منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 20 - 04 - 2024, 04:48 PM   رقم المشاركة : ( 158231 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,385,837

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






آلام الرب يسوع المسيح

بعد أن جاهدت الكنيسة الجهاد الحسن خلال الصيام الأربعيني، وصلنا إلى أسبوع الآلام، فعشناه مع بعضنا بعضاً خطوة خطوة، وذكّرتنا القراءات من الكتاب المقدس بمواقف السيد المسيح، وإنبائه بأن الآلام آتية، وابن الإنسان يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيراً، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ. وَقَالَ الْقَوْلَ عَلاَنِيَةً.



وأكّد متّى الإنجيلي ما قاله مرقس، أن يسوع أظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم، وعندما كان يشرح لتلاميذه قول الكتبة بأن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً، بيّن بأن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الإنسان أيضاً سوف يتألّم منهم. وحتى بعد قيامته عندما مشى يسوع الناهض من بين الأموات مع التلميذين وكانا منطلقين إلى عمّاوس، وقد أُمسِكَت أعينهما عن معرفته، وبعد أن شرحا له ما وقع في أورشليم من أحداثٍ ليسوع الناصري الذي بحسب وصفهما: كان إنساناً نبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب، وقد استغربا كيف أن رؤساء الكهنة وحكّامهم قد أسلموه لقضاء الموت، وصلبوه، كان جواب الرب لهما: أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ. أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ.



ثم تأتي شهادة لوقا البشير وابتدأ يفسّر لهما من موسى ومن جميع الأنبياء الأمور المختصة في جميع الكتب، وكأنه يؤكّد على أن الآلام التي تحمَّلها كانت محتَّمةً، وهذه شهادة صادقة تأتي من الأنبياء بدءاً من موسى، في حقيقة الآلام.



وأدّت هذه الآلام إلى أن يجثو يسوع على ركبتيه، ويصلّي في جبل جثسيماني صلاةً، عبّرت عن عمق هذا الألم قائلاً: يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. كان يتحدّث عن مرارة الكأس، أي عن المرحلة التي سبقت الموت، وكان يرسم حدود ذبيحة الصليب بدقةٍ لتبلغَ مواصفاتها كفديةٍ لدى الآب وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ. ورغم أن نفسه نازعته نِزاع الموت مرّاتٍ ومرّات، وقطرات الدمِ النازلةِ على الأرض كانت قمّة آلامِ الفداء، ولكن رغم كلِّ هذا سلّم كل شيءٍ إلى إرادةِ الآب، وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ.



مرحلة الألم التي سبقت الصلب والموت لا تقلّ أهمّيةً عن المراحل الأخرى، وقد شرحها لنا معلّمنا بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين، إذ قال: الَّذِي، فِي أَيَّامِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طِلْبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ. مَعَ كَوْنِهِ ابْناً تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ. وَإِذْ كُمِّلَ صَارَ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُ سَبَبَ خَلاَصٍ أَبَدِيٍّ. هذه الصرخات التي اقترنت بالدموع، والطلبات، والتضرعات، هي في الحقيقة صرخاتنا ودموعنا، وتوسّلاتنا وطلباتنا وتضرّعاتنا، لأن يسوع المسيح عندما تجسّد أراد أن يحمل كل أوجاعنا وآلامنا، وعندما تألّم تألّم من أجلنا.
 
قديم 20 - 04 - 2024, 04:49 PM   رقم المشاركة : ( 158232 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,385,837

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



تكلّلت الآلام بالصلب والإنجيليون الأربعة: متى ومرقس ولوقا ويوحنا يتحدثون عن صلب يسوع المسيح. الأول يقول: وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا، إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَانْزِلْ عَنِ الصَّلِيبِ… إِنْ كَانَ هُوَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ فَلْيَنْزِلِ الآنَ عَنِ الصَّلِيبِ فَنُؤْمِنَ بِهِ. أمّا الثاني فيكتب: وَلَمَّا صَلَبُوهُ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ مُقْتَرِعِينَ عَلَيْهَا مَاذَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ. وَكَانَتِ السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ فَصَلَبُوهُ… وَصَلَبُوا مَعَهُ لِصَّيْنِ وَاحِداً عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ. أمّا لوقا البشير فيرسم صورة الصلب بريشة رائعة ويقول لنا، بينما كان اليهود يلجّون بأصوات عظيمة طالبين أن يُصلَب، مضوا به إلى الموضع الذي يدعى الجمجمة، صلبوه هناك مع المذنبين واحداً عن يمينهِ والآخر عن يساره. وأخيراً يتحدّث يوحنا الرّائي عن الموضع الذي يقال له موضع الجمجمة ويُقال له بالعبرانية الجلجثة: حَيْثُ صَلَبُوهُ وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ. وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَاناً وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ.



إذاً صفحة الآلام تلاها الصلب الذي شهد له الإنجيليون الأربعة، وكتبوا عنه رغم أن بيلاطس بذل قصارى جهده في سبيل إقناع الجمهور بعدم صلبه، ولكن جمهور اليهود منعوا الوالي عن التحلّي بضميره الطاهر والعمل بموجب إنسانيته، وكرّروا صراخهم: اصلبه، اصلبه، دمه علينا وعلى أولادنا. ولا نستغرب أن يكون وقتئذٍ بين من كان يصرخ مع الجمهور: اصلبه اصلبه، كان أيضاً يصرخ مع الجموع يوم الأحد ليسوع مع أطفال أورشليم: أوشعنا لابن داود. والمسيحيون يؤمنون بأن الرب يسوع فعلاً وحقيقةً هو الذي رُفِعَ على الصليب، كما أنه هو هو الذي تحمّل كل الآلام والإهانات من قِبل رؤساءِ الكهنة. وعملية الصلب كانت عادة فينيقية الأصل أدخلها الإسكندر الكبير إلى بلاد اليهود، لكنّهم لم يمارسوها إلاّ نادراً حتى أنّه يُروى أن هيرودس الكبير مع كل إجراءاته الوحشية أبَى استعمالها، أمّا الرومان فعاقبوا بها المحتقرين فقط كالأجانب والعبيد، أمّا نحن في المسيحية فقد تبعنا قسطنطين الكبير الذي ألغى هذا النوع من العقوبات.


 
قديم 20 - 04 - 2024, 04:50 PM   رقم المشاركة : ( 158233 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,385,837

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



موت الرب يسوع

وبعد الصلب يأتي الموت، ونحن المسيحيين نردّد في قانون الإيمان النيقاوي: وصار إنساناً، وصُلِبَ عوضاً عنّا في عهد بيلاطس البنطي، تألّم ومات. ويسوع كان يعلم أن كلّ شيء يمكن أن يفكّر به التلاميذ ما عدا أن يموت أمامهم، وهو الذي فتح عيون العميان، وجعل العرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يُبَشَّرُونَ.



لهذا نرى يسوع المسيح يُعدِّهم لتلك الساعة أي ساعة الموت، فبعد أن اعترف بطرس الرسول بأن يسوع المسيح هو المسيح ابن الله، قال لهم: أنّ ابن الإنسان بعد أن يتألّم يُقتََل. وهذا كان أوّل إنباءٍ بموته، والمرة الثانية كانت بعد التجلّي، عندما صعد بهم إلى جبلٍ عالٍ، وتغيَّرت هيئته قدّامهم وظهر لهم إيليا مع موسى، وكانا يتكلّمان مع يسوع. وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم ألاّ يحدّثوا أحّداً بما أبصروا إلاّ متى قام ابن الإنسان من الأموات، فحفظوا الكلمة لأنفسهم يتساءلون: ما هو القيام من بين الأموات، ومرة ثالثة أنبأهم يسوع بموته عندما تشاور رؤساء الكهنة والفريسيون في أمر هذا الإنسان الذي يعمل آيات كثيرة وجاءت الفكرة: أنّه خيرٌ لنا أن يموت إنسانٌ واحدٌ عن الشعب، ولا تهلك الأمة كلها. ولم يقل هذا من نفسه بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبّأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة. وفي السياق ذاته أشار يسوع إلى الاثني عشر عندما كان صاعداً إلى أورشليم، بأن كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان سيتم، لأنه يُسلَّم إلى الأمم، ويُستهزأ به، ويُشتَم، ويُتفل عليه، ويجلدونه، ويقتلونه.



لقد تأكد خصومه أن موته كان حقيقة، فقائد المئة لما رأى يسوع وقد أسلم الروح مجّد الله قائلاً: بِالْحَقِيقَةِ كَانَ هَذَا الإِنْسَانُ بَارّاً. وجاء دور يوسف الرامي الذي لم يكن موافقاً لرأي اليهود وعملهم، وكان مشيراً ورجلاً صالحاً باراً، فذهب إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع لأنه مات، وأنزله ولفّه بكتانٍ نقيٍّ، ووضعه في قبر منحوت جديد كان قد نحته في الصخرة، ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى. وقد شهدت نساء كنَّ قد أتين معه من الجليل، ونظرن القبر وكيف وضع الجسد. إن رسل السيد المسيح وجدوا في موته أصعب أمرٍ عليهم، وكانوا يتمنّون أن ينكروا ذلك قائلين: أن سيدهم لم يمت، ثبت موته عندهم لدرجة جعلتهم لا يصدقون قيامته حتى بعد شهادات مكررة لا بل حتى بعدما وقف هو في وسطهم فظنّوه خيالاً، والبرهان الأقوى على موته ودفنه هو أنه في الغد الذي بعد الاستعداد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلى بيلاطس قائلين: يَا سَيِّدُ قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ. إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ لِئَلا يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ. فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِالْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ. فكلّ هذه الأدلة تبيّن بأن المسيح حقاً تألّم ومات ودفن.
 
قديم 20 - 04 - 2024, 04:51 PM   رقم المشاركة : ( 158234 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,385,837

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



القيامة المظفرة

ويبقى موضوع القيامة أساس إيماننا، وهو المحور لكل الأحداث الإنجيلية التي نذكرها ونقف عندها. إنّ معلمنا بولس الرسول وقف عند القيامة في رسالته الأولى الموجّهة إلى أهل كورنثوس، عندما تحدّث عن الذين يعتمدون من أجل الأموات، فتساءل: إِنْ كَانَ الأَمْوَاتُ لاَ يَقُومُونَ الْبَتَّةَ فَلِمَاذَا يَعْتَمِدُونَ مِنْ أَجْلِ الأَمْوَاتِ. وَلِمَاذَا نُخَاطِرُ نَحْنُ كُلَّ سَاعَةٍ. وأمام هذا التساؤل شرح قيامة الأجساد بعد أن ميّز بين أجسام سماوية وأجسام أرضية، وأن مجد السماويات شيء ومجد الأرضيات آخر. هكذا أيضاً قيامة الأموات يُزرع في فسادٍ ويُقام بعدم فساد. يُزرع في هوانٍ ويُقام في مجدٍ، يُزرع في ضَعفٍ ويُقام في قوة، يزرع جسماً حيوانياً ويُقام جسماً روحانياً، إلى أن يقول: هُوَذَا سِرٌّ أَقُولُهُ لَكُمْ: لاَ نَرْقُدُ كُلُّنَا وَلَكِنَّنَا كُلَّنَا نَتَغَيَّر. وقد بلغ بولس الرسول إلى ذروة فكره المتألّق في سرّ القيامة عندما طرح سؤالاً نقلاً عن قومٍ بين أهل كورنثوس مفاده أن ليس قيامة أموات، فكانت عبارته الشهيرة: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قِيَامَةُ أَمْوَاتٍ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ! وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلَةٌ كِرَازَتُنَا وَبَاطِلٌ أَيْضاً إِيمَانُكُمْ. وبعد أن شرح لأهل كورنثوس في أن الذي لا يقول بقيامة المسيح يُعَد بين شهود زور لله. أكّد مرّة أخرى: لأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَوْتَى لاَ يَقُومُونَ فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ فَبَاطِلٌ إِيمَانُكُمْ. وزاد على ذلك إذ قال: أَنْتُمْ بَعْدُ فِي خَطَايَاكُمْ، إشارةً إلى أن عدم الإيمان بالقيامة، هو إنكارُ للتجسّد الإلهي. إذاً قيامة السيد المسيح هي المحور، لهذا الكنيسة تردد في قانون الإيمان بأنّ المسيح تألّم ومات ودُفِن وقام في اليوم الثالث.



لقد حرص السيد المسيح أن يهيّئ تلاميذه لقيامته من بين الأموات، فعندما كان في نواحي قيصرية فيليبس وسأل تلاميذه، قائلاً: مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ، وبعد أن ردّد الرسل قول الناس بأن قوماً يقولون بأنّه يوحنا المعمدان، أو إيليا، أو إرميا، أو واحد من الأنبياء، أعلن بطرس أنّه المسيح ابن الله الحيّ. يقول الإنجيليون أنّه من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنّه ينبغي أن يذهب لأورشليم وبعد أن يتألّم كثيراً ويُقتل سيقوم في اليوم الثالث. وبعد التجلّي وعندما صار صوتٌ من السحابة قائلاً: هذا ابني الحبيب له اسمعوا مرة أخرى، وَفِيمَا هُمْ نَازِلُونَ مِنَ الْجَبَلِ أَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُحَدِّثُوا أَحَداً بِمَا أَبْصَرُوا إلاَّ مَتَى قَامَ ابْنُ الإِنْسَانِ مِنَ الأَمْوَاتِ.



وإذا عدنا إلى الإنجيل المقدّس لوجدنا يسوع المسيح وهو يقرّب إلى أذهان اليهود مفهوم القيامة من خلال شخصيات كتابية وردت في العهد القديم. فعندما سأله قومٌ من الكتبة والفريسيين قائلين: يَا مُعَلِّمُ نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً، بعد أن وبّخهم بقوله: جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً. ذكّرهم بيونان النبي الذي كان في بطن الحوت ثلاثة أيامٍ وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابنُ الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيامٍ وثلاث ليالٍ. ومرّّة أخرى عندما كان في أقدس مكان بالنسبة لليهود أي في هيكل سليمان، أيضاً طلب اليهود أن يروا آيةً، قال لهم: ï*گنْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ. ربّما للوهلة الأولى لم يفهموا معنى هذا الكلام، أو أرادوا أن يجعلوا أنفسهم في حالةٍِ شكٍّ من أمرِ قيامته، فقال اليهود: فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً بُنِيَ هَذَا الْهَيْكَلُ أَفَأَنْتَ فِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ تُقِيمُهُ. ولا نسمع جواباً على هذا القول، ولكن يوحنا الإنجيلي يبيّن أمرين : أولاً، أنّه لم يتكلّم عن هيكل سليمان، بل كان يقول عن هيكل جسده. وثانياً، أن تلاميذه تذكّروا هذا القول عندما قام من بين الأموات. ولكن رؤساء الكهنة والفريسيين لم ينسوا كلام يسوع المسيح، وكانوا يهدسون به، ويقفون عنده، ويخافون منه، والدليل على ذلك هو أنّه بعد موته بيومٍ واحدٍ، اجتمعوا إلى بيلاطس وقالوا له: يا سيد تذكرنا أن ذلك المضلّ قال وهو حيًّ إنّي بعد ثلاثة أيام أقوم، فلقد شغل موضوع القيامة بال الكثيرين من اليهود ورؤسائهم وقادتهم الدينيين. وكان يسوع المسيح في بشارته العلنية يؤكّد لهم بأن القيامة حقيقة وواقع، لا بدّ أن تأتي لأنّها محور الحياة، ولا يمكن لهذا الإله الذي يعبدونه -إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب- أن يكون إله أموات، بل هو إله أحياء. وعندما قال هذا من جهة قيامة الأموات أكّد أن الصدوقيين يضلون بفكرهم بإنكارهم القيامة لأنّهم لا يعرفون الكتب ولا قوة الله، وفي القيامة يكون الجميع كملائكة الله في السماء.


 
قديم 20 - 04 - 2024, 04:51 PM   رقم المشاركة : ( 158235 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,385,837

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



موتى يقومون

ولا ننسى في هذا السياق أستعلان قوة المسيح المحيية والمقيمة من الموت، فالإنجيليون مرقس ولوقا ويوحنا يصفون لنا ثلاث معجزاتٍ خارقات لقانون الطبيعة، فمرقس يتحدّث عن إقامة ابنة يائيروس، وهو واحدً من رؤساء المجمع وقد جاء إلى يسوع عندما كان عند البحر، وخرَّ عند قدميه، طالباً إليه قائلاً: ï*گبْنَتِي الصَّغِيرَةُ عَلَى آخِرِ نَسَمَةٍ. لَيْتَكَ تَأْتِي وَتَضَعُ يَدَكَ عَلَيْهَا لِتُشْفَى فَتَحْيَا. وعندما تأخّر في ذهابه إلى بيت يائيروس، جاء مَن يقول أنّ ابنة يائيروس قد ماتت، فلا حاجة أن يُتعب المعلم، ولكن يسوع أخذ معه تلاميذه بطرس ويوحنا ويعقوب. وذهب إلى بيت رئيس المجمع، ورأى ضجيجاً، الحاضرون يبكون ويولولون كثيراً، فدخل وقال لهم: لِمَاذَا تَضِجُّونَ وَتَبْكُونَ؟ لَمْ تَمُتِ الصَّبِيَّةُ لَكِنَّهَا نَائِمَةٌ، ولكنهم لم يفهموا كلامه، بل ضحكوا عليه، أمّا هو فأخذ أباها وأمّها ودخل حيث كانت الصبية مضطجعةً، وأمسك بيد الصبية وقال لها: طَلِيثَا قُومِي! (ï*گلَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا صَبِيَّةُ لَكِ أَقُولُ قُومِي). وَلِلْوَقْتِ قَامَتِ الصَّبِيَّةُ وَمَشَتْ لأَنَّهَا كَانَتِ ابْنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً. فَبُهِتُوا بَهَتاً عَظِيماً.



وصف لنا الإنجيلي لوقا إقامة ابن أرملة نائين، كان المشهد حزيناً جداً عندما اقترب يسوع إلى باب مدينةِ نايين، وكان معه الكثير من تلاميذه وجمعٌ كبيرٌ، فإذَا مَيْتٌ مَحْمُولٌ ابْنٌ وَحِيدٌ لأُمِّهِ، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ وَمَعَهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ. فَلَمَّا رَآهَا الرَّبُّ تَحَنَّنَ عَلَيْهَا وَقَالَ لَهَا : لاَ تَبْكِي. فعندئذٍ لَمَسَ النَّعْشَ وتَوَقَّفَ الْحَامِلُونَ. وَقَالَ : أَيُّهَا الشَّابُّ لَكَ أَقُولُ قُمْ. فَجَلَسَ الشاب وَابْتَدَأَ يَتَكَلَّمُ فَدَفَعَهُ إِلَى أُمِّهِ.



أما الحدث الاعجازي الثالث فهو إقامة لعازر من الموت، وكان له أربعة أيامٍ في القبر، فعندما جاء إلى بيت عنيا، جاءت مرتا التي كانت معروفة بأنّها مهتمة ومضطربة بأمورٍ كثيرة إلى يسوع، وقالت له : يَا سَيِّدُ لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي. لَكِنِّي الآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ يُعْطِيكَ اللَّهُ إِيَّاهُ. وعندما قَالَ لَهَا يَسُوعُ: سَيَقُومُ أَخُوكِ. قَالَتْ لَهُ: أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ سَيَقُومُ فِي الْقِيَامَةِ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. ولكن يسوع كان واضحاً وصريحاً عندما أشار إلى نفسه بقوله: أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا إلى الأبد. وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. وحقيقةً أقام يسوع المسيح لعازر عندما ناداه بصوتٍ عظيم: لِعَازَرُ هَلُمَّ خَارِجاًّ!



إن هذه المعجزات الكبيرة كانت باباً آخر لتوضيح مفهوم القيامة لتلاميذه وللمسيحيين من بعدهم. فعلى هذا الأساس تحيا الكنيسة وتعيّد قيامة ربّنا يسوع المسيح، ولهذا نحن نردّد في تعاليمنا بأن المسيح حقيقةً صُلِب… ومات… ودُفِن… وفي اليوم الثالث قام من بين الأموات. وتفرح الكنيسة عندما تعيّد قيامة الرب يسوع المسيح لأنّها تعتبر القيامة أساساً لإيمانها وكرازتها.



ما أجمل أن نختم عظتنا اليوم في حقيقة آلام، وموت، ودفن، وقيامة ربنا يسوع المسيح، بكلمات معبّرة جداً عن هذا السر العظيم، قالها القديس يوحنا الذهبي الفم، في عظة له عن قيامة المخلص: اليوم قام المسيح من بين الأموات لابساً الظفر، اليوم أشرقت للعالم مصابيح الخلود، اليوم أشعة الصليب أنارت الخليقة المظلمة، اليوم تمزّقت شبكة الموت التي نسجتها خطيئة آدم، اليوم توقّف سير الخطيئة وجفّت دموع حواء بواسطة مريم، وانقلب حزن الخليقة فرحاً، اليوم تحطمت القباب العاليات بقوة الصليب، سقط سلطان الثلاّب وتعرى من ملكه عدو البشر، والمسيح من بعد الصليب وهو يملك في السماء خلص الهالكين وحررهم بتدبيره وأعادهم إلى حالة البر الأولى
 
قديم 20 - 04 - 2024, 04:54 PM   رقم المشاركة : ( 158236 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,385,837

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





محبة إبن الإنسان لله




حين يتساءل الإنسان عن مقدار محبة الله له، نسمع المسيحي يقول له: "أنظر إلى الصليب وأنت ترى هذه المحبة التي قال عنها الرب يسوع المسيح في إنجيل يوحنا الإصحاح الثالث آية 16: { فإن الله أحب العالم حتى أنه جاد بإبنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية }.

ولو عاود هذا الإنسان بسؤال المسيحي: "وماذا عن حب إبن الإنسان لله، فكيف يكون؟"، فماذا سيكون الجواب؟

لعل أجمل موقف للدلالة على محبة إبن الإنسان المتمثِّل بيسوع الناصري لله أبيه السماوي هو عند صلاته لله جاثيًا في جبل الزيتون (لوقا 22: 39-46)، وقد تحول عرقه إلى قطرات دمٍ توثِّق العهد الذي قطعه يسوع مع الله حينذاك قائلاً له: "لا مشيئتي، بل مشيئتك" على الرغم من حزنه الشديد. هذا الحزن الذي إنتابه ليس لأنه متوجه إلى الموت فهو يعلم بذلك، إذ قد خبّر تلاميذه ثلاث مرّات بما سيحدث له وبأنه هو المسيح المنتظر (متى 16: 21، 17: 22-23، 20: 17-19)، ولكن حزنه يأتي لأنه ضعف وضعفه هذا قد يُحزن أباه السماوي وهو الذي كان هدفه "العمل على إسعاد الله بطاعة كلمته" (مزمور 40: 8-9، لوقا 2: 41-49)، إذ بطلبه لله بأن يصرف عنه كأس الألم والموت يُسيء لإسم الله القدّوس أمام الآخرين ويُشكك بمصداقية كلامه وهو "قدوس الله مخلص إسرائيل".

وكثيرًا ما نقعُ بمثل هذه التجربة أي المواقف التي تجعلنا نتصرّف بصورة مخالفة لِما نُبشِّر به: "المحبة"، "التضحية"، "المغفرة"، … إلخ، المواقف التي تقودنا إلى عدم فعل أو إتمام مشيئة الله، وهذا ينتج عنه فقدان لمصداقية كلمة الله أمام الآخرين خاصةً إن كنا ذوي علاقة قوية بالله، وبالتالي نحن نُسيء لله أكثر من الإساءة لأنفسنا. هذه التجارب تتطلّب منا محبة كبيرة لله وإيمانًا عميقًا ثابتًا لنقول له "ليكن كما تشاء" حين تموت في قلوبنا المحبة من كثر الإساءة، حين نُضطهد، حين نُهان، فنغفر ونسامح ونُصلّي من أجل المحبة وزيادة الإيمان، من أجل أن نكون مرآة لله المحبة ولإظهار مجده أمام الآخرين بالطاعة لكلامه والإنصياع لإرادته المُقدّسة والوثوق بها.

في جبل الزيتون صلّى السيد يسوع المسيح راكعًا وكأنه يُسلِّم ذاته لله، ونستطيع أن نتخيّل سماع صوته قائلاً له: "لتكن مشيئتك لا مشيئتي. ها أني أجثو على ركبتيّ واضعًا يداي خلف ظهري لتُقيّدهما بمشيئتك فيسير بي ملاكك حيثما تشاء، أفعلُ هذا لأني أُحبك ومصداقية محبتك للعالم هي كل ما تبتغيه نفسي". وهكذا أيضًا نستطيع نحن أن نُظهر محبّتنا لله في جميع المواقف التي نمر بها بحياتنا [الموت، الفقر، المرض، الخلاف بين زوجين، الإضطهاد، …] ونُسلِّم بما سمح لنا في حياتنا ونعمل على طاعة كلمته بحسب مشيئته، ولنقل ”لتكن مشيئتك“ دون تذمّر، كما فعل القديس بولس الرسول (أعمال 20: 17-27).

في العهد القديم، أحبّ المؤمنون الله وخافوا من عدم الإتحاد بالله نتيجة الخطيئة [أي العدو] فحزنوا وبللت دموعهم الفراش، فإعترفوا بخطئهم وتابوا (مزمور 6 و 31 و 32). وبعد العهد الجديد، المؤمن الحقيقي المُحب لله يحزن عند خطيئته ليس خوفًا من عدم الإتحاد بالله، فهو يعلم بأنه في قلب الله، وبأن الله قد غفر له بإبنه الحبيب إن ندم وتاب حقًا، ومتأكد من نيل الملكوت إذ له رجاءٌ بالقيامة لا يخيب، ولكن الحزن يأتي للأسباب التالية، إذ إنه كمعلمه الرب يسوع رغبته العميقة وهدفه هو "العمل على إسعاد الله":

(1) لأنه بخطيئته قد أحزن أباه السماوي وأساء لإسمه القدّوس أمام الآخرين،

(2) لأن بسبب خطيئته عانى السيد يسوع المسيح آلام الجلد (لوقا 12: 47) والصلب، و

(3) لأنه أخطأ [فالمؤمن يعتقد بأنه قوي بإيمانه ويستطيع أن يبتعد عن فعل الخطأ فيحزن لضعفه إن أخطأ].

حزِن أهل قورنتس لأن القديس بولس في رسالته الأولى لهم وبّخهم وأظهر لهم ما نوع الخطيئة التي إرتكبوها فأحسّوا بها، وهنيئًا لهم لأنهم لم يتكبّروا ويُصرّوا على أن ما يفعلوه هو ليس بخطأ. هناك من الناس الآن من لا يشعرون بخطأهم ولا يحزنوا بل يتمسّكون بما يفعلوه ويقولون بأنهم قريبين من الله ومتّحدين به (مزمور 36: 1-3)، فكيف يكون هذا؟

حين نقرأ بالإنجيل المُقدّس بأن هناك فرح سماوي حين يتوب أحد الخاطئين (لوقا 15: 7)، فهذا يدل على حدوث حزنٍ بالسماء حين حدوث الخطيئة، ومن هنا أيضًا نستطيع أن نفهم لماذا قال الآب عن يسوع المسيح "هذا هو إبني الحبيب الذي عنه رضيت" (متى 3: 17)، فهو الذي أرسله الله لنا ليُعيد الخروف الضال، وقد أتم هذا العمل محبةً بالله ومجدًا له.



لنُصلِّ كما علّمنا الرب يسوع:

"أبانا الذي في السّمَوات، ليتقدّس أسمكَ! ليأتِ ملكوتك! ليكنْ ما تشاء في الأرض كما في السماء! أرزقنا اليوم خُبز يومنا؛ وأعفنا مما علينا فقد أعفينا نحن أيضًا من لنا عليه؛ ولا تتركنا نتعرّض للتجربة، بل نجّنا من الشرير لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين." (متى 6: 9-13)

أبانا الذي في السّمَوات، بإسم إبنك الحبيب، نتوجه إليك ونرجوك بأن تملأ قلوبنا بحبٍ ثابت وتفتح أُذننا لصوتك يُنادينا، فنستطيع أن نكون كالذي كُتب عنه في طيِّ الكتاب وقال: "هاءنذا آتٍ. هواي أن أعمل بمشيئتك يا الله، شريعتك في صميم أحشائي. قد بشّرتُ بالبر في الجماعة العظيمة ولم أحبس شفتيّ يا رب وأنت العليم." (مزمور 40: 8-9)

 
قديم 20 - 04 - 2024, 04:54 PM   رقم المشاركة : ( 158237 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,385,837

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





محبة إبن الإنسان لله




حين يتساءل الإنسان عن مقدار محبة الله له، نسمع المسيحي يقول له: "أنظر إلى الصليب وأنت ترى هذه المحبة التي قال عنها الرب يسوع المسيح في إنجيل يوحنا الإصحاح الثالث آية 16: { فإن الله أحب العالم حتى أنه جاد بإبنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية }.

ولو عاود هذا الإنسان بسؤال المسيحي: "وماذا عن حب إبن الإنسان لله، فكيف يكون؟"، فماذا سيكون الجواب؟

لعل أجمل موقف للدلالة على محبة إبن الإنسان المتمثِّل بيسوع الناصري لله أبيه السماوي هو عند صلاته لله جاثيًا في جبل الزيتون (لوقا 22: 39-46)، وقد تحول عرقه إلى قطرات دمٍ توثِّق العهد الذي قطعه يسوع مع الله حينذاك قائلاً له: "لا مشيئتي، بل مشيئتك" على الرغم من حزنه الشديد. هذا الحزن الذي إنتابه ليس لأنه متوجه إلى الموت فهو يعلم بذلك، إذ قد خبّر تلاميذه ثلاث مرّات بما سيحدث له وبأنه هو المسيح المنتظر (متى 16: 21، 17: 22-23، 20: 17-19)، ولكن حزنه يأتي لأنه ضعف وضعفه هذا قد يُحزن أباه السماوي وهو الذي كان هدفه "العمل على إسعاد الله بطاعة كلمته" (مزمور 40: 8-9، لوقا 2: 41-49)، إذ بطلبه لله بأن يصرف عنه كأس الألم والموت يُسيء لإسم الله القدّوس أمام الآخرين ويُشكك بمصداقية كلامه وهو "قدوس الله مخلص إسرائيل".

وكثيرًا ما نقعُ بمثل هذه التجربة أي المواقف التي تجعلنا نتصرّف بصورة مخالفة لِما نُبشِّر به: "المحبة"، "التضحية"، "المغفرة"، … إلخ، المواقف التي تقودنا إلى عدم فعل أو إتمام مشيئة الله، وهذا ينتج عنه فقدان لمصداقية كلمة الله أمام الآخرين خاصةً إن كنا ذوي علاقة قوية بالله، وبالتالي نحن نُسيء لله أكثر من الإساءة لأنفسنا. هذه التجارب تتطلّب منا محبة كبيرة لله وإيمانًا عميقًا ثابتًا لنقول له "ليكن كما تشاء" حين تموت في قلوبنا المحبة من كثر الإساءة، حين نُضطهد، حين نُهان، فنغفر ونسامح ونُصلّي من أجل المحبة وزيادة الإيمان، من أجل أن نكون مرآة لله المحبة ولإظهار مجده أمام الآخرين بالطاعة لكلامه والإنصياع لإرادته المُقدّسة والوثوق بها.

في جبل الزيتون صلّى السيد يسوع المسيح راكعًا وكأنه يُسلِّم ذاته لله، ونستطيع أن نتخيّل سماع صوته قائلاً له: "لتكن مشيئتك لا مشيئتي. ها أني أجثو على ركبتيّ واضعًا يداي خلف ظهري لتُقيّدهما بمشيئتك فيسير بي ملاكك حيثما تشاء، أفعلُ هذا لأني أُحبك ومصداقية محبتك للعالم هي كل ما تبتغيه نفسي". وهكذا أيضًا نستطيع نحن أن نُظهر محبّتنا لله في جميع المواقف التي نمر بها بحياتنا [الموت، الفقر، المرض، الخلاف بين زوجين، الإضطهاد، …] ونُسلِّم بما سمح لنا في حياتنا ونعمل على طاعة كلمته بحسب مشيئته، ولنقل ”لتكن مشيئتك“ دون تذمّر، كما فعل القديس بولس الرسول (أعمال 20: 17-27).

في العهد القديم، أحبّ المؤمنون الله وخافوا من عدم الإتحاد بالله نتيجة الخطيئة [أي العدو] فحزنوا وبللت دموعهم الفراش، فإعترفوا بخطئهم وتابوا (مزمور 6 و 31 و 32). وبعد العهد الجديد، المؤمن الحقيقي المُحب لله يحزن عند خطيئته ليس خوفًا من عدم الإتحاد بالله، فهو يعلم بأنه في قلب الله، وبأن الله قد غفر له بإبنه الحبيب إن ندم وتاب حقًا، ومتأكد من نيل الملكوت إذ له رجاءٌ بالقيامة لا يخيب، ولكن الحزن يأتي للأسباب التالية، إذ إنه كمعلمه الرب يسوع رغبته العميقة وهدفه هو "العمل على إسعاد الله":

(1) لأنه بخطيئته قد أحزن أباه السماوي وأساء لإسمه القدّوس أمام الآخرين،

(2) لأن بسبب خطيئته عانى السيد يسوع المسيح آلام الجلد (لوقا 12: 47) والصلب، و

(3) لأنه أخطأ [فالمؤمن يعتقد بأنه قوي بإيمانه ويستطيع أن يبتعد عن فعل الخطأ فيحزن لضعفه إن أخطأ].

حزِن أهل قورنتس لأن القديس بولس في رسالته الأولى لهم وبّخهم وأظهر لهم ما نوع الخطيئة التي إرتكبوها فأحسّوا بها، وهنيئًا لهم لأنهم لم يتكبّروا ويُصرّوا على أن ما يفعلوه هو ليس بخطأ. هناك من الناس الآن من لا يشعرون بخطأهم ولا يحزنوا بل يتمسّكون بما يفعلوه ويقولون بأنهم قريبين من الله ومتّحدين به (مزمور 36: 1-3)، فكيف يكون هذا؟

حين نقرأ بالإنجيل المُقدّس بأن هناك فرح سماوي حين يتوب أحد الخاطئين (لوقا 15: 7)، فهذا يدل على حدوث حزنٍ بالسماء حين حدوث الخطيئة، ومن هنا أيضًا نستطيع أن نفهم لماذا قال الآب عن يسوع المسيح "هذا هو إبني الحبيب الذي عنه رضيت" (متى 3: 17)، فهو الذي أرسله الله لنا ليُعيد الخروف الضال، وقد أتم هذا العمل محبةً بالله ومجدًا له.



لنُصلِّ كما علّمنا الرب يسوع:

"أبانا الذي في السّمَوات، ليتقدّس أسمكَ! ليأتِ ملكوتك! ليكنْ ما تشاء في الأرض كما في السماء! أرزقنا اليوم خُبز يومنا؛ وأعفنا مما علينا فقد أعفينا نحن أيضًا من لنا عليه؛ ولا تتركنا نتعرّض للتجربة، بل نجّنا من الشرير لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد. آمين." (متى 6: 9-13)

أبانا الذي في السّمَوات، بإسم إبنك الحبيب، نتوجه إليك ونرجوك بأن تملأ قلوبنا بحبٍ ثابت وتفتح أُذننا لصوتك يُنادينا، فنستطيع أن نكون كالذي كُتب عنه في طيِّ الكتاب وقال: "هاءنذا آتٍ. هواي أن أعمل بمشيئتك يا الله، شريعتك في صميم أحشائي. قد بشّرتُ بالبر في الجماعة العظيمة ولم أحبس شفتيّ يا رب وأنت العليم." (مزمور 40: 8-9)

 
قديم 20 - 04 - 2024, 04:57 PM   رقم المشاركة : ( 158238 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,385,837

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





" نحن أبناء الرجاء ، نحن دهشة الله !" وما هو الرجاء ؟
يجيب دانتي الشهير قائلاً : " هو انتظار واثق " . لم يكن إبراهيم يعلم قصد الله من طلبه إليه ذبح ابنه الوحيد ، لم يكن يفهم كيف سيحصل على الذرية الوافرة التي وعده بها ، في حالة موت لأسحق ، ومع ذلك فقد انتظر واثقاً .
عندما تتلو المزامير مصلياً ، ألم تشعر أنك تحولت إلى إنسان ينتظر ، واثقاً ؟ " الرب نوري وخلاصي ، فممن أخاف ؟
كم يخطأ الذين لا يرجون ! لأنه مهما كان الشر كبيراً فيهم ، فهو محدود ، ورحمة الله اللامحدودة تقدر أن تستره ، فهو أبونا يحن علينا ويسرع نحونا ويلقي بنفسها على عنقنا ويقبلنا بحنانه ، كما فعل مع الأبن الضال . . فمهما كان ماضينا عاصفاً ، لا يبغى أن يوقفنا ، فالعواطف التي كانت في الماضي شراً ، إذا أدت إلى الإصلاح والتغيير ، وقد تصبح ذات قيمة إذا قدمناها لله .
ويوجد أيضاً نوع آخر من الأنتظار وهو " الأنتظار الواثق للمجد العتيد " كما يقول دانتي . هذا الأنتظار هو ثقة مقترنة بالمستقبل ، أى البعيد الغامض . . وهو حال انتظار كل الذين يعيشون في الرجاء ، وقد وصف يوحنا الحبيب هذا الأنتظار قائلاً : " منذ الآن نحن أبناء الله ، لكن ما سنكون عليه ليس ظاهراً بعد " .
وقال أيضاً دانتي : " إنه نور وحب وسعادة " ، إن عقلنا سيرى هناك (في السماء) بكل وضوح ما أستشفه بصعوبة هنا : الله ، حب الخير الحقيقي ، الخير المطلق . . لأن الخيرات التي نحبها هنا هى حب نسبي ، فتات خير. . أما هناك فسعادة تفوق كل عذوبة " ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر . . " .
فليكن انتظارنا اليومي واثقاُ ، حتى نكون " أبناء الرجاء ، دهشة الله ! " .

 
قديم 20 - 04 - 2024, 04:59 PM   رقم المشاركة : ( 158239 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,385,837

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





النور الكبير

إنّ أقسى الكلمات على مسامع إنساننا المعاصر هي كلمة "التوبة" التي يدعونا إلى عيشها الصوم الكبير المقدس! ولعلّ ذلك لأن هذه الكلمة هي أكثر الحقائق غموضاً في حياته!

لا يرتاح إنساننا اليوم لهذه الكلمة لأنه يحب العادة ويركن إليها، ويخشى التبديل ويتجنّبه. التوبة تهزّ كيان الإنسان لأنها تشكّك بكلّ ما هو راهن أو عادي، أو على الأقل تمتحنه وتفحصه وتقيّمه!

مراجعة الحسابات في حياة الإنسان اليوم ممارسة غير محبوبة دائماً. وذلك لأن أي تشكيك في "صحة" مسلكيته يقوده إلى شعور بعدم الأمان، طالما أنه ثبّت ضمانه على قواعد متبّدلة بالأساس.

امتحان سريع لمواقف الإنسان المعاصر وقناعاته يكشف على الفور أن هذه المواقف مرات عديدة لا تستند إلى المنطق أو الحق أو العدالة، بل وللأسف إلى الإعجاب بالذات والادّعاء وربما إلى المصلحة الذاتية. حينها لا تبرّر هذه المواقف إلاّ "عللُ الخطايا"، كما يقول المزمور "لا تمل قلبي إلى كلام الشر فيتعلل بعلل الخطايا". لكن هذه التبريرات تسند مواقف الإنسان على مستوى اللحظة المتبدلة وليس على قاعدة الحقيقة الثابتة. لهذا تأتي تجارب الحياة، أو ربما تسطع الحقيقة، وتهدم كل هذه المستندات، وتفضح هشاشة وعدم إنسانية كل تلك المعايير الخاطئة وغاياتها. هل هي قليلة المفاجآت والمآسي والعثرات التي تظهر في حياة الناس؟

لكن "التوبة"، لنا نحن المسيحيين، هي الكلمة الأحبّ والأقرب إلى قلوبنا. لأنّ حياتنا هي مسيرة صاعدة، ولأنّ السيد وعدنا أنّه عندما يرتفع (على الصليب) سيرفعنا معه عن الهابط من دنيانا.

الصوم هو ممارسة من أجل التوبة. الصوم هو رياضة روحيّة تخرجنا من ستاتيكية حياتنا إلى طلب ما هو أفضل. الصوم يحرّكنا، نحن صورة الله، إلى تحقيق أكبر من مثاله. الصوم يمنع الرضى الكاذب عن الذات، الصوم يدفعنا إلى امتحان واقع حياتنا وتصحيح ما يلزم في مسيرتها. الصوم ليس هو مجرّد ممارسة جسدية أو صحيّة، الصوم فترةٌ مقدسة نقصد فيها عيش حياة التوبة.

التوبة ليست أيضاً مجرّد لوم الذات أو تقريعها. إنّ الندامة عن الضعفات والشعور بالألم من جراء أخطائنا أمور مطلوبة وضرورية جداً. لكن هذه دون صوم وأفعال محبة تبقى مجرّد آلام نفسية مضرّة أكثر مما هي مفيدة. ألم تَقُدْ مجرّدُ الندامةِ يهوذا إلى الانتحار؟

التوبة تتميز بالحزن البهي، هذا الحزن الذي يطبع الصوم الكبير بالتعب وبالفرح معاً. للتوبة فعلان. الفعل الأول هو الندامة والفعل الثاني هو المصالحة. الندامة هي نتيجة ضعفنا ومواجهتنا لذواتنا المقصّرة والكسولة، والمصالحة هي ثمرة الحبّ الإلهي المجانية. الندامة تلد الحزن والمصالحة تهب البهاء.

يأسف منْ يندم ويبقى كما هو. يفرح من يندم ويتوب. يبتهج من يعرف خطيئته ويقدر على تجاوزها. مؤلم أن نكتشف بُعدَنا عن الله، ومفرح أن نجد أنفسنا عائدين إليه.

لكن شتان ما بين الطريقين! بين طريق التبرير بعلل الخطايا وبين الاعتراف بوصية الله وقبولها. شتان بين واقعنا في الكسل البشري وبين مرتجانا في الدعوة الإلهية. عندما نعي هذا الفارق الكبير تتحرك نفسنا نحو التوبة.

التوبة إذن هي تغيير في الوجهة وتبديل في المسيرة التي نحدّدها لحياتنا غداً، بناء على رفض ما كان فيها بالأمس. التائب إذن هو الإنسان المتحرّك نحو الأفضل. التائب هو المتقدّم، في المعرفة في الحقّ في الحرّية وفي المثال الإلهي. هكذا تغدو التوبة عذبة، لأنّها تقودنا إلى الحقّ، والحقّ يحرّرنا، والإنسان عاشق الحرّية ومتمرّدٌ على العبودية.

الصوم إذن هو ممارسة لتحقيق هذه التوبة. لذلك يبدأ الصوم من "تبديل المعايير" لحياتنا. عمل الصوم هو تدريبنا على اختيار العفة، العفة في كل شيء: في الرغبات في المصالح في العلاقات… الصوم إذن هو العفة في "خيارنا" لكل حاجات حياتنا.

"تبديل المعايير" يعني تماماً "التوبة" = Metanoia = تبديل الذهنية. هذا التبديل يعني أن نجعل مثال الله مثالنا بعد أن كنّا ربّما قد جعلنا بشريتنا ورغباتها وجهتَنا! الصوم يمتحن فينا مقدار تعلّقنا بالطعام بدل كلمة الله ولحدّ ربّما مفرط! الصوم يمتحن تقديرنا للمجد الدنيوي، وتقديرنا للإحسان، وتقديرنا للمحبة وتقديرنا للاستهلاك. الصوم حركة تسليط نور قوي على حنايا نفسنا في داخلها العميق يكشف الرغبات الداخلية التي تحرّكنا.

عندما نصوم، وبشكل صحيح، نجعل ناموس الربّ نوراً لسبلنا! هذا النور القوي، وقوي جداً، يتسلّل إلى أعماقنا ويكشف كلّ الخلجات التي هناك في حقيقتها. هناك نعاين أنفسنا فنعمل برحمة الله ونعمته على تطهيرها.

عندما نصوم نحيا روحياً، وعندما نحيا بالروح نتحرّك إلى المثال الذي وهبه الله لنا، إلى كمالنا، عندها سنكتشف أنّ مفاهيم كثيرة عن معانٍ أساسية في الحياة ربما كانت مغلوطة.

عندما نصوم حقّاً ونمتنع عن الرشوة مثلاً أو الأرباح غير المشروعة، عندها نتكّل على عناية الله ولا نستند على المال فقط.

عندما نصوم حقاً ونمتنع عن المبالغة في الشبع حتّى الجشع، عندها نحدّد لأنفسنا أنّ طعامها الأساسي هو الكلمة التي تخرج من فم الله.

عندما نصوم حقاً ونمدّ يد المساعدة المادّية والمعنويّة للمحتاجين، عندها نعرف أنّ الآخر – المحتاج- هو رسالة أمامنا وليس مادة حرّة لاستهلاكنا.

عندما نصوم فنسامح من أساء إلينا، عندها نعرف أنّ المحبة الأخوية دائماً أثمن من الخطيئة، وأن المصالحة عفّة والخلاف إشباع شهوة غير طاهرة.

وهكذا نقضي الصوم الكبير، متصادمين مع الرواسب غير الإنجيلية التي تجمّعت في داخلنا. في الصوم نحيا الصراع بين ما نريد وما نحن عليه، بين النور والظلمة، بين الفضائل والرذائل. لكن النور أقوى من الظلمة لأن "كلمة الله" ألذّ من"الخبز". فهذا ضروري وتلك أفضل. الصوم ممارسة تفضح الظلمات التي فينا. الصوم يجعل ناموس الرب نبراسَ حياتنا. إذن الصوم استنارة. لهذا كانت فترة الصوم الكبير خاصة هي فترة الإعداد للمعموديات. ولهذا حافظنا في صلواتنا الصيامية على الدعوة إلى "الاستنارة" وإلى رفض الظلمة. الصوم القادم كبير، لهذا نوره كبير.

النور الكبير يشرق ونفوسنا تتباشر بالفرح لأن زمن الحرية آتٍ وظروف العبودية ستغيب. النور الآن في السحر ويوم الجهاد الروحي يبدو جميلاً. فلنخطُ بخطاً ثابتة، بتفاؤل، بشفافية، بتواضع. لنبسط نفسنا عارية أمام النور ولنترك ضعفاتها بصراحة بين يدي الله الذي سيمسّها بحنان الأب فيفتح بصيرتها فترى وتؤمن.

صلاتي الأبوية إلى جميعكم أن نسير معاً في هذا الصوم متدرّبين بواسطة الصيام على العيش في النور وتحطيم ألم الظلمة. "لا تكن فاتراً فأتقيأوك من فمي" (رؤيا 3، 16). لنكن إذن حارّين بالروح، ولنمارس الصوم ونمسح وجهنا بمسحة البهجة، حتى نكون في النور الكبير، ونوزع حولنا النور الكثير..

 
قديم 20 - 04 - 2024, 04:59 PM   رقم المشاركة : ( 158240 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,385,837

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





النور الكبير

إنّ أقسى الكلمات على مسامع إنساننا المعاصر هي كلمة "التوبة" التي يدعونا إلى عيشها الصوم الكبير المقدس! ولعلّ ذلك لأن هذه الكلمة هي أكثر الحقائق غموضاً في حياته!

لا يرتاح إنساننا اليوم لهذه الكلمة لأنه يحب العادة ويركن إليها، ويخشى التبديل ويتجنّبه. التوبة تهزّ كيان الإنسان لأنها تشكّك بكلّ ما هو راهن أو عادي، أو على الأقل تمتحنه وتفحصه وتقيّمه!

مراجعة الحسابات في حياة الإنسان اليوم ممارسة غير محبوبة دائماً. وذلك لأن أي تشكيك في "صحة" مسلكيته يقوده إلى شعور بعدم الأمان، طالما أنه ثبّت ضمانه على قواعد متبّدلة بالأساس.

امتحان سريع لمواقف الإنسان المعاصر وقناعاته يكشف على الفور أن هذه المواقف مرات عديدة لا تستند إلى المنطق أو الحق أو العدالة، بل وللأسف إلى الإعجاب بالذات والادّعاء وربما إلى المصلحة الذاتية. حينها لا تبرّر هذه المواقف إلاّ "عللُ الخطايا"، كما يقول المزمور "لا تمل قلبي إلى كلام الشر فيتعلل بعلل الخطايا". لكن هذه التبريرات تسند مواقف الإنسان على مستوى اللحظة المتبدلة وليس على قاعدة الحقيقة الثابتة. لهذا تأتي تجارب الحياة، أو ربما تسطع الحقيقة، وتهدم كل هذه المستندات، وتفضح هشاشة وعدم إنسانية كل تلك المعايير الخاطئة وغاياتها. هل هي قليلة المفاجآت والمآسي والعثرات التي تظهر في حياة الناس؟

لكن "التوبة"، لنا نحن المسيحيين، هي الكلمة الأحبّ والأقرب إلى قلوبنا. لأنّ حياتنا هي مسيرة صاعدة، ولأنّ السيد وعدنا أنّه عندما يرتفع (على الصليب) سيرفعنا معه عن الهابط من دنيانا.
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 06:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025