ومملكته ها هي مستمرة وستستمر إلى الأبد. لقد هوجمت بواسطة كثيرين، لكنها تبقى دائمًا بالسلطان الإلهي الفائق للبشرية، لتؤكد أنها موحي بها ولا تُقهَر كما سبق فأَخْبَرَتنا النبوة. يوسابيوس القيصري أَنَا أَكُونُ لَهُ أَبًا، وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا، وَلاَ أَنْزِعُ رَحْمَتِي عَنْهُ كَمَا نَزَعْتُهَا عَنِ الَّذِي كَانَ قَبْلَكَ. [13] اقتبس الرسول بولس هذه العبارة، إذ أدرك أنها وعد إلهي لا لسليمان الحكيم بكونه ابنًا لداود يبني الهيكل، بل إعلان عن المسيَّا ابن داود الذي فيه ننعم بالتبنِّي للآب. 7. مسرته في إقامتنا ملوكًا وَأُقِيمُهُ فِي بَيْتِي وَمَلَكُوتِي إِلَى الأَبَدِ، وَيَكُونُ كُرْسِيُّهُ ثَابِتاً إِلَى الأَبَدِ". [14] فَحَسَبَ جَمِيعِ هَذَا الْكَلاَمِ وَحَسَبَ كُلِّ هَذِهِ الرُّؤْيَا كَذَلِكَ كَلَّمَ نَاثَانُ دَاوُدَ. [15] قَدَّمَ الله لداود وعديْن عن طريق ناثان النبي: الوعد الأول: أنه يجعل ذريته ملوكًا لإسرائيل [10]؛ هذا الوعد مشروط بالتزامهم بحفظ وصاياه والطاعة له. الوعد الثاني: وهو وعد غير مشروط، أنه يُقِيم من بعده ابنًا يُرَسِّخ عرشه إلى الأبد [12، 14]. هذا الابن هو رُّبنا يسوع المسيح، كلمة الله المتجسد، ابن داود، الذي يُقِيم ملكوته في قلوبنا. فالمسيا في العهد القديم هو الملك الأبدي البار الممسوح ليُقِيم خيمة داود الساقطة، تَمْتَدُّ مملكته إلى أقاصي الأرض، ناموسها الحق والعدل الإلهي، نقتبس هنا بعض نبوات عن شخصه العجيب كملكٍ سماوي ومملكته الفائقة: "أقيم لداود غصن برّ، فيملك ملك وينجح ويُجري حقًا وعدلاً في الأرض" (إر 23: 5). "اسألني، فأعطيك الأمم ميراثًا لك، وأقاصي الأرض ملكًا لك" (مز 2: 8). "كرسيُّك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب استقامة قضيب ملكك. أحببت البرَّ وأبغضت الإثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج أكثر من رفقائك... جُعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير..." (مز 45). "اللهم أعطِ أحكامك للملك، وبِرَّك لابن الملك. يدين شعبك بالعدل ومساكنك بالحق... يملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض" (مز 72). "وفي أيام هؤلاء الملوك يُقِيم إله السماوات مملكة لن تنقرض أبدًا، ومُلكها لا يُترَك لشعبٍ آخر، وتسحق وتفني كل هذه الممالك، وهي تثبت إلى الأبد" (دا 2: 44). "كنت أرى في رؤى الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقرَّبوه قدامه، فأعطي سلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبَّد له كل الشعوب والأمم والألسنة سلطانه سلطان أبدي ما لا يزول، وملكوته لا ينقرض" (دا 7: 13-14). v عندما جلس الرب على الجبل مع تلاميذه رأى الجموع قادمة إليه، فنزل من الجبل وأشبعهم في الأماكن السفلية للجبل. إذ كيف كان يمكن له أن يهرب إلى هناك مرة أخرى لو لم يكن قد نزل قبلاً من الجبل؟ يحمل ذلك معنى، نزول الرب من العلا ليُطعِمَ الجموع ويصعد... لقد جاء الآن لا ليملك في الحال، إنما يملك بالمعنى الذي نُصَلِّي من أجله: "ليأتِ ملكوتك". إنه يملك على الدوام مع الآب بكونه ابن الله، الكلمة الذي به كان كل شيء. لكن الأنبياء يخبروننا عن ملكوته الذي فيه هو المسيح الذي صار إنسانًا ويجعل مؤمنيه مسيحيين... يمتد ملكوته ويُعلن عندما يُعلن مجد قديسيه بعد أن تتم الدينونة بواسطته، الدينونة التي تحدث عنها قبلاً، إن ابن الإنسان يتممها. ذلك الذي يقول عنه الرسول: "عندما يُسلَّم ملكوت الله للآب" (انظر 1 كو 15: 24). وقد أشار عليه بنفسه قائلاً: "تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المُعَدّ لكم منذ بدء العالم" (مت 25: 34). لكن التلاميذ والجموع التي آمنت به ظنوا أنه قد جاء لكي يملك حالاً، لهذا أرادوا أن يختطفوه ويجعلوه ملكًا (يو 6: 15). أرادوا أن يسبقوا الزمن الذي أخفاه بنفسه لكي يعلنه في الوقت المناسب. القديس أغسطينوس 8. داود يُقَدِّم ذبيحة شكر لله 16 فَدَخَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: «مَنْ أَنَا أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ، وَمَاذَا بَيْتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى هُنَا؟ 17 وَقَلَّ هذَا فِي عَيْنَيْكَ يَا اَللهُ فَتَكَلَّمْتَ عَنْ بَيْتِ عَبْدِكَ إِلَى زَمَانٍ طَوِيل، وَنَظَرْتَ إِلَيَّ مِنَ الْعَلاَءِ كَعَادَةِ الإِنْسَانِ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلهُ. 18 فَمَاذَا يَزِيدُ دَاوُدُ بَعْدُ لَكَ لأَجْلِ إِكْرَامِ عَبْدِكَ وَأَنْتَ قَدْ عَرَفْتَ عَبْدَكَ؟ 19 يَا رَبُّ، مِنْ أَجْلِ عَبْدِكَ وَحَسَبَ قَلْبِكَ قَدْ فَعَلْتَ كُلَّ هذِهِ الْعَظَائِمِ، لِتَظْهَرَ جَمِيعُ الْعَظَائِمِ 20 يَا رَبُّ، لَيْسَ مِثْلُكَ وَلاَ إِلهَ غَيْرُكَ حَسَبَ كُلِّ مَا سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا. 21 وَأَيَّةُ أُمَّةٍ عَلَى الأَرْضِ مِثْلُ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ الَّذِي سَارَ اللهُ لِيَفْتَدِيَهُ لِنَفْسِهِ شَعْبًا، لِتَجْعَلَ لَكَ اسْمَ عَظَائِمَ وَمَخَاوِفَ بِطَرْدِكَ أُمَمًا مِنْ أَمَامِ شَعْبِكَ الَّذِي افْتَدَيْتَهُ مِنْ مِصْرَ. 22 وَقَدْ جَعَلْتَ شَعْبَكَ إِسْرَائِيلَ لِنَفْسِكَ شَعْبًا إِلَى الأَبَدِ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ صِرْتَ لَهُمْ إِلهًا. 23 وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ، لِيَثْبُتْ إِلَى الأَبَدِ الْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ عَنْ عَبْدِكَ وَعَنْ بَيْتِهِ وَافْعَلْ كَمَا نَطَقْتَ. 24 وَلْيَثْبُتْ وَيَتَعَظَّمِ اسْمُكَ إِلَى الأَبَدِ، فَيُقَالَ: رَبُّ الْجُنُودِ إِلهُ إِسْرَائِيلَ. هُوَ اللهُ لإِسْرَائِيلَ وَلْيَثْبُتْ بَيْتُ دَاوُدَ عَبْدِكَ أَمَامَكَ. 25 لأَنَّكَ يَا إِلهِي قَدْ أَعْلَنْتَ لِعَبْدِكَ أَنَّكَ تَبْنِي لَهُ بَيْتًا، لِذلِكَ وَجَدَ عَبْدُكَ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَامَكَ. 26 وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ، أَنْتَ هُوَ اللهُ، وَقَدْ وَعَدْتَ عَبْدَكَ بِهذَا الْخَيْرِ. 27 وَالآنَ قَدِ ارْتَضَيْتَ بِأَنْ تُبَارِكَ بَيْتَ عَبْدِكَ لِيَكُونَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامَكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ قَدْ بَارَكْتَ وَهُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ». سبق أن قدمت تفسيرًا لصلاة داود هذه في (2 صم 7). فَدَخَلَ الْمَلِكُ دَاوُدُ وَجَلَسَ أَمَامَ الرَّبِّ وَقَالَ: "مَنْ أَنَا أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلَهُ، وَمَاذَا بَيْتِي حَتَّى أَوْصَلْتَنِي إِلَى هُنَا؟ [16] قابل داود الملك جواب الله بتواضع [16-18]، وشكر [19-20]، مُعترِفًا ببركات الله [21-22]، ومُرَحِّبًا بقرارات الله ومواعيده وأوامره [23-24]. كان داود النبي والملك في حالة دهشة عجيبة، لا تستطيع لغة بشرية أن تُعَبِّر عما في داخله. إن كان الله قد رفض أن يبني له داود بيتًا، لم يحزن داود، بل تهلَّل وشكر، لأن الحديث كله يُشِير إلى ما هو أعظم من بناء بيت للرب، إنما يأتي رب المجد، ابن داود، ليُقِيم بيتًا يبنيه بدمه المسفوك على الصليب. لم يشعر أنه مرفوض من الله، لأنه منعه من بناء بيتٍ لله، إنما شعر بأنه في الأحضان الإلهية، يُرسِل الآب ابن داود ليُعلِنَ الحبَّ الإلهي العملي في أروع صورة. تكشف صلاة داود [16-27] إنه وإن كان إنسانًا له أخطاؤه غير أنه يُظهِر ثقته في الله واتِّكاله عليه. ركَّز على أن ملك إسرائيل يلزمه ألا يحكم بسلطانه الذاتي، بل بقوة الله. فهو يخدم شعبًا يدخل في عهد مع الله له خبرته معه. خاطب داود الله في مهابةٍ ووقارٍ، ردًا على رسالة النعمة التي استلمها من الله، فبالإيمان نال المواعيد واحتضنها واقتنع بها، كما فعل الآباء البطاركة (عب 11: 13). جلس داود الملك أمام الرب كطفلٍ صغيرٍ يتحدَّث مع أبيه، يطلب منه بروح البنوة. إذ يَلِذُّ للأب أن يُنصِتَ إلى طلبة طفله. يُصغِي إليه باهتمامٍ عظيمٍ كمن يُسَرّ بكلماته أكثر من سروره بكلمات الفلاسفة. هكذا في دالة يطلب القدِّيس من الله كابنٍ ينطق بلغة الحُبِّ. قد ينطق الطفل بكلماتٍ قليلةٍ، لكن بحُبِّه العظيم لأبيه، يتكلم بدالةٍ وفيضٍ، لأن الحب يُسهِّل عليه أن يُعَبِّر عمّا بداخل الإنسان. v يتكلم الطفل أمام أبيه بحبٍ، ويُصغِي أبوه بحبٍ إلى كل ما يقوله له. وإذ يسمع أسئلته التي يطرحها عليه، يَقْبَلها كما لو كان يتكلم عن أمورٍ خطيرةٍ. حتى إن ثرثر كثيرًا ولم يُمَيِّز ما يقوله، يُسَرّ بكلامه أكثر من حديث الفلاسفة. ها أنا أتكلم مثل طفلٍ أمام أبيه، هأنذا أتكلم أمام الله بحُبٍ عظيمٍ. هأنذا أتكلم ولو قليلاً جدًا؛ فأنا لا أتكلم قليلاً جدًا، لأنه يسهل على الحب أن يتكلم كثيرًا قدر ما يشاء. القديس مار يعقوب السروجي وَقَلَّ هَذَا فِي عَيْنَيْكَ يَا الله،فَتَكَلَّمْتَ عَنْ بَيْتِ عَبْدِكَ إِلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ، وَنَظَرْتَ إِلَيَّ مِنَ الْعَلاَءِ كَعَادَةِ الإِنْسَانِ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلَهُ. [17] ما ورد في (2 صم) كسؤال "هل هذه هي عادة الإنسان يا سيدي الرب؟" وردت هنا بصيغة اعتراف: ونظرت إليَّ من العلاء كعادة الإنسان أيها الرب الإله. لقد جعلتني رجًلا عظيمًا وعاملتني كذلك. الله من خلال علاقة العهد التي يقبل بها المؤمنين يعطيهم ألقابًا، وينعم عليهم بعطايا، ويُعدّ لهم الكثير ناظرًا إليهم كأشخاص ذوي مَرْتَبَة عالية مع أنهم تراب ورماد. يقرأ بعض الشُرَّاح هذه الكلمات كالآتي: "لقد نظرت إليَّ في هيئة إنسان في العلاء أيها السيد الرب" أو "لقد جعلتني أنظر حسب هيئة الإنسان مجد السيد الرب"، لذلك فهي تشير إلى المسيا، لأن داود كإبراهيم رأى يومه وفرح، رآه بالإيمان، رآه في شكل إنسان، الكلمة المتجسد، مع أنه رأى مجده كما لوحيد من الآب. وهذا هو ما تكلم الله عنه بخصوص بيته إلى مدى بعيد، فهذه الرؤية هي في نظر الله أعظم من أيّ شيء، أنه ليس أمرًا غريبًا أن يتكلم داود عن ناسوته ولاهوته، فدعاه ربَّي بالروح (اللاهوت) مع أنه علم أنه سيكون ابنه (مز 110: 1)، ورآه أقل من الملائكة لفترة وجيزة (الناسوت) ولكن بعد ذلك مكلًلا بالمجد والبهاء (عب 2: 6، 7). إذ سمع داود عن الوعدين الإلهيين من فم ناثان النبي، لم يسأل عن تفاصيل معينة، وعن وقت تحقيقهما، إنما في تواضعٍ وقف أمام الله يشكره ويعترف ببركاته الإلهية. فَمَاذَا يَزِيدُ دَاوُدُ بَعْدُ لَكَ لأَجْلِ إِكْرَامِ عَبْدِكَ، وَأَنْتَ قَدْ عَرَفْتَ عَبْدَكَ؟ [18] بعد الكلمات "فماذا يزيد داود بعدلك" أضاف هنا: "لأجل إكرام عبدك [18]. لنلاحظ الإكرام الذي يُضَيفه الله على خُدَّامِه، بإدخالهم في عهد وشركة معه، على درجة عظيمة حتى أنهم لا يستطيعون ولا يرغبون أن يُكَرَّموا أكثر من ذلك، وإذا ما بدأوا يفكرون، فإنهم لا يستطيعون أن يتكلموا عن كرامتهم أكثر مما تكلم الله. كثيرًا ما يُكَرِّر النبي كلمة "عبدك"، وذلك باسم ابن داود الذي أخلى نفسه آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس" (في 2: 7). يَا رَبُّ مِنْ أَجْلِ عَبْدِكَ، وَحَسَبَ قَلْبِكَ قَدْ فَعَلْتَ كُلَّ هَذِهِ الْعَظَائِمِ، لِتَظْهَرَ جَمِيعُ الْعَظَائِمِ [19] جدير بالملاحظة أن ما ذُكِرَ في (2 صموئيل) "من أجل كلمتك"، ذُكِرَ هنا، "من أجل عبدك" [19]، فيسوع المسيح هو كلمة الله (رؤ 19: 13) وخادم الله (إش 40: 1)، فمن أجله ذُكِرَت المواعيد لكل المؤمنين، ففيه تصير هذه المواعيد نعم وآمين. من أجله عُمِلَت كل رأفة، لأجله صارت معروفة، نحن مدينون له بكل هذه العظمة، ومنه ننتظر كل هذه الأشياء، فهي غِنَى المسيح غير المستقصى، الذي إذا نظرنا إليه بالإيمان، ونظرنا إلى يد السيد المسيح، لا يسعنا إلاَّ أن نُمَجِّد لا الأشياء العظيمة فقط بل الشيء الوحيد الأعظم الذي هو عمل وغِنَى المسيح ونتكلم عنه بكرامة. يَا رَبُّ لَيْسَ مِثْلُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ، حَسَبَ كُلِّ مَا سَمِعْنَاهُ بِآذَانِنَا! [20] وَأَيَّةُ أُمَّةٍ عَلَى الأَرْضِ مِثْلُ شَعْبِكَ إِسْرَائِيلَ، الَّذِي سَارَ الله لِيَفْتَدِيَهُ لِنَفْسِهِ شَعْبًا، لِتَجْعَلَ لَكَ اسْمَ عَظَائِمَ وَمَخَاوِفَ، بِطَرْدِكَ أُمَمًا مِنْ أَمَامِ شَعْبِكَ الَّذِي افْتَدَيْتَهُ مِنْ مِصْرَ. [21] يذكر داود النبي الخروج الذي حققه الله على يدي موسى وما تبعه من آيات وعجائب، كصورة لعمل الله الدائم مع شعبه عبر الأجيال. ولعل عزرا وهو يُسَجِّل صلاة داود هذه يربط في أذهان المعاصرين له بين أعمال الله في خروج آبائهم من مصر، وعمله معهم وهم عائدون من السبي البابلي. كان في ذهن العائدين من السبي بعد 70 عامًا صورة خروج آبائهم من مصر، وتَحَرُّرهم من عبودية فرعون. وَقَدْ جَعَلْتَ شَعْبَكَ إِسْرَائِيلَ لِنَفْسِكَ شَعْبًا إِلَى الأَبَدِ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الرَّبُّ صِرْتَ لَهُمْ إِلَهًا. [22] يا لتواضع داود الذي يعترف بعدم استحقاقه، وكيف يُعَظِّم اسم الله ويُعْجَب بتعطفه بالنعمة، وكيف بورعٍ ومحبةٍ يُعَظِّم إله إسرائيل، وأيّ تقدير يُقَدِّمه لإسرائيل الله! وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ، لِيَثْبُتْ إِلَى الأَبَدِ الْكَلاَمُ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ عَنْ عَبْدِكَ، وَعَنْ بَيْتِهِ، وَافْعَلْ كَمَا نَطَقْتَ. [23] وَلْيَثْبُتْ وَيَتَعَظَّمِ اسْمُكَ إِلَى الأَبَدِ، فَيُقَالَ: رَبُّ الْجُنُودِ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ. هُوَ الله لإِسْرَائِيلَ وَلْيَثْبُتْ بَيْتُ دَاوُدَ عَبْدِكَ أَمَامَكَ. [24] في سفر صموئيل الثاني يُذكَر "الله فوق إسرائيل" بينما هنا يُذكَر "إله إسرائيل" وهو "الله لإسرائيل" [24]، وبما أنه الله لإسرائيل فهذا يُوَضِّح استجابته للاسم، توطيده للعلاقة، وقيامه بعمل كل ما يلزمهم وما يتوقعونه منه، فهناك ما كانوا يُدعَون آلهة للأمم، كآلهة آشور ومصر، وآلهة حماه وأرفاد، ولكنهم لم يكونوا آلهة لهم، لأنهم لم يقفوا بجانبهم بالمَرَّة، بل كانوا مُجَرَّد آلهة بالاسم، ولكن إله إسرائيل هو إله لإسرائيل فكل أوصافه وكمالاته تفيض لمنفعتهم الحقيقية، فمُطَوَّب ومُثَلَّث التطويب هو الشعب الذي يهوه إلهه، لأنه سيكون إلهًا لهم بكامل الصفات. لأَنَّكَ يَا إِلَهِي قَدْ أَعْلَنْتَ لِعَبْدِكَ أَنَّكَ تَبْنِي لَهُ بَيْتًا، لِذَلِكَ وَجَدَ عَبْدُكَ أَنْ يُصَلِّيَ أَمَامَكَ. [25] وَالآنَ أَيُّهَا الرَّبُّ، أَنْتَ هُوَ الله، وَقَدْ وَعَدْتَ عَبْدَكَ بِهَذَا الْخَيْرِ. [26] وَالآنَ قَدِ ارْتَضَيْتَ بِأَنْ تُبَارِكَ بَيْتَ عَبْدِكَ لِيَكُونَ إِلَى الأَبَدِ أَمَامَكَ، لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ قَدْ بَارَكْتَ، وَهُوَ مُبَارَكٌ إِلَى الأَبَدِ. [27] الكلمات الختامية في (2 صم 7) تقول: "فلُيبارك بيت عبدك ببركتك إلى الأبد"، وهذه لغة رغبة مقدسة، أما الكلمات الختامية هنا فهي لغة إيمان مقدس: "لأنك أنت يا رب باركت وهو مبارك إلى الأبد" [27] وهنا نرى: 1. تَشَجَّع داود أن يطلب البركة، لأن الرب أظهر له أن عنده بركات مخزونة له ولنسله: "لأنك أنت يا رب باركتني، ولذلك فإنه يأتي إليك كل بشر لنوال البركة، إليك آتي (لأنال) البركة التي وعدتني بها". فالمواعيد أُعطِيَتْ لتقودنا وتُثِير فينا روح الصلاة، فحينما قال الله أنا أبارك، فلتجاوب قلوبنا نعم يا رب باركني. 2. كان داود جادًا في طلب البركة، لأنه آمن أن من يباركهم الله، بالحقيقة يكونون مباركين إلى الأبد: "قد باركت وهو مبارك إلى الأبد". الإنسان يترجَّى البركة، ولكن الله هو الذي يأمر بها، فما يُدَبِّره الله يُنفّذه، وما يَعِد به يفعله، فالقول والفعل عند الله ليسا شيئين منفصلين. حاشا! "فهو مبارك إلى الأبد"، فبركات الله لا تُرَد ولا تُعارَض، ومنافعها تتخطَّى الزمن والأيام. يختم داود صلاته كوعد الله بما هو "إلى الأبد"، فكلام الله ينظر إلى الأبدية هكذا يجب أن تكون رغباتنا وآمالنا. لتبارك أحفادي وأحفاد أحفادي! v اختبر داود أبوّتك العجيبة له، فاشتهى أن يبني لك بيتًا. لم يسترح قلبه بعد تثبيت تابوت العهد في الخيمة. كيف يستريح في قصرٍ، ويترك التابوت في الخيمة. بقلبه النقي الذي حسب قلبك، بنى روحك بيتًا مُقَدَّسًا في أعماقه. أما هو فكان يحلم ببيتٍ لك يليق بك. هل تسكن يا خالق السماوات والأرض في بيوت من الحجارة والخشب؟! v من أجل حُبِّك للبشر وتواضعك العجيب، استجبت لطلبة حبيبك داود. وعدته أن يبني ابنه سليمان البيت! حسبت الهيكل أيقونة السماء وعلامة اجتماعك بشعبك. v تعال أيها الرب يسوع، ولتسكن في قلبي. يقيمه روحك القدوس، ويزيّنه بروح القداسة. لتحسب قلبي عرشًا لك ومركبة شبه سماوية. ماذا أقدم لك لتُقِيم مسكنك فيَّ؟! ليس لي ما أُقَدِّمه سوى أن أنحني أمامك. تُقَدِّس إرادتي لتتناغم مع إرادتك. تقود أفكاري وعواطفي وكل طاقتي لحساب ملكوتك. v إليك أصرخ يا مُحِب كل البشر. قد يكون لي أبناء وأحفاد. إني أحسب الجيل القادم كله أبناءً لي، والأجيال التالية أحفادًا لي. إني أُصلِّي من أجل أطفال وشباب المستقبل. أطلب إليك أن تُعْلِنَ لهم حُبَّك، لكي يدخلوا معك في عهدٍ جديدٍ! ليذوقوا سلامك وفرحك وحكمتك الإلهية. ليدركوا أنك أحببتهم قبل أن يولدوا! لتعلن لهم حضورك الإلهي، كي يتمتعوا بالشركة معك. معارك داود ونُصرَاته الأصحاحات 18-20 تَجاهَل السفر الخلافات الداخلية في المملكة في عصر داود، ومأساة عائلة داود الملكية، وسقوط داود في الزنا (2 صم 11-12)، وسقوط ابنه أمنون مع أخته، وقتل أمنون (2 صم 13)، وتَمرُّد أبشالوم (2 صم 15-19)، ومُعارَضة البعض له، والدسائس ضده إلخ. فقد أكَّد الكاتب أن ما تَبَقَّى في صورة داود ومملكته كل ما هو مجيدٍ وبهيٍ، ذلك من أجل نقاوة قلبه، وتوبته في جدية بعد كل ضعفٍ يسقط فيه. تخصَّصت الأصحاحات الثلاثة (1 أخ 18-20) في الحديث عن معارك داود الملك ونصراته. وقد جاءت هنا في تفاصيل أكثر مما ورد في صموئيل الثاني. سبق أن تكلمنا عنها في كتابنا عن تفسير سفر صموئيل الثاني. أما الحروب التي دخل فيها فأوردها السفر، إنما لتأكيد أنه رجل حرب، لا يليق به أن يبني الهيكل (1 أخ 22: 8؛ 28: 3). وإن كانت هذه الحروب قدَّمت لسليمان مملكة مستقرّة، بجانب الغنائم التي استُخدِمَتْ لصالح بناء الهيكل. ما أوضحه السفر هنا هو أن داود فاتح مُنتصِر عظيم، حاسبًا نصراته المستمرة لا تقوم على براعته الفائقة وشجاعته الشخصية، إنما هي عطايا تُقَدِّمها له يد الله. لذلك كل الثروات التي آلت إليه من الحروب كرَّسها داود لله، وليس لحسابه الخاص. كانت الغنائم تُجمَع وتُخَزَّن لحساب بناء الهيكل. كان موضوع بناء الهيكل يشغل الكاتب على الدوام وهو يسرد أحداث الحروب والمعارك. اهتم سفر الأخبار بامتداد مملكة داود ونصراته على الأعداء، ومهابته أمام الأمم. ما شغل سفر الأخبار الأول أعمال داود في السياسة الخارجية، لا في شئون البلد الداخلية، فلم يذكر حتى لطفه مع بيت شاول، وإن كان هذا لا يعني تجاهل داود للشئون الداخلية. جاء السفر في أغلبه يتحدَّث عن فترة السلام في حُكْمِ داود، وقد استغلها للاهتمام بنقل التابوت وتثبيته في الخيمة بأورشليم، والإعداد لبناء بيت الرب من كل جوانبه. لم يكن ممكنًا للسفر أن يصمت عن عمل داود الحربي. فإنه رمز للسيد المسيح بكونه أبرع جمالاً من بني البشر، وفي نفس الوقت يَتَقَلَّد سيفه على فخذه ليُحَطِّم إبليس، وينزع سلطان الموت وشوكة الخطية. أثار هذا السؤال القديس يعقوب الرسول، وأجاب عليه في رسالته (يع 4: 1-2): "من أين الحروب والخصومات بينكم؟ أليست من هنا من لذَّاتكم المُحارِبة في أعضائكم. تشتهون ولستم تمتلكون. تقتلون وتحسدون، ولستم تقدرون أن تنالوا. تخاصمون وتحاربون ولستم تمتلكون، لأنكم لا تطلبون". بمعنى آخر، السبب في الحروب هو الخطية الرابضة في قلب الإنسان. وقف داود وحارب ضد أعدائه ليُدافِعَ عن مملكته، والمسيحي أيضًا له أعداء ألدَّاء، فنحن نحارب أرواح الشر في العلاء، لذلك يحثنا القديس بولس الرسول، قائًلا: "البسوا سلاح الله الكامل" (أف 6: 11). v الْبسوا سلاح الله الْكامل لكيْ تقْدروا أنْ تثْبتوا ضدّ مكايد إبْليس" (أف 6: 11). لم يقل ضد المحاربات، ولا ضد العداوات، وإنما ضد "المكايد". فإن هذا العدو لا يحاربنا ببساطة علانية وإنما خلال المكايد. ماذا يعني بالمكايد؟ أي بالخداع... إبليس لا يقترح علينا الخطايا في ألوانها الطبيعية... إنما يعطيها ثيابًا أخرى، مستخدمًا المكائد... الآن، بهذه الطريقة يثير الرسول الجنود (الروحيين) ويحثهم على السهر ويُثَقِّفهم، موضحًا لهم أن جهادنا (الروحي) يُمَثِّل أحد الحروب الماهرة، فنحن نقاتل ضد عدوٍ ليس بسيطًا ولا مباشرًا وإنما نقاتل عدوًا مخادعًا. في البداية أثار الرسول التلاميذ ليضعوا في اعتبارهم مهارة إبليس، بعد ذلك تحدث عن طبيعته وعن عدد قواته. لم يفعل ذلك ليُحَطِّم نفسية الجنود الذين تحته وإنما لكي يُحَمِّسهم ويوقظهم ويظهر لهم مناوراته، مهيئًا إياهم للسهر، فلو أنه عدَّد بالتفصيل قوة العدو ثم توقَّف عن الحديث لتَحَطَّمت نفسيتهم... لكنه قبل أن يعرض ذلك وبعد العرض أيضًا أظهر إمكانية النصرة على عدو كهذا، مثيرًا فيهم روح الشجاعة. وبقدر ما أوضح قوة أعدائنا بالأكثر ألهب غيرة جنودنا (للجهاد الروحي). "فإنّ مصارعتنا ليستْ مع دمٍ ولحمٍ، بل مع الرؤساء، مع السلاطين، مع ولاة العالم، على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشرّ الروحيّة في السماويات" (أف 6: 12). إذ تحدث عن الأعداء أنهم شرسون أضاف أنهم يسلبوننا البركات العظيمة، ما هذا؟ الصراع يقوم "في السماويات"، فهو ليس صراعًا من أجل الغِنَى أو المجد وإنما لاستعبادنا. لهذا فإنه لا مجال للمصالحة هنا في هذا الصراع... الصراع يكون أكثر شراسة كلما كان موضوعه هامًا، فإن كلمة "في السماويات" تعني "من أجل السماويات". الأعداء لا يقتنون شيئًا بالغلبة علينا إنما يُجَرِّدوننا... (عدو الخير) يبذل كل الجهد ليطردنا من السماء. القديس يوحنا الذهبي الفم بعد الشركة العذبة التي استمتع بها داود مع الله خلال الكلمة والصلاة والتسبيح، كما ذكر في الأصحاح السابق، استأنف عمله بحبٍ ونشاطٍ فائقٍ "غالبًا ولكي يغلب". لقد قدَّمَتْ حروب داود صورة للبركات الروحية للحروب ضد عدو الخير والخطية، نذكر منها الآتي: 1. قهر الأعداء القُدَامَى. فقد كان الفلسطينيون الوثنيون مصادر إغاظة لإسرائيل لأجيال كثيرة، ولكن داود قهرهم [1]، كذلك في آخر الأيام فإن كل رئاسة وسلطان وقوة مضادة ستخضع لابن داود، وأكثر الأعداء رسوخًا سيسقطون أمامه. 2. كثيرًا ما تتغيَّر أمور العالم، فيحدث أن يخسر الناس أموالهم وقوتهم عندما يفكرون في تثبيتها، كما حدث مع هدد عزر، فقد ضربه داود حين ذهب الأول ليقيم سلطته [3]. 3. "بَاطِلٌ هُوَ الْفَرَسُ لأَجْلِ الْخَلاَصِ" هذا ما قاله داود في (مزمور 33: 17). كان يؤمن بما يقول، لأنه عرقب مركبات الخيل [4]، فإذ قرَّر ألا يعتمد عليهم (مز 20: 7) لم يستخدمهم، لأن الله أمر شعبه بأن ملكهم يجب ألا يُكثر خيله أو زوجاته. 4. كثيرًا ما يخرب أعداء كنيسة الله أنفسهم بمساعدة بعضهم البعض ضدها [5]، فإن شعب دمشق هُزِمُوا عندما حضروا لمساعدة هدد عزر، فعندما يتحدون معًا ضد الكنيسة يُجمَعون "كحزمٍ إلى البيدر (مي 4: 11-12). 5. ثروة الخاطي أحيانًا تكون موضوعة للبار، "فقد صار الأراميون لداود عبيدًا يُقَدِّمون هدايا" [6]. فأتراس الذهب والنحاس التي لهم أُحضرت إلى أورشليم [7-8]. كما بُنيت خيمة الاجتماع من غنائم مصر هكذا بُنِي الهيكل من غنائم أمم أخرى، وهذه إشارات لدخول الأمم إلى إنجيل الكنيسة. انشغال داود بهيكل الرب حتى في حروبه تكشف تصرُّفات داود عن مدى انشغاله ببناء الهيكل، ففي كل حروبه كان ما يشغله ما يستولي عليه من ذهبٍ وفضةٍ يحجزه بالكامل لبناء الهيكل، وأيضًا ما يُقَدِّمه له الملوك كهدايا وجزية له. إن ما يشغله التمتُّع بالحضرة الإلهية بكل وسيلة. تفكيره الدائم: "إن كنت لا أستطيع أن أبني هيكل الرب، فلا أقل من أن أساعد ابني في ذلك". مع كل معركة كان الرصيد المُعَد لبناء الهيكل يتزايد أكثر فأكثر. وهكذا في كل تجربةٍ نصارع فيها بنعمة الله، ننعم مع النصرة على قوات الظلمة على رصيدٍ جديدٍ لحساب ملكوت الله فينا! مع إعفاء الكهنة من تأدية الواجب العسكري للتفرُّغ للخدمة، نرى أن بنايا بن يهوياداع [16] الكاهن (1 أي 27: 5)، سلك في الجندية، وصار أحد رجال البأس المُجاهِدين، وكان حارسًا لداود شخصيًا. صار قائدًا في الجيش. قتل أسدًا في وسط جب في يوم ثلجي (2 صم 23: 20). جاءت الأحداث الواردة في الأصحاحات 18-20 (1 أخ 18-20) تاريخيًا بعد أن صار ملكًا (1 أخ 12) وقبل إحضار التابوت إلى أورشليم (1 أخ 12-17). 1. هزيمة الفلسطينيين وَبَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبَ دَاوُدُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَذَلَّلَهُمْ، وَأَخَذَ جَتَّ وَقُرَاهَا مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. [1] تَمتَّع داود بنصراته المستمرة منذ أن بدأ وهو شاب معركته مع جليات الجبار الفلسطيني، لأن الرب يعينه أينما ذهب. يرى كثير من الآباء أن محاربة داود للأمم الوثنية، ونصرته عليهم تشير إلى عمل السيد المسيح كقائد المعركة الروحية ضد إبليس وملائكته لكي يُحَرِّرنا من عبوديتنا له وللخطية. v جاء المسيح، داود الحقيقي، لكي يرفع الجنس البشري من وادي الخطايا والدموع. لقد وقف في وادٍ يواجه الفلسطينيين (1 صم 17: 19-20). كانوا في وادٍ، لأن ثقل خطاياهم ضغطتهم إلى أسفل. على أي الأحوال، كان (الإسرائيليون) واقفين لكنهم لم يجسروا أن يحاربوا خصومهم. لماذا لم يجسروا على فعل هذا؟ لأن داود رمز المسيح لم يكن بعد قد وصل. إن هذا حق أيها الإخوة الأحباء. من كان قادرًا أن يحارب ضد إبليس قبل أن يُحَرِّر المسيح، ربنا، الجنس البشري من سلطانه؟ الآن فإن كلمة داود تُترجَم "قوي بيده"، ومن هو أقوى أيها الإخوة من ذاك الذي غلب العالم كله، متسلِّحًا بالصليب وليس بسيفٍ؟ الأب قيصريوس أسقف آرل نصرته على الموآبيين [2]. التي صورها بصورة أقل مما وردت في (1 صم 22: 3). تحرَّك نحو الشمال، وغلب أهل صوبة [3] والسوريين [5]. خضعت كل هذه الأمم تحت سلطانه، فملك داود حتى نهر الفرات. وَضَرَبَ مُوآبَ، فَصَارَ الْمُوآبِيُّونَ عَبِيدًا لِدَاوُدَ يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. [2] سَجَّل لنا سفر صموئيل الثاني (1 أخ 8: 1-2) أن داود قتل ثلثي الموآبيين، وقد كانت جدَّته راعوث موآبية. v يليق بنا أن نتحقق أن تلك الحروب هي وصف رمزي لنصرات الرب المُخَلِّص، إذ غلب في العالم كله الوثنية وعدم الإيمان. إنها كلماتهم التي ينطق بها (المزمور 60)، إذ بالحق أزال الخزعبلات القديمة التي لهم ليتأهلوا إلى التغيير بواسطة نعمة الإنسان الجديد. الأب كاسيدورس القديس جيروم 3 وَضَرَبَ دَاوُدُ هَدَرَ عَزَرَ مَلِكَ صُوبَةَ فِي حَمَاةَ حِينَ ذَهَبَ لِيُقِيمَ سُلْطَتَهُ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ، 4 وَأَخَذَ دَاوُدُ مِنْهُ أَلْفَ مَرْكَبَةٍ وَسَبْعَةَ آلاَفِ فَارِسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِل، وَعَرْقَبَ دَاوُدُ كُلَّ خَيْلِ الْمَرْكَبَاتِ وَأَبْقَى مِنْهَا مِئَةَ مَرْكَبَةٍ. 5 فَجَاءَ أَرَامُ دِمَشْقَ لِنَجْدَةِ هَدَرَ عَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ، فَضَرَبَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُل. 6 وَجَعَلَ دَاوُدُ مُحَافِظِينَ فِي أَرَامَ دِمَشْقَ، وَصَارَ الأَرَامِيُّونَ لِدَاوُدَ عَبِيدًا يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. 7 وَأَخَذَ دَاوُدُ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى عَبِيدِ هَدَرَ عَزَرَ وَأَتَى بِهَا إِلَى أُورُشَلِيمَ. 8 وَمِنْ طَبْحَةَ وَخُونَ مَدِينَتَيْ هَدَرَ عَزَرَ أَخَذَ دَاوُدُ نُحَاسًا كَثِيرًا جِدًّا صَنَعَ مِنْهُ سُلَيْمَانُ بَحْرَ النُّحَاسِ وَالأَعْمِدَةَ وَآنِيَةَ النُّحَاسِ. 9 وَسَمِعَ تُوعُو مَلِكُ حَمَاةَ أَنَّ دَاوُدَ قَدْ ضَرَبَ كُلَّ جَيْشِ هَدَرَ عَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ، 10 فَأَرْسَلَ هَدُورَامَ ابْنَهُ إِلَى الْمَلِكِ دَاوُدَ لِيَسْأَلَ عَنْ سَلاَمَتِهِ وَيُبَارِكَهُ، لأَنَّهُ حَارَبَ هَدَرَ عَزَرَ وَضَرَبَهُ. لأَنَّ هَدَدَ عَزَرَ كَانَتْ لَهُ حُرُوبٌ مَعَ تُوعُوَ. وَبِيَدِهِ جَمِيعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ. وَضَرَبَ دَاوُدُ هَدَدَ عَزَرَ مَلِكَ صُوبَةَ فِي حَمَاةَ، حِينَ ذَهَبَ لِيُقِيمَ سُلْطَتَهُ عِنْدَ نَهْرِ الْفُرَاتِ، [3] هدَدْ عزر: هذا الاسم مشتق من الكلمة "هدَدْ" وهو اسم إله سرياني، وقد صار في وقت ما اللقب الخاص بحُكَّام هذه المملكة، مثل "فرعون" لملوك مصر. صوبة: بالقرب من دمشق في الشمال الشرقي منها؛ يرى البعض أنها كانت قبلاً تُدعَى "حوبة" (تك 14: 15). كانت عاصمة المملكة التي كانت تسود على منطقة سوريا. لقد أراد داود أن يُثَبِّت مملكته ويمتد بها نحو الفرات حسب الوعد الإلهي (تك 15: 18؛ عد 24: 17). وَأَخَذَ دَاوُدُ مِنْهُ أَلْفَ مَرْكَبَةٍ وَسَبْعَةَ آلاَفِ فَارِسٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ، وَعَرْقَبَ دَاوُدُ كُلَّ خَيْلِ الْمَرْكَبَاتِ، وَأَبْقَى مِنْهَا مِئَةَ مَرْكَبَةٍ. [4] جاء في سفر التثنية (تث 17: 16) عن الملك "لا يكثر له الخيل"، لئلا يسقط في الكبرياء، أو يدخل في منافسة مع الملوك المُحيطِين به من جهة علامات الأبَّهة والعظمة. لهذا يبدو أن داود احتفظ بالمئة مركبة علامة نصرته على هدّدْ عزر ثم يقوم بعد ذلك بإبادتها كبقية خيل المركبات. هذا وينتقد البعض داود أنه كما أخطأ في تعدُّد الزوجات (1 أخ 14: 3)، فهو يخطئ هنا بكثرة الخيل. فَجَاءَ أَرَامُ دِمَشْقَ لِنَجْدَةِ هَدَدَ عَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ، فَضَرَبَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَلْفَ رَجُلٍ. [5] وَجَعَلَ دَاوُدُ مُحَافِظِينَ فِي أَرَامَ دِمَشْقَ، وَصَارَ الأَرَامِيُّونَ لِدَاوُدَ عَبِيدًا يُقَدِّمُونَ هَدَايَا. وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. [6] وَأَخَذَ دَاوُدُ أَتْرَاسَ الذَّهَبِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى عَبِيدِ هَدَدَ عَزَرَ، وَأَتَى بِهَا إِلَى أُورُشَلِيمَ. [7] كرَّس داود كل المواد الذهبية والفضية والنحاسية للرب، استخدمها ابنه سليمان فيما بعد في بناء الهيكل. وَمِنْ طَبْحَةَ وَخُونَ مَدِينَتَيْ هَدَدَ عَزَرَ أَخَذَ دَاوُدُ نُحَاساً كَثِيرًا جِدًّا، صَنَعَ مِنْهُ سُلَيْمَانُ بَحْرَ النُّحَاسِ وَالأَعْمِدَةَ وَآنِيَةَ النُّحَاسِ. [8] طبحة وخون: لا يُعرَف موقع هاتين المدينتين، ولا العلاقة بينهما. وقد جاء في النص العربي القديم اسمهما أميسا Amesa (حاليًّا حمص) وبعلبك. اهتم الكاتب بإبراز أن داود أخد نحاسًا كثيرًا جدًا، وصنع منه سليمان بحر النحاس والأعمدة وآنية النحاس[6]. وَسَمِعَ تُوعُو مَلِكُ حَمَاةَ، أَنَّ دَاوُدَ قَدْ ضَرَبَ كُلَّ جَيْشِ هَدَدَ عَزَرَ مَلِكِ صُوبَةَ، [9] كانت مملكة توعو على حدود مملكة هدَد عزر (راجع 2 صم 8: 8-9). فَأَرْسَلَ هَدُورَامَ ابْنَهُ إِلَى الْمَلِكِ دَاوُدَ لِيَسْأَلَ عَنْ سَلاَمَتِهِ وَيُبَارِكَهُ، لأَنَّهُ حَارَبَ هَدَدَ عَزَرَ وَضَرَبَهُ. (لأَنَّ هَدَدَ عَزَرَ كَانَتْ لَهُ حُرُوبٌ مَعَ تُوعُوَ). وَبِيَدِهِ جَمِيعُ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ. [10] 1. من مصلحتنا أن يكون أصدقاؤنا من الذين يَتمتَّعون بالحضرة الإلهية، فملك حماة عندما سمع عن عظمة نجاح داود، أرسل ليهنئه ويرتضي وجهه بهدية قيمة [9-10]. إنه ليس من المنفعة أن يعارض أحد ابن داود، لذلك "قبلوا الابن لئلا يغضب" (مز 2: 12). فليَتعلَّم ويطلب الحكمة ملوك وقضاة الأرض وكذلك الوضعاء. الهدايا التي يجب أن نأتي بها إلى الله ليست آنية ذهب وفضة، فهذه تليق بمن ليس له شيء يُؤتَى به إليه، بل نُقَدِّم له قلوبنا وحُبَّنا الخالص كما أنفسنا ذبيحة حية. 2. البَرَكة التي يجزلها الله لنا يجب أن نكرمه منها، فهدايا أصدقائه كما غنائم أعدائه "قدسها داود لله" [11]، أيّ حفظها لبناء وتزيين الهيكل، ونحن يجب أن نُقَدِّس لله ونستخدم لمجد اسمه كل ما هو حق وثمين لدينا: "لتكن تجارتنا وأجرتنا قدسًا للرب" (إش 23: 18). 3. الذين يصطحبون الله معهم حيثما يذهبون، يتوقعوا أن يَنجحوا ويُحفظوا حيثما يتوجهون، فقد قيل سابقًا [6] ويُعَاد هنا أيضًا [13] "وكان الرب يُخَلِّص داود حيثما تَوَجَّه"، فعيَّن الله دائمًا على من أعينهم مُتَّجِهة دائمًا إليه. 4. يعطي الله القوة للناس ليس لكي يظهروا بها كعظماء، بل ليعملوا بها الخير، فداود عندما ملك على كل إسرائيل صنع حكمًا وعدًلا بين شعبه، وهكذا استجاب لنتيجة ارتفاعه، فلم يكن مُرَكِّزًا على انتصاراته بالخارج حتى ينسى أن يصنع عدلاً بالداخل، وبذلك فهو خدم الملك الإلهي، والله "الجالس على العرش قاضيًا عادلاً"، فكان رمزًا بارزًا للمسيا، "الذي قضيب استقامة هو قضيب ملكه". 4. هزيمة الأدوميين وتقديس الغنائم للرب 11 هذِهِ أَيْضًا قَدَّسَهَا الْمَلِكُ دَاوُدُ لِلرَّبِّ مَعَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ: مِنْ أَدُومَ وَمِنْ مُوآبَ وَمِنْ بَنِي عَمُّونَ وَمِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَمِنْ عَمَالِيقَ. 12 وَأَبْشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ ضَرَبَ مِنْ أَدُومَ فِي وَادِي الْمِلْحِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا. هَذِهِ أَيْضًا قَدَّسَهَا الْمَلِكُ دَاوُدُ لِلرَّبِّ، مَعَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ: مِنْ أَدُومَ وَمِنْ مُوآبَ وَمِنْ بَنِي عَمُّونَ وَمِنَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَمِنْ عَمَالِيقَ. [11] كانت الأمم تُقَدِّم جزية لإسرائيل لتفوقها على الأمم ولقوة سلطانها. خَصَّص داود الهدايا التي أرسلها إليه توعو ملك حماة، وأيضًا ما استولى عليه من ذهب وفضة كغنائم من الأمم لله، بكونه هو مصدر كل شيءٍ، ويجب أن يُستخدَم كل شيء لأجله. هكذا يليق بالمؤمن أن يُكَرِّس قلبه ومواهبه وموارده لله ولمجده. وَأَبْشَايُ ابْنُ صَرُويَةَ ضَرَبَ مِنْ أَدُومَ فِي وَادِي الْمِلْحِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً. [12] اتَّجَه داود نحو الجنوب وغلب الأدوميين، واحتل خليج العقبة الذي يفتح على البحر الأحمر وما وراءه. استخدمه سليمان فيما بعد ذلك في القيام بعلاقات تجارية. نُسِبَ الثمانية عشر ألفًا الذين قتلهم أبشاي لداود (2 صم 8: 13). وَجَعَلَ فِي أَدُومَ مُحَافِظِينَ، فَصَارَ جَمِيعُ الأَدُومِيِّينَ عَبِيداً لِدَاوُدَ. وَكَانَ الرَّبُّ يُخَلِّصُ دَاوُدَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَ. [13] كان الرب يهب النصرة لداود أينما تَوَجَّه. كان داود يشعر أن الله هو مصدر نُصرَاتِه المتوالية، ولا ينسبها لمهارته وخبرته وإمكانياته الذاتية. وَمَلَكَ دَاوُدُ عَلَى جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ يُجْرِي قَضَاءً وَعَدْلاً لِكُلِّ شَعْبِهِ. [14] أما عن اهتمامه بالعدالة، فكان داود الملك رئيسًا للعدالة. فتحقيق العدالة كانت مسئولية الملك (1 مل 3: 16-28؛ إش 11: 4؛ مز72). كانت رسالته كملكٍ "يجري قضاءً وعدلاً لكل شعبه". شعر الأعداء بغضب داود، أما شعبه فتمتَّعوا ببرِّه وتقواه وعدله. لم يكن داود قائدًا شجاعًا وصالحًا فحسب، وإنما كان مُدبِّرًا ومنظِّمًا حكيمًا. وَكَانَ يُوآبُ ابْنُ صَرُويَةَ عَلَى الْجَيْشِ، وَيَهُوشَافَاطُ بْنُ أَخِيلُودَ مُسَجِّلاً، [15] قائمة العاملين معه الواردة هنا تُطَابِق ما ورد في (2 صم 8: 16-18). كان الرجل الثاني بعد الملك مباشرة يوآب رئيس الجيش الذي يدخل في معارك لأجل المملكة. بجانب قيادته للجيش كان رئيس الحرس الشخصي للملك. فقد كانت حراسة الملك غاية في الأهمية كتكلفة للشهرة التي نالها. يرى بعض الدارسين أن داود الملك أقام مُسَجِّلاً على نظام مصر، يُسَجِّل الأحداث الخاصة بالدولة. "المُسَجِّل": غالبًا ما أخذ داود هذا النظام عن مصر، وهو أشبه بمتكلمٍ رسمي عن القصر الملكي كما ورد في سجلات مصرية كثيرة، وهو يقارب حاليًا رئيس التشريفات. 16 وَصَادُوقُ بْنُ أَخِيطُوبَ وَأَبِيمَالِكُ بْنُ أَبِيَاثَارَ كَاهِنَيْنِ، وَشَوْشَا كَاتِبًا، 17 وَبَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ عَلَى الْجَلاَّدِينَ وَالسُّعَاةِ، وَبَنُو دَاوُدَ الأَوَّلِينَ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ. وَصَادُوقُ بْنُ أَخِيطُوبَ وَأَبِيمَالِكُ بْنُ أَبِيَاثَارَ كَاهِنَيْنِ، وَشَوْشَا كَاتِباً [16] كان شوشا Shousha السكرتير الملكي، سكرتير الملك الخاص، وسكرتير الدولة العام، ويُمَثِّل سكرتير الدولة حاليًا. وهو مسئول عن كل المراسلات وعن إيرادات الهيكل، له دوره الهام في الشئون العامة للدولة. أما ذكر الكاهنيْن مع هذه الشخصيات القيادية العليا في شئون الدولة، فيكشف عن الارتباط القوي بين شئون الدولة والحياة الدينية للشعب. وَبَنَايَا بْنُ يَهُويَادَاعَ عَلَى الْجَلاَّدِينَ وَالسُّعَاةِ، وَبَنُو دَاوُدَ الأَوَّلِينَ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ. [17] الأرجح أن الجلادين والسعاة كانوا جماعة من الجنود الغرباء، انضموا إلى داود أثناء هروبه من وجه شاول، وظلوا موالين له طوال مدة حكمه (2 صم 15: 17-18)، وأصبحوا جزءًا من حرسه الخاص. يذكر في هذه القائمة الخاصة بالقادة العسكريين والمدنيين والدينيين أبناء داود الأولين؛ في (2 صم 8: 18) يذكرهم ككهنة، أما هنا فيذكرهم كرؤساءٍ وقادةٍ في خدمة الملك، إذ صار الكهنة من اللاويين. جاء في (2 صم 8: 18) "بنو داود كانوا كهنة"، لا لممارسة العمل الكهنوتي مثل تقديم الذبائح، وإنما لممارستهم بعض الأعمال الإدارية للهيكل. وقد أوضح ذلك سفر أخبار الأيام الأول إذ قيل إن بني داود كانوا رؤساء مسئولين في خدمة الملك". من يدك النصرة والنجاح v مع ما اتَّسم به داود من شجاعة منذ صباه، أدرك أن سرَّ شجاعته هو التصاقه بك. في كل معاركه لا يتحرَّك بدونك. يختفي فيك، فينعم بالنصرة. هَبْ لي في معركتي الدائمة مع إبليس، ألا أعتمد على نصرات ماضية. أنت هو سرُّ القداسة والطهارة والنصرة. نعمتك هي سَنَدِي، وحضورك في أعماقي هو سرُّ بنياني الدائم. v هَبْ لي مع الاتكال عليك أن أحرص على النمو الدائم بك. لم تشغل داود نصراته على الأمم المحيطة، عن الاهتمام والقضاء بالعدل لكل شعبه. هب لي ألا تشغلني نصرتي على بعض الخطايا، عن الاهتمام بتسليم كل حياتي لك. لأستتر ببرِّك وأتمسَّك بوصاياك. v نصراته لم تشغله عن التدابير الصالحة، في جيشه وأعمال الدولة. لألتصق بك وأتمتع بالحكمة والمشورة الصالحة. فيكون كل ما في داخلي تحت تدبير لائق ببنيك. لك المجد يا واهب النصرة والحكمة والمشورة. لك المجد يا من تهتم بكل ما في داخلي وما في خارجي. أنت هو القائد الحقيقي لكل حياتي. ظُنُون حَانُون العَمُّونِي الشريرة إذ كانت حياة داود حسب قلب الله، فأبرز سمة في حياته هي المحبة حتى لمقاوميه. برز هذا بقوة في تصرُّفاته مع شاول الملك الذي لم يكن يشغله سوى قتل داود. وقد رفض داود تمامًا أن يَمُدَّ يده على شاول مسيح الرب، حين كان بين يديه، ويمكن الخلاص منه ومن خططه الشريرة. الآن يُقَدِّم لنا هذا السفر كيف أن حانون بن ناحاش ملك بني عمون لم يأخذ درسًا مما فعله داود مع مفيبوشث بن ناثان بن شاول الذي كان أعرج الرجلين. صنع معه معروفًا من أجل أبيه ناثان (2 صم 9). لم يُدرِك حانون شخصية داود التي تتَّسِم بالإخلاص لكل من عمل معه معروفًا. أراد داود أن يُعَزِّي حانون في موت أبيه، لأن ناحاش صنع معروفًا معه. لكن رؤساء بني عمون أثاروا حانون بأن داود لم يُرسِلْ ليُعَزِّيه في أبيه، وإنما لكي يستكشف الأرض، ويتجسس الرسل عليه. في حماقة وسوء الظن تصرف حانون بطريقة أثارت غضب داود [1-5]. وكان من ثمرة سوء الظن، أنه فقد صداقة داود النبي وكل شعب إسرائيل. ومن جانب آخر دخل في معارك كلَّفته الكثير هو وحلفاءه، وفقد أرام كمتحالفٍ معه. قبل أن يتصرَّف داود بدأ بنو عمون في الاستعداد للحرب. هذه ليست المرة الأولى التي فيها يُثَار داود بسبب تصرف إنسانٍ أحمق. أثاره نابال الذي استخفَّ بالذين أرسلهم إليه داود، غير أن أبيجايل زوجة نابال بحكمتها وتواضعها استطاعت أن تمتص غضب داود (1 صم 25). إذ هزم داود حانون بن ناحاش، جاء إلى محنايم فاستقبله شوبي بن ناحاش في ربه بني عمون وبعض الرجال وقدَّموا له وللشعب الذي معه طعامًا ليأكلوا (2 صم 17: 27-29)، مما يكشف عن انتشار ما اتَّسم به داود من قوة في هذه المنطقة. عوض سوء الظن يدعونا الرسول للمحبة التي لا تسيء الظن (1 كو 13: 5). عبَّر المُرَتِّل عن حاله هذا، قائلاً: "بدل محبتي خاصموني، أما أنا فصلاة، وضعوا عليَّ شرًا بدل خيرٍ، وبغضًا بدل حُبِّي" (مز 109: 4-5). 1. تعزية داود في ناحاش ملك بني عمون 1 وَكَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَنَّ نَاحَاشَ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ مَاتَ، فَمَلَكَ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. 2 فَقَالَ دَاوُدُ: «أَصْنَعُ مَعْرُوفًا مَعَ حَانُونَ بْنِ نَاحَاشَ، لأَنَّ أَبَاهُ صَنَعَ مَعِي مَعْرُوفًا». فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلًا لِيُعَزِّيَهُ بِأَبِيهِ. فَجَاءَ عَبِيدُ دَاوُدَ إِلَى أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ إِلَى حَانُونَ لِيُعَزُّوهُ. وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ نَاحَاشَ مَلِكَ بَنِي عَمُّونَ مَاتَ، فَمَلَكَ ابْنُهُ عِوَضًا عَنْهُ. [1] بلغ بنو عمون أوْجَ قوّتهم في أيام القضاة، وكان داود أول قائد عسكري من بني إسرائيل يسحقهم، فلم تكن لديهم قوة ليثيروا متاعب لإسرائيل على مدى سنين طويلة. حارب ناحاش إسرائيل في أيام شاول (1 صم 11). غالبًا ما قَدَّم خدمات لداود في أيام شاول لم تُسَجَّل. لهذا بعث داود إرسالية لتعزية ابنه حانون في موت أبيه، لكن للأسف عاملهم حانون بطريقة غير لائقة. فَقَالَ دَاوُدُ: "أَصْنَعُ مَعْرُوفًا مَعَ حَانُونَ بْنِ نَاحَاشَ، لأَنَّ أَبَاهُ صَنَعَ مَعِي مَعْرُوفًا." فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً لِيُعَزِّيَهُ بِأَبِيهِ. فَجَاءَ عَبِيدُ دَاوُدَ إِلَى أَرْضِ بَنِي عَمُّونَ إِلَى حَانُونَ لِيُعَزُّوهُ. [2] لم يذكر الكتاب المقدس ما هو المعروف الذي قدَّمه ناحاش لداود، غير أن الاثنين دخلا في صداقة حميمة في فترة هروب داود من أمام شاول، وكانت هناك عداوة بين شاول وناحاش[1]. جاء في النقوش الأشورية أن ملك فلسطين باسم حانون، كان يدفع جزية للملك الأشوري تجلث فلاسر، وأنه دخل في حرب مع سرجون[2]. 3 فَقَالَ رُؤَسَاءُ بَنِي عَمُّونَ لِحَانُونَ: «هَلْ يُكْرِمُ دَاوُدُ أَبَاكَ فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْكَ مُعَزِّينَ؟ أَلَيْسَ إنما لأَجْلِ الْفَحْصِ وَالْقَلْبِ وَتَجَسُّسِ الأَرْضِ جَاءَ عَبِيدُهُ إِلَيْكَ؟» 4 فَأَخَذَ حَانُونُ عَبِيدَ دَاوُدَ وَحَلَقَ لِحَاهُمْ وَقَصَّ ثِيَابَهُمْ مِنَ الْوَسَطِ عِنْدَ السَّوْءَةِ ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ. 5 فَذَهَبَ أُنَاسٌ وَأَخْبَرُوا دَاوُدَ عَنِ الرِّجَالِ. فَأَرْسَلَ لِلِقَائِهِمْ لأَنَّ الرِّجَالَ كَانُوا خَجِلِينَ جِدًّا. وَقَالَ الْمَلِكُ: «أَقِيمُوا فِي أَرِيحَا حَتَّى تَنْبُتَ لِحَاكُمْ ثُمَّ ارْجِعُوا». فَقَالَ رُؤَسَاءُ بَنِي عَمُّونَ لِحَانُونَ: "هَلْ يُكْرِمُ دَاوُدُ أَبَاكَ فِي عَيْنَيْكَ حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيْكَ مُعَزِّينَ؟ أَلَيْسَ لأَجْلِ الْفَحْصِ وَالْقَلْبِ وَتَجَسُّسِ الأَرْضِ جَاءَ عَبِيدُهُ إِلَيْكَ؟" [3] عندما عاتب داود شاول لأنه كان يسمع لمُشيرِيه الأشرار الذين كانوا يثيرونه ضد داود ظلمًا، قال له داود: "كما يقول مثل الأشرار يخرج شرُّ" (1 صم 24: 13). هذا ما سقط فيه حانون الملك إذ أقام له مشيرين أشرارًا، فقدَّموا لهم مما لديهم وهو الشر. يليق بالقادة، ألا يُمِيلوا آذانهم إلى مشورات الأشرار. كان يليق بالملك ألا يسيء الظن، فمع الحكمة والحذر، يليق بنا ألا نتسرَّع في سوء الظن بالآخرين. فَأَخَذَ حَانُونُ عَبِيدَ دَاوُدَ، وَحَلَقَ لِحَاهُمْ، وَقَصَّ ثِيَابَهُمْ مِنَ الْوَسَطِ عِنْدَ السَّوْءَةِ، ثُمَّ أَطْلَقَهُمْ. [4] كان حلق اللحية، خاصة جزء منها، وشق الثياب من الوسط، لشخصٍ ما بغير إرادته يُعتبَر إهانة بالغة واستخفاف شديد وتحدِّي عند اليهود وعند الشرقيين بوجه عام. هذه النظرة لازالت موجودة في مصر حتى يومنا هذا، خاصة في القرى. فَذَهَبَ أُنَاسٌ وَأَخْبَرُوا دَاوُدَ عَنِ الرِّجَالِ. فَأَرْسَلَ لِلِقَائِهِمْ، لأَنَّ الرِّجَالَ كَانُوا خَجِلِينَ جِدًّا. وَقَالَ الْمَلِكُ: "أَقِيمُوا فِي أَرِيحَا حَتَّى تَنْبُتَ لِحَاكُمْ ثُمَّ ارْجِعُوا." [5] يُقَدِّم لنا داود النبي مثلاً رائعًا للقادة الذين يهتمُّون بكرامة العاملين معهم ويقومون بالخدمة. أرسل للقائهم، لأنهم كانوا في خجل عاجزين عن اللقاء بأحدٍ. التقى بهم ليرفع من معنوياتهم، ويسندهم. إن كان داود قد اهتم بالعاملين معه حتى لا يُصيبهم أذى، كم بالأكثر يهتم ربُّ داود بخُدَّامه الذين يعانون من متاعب وآلام. إن كانوا يَقْبَلون الصلب معه بكل مسرَّة، فإنه يهبهم قوة القيامة وبهجتها ومجدها. 6 وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَنْتَنُوا عِنْدَ دَاوُدَ، أَرْسَلَ حَانُونُ وَبَنُو عَمُّونَ أَلْفَ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ لِيَسْتَأْجِرُوا لأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَرَامِ النَّهْرَيْنِ وَمِنْ أَرَامِ مَعْكَةَ وَمِنْ صُوبَةَ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانًا. 7 فَاسْتَأْجَرُوا لأَنْفُسِهِمِ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ أَلْفَ مَرْكَبَةٍ، وَمَلِكَ مَعْكَةَ وَشَعْبَهُ. فَجَاءُوا وَنَزَلُوا مُقَابِلَ مَيْدَبَا. وَاجْتَمَعَ بَنُو عَمُّونَ مِنْ مُدُنِهِمْ وَأَتَوْا لِلْحَرْبِ. 8 وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ أَرْسَلَ يُوآبَ وَكُلَّ جَيْشِ الْجَبَابِرَةِ. 9 فَخَرَجَ بَنُو عَمُّونَ وَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَالْمُلُوكُ الَّذِينَ جَاءُوا كَانُوا وَحْدَهُمْ فِي الْحَقْلِ. وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَنْتَنُوا عِنْدَ دَاوُدَ، أَرْسَلَ حَانُونُ وَبَنُو عَمُّونَ أَلْفَ وَزْنَةٍ مِنَ الْفِضَّةِ، لِيَسْتَأْجِرُوا لأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَرَامِ النَّهْرَيْنِ وَمِنْ أَرَامِ مَعْكَةَ وَمِنْ صُوبَةَ، مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَاناً. [6] جاءت القصة الواردة في هذا الأصحاح الخاصة بالتحالف بين بني عمون والسريان، والنصرة عليهم وردت في (2 صم 10). أساء حانون ملك عمون ومشيروه الظن بمقاصد داود، فجلب على نفسه كارثة ولبلده وللبلاد المجاورة له. عوض اعتراف حانون بتسرُّعه وغباوته في التصرُّف كَرَّس مبلغًا ضخمًا (ألف وزنة من الفضة) لتغطية خطأه بالدخول في معركة فاشلة. عوض أن يكون داود هو الذي يريد الحرب فإن ملك العمونيين الجديد هو الذي أراد هذا، ولذلك فقد استأجر جيشًا من سوريا لمساعدته ضد داود، ونحن نرى هنا: 1. كيف أن قلوب الأشرار قد قست لأجل هلاكهم، فبنو عمون لما رأوا أنهم قد أنتنوا عند داود [1]. فبدًلا من أن يسعوا في السلام وتصحيح ما صنعوه، ويضعوا أنفسهم ويسعوا إلى إرضاء داود على الضرر الذي ارتكبوه، هاهم ليس فقط قد أنتنوا عند داود بل أيضًا أبغضوا عدل الله الذي هو "ملك الأمم" الذي يدافع عن حق المظلوم ويحفظ قوانين الأمم المنتهكة، بل أنهم أعدوا للحرب وأتوا على أنفسهم بالدمار على يدي داود، الشيء الذي لم يكن قد أضمره لهم. 2. كيف أن جأش الرجال الشجعان قد ازداد في الضيقات، فلما رأى يوآب أن مقدمة الحرب كانت نحوه من قدام ومن وراء [10] فعوض أن يفكر في التقهقر فقد ضاعف تصميمه، ومع أنه لم يستطع مضاعفة جيشه إلاَّ أنه قسّمه، ولم يتكلم فقط بل فعل كإنسان شهم له حضور بديهة عظيمة، ولما رأى نفسه محاطًا اتفق مع أخيه على مساعدة كل منهما الآخر [12]، وحث نفسه وجنوده أن يفعلوا بقوة كلاً في موقعه بهدف المجد لله والخير لوطنهم، وليس لشرفهم ومنفعتهم الشخصية وتركوا الأمر لله: "وما يحسن في عيني الرب يفعل" [13]. 3. كيف أن أعظم فنون الحرب التي تصوب ضد العدل والإنصاف لا تُجدِي شيئًا، فإن بني عمون عملوا ما في وسعهم لتعزيز موقفهم، فقد أحضروا قوة جبارة في حقل الحرب، واستخدموها على قَدْرِ استطاعتهم بمكر، ومع ذلك فلأنهم على غير حق ومدافعين عن الباطل، فكل هذا لم ينفع وقُهِروا أشهر قهر، فالحق دائمًا يغلب وينتصر أخيرًا. فَاسْتَأْجَرُوا لأَنْفُسِهِمِ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ أَلْفَ مَرْكَبَةٍ، وَمَلِكَ مَعْكَةَ وَشَعْبَهُ. فَجَاءُوا وَنَزَلُوا مُقَابِلَ مَيْدَبَا. وَاجْتَمَعَ بَنُو عَمُّونَ مِنْ مُدُنِهِمْ، وَأَتُوا لِلْحَرْبِ. [7] استأجر بنو عمون 32000 مركبة وأيضًا فرسانًا أصحاب خبرة في الحرب باستخدام المركبات، وأيضًا بعض المشاة لم يذكرهم النص. وَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ أَرْسَلَ يُوآبَ وَكُلَّ جَيْشِ الْجَبَابِرَةِ. [8] أرسل داود يوآب وأخوه أبشاي مع كل القوات العسكرية على قوات بني عمون المتحالفة مع السريان، فانتصروا عليهم. فَخَرَجَ بَنُو عَمُّونَ وَاصْطَفُّوا لِلْحَرْبِ عِنْدَ بَابِ الْمَدِينَةِ، وَالْمُلُوكُ الَّذِينَ جَاءُوا كَانُوا وَحْدَهُمْ فِي الْحَقْلِ. [9] انطلق جيش بني عمون واصطفُّوا عند باب المدينة، أي خارج الأسوار مقابل ميدبا على حدود مدينة أرنون. انزعج الجيش الإسرائيلي بواسطة العمونيين الذين كانوا في المقدمة، وخلفهم المرتزقة السريان المأجورين. صمَّم يوآب أن يقاوم المرتزقة، وطلب من أخيه أبشاي أن يهاجم العمونيين. إذ انهزم المرتزقة خارت شجاعة العمونيين، واضطروا إلى الهروب[3]. 4. هزيمة الحلفاء السوريين 10 وَلَمَّا رَأَى يُوآبُ أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْحَرْبِ كَانَتْ نَحْوَهُ مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ، اخْتَارَ مِنْ جَمِيعِ مُنْتَخَبِي إِسْرَائِيلَ وَصَفَّهُمْ لِلِقَاءِ أَرَامَ. 11 وَسَلَّمَ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ لِيَدِ أَبْشَايَ أَخِيهِ، فَاصْطَفُّوا لِلِقَاءِ بَنِي عَمُّونَ. 12 وَقَالَ: «إِنْ قَوِيَ أَرَامُ عَلَيَّ تَكُونُ لِي نَجْدَةً، وَإِنْ قَوِيَ بَنُو عَمُّونَ عَلَيْكَ أَنْجَدْتُكَ. 13 تَجَلَّدْ، وَلْنَتَشَدَّدْ لأَجْلِ شَعْبِنَا وَلأَجْلِ مُدُنِ إِلهِنَا، وَمَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ يَفْعَلُ». 14 وَتَقَدَّمَ يُوآبُ وَالشَّعْبُ الَّذِينَ مَعَهُ نَحْوَ أَرَامَ لِلْمُحَارَبَةِ، فَهَرَبُوا مِنْ أَمَامِهِ. 15 وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّهُ قَدْ هَرَبَ أَرَامُ هَرَبُوا هُمْ أَيْضًا مِنْ أَمَامِ أَبْشَايَ أَخِيهِ وَدَخَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ. وَجَاءَ يُوآبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 16 وَلَمَّا رَأَى أَرَامُ أَنَّهُمْ قَدِ انْكَسَرُوا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ أَرْسَلُوا رُسُلًا، وَأَبْرَزُوا أَرَامَ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ، وَأَمَامَهُمْ شُوبَكُ رَئِيسُ جَيْشِ هَدَرَ عَزَرَ. 17 وَلَمَّا أُخْبِرَ دَاوُدُ جَمَعَ كُلَّ إِسْرَائِيلَ وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ وَجَاءَ إِلَيْهِمْ وَاصْطَفَّ ضِدَّهُمْ. اِصْطَفَّ دَاوُدُ لِلِقَاءِ أَرَامَ فِي الْحَرْبِ فَحَارَبُوهُ. 18 وَهَرَبَ أَرَامُ مِنْ أَمَامِ إِسْرَائِيلَ، وَقَتَلَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ سَبْعَةَ آلاَفِ مَرْكَبَةٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ رَاجِل، وَقَتَلَ شُوبَكَ رَئِيسَ الْجَيْشِ. تكشف هزيمة آرام أن أعظم فنون الحرب التي تُصَوَّب ضد العدل والإنصاف لا تُجدِي شيئًا. وَلَمَّا رَأَى يُوآبُ أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْحَرْبِ كَانَتْ نَحْوَهُ مِنْ قُدَّامٍ وَمِنْ وَرَاءٍ، اخْتَارَ مِنْ جَمِيعِ مُنْتَخَبِي إِسْرَائِيلَ، وَصَفَّهُمْ لِلِقَاءِ أَرَامَ. [10] إن كان في أيام شاول لم يقف أمام جليات الجبَّار سوى الصبي داود البطل، الآن في عصر داود وُجِدَ أبطال كثيرون يقفون أمام الجبابرة من الدول المُعادِية. وَسَلَّمَ بَقِيَّةَ الشَّعْبِ لِيَدِ أَبْشَايَ أَخِيهِ، فَاصْطَفُّوا لِلِقَاءِ بَنِي عَمُّونَ. [11] وَقَالَ: "إِنْ قَوِيَ أَرَامُ عَلَيَّ تَكُونُ لِي نَجْدَةً، وَإِنْ قَوِيَ بَنُو عَمُّونَ عَلَيْكَ أَنْجَدْتُكَ. [12] تَجَلَّدْ، وَلْنَتَشَدَّدْ لأَجْلِ شَعْبِنَا، وَلأَجْلِ مُدُنِ إِلَهِنَا، وَمَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ يَفْعَلُ". [13] سرُّ نجاح يوآب وأخيه أبشاي أنهما مع دراستهما للموقف بكل جدِّية وتدبير الأمر، كانا واثقين في الله أن يفعل ما هو لصالح الشعب: "ما يحسن في عينيّ الرب يفعل" [13]. من جانب آخر، فإن يوآب كان يسند أخاه، مُطالِبًا إيَّاه: "تجلّد، ولتتشدد لأجل شعبنا، ولأجل مدن إلهنا". والعجيب إذ يعتزَّا بالشعب ناسبينه إليهما "شعبنا"، في نفس الوقت ينسبان المدن لله "مدن إلهنا". فمن جانب يريدان تأكيد حُبَّهما للشعب، ومن جانب آخر فإن الله هو الحارس للشعب والراعي له. وَتَقَدَّمَ يُوآبُ وَالشَّعْبُ الَّذِينَ مَعَهُ نَحْوَ أَرَامَ لِلْمُحَارَبَةِ، فَهَرَبُوا مِنْ أَمَامِهِ. [14] إذ كشف حديث يوآب لأخيه أبشاي عن حُبِّهما للشعب وثقتهما في الرب، انهار العدو من أمامهما. ليس شيء يُحَطِّم قوة عدو الخير مثل الحب لله والإخوة. لذا لاق بالمؤمن، كاهنًا كان أو من الشعب أن يتحلَّى أو يتسلَّح بالحُبِّ، فلا تقوى قوات الظلمة عليه. بالحُبِّ الحقيقي لا نخشى شهوات الجسد ولا شهوة محبة العالم، ولا إبليس وكل قواته. هذا الحب لله وللإخوة لا ينفصلان. v من يثبت عقله على محبة الله يستخف بكل المنظورات حتى جسده يتغرَّب عنه. v من يرى أثرًا للكراهية في قلبه نحو أي إنسان، خلال أي خطأ كان، يجعل نفسه غريبًا تمامًا عن محبة الله، فإن محبة الله لا يمكن بأية طريقة أن تلتصق ببغضه الإنسان. v طوبى للإنسان الذي يَتَعَلَّم أن يُحِبَّ كل البشر بالتساوي. v إذا كنت تبغض بعض الناس، والبعض لا تبغضهم ولا تحبهم، والبعض تحبهم قليلاً، والبعض تحبهم كثيرًا، يلزمك أن تعرف من هذا التنوع في الحب أنك بعيد كل البعد عن الحُبِّ الكامل، الذي من أعمدته المساواة في الحب. v من يحب الله بالتأكيد يحب قريبه أيضًا. مثل هذا الشخص لا يقدر أن يتمسَّك بالمال، بل بالحري مثل الله يعطيه لكل محتاج. v عندما يبدأ الفكر في المضي قدمًا في حب الله، يبدأ شيطان التجديف في محاربته، فيقترح عليه أفكارًا غريبة شيطانية؛ يحدث هذا لأنه يحقد على صديق الله الجديد. وعندما يفكر الشخص في هذه الأفكار عن الله يشعر بخجلٍ وخزي، ونتيجة لهذا لا يقدر أن يقترب من الله ويصلي. لكن بقدرة الله ننال الغلبة عليه، فتنتصر على طرقة الخبيثة، ونتشدَّد، ونصير أكثر إخلاصًا في مَحَبتنا ليسوع. "سيفه يدخل في قلبه وقسيه تنكسر" (مز 37: 15). الأب مكسيموس المعترف v يا لعظمة الحب! أقوى من النار ذاتها، يصعد إلى السماء عينها، لا يوجد من يعوقه.v بولس مواطن السماء، عمود الكنيسة، ملاك أرضي، كائن سماوي. مثل حديد مُحَمَّي بالنار صار كله متوهجًا هكذا التهب بولس بالحُبِّ فصار الحب نفسه. القديس يوحنا الذهبي الفم وَلَمَّا رَأَى بَنُو عَمُّونَ أَنَّهُ قَدْ هَرَبَ أَرَامُ،هَرَبُوا هُمْ أَيْضًا مِنْ أَمَامِ أَبْشَايَ أَخِيهِ، وَدَخَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ. وَجَاءَ يُوآبُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. [15] حين انتصر يوآب تَشَجَّع أخوه أبشاي وانتصر هو أيضًا. هكذا إن كانت خطايانا تُعثِر إخوتنا فنكون علة سقوطهم، فإن نُصرَتَنا بالرب تسند إخوتنا ليتشدَّدوا ويلتصقوا بالرب وينتصروا معنا! مع كل نصرة تتمتع بها، تسند أخاك لينتصر هو أيضًا بالله إلهه. وَلَمَّا رَأَى أَرَامُ أَنَّهُمْ قَدِ انْكَسَرُوا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ أَرْسَلُوا رُسُلاً، وَأَبْرَزُوا أَرَامَ الَّذِينَ فِي عَبْرِ النَّهْرِ، وَأَمَامَهُمْ شُوبَكُ رَئِيسُ جَيْشِ هَدَدَ عَزَرَ. [16] أرسل السريان إلى أقربائهم خلف النهر وخطَّطوا للانتقام من إسرائيل. وإذ أدرك داود الخطر بسرعة جمع قواته وأخذ موقف الدفاع. سقط تشامخ السريان، وصاروا عبيدًا لداود. وَلَمَّا أُخْبِرَ دَاوُدُ جَمَعَ كُلَّ إِسْرَائِيلَ وَعَبَرَ الأُرْدُنَّ، وَجَاءَ إِلَيْهِمْ وَاصْطَفَّ ضِدَّهُمْ. اصْطَفَّ دَاوُدُ لِلِقَاءِ أَرَامَ فِي الْحَرْبِ فَحَارَبُوهُ. [17] يبدو في هذا الأصحاح أن داود كان حاد الطبع، لكنه حاول أن يعيش في سلام. ونلاحظ هنا: 1. من سجيَّة الناس الأتقياء أن يكونوا حَسَنِي الجيرة، وبالأخص يكونون شاكرين، فداود أراد أن يصنع معروفًا مع حانون كجارٍ له، ولأنه تذكَّر معروف أبيه معه، فأولئك الذين يحصلون على معروف يجب أن يردوه حسب قدرتهم عندما تسنح الفرصة، وأولئك الذين يحصلون من الآباء يجب أن يردوا للأبناء بعد انتقالهم. 2. إنه "كما يقول مثل القدماء: "من الأشرار يخرج شر" (1 صم 24: 13) "لأن اللئيم يتكلم باللؤم، والماكر آلاته رديئة، ليهلك بأقوال الكذب المتكلمين بالحق" (إش 32: 6- 7). فهؤلاء الوضعاء الذين يخترعون الشر بأنفسهم، يميلون إلى الغيرة وظن السوء في الآخرين بدون سبب. فخُدَّام حانون أشاروا عليه بأن رسل داود جاءوا ليتجسسوا الأرض، كأنما إنسان عظيم كداود كان محتاجًا أن يصنع شيئًا وضيعًا مثل هذا، فإنه إن كان عنده نية سيئة ضد العمونيين، فكان في إمكانه أن يفعلها بالقوة ولا يلجأ إلى طريقة خسيسة، على أن حانون خضع لرأي عبيده وضدًا لقوانين الأمم عامل رسل داود بطريقة خبيثة. كان بنو عمون أعداءً لإسرائيل، ولكن داود لم يُرِدْ أن يصنع حربًا، فقد كان مُدافِعًا كما هو الحال معه في معظم حياته، فرجل الله يجد نفسه دائمًا مدافعًا، نحن يجب علينا أن نلبس سلاح الله الكامل. ماذا يعني هذا؟ هل لكي نتقدَّم للحرب؟ لا بل لنكون واقفين باستعداد وهذا هو المُهِم. 3. يجب على الرؤساء أن يحموا خدامهم، وأن يهتموا ويعتنوا بأمورهم إذا أصابهم ضرر في خدمتهم، فداود فعل هكذا لرسله (ع 5) والسيد المسيح يفعل كذلك لخدامه. وَهَرَبَ أَرَامُ مِنْ أَمَامِ إِسْرَائِيلَ، وَقَتَلَ دَاوُدُ مِنْ أَرَامَ سَبْعَةَ آلاَفِ مَرْكَبَةٍ وَأَرْبَعِينَ أَلْفَ رَاجِلٍ، وَقَتَلَ شُوبَكَ رَئِيسَ الْجَيْشِ. [18] إن الذين لا يكون الله معهم يستجمعون قواهم مرة أخرى دون أدنى فائدة، فالسوريون لم يكن لهم على أيّ حال اهتمام بالأمر، وكانوا يخدمون مع بني عمون كجنود مرتزقة، وعندما ضُرِبُوا فكَّروا في استرداد شرفهم ولذلك طلبوا مساعدة من السوريين الذين على الضفة الأخرى من الفرات، ولكن بلا فائدة فإنهم "هربوا أمام إسرائيل" [18]. لقد فقدوا سبعة آلاف رجل الذين قيل عنهم إنهم رجال سبعمائة مركبة (2 صم 10: 18). وَلَمَّا رَأَى عَبِيدُ هَدَدَ عَزَرَ أَنَّهُمْ قَدِ انْكَسَرُوا أَمَامَ إِسْرَائِيلَ، صَالَحُوا دَاوُدَ وَخَدَمُوهُ. وَلَمْ يَشَأْ أَرَامُ أَنْ يُنْجِدُوا بَنِي عَمُّونَ بَعْدُ. [19] عندما رأى السوريون أن إسرائيل هو المُنتَّصِر، كسروا تحالفهم مع بني عمون "ولم يشأ آرام أن ينجدوا بني عمون بعد" [19]، وأيضًا صنعوا صلحًا مع داود وصاروا له عبيدًا. ليت الذين وقفوا عبثًا ضد الله يرجعون لأنفسهم "ويكونون مراضين له سريعًا ما داموا في الطريق" (مت 5: 25) وليصيروا له عبيدًا لأنهم صيَّروا أنفسهم مُهملين إذا صاروا أعداء له. هَبْ لي أن أهرب من مشورة الأشرار v من الأشرار يخرج شر، احمني منهم، فلا أَمِلْ أُذني إليهم، بل أميل أذني إلى وصيتك الواهبة الحياة. v بسبب مشورة الأشرار فقد حانون بن ناحاش صداقة داود. عوض أن يتحالف مع داود، فتحِلّ عليه بركة الرب، حلَّ عليه شرُّ الأشرار، فدفع تكلفة هذا مقدارها! فقد أمواله، ومركباته وكرامته. v أهان حانون ورجاله رسل داود، فاختبأوا خجلاً. داود صاحب القلب المتَّسِع بتواضع اهتم. بحُبِّه واهتمامه ورعايته رفع من نفسيتهم. ولم يسمح لأحدٍ من شعبه أن يراهم، حتى لا يسخر أحد بهم. v يا رب داود الكُلِّي الحب والحنوّ واللطف. تطلَّع إلى خُدَّامك وشعبك. تسمح إلى حين أن تمتد يد الأشرار ضدّهم. لكن لا تسمح لهذه اليد أن تستقر عليهم. عوض السخرية تسكب بهاءك عليهم. وعوض العار تُعْلِن مجدك فيهم. v تشدَّد يوآب وأخاه أبشاي للعمل لحساب الرب. وَثَقَا في الله، فامتلأت حياتهما قوة وشجاعة ورجاءً. وصار بالحق النصر حليفًا لهما. v امتزج حبهما العجيب لشعبهما، برعاية الله للشعب. اعتزَّا بالشعب، فدعوه "شعبنا"! حملا الشعب كما على أياديهما أمام الله، فأدركا حراسة الله لشعبه وحماية مدنهم! إقامة داود في أورشليم رأينا في الأصحاح السابق كيف أن جيش بني عمون وحلفاءهم قد هُزِموا في الحرب أمام داود، وهنا نرى رَبَّة عاصمة مملكتهم قد خربت [1]. ووَضَعَ داود تاج ملكهم على رأسه [2]، والشدة العظيمة التي حلَّت بشعبها ومدنها [3]، وقد رأينا أكثر تفصيًلا عن هذه الأحداث في (2 صم 11-12). انطلق داود إلى أرض المعركة حتى يُتَمِّم النصرة النهائية: 1. اعتمد شاول على قامته الجسدية وقدرته العسكرية، ولم يجد من ينقذه سوى الصبي داود ليقف أمام جليات الجبار. أما داود فانشغل بنقاوة قلبه، ومع سقطاته كان يُقَدِّم توبة بدموع، لهذا وهبه الله أن يلتف حوله أبطال كثيرون، ووهبه نصرات مستمرة. 2. أخذ تاج ملك بني عمون الذهبي فوجده ثقيلاً، حتى يدرك أن التَمَتُّع بالنصرة واتِّساع المملكة، وزيادة سلطانه، هذا كله يُعتبَر حملاً ثقيلاً لا يستطيع أن يحمله ما لم يَتَمتَّع بالعون الإلهي. 3. لم يوجد لدى داود عمالقة مثل الفلسطينيين، غير أن ارتفاع قامتهم الروحية أفضل من ضخامة الجسم. هكذا يليق بنا أن نهتم بنمو قامتنا الروحية وخَلاصَنا الأبدي أكثر من الأمور الزمنية الزائلة والبنيان الجسدي وضخامته. 1. إقامة داود في أورشليم وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ، اقْتَادَ يُوآبُ قُوَّةَ الْجَيْشِ، وَأَخْرَبَ أَرْضَ بَنِي عَمُّونَ، وَأَتَى وَحَاصَرَ رَبَّةَ. وَكَانَ دَاوُدُ مُقِيمًا فِي أُورُشَلِيمَ. فَضَرَبَ يُوآبُ رَبَّةَ وَهَدَمَهَا. [1] يُقصَد بتمام السنة هنا دخول فصل الربيع، ففيه كان الملوك ينطلقون ليمارسوا خططهم لفتوحات المستقبل عندما يكون الطقس معتدلاً. قد يظهر هنا أن يوآب هو المعتدي، وربما كان كذلك، ولكن يجب أن نتذكَّر أن داود كان قد قدَّم صداقة لملك بني عمون الشاب، ولكنه أهان داود وقام ذلك الملك الجديد في الحال بحرب ضده، فما حدث الآن هو استمرار لتلك الحرب. أرسل داود يوآب ضد رَبَّة (عمان حاليًا) بينما بقي داود في أورشليم (2 صم 12: 1). استمر الحصار سنتين. وفي هذه الفترة تمَّت الحادثة المُحزِنة بينما كان يوآب مُحاصِرًا رَبَّة، وقع داود في الخطية الكبرى الخاصة بتدبيره أمر موت أوريّا الحثِّي وزواجه ببثشبع (2 صم 11-12). لم تُذكَرْ هذه الخطية هنا، وقد رأينا قبلاً لماذا لم يُشِرْ السفر إليها. فإنه إذ قدَّم توبة صادقة بدموع، لم يعد الله يذكرها، وإن كان قد سمح بتأديبه كي يشعر هو ونحن بمرارة الخطية. مع ما بلغناه من الشر يبقى الله مُنتَّظِرًا توبتنا، واعترافنا بخطايانا، لكي يغفرها لنا من أجل اسمه القدوس ومحبته الفائقة، مؤكدًا لنا: "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها؛ ذكِّرني فنتحاكم معًا، حدِّث لكي تتبرر" (إش 43: 25-26). v يلزمهم أن يحترزوا وأن لا يتوقَّفوا عن تَذَكُّر خطاياهم، وأن يكون ذلك دأبهم في الحياة، حتى ينسي الديان العادل آثامهم. لذلك يقول داود ملتمسا: "استر وجهك عن خطاياي، وامح كل آثامي" (مز 51: 9). وقبل ذلك بآيات قليلة يقول: "خطيتي أمامي دائمًا" (مز 51: 3). وكأنه يقول: "أتوسل أن لا تنظر إلى آثامي، لأنها أمام نظري دائمًا. لذلك يقول الرب بلسان النبي: "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياكِ لا أذكرها" (إش 43: 25). الأب غريغوريوس (الكبير) v حين تنشغل بخطيةٍ ما، كن متَّهمًا لنفسك ( أم 18: 17)، ولا تنتظر الآخرين ليُقَدِّموا الاتهام. بهذا تصير أشبه بإنسان بارٍ يتَّهم نفسه في أول حديث له في المحكمة، أو تكون كأيوب الذي لم يعقه جمهور الشعب في المدينة عن الإعلان عن جريمته أمام الكل. القديس باسيليوس الكبير حوِّل خطيتك لتكون أمام وجهك، إن أردتَ أن يصرف إلهك وجهه عنها، عندئذ في أمان تسأل وهو يسمع لك. v لقد انشغلت بالدفاع عن خطاياك، فانهزمت... دفاعك ليس مفيدًا لك. لأن من أنت يا من تدافع عن نفسك؟ كان يليق بك أن تتهم نفسك. لا تقل: "إنني لم أفعل شيئًا"، أو "أي أمر خطير أنا فعلت؟" أو "آخرون أيضًا فعلوا هكذا". إن فعلتَ خطية وقُلتَ إنك لم تفعل شيئًا تصير أنت نفسك لا شيء، ولا تنال من الله شيئًا! الله مستعد أن يهب غفرانًا، لكنك أنت تغلق الباب على نفسك! الله مستعد أن يُعطِي، فلا تقاوم بمزلاج الباب، بل افتح حضن الاعتراف: "تسمعني سرورًا وفرحًا". v كشف الله هذه الغوامض لعبده داود؛ فإنه إذ قال أمام النبي مُقتنِعًا: "أخطأت"، للحال سمع من النبي، أي من روح الله الذي في النبي: "قد نقل عنك خطيتك" (2 صم 12: 13). القديس أغسطينوس كل من يتهم نفسه، مُقِرًا بذنبه، تُمحَى خطيته، إذ يقول الله: "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي، وخطاياك لا أذكرها؛ ذكِّرني فنتحاكم معًا حدِّث لكي تتبرر" (إش 43: 25-26). الأب أنثيموس أسقف أورشليم 2 وَأَخَذَ دَاوُدُ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، فَوُجِدَ وَزْنُهُ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ، وَفِيهِ حَجَرٌ كَرِيمٌ. فَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ كَثِيرَةً جِدًّا. 3 وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا وَنَشَرَهُمْ بِمَنَاشِيرِ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسٍ. وَهكَذَا صَنَعَ دَاوُدُ لِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَأَخَذَ دَاوُدُ تَاجَ مَلِكِهِمْ عَنْ رَأْسِهِ، فَوُجِدَ وَزْنُهُ وَزْنَةً مِنَ الذَّهَبِ، وَفِيهِ حَجَرٌ كَرِيمٌ. فَكَانَ عَلَى رَأْسِ دَاوُدَ. وَأَخْرَجَ غَنِيمَةَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ كَثِيرَةً جِدّاً. [2] نجح يوآب في ضرب بني عمون، وإذ دخل داود إلى أرض المعركة ليُحَقِّق النصرة النهائية، أخذ تاج ملكها فوجد وزنه وزنة من الذهب، أي حوالي خمسة وسبعون رطلاً ونصف، وهو ثقيل. حقًا كل التيجان ثقيلة، فإن مسئوليات القائد لأيّة دولة ليست بالأمر الهَيِّن. وَأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِينَ بِهَا، وَنَشَرَهُمْ بِمَنَاشِيرَ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسٍ. وَهَكَذَا صَنَعَ دَاوُدُ لِكُلِّ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ. [3] ربما تُشِير العبارة هنا إلى رجال الحرب وحدهم. يرى البعض أن الشعب كان تحت تكليف لعمل جبري. 3. نصرته على الفلسطينيين 4 ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ قَامَتْ حَرْبٌ فِي جَازِرَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. حِينَئِذٍ سَبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَفَّايَ مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا فَذَلُّوا. 5 وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَقَتَلَ أَلْحَانَانُ بْنُ يَاعُورَ لَحْمِيَ أَخَا جُلْيَاتَ الْجَتِّيِّ. وَكَانَتْ قَنَاةُ رُمْحِهِ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ. 6 ثُمَّ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جَتَّ، وَكَانَ رَجُلٌ طَوِيلُ الْقَامَةِ أَعْنَشُ، أَصَابِعُهُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، وَهُوَ أَيْضًا وُلِدَ لِرَافَا. 7 وَلَمَّا عَيَّرَ إِسْرَائِيلَ ضَرَبَهُ يَهُونَاثَانُ بْنُ شِمْعَا أَخِي دَاوُدَ. 8 هؤُلاَءِ وُلِدُوا لِرَافَا فِي جَتَّ وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَامَتْ حَرْبٌ فِي جَازِرَ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ. حِينَئِذٍ سَبْكَايُ الْحُوشِيُّ قَتَلَ سَفَّايَ مِنْ أَوْلاَدِ رَافَا فَذَلُّوا. [4] قتل ثلاثة من جبابرة داود بواسطة الأعداء. جاءت قصة أمنون وأبشالوم ما بين عدد 3، 4، وتمرُّد أبشالوم على أبيه ورد ذلك (2 صم 13: 1-21: 7)، والتي احتلت حوالي ثلث سفر صموئيل الثاني، والتي لم ترد في سفر أخبار الأيام الأول. فإن ما يهدف إليه سفرا أخبار الأيام ليس عرض أحداث التاريخ كاملة، بل الربط بين التاريخ والعبادة. لقد قُرِضَ الفلسطينيون الوثنيون تقريبًا (أصحاح 18: 1) ولكن كما حدث في تحطيم الكنعانيين على يدي يشوع حيث بنو عناق قُرِضوا أخيرًا (يش 11: 21). فهنا كذلك في الانتصار على الفلسطينيين قُهِر عمالقة جت في النهاية. كذلك في الاشتباك بين النعمة والفساد، توجد بعض الخطايا المتأصلة مثل هؤلاء العمالقة ولا يمكن التغلُّب عليها إلاَّ بعد كفاح طويل، ولكن أخيرًا الحكم يأتي بالنصر. وَكَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ مَعَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، فَقَتَلَ أَلْحَانَانُ بْنُ يَاعُورَ لَحْمِيَ أَخَا جُلْيَاتَ الْجَتِّيِّ. وَكَانَتْ قَنَاةُ رُمْحِهِ كَنَوْلِ النَّسَّاجِينَ. [5] لم نسمع قط عن عمالقة بين الإسرائيليين مثل عمالقة الفلسطينيين، فهناك عمالقة في جت، ولكن ليس من عمالقة في أورشليم، فالنمو في أبناء الله هو في القامة الروحية وليس في القامة الجسمية، فهؤلاء الذين يشتهون زيادة أشبار على قامتهم، لا يدركون أنها ستجعلهم أكثر ضخامة بلا فائدة، ففي ميزان القداسة زاد داود على جليات. ثُمَّ كَانَتْ أَيْضًا حَرْبٌ فِي جَتَّ، وَكَانَ رَجُلٌ طَوِيلُ الْقَامَةِ أَعْنَشُ، أَصَابِعُهُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ، وَهُوَ أَيْضًا وُلِدَ لِرَافَا. [6] مع أن رجال داود كانوا ذوي قامة عادية إلاَّ أنهم بمعونة الله التي ساندتهم، كانوا أكثر صلابة في كل مقاومتهم لعمالقة جت. فالله يُسَرُّ في خفض النظرات المتعالية وإماتة العمالقة الذين على الأرض، كما غطَّى قديمًا بالفيضان المُعتدِّين بأنفسهم، فلا يجب أن يجزع أحباء الكنيسة من قوة وتشامخ الأعداء، فإن كان الله معنا فمن علينا، فماذا يصنع بضخامة أو زيادة أصبع في كل يد أو في كل رجل بالمقارنة بالقدرة الكلية؟ وَلَمَّا عَيَّرَ إِسْرَائِيلَ ضَرَبَهُ يَهُونَاثَانُ بْنُ شَمْعِي أَخِي دَاوُدَ. [7] هؤلاء العمالقة عيَّروا إسرائيل [7] ولذلك دفعوا ثمن عجرفتهم، فالذين يُعَيِّرون الله وإسرائيل الله يرون خرابهم أكثر عيانًا، فالله يعمل أعمالاً عظيمة ولا يسمح للعدو أن يقول إن يده ارتفعت (تث 32: 27). انتصارات ابن داود تدريجية كالتي لداود نفسه، "فنحن لا نرى بعد كل شيء مُخضَعُ له"، ولكن سنراه قريبًا "فالموت نفسه العدو الأخير سيُقْهر كهؤلاء العمالقة تمامًا. هَؤُلاَءِ وُلِدُوا لِرَافَا فِي جَتَّ، وَسَقَطُوا بِيَدِ دَاوُدَ وَبِيَدِ عَبِيدِهِ. [8] بك أخرج إلى أرض المعركة v خرج داود في موسم الحروب ليُحَقِّق بك النصرة الكاملة. انطلق للمعركة مُتسلِّحًا بك، وليس بأبطاله وخططه وإمكانياته العسكرية. إن كان العدو لا يكف عن مقاومتي، فأنت هو سلاحي، وقائدي، وواهب النصرة لي. خطاياي تفسد حياتي، لكنني، إذ أعترف لك بها طالبًا أن تشفيني، تغفرها بدمك الثمين وحُبِّك، ولا تعود تذكرها. v مع كل نصرةٍ، أُقَدِّم لك ذبيحة الشكر والتسبيح. وأطلب عونًا إضافيًّا، لأن العدو لن يتوقَّف ولا ييأس. ومع كل نصرة، يشعل الحرب عليَّ بأكثر عنفٍ. لكن ماذا يستطيع هذا الشرير أن يفعل، ما دُمتُ مختفيًا فيك، ومُتمتِّعًا بحضورك الإلهي؟ v ما أكثر حيل إبليس وخداعاته، وما أكثر قواته الشريرة التي تتهلل لسقوطنا! لكنه في غباوة يحارب المؤمنين. إنه يحاربك شخصيًا، فيُحَطِّم نفسه. كلما أعدَّ لي شبكة، يسقط هو فيها. وكلما ظن أنه يمحو اسمك من قلبي وفكري، تتجلَّى أنت بالأكثر في داخلي، وتُعلِن بهاء ملكوتك وعظمته. لك المجد يا أيها العجيب في قيادتك ورعايتك وحُبِّك! إحصاء الشعب وبيدر أرونا إذ حرص الكاتب على إبراز كل ما في قلب داود من تقوى والتصاق بالرب، الآن إذ يتحدث عن إحصائه للشعب. لم يقصد أن يكشف عن ضعف في حياة داود، إنما غاية ذلك هو إبراز كيف استخدم الله حتى خطأ داود في الكشف عن الموقع الذي يُقَام فيه الهيكل بعد موته. بتوبته نال المغفرة، وتحوَّل الخطأ إلى بركة. يبدو للقارئ أن قصة سقوط داود في طلب إحصاء الشعب في (2 صم 24) توضح أنها جاءت مؤخرًا في حياة داود، أما هنا فجاءت كما لو كانت في بداية حُكْمِه. والسبب في هذا أن سفر أخبار الأيام الأول لم يذكر الكثير من الأحداث التي تمَّت في حياة داود، لأنها لا تمس هدف السفر وهو الربط بين الأحداث التاريخية والعبادة. ومن جانب آخر عالجت التسعة أصحاحات الأخيرة [21-29] موضوع الهيكل والإعداد له وتنظيماته إلخ.، حتى بدا ما ورد في هذا الأصحاح كما في وقت مُبَكِّر في حياة داود. يختص هذا الأصحاح بالحديث عن خطية اقترفها داود يحسبها البعض أخطر ما سقط فيه داود الملك. ربما يتساءل البعض: لماذا التزم هنا بالحديث عن هذا الخطأ الذي ارتكبه داود، مع أنه لم يذكر شيئًا عن خطيته في أمر بثشبع وزوجها أوريّا الحثِّي ولا المصاعب التي حلَّتْ بأسرته بعدها فلم تُذكَر هنا أو عصيان أبشالوم؟ سُجِّلَتْ خطية داود في أمر إحصاء الشعب في هذا الأصحاح، لأن التكفير عن هذه الخطية أدَّى إلى الإشارة إلى المكان الذي سيقوم عليه الهيكل. هذه القصة تكشف لنا عن الأرض التي اشتراها داود، وأقام عليها مذبحًا للرب، وصارت فيما بعد موقعًا لبناء هيكل الرب. وكأن خطأ داود تحوَّل إلى الخير، فساهم داود في بناء الهيكل بشرائه الأرض. يرى البعض الدارسين أن هذه الأرض مرتبطة أيضًا بذبح إسحق (تك 22) على جبل المُريِّا. كلمة "مُريَّا" معناها "الرب يرى" أو "يهوه يراه" (تك 22: 14). جاء في أخبار الأيام الثاني: "وشرع سليمان في بناء بيت الرب في أورشليم في جبل المُريَّا، حيث تراءى لداود أبيه، حيث هيَّأ داود مكانًا في بيدر أُرنان (أَرونة) اليبوسي" (2 أي 3: 1). لقد حقَّق داود بطريقة فريدة الوعود التي قُدِّمَت للآباء البطاركة. 1. مع ما اتَّسم به داود النبي منذ صباه حتى يوم نياحته بالتواضع، غير أنه كإنسانٍ بشريٍ جُرِّب بالكبرياء، وللأسف سقط بالرغم من تحذير يوآب له [1-7]. فمن مخاطر القيادة، التعرُّض للسقوط في الكبرياء، لهذا يحتاج القادة أكثر من غيرهم إلى الصلاة من أجلهم. 2. إذ تعرَّف داود على خطئه، للحال رجع إلى الله بالتوبة. لقد غُفِرَ له، لكنه كان محتاجًا إلى التأديب، حتى يتذوَّق مرارة الخطية، فلا يعود إليها. 3. شراء حقل أُرنان اليبوسي الذي يُقَام عليه هيكل الرب لتقديم مُحرَقة للرب. سبق أن درسنا هذه الحادثة المؤلمة في كتابنا: تفسير وتأملات الآباء الأولين في سفر صموئيل الثاني (2 صم 24)، وهنا نذكر بعض التأملات الأخرى: 1 وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ. 2 فَقَالَ دَاوُدُ لِيُوآبَ وَلِرُؤَسَاءِ الشَّعْبِ: «اذْهَبُوا عِدُّوا إِسْرَائِيلَ مِنْ بِئْرِ سَبْعٍ إِلَى دَانَ، وَأْتُوا إِلَيَّ فَأَعْلَمَ عَدَدَهُمْ». 3 فَقَالَ يُوآبُ: «لِيَزِدِ الرَّبُّ عَلَى شَعْبِهِ أَمْثَالَهُمْ مِئَةَ ضِعْفٍ. أَلَيْسُوا جَمِيعًا يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ عَبِيدًا لِسَيِّدِي؟ لِمَاذَا يَطْلُبُ هذَا سَيِّدِي؟ لِمَاذَا يَكُونُ سَبَبَ إِثْمٍ لإِسْرَائِيلَ؟» 4 فَاشْتَدَّ كَلاَمُ الْمَلِكِ عَلَى يُوآبَ. فَخَرَجَ يُوآبُ وَطَافَ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ ثُمَّ جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. 5 فَدَفَعَ يُوآبُ جُمْلَةَ عَدَدِ الشَّعْبِ إِلَى دَاوُدَ، فَكَانَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِئَةَ أَلْفِ رَجُل مُسْتَلِّي السَّيْفِ، وَيَهُوذَا أَرْبَعَ مِئَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ رَجُل مُسْتَلِّي السَّيْفِ، 6 وَأَمَّا لاَوِي وَبَنْيَامِينُ فَلَمْ يَعُدَّهُمْ مَعَهُمْ لأَنَّ كَلاَمَ الْمَلِكِ كَانَ مَكْرُوهًا لَدَى يُوآبَ. وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ. [1] من الذي وراء هذه الخطية؟ جاء في (2 صم 24: 1) "غضب الرب حمى على إسرائيل، فأهاج عليهم داود ليفعلها". كأن الرب حثَّ داود على ذلك، لأن غضبه حلَّ على الشعب. وفي سفر الأخبار يُقَال إن الشيطان وراء هذا التصرُّف. الاثنان حق، فالله سمح للشيطان أن يُجَرِّب داود. الله ليس مصدرًا للشر، بل يسمح به لتحقيق غاياته. يُقَدِّم الشيطان الغواية، لكن لا يُلزِم الإنسان بقبولها. يبرز هنا أن الشيطان لا يقف مكتوف الأيدي أمام خطة الله وأعماله المستمرة لتحقيق الخلاص، فقد أغوى قلب داود لكي ما يُبَدِّد خطط الله من نحو شعبه. أغواه الشيطان كما أغوت الحيّة حواء وآدم، وحاول أيضًا أن يُجَرِّب أيوب ليُحَطِّمه (أي 1، 2)، ورآه زكريا النبي في إحدى الرؤى التي شاهدها (زك 3: 1). إحصاء الشعب ليس بشرٍ في ذاته، إذ يليق بالراعي أن يعرف رعيته. ولكن من الواضح أن داود أخطأ في هذا العمل، وكان سببًا في غضب الله، لأنه عمل ذلك عن كبرياء قلب وقلة ثقة في الله، بالاعتماد على الأعداد. أجرى داود هذا التعداد بهدف الافتخار بقوة جيشه، ليتَّكل على إمكانيّاته العسكرية لا على الله. الدافع لعمله خطية وهي الغرور. كثيرًا ما تكون الخطية لا في تصرفاتنا الظاهرة، بل في دوافعنا الخفيّة. نحن متأكدون أن الله لا يتسبَّب في الخطية، "فهو لا يُجرِّب أحدًا"، لذلك عندما يُقَال أنه أهاج داود ليفعلها، يجب التوضيح أنه لأجل هدف حكيم ومُقدَّس سمح الله للشيطان أن يفعلها، وهنا نقتفي أثر هذا التيار الخاطئ في مصدره وأساسه. فليس غريبًا أن الشيطان، الذي هو عدو الله، وكل خير، أن يقف ضد الشعب؛ فهدفه هو تحطيم داود والشعب. وهنا نلاحظ الآتي: 1. من المُدهِش أن الشيطان يؤثر على داود ليفعل شيئًا خاطئًا، وهو الرجل الذي قلبه مثل قلب الله، إذ يُظَن أنه من أولئك الذين لا يمسهم الشرير. سمح الله بذلك لكي نَعْلم أن أَقْدَس القديسين يجب ألا يفكروا أنهم ليسوا في متناول تجارب الشيطان. وهذا يذكرنا بالقديس مقاريوس الكبير الذي قال له الشيطان: "لقد وصلتَ يا مقارة"، فاستمر يجيبه "لم أَصِلْ" إلى أن سلَّم روحه في يد خالقه، فقال "الآن وصلتُ". والآن لما نوى الشيطان أن يحيق أذى بإسرائيل أيّ طريق اتخَّذ؟ إنه لم "يهيج الله ضدهم ليبتلعهم"(أي 2: 3) ولكنه هيَّج داود أعز صديق لهم لكي يَحْصيهم وبذلك يُغضِب الله ويُثِيره ضدهم. 2. عندما يغوينا الشيطان لنخطئ ضد الله، يُصيبنا بأذى أكثر من شكواه ضدنا أمام الله. إنه يُحَطِّم الناس بأنفسهم وأياديهم. 3. أعظم ضرر يُمكن الشيطان أن يفعله بكنيسة الله هو أن يغوي قادتها بالكبرياء، لأنه لا يستطيع أحد أن يرى هذه الخطية في الجميع وبالأخص المُتقدِّمين في الكنيسة "وأما أنتم فليس هكذا. بل الكبير فيكم ليكن كالأصغر. والمُتقدِّم كالخادم" (لو 22: 26). v آمن داود بك، وأخذتَه من وراء الغنم، وجعلته ملكًا، وانتصر على جليات وقهر كل مضطهديه. هيَّج إبليس عليه قواته من كل جهة، ولأن يمينك أمسكَتْ بيده، ثابر ونال شجاعة. ألقى الشرير في قلبه أن يُحصي الأمة، فأدَّبه الرب بالرحمة، وقبله بمحبة (2 صم 24). جعله ملكًا، وملأه بروح النبوة، وفاضت ثروة كلماته وملأت كل الخليقة. صار ينبوعًا، تفجرَّت منه كلمات الروح القدس، وشربت منه الشعوب والعوالم، ولا زالوا عطشى إليها. القديس مار يعقوب السروجي "اذْهَبُوا عُدُّوا إِسْرَائِيلَ مِنْ بِئْر سَبْعٍ إِلَى دَانَ، وَأْتُوا إِلَيَّ، فَأَعْلَمَ عَدَدَهُمْ". [2] فَقَالَ يُوآبُ: "لِيَزِدِ الرَّبُّ عَلَى شَعْبِهِ أَمْثَالَهُمْ مِئَةَ ضِعْفٍ. أَلَيْسُوا جَمِيعًا يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ عَبِيداً لِسَيِّدِي؟ لِمَاذَا يَطْلُبُ هَذَا سَيِّدِي؟ لِمَاذَا يَكُونُ سَبَبَ إِثْمٍ لإِسْرَائِيلَ؟" [3] تُبرِز هذه القصة سقوط داود في ضعفٍ لا يتوقَّعه أحد، الأمر الذي دفع يوآب أن يُوَبِّخ داود عليه. أخطأ داود لأنه اتَّكل على ذراع شعبه على غير عادته، وطلب مجد نفسه. لقد حذَّره الرب نفسه حين قال له على لسان ناثان النبي: "كنتُ معك حينما توجَّهتَ، وقرضت جميع أعدائك من أمامك، وعملت لك اسمًا كاسم العظماء الذين في الأرض" (1 أخ 17: 8). لم يستشر داود الله قبل إجراء الإحصاء، كما لم يُصغِ لنصيحة يوآب. فقد كان يوآب ضد فكرة عمل إحصاء، ولم يأخذ الأمر الذي أصدره داود في هذا الشأن بجديةٍ. كان يوآب الذي استخدمه داود رجلاً ذا شأن في الأعمال العامة، ولكنه أُرْغِمَ على هذا العمل، وفعله بأقصى ما يمكن تصوُّره من التردُّد. لقد قدَّم احتجاجًا على هذا العمل قبل أن يبدأه، فلم يكن هناك إنسان أكثر منه تقدُّمًا في أيّ شيء يؤول إلى ما فيه مجد الملك وخير المملكة، ولكن في هذا الأمر كان يود أن يُعفَى مسرورًا لسببيْن وهما: 1. رأى أنه لا داعي له ولم يكن له أيّة مناسبة، فالله قد وعد أن يُكثِّرَ شعبه، ولم يكن عند يوآب أيّ تساؤل من جهة تنفيذ هذا الوعد، فكل الشعب خدامه ولم يكن عنده شك في ولائهم ومحبتهم له. 2. هذا الأمر خطير والقيام به قد يكون سبَّب تعديًا لإسرائيل، وربما يُثِير غضب الله عليهم، وهذا فهمه يوآب، ولكن داود لم يفهمه، لذا يلزم التشاور بروح التواضع. فَاشْتَدَّ كَلاَمُ الْمَلِكِ عَلَى يُوآبَ. فَخَرَجَ يُوآبُ وَطَافَ فِي كُلِّ إِسْرَائِيلَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى أُورُشَلِيمَ. [4] كان مُضجرًا من هذا الأمر قبل أن يقوم به: "لأن كلام الملك كان مكروهًا لدى يوآب". كل ما صنعه داود الملك قبل ذلك كان حسنًا في أعين جميع الشعب (2 صم 3: 36)، ولكن الآن وُجِدَ اشمئزاز عام على هذه الأوامر وهو الشيء الذي ثَبَّت كُرْه يوآب لها. فَدَفَعَ يُوآبُ جُمْلَةَ عَدَدِ الشَّعْبِ إِلَى دَاوُدَ، فَكَانَ كُلُّ إِسْرَائِيلَ مِلْيُوناً وَمِئَةَ أَلْفِ رَجُلٍ مُسْتَلِّي السَّيْفِ، وَيَهُوذَا أَرْبَعَ مِئَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ رَجُلٍ مُسْتَلِّي السَّيْفِ، [5] مع أن نتيجة هذا الاستعراض كانت عظيمة جدًا، إلاَّ أن يوآب لم يكن عنده قلب ليُكَمِّلَه وقد ترك سبطيْن مُهميْن بدون تعداد وهما سبطي لاوي وبنيامين (ع 5-6)، وربما لم يكن مُدَقِّقًا في تعداد الأسباط الأخرى، لأنه فعل الأمر مُتضرِّرًا مما يوضح السبب في اختلاف أرقام التعداد عما ورد في (2 صم 24: 9). الفرق في أرقام التعداد هنا مع (2 صم 24) يرجع إلى أن صموئيل الثاني لا يحسب عدد الجيش القائم في (1 أي 28)، والذي يضيف أيضًا رؤساء المئات ورؤساء الألوف. فإن داود لم يكن يريد معرفة عدد الجيش النظامي، ذلك لأنه كان يعرفه جيدًا بشكل إجمالي، ولكنه أراد معرفة المدى الذي يمكن أن تصل إليه قوة إسرائيل حتى يمكن أن يستخدمه في أية مناسبة ممكنة. وَأَمَّا لاَوِي وَبِنْيَامِينُ فَلَمْ يَعُدَّهُمْ مَعَهُمْ، لأَنَّ كَلاَمَ الْمَلِكِ كَانَ مَكْرُوهاً لَدَى يُوآبَ. [6] لم يُحصَ سبط لاوي لأنهم لا يخضعون للتجنيد الإجباري، ولأن السبط كان منتشرًا بين بقية الأسباط، وكان من الصعب تجميع عدد اللاويين. ولم يُحصَ بنيامين، لأن الإحصاء ارتبك قبل الوصول إلى بنيامين (1 أي 27: 24)، بسبب انتشار الوباء. هناك تبايُن كبير بين هذه الحادثة بالمقارنة مع ما حدث لداود الصبي الراعي عندما جاء إلى أرض المعركة ورأى جليات الجبار يجول مختاًلا ومُعَيِّرًا لإسرائيل. لم يرغب ذاك الراعي الصغير في عمل تعداد ولم يُحصِ عدد الجيش، ولكن جاء في مزاميره: "الاحتماء بالرب خير من التوكل على إنسان. الاحتماء بالرب خير من التوكل على الرؤساء" (مز 118: 8-9)، إنما قال "دعني أواجهه"، لماذا كانت عنده الشجاعة ليفعل ذلك؟ لأنه وثق في الرب. وتَعَلَّم الدرس من حادثة الإحصاء . v عظيمة هي قوة الرجاء في الرب، قلعة لا تُقهَر، سور واقٍ لا يمكن مهاجمته، إمداد عسكري لا ينهزم، ميناء هادئ، برج منيع، سلاح لا يُقاوم، قوة لا تُقهَر قادرة على اكتشاف ملجأ في موضع لا يتوقعه أحد. بهذه القوة يصير غير المُسَلَّحين مُسَلَّحين، يكون حال النساء أفضل من الرجال، ويبرهن الأطفال أنهم بسهولة يصيرون أكثر قوة من الذين يمارسون فنون الحرب. أي عجب إن كانوا يغلبون أعداءً بينما في الواقع هم يغلبون العالم نفسه... الرجاء بالرب يُغَيِّر كل شيء! v لم يقل: "سوف لا أتألم إنما "لا أخاف، ماذا يصنع بي الإنسان"، بمعنى إن كنت أتألم إلا إني لا أخاف، وكما قال بولس أيضًا: "إن كان الله معنا، فمن علينا؟" (رو 8: 31). في الواقع كانت أمور بلا حصر ضده، لكنه لم يستخدمها بطريقة خاطئة... كان أسمى وأعلى فوق كل المخاوف... الله يُحِبُّكم يا أعزائي، لهذا فهو يجتذبكم بعيدًا من كل شيء... ويسحبكم إليه. القديس يوحنا الذهبي الفم يقول كل منَّا بثقة: "الرب لي مُعِين فلا أخاف، ماذا يفعل بي الإنسان؟" (مز 118: 6). "فإن نفوس الأبرار في يد الرب لا يَمسّها أذى" (حك 3: 1)... إنهم يضطهدوننا ليس لأنّنا فعلة شر، لكنهم يظنون إنّنا كمسيحيين نخطئ ضدّ الحياة، وإنّنا نعمل ضدّ أنفسنا. القديس إكليمنضس السكندري قبل السقوط في مرض ليكن لك طبيبك؛ قبل أن تَحِلَّ عليك الأمور المُحزِنة صِلّ، ففي وقت أحزانك تجده وهو يسمع لك. مار إسحق السرياني 2. ندم داود على ما عمله 7 وَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ اللهِ هذَا الأَمْرُ فَضَرَبَ إِسْرَائِيلَ. 8 فَقَالَ دَاوُدُ لِلهِ: «لَقَدْ أَخْطَأْتُ جِدًّا حَيْثُ عَمِلْتُ هذَا الأَمْرَ. وَالآنَ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ لأَنِّي سَفِهْتُ جِدًّا». وَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ اللهِ هَذَا الأَمْرُ فَضَرَبَ إِسْرَائِيلَ. [7] في الإحصاء لم تُجمَعْ الفدية التي جاء الأمر بها في (خر 30: 12). وجاء كبرياء داود وعصيانه بنتائج خطيرة. v يرتبط سلوك الحكام غالبًا بسمات الخاضعين لهم، فحتى الذين هم بالحق رعاة صالحون يخطئون كثمرة لشرِّ قطيعهم. فإن داود النبي الذي مُدِحَ بشهادة الله نفسه، والذي تأهَّل لمعرفة أسرار سماوية، انتفخ بكبرياء مُفاجِئ، وأخطأ بإحصاء الشعب. ومع أنه هو الذي أخطأ، سقط الشعب تحت العقوبة. لماذا؟ لأنه في الحقيقة تتأثر قلوب الحُكَّام باستحقاقات شعوبهم. لقد وُبِّخ القاضي (داود) التقي على خطأ الخاطي بفرضه عقوبة على الأشخاص أنفسهم الذين بسببهم أخطأ هو... إذ سقط في الكبرياء بكامل حرية إرادته، سقط تحت العقوبة عن خطيته. فإن هذا الغضب الشديد الذي ضرب الشعب في أجسامهم أنهك حاكم الشعب بألم في أعماق قلبه. فبالتأكيد أن استحقاقات الحُكَّام والشعب مُشترَكة ومُترابِطة معًا، إذ غالبًا ما يصير سلوك الشعب شريرًا بسبب خطأ رعاتهم، وسلوك الرعاة يَتغيَّر حسب استحقاقات شعبهم. الأب غريغوريوس (الكبير) حَيْثُ عَمِلْتُ هَذَا الأَمْرَ. وَالآنَ أَزِلْ إِثْمَ عَبْدِكَ، لأَنِّي سَفِهْتُ جِدّاً". [8] عندما أدرك داود خطيته مع خطورتها، تَحَمَّل المسئولية وبسرعة انسحق مُعترِفًا بخطئه أمام الرب، وطلب منه أن يغفر له. لقد اعترف اعترافًا صادقًا بخطيته وصلَّى لأجل مغفرتها [8]. اعترف أنه أخطأ جدًا، وأنه فعل هذا الأمر بحماقةٍ شديدةٍ وتوسل أن أن يزول الإثم. v عندما أمر داود بإحصاء الشعب ضُرِبَ في قلبه جدًا، وقال: "لقد أخطأت جدًا حيث عملت هذا الأمر، والآن أزل يا رب إثم عبدك، لأني سفهت جدًا" (راجع 1 أي 21: 8). وأُرِسَل ناثان النبي (إليه) مرة أخرى لكي يختار (إحدى التأديبات)... قال داود إن هذه الثلاثة (تأديبات) هي كوارث عظمى بالنسبة لي، ولكنني أسقط في يد الرب، لأن مراحمه عظيمة جدًا، ولا أسقط في أيدي الناس. خطأ داود أنه رغب في معرفة أعداد كل الناس الذين كانوا معه، هذه المعرفة كان يجب تركها لله وحده. قيل إنه عندما حلَّ الوباء على الشعب في اليوم الأول في وقت العشاء، إذ رأى داود الملاك يضرب الشعب، قال: "أنا الراعي أخطأت وصنعتُ شرًا، فماذا فعل هذا القطيع؟ لتكن يدك عليَّ وعلى بيت أبي". فندم الرب، وأمر الملاك أن يعفي الشعب، وأن يُقَدِّم داود ذبيحة، إذ كانت الذبائح في ذلك الوقت تُقَدَّم عن الخطية، ولكن الآن هي ذبائح الندامة. هكذا بتواضعه صار أكثر قبولاً لدى الله. فإنه ليس غريبًا أن يُخطِئ البشر، إنما يكونون مستحقين التوبيخ إن كانوا لا يعرفون أنهم أخطأوا فيتواضعون أمام الله. القديس أمبروسيوس 9 فَكَلَّمَ الرَّبُّ جَادَ رَائِي دَاوُدَ وَقَالَ: 10 «اذْهَبْ وَكَلِّمْ دَاوُدَ قَائِلًا: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِدًا مِنْهَا فَأَفْعَلَهُ بِكَ». 11 فَجَاءَ جَادُ إِلَى دَاوُدَ وَقَالَ لَهُ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: اقْبَلْ لِنَفْسِكَ: 12 إِمَّا ثَلاَثَ سِنِينَ جُوعٌ، أَوْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ هَلاَكٌ أَمَامَ مُضَايِقِيكَ وَسَيْفُ أَعْدَائِكَ يُدْرِكُكَ، أَوْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَكُونُ فِيهَا سَيْفُ الرَّبِّ وَوَبَأٌ فِي الأَرْضِ، وَمَلاَكُ الرَّبِّ يَعْثُو فِي كُلِّ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ. فَانْظُرِ الآنَ مَاذَا أَرُدُّ جَوَابًا لِمُرْسِلِي». 13 فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: «قَدْ ضَاقَ بِيَ الأَمْرُ جِدًّا. دَعْنِي أَسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ، وَلاَ أَسْقُطُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ». فَقالَ الرَّبُّ لِجَادَ رَائِي دَاوُدَ: [9] "اذْهَبْ وَقُلْ لِدَاوُدَ: هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: ثَلاَثَةً أَنَا عَارِضٌ عَلَيْكَ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ وَاحِداً مِنْهَا فَأَفْعَلَهُ بِكَ". [10] فَجَاءَ جَادُ إِلَى دَاوُدَ، وَقَالَ لَهُ: "هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: اقْبَلْ لِنَفْسِكَ [11] إِمَّا ثَلاَثَ سِنِينَ جُوعٌ، أَوْ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ هَلاَكٌ أَمَامَ مُضَايِقِيكَ وَسَيْفُ أَعْدَائِكَ يُدْرِكُكَ، أَوْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَكُونُ فِيهَا سَيْفُ الرَّبِّ وَوَبَأٌ فِي الأَرْضِ، وَمَلاَكُ الرَّبِّ يَعْثُو فِي كُلِّ تُخُومِ إِسْرَائِيلَ. فَانْظُرِ الآنَ، مَاذَا أَرُدُّ جَوَاباً لِمُرْسِلِي". [12] سقط داود تحت عصا التأديب بسبب إحصاء الشعب. عصا التأديب هذه التي تطرد الحماقة من القلب، حماقة الكبرياء والاعتماد على الأعداد بدلاً من الثقة في الله، ولنتأمل الآتي: 1. لقد أدرك داود أن هذا الأمر قبيح في عيني الله [9-11]، وهذا ليس بالأمر الهَيِّن لإنسان صالح مثل داود. ينظر الرب ولا يُسَرّ بخطية شعبه، وليس هناك خطية أكثر استياء لدى الله من كبرياء القلب وعدم الثقة في الله، كذلك ليس شيء مُحزِن ومُميت لنفس مرهفة الحس أكثر من أن تكون موضع استياء الله. من النافع لنا أن نلاحظ كيف أن الله يُركِّز على أشياء مُعَيَّنة في حياة داود، فكثيرون هنا يعتبرون أن بعض المواقف خطية ومواقف أخرى إنها ليست خطية أو أنها أقل خطأً، ولكن عندما نمتثل في حضرة الله سوف نكتشف أن نظرتنا كانت خاطئة في هذا المضمار، ونعرف معنى الخطية. يجب أن نَعْلَمَ أن الخطية ليست فقط في الأفعال، أيّ الأشياء التي نعملها أو لا نعملها، بل هي أيضًا في الأفكار والنوايا، وبدراسة كلمة الله نعرف نظرته للخطية. 2. وُضِعَ أمام داود أن يختار عقوبة من ثلاث عقوبات: الحرب، المجاعة، أو الوبأ، وبذلك يسمح الله أن يذله من أجل توبته وخلاص نفسه بالأكثر وُضِعَ في موقف عسير جدًا أمام رهبة ثلاث عقوبات، بلا شك وسط ذهوله العظيم حينما فكر أيًا من الثلاثة يختار. فَقَالَ دَاوُدُ لِجَادٍ: "قَدْ ضَاقَ بِيَ الأَمْرُ جِدًّا. دَعْنِي أَسْقُطْ فِي يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّ مَرَاحِمَهُ كَثِيرَةٌ، وَلاَ أَسْقُطُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ". [13] عندما قُدِّمَت له فرصة اختيار التأديب، فضَّل الوقوع في يد الرب عن الوقوع في يد إنسانٍ، لأنه يَعْلَمُ أنه رحوم. 14 فَجَعَلَ الرَّبُّ وَبَأً فِي إِسْرَائِيلَ، فَسَقَطَ مِنْ إِسْرَائِيلَ سَبْعُونَ أَلْفَ رَجُل. 15 وَأَرْسَلَ اللهُ مَلاَكًا عَلَى أُورُشَلِيمَ لإِهْلاَكِهَا، وَفِيمَا هُوَ يُهْلِكُ رَأَى الرَّبُّ فَنَدِمَ عَلَى الشَّرِّ، وَقَالَ لِلْمَلاَكِ الْمُهْلِكِ: «كَفَى الآنَ، رُدَّ يَدَكَ». وَكَانَ مَلاَكُ الرَّبِّ وَاقِفًا عِنْدَ بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ. 16 وَرَفَعَ دَاوُدُ عَيْنَيْهِ فَرَأَى مَلاَكَ الرَّبِّ وَاقِفًا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ وَمَمْدُودٌ عَلَى أُورُشَلِيمَ. فَسَقَطَ دَاوُدُ وَالشُّيُوخُ عَلَى وُجُوهِهِمْ مُكْتَسِينَ بِالْمُسُوحِ. 17 وَقَالَ دَاوُدُ للهِ: «أَلَسْتُ أَنَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِإِحْصَاءِ الشَّعْبِ؟ وَأَنَا هُوَ الَّذِي أَخْطَأَ وَأَسَاءَ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ الْخِرَافُ فَمَاذَا عَمِلُوا؟ فَأَيُّهَا الرَّبُّ إِلهِي لِتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي لاَ عَلَى شَعْبِكَ لِضَرْبِهِمْ». جَعَلَ الرَّبُّ وَبَأً فِي إِسْرَائِيلَ، فَسَقَطَ مِنْ إِسْرَائِيلَ سَبْعُونَ أَلْفَ رَجُلٍ. [14] للخطية تأثير متسلسل، فهي تجر وراءها سلسلة من العواقب. وإذ نتذكر ما سيحلُّ علينا من عواقب تصير الخطية مُرَّة في فمنا فنرفضها. سمع داود في غضون ساعات قليلة عن سقوط سبعين ألفًا من رعيته وموتهم بالوبأ. لقد كان فخورًا بوفرة شعبه، ولكن التأديب الإلهي أخذ مجراه ليجعلهم أقل عددًا؛ فباستحقاق يؤُخذ منا ما نفتخر به فنسقط في الضعف ونشعر بمذاقه المُرِّ. فداود أصرَّ على إحصاء شعبه وقال: "اذهبوا عدوا إسرائيل وأتوا إليَّ فأَعْلَم عددهم" [2]، ولكن الله الآن يعدهم بطريقة أخرى: "فأني أُعَيِّنكم للسيف..." (أش 65: 12)، وأتوا لداود بعدد آخر وكان لإرباكه وليس لمسرَّته فهو عدَّ الذين هلكوا بسيف الملاك، وثيقة الموت السوداء التي كانت لطمة لسجل جنود داود. ارتكاب الخطية يجر وراءه سلسلة من العواقب الخطيرة؛ قُتِلَ 70,000 إنسان قبل أن يتوقَّف الوباء. كثيرًا ما تتألم الجماعة بسبب خطأ القائد، لكن في يوم الرب يُدَان كل إنسانٍ عن خطئه الشخصي. ربما يسأل أحد لماذا سمح الله بموت سبعين ألفًا من الشعب بسبب خطية داود؟ يقول القديس جيروم إنه كثيرًا ما يتساءل الإنسان، لماذا سمح الله بهلاك سبعين ألف رجل بسبب خطأ إنسانٍ واحدٍ، وهو داود؟ ولماذا سمح بهلاك كثيرين بسبب خطأ عخان بن كرمي (يش 7)؟ ولماذا تأخَّر السيد المسيح في مجيئه لخلاص العالم؟ إلخ.، يجيب بأننا نحاول أن ندافع عن الله ونُبَرِّر تصرُّفاته، لكن من هو الإنسان حتى يدرك حكمة الله وخطته: [اترك لسلطان الله السيادة على سلطانك، فهو ليس في حاجة إليك لكي تُبَرِّر تصرفاته.] يُقَدِّم لنا القديس أمبروسيوس تساؤلات كثيرة بخصوص أحكام الله. يصعب على الإنسان أن يدرك خطة الله، لأن أحكامه أسمى من أحكامنا. إنه يقول: [هل تتنازل أنت أيضًا... دع الله بسلطانه فوق ما له. إنه لا يحتاج إليك كي تُبَرِّر أعماله.] v بالحقيقة سبق فقلتُ بأن جريمة شخصٍ واحدٍ كانت سببًا في هلاك كثيرين من شعب الله، وذلك كما تَحَطَّم الشعب بسبب سرقة عاخان (يش 7)، والوباء الذي حلَّ بسبب حسد شاول (الملك 1 صم 19)، كما حلَّ الموت بسبب إحصاء الشعب بواسطة القدِّيس داود (1 صم 14؛ 1 أي 21). كنيسة الله تشبه بالعين، وكما أن ذرة من القذارة، مهما كانت صغيرة، متى سقطت على العين قد تضر البصر، هكذا بنفس الطريقة، إن ارتكب البعض، أعمالاً دنسة، مهما كان عددهم قليلاً في جسم الكنيسة، يعوقون نور الكنيسة البهي. سالفيان كاهن مارسيليا وَفِيمَا هُوَ يُهْلِكُ، رَأَى الرَّبُّ فَنَدِمَ عَلَى الشَّرِّ، وَقَالَ لِلْمَلاَكِ الْمُهْلِكِ: "كَفَى الآنَ، رُدَّ يَدَكَ!" وَكَانَ مَلاَكُ الرَّبِّ وَاقِفاً عِنْدَ بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ. [15] هنا نرى ختامًا للأمر فحالما تاب داود عاد إليه سلامه مع الله: "لقد غضبت عليَّ، ولكن غضبك زال عني"(إش 12: 1). لقد وضع الرب حدًا لتَقَدُّم الهلاك [15]، فلما تاب داود عن هذه الخطية، ندم الرب على حكم الشر وأمر الملاك المُهلِك أن يَرُدَّ يده ويَرُدَّ سيفه إلى غمده [27]، فسيف الحكم رُدَّ إلى الغمد، ولكن عند الجلجثة السيف اخترق جنب ربنا يسوع المسيح، وكما قال أحد الدارسين: "أنا دخلت إلى قلب الله خلال جرح رمح". وَرَفَعَ دَاوُدُ عَيْنَيْهِ، فَرَأَى مَلاَكَ الرَّبِّ وَاقِفًا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ، وَمَمْدُودٌ عَلَى أُورُشَلِيمَ. فَسَقَطَ دَاوُدُ وَالشُّيُوخُ عَلَى وُجُوهِهِمْ مُكْتَسِينَ بِالْمُسُوحِ. [16] كان داود يرى الملاك المُهلِك وسيفه ممدود على أورشليم [16]، وهذا سبَّب له رعبًا شديدًا، لأنه علامة غضب السماء وتهديد بإفناء تلك المدينة المحبوبة. فإذا كان منظر ملاك آتيًا في مهمة سليمة قد جعل أعظم الرجال يرتعد، فما بالك بمنظر ملاك سيفه مسلول بيده، سيف ناري كالذي للشاروبيم الذي كان مُتقلبًا لحراسة طريق شجرة الحياة. حينما نكون تحت غضب الله، تكون الملائكة الأطهار التي تفرح بخاطئ تائب ضدنا، ولكننا لا نراهم كما رأى داود. وَقَالَ دَاوُدُ لله: "أَلَسْتُ أَنَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِإِحْصَاءِ الشَّعْبِ؟ وَأَنَا هُوَ الَّذِي أَخْطَأَ وَأَسَاءَ؟ وَأَمَّا هَؤُلاَءِ الْخِرَافُ، فَمَاذَا عَمِلُوا؟ فَأَيُّهَا الرَّبُّ إِلَهِي، لِتَكُنْ يَدُكَ عَلَيَّ وَعَلَى بَيْتِ أَبِي، لاَ عَلَى شَعْبِكَ لِضَرْبِهِمْ". [17] بقول داود لله هذا، يُقَدِّم مثالاً عمليًا للحُبِّ مع التواضع. في حديث القديس أمبروسيوس عن التحرُّر من الموت، قَدَّم لنا طلبة داود النبي من الله أن تكون يده عليه وعلى بيت أبيه، وليس على الشعب مثالاً عمليًا لقبول الموت كتأديب من أجل تحرُّر النفس من الخطية. v إذ يُعَلِّمنا الرسول أن الشخص الذي يعبر من جسده يكون مع المسيح، بشرط أن يستحق هذا، فلنتأمل في طبيعة الحياة والموت. إننا نعرف من تعليم الكتاب المقدس أن الموت هو تحرُّر النفس من الجسد، كنوعٍ من الانفصال في الإنسان. فإننا نتحرَّر من هذا القيد بين النفس والجسد عندما نرحل... لقد قَدَّمَ (داود) نفسه للموت ليُكَفِّرَ عن معصيته للرب، وقَدَّم نفسه مُستعدًا أن يحتمل انتقام الله من أجل راحة شعبه المتألم. لقد عرف أنه يكون أكثر مجدًا عندما يموت من أجل المسيح عن أن يحكم في هذا العالم (كملكٍ)، فأي شيء أعظم من أن يصير الإنسان تقدمة من أجل المسيح؟ القديس أمبروسيوس قبل داود العقوبة على إثمه: "لتكن يدك عليَّ وعلى بيت أبي" [17] "أضع نفسي لعصى التأديب، فدعني أُعاني وحدي، فأنا هو الذي أخطأ وأساء وأنا هو الرأس المُذنِب التي يجب أن يُستلَّ السيف عليها". ألقى نفسه تحت رحمة الله، بالرغم من عِلْمِه أن الله كان غاضبًا منه، ولم يخطر بباله أيّ فكر رديء ضد الله، فمهما يحدث "دعني أسقط في يد الرب لأن مراحمه كثيرة جدًا" [13]. فالإنسان الصالح يفكر حسنًا من جهة الله حتى وإن عبست الدنيا في وجهه: "ولو قادني للذبح، فإني أثق فيه". لقد أظهر شعورًا واهتمامًا حنونًا من جهة شعبه، وقد وُخِزَ في قلبه حينما رآهم مضروبين من أجل تعدِّيه: "وأما هؤلاء الخراف فماذا عملوا" [17]. لم يكن من السهل أن يرى داود ملاك الرب يسحب سيفه على شعبه المحبوب لديه، وعلى مدينة أورشليم التي لها مكانها الخاص في قلبه. أما موقف داود فهو: أ. اعترف بخطيته، وسأل الرب من كل قلبه من أجل الصفح عنه [8]. اعترف أنه تصرَّف بغباوةٍ وسفَّه نفسه. ب. قبِل التأديب من يد الله على خطيته [17]، بكل خضوعٍ. ج. ألقى بنفسه على رحمة الله بالرغم من معرفته أن الله غاضب عليه [13]. د. أظهر حنوًا على شعبه، وتألم للغاية حين أدرك ما حلَّ بشعبه كان بسبب خطيته. لا نعجب إن كان الله يسمح بتأديب كثيرين بسبب خطية ارتكبها قلة قليلة، وربما شخص واحد. فإن الله يريد أن تكون كنيسته مقدسة بلا عيب. يسمح بالتأديب الجماعي المؤقت، لأنه في يوم الرب العظيم، يعطي كل واحدٍ حسابًا عن عمله الشخصي. أما هنا فالتأديب العام يسمح به الرب كعظة عملية للجميع. يرى البابا غريغوريوس (الكبير) إن شخصيات القادة ترتبط بحال الخاضعين لهم. وغالبًا ما يكونون أناسًا صالحين، لكن للأسف تتغيَّر بسبب السلطان الذي أُعطِي لهم. وكما قال صموئيل النبي لشاول الملك إن الرب يقول له: "أليس إذ كنت صغيرًا في عينيك، صرت رأس أسباط إسرائيل، ومسحك الرب ملكًا على إسرائيل" (1 صم 15: 17). v رعى داود قطيع أبيه، فأُخِذَ من القطيع ليرعى شعبه. "فرعاهم حسب كمال قلبه، وبمهارة يديه هداهم" (مز 78: 72). وعندما أحصى داود عدد قطيعه، حلَّ الغضب عليهم، وبدأوا يهلكون. عندئذ سَلَّم داود نفسه لحساب قطيعه عندما صَلَّى، قائلاً: "ها أنا أخطأت، وأنا أذنبت، وأما هؤلاء الخراف، فماذا عملوا؟ فلتكن يدك عليَّ وعلى بيت أبي" (2 صم 24: 17). هكذا أيضًا اعتاد كل الرعاة الساهرين أن يبذلوا أنفسهم لحساب قطيعهم. القديس أفراهاط تواضع المسيح نفسه، ومن يتبع تواضع المسيح ينال الراحة في المسيح. v هكذا بتواضعه صار (داود) أكثر قبولاً لدى الله، فإنه ليس بالأمر الغريب أن يُخطِئ الشعب، لكنهم يُلامون إن كانوا لا يدركون أنهم أخطأوا فلا يتواضعون أمام الله. القديس أمبروسيوس هذا الرجل عَيْنُه يقول لله: "ارحمني يا الله كعظيم رحمتك، ومثل كثرة رأفتك امح إثمي" (مز 51: 1–17). اغسلني كثيرًا من إثمي، ومن خطيّتي طَهِّرني، لأني أنا عارف بإثمي وخطيّتي أمامي في كل حين. لك وحدك أخطأت، والشرّ قدّامك صنعت، لكي تتبرَّر في أقوالك، وتغلب إذا حوكمت. لأني هأنذا بالإثم حُبل بي، وبالخطايا ولدتني أمي. لأنك هكذا قد أحببت الحق، إذ أوضحت لي غوامض حكمتك ومستوراتها. تنضح عليَّ بزوفاك فأطهر، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج. تسمعني سرورًا وفرحًا، فتبتهج عظامي المتواضعة. اصرف وجهك عن خطاياي، وامح كل آثامي. قلبًا نقيًا اخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدِّده في داخلي. لا تطرحني من قُدَّام وجهك، وروحك القدوس لا تنزعه مني. امنحني بهجة خلاصِك، وبروحك الرئاسي (القيادي) قوِّني. فأُعلِّم الأثمّة طرقك، والمنافقون إليك يرجعون، نجِّني من الدماء يا الله إله خلاصي، فيبتهج لساني بعدلك. يا رب افتح شفتي، فيُخبِر فمي بتسبيحك. لأنك لو آثرت الذبيحة لكنتُ الآن أعطي، ولكنَّك لا تُسَرُّ بالمُحرَقات. فالذبيحة لله روح منسحق، القلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله. القديس إكليمنضس الروماني 5. تشييد مذبح في بيدر أرنان 18 فَكَلَّمَ مَلاَكُ الرَّبِّ جَادَ أَنْ يَقُولَ لِدَاوُدَ أَنْ يَصْعَدَ دَاوُدُ لِيُقِيمَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ. 19 فَصَعِدَ دَاوُدُ حَسَبَ كَلاَمِ جَادَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ بِاسْمِ الرَّبِّ. 20 فَالْتَفَتَ أُرْنَانُ فَرَأَى الْمَلاَكَ. وَبَنُوهُ الأَرْبَعَةُ مَعَهُ اخْتَبَأُوا، وَكَانَ أُرْنَانُ يَدْرُسُ حِنْطَةً. 21 وَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى أُرْنَانَ. وَتَطَلَّعَ أُرْنَانُ فَرَأَى دَاوُدَ، وَخَرَجَ مِنَ الْبَيْدَرِ وَسَجَدَ لِدَاوُدَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. 22 فَقَالَ دَاوُدُ لأُرْنَانَ: «أَعْطِنِي مَكَانَ الْبَيْدَرِ فَأَبْنِيَ فِيهِ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ. بِفِضَّةٍ كَامِلَةٍ أَعْطِنِي إِيَّاهُ، فَتَكُفَّ الضَّرْبَةُ عَنِ الشَّعْبِ». 23 فَقَالَ أُرْنَانُ لِدَاوُدَ: «خُذْهُ لِنَفْسِكَ، وَلْيَفْعَلْ سَيِّدِي الْمَلِكُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. اُنْظُرْ. قَدْ أَعْطَيْتُ الْبَقَرَ لِلْمُحْرَقَةِ، وَالنَّوَارِجَ لِلْوَقُودِ، وَالْحِنْطَةَ لِلتَّقْدِمَةِ. الْجَمِيعَ أَعْطَيْتُ». 24 فَقَالَ الْمَلِكُ دَاوُدُ لأُرْنَانَ: «لاَ! بَلْ شِرَاءً أَشْتَرِيهِ بِفِضَّةٍ كَامِلَةٍ، لأَنِّي لاَ آخُذُ مَا لَكَ لِلرَّبِّ فَأُصْعِدَ مُحْرَقَةً مَجَّانِيَّةً». 25 وَدَفَعَ دَاوُدُ لأُرْنَانَ عَنِ الْمَكَانِ ذَهَبًا وَزْنُهُ سِتُّ مِئَةِ شَاقِل. 26 وَبَنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ، وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، وَدَعَا الرَّبَّ فَأَجَابَهُ بِنَارٍ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ. 27 وَأَمَرَ الرَّبُّ الْمَلاَكَ فَرَدَّ سَيْفَهُ إِلَى غِمْدِهِ. 28 فِي ذلِكَ الْوَقْتِ لَمَّا رَأَى دَاوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَجَابَهُ فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ ذَبَحَ هُنَاكَ. 29 وَمَسْكَنُ الرَّبِّ الَّذِي عَمِلَهُ مُوسَى فِي الْبَرِّيَّةِ وَمَذْبَحُ الْمُحْرَقَةِ كَانَا فِي ذلِكَ الْوَقْتِ فِي الْمُرْتَفَعَةِ فِي جِبْعُونَ. 30 وَلَمْ يَسْتَطِعْ دَاوُدُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَمَامِهِ لِيَسْأَلَ اللهَ لأَنَّهُ خَافَ مِنْ جِهَةِ سَيْفِ مَلاَكِ الرَّبِّ. فَكَلَّمَ مَلاَكُ الرَّبِّ جَادَ أَنْ يَقُولَ لِدَاوُدَ أَنْ يَصْعَدَ دَاوُدُ، لِيُقِيمَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ. [18] صدرت التعليمات لداود بأن يبني مذبحًا للرب في بيدر أُرنان [18]، وقد أمر الملاك جاد النبي بأن يأتي بهذه التعليمات إلى داود. فنفس الملاك الذي نَفَّذَ الحرب باسم الرب، هنا يأتي بالخطوة المؤدية إلى السلام. لأن الملائكة لا تريد لنا الحزن. كان في الإمكان أن يأتي الملاك بهذه التعليمات لداود مباشرةً، ولكنه أتى بها عن طريق الرائي، لكي ما يُظهِرُ شرف الأنبياء. وكذلك إعلان يسوع المسيح أعطاه الله ليوحنا الرسول بيد ملاك، ومنه إلى الكنائس. وكانت التعليمات لداود بإقامة المذبح رمزًا مباركًا للمصالحة، فإنه لو كان الله يُسَرُّ بموته لما قبل الذبيحة من يديه. على جبل المرايا التقت النعمة بالبرِّ. v لاحظوا يا إخوة، إنه لا يوجد مكان في أرض اليهود يستحق أن يُقَام فيه هيكل الرب، إنما في أرض الأمم يوجد موضع مُختَار، حيث نُظِرَ الملاك بُنِيَ المذبح، وبهذا هدأ غضب الرب. وهذا يرمز إلى أن قلوب اليهود لم توجد مُؤهلة كي يُقَدَّم فيها ذبائح، إنما أرض الأمم؛ أي ضمير المسيحيين يُختَار كمكان لهيكل الرب. هذا ما يشير إليه الرسول بوضوح عندما وَبَّخ اليهود، قائلاً: "كان يجب أن تكلموا أنتم أولاً بكلمة الله، ولكن إذ دفعتموها عنكم وحكمتم أنكم غير مستحقين للحياة الأبدية، هوذا نتوجَّه إلى الأمم" (أع 13: 46)... هذا هو السبب أن ملاك الرب وقف في بيدر الملك الأممي، فإن الملاك الحقيقي، المسيح افتقد شعب الأمم. الأب قيصريوس أسقف آرل القديس جيروم فَالْتَفَتَ أُرْنَانُ فَرَأَى الْمَلاَكَ. وَبَنُوهُ الأَرْبَعَةُ مَعَهُ اخْتَبَأُوا، وَكَانَ أُرْنَانُ يَدْرُسُ حِنْطَةً. [20] أسرع داود يعمل اتفاقًا مع أرنان لأجل البيدر لأنه لا يخدم الله على حساب الآخرين، مع أن أرنان قَدَّمَه له مجانًا، ليس فقط لأجل اللطف قبالة الملك، بل لأنه رأى الملاك [20]، الأمر الذي أثار الرعب فيه مع أولاده الأربعة واختبأوا جميعًا. لأنهم لم يحتملوا بهاء مجده، وخافوا من سيفه المسلول. خوفه من الشر المرتقب جعله مستعدًا أن يعمل أيّ شيء من أجل التكفير، فكل الذين عندهم إحساس مرهف بخوف الله يُعَزِّزون التوبة، ويُشَجِّعون كل طرق المصالحة لأجل ردِّ غضب الله. وَجَاءَ دَاوُدُ إِلَى أُرْنَانَ. وَتَطَلَّعَ أُرْنَانُ، فَرَأَى دَاوُدَ وَخَرَجَ مِنَ الْبَيْدَرِ وَسَجَدَ لِدَاوُدَ عَلَى وَجْهِهِ إِلَى الأَرْضِ. [21] فَقَالَ دَاوُدُ لارْنَانَ: "أَعْطِنِي مَكَانَ الْبَيْدَرِ، فَأَبْنِيَ فِيهِ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ. بِفِضَّةٍ كَامِلَةٍ أَعْطِنِي إِيَّاهُ، فَتَكُفَّ الضَّرْبَةُ عَنِ الشَّعْبِ". [22] فَقَالَ أُرْنَانُ لِدَاوُدَ: "خُذْهُ لِنَفْسِكَ، وَلْيَفْعَلْ سَيِّدِي الْمَلِكُ مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْهِ. انْظُرْ. قَدْ أَعْطَيْتُ الْبَقَرَ لِلْمُحْرَقَةِ، وَالنَّوَارِجَ لِلْوَقُودِ، وَالْحِنْطَةَ لِلتَّقْدِمَةِ. الْجَمِيعَ أَعْطَيْتُ". [23] فَقَالَ الْمَلِكُ دَاوُدُ لأرْنَانَ: "لاَ! بَلْ شِرَاءً أَشْتَرِيهِ بِفِضَّةٍ كَامِلَةٍ، لأَنِّي لاَ آخُذُ مَا لَكَ لِلرَّبِّ، فَأُصْعِدَ مُحْرَقَةً مَجَّانِيَّةً". [24] المُحرَقة هنا تعني تقديم القلب بكامله لله، أيضًا تقديم الوقت أو المال أو ما نملكه. لذا أراد داود أن يُقَدِّم كل شيءٍ من ماله، وليس من مال الغير. v قَدَّم أرونة للطوباوي داود البيدر والثور كذبيحة مُحرَقة، لكن الملك داود رفض أن يقبلهما ما لم يدفع أولاً الثمن. هذا أيضًا تحقق عند مجيء ربنا ومخلصنا، إذ رفض أن يأخذ قلوب الأمم لنفسه ما لم يدفع دمه الثمين عنهم, الأب قيصريوس أسقف آرل ذكر سفر صموئيل أن ثمن الثيران والبيدر بسيط جدًا، لذلك دفع داود 50 شاقل من الفضة (2 صم 24: 24)، أما سفر الأخبار هنا فواضح أن داود قد قام بشراء المكان كله (Hebrew hammaqom) والذي يتضمن كل منطقة جبل الموريا، لذلك دفع 600 شاقل ذهب. وقد يكون شراء هذه المنطقة الكبيرة قد أتى في مرحلة تالية، وذلك بعد القيام بشراء بيدر الحنطة والثيران التي استخدمها داود في الذبيحة الأولى. ولعل الفارق بين الشراء الأول والثاني يفسر لنا لماذا عرض أرونا في المقدمة أن يعطي داود بيدر الحنطة. فمن الصعب أن نفترض إنه كان في مركز يسمح له بإعطاء كل جبل موريا، وإنما يعطي البيدر فقط. وَبَنَى دَاوُدُ هُنَاكَ مَذْبَحاً لِلرَّبِّ، وَأَصْعَدَ مُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ، وَدَعَا الرَّبَّ، فَأَجَابَهُ بِنَارٍ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى مَذْبَحِ الْمُحْرَقَةِ. [26] رفض الملك داود أن يأخذ بيدر أُرنان اليبوسي، ليُقِيمَ فيه مذبحًا مجَّانًا، فإنه لا يُقَدِّم للرب ما هو من مال الآخرين. أظهر الله قبوله لتقدمات داود على هذا المذبح، "فأجابه بنار من السماء" [26]. فالدليل على رفع غضب الله عنه هو أنه بدل أن تستقر النار بعدل على الخاطئ، استقرت على الذبيحة وأكلتها، وتلا ذلك رد السيف المُهلِك إلى غمده. وكذلك المسيح جُعِلَ خطية ولعنة من أجلنا، لأن الرب سُرَّ أن يسحقه لكي ما يكون الله لنا من خلاله ليس نارًا آكلة بل أبًا مُتصالِحًا. وَأَمَرَ الرَّبُّ الْمَلاَكَ، فَرَدَّ سَيْفَهُ إِلَى غِمْدِهِ. [27] فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمَّا رَأَى دَاوُدُ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَجَابَهُ فِي بَيْدَرِ أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ، ذَبَحَ هُنَاكَ. [28] استمر داود في تقديم ذبائحه على هذا المذبح، فمذبح النحاس الذي أقامه موسى كان في ذلك الوقت في المرتفعة في جبعون [29]، وكانت ذبائح إسرائيل تُقَدَّم هناك. ولكن داود خاف من جهة نظره سيف الملاك، حتى أنه لم يستطع أن يذهب إلى جبعون ليسأل الله [30]، فالأمر استدعى العجلة عندما بدأ الوبأ. فكان يلزم أن يُسرِعَ هارون بل يجري لكي يصنع تكفيرًا (عد 16: 46- 47). والحالة هنا لم تكن أقل طلبًا للعجلة، فالوقت لم يسمح لداود، لئلا تأتي الضربة القاضية قبل رجوعه. ولذلك أمره الله، شفقةَ منه عليه، أن يُقِيم مذبحًا في ذاك المكان، ومنحه الله حلاً من شريعته الخاصة بالمذبح الواحد بسبب المحنة الحاضرة، وسمح برفع الذبائح على هذا المذبح الذي لم يقم مضادًا للذي في جبعون ولكن مُلازِمًا له، فشعارات الوحدة لم يُصدُّ عليها مثل الوحدة نفسها، وحتى بعد مرور المحنة الحالية (كما هو ظاهر) استمر داود في تقديم الذبائح هنا بالرغم من استمرارية المذبح الذي في جبعون، لأن الله اعتمد الذبائح المقدمة على المذبح الذي في بيدر أُرنان وأقر قبوله لها [28]. وَمَسْكَنُ الرَّبِّ الَّذِي عَمِلَهُ مُوسَى فِي الْبَرِّيَّةِ، وَمَذْبَحُ الْمُحْرَقَةِ كَانَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي الْمُرْتَفَعَةِ فِي جِبْعُونَ. [29] اختار الله موقع بيدر أُرنان اليبوسي على جبل المريا حيث المكان الذي أمر الله إبراهيم أن يُقَدِّمَ ابنه ذبيحة، ناظرًا إلى وقت ذبائح الهيكل، وأخيرًا ذبيحة حمل الله الذي يغفر خطايا العالم. فداود بنى هذا المذبح حيث سيُبْنَى الهيكل وتُقَدَّم ذبيحة، وهذا هو الموضع الذي يجتمع فيه الله مع شعبه وأصبح الآن مكان الذبيحة. أقام داود هذا المذبح، وقَدّم ذبيحة مُحرَقة، وهي تُشير إلى شخص المسيح، ثم قَدَّم ذبيحة سلامة، وهذه أيضًا تُشير إلى المسيح سلامنا. فالمسيح صنع سلامًا بسفك دمه على الصليب وهو سلامنا، وهو الذي رُشَّ دمه على كرس الرحمة لأجلنا. وهو رئيس كهنتنا الأعظم، وقد صعد إلى السماوات وهو قائم عن يمين الآب، فليس هناك وصول إلى الآب إلاَّ خلال ربنا يسوع المسيح وسيط العهد. أدرك داود هذا بروح النبوات، وقَدَّم ذبيحة المُحرَقة وذبيحة السلامة لله. وَلَمْ يَسْتَطِعْ دَاوُدُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أَمَامِهِ لِيَسْأَلَ الله، لأَنَّهُ خَافَ مِنْ جِهَةِ سَيْفِ مَلاَكِ الرَّبِّ. [30] هاتان الآياتان [29-30] تُفَسِّران سبب نقل تلك العبادة إلى أورشليم من جبعون، حيث كان المسكن الذي كانوا يسألون الرب أمامه (1 أخ 16: 39-40؛ خر 29: 42)[22]. ما يشغل الكاتب هنا أن هذه التجربة مرتبطة باختيار موقع الهيكل الذي يبنيه سليمان بن داود (1 أي 21: 18؛ 2 أي 1؛ تك 22: 2). لا تُدخِلنا في التجربة v إلهي، ترتعب نفسي لئلا تسقط في الضعف! داود الذي يسلك حسب قلبك، خدعه الشيطان، فتجاهل إلى حين عنايتك به، وبعث برئيس جيشه ليُحصِي القادرين على الحرب! تُرَى هل نسى يوم وقف أمام جليات الجبار، وهو صبي لا يحمل إلا مقلاعًا؟! احفظني من أفكار إبليس وخداعاته. احمني بنعمتك، فلا أنحرف يمينًا أو يسارًا. v لم يحتمل داود أن يرى شعبه يُبَاد بسبب خطيته. من أعماق قلبه طلب أن تسقط العقوبة عليه وعلى بيت أبيه. نظرتَ إلى صرخات قلبه ودموعه. تطلَّعتَ إلى قلبه المُحب لشعبه، أكثر من حُبِّه لنفسه وبيت أبيه. أعطني قلب داود ونصيبين من روحه! لا أطلب في أنانية من أجل نفسي وعائلتي، بل أطلب من أجل كل الشعب، بل وكل البشر. فرِّح قلبي بخلاص الكثيرين. متى أُرافِقك في حُبِّك للبشرية؟ فأتطلَّع على الدوام على صليبك. وأترقَّب في رجاء، أن تصير الأرض وملؤها لك يا مُخَلِّص العالم! |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191836 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الايمان والاعمال (( فَآمَنَ إِبْرَاهِيمُ بِاللهِ فَحُسِبَ لَهُ بِرًّا وَدُعِيَ خَلِيلَ اللهِ )) (يعقوب 2: 23) بولس يقول: (( الَّذِينَ هُمْ مِنَ الإِيمَانِ أُولئِكَ هُمْ بَنُو إِبْرَاهِيمَ )) (غلاطية 3: 7) ولكن إيمان إبراهيم تجلى في أعماله إذ يقول الكتاب: (( أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ ؟ فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ )) (يعقوب 2: 21،22). إن كثيرين لا يفهمون العلاقة الكائنة بين الأعمال والإيمان، فهم يقولون عليك فقط أن تؤمن بالمسيح فتكون في أمان، ولا شأن لك بحفظ الناموس. ولكن الإيمان الحقيقي يتجلى في الطاعة. قال المسيح لليهود غير المؤمنين: (( لَوْ كُنْتُمْ أَوْلاَدَ إِبْرَاهِيمَ ، لَكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَعْمَالَ إِبْرَاهِيمَ ! )) (يوحنا 8: 39) أما فيما يختص بأبي المؤمنين فالله يعلن قائلاً: (( إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ لِقَوْلِي وَحَفِظَ مَا يُحْفَظُ لِي: أَوَامِرِي وَفَرَائِضِي وَشَرَائِعِي )) (تكوين 26: 5) والرسول يعقوب يقول: (( هكَذَا الإِيمَانُ أَيْضًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَعْمَالٌ، مَيِّتٌ فِي ذَاتِهِ )) (يعقوب 2: 17) ويوحنا الذي يتكلم كثيرا عن المحبة يقول لنا (( هذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ )) (1يوحنا 5: 3). وعن طريق الرمز والوعد نرى أن الله: (( ... سَبَقَ فَبَشَّرَ إِبْرَاهِيمَ )) (غلاطية 8:3). وكان إيمان إبراهيم مُثبتاً ومُرّكزاً في الفادي الآتي، قال المسيح لليهود: (( أَبُوكُمْ إِبْرَاهِيمُ تَهَلَّلَ بِأَنْ يَرَى يَوْمِي فَرَأَى وَفَرِحَ )) (يوحنا 8: 56) إن الخروف الذي قُدِّم عوضاً عن إسحاق كان يرمز إلى ابن الله الذي كان سيقدم ذبيحة عوضا عنا، إن الإنسان إذ قد حكم عليه بالموت بسبب عصيانه لشريعة الله، فالآب إذ نظر إلى ابنه قال للخاطئ: عش (( قَدْ وَجَدْتُ فِدْيَةً )). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191837 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() أنتم نور العالم 16فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. متى 5: 16 لا يوجد نور آخر أشرق أو سيشرق على الإنسان الخاطيء إلاّ ذلك النور المنبثق من المسيح. فيسوع المخلص هو النور الوحيد الذي يمكن أن ينير ظلمة العالم الذي وضع في الخطية. لقد جاء عن المسيح: فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس (يوحنا 1: 4). فإذ أخذ التلاميذ من حياته أمكنهم أن يصيروا حاملي النور. إنّ حياة المسيح في النفس ومحبته الظاهرة في الخلُق جعلتهم نوراً للعالم. إنّ البشرية لا يوجد في ذاتها نور. فبدون المسيح نحن نشبه شمعة مطفأة, وكالقمر عندما يحول وجهه بعيداً عن الشمس, لا توجد فينا شعاعة واحدة من النور نلقيها على ظلمة العالم. ولكن إذ نتجه إلى شمس البرّ. ونتصل بالمسيح فالنفس كلها تستنير ببهاء نور الحضور الإلهي. يجب على اتباع المسيح أن يكونوا أكثر من نور في وسط الناس. فهو نور العالم. يقول يسوع لكل من يُسمّون اسمه: لقد سلّمتم أنفسكم لي وأنا أعطيتكم للعالم نوابا عنّي. وكما أرسله الآب إلى العالم يقول هو: أرسلتهم أنا إلى العالم (يوحنا 17: 18). وكما أنّ المسيح هو القناة لإعلان الآب كذلك يجب أن نكون نحن قناة أو واسطة إعلان المسيح. وفى حين أن مخلصنا هو مصدر النور العظيم فلا تنس أيها المسيحي أنه يعلن عن طريق البشر. فبركات الله تُوزّع بوسائل بشرية. لقد أتى المسيح نفسه إلى العالم كابن الإنسان. فينبغي أنّ الطبيعة البشرية, متحدة بطبيعة اللاهوت, تلامس البشرية. إنّ كنيسة المسيح, كل فرد من تلاميذ المسيح, هو المجرى الذي عينته السماء لإعلان الله للناس. وملائكة المجد ينتظرون ليوصلوا عن طريقكم نور السماء وقوّتَها للنفوس الموشكة على الهــلاك. فهل يخفق العامـل البشرى في إتمام العمل الموكل إليه؟ آه, إلى هذه الدرجة يُسلَب العالم من قوة الروح القدس الموعود بها! ولكن يسوع لم يأمر تلاميذه قائلا: جاهدوا لتجعلوا نوركم يضيء بل قال: ليضيء. فان كان المسيح يسكن في القلب فمن المستحيل إخفاء نور حضوره. وان لم يكن المعترفون بأنّهم اتباع المسيح نوراً للعالم فالسبب هو أنّ القوة الحيوية قد تركتهم, وإنْ لم يكن عندهم نور ليعطوه فسببُ ذلك عدمُ وجود صلة بينهم وبين نبع النور. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191838 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() لا يوجد نور آخر أشرق أو سيشرق على الإنسان الخاطيء إلاّ ذلك النور المنبثق من المسيح. فيسوع المخلص هو النور الوحيد الذي يمكن أن ينير ظلمة العالم الذي وضع في الخطية. لقد جاء عن المسيح: فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس (يوحنا 1: 4). فإذ أخذ التلاميذ من حياته أمكنهم أن يصيروا حاملي النور. إنّ حياة المسيح في النفس ومحبته الظاهرة في الخلُق جعلتهم نوراً للعالم. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191839 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() إنّ البشرية لا يوجد في ذاتها نور. فبدون المسيح نحن نشبه شمعة مطفأة, وكالقمر عندما يحول وجهه بعيداً عن الشمس, لا توجد فينا شعاعة واحدة من النور نلقيها على ظلمة العالم. ولكن إذ نتجه إلى شمس البرّ. ونتصل بالمسيح فالنفس كلها تستنير ببهاء نور الحضور الإلهي. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 191840 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يجب على اتباع المسيح أن يكونوا أكثر من نور في وسط الناس فهو نور العالم. يقول يسوع لكل من يُسمّون اسمه: لقد سلّمتم أنفسكم لي وأنا أعطيتكم للعالم نوابا عنّي. وكما أرسله الآب إلى العالم يقول هو: أرسلتهم أنا إلى العالم (يوحنا 17: 18). وكما أنّ المسيح هو القناة لإعلان الآب كذلك يجب أن نكون نحن قناة أو واسطة إعلان المسيح. |
||||