منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17 - 04 - 2024, 01:16 PM   رقم المشاركة : ( 157881 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,387,643

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

العلامة أوريجانوس


[المسيح الذبيح (1 كو 5: 7) هو الذبيحة الوحيدة الكاملة
التي قدمت كل هذه الذبائح كصورة لها، فمن يلمس جسد المسيح
يتقدس إن كان دنسًا، يُشفى من آلامه، وذلك كنازفة الدم التي أدركت
أن المسيح هو جسد الذبائح، إنه الجسد المقدس لذلك اقتربت إليه ولمسته].
 
قديم 17 - 04 - 2024, 01:17 PM   رقم المشاركة : ( 157882 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,387,643

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

دَعَى القديس يوحنا ذهبي الفم سرّ الأفخارستيا:


[سرًا إلهيًا]، [مائدة إلهية مهوبة]، [سرًا مخوفًا
[غير منطوق به]، [ذبيحة مقدسة مرهبة].
أما عن تناوله داخل الدار فيُشير إلى تمتعنا
بالحياة السماوية خلال هذه الذبيحة.
 
قديم 17 - 04 - 2024, 01:18 PM   رقم المشاركة : ( 157883 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,387,643

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس يوحنا الذهبي الفم



فاعلية الذبيحة وقدسيتها
[كإن الإنسان قد أُخذ إلى السماء عينها،
يقف بجوار عرش المجد، ويطير مع السيرافيم
ويتغنى بالتسبحة المقدسة].
 
قديم 17 - 04 - 2024, 01:19 PM   رقم المشاركة : ( 157884 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,387,643

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






شريعة ذبيحة الخطية:

24 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 25 «كَلِّمْ هَارُونَ وَبَنِيهِ قَائِلًا: هذِهِ شَرِيعَةُ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ: فِي الْمَكَانِ الَّذِي تُذْبَحُ فِيهِ الْمُحْرَقَةُ، تُذْبَحُ ذَبِيحَةُ الْخَطِيَّةِ أَمَامَ الرَّبِّ. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ. 26 الْكَاهِنُ الَّذِي يَعْمَلُهَا لِلْخَطِيَّةِ يَأْكُلُهَا. فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ تُؤْكَلُ فِي دَارِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 27 كُلُّ مَنْ مَسَّ لَحْمَهَا يَتَقَدَّسُ. وَإِذَا انْتَثَرَ مِنْ دَمِهَا عَلَى ثَوْبٍ تَغْسِلُ مَا انْتَثَرَ عَلَيْهِ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ. 28 وَأَمَّا إِنَاءُ الْخَزَفِ الَّذِي تُطْبَخُ فِيهِ فَيُكْسَرُ. وَإِنْ طُبِخَتْ فِي إِنَاءِ نُحَاسٍ، يُجْلَى وَيُشْطَفُ بِمَاءٍ. 29 كُلُّ ذَكَرٍ مِنَ الْكَهَنَةِ يَأْكُلُ مِنْهَا. إِنَّهَا قُدْسُ أَقْدَاسٍ. 30 وَكُلُّ ذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ يُدْخَلُ مِنْ دَمِهَا إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِلتَّكْفِيرِ فِي الْقُدْسِ، لاَ تُؤْكَلُ. تُحْرَقُ بِنَارٍ.

أبرز ما في شريعة ذبيحة الخطية نقطتين أساسين:
أولًا: تحسب أنصبة الكهنة منها "قدس أقداس" يأكلها الكهنة في دار الخيمة، من يمس لحمها يتقدس، بمعنى أنه لا يجوز أن يأكل منها إلاَّ من كان مستعدًا، ومن جانب آخر أن من يمسها يُحسب في ملكية الرب نفسه.
ثانيًا: أهم ما أبرز في شريعة هذه الذبيحة هو قدسية الدم، فإن انتثر من دمها على ثوب يُغسل ما انتثر عليه في مكان مقدس، وإناء الخزف الذي تطبخ فيه يُكسر، وإن كان نحاسيًا فيُجلى جيدًا بماء مقدس ويُشطف لأن النحاس لا يمتص شيئًا من الذبيحة.
يتحدث القديس يوحنا الذهبي الفم عن فاعلية دم السيد المسيح الذبيح، قائلًا: [هذا الدم يجعل صورة ملكنا واضحة فينا، ويجلب علينا جمالًا لا ينطق به، ولا يسمح بانتزاع سمونا، بل يرويه دائمًا وينعشه...
هذا الدم متى أخذناه بحق يطرد الشياطين، ويبعدهم عنا، بينما يدعو إلينا الملائكة. فإذ يظهر دم الرب تهرب الشياطين وتجتمع الملائكة. هذا الدم المسفوك يطهر كل العالم... هذا الدم يطهر الموضع السري وقدس الأقداس... هذا الدم يقدس المذبح الذهبي... هذا الدم يقدس الكهنة... هذا الدم هو خلاص نفوسنا... تغتسل النفس وتتجمل وتلتهب. به يلتهب فهمنا كالنار، وتتلألأ النفس أكثر من الذهب].

 
قديم 17 - 04 - 2024, 01:20 PM   رقم المشاركة : ( 157885 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,387,643

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس يوحنا الذهبي الفم



عن فاعلية دم السيد المسيح الذبيح، قائلًا: [هذا الدم يجعل صورة ملكنا واضحة فينا، ويجلب علينا جمالًا لا ينطق به، ولا يسمح بانتزاع سمونا، بل يرويه دائمًا وينعشه...
هذا الدم متى أخذناه بحق يطرد الشياطين، ويبعدهم عنا، بينما يدعو إلينا الملائكة. فإذ يظهر دم الرب تهرب الشياطين وتجتمع الملائكة. هذا الدم المسفوك يطهر كل العالم... هذا الدم يطهر الموضع السري وقدس الأقداس... هذا الدم يقدس المذبح الذهبي... هذا الدم يقدس الكهنة... هذا الدم هو خلاص نفوسنا... تغتسل النفس وتتجمل وتلتهب. به يلتهب فهمنا كالنار، وتتلألأ النفس أكثر من الذهب].
 
قديم 17 - 04 - 2024, 01:30 PM   رقم المشاركة : ( 157886 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,387,643

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



صلب المسيح وموته ودفنه





(1) استمرار المحاكمة أمام بيلاطس (ع 1 - 16):

1 فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. 2 وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلًا مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ، 3 وَكَانُوا يَقُولُونَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!». وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ. 4 فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا خَارِجًا وَقَالَ لَهُمْ: «هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً». 5 فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجًا وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ!». 6 فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا قَائِلِينَ: «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!». قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً». 7 أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللهِ». 8 فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفًا. 9 فَدَخَلَ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟». وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَابًا. 10 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ؟» 11 أَجَابَ يَسُوعُ: « لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ». 12 مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!». 13 فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «الْبَلاَطُ» وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا». 14 وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ، وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!». 15 فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!». 16 فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ.

ع1-4: تأرجح بيلاطس بين صوت الحق (الضمير)، وبين ضعف اليهود وشراسة ندائهم بصلب المسيح، فأسلمه أولًا للجلد لعله يهدئ من ثورة اليهود؛ ويؤكد القديس لوقا هذا في (لو 23: 16): "أنا أؤدبه ثم أطلقه". وقد أورد كل من متى ومرقس الجلد والصلب معا (مت 27: 26؛ مر 15: 15)، ولكن القديس يوحنا فصل بينهما، وكذلك محاولات بيلاطس الضعيفة لتبرئة المسيح. وينتقل القديس يوحنا لمنظر استهزاء الجند الرومان بالمسيح أثناء الجلد، فسخروا منه وألبسوه ثوب يمثل في لونه ثياب الملوك، وكذلك ضفروا إكليلًا من شوك وتوجوه به (راجع إش 53: 5).
"كانوا يلطمونه": ويضيف متى (مت 27: 30) ضربوه على رأسه، ولا نعتقد أن هناك لسان أو كاتب يستطيع أن يصف أو يعبّر عن هذا المشهد الأثيم...
ولكن نكتفي بسؤال رب المجد: لماذا يا إلهي احتملت يد الخطاة الأثمة تمتد على وجهك البار القدّوس، وكيف يحدث هذا؟!
فتأتى إجابته: من أجل خلاصك يا بنى!!!
وفي محاولة لتبرئة ضميره، يخرج بيلاطس ويعلن مرة ثانية براءة المسيح، ولكنه إعلان دون الحكم بذلك.

ع5-6: أخرج بيلاطس يسوع بعد الجلد، وهو لابس الأرجوان وعلى رأسه الشوك، في محاولة أخيرة يتلمس بها عطف اليهود فيطلق المسيح. ولكنهم ازدادوا قساوة وطالبوا بصلبه، فشهد بيلاطس شهادته الثالثة ببراءة يسوع (راجع يو 18: 38؛ 19: 4-6). وفي محاولة تنبيه اليهود، أراد بيلاطس إخلاء يده من المسئولية، فقال لهم: "خذوه أنتم واصلبوه" دون إشراكي في جريمتكم.

ع7: قدم اليهود اتهامهم الأول بأن المسيح فاعل شر (ص 18: 30)، وعند فشلهم، قدموا الاتهام الثاني بأنه خائن لقيصر، ودفع المسيح هذا الاتهام عنه عندما أجاب بأن مملكته ليست من هذا العالم (يو 8: 36). وهنا، أتى اليهود باتهام ثالث بأنه مجدف على الناموس، أي دينهم، وبحسب ذلك يجب أن يموت، وبهذا يبطلون دفاع بيلاطس عن المسيح في أنه لا يجد فيه علة.

ع8: وقد ارتعب بيلاطس عند ذكر اليهود أن المسيح "ابن الله"، ولنا أن نفهم، فهو مرعوب لإصدار حكم على برئ لا يدينه في شيء، ولكنه يشعر بمكيدة وقسوة اليهود اللتين تقودانه في تيار الحكم عليه، ومرعوب أيضًا لكلمة "ابن الله"، إذ كان الرومان واليونانيون يعتقدون في إمكانية ظهور الآلهة وتجسدهم أو التناسل منهم... ولعل المسيح أحد أبناء الآلهة، فهل يوقع بيلاطس نفسه في خصومة مع الآلهة؟ نضيف إلى ذلك أيضًا سببا لرعبه، وهو الحلم الذي حلمته زوجته وأخبرته به، قائلة له: "إياك وذاك البار" (مت 27: 19).

ع9-11: في محاولة للانتصار على رعبه وخوفه، أخذ بيلاطس يسوع إلى داخل ليستفسر منه: "من أين أنت؟"، هل من السماء؟! هل أنت ابن للآلهة كما سمعت؟! وعدم إجابة المسيح هي قناعة شخصه المبارك بأن ما يقوله لن يغير من الوضع شيء، وكان كافيا على بيلاطس ما سمعه منه لتبرئته. ولدفع المسيح للكلام، هدده بيلاطس بسلطانه أن يقتله أو يطلقه.
فجاءت إجابة المسيح القوية والتي أرعبت بيلاطس: "ليس لك سلطان علىّ أبدا ما لم يكن أبى سمح لك بذلك." فالصلب إذن هو إرادة الآب وموافقة وخضوع الابن، وليس لسلطان أرضى أو زمني أن يتحكم فيه، وفي نفس الوقت، لم يَعْفِ بيلاطس من المسئولية لأنه متردد وسلبي، ولم يعلن براءته. ولكن الذي أسلمني أي يهوذا واليهود -حسدًا- خطيتهم أعظم من خطيتك؛ ولعل سبب تخفيف خطية بيلاطس أنه أممي لا يعرف الكتب ولا المواعيد كما يعرفها هؤلاء.



ع12: لا نعرف كيف كان بيلاطس يطلب أن يطلق المسيح، هل بأحاديث مع الجمع أو بعض رؤساء الكهنة؟ ولكن، من المؤكد أن رعبه وحيرته زادا أمام ضميره وفحصه ليسوع من جهة، وأمام صراخ اليهود وتهديدهم من جهة أخرى، فهدَّدوه بما لم يكن في حسابه، وهو أنه إن أطلق من يدعى أنه مَلك لليهود، فإنه يوافق ضمنا على وجود ملك بخلاف قيصر، وهذا ما لا نرتضيه نحن، ويجعلك أيضًا خائنا لقيصر. ونجح اليهود بذلك في إدخال نوع جديد من الخوف على قلبه، وهو الخوف على المنصب السياسي ومعاداته لقيصر نفسه.

ع13: أخرج بيلاطس الرب يسوع من دار الولاية إلى الساحة حيث ينتظر اليهود، وجلس على كرسيه الذي يستخدمه الولاة الرومان عند إصدار أحكامهم. ويضيف القديس يوحنا، لإشراكنا في المشهد، مكان ووضع الكرسي، فهو كان على ربوة مرتفعة (جباثا גַּבְּתָא) بالنسبة للساحة التي تجمع فيها اليهود، ويقال لها أيضًا (البلاط) لأنه كان مبلطا برخام ومرمر.

ع14: وإذ اقترب من الساعة السادسة، ولم يبق إلا ثلاث ساعات على تقديم الفصح (في التاسعة)، كان لزاما على بيلاطس أن يأخذ قرارا بالنسبة للمسيح، فحاول للمرة الأخيرة التخلص من القرار وترك اليهود يحكمون عليه قائلًا: "هوذا ملككم".

ع15-16: استفز قول بيلاطس "هوذا ملككم" اليهود وازدادت عصبيتهم، وأجابوه: "خذه أنت، لماذا تعطينا إياه؟ خذه واصلبه." وعندما سألهم: "أأصلِب ملككم؟" صرخوا: "ليس لنا ملك إلا قيصر." وهذا إنكار وتنازل... فاليهود يعلمون أنهم ليس لهم ملك سوى الله، وأن الرومان يحتلونهم، وكانوا ينتظرون الخلاص منهم.
أما أن يُصَرِّحُوا الآن بأن ملكهم هو قيصر، فهم بذلك مثل للإنسان الذي يغيّر كل مبادئه في لحظة من أجل خبث في قلبه، وبذلك طبقوا مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". وجاءت نهاية مشهد المحاكمة الهزيلة بخضوع من خاف على مركزه من الشغب، فواحد يموت حتى لو كان بريئا لأنجو أنا بنفسي؛ ويا له من مبدأ!!!
أيها القارئ الحبيب، من السهل علينا هنا أن ننتقد بيلاطس على سوء استخدام سلطانه، وكذلك خوفه وجبنه. ولكن، في مواقف أخرى في حياتنا اليومية، ألعلنا نكذب لننجو من فعلة نستحق عليها توبيخا، أو نتهرب من مسئولية إعلان الحق، محاولين نفض أيدينا وإلقاء المسئولية على آخرين كما صنع بيلاطس، أو نفعل مثل اليهود؛ نجد تبريرا لشرورنا نخدّر به ضمائرنا؟! ارحمنا يا رب.



(2) رحلة الصلب (ع 17- 24):

17 فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ «جُلْجُثَةُ»، 18 حَيْثُ صَلَبُوهُ، وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ. 19 وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَانًا وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا: «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ». 20 فَقَرَأَ هذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَالّلاَتِينِيَّةِ. 21 فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ الْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ، بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ: أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ!». 22 أَجَابَ بِيلاَطُسُ: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ». 23 ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ، أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْمًا. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضًا. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجًا كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. 24 فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ نَشُقُّهُ، بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ». لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». هذَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ.

ع17: أي من دار الولاية أولا، ثم من أورشليم ثانيا، ليصلب خارج المحلة (الجلجثة). ويتأمل في ذلك القديس بولس: "لذلك يسوع أيضا، لكي يقدّس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب، فلنخرج إذًا إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب 13: 12- 13).
ولتلاحظ أيها القارئ العزيز أن كنيستنا، في إبراز هذا المعنى الروحي، راعت في طقس أسبوع الآلام ترك الهيكل وخورس الشمامسة، والصلاة في صحن الكنيسة، للخروج مع المسيح خارج أورشليم.
"جمجمة - جلجثة": كان التقليد الموروث عند اليهود يقول أنها المكان الذي دُفنت فيه جمجمة آدم. أما العلماء فيصفونها أنها ربوة متوسطة الارتفاع، شكلها الصخري يشبه الجمجمة في تكوينها، وكان هذا المكان يستخدم للرجم وقريبا من المدينة.

ع18: أشار القديس يوحنا للصلب إشارة سريعة، وذكر اللصين دون أن يذكر الحوار مع المسيح. ولهذا، لمراجعة أحداث الصلب، انظر النصوص (مت 27؛ مر 15؛ لو 23) في الأجزاء المتعلقة بأحداث الصلب لاستكمال الصورة كلها.

ع19-22: كان يُكتب على الصليب اسم المصلوب وسبب صلبه. ويذكر القديس يوحنا هنا أن ما كُتب كان أولًا بأمر بيلاطس شخصيا، وثانيا بلغة اليهود العبرانية، ولغة الفكر والعلم اليونانية، ولغة الدولة الرسمية اللاتينية. ولأن المكان كان مرتفعا، وقرأ ذلك كثير من الشعب، اعترض رؤساء الكهنة على التصريح بأن المسيح ملكهم، لأن في هذا إدانة لهم على قتلهم ملكهم. ولكن هذا الاعتراض قوبل بجفاء من بيلاطس، وأصر على كلامه في أن المسيح هو ملك اليهود. ولا نعلم إن كان هذا بدافع النكاية في رؤساء الكهنة، أو توقيرا لشخص لم ير فيه شرا.

ع23-24: كان القديس يوحنا أكثر مَنْ أوضح لنا قصة اقتسام الثياب، فنفهم أنهم كانوا أربعة من العسكر كل منهم أخذ جزءا. ولكن القميص كان منسوجا غير قابل للاقتسام، فألقوا عليه قرعة فيما بينهم لمن يكون. ويذكّرنا القديس يوحنا، كما فعل أيضًا متى (مت 27: 35)، بما قاله داود في نبواته عن آلام الصليب: "يقسمون ثيابى بينهم، وعلى لباسى يقترعون" (مز 22: 18).



(3) كلمات الصلب والموت (ع 25-37):

25 وَكَانَتْ وَاقِفَاتٍ عِنْدَ صَلِيبِ يَسُوعَ، أُمُّهُ، وَأُخْتُ أُمِّهِ مَرْيَمُ زَوْجَةُ كِلُوبَا، وَمَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ. 26 فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ: «يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ». 27 ثُمَّ قَالَ لِلتِّلْمِيذِ: «هُوَذَا أُمُّكَ». وَمِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ أَخَذَهَا التِّلْمِيذُ إِلَى خَاصَّتِهِ. 28 بَعْدَ هذَا رَأَى يَسُوعُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ كَمَلَ، فَلِكَيْ يَتِمَّ الْكِتَابُ قَالَ: «أَنَا عَطْشَانُ». 29 وَكَانَ إِنَاءٌ مَوْضُوعًا مَمْلُوًّا خَلًا، فَمَلأُوا إِسْفِنْجَةً مِنَ الْخَلِّ، وَوَضَعُوهَا عَلَى زُوفَا وَقَدَّمُوهَا إِلَى فَمِهِ. 30 فَلَمَّا أَخَذَ يَسُوعُ الْخَلَّ قَالَ: «قَدْ أُكْمِلَ». وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ. 31 ثُمَّ إِذْ كَانَ اسْتِعْدَادٌ، فَلِكَيْ لاَ تَبْقَى الأَجْسَادُ عَلَى الصَّلِيبِ فِي السَّبْتِ، لأَنَّ يَوْمَ ذلِكَ السَّبْتِ كَانَ عَظِيمًا، سَأَلَ الْيَهُودُ بِيلاَطُسَ أَنْ تُكْسَرَ سِيقَانُهُمْ وَيُرْفَعُوا. 32 فَأَتَى الْعَسْكَرُ وَكَسَرُوا سَاقَيِ الأَوَّلِ وَالآخَرِ الْمَصْلُوبِ مَعَهُ. 33 وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمَّا جَاءُوا إِلَيْهِ لَمْ يَكْسِرُوا سَاقَيْهِ، لأَنَّهُمْ رَأَوْهُ قَدْ مَاتَ. 34 لكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ. 35 وَالَّذِي عَايَنَ شَهِدَ، وَشَهَادَتُهُ حَقٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ لِتُؤْمِنُوا أَنْتُمْ. 36 لأَنَّ هذَا كَانَ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «عَظْمٌ لاَ يُكْسَرُ مِنْهُ». 37 وَأَيْضًا يَقُولُ كِتَابٌ آخَرُ: «سَيَنْظُرُونَ إِلَى الَّذِي طَعَنُوهُ».

ع25: من هن النساء اللواتى ذكرهن الكتاب المقدس عند الصليب؟! بمراجعة نصوص البشائر كلها نخلص بأنهن العذراء مريم أولا، و"سالومة" ابنة خالتها ثانيًا كما ذكرها مرقس في إنجيله (مر 15: 40، 16: 1)، و كما أشار لها متى (مت 20: 20) أم ابنى زبدى وهي أم القديس يوحنا، وثالث النساء هي مريم زوجة كلوبا أم يعقوب الصغير ويوسى، وآخرهن هي مريم المجدلية التي ذكرها متى في بشارته أولًا نظرا لتقواها بعد توبتها (مت 27: 56).
ويلاحظ أن القديس يوحنا لم يذكر اسم أمه، حتى لا يخرج عن منهجه الذي اعتاده في عدم ذكر اسمه.

ع26-27: لم ينس وسط آلامه وصلبه، وفي أصعب لحظاته، أمه بالجسد القديسة العذراء مريم. وإذ لم يكن لها أبناء بالجسد سواه، قدّم المسيح لها يوحنا ابنا، وَحَمَّلَ المسيح يوحنا مسئولية رعاية أمه؛ ويوضح استجابة الطرفين لوصية المسيح، إذ أخذها التلميذ المحب إلى خاصته.
ولكن، لماذا يوحنا الذي نال هذا الشرف؟ أليس أيها العزيز هو الوحيد المتبقي وسط كل الآلام بينما هرب آخرون؟!
يا صديقى، نال القديس يوحنا كرامة استضافة والدة الإله في منزله، لأنه لم يترك صليب رب المجد، فهناك عطية خاصة لكل من لا يهرب من صليبه، بل يقبله من الله بفرح.

ع28-30: "بعد هذا": تفيد أكثر من معنى:
الأول: أي بعد ثلاث ساعات الظلمة.
الثاني: أي بعد كل الحوارات أو الكلمات التي حدثت على الصليب، سواء ذكرها يوحنا أو لم يذكرها.
الثالث: أي بعدما اطمأن على تسليم القديسة مريم إلى يوحنا.
وقد أشار القديس يوحنا أن هناك نبوتين أخيرتين عن آلام المسيح: "لَصِقَ لساني بحنكي" (مز 22: 15)، "وفي عطشى يسقوني خلًا" (مز 69: 21).
كان لا بُد لهاتين النبوتين أن تتما، لذلك صرخ راوي البشرية كلها بدماء حبه: "أنا عطشان". ولم يذكر إناء الخل هذا سوى يوحنا، وهذا الخل هو نبيذ أُخِذَ في الفساد، ولهذا يدعى خلا. وكان الحراس يتناولونه لرخص ثمنه، أو بدلًا من التخلص منه فيعتبر خمرا مجانيا، وأخذ الحراس ساق نبات الزوفا (كانت غصونه تستعمل لرش المياه المقدسة حسب الطقوس اليهودية) لتوصيل الإسفنجة المشبعة بالخل إلى فم المسيح. وهذا الخل كان غير الخل الأول الممزوج بالمر، والذي كان يستخدم لتخدير الحواس لمن هم قادمون على آلام الصلب؛ وهذا الأول رفض المسيح شربه ليجوز الآلام كاملة بلا تخفيف.


"قَدْ أُكْمِلَ": أي أتم ما جاء من أجله من تقديم ذاته ذبيحة إثم وكفارة عن خطايانا، وكلمة "قَدْ أُكْمِلَ" هي الكلمة السادسة في ترتيب الكلمات التي قالها المسيح على الصليب، وهي بالترتيب التالي:
(1) "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 23: 24).
(2) "يا امرأة هوذا ابنك... هوذا أمك" (ع26، 27).
(3) "أنا عطشان" (ع28).
(4) "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43).
(5) "إيلي إيلي لما شبقتني" (مت 27: 46).
(6) "قَدْ أُكْمِلَ" (ع30).
(7) "يا أبتاه في يدك أستودع روحي" (لو 23: 46).

ع31-34: "إذ كان استعداد": أي حالة الاهتمام القصوى باحتفالات الفصح. وأول سبوت أسبوع الفصح كان أقدس سبوت العام عند اليهود، وكان هذا لا يتناسب مع وجود الأجساد معلقة على الصلبان. فاستأذن اليهود بيلاطس في كسر السيقان، وهو تقليد كان معروفا للقضاء على المصلوب بسرعة، وذلك بزيادة نزف الدم بعد تحطيم الأرجل، وهذا حتى لا يُدَنَّسُ السبت ببقاء المصلوبين على أرضهم, وأتم الجنود المهمة في الأول والأخير، أما يسوع فلم يقترب أحد منه، وتعجبوا إذ أسلم الروح هكذا سريعا (راجع مر 15: 44)، وزيادة في التأكد، طعن أحد الجنود جنبه فخرج منه دم وماء.
خروج الدم والماء: وقف كل آباء الكنيسة القدامى أمام "ظاهرة" خروج الدم والماء من جنب المخلص المطعون وقفة كان فيها الكثير من التأملات، نورد منها القليل التالي:
يرى ذهبي الفم: "إننا ولدنا من الماء وأُطْعِمْنَا من الدم. ولهذا، فإننا عندما نقترب من كأس الأفخارستيا، نشرب من الجنب المطعون ذاته."
ويقترب القديس ترتليان في تأمله من ذهبي الفم فيقول: "نحن نعتمد بالماء ونتمجد بالدم، نُدعَى بالماء ونُختار بالدم، لهذا كان جنبه المجروح؛ فالذي يغتسل بالماء يستعد لشرب الدم."
أما القديس أمبروسيوس والعلامة أوريجانوس فقد اتفقا تقريبا على معنى واحد: "إنه بعد الموت يتجمد الدم ولا يخرج ماء من جسد، ولكن كان لا بُد أن يحدث هذا، لنعلم أنه من جسد المسيح المائت خرجت كل الحياة."

ع35-37: يشير القديس يوحنا إلى نفسه كالعادة بإشارة مستترة، ويوضح سبب عدم كسر رجلى الرب يسوع، وطعن جنبه بالحربة وخروج الدم والماء، لنؤمن بالمسيح الذي تحققت فيه النبوات التالية:
(1) عظمٌ لا يكسر منه: كانت هذه الوصية متعلقة بخروف الفصح والذي يرمز مباشرة إلى شخص المسيح، وجاءت في (خر 12: 46)، وأشار القديس بولس أيضًا لها في (1 كو 5: 7) عندما قال: "لأن فصحنا أيضًا المسيح قد ذُبِحَ لأجلنا"، وأيضا النبوة التي ذكرها داود في (مز 34: 20) "يحفظ جميع عظامه، واحد منها لا ينكسر".
(2) فينظرون إلىَّ الذي طعنوه: (زك 12: 10): "وأفيض على بيت داود وسكان أورشليم... فينظرون إلىَّ (المسيح) الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له يكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره"، أي كما سبق وقال يوحنا أن الموت قد تم، ولكن يد الله هي التي حركت يد الجندي لطعن جنب المسيح، حتى يتم ما سبق وأعلنه الآب بالروح القدس في مسيحه.
ولنا هنا وقفة أيها الحبيب، فجنب المسيح المطعون ليس إثباتا للنبوة فقط، بل هو علامة حب يحمله المسيح في جسده، بجانب المسامير، فصار الجنب المطعون منبعا للرجاء والحماية بداخله من كل حروب المشاكس الشرير. فإذا شككت يوما بأنه ليس لك مكان في حضن المسيح، تذكر ماء المعمودية الذي اغتسلت به، والدم المتدفق الخارج الذي ينتظرك على المذبح، فتتجدد آمالك، ويلتهب قلبك برجاء في حب من وأحبك.



(4) الدفن (ع 38 - 42):

38 ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَلكِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، سَأَلَ بِيلاَطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ، فَأَذِنَ بِيلاَطُسُ. فَجَاءَ وَأَخَذَ جَسَدَ يَسُوعَ. 39 وَجَاءَ أَيْضًا نِيقُودِيمُوسُ، الَّذِي أَتَى أَوَّلًا إِلَى يَسُوعَ لَيْلًا، وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَنًا. 40 فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الأَطْيَابِ، كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا. 41 وَكَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ بُسْتَانٌ، وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ. 42 فَهُنَاكَ وَضَعَا يَسُوعَ لِسَبَبِ اسْتِعْدَادِ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْقَبْرَ كَانَ قَرِيبًا.

ع38: لماذا اختار المسيح يوسف الرامي من ضمن تابعيه (تلاميذه) ليدفن جسده؟
(1) كان غنيا ويملك قبرا جديدا في نفس موضع الصلب حسب النبوة: "وجُعل مع الأشرار قبره ومع غنى عند موته" (إش 53: 9)؛ (مت 27: 57-60).
(2) كان مشيرا شريفا ذا مكانة مرموقة، فاستطاع الدخول إلى بيلاطس (مر 15: 43).

ع39-40: "وجاء نيقوديموس... وأخذ جسد يسوع": تشير الأحداث وتتابعها إلى توزيع المهام، ثم مقابلتها سويا للتكفين. فيوسف ذهب إلى بيلاطس وأحضر نيقوديموس متطلبات التكفين، وأخذا سويا الجسد. ويشير القديس يوحنا إلى نيقوديموس بأنه الذي أتى أولًا إلى يسوع (راجع يو 3)، وهو نفسه الذي حاول الدفاع عن يسوع أمام مجلس رؤساء اليهود في (يو 7: 50). أما ما حمله نيقوديموس فكان مرا، وهو عصارة إحدى الأشجار المعروفة، وكان يستخدم للتطهير أو تقليل الألم، وكان من مواد التحنيط التي استخدمها الفراعنة ونقلها عنهم اليهود. أما العود، فهو مسحوق أساسه شجر عطر وله رائحة طيبة... ومقدار ما أتى به نيقوديموس هو مائة مَنًا، وألمنا مقياس حجم ووزن روماني مأخوذ عن اليونانيين، وهو يبلغ حجما نصف لتر تقريبا، ووزنا يعادل 340 جرامًا.
"لفاه بأكفان":قاما بخلط مزيج من الأطياب والزيوت العطرة ووضعاه على الجسد، ثم لفاه بالكتان.
"كما لليهود عادة": تعني ما أخذوه عن المصريين من عادات التحنيط.

ع41-42: القبر الذي دفن فيه المسيح كان جديدًا ومنحوتًا في صخرة داخل بستان مملوك ليوسف الرامي بالقرب من مكان الصلب، مما ساعد على إنهاء إجراءات التكفين والدفن بسرعة قبل الثانية عشر، وهي السادسة مساء بتوقيتنا، حتى لا يدخلوا في السبت العظيم.
ولعل استسلام جسد المخلص بين يدي مكفناه آخر مشاهد اتضاع الإله الذي سوف نراه بعد ذلك في أمجاد قيامته.


زيارة القبر الفارغ | ظهورات المسيح بعد قيامته





(1) زيارة المجدلية وبطرس ويوحنا للقبر الفارغ (ع 1-10):

1 وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا، وَالظَّلاَمُ بَاق. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعًا عَنِ الْقَبْرِ. 2 فَرَكَضَتْ وَجَاءَتْ إِلَى سِمْعَانَ بُطْرُسَ وَإِلَى التِّلْمِيذِ الآخَرِ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ، وَقَالَتْ لَهُمَا: «أَخَذُوا السَّيِّدَ مِنَ الْقَبْرِ، وَلَسْنَا نَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!». 3 فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ. 4 وَكَانَ الاثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعًا. فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَوَّلًا إِلَى الْقَبْرِ، 5 وَانْحَنَى فَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَلكِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. 6 ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، 7 وَالْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعًا مَعَ الأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفًا فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ. 8 فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضًا التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي جَاءَ أَوَّلًا إِلَى الْقَبْرِ، وَرَأَى فَآمَنَ، 9 لأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعْدُ يَعْرِفُونَ الْكِتَابَ: أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقُومَ مِنَ الأَمْوَاتِ. 10 فَمَضَى التِّلْمِيذَانِ أَيْضًا إِلَى مَوْضِعِهِمَا.

ع1: "أول الأسبوع": وهو الأحد، يوم إعلان النصرة وانكسار سلطان الموت، وقد صار يوم الرب بدلًا من السبت لكل المسيحيين منذ الكنيسة الأولى في العصر الرسولي.
"والظلام باقٍ": ما أروع حب المجدلية للرب، فمع أول خيوط الفجر، عند فتح أبواب أورشليم، خرجت من المدينة لتزور القبر، وكان الظلام ما زال يغطى الجهة الغربية تمامًا.. ولم تبالِ بأنها امرأة.. كان كل ما تمنته أن تلقى نظرة على القبر من الخارج، ولكنها عاينت القبر الفارغ، إذ أن الملاك كان قد دحرج الحجر كما ذُكِرَ في (مت 28: 2).

ع2-4: أسرعت في خروجها كأول مبشرة بالقيامة، وسبقتها لهفتها لبيت بطرس أولًا الأكبر والأكثر شهرة، ثم بيت يوحنا حيث تقيم العذراء مريم. وإذ لم تدرك بعد أبعاد القيامة، أبلغتهم، بحسب رؤيتها، أنهم أخذوا الرب إلى مكان مجهول. وظهرت أيضًا لهفة بطرس ويوحنا في جريهما نحو القبر، وسبق يوحنا لصغر سنه.

ع5-7: كان جسد الميت يُلَفُّ كله بأكفان، أما رأسه فكانت تغطى بمنديل أكبر يشملها كلها، وهو قطعة منفصلة. والغرض من ذكر هذه التفاصيل إثبات شيء واحد، وهو أن الجسد لم يسرق، وذلك لأن الذي يريد سرقة الجسد، لن يكون لديه الوقت لفك كل هذه الأكفان الملفوفة، بل سيأخذ الجسد كله ثم يتخلص من الأكفان بعيدا.
ولا يفوت القديس يوحنا ذكر بعض التفاصيل ليشركنا معه في المشهد، فانحناؤه يوضح انخفاض باب القبر، وعدم دخوله -بعد نظر الأكفان- يظهر رهبة الموقف. أما دخول بطرس، فيؤكد طبعه الجريء وإقدامه اللذين اعتدنا عليهما.



ع8: ثم جاءت شجاعة يوحنا بعد بطرس فدخل أيضا، وتحوّل التعجب إلى إيمان، وهو إيمان بما قالته لهما المجدلية وشكا فيه. إيمان يعجز أمامه العقل واللسان، إيمان بأن المسيح قام وخرج بذاته من هذا القبر المعتم.

ع9-10: كان موت المسيح صدمة للتلاميذ لأنهم لم يفهموا نبوات العهد القديم عن قيامته.. وينتهى هذا المشهد بعودة التلميذان إلى أورشليم حيث منزليهما.



(2) ظهور السيد المسيح للمجدلية (ع 11-18):

11 أَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ وَاقِفَةً عِنْدَ الْقَبْرِ خَارِجًا تَبْكِي. وَفِيمَا هِيَ تَبْكِي انْحَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ، 12 فَنَظَرَتْ مَلاَكَيْنِ بِثِيَابٍ بِيضٍ جَالِسَيْنِ وَاحِدًا عِنْدَ الرَّأْسِ وَالآخَرَ عِنْدَ الرِّجْلَيْنِ، حَيْثُ كَانَ جَسَدُ يَسُوعَ مَوْضُوعًا. 13 فَقَالاَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟» قَالَتْ لَهُمَا: «إِنَّهُمْ أَخَذُوا سَيِّدِي، وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَيْنَ وَضَعُوهُ!» 14 وَلَمَّا قَالَتْ هذَا الْتَفَتَتْ إِلَى الْوَرَاءِ، فَنَظَرَتْ يَسُوعَ وَاقِفًا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ يَسُوعُ. 15 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ؟ مَنْ تَطْلُبِينَ؟» فَظَنَّتْ تِلْكَ أَنَّهُ الْبُسْتَانِيُّ، فَقَالَتْ لَهُ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ قَدْ حَمَلْتَهُ فَقُلْ لِي أَيْنَ وَضَعْتَهُ، وَأَنَا آخُذُهُ». 16 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا مَرْيَمُ» فَالْتَفَتَتْ تِلْكَ وَقَالَتْ لَهُ: «رَبُّونِي!» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: يَا مُعَلِّمُ. 17 قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ». 18 فَجَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَأَخْبَرَتِ التَّلاَمِيذَ أَنَّهَا رَأَتِ الرَّبَّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هذَا.

ع11-12: رجع التلميذان، ولكن حب مريم ربطها بالقبر فلم تستطع أن تتركه، بل انحنت، لانخفاض باب القبر، وأطلّت داخلا فنظرت ملاكين ظهرا في صورة الناس، وقد وصفهما كل من مرقس "شابًا" (مر 16: 5)، ولوقا "رجلان" (لو 24: 4)، ويوضح القديس يوحنا أيضًا وضع جلوسهما.

ع13-14: العجيب أن مريم لم تخف من وجود هذين الملاكين، واللذين لم يسبق وجودهما.
"لماذا تبكين؟": لم يَعْنِ هذا السؤال عدم معرفتهما سبب بكائها، بل استنكاره، إذ ينبغي الفرح لقيامة السيد من الأموات. وتأتى إجابتها لتعبر بالفعل عن عدم قناعتها، أو لِنَقُلْ عدم إدراكها لهذه القيامة، فهي لا زالت تعتقد أن الجسد أُخِذَ ولا تعلم مكانه.
ولما فرغت من إجابتها، "التفتت إلى الوراء، فنظرت يسوع واقفا". ولأنها في حيرة وحزن، لم تعلم من هو، لأنه كان بعيدا عن خيالها وتوقعاتها أن يكون هذا هو شخص الرب يسوع.

ع15: كان القبر منحوتا في جدار داخل بستان، ولذلك كان أسرع احتمال قفز إلى عقل المجدلية أن المتكلم، والمستيقظ في هذا الوقت المبكر من الصباح، لا بُد أن يكون البستانى. ولم تلتفت أو تدقق في هيئته أو صوته، لأن حدث القيامة لم يكن واردا في حسبانها. أما سؤال المسيح لها، فبالطبع لم يكن من باب الاستفسار، وهو العالم بأفكار القلوب، ولكن لتنبيهها وتقديم نفسه لها.

ع16: ناداها الرب باسمها، فكانت استجابتها كالحمل الذي يعرف صوت راعيه، وبدت وكأنها تفيق من حلم وغفلة، إلى يقظة القيامة غير مصدقة، فأجابت: " رَبُّونِى"، أي يا معلم، وهو التعبير واللقب الذي كان ينادَى به المسيح. ولهذا، فهي تعلن لنا بهذه الإجابة معرفتها لشخص القائم من الأموات.

ع17: "لا تلمسينى": في (مت 28: 9)، نعلم أن مريم المجدلية ومريم الأخرى أمسكتا بقدميه، فلماذا قال السيد هنا لا تلمسينى؟
يذهب البعض في تفسيره لهذا الموقف أن مريم، في المرة الأولى، لمست المسيح بالفعل، ولكن عاودتها بعض الشكوك في القيامة، ولهذا منعها المسيح من لمسه، كنوع من التأديب الروحي على شكها في القيامة.
أما القديس ذهبي الفم، فيقول إن السيد أراد أن ينقل المجدلية من حال التعلق العاطفى بشخصه، إلى حقيقة القيامة ومجد لاهوته الجديد، وكأنه يتدرج بها في النضوج، فاطما إياها من مشاعرها الجسدية إلى مشاعر روحية أرقى.
وهناك رأيا ثالثا يذهب بأن ما قصده المسيح هو: لا تعيقينى ولا تبطئى من إعلان القيامة، فهناك عمل الإخبار للتلاميذ الذي عليك القيام به، ثم "أنى لم أصعد بعد إلى أبى"، أي لست صاعدا سريعا، بل سأبقى أربعين يوما، فليست هذه هي الفرصة الوحيدة التي سوف ترينى فيها.
"أبى وأبيكم": أبى خاصة وأبوكم عامة، أي أبى الأقنومى الذي أنا ابنه - الكلمة - وأبوكم، أي الأبوة العامة لله لكل أبنائه المؤمنين.
"إلهي وإلهكم": إلهي لأن الآب في مجده أعظم من الابن المتجسد على الأرض ومجده مخفى وإن كان الاثنان واحدا، أما إلهكم فلأنكم خلقته.

ع18: فأسرعت المجدلية لتخبر التلاميذ برؤيتها للمسيح القائم، وكل الحديث الذي دار بينهما، وأنه سيصعد إلى السماء بعد فترة يظهر فيها لهم.



(3) الظهور الأول للتلاميذ (ع 19-25):

19 وَلَمَّا كَانَتْ عَشِيَّةُ ذلِكَ الْيَوْمِ، وَهُوَ أَوَّلُ الأُسْبُوعِ، وَكَانَتِ الأَبْوَابُ مُغَلَّقَةً حَيْثُ كَانَ التَّلاَمِيذُ مُجْتَمِعِينَ لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، جَاءَ يَسُوعُ وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ، وَقَالَ لَهُمْ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!» 20 وَلَمَّا قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَجَنْبَهُ، فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ. 21 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا: «سَلاَمٌ لَكُمْ! كَمَا أَرْسَلَنِي الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا». 22 وَلَمَّا قَالَ هذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ. 23 مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ». 24 أَمَّا تُومَا، أَحَدُ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُقَالُ لَهُ التَّوْأَمُ، فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حِينَ جَاءَ يَسُوعُ. 25 فَقَالَ لَهُ التَّلاَمِيذُ الآخَرُونَ: «قَدْ رَأَيْنَا الرَّبَّ!». فَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ لَمْ أُبْصِرْ فِي يَدَيْهِ أَثَرَ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ إِصْبِعِي فِي أَثَرِ الْمَسَامِيرِ، وَأَضَعْ يَدِي فِي جَنْبِهِ، لاَ أُومِنْ».

ع19: في مساء أحد القيامة، يصور القديس يوحنا كيف كان حال التلاميذ العشرة (لاختفاء يهوذا وغياب توما) من خوف، وكيف كانت الأبواب مغلقة بإحكام من الداخل عليهم، ولكن في إثبات لعقيدة جسد القيامة الممجد والغير خاضع للقوانين المادية.
فوجئ التلاميذ بالسيد المسيح في وسطهم، ملقيا عليهم سلامه الإلهي لِيُطَمْئِنَ قلوبهم ويحررهم من الخوف الذي حبسوا أنفسهم داخله.
هكذا نحن جميعا... لدينا أبواب مغلقة وأسوار مرتفعة من مخاوف أو قلق... وكلنا نطلب سلامك وإشراق نورك الإلهي علينا، حتى تطمئن قلوبنا ونطرح الخوف خارجا.

ع20: قدم المسيح برهان قيامة جسده، فهو إذن ليس روحا أو خيالا، ولكنه جسد قائم يحمل جراحات الصليب... ولهذا كان فرح التلاميذ عجيبا إذ رأوا الرب وتحققوا من قيامته... ولا يوجد شيء في الوجود يعادل الفرح برؤية الرب.
والله أعطانا أن نراه بأعين الإيمان في حياتنا اليومية، وهي عطية حرم نفسه منها كل إنسان لا يعترف به، أو يحيا خارج كنيسته. وهذه العطية بمثابة عربون لمن يثبت في حبه لله، فنراه هناك في السماء فيكمل فرحنا به، فرح بلا هم ولا كآبة ولا تنهد ولا قلق كما تصلى الكنيسة في أوشية الراقدين.

ع21: كرر المسيح التحية بسلامه الممنوح لهم مرة ثانية ليزيد من إحساسهم بالطمأنينة، ثم انتقل إلى شيء آخر، وهو عمل التلاميذ المقبل. فكما أرسلنى الآب من أجل عمل الفداء الذي لا يقدمه آخر سواى، هكذا أرسلكم أنتم مبشرين وشهودا لهذا الفداء الذي تم.



ع22: "نفخ... الروح القدس": قال السيد المسيح سابقًا عن الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمه. وهنا، يمنح التلاميذ هبة الروح القدس بالنفخة في وجوههم، لأن سلطانه هو سلطان الآب ذاته. ونشير هنا لشيئين:


أن هذه النفخة كانت تأسيسا لسر الكهنوت في العهد الجديد.


أن هذه النفخة، في التقليد الرسولي، صارت مثل الخميرة التي استلمها الرسل من السيد المسيح وأودعوها داخل أسرار الكنيسة، فالكاهن أيضًا في سر المعمودية ينفخ في وجه المعمد قائلًا: "اقبل الروح القدس." وكذلك في سر الكهنوت ينفخ الأسقف في وجه القس ويردد ذات العبارة... ويستخدمها أيضًا الكثير من الكهنة في سر الاعتراف كنفخة لمغفرة الخطايا... وهكذا...
ع23: آية توضح، دون أي لبس أو شك، سلطان الروح القدس الكائن في سر الكهنوت، والذي منحه السيد المسيح في الآية السابقة لرسله، الذين أودعوه الكنيسة.
ونكتفى هنا بما أورده القديس كيرلس الكبير في شرحها: "إن المغفرة تليق بطبيعة الله وحده، ولكن الذين وهبهم روحه القدّوس أعطاهم أن يحوزوا قوة المغفرة، لأنه كيفما صنعوا، يكون الروح القدس الساكن فيهم -من خلال سر الكهنوت- هو الذي يغفر أو يُمسك الخطايا. على أن العمل يكون بواسطة الإنسان - الكاهن - وهذا السلطان مرجعه الروح القدس وليس قداسة الإنسان (راجع حادثة بطرس مع سَفِّيرة وحنّانيا، أع 5: 1-10)، وقول بطرس: "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس؟"(ع3)، ولم يقل: لتكذب علىّ؟ أما سر مغفرة الخطايا - التوبة الاعتراف - فهو الإقرار أمام الروح القدس، الذي يستخدم يد الكاهن، في نقل خطايا المعترف إلى حساب دم المسيح الكفارى. ويعلن أيضًا الروح القدس، من خلال الكاهن، مغفرة الله لهذه الخطية. ولهذا كان سر الاعتراف من أكثر الأسرار المفرحة والمعزية للإنسان، وخاصة التي يمارسها بفهم ووعى.

ع24-25: كان توما يمثل الشخصية العقلانية التي تعرقل الإيمان القلبى البسيط، حتى أنه رفض تصديق باقي الرسل الأطهار وشهادة نساء القيامة، وكان له أيضًا سابقة (راجع يو 14: 5)، بل أعلن، في تحد غير خفى، أنه لن يؤمن ما لم يرى ويحس جراحات الصليب ماديا. وذكر القديس يوحنا موقف توما الرسول هنا، لأنه يعتبره مقدمة لأحداث الظهور القادم للمسيح وسط تلاميذه.

(4) الظهور الثاني للتلاميذ (ع 26-31):

26 وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلاَمِيذُهُ أَيْضًا دَاخِلًا وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ وَالأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسْطِ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكُمْ!». 27 ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: «هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلاَ تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِنًا». 28 أَجَابَ تُومَا وَقَالَ لَهُ: «رَبِّي وَإِلهِي!». 29 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا». 30 وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. 31 وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ.

ع26-27: في الأحد التالي تكرر الظهور بنفس ملابساته، والاختلاف الوحيد هو وجود توما الغائب سابقا. وبعد أن ألقى السيد سلامه على التلاميذ، وَجَّهَ كلامه مباشرة إلى توما، وغاية كلمات المسيح كلها: "ولا تكن غير مؤمن، بل مؤمنا".


وأسلوب المسيح مع توما يعطينا مثلًا لاتساع القلب واللطف وطول الأناة، حتى لمن شك واشترط على الله أن يستجيب لطلباته حتى يؤمن بقيامته، ليعلّمنا بذلك المعنى الحقيقي للاتضاع والتنازل والإشفاق على الناس في ضعفاتهم الروحية.
ويذهب البعض أيضًا أن كلام المسيح لم يخلو من العتاب الرقيق.

ع28: "ربى وإلهي":جاءت إجابة توما "إعلانًا واعتذارًا"، إعلانًا إيمانيًّا قويًّا، واعتذارًا أيضًا لخجله من عتاب المسيح الرقيق لعدم إيمانه الصارخ، ولم يقل توما فقط: "ربي"، بل قال أيضًا: "وإلهي"، وهو تعبير قوى يعبّر به عن إدراكه لسر القيامة، وأنه أمام الإله المتجسد كاسر شوكة وسلطان الموت بلاهوته.

ع29: هنا يعاتب السيد المسيح بلطف أيضًا توما على شكه، فما كان جدير بتلميذ عاش مع المسيح أكثر من ثلاث سنوات رأى فيها المعجزات وسمع التعاليم، أن يكون موقفه هكذا مطالبا بالرؤية المادية للمسيح القائم. ولهذا، يعلن أيضًا السيد المسيح عن طوباوية، أي البركات، التي ينالها كل من يؤمن به في كل العصور دون أن يقف عقله عائقا أمام إيمانه.

ع30-31: يوضح القديس يوحنا هنا غاية كتابة إنجيله كله، وهو أنه لم يكن كتابا لحصر المعجزات والعجائب التي لن تسعها كل كتب العالم (يو 21: 25)، بل كان له غرض واحد فقط، هو الإيمان أن يسوع الإنسان هو المسيح الإله، وهو أقنوم الكلمة ابن الله الأزلي والمساوى. وكأن يوحنا، وهو يختم إنجيله، يذكّرنا بما سبق وأعلنه عن شخص السيد المسيح في أصحاحه الأول، أن الكلمة هو ابن الله، وأن الكلمة كان الله، ويعطى لكل القارئين خلاصة كل إنجيله والغرض منه، وهو أنه لا حياة ولا أبدية خارج اسم المسيح؛ فالذين قبلوه هم فقط الذين صاروا أبناء الله.
إلهنا الحبيب، أعطنا أن يكون لنا هذا الإيمان الحي والعامل الذي هو سر غلبة العالم، كما قال القديس يوحنا في رسالته الأولى: "من هو الذي يغلب العالم إلا الذي يؤمن أن يسوع هو ابن الله؟" (يو 5: 5).

 
قديم 17 - 04 - 2024, 01:31 PM   رقم المشاركة : ( 157887 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,387,643

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






استمرار المحاكمة أمام بيلاطس (ع 1 - 16):

1 فَحِينَئِذٍ أَخَذَ بِيلاَطُسُ يَسُوعَ وَجَلَدَهُ. 2 وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلًا مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ، 3 وَكَانُوا يَقُولُونَ: «السَّلاَمُ يَا مَلِكَ الْيَهُودِ!». وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ. 4 فَخَرَجَ بِيلاَطُسُ أَيْضًا خَارِجًا وَقَالَ لَهُمْ: «هَا أَنَا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً». 5 فَخَرَجَ يَسُوعُ خَارِجًا وَهُوَ حَامِلٌ إِكْلِيلَ الشَّوْكِ وَثَوْبَ الأُرْجُوانِ. فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ!». 6 فَلَمَّا رَآهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْخُدَّامُ صَرَخُوا قَائِلِينَ: «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!». قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «خُذُوهُ أَنْتُمْ وَاصْلِبُوهُ، لأَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً». 7 أَجَابَهُ الْيَهُودُ: «لَنَا نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ أَنْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ابْنَ اللهِ». 8 فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هذَا الْقَوْلَ ازْدَادَ خَوْفًا. 9 فَدَخَلَ أَيْضًا إِلَى دَارِ الْوِلاَيَةِ وَقَالَ لِيَسُوعَ: «مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟». وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يُعْطِهِ جَوَابًا. 10 فَقَالَ لَهُ بِيلاَطُسُ: «أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطَانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وَسُلْطَانًا أَنْ أُطْلِقَكَ؟» 11 أَجَابَ يَسُوعُ: « لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ، لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ. لِذلِكَ الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ». 12 مِنْ هذَا الْوَقْتِ كَانَ بِيلاَطُسُ يَطْلُبُ أَنْ يُطْلِقَهُ، وَلكِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ!». 13 فَلَمَّا سَمِعَ بِيلاَطُسُ هذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَ يَسُوعَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْوِلاَيَةِ فِي مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ «الْبَلاَطُ» وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ «جَبَّاثَا». 14 وَكَانَ اسْتِعْدَادُ الْفِصْحِ، وَنَحْوُ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَقَالَ لِلْيَهُودِ: «هُوَذَا مَلِكُكُمْ!». 15 فَصَرَخُوا: «خُذْهُ! خُذْهُ! اصْلِبْهُ!» قَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ: «أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟» أَجَابَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ: «لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!». 16 فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِمْ لِيُصْلَبَ. فَأَخَذُوا يَسُوعَ وَمَضَوْا بِهِ.
ع1-4: تأرجح بيلاطس بين صوت الحق (الضمير)، وبين ضعف اليهود وشراسة ندائهم بصلب المسيح، فأسلمه أولًا للجلد لعله يهدئ من ثورة اليهود؛ ويؤكد القديس لوقا هذا في (لو 23: 16): "أنا أؤدبه ثم أطلقه". وقد أورد كل من متى ومرقس الجلد والصلب معا (مت 27: 26؛ مر 15: 15)، ولكن القديس يوحنا فصل بينهما، وكذلك محاولات بيلاطس الضعيفة لتبرئة المسيح. وينتقل القديس يوحنا لمنظر استهزاء الجند الرومان بالمسيح أثناء الجلد، فسخروا منه وألبسوه ثوب يمثل في لونه ثياب الملوك، وكذلك ضفروا إكليلًا من شوك وتوجوه به (راجع إش 53: 5).
"كانوا يلطمونه": ويضيف متى (مت 27: 30) ضربوه على رأسه، ولا نعتقد أن هناك لسان أو كاتب يستطيع أن يصف أو يعبّر عن هذا المشهد الأثيم...
ع5-6: أخرج بيلاطس يسوع بعد الجلد، وهو لابس الأرجوان وعلى رأسه الشوك، في محاولة أخيرة يتلمس بها عطف اليهود فيطلق المسيح. ولكنهم ازدادوا قساوة وطالبوا بصلبه، فشهد بيلاطس شهادته الثالثة ببراءة يسوع (راجع يو 18: 38؛ 19: 4-6). وفي محاولة تنبيه اليهود، أراد بيلاطس إخلاء يده من المسئولية، فقال لهم: "خذوه أنتم واصلبوه" دون إشراكي في جريمتكم.
ع7: قدم اليهود اتهامهم الأول بأن المسيح فاعل شر (ص 18: 30)، وعند فشلهم، قدموا الاتهام الثاني بأنه خائن لقيصر، ودفع المسيح هذا الاتهام عنه عندما أجاب بأن مملكته ليست من هذا العالم (يو 8: 36). وهنا، أتى اليهود باتهام ثالث بأنه مجدف على الناموس، أي دينهم، وبحسب ذلك يجب أن يموت، وبهذا يبطلون دفاع بيلاطس عن المسيح في أنه لا يجد فيه علة.
ع8: وقد ارتعب بيلاطس عند ذكر اليهود أن المسيح "ابن الله"، ولنا أن نفهم، فهو مرعوب لإصدار حكم على برئ لا يدينه في شيء، ولكنه يشعر بمكيدة وقسوة اليهود اللتين تقودانه في تيار الحكم عليه، ومرعوب أيضًا لكلمة "ابن الله"، إذ كان الرومان واليونانيون يعتقدون في إمكانية ظهور الآلهة وتجسدهم أو التناسل منهم... ولعل المسيح أحد أبناء الآلهة، فهل يوقع بيلاطس نفسه في خصومة مع الآلهة؟ نضيف إلى ذلك أيضًا سببا لرعبه، وهو الحلم الذي حلمته زوجته وأخبرته به، قائلة له: "إياك وذاك البار" (مت 27: 19).
ع9-11: في محاولة للانتصار على رعبه وخوفه، أخذ بيلاطس يسوع إلى داخل ليستفسر منه: "من أين أنت؟"، هل من السماء؟! هل أنت ابن للآلهة كما سمعت؟! وعدم إجابة المسيح هي قناعة شخصه المبارك بأن ما يقوله لن يغير من الوضع شيء، وكان كافيا على بيلاطس ما سمعه منه لتبرئته. ولدفع المسيح للكلام، هدده بيلاطس بسلطانه أن يقتله أو يطلقه.
فجاءت إجابة المسيح القوية والتي أرعبت بيلاطس: "ليس لك سلطان علىّ أبدا ما لم يكن أبى سمح لك بذلك." فالصلب إذن هو إرادة الآب وموافقة وخضوع الابن، وليس لسلطان أرضى أو زمني أن يتحكم فيه، وفي نفس الوقت، لم يَعْفِ بيلاطس من المسئولية لأنه متردد وسلبي، ولم يعلن براءته. ولكن الذي أسلمني أي يهوذا واليهود -حسدًا- خطيتهم أعظم من خطيتك؛ ولعل سبب تخفيف خطية بيلاطس أنه أممي لا يعرف الكتب ولا المواعيد كما يعرفها هؤلاء.
ع12: لا نعرف كيف كان بيلاطس يطلب أن يطلق المسيح، هل بأحاديث مع الجمع أو بعض رؤساء الكهنة؟ ولكن، من المؤكد أن رعبه وحيرته زادا أمام ضميره وفحصه ليسوع من جهة، وأمام صراخ اليهود وتهديدهم من جهة أخرى، فهدَّدوه بما لم يكن في حسابه، وهو أنه إن أطلق من يدعى أنه مَلك لليهود، فإنه يوافق ضمنا على وجود ملك بخلاف قيصر، وهذا ما لا نرتضيه نحن، ويجعلك أيضًا خائنا لقيصر. ونجح اليهود بذلك في إدخال نوع جديد من الخوف على قلبه، وهو الخوف على المنصب السياسي ومعاداته لقيصر نفسه.
ع13: أخرج بيلاطس الرب يسوع من دار الولاية إلى الساحة حيث ينتظر اليهود، وجلس على كرسيه الذي يستخدمه الولاة الرومان عند إصدار أحكامهم. ويضيف القديس يوحنا، لإشراكنا في المشهد، مكان ووضع الكرسي، فهو كان على ربوة مرتفعة (جباثا ×’ض¼ض·×‘ض¼ض°×ھض¸×گ) بالنسبة للساحة التي تجمع فيها اليهود، ويقال لها أيضًا (البلاط) لأنه كان مبلطا برخام ومرمر.
ع14: وإذ اقترب من الساعة السادسة، ولم يبق إلا ثلاث ساعات على تقديم الفصح (في التاسعة)، كان لزاما على بيلاطس أن يأخذ قرارا بالنسبة للمسيح، فحاول للمرة الأخيرة التخلص من القرار وترك اليهود يحكمون عليه قائلًا: "هوذا ملككم".
ع15-16: استفز قول بيلاطس "هوذا ملككم" اليهود وازدادت عصبيتهم، وأجابوه: "خذه أنت، لماذا تعطينا إياه؟ خذه واصلبه." وعندما سألهم: "أأصلِب ملككم؟" صرخوا: "ليس لنا ملك إلا قيصر." وهذا إنكار وتنازل... فاليهود يعلمون أنهم ليس لهم ملك سوى الله، وأن الرومان يحتلونهم، وكانوا ينتظرون الخلاص منهم.
أما أن يُصَرِّحُوا الآن بأن ملكهم هو قيصر، فهم بذلك مثل للإنسان الذي يغيّر كل مبادئه في لحظة من أجل خبث في قلبه، وبذلك طبقوا مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة". وجاءت نهاية مشهد المحاكمة الهزيلة بخضوع من خاف على مركزه من الشغب، فواحد يموت حتى لو كان بريئا لأنجو أنا بنفسي؛ ويا له من مبدأ!!!
 
قديم 17 - 04 - 2024, 01:34 PM   رقم المشاركة : ( 157888 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,387,643

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






† لماذا يا إلهي احتملت يد الخطاة الأثمة تمتد
على وجهك البار القدّوس، وكيف يحدث هذا؟!
فتأتى إجابته: من أجل خلاصك يا بنى!!!
وفي محاولة لتبرئة ضميره،
يخرج بيلاطس ويعلن مرة ثانية براءة المسيح،
ولكنه إعلان دون الحكم بذلك.
 
قديم 17 - 04 - 2024, 01:35 PM   رقم المشاركة : ( 157889 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,387,643

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






† من السهل علينا أن ننتقد بيلاطس على سوء استخدام سلطانه،
وكذلك خوفه وجبنه. ولكن، في مواقف أخرى في حياتنا اليومية،
ألعلنا نكذب لننجو من فعلة نستحق عليها توبيخا،
أو نتهرب من مسئولية إعلان الحق، محاولين نفض أيدينا
وإلقاء المسئولية على آخرين كما صنع بيلاطس، أو نفعل مثل اليهود؛
نجد تبريرا لشرورنا نخدّر به ضمائرنا؟! ارحمنا يا رب.
 
قديم 17 - 04 - 2024, 01:36 PM   رقم المشاركة : ( 157890 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,387,643

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






رحلة الصلب (ع 17- 24):

17 فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «مَوْضِعُ الْجُمْجُمَةِ» وَيُقَالُ لَهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ «جُلْجُثَةُ»، 18 حَيْثُ صَلَبُوهُ، وَصَلَبُوا اثْنَيْنِ آخَرَيْنِ مَعَهُ مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَا، وَيَسُوعُ فِي الْوَسْطِ. 19 وَكَتَبَ بِيلاَطُسُ عُنْوَانًا وَوَضَعَهُ عَلَى الصَّلِيبِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا: «يَسُوعُ النَّاصِرِيُّ مَلِكُ الْيَهُودِ». 20 فَقَرَأَ هذَا الْعُنْوَانَ كَثِيرُونَ مِنَ الْيَهُودِ، لأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي صُلِبَ فِيهِ يَسُوعُ كَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ. وَكَانَ مَكْتُوبًا بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَالْيُونَانِيَّةِ وَالّلاَتِينِيَّةِ. 21 فَقَالَ رُؤَسَاءُ كَهَنَةِ الْيَهُودِ لِبِيلاَطُسَ: «لاَ تَكْتُبْ: مَلِكُ الْيَهُودِ، بَلْ: إِنَّ ذَاكَ قَالَ: أَنَا مَلِكُ الْيَهُودِ!». 22 أَجَابَ بِيلاَطُسُ: «مَا كَتَبْتُ قَدْ كَتَبْتُ». 23 ثُمَّ إِنَّ الْعَسْكَرَ لَمَّا كَانُوا قَدْ صَلَبُوا يَسُوعَ، أَخَذُوا ثِيَابَهُ وَجَعَلُوهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ، لِكُلِّ عَسْكَرِيٍّ قِسْمًا. وَأَخَذُوا الْقَمِيصَ أَيْضًا. وَكَانَ الْقَمِيصُ بِغَيْرِ خِيَاطَةٍ، مَنْسُوجًا كُلُّهُ مِنْ فَوْقُ. 24 فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لاَ نَشُقُّهُ، بَلْ نَقْتَرِعُ عَلَيْهِ لِمَنْ يَكُونُ». لِيَتِمَّ الْكِتَابُ الْقَائِلُ: «اقْتَسَمُوا ثِيَابِي بَيْنَهُمْ، وَعَلَى لِبَاسِي أَلْقَوْا قُرْعَةً». هذَا فَعَلَهُ الْعَسْكَرُ.

ع17: أي من دار الولاية أولا، ثم من أورشليم ثانيا، ليصلب خارج المحلة (الجلجثة). ويتأمل في ذلك القديس بولس: "لذلك يسوع أيضا، لكي يقدّس الشعب بدم نفسه، تألم خارج الباب، فلنخرج إذًا إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب 13: 12- 13).




"جمجمة - جلجثة": كان التقليد الموروث عند اليهود يقول أنها المكان الذي دُفنت فيه جمجمة آدم. أما العلماء فيصفونها أنها ربوة متوسطة الارتفاع، شكلها الصخري يشبه الجمجمة في تكوينها، وكان هذا المكان يستخدم للرجم وقريبا من المدينة.

ع18: أشار القديس يوحنا للصلب إشارة سريعة، وذكر اللصين دون أن يذكر الحوار مع المسيح. ولهذا، لمراجعة أحداث الصلب، انظر النصوص (مت 27؛ مر 15؛ لو 23) في الأجزاء المتعلقة بأحداث الصلب لاستكمال الصورة كلها.

ع19-22: كان يُكتب على الصليب اسم المصلوب وسبب صلبه. ويذكر القديس يوحنا هنا أن ما كُتب كان أولًا بأمر بيلاطس شخصيا، وثانيا بلغة اليهود العبرانية، ولغة الفكر والعلم اليونانية، ولغة الدولة الرسمية اللاتينية. ولأن المكان كان مرتفعا، وقرأ ذلك كثير من الشعب، اعترض رؤساء الكهنة على التصريح بأن المسيح ملكهم، لأن في هذا إدانة لهم على قتلهم ملكهم. ولكن هذا الاعتراض قوبل بجفاء من بيلاطس، وأصر على كلامه في أن المسيح هو ملك اليهود. ولا نعلم إن كان هذا بدافع النكاية في رؤساء الكهنة، أو توقيرا لشخص لم ير فيه شرا.

ع23-24: كان القديس يوحنا أكثر مَنْ أوضح لنا قصة اقتسام الثياب، فنفهم أنهم كانوا أربعة من العسكر كل منهم أخذ جزءا. ولكن القميص كان منسوجا غير قابل للاقتسام، فألقوا عليه قرعة فيما بينهم لمن يكون. ويذكّرنا القديس يوحنا، كما فعل أيضًا متى (مت 27: 35)، بما قاله داود في نبواته عن آلام الصليب: "يقسمون ثيابى بينهم، وعلى لباسى يقترعون" (مز 22: 18).
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 06:46 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025