منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27 - 03 - 2023, 05:00 PM   رقم المشاركة : ( 115111 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يقدم لنا أليفاز صورة حية لمنهج طريق التوبة،
بجانبيه السلبي والإيجابي، وكأنه يعلن:
"حد عن الشر، وأصنع الخير" (مز 34: 14).
فإن أغمضنا أعيننا عن نيته في أن يختلق اتهامات لأيوب البار،
فقد أوضح ضرورة التعرف على الخطايا والآثام والاعتراف بها،
مع الرجوع إلى الله والتمتع بالشركة معه.
لقد قدم صورة جميلة ورائعة عن بركات التوبة.
 
قديم 27 - 03 - 2023, 05:01 PM   رقم المشاركة : ( 115112 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






اتهامه أنه ينتقد تصرفات الله

فَأَجَابَ أَلِيفَازُ التَّيْمَانِيُّ: [1]
هَلْ يَنْفَعُ الإِنْسَانُ اللهَ؟
بَلْ يَنْفَعُ نَفْسَهُ الْفَطِنُ! [2]
قبلًا كان الأصدقاء الثلاثة يتهمون أيوب بالرياء، إذ لم يجدوا خطية يمكن أن يمسكوا بها ضده، لقد أصروا أنه حتمًا كان مرائيًا، يفعل الشر خفية. أما علامة ريائه فهي أن ما حلّ به من نكبات متلاحقة علامة غضب الله عليه. الآن يضع أليفاز سلسلة من الاتهامات أولها حاول أن يستخرجها من كلمات أيوب أثناء الحوار بتأويلها حسب وجهة نظرهم. أول هذه الاتهامات هي أن أيوب يشكو من تصرفات الله وينتقدها، وكأنه يحكم على الله بالظلم.
حسب أليفاز شكوى أيوب من كثرة نكباته بأنه يتهم الله بالظلم. هذا إتهام باطل، فإن أيوب كان أبعد ما يكون من أن يفكر هكذا.
إن استبعدنا نية أليفاز في اتهام أيوب فإن حديثه يحمل جانبًا صادقًا، وهو أن الله ليس محتاجًا إلى صلاح الإنسان، ولا منفعة له في ذلك، وإنما المنفعة تنصب على الإنسان الذي هو موضوع حب الله واهتمامه ورعايته. فالفطنة أو الحكمة هي لبنيان الإنسان وأن مصدر الحكمة هو الله.
"أما الحكمة فنافعة للإنجاح" (جا 10: 10). "التقوى نافعة لكل شيء" (1 تي 4: 8). "إن كنت حكيمًا، فأنت حكيم لنفسك" (أم 9: 12).
* "هل يُقارن إنسان بالله، حتى وإن كانت له معرفة كاملة؟" [2] الذين يبلغون إلى الحضيض في وضع اتهامات معينة، إذ يناقضون كلمات الحق، غالبًا ما يكررون ما هو معروف، لئلا بإمساكهم لسانهم يبدو أنهم مهزومون. هكذا أليفاز إذ ضغطت عليه أقوال الطوباوي أيوب نطق بأمور معروفة لكل أحدٍ.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* يضرب الإنسان الشرير نفسه أولًا، بل ولا يضرب إلا نفسه، إذ قيل: "هو وحده يتحمل" (راجع أم 9: 12). نفسه دائمًا مملوءة غمًا، وأفكاره دائمًا معقدة، سواء بالنسبة لما يسمعه أو ما يقوله، يمارس كل شيءٍ وهو يشتكي، مُقدمًا اتهامات.
القديس يوحنا الذهبي الفم


هَلْ مِنْ مَسَرَّةٍ لِلْقَدِيرِ إِذَا تَبَرَّرْتَ،
أَوْ مِنْ فَائِدَةٍ إِذَا قَوَّمْتَ طُرُقَكَ؟ [3]
الإنسان في ضعفه ومحدوديته يعجز عن أن يقدم أي نفع لله الكلي الكمال الذي لا يزداد في شيءٍ ما. هل يمكن للشمعة أن تفيد الشمس في شيء؟ وهل من نقطة ماء في كوب أن تؤثر على المحيط؟
إن صارت طرقنا كاملة تمامًا فهل يمكنها أن تنفع الله. وأية مسرة لذاك القدير إن صرنا أبرارًا. فهو مصدر السلام والتطويب والبهجة. إن حدثنا بلغتنا البشرية أنه يُسر بنا، إنما يكشف هذا عن حبه لنا، وشوقه إلى خلاصنا ومجدنا، دون أن ينتفع من برَّنا وتقديسنا في شيء خاص به.
* "هل من نفع لله إذا تبررت؟ أو من فائدة إذا قدَّمت طرقك؟" [3] في هذا كله نحن نفعل حسنًا، نعمل لصالحنا لا لصالح الله. لذلك قيل بالمرتل: "يا نفسي قولي للرب: أنت إلهي، لست في حاجة إلى خيراتي" (مز 16: 2). فهو بالحق ربنا، إذ هو أيضًا بالتأكيد الله غير المحتاج إلى أحدٍ يخدمه، بل يرد الخير الذي يتقبله، حتى أن الخيرات التي تُقدم لا تفيده هو بل الذين تقبلوها أولًا وترتد ثانية إليهم. يقول الرب عند مجيئه للدينونة: "بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" (مت 25: 40). يقول هذا بحنوٍ فائقٍ وتعاطفٍ مع أعضائه.
البابا غريغوريوس (الكبير)
*لو لم يكن يحبنا فلماذا خلقنا؟ هل هو في احتياج إلينا؟ هل نحن نمده بشيءٍ؟ بأية خدمةٍ؟ هل يحتاج إلى شيءٍ نقدمه إليه؟ اسمع ما يقوله النبي: "قلت للرب أنت ربي، خيري لا شيء غيرك" (مز 16: 2).
* لا يحتاج إلى خدماتنا كما يحتاج السادة إلى خدمهم، بل ترجع أعمالنا ذاتها إلينا لنفعنا نحن. بالنسبة لهم ينتفع السادة بخدمة الخادم، أما بالنسبة لخدمتنا كخدمٍ فلا ينتفع بها السيد، بل يتمتع الخادم بالمنفعة كقول المرتل: "خيري لا شيء غيرك" (مز 16: 2). قل لي: ما هو نفع الله إن كنت بارًا، أو ماذا يصيبه إن كنت ظالمًا؟ أليست طبيعته غير قابله للفساد، ولن يمسها أذى، أسمى من كل ألم؟

القديس يوحنا ذهبي الفم


هَلْ عَلَى تَقْوَاكَ يُوَبِّخُكَ،
أَوْ يَدْخُلُ مَعَكَ فِي الْمُحَاكَمَةِ؟ [4]
عندما يوبخنا الله لكي نصير أتقياء، لا يفعل هذا عن ضرر قد أصابه، لكنه كأبٍ يود أن ندخل في شركة معه، فنصير أيقونة حيَّة له، وذلك لمجدنا نحن. إنه يوبخ لأجلنا. إنه لا يدخل في محاكمة كمن أصابه ضررٌ، وإنما لكي يعطينا فرصة الحوار، فنشعر بحبه المتنازل ورعايته لخلاصنا.
* "هل خوفًا منك يوبخك؟ أو يدخل معك في المحاكمة؟" [4] من يفكر هكذا إلا إذا كان فاقدًا لحواسه، كأن الرب ينتهرنا عن خوفٍ أو يصدر حكمًا علينا عن رعبٍ؟ ولكن الذين لا يعرفون كيف يزنون كلماتهم ينزلقون بلا شك في حديثٍ باطلٍ... هكذا أليفاز الذي نطق بكلمات باطلة، نطق بكلمات فجأة فاسدة وبعنفٍ.
البابا غريغوريوس (الكبير)
 
قديم 27 - 03 - 2023, 05:01 PM   رقم المشاركة : ( 115113 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






اتهام أيوب بأنه شرير خطير

أَلَيْسَ شَرُّكَ عَظِيمًا،
وَآثَأمُكَ لاَ نِهَايَةَ لَهَا! [5]
كان الأصدقاء الثلاثة بين الحين والآخر يلمحون باتهامهم لأيوب، أما الآن فقد شعر أليفاز أنه ليس وقت للتلميح بل لمواجهة صريحة. إنه يوجه أيوب إلى ضميره ليحكم على نفسه كإنسانٍ شره عظيم، وآثامه لا نهاية لها.
يصوِّر لنا أليفاز نظرته إلى أيوب ليس أنه مرائي يخفي شروره ويتستر على آثامه فحسب، وإنما يراه شريرًا، شره عظيم، وآثامه بلا نهاية. وكأنه يقول له: لا تسعفني اللغة لأصور ما أنت عليه من شرٍ، صورتك بشعة للغاية!
*"أليس شرك عظيمًا، وآثامك لا نهاية لها؟" [5] لاحظوا كيف يخرج من قلبٍ ميتٍ كلمات باطلة، ومن كلمات باطلة إلى بشاعة في الكذب، فالتهب قلبه لينطق لسانه بشتائمٍ. هذا هو الانحطاط بتزايد الخطية، حين لا يُضبط اللسان لا يتوقف، بل ينحدر على الدوام إلى ما هو أشر.
البابا غريغوريوس (الكبير)
 
قديم 27 - 03 - 2023, 05:02 PM   رقم المشاركة : ( 115114 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






اتهامه بالوحشية

أَنَّكَ ارْتَهَنْتَ أَخَاكَ بِلاَ سَبَب،
وَسَلَبْتَ ثِيَابَ الْعُرَاةِ [6].
يصوِّر لنا أليفاز أيوب في صورة وحشية. يراه إنسانًا لا يعرف الرحمة، وليس فيه أية لمسة إنسانية. لا يرتهن أشياء من أخيه كضمانٍ لتسديد ما يقدمه له من قرض، بل يرتهن أخاه نفسه، ويتحفظ عليه كرهينةٍ ذليلةٍ، وكعبدٍ يفقد حريته.
في مبالغة خطيرة مؤلمة يصوِّر أليفاز أيوب أنه يسلب العاري، الذي بلا ثياب، ثيابه! بمعنى أنه عوض أن يقدم ثيابًا للعراة كي يستر عليهم ويستدفئوا، أو حتى يتجاهل عريهم وما يعانونه من فقرٍ مدقعٍ وما يتحملونه من بردٍ، يعرف كيف يسلب ثيابًا ممن ليس لديهم ثياب!
اتهم أيوب بأنه أخذ بعض الأشخاص رهينة، وأودعهم في السجن، واستعبدهم، لأنه لم يكن لديهم ما يوفون به من دينٍ. وأنه جردهم من ملابسهم وتركهم عراة، الأمر الذي ينهاه الناموس الطبيعي وأيضًا الموسوي (خر 22: 26؛ تث 24: 13).
لكي يبرز أيوب في أكثر وحشية يتهمه أنه لم يستعبد غريبًا (فقط)، وهذا فيه وحشية، وإنما استعبد أيضًا أخاه الذي هو عضو في أسرته أو من بني جنسه.
لم يذكر أليفاز أسماء أشخاص ارتكب معهم أيوب هذا العنف، ولو أن هذا حق لما وصفه الله نفسه أنه مستقيم.
*"لأنك ارتهنت أخاك بلا سبب، وسلبت ثياب العراة" [6]. في الكتاب المقدس تستخدم كلمة "pledge" (رهن أو عربون) لتشير إلى مواهب الروح القدس، وأحيانًا إلى الاعتراف بالخطية. تستخدم كموهبة الروح القدس عندما يقول بولس: "وأعطى عربون الروح القدس في قلوبنا" (2 كو 1: 22). فإننا ننال العربون ليكون لدينا تأكيد الوعد الذي قُدم لنا. تُدعى عطية الروح القدس عربونًا حيث تتقوى نفوسنا بتأكيد الرجاء الداخلي.
مرة أخرى يقصد بكلمة "عربون" الاعتراف عن خطية، كما هو مكتوب في الناموس: "إن صار أخوك مدينًا لك في شيء وأخذت منه رهينة فإلى غروب الشمس تردها له" (راجع خر 22: 26). فإن أخانا يكون مدينًا لنا عندما يخطئ ضد زميله المخلوق في أمرٍ ضدنا. فإننا ندعو الخطايا "ديونًا" (مت 18: 32). وفي الصلاة الربانية نصلي كل يوم: "اغفر لنا ما علينا، كما نغفر نحن لمن لنا عليهم" (مت 6: 12).
* "وسلبت ثياب العراة" [6]... من يكون عاريًا لا يمكن تجريده من شيء، لكننا نتساءل: لماذا يُشار إليهم كعراة ثم بعد ذلك يُجردون. من الضروري أن تعرف أن كل واحدٍ تمتع بنقاوة الفكر، فإنه بهذا ليس له ثوب التعامل الخادع (بوجهين) فهو عارٍ. ويوجد البعض بين الهراطقة من لهم نقاوة القلب بالحق، ولا يزالون يتمسكون بعقائدٍ فاسدة في تعليمهم. هؤلاء عراة بنقاوتهم ويرتدون كما بتعليم الناس.
البابا غريغوريوس (الكبير)
 
قديم 27 - 03 - 2023, 05:03 PM   رقم المشاركة : ( 115115 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






اتهامه بمقاومة صنع الخير

مَاءً لَمْ تَسْقِ الْعَطْشَانَ،
وَعَنِ الْجَوْعَانِ مَنَعْتَ خُبْزًا [7].
بعد أن صوَّره كإنسانٍ وحشيٍ يستعبد أخاه، ويبذل كل الجهد ليسلب من العاري ثوبًا ليس لديه، الآن يقدمه كإنسانٍ بلا إحساس، لا يقدم ماءً لعطشانٍ، مع أن الماء مِلك عام لكل البشرية، وإن رأى إنسانًا يقدم خبزًا لجائع يمنعه من عمل الرحمة. فلا يعمل خيرًا، ولا يترك غيره يمارس الخير.
وصفه كإنسانٍ لم يحسن قط إلى المساكين حتى الذين بلغوا إلى الجوع والعطش، فلم يقدم كأس ماء لعطشان، الأمر الذي لا يكلفه شيئًا.
* "لم تعطِ ماءً للمضطربين، وأمسكت خبزًا عن الجائعين" [7]. فإن الهراطقة أنفسهم يفكرون أن يعطوا ماءً للمضطربين، عندما يقدمون كأس أخطائهم لأشخاصٍ يعانون تحت أثقالهم الأرضية.
هؤلاء يعتبرون أنفسهم أنهم لم يمسكوا خبزًا عن الجائعين. عندما يُسألون، يجيبون في كبرياءٍ وجسارة حتى عن الأمور غير المنظورة وغير المدركة. يقدمون أنفسهم كمن هم متعلمون فوق كل بشرٍ، حتى عندما يتجرأون ببؤسٍ أن يتكلموا عن أمورٍ غير معروفة.
أما الكنيسة المقدسة، فعندما ترى أحدًا جائعًا نحو شيء ما ليس لصالحه، إما أنها ترده بتحفظ إن كانت هذه الأمور بالفعل معروفة لديها، أو ظهرت كأنها غير معروفة فتعترف بذلك في تواضعٍ. إنها تسترد الإحساس بتواضعٍ بتدبيرٍ حسنٍ عندما توصي كل واحدٍ منهم خلال كرازتها: "ألا يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي، بل أن يفكر بتعقلٍ" (رو 11: 20)... هكذا إذ نرى الكنيسة المقدسة تمنع العقول الضعيفة أن تتعمق في الحقائق. قيل للطوباوي أيوب: "أمسكت خبزًا عن الجائعين".
البابا غريغوريوس (الكبير)
 
قديم 27 - 03 - 2023, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 115116 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






اتهامه بمحاباة الوجوه

أَمَّا صَاحِبُ الْقُوَّةِ فَلَهُ الأَرْضُ،
وَالْمُتَرَفِّعُ الْوَجْهِ سَاكِنٌ فِيهَا [8].
بعد تشويه صورة أيوب وإبرازه كشريرٍ خطيرٍ، آثامه بلا حدود، وحشي الطبع، يستعبد أخاه، لا يفعل خيرًا، ويمنع الآخرين عن ممارسته، يتهمه بأنه يحابي الوجوه، فإذا ارتكب غني أو عظيم ظلمًا لا يسأله عن جريمته.
* "إن تحفظ هذه الأمور دون تفضيل أحدٍ على آخر، ولا تعمل شيئًا بمحاباة" (راجع 1 تي 5: 21). لتعمل في غير محاباة بالعدل بين الذين تحت المحاكمة، وتحكم أنت عليهم، فلا ينشغل فكرك بأحدٍ مسبقًا، ولا تنحاز إلى أحدٍ مقدمًا.
القديس يوحنا ذهبي الفم
* قيل هذا بخصوص المحبة التي يليق بالإنسان أن يقدمها لقريبه. لننشغل بهذه الأمور دون أن نرتكب معصية، ولا نعمل شيئًا بمحاباة أو لخزي الآخرين، بل لنحب الفقراء كخدام الله، وعلى الأخص نفتقدهم .
القديس إكليمنضس الروماني
* "حيث الغيرة والتحزب هناك التشويش وكل أمر رديء. وأما الحكمة التي من فوق فهي أولًا طاهرة، ثم مسالمة، مترفقة، مذعنة، مملوءة رحمة وأعمالًا صالحة بلا محاباة" (راجع يع 3: 16-17). أي تطويب لا يناله الإنسان الذي يصلي طالبًا هذه الحكمة وينالها من الرب؟
القديس أغسطينوس
 
قديم 27 - 03 - 2023, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 115117 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






يهين الأرامل ويسحق الأيتام

الأَرَامِلَ أَرْسَلْتَ خَالِيَاتٍ،
وَذِرَاعُ الْيَتَامَى انْسَحَقَتْ [9].
اتهمه بأنه كان يصرف الأرامل المسكينات فارغات من باب بيته، وعوض مساعدة اليتامى سحق أذرعهم، فصاروا عاجزين عن مساعدة أنفسهم.
لهذا الاتهام خطورته، إذ يُحسب أنه موجه ضد الله نفسه. ففي العهد القديم يُحسب الله قاضيًا للأرامل وأبًا للأيتام. ولعله حتى قبل الناموس كان المؤمنون بالله يدركون هذا، إما خلال الناموس الطبيعي أو بالتقليد المُسلم عبر العصور. فمن يستخف بالأرملة يضع نفسه في موقفٍ حرجٍ مع قاضي الأرامل والمدافع عنهن، ومن يسحق أذرع اليتامى يكون كمن وجه الضربات ضد أبيهم السماوي، الذي يعتز بأنه أب اليتامى.
يحمل هذا الاتهام رمزًا لما يفعله الهراطقة الذين يمتنعون عن الزواج بكونه نجاسة، وعن تناول أطعمة خلقها الله كاللحوم بكونها دنسة (1 تي 4: 5)، كما نادى بعض الغنوصيين. فإنهم يريدون أن يحطموا قدسية الزواج، وأن يدنسوا خليقة الله الصالحة. فتتحول النفوس إلى أرامل فقدن عريسهن السماوي، ربنا يسوع، ونزعوا عنها تهليل العرس وفرح الروح والشركة مع المخلص. ومن جانب آخر يريدون أن يحرموا النفوس من الطعام السماوي، وخبز الملائكة، لكي تصير كأيتام أذرعتهم مكسورة ومحطمة، عاجزة عن ممارسة الأعمال الروحية.
جاء مسيحنا ليردنا من حالة الترمُّل، وينزع عنا يُتمنا، إذ صار لنا العريس الروحي والأب السماوي. وأما عدو الخير فيعمل خلال الأشرار ليردنا إلى الترمُّل واليُتم!
 
قديم 27 - 03 - 2023, 05:05 PM   رقم المشاركة : ( 115118 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






يقيم لنفسه فخاخًا

لأَجْلِ ذَلِكَ حَوَالَيْكَ فِخَاخٌ،
وَيُرِيعُكَ رُعْبٌ بَغْتَةً [10].
هذا اتهام جديد، وهو أنه كان يليق بأيوب ألا يشكو مما حلّ به، كأنه ثمرة ظلم الله له، لأن كل النكبات التي حلت به هي من الشباك التي نصبها أيوب لنفسه بظلمه للغير وتجاهله المساكين والأرامل والأيتام. كل متاعبه هي ثمرة أفعاله التي افترض أليفاز أنه قد مارسها.
يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن هذا الاتهام يوجهه الهراطقة ضد الكنيسة عبر كل العصور. إنهم يدَّعون أنهم يعرفون الحق، وينعمون به، ويسخرون بالمؤمنين الحقيقيين الذين يمارسون التوبة اليومية، بأنهم يرعبون أنفسهم، ويضعون لأنفسهم الفخاخ المُهلكة.
*"لذلك الفخاخ حولك، الخوف المفاجئ يبغتك" [10]... عندما يتطلع الهراطقة إلى الشعب المؤمن كمن ينحدرون بخطايا عدم الإيمان، يتهمونهم بأن الفخاخ حولهم.
البابا غريغوريوس (الكبير)

أَوْ ظُلْمَةٌ فَلاَ تَرَى،
وَفَيْضُ الْمِيَاهِ يُغَطِّيكَ [11].
ينسب أليفاز العمى لأيوب، فإنه كان قبل حلول التجارب في ظلمة، إذ وضع الشباك حوله لنفسه بشره، وها هو يسقط فيها، ولا يقدر على الخلاص منها. إن التجارب تتدفق عليه كشلالات تغمره وليس من منقذٍ له منها.
* "وأنتم تفكرون أنكم لم تروا ظلامًا، وأنكم لم تنحدروا بقوة المياه المندفعة" [11]... يدعو أليفاز التجارب والأحزان مياهًا مندفعة، حيث تندفع كمجموعة واحدة وراء الأخرى كما بمياه ترتفع بأمواج تلوها أمواج.
البابا غريغوريوس (الكبير)
 
قديم 27 - 03 - 2023, 05:06 PM   رقم المشاركة : ( 115119 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






اتهامه بالإلحاد العملي

هُوَذَا اللهُ فِي عُلُوِّ السَّمَاوَاتِ.
وَانْظُرْ رَأْسَ الْكَوَاكِبِ مَا أَعْلاَهُ [12].
يعدد أليفاز اتهامات باطلة ضد أيوب وهو بريء منها. وقد جاء هذا الاتهام الجديد أنه وإن كان يدَّعي التدين، ويقدم ذبائح عن أولاده، إلا أنه يمارس الالحاد العملي.
يقول أليفاز حقًا إن أيوب يؤمن بأن الله هو في علو السماوات، أعلى من كل الكواكب، لكنه ملحد عمليًا، كيف؟ وإن كان الله موجود إلا أنه لا يبالي بالبشر، ولا ينشغل بخطاياهم أو برهم، فالحياة البشرية لا تشغل ذهن الله، بهذا استباح أيوب صنع شرورٍ كثيرةٍ وعظيمةٍ بلا نهاية، إذ ليس فيه خوف الله.
كيف اكتشف أليفاز إلحاد أيوب البار؟
إن كان ليس لدى أليفاز أسماء معينة مارس أيوب معها الظلم والجحود، لكنه حسب نفسه أنه كرجلٍ فهيمٍ ومدركٍ لأسرار الأمور أنه ليس من خطية يعاقب الله عليها بهذه الصورة إلا خطية الظلم والقسوة وعدم الرحمة.
ربما في رأي أليفاز أن أيوب أخطأ لأنه وإن مارس بعض التصرفات الظاهرة ليؤكد لمن هم حوله أنه رجل الله، المؤمن القائد، لكن أعماله تكشف ما يخفيه في فكره، وهو أنه يعتقد بأن الله ليس في أعالي السماوات، وأنه ليس شيء ما مخفيًا عنه. لو علم أيوب ذلك لما نسب لله ظلمًا، ولثبَّت خوف الله في قلبه، ولم يقل إن عين الله لا ترى العالم (حز 8: 12)، ولالتزم بالعمل باستقامة ورحمة.


فَقُلْتَ: كَيْفَ يَعْلَمُ اللهُ؟
هَلْ مِنْ وَرَاءِ الضَّبَابِ يَقْضِي؟ [13]
لعل أليفاز يرى أن أيوب يدرك أن الله في أعالي السماوات، ولكن عوض تقديم المهابة اللائقة به استخف به، لأنه في الأعالي لا يستطيع أن يرى من وراء الضباب، ولا يشغل نفسه بما يدور بين البشر على الأرض.
يعلق البابا غريغوريوس (الكبير) على هذه العبارة موضحًا الحقائق التالية:
أ. حقًا الله كائن في السماوات، وكأنه محتجب عن البشرية من وراء الضباب الذي لا يعطي للعيون البشرية أن تعاينه.
ب. هو بكامله حاضر شخصيًا مع كل أحدٍ، وبكامله حاضر مع الجماعة. فحضوره بالكامل مع الأشخاص لا ينفي حضوره بالكامل مع الجميع.
ج. سماوات الله في الأعالي، ومع هذا فبعنايته الإلهية مهتم بكل إنسانٍ على الأرض.
د. يبدو الله كمن يفارق الذين يخطئون، ليس لأنه غير حاضر في موضعٍ ما، إذ ليس من موضعٍ ليس فيه الله، لكنه يفارق الأشرار المصرِّين على شرورهم، بمعنى تفارقهم نعمته، فلا يجدون عونًا إلهيًا يسندهم، لأنه لا يعمل بدون رضانا. فهو غائب من جهة تقديم العون للرافضين عمله فيهم، لكنه حاضر بالنسبة لهم بإدانتهم، خاصة في يوم الرب العظيم.
ه. الله حاضر بكامله في العلويات، وبكامله على الأرض في السفليات. حضوره على الأرض لا يعني مفارقته للعلويات.
و. الله مخفي بالنسبة للبشر حيث لا يستطيعون رؤيته بالأعين الجسمية، لكنه منظور خلال أعماله الإلهية الفائقة. لا يُدرك بالبصر العادي، لكنه يُلمس خلال أعماله وأحكامه.
ز. الله الذي لا يُدرك بالحواس الجسمانية يتنازل لكي يدركه البشر بإشراقاته في أذهاننا، لكن مع كل ما نتمتع به نُحسب كمن هم عاجزون عن إدراكه كما هو.
* "هل تحسبون الله في أعالي السماء، أعلى من علو الكواكب؟ وأنتم تقولون: كيف يعرف الله؟" [12-13] كثيرون جدًا أغبياء هكذا حتى إنهم لا يقدرون أن يخشوا شيئًا سوى ما يرونه بطريقة ملموسة. فهم لا يخشون الله، لأنهم لا يقدرون أن يروه...
إنه بالحق، كلي القدرة على الدوام... هو حاضر بالنسبة لكل واحدٍ شخصيًا، حاضر بطريقة ما لكل أحدٍ حتى إن حضوره لا يكون ناقصًا للكل معًا.
فإنه وإن كان يترك الأشخاص عندما يخطئون، لكنه هو حاضر بالنسبة لذات الأشخاص بالنسبة للدينونة، وإن كان يُرى كأنه غير حاضر بالنسبة لمساندتهم.
هكذا هو يُحيط ما هو من الخارج ويملأ ما هو بالداخل... يدير العلويات فوق دون أن يهمل الأعماق أسفل. حاضر بطريقة ما في الأجزاء السفلية دون أن يفارق العلويات.
إنه مخفي بطريقة ما بالنسبة لمظهره لكنه يبقى معروفًا خلال أعماله، وهو معروف في عمله، ومع ذلك يبقى غير ممكن إدراكه بحسابات من يعرفه. إنه هكذا بطريقة ما حاضر، لكنه يبقى غير ممكن رؤيته. بطريقة ما يستحيل رؤيته غير أن أحكامه تبقى شاهدة على حضوره. يُخضع نفسه لكي يُدرك بواسطتنا، ويبقى شعاع إدراكه لذاته ملبدًا بالغيوم. مرة أخرى إذ نُمسك بظلام الجهل يبقى مشرقًا في ذهننا بأشعة بهائه.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* "لكلماتي أصغِ يا رب" (مز 5: 1). إذ تدعو (الكنيسة) الرب، الذي هو معينها، تعبر هذا العالم الشرير وتبلغ إليه. "تفهم صراخي" (مز 5: 1)؛ يظهر المرتل حسنًا أن هذا الصراخ هو من الداخل من حجال القلب، دون نطق جسماني، يبلغ إلى الله، لأن الصوت الجسماني يُسمع، وأما الروحي فيُفهم. فإن هذا هو سماع الله، لا بأذنٍ جسمية، وإنما بكونه حاضر في كل مكان بعظمته.
القديس أغسطينوس


السَّحَابُ سِتْرٌ لَهُ فَلاَ يُرَى،
وَعَلَى دَائِرَةِ السَّمَاوَاتِ يَتَمَشَّى [14].
لعل أليفاز ينسب باطلًا لأيوب أنه يتطلع إلى الله بكونه قد ستر نفسه بالسحاب الكثيف فلا يُرى من البشر، وأنه يتمشَّى على دائرة السماوات كمن هو مشغول بمجده، ولا يبالي بالخليقة الأرضية.
كأن أليفاز يطالب أيوب أن يتراجع عن شروره التي كان يمارسها خفية، ظانًا أن المحيطين به لا يرونها ولا يدركونها، بل والله نفسه لا ينشغل بها، لذا حلت به التجارب لكي يراجع أيوب نفسه، ويعترف بخطاياه العظيمة، وآثامه التي بلا نهاية. يليق بأيوب -في عيني أليفاز- أن يدرك أنه صار في فضيحة، لا من أجل النكبات في ذاتها، وإنما من أجل ما هو ورائها من فضيحة على الأرض كما في السماوات.
 
قديم 27 - 03 - 2023, 05:07 PM   رقم المشاركة : ( 115120 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






مقارنة حال أيوب بالعالم القديم

هَلْ تَحْفَظُ طَرِيقَ الْقِدَمِ الَّذِي دَاسَهُ رِجَالُ الإِثْمِ [15].
بعد أن ظن أليفاز أنه بحكمته وخبرته كشف عن عيني أيوب ليرى خطاياه وآثامه، الآن يقدم له تحذيرات لئلا يكون مصيره مصير رجال الإثم القدامى مثل أولئك الذين غمرهم الطوفان في أيام نوح. إنه يتهم أيوب بأنه يسلك ذات طريقهم، وستنتهي حياته كما انتهت حياتهم.
الطريق الذي يسلكه أيوب -في رأي أليفاز- ليس طريقًا حديثًا، إنما هو طريق قديم متسع ومطروق، نهايته الهلاك.
إن كان أليفاز يدعو أيوب أن يخرج من الطريق الذي يسلكه، هذا الذي سبق فسلكه كثيرون منذ القدم وهلكوا، فإن رب المجد على خلاف أليفاز لم ينهج الطريق السلبي، إنما قدم نفسه الطريق الإلهي الذي يهب الخطاة المغفرة بالتوبة، ويحملهم إلى أبواب السماء المفتوحة لهم، والتي تترقبهم.
هنا يليق بنا أن نضع مقابلة بين أليفاز المُدمر للآخرين وبين السيد المسيح واهب الرجاء لكل العالم. ففي كبرياءٍ وتشامخٍ ادَّعى أليفاز أنه رجل حكيم وصاحب فهم يقود أيوب للتعرف على خطاياه التي أخفاها عن الناس وعن الله، والتي حاول أن يتجاهلها فحلّ به سيل من النكبات، وطوفان من الضيقات لن تتوقف حتى يهلك تمامًا. أما السيد المسيح فهو حكمة الله الأزلي، جاء في تواضعٍ ليمسك بأيدي الأشرار دون أن يجرح مشاعرهم، يحملهم فيه ويدخل بهم إلى الأحضان الإلهية، يسند الضعفاء ويهبهم روحه القدوس واهب الحب والفرح والسلام والصلاح والتعفف.
حاول أليفاز أن يدمر نفسية أيوب باتهاماتٍ باطلةٍ. أما رب المجد يسوع فحمل الاتهامات الموجهة ضد البشر، واهبًا إياهم الشركة معه في الطبيعة الإلهية ليرفع من نفسيتهم، ويهبهم صحة الجسد والنفس والروح على مستوى أبدي، حيث يتمجد الإنسان بكليته في يوم الرب العظيم.
* هل تعطي علامة للطريق القديم الذي يطأه الأشرار؟" [15] لما كان طريق فادينا هو التواضع، فإن طريق العالم هو الكبرياء. وهكذا فإن الأشرار يطأون طريق العالم، حيث بواسطة شهوات العالم يسيرون في الاعتداد بالذات.
البابا غريغوريوس (الكبير)
* إن كنا نحن أيضًا أيها الإخوة الأحباء في المسيح، إن كنا نلبسه، إن كان هو طريق خلاصنا، نحن الذي نتبع المسيح في خطوات الخلاص، فلنسلك متمثلين به كما يعلمنا الرسول يوحنا: "من قال إنه ثابت فيه، ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضًا" (1 يو 2: 6).
الشهيد كبريانوس
* إنه البيت الذي نذهب إليه؛ إنه الطريق الذي به نذهب. ليتنا نذهب به إليه؛ فلا نضل الطريق .
القديس أغسطينوس
* تمسك مقدمًا بما شهدوا به عن أنفسهم، قائلًا: "كما قبلتم المسيح يسوع الرب، اسلكوا فيه" (كو 2: 6)... فإنه هو الطريق الذي يقود إلى الآب، لا تسلكوا في الملائكة، فإن هذا الطريق لا يبلغ إلى هناك.
القديس يوحنا الذهبي الفم


الَّذِينَ قُبِضَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْوَقْتِ؟
الْغَمْرُ انْصَبَّ عَلَى أَسَاسِهِمِ [16].
لقد باغت الطوفان الأشرار فجأة وهم غير مستعدين، ظانين أنهم يعيشون سنوات طويلة، فغرقوا وهلكوا كما لما كان قبل الأوان. لقد عجًّل الطوفان بحياتهم فجأة. لقد وضعوا الأرض أساسًا لهم، وبنوا عليها آمالهم، وظنوا أنهم في أمان كما على أساس صخري، لكن الغمر أنصب على أساسهم هذا. "الطوفان الذي جلبه الله على عالم الفجار" (2 بط 2: 5).
ربما يتساءل البعض: أليس عمر الإنسان معروفًا مسبقًا عند الله، فكيف يُقال إن الأشرار يُقبض عليهم قبل الأوان؟
هل يموتون قبل الموعد المعيَّن لهم؟ وهل تطول أيام حياة الأبرار عما عيَّنه الله لهم؟
أولًا: يرى البابا غريغوريوس (الكبير)، أن كل إنسان له عمر لائق به يناسبه أو يستحقه. لكن الله أيضًا يعلم مسبقًا أن هذا الشرير من الأفضل أن يموت مبكرًا لكي لا يعثر الصديقين، أو يتركه لعمرٍ أطول لأجل إعطائه فرصة لعله يتوب.
فما يُقال عن أن عمر الإنسان يقصر أو يطول لا يعني أن الله يغيِّر رأيه فيما سبق أن عرف، لكن الإنسان ينال عمرًا أطول أو يُقصر عمره لحكمة إلهية، سواء بالنسبة للشخص نفسه أو من هو حوله، وهو يعلم مسبقًا أيضًا ما يليق، هل يضيف أو يُنقص من عمر شخص ما حسبما يلزم أن يكون عليه حسب الطبيعة أو حسب استحقاقه.
ثانيًا: يرى العلامة أوريجينوس أن مقاييس العمر تختلف عند البشر عنها عند الله. فكما يقول المرتل يوم واحد عند الرب كألف سنة، وألف سنة كيومٍ واحدٍ. ففي يوم الرب العظيم نُفاجأ بأطفالٍ صغار يُحسبون كأشخاصٍ عاشوا سنوات كثيرة، وشيوخ نراهم كأطفالٍ صغار.
لتوضيح ذلك إن قارنَّا الجنين يوحنا المعمدان حين ارتكض مبتهجًا في بطن أمه القديسة أليصابات، نجده حسب المقياس البشري لم يكن قد وُلد بعد، ولا تُحسب مدة بقائه في الرحم من عمره، بينما في نظر الله وحسب مقاييسه يحسب كإنسانٍ ناضجٍ، سنه أكثر مما لرئيس الكهنة، والكهنة، والكتبة، والفريسيين إلخ. في ذلك الحين، لأنهم يُحسبون كموتى لم يشهدوا للسيد المسيح بالرغم من معرفتهم للنبوات عقليًا.
قد يموت أبرار وهم أطفال ويحسبون كمن عاشوا آلاف السنين في عينيّ الرب، وقد تطول أيام طغاة أشرار وتحسب أيامهم كلا شيء. "تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم".
عندما نسمع عن وصية الرب: "أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض"، لا نندهش إن مات ابن أو ابنة في سن مبكرة بالرغم من إكرامهما للوالدين، فإن هذا الابن (أو الابنة) يُحسب كمن طال عمره على الأرض، لأن يومًا واحدًا من عمره يُحسب عند الرب كألف سنةٍ. هذا هو التفسير الروحي الرمزي الذي تبنَّاه العلامة أوريجينوس في مواضعٍ كثيرة حين تحدث عن عمر الإنسان على الأرض.
بحسب هذا التفسير يُقبض على الأشرار قبل الأوان، لأن حياتهم بلا ثمر، لم ينتفعوا بفرص التوبة للتمتع بالشركة مع الله واهب الحياة. فبموتهم يحسبون كموتى فقدوا الحياة، ولم يحرصوا عى التمتع بها.
*"الذين يؤخذون قبل الوقت، حيث يفيض الطوفان على أساسهم"... كل إنسان يؤخذ من هذه الحياة في وقت سبق معرفته قبل الزمن بسلطان إلهي. لكن يلزم معرفة أن الله القدير، في خلقته لنا وتدبير أمورنا، يعين حدود (حياتنا) حسب استحقاق كل أحدٍ. فقد يلزم الشرير أن يعيش وقتًا قصيرًا، لئلا يسيء إلى كثيرين يسلكون باستقامة، وقد يلزم أن يبقى الإنسان الصالح مدة أطول في الحياة، حتى يكون معينًا في أعمال صالحة لكثيرين.
مرة أخرى فإن الشرير يلزم أن يبقى مدة أطول في الحياة حتى يضيف أعمالًا شريرة إلى أعماله. وهكذا البار قد يمارس حياة صادقة تتطهر بامتحانه، أو يلزم سحب الإنسان الصالح بأكثر سرعة، لئلا إن عاش أكثر، قد يُفسد براءته.
لكن ليوضع في الاعتبار إن رأفات الله هي التي تهب الخطاة فرصة للتوبة. على أي الأحوال قد تُوهب لهم أزمنة ولا يرجعون ليحملوا ثمار الندامة بل يخدمون الشر، وبرحمة الله ينالون الأزمنة لعلهم يتخلون عن تصرفاتهم.
بالرغم من أن الله القدير يعرف مسبقًا وقت موت كل أحدٍ، متى تنتهي حياته، لا يقدر أحد أن يموت قبل أوانه، بل في الوقت المعين لموته، فإنه إن كان قد أُضيف إلى حياة حزقيا خمسة عشر عامًا (2 مل 20، إش 38)، فإن زمن حياته بالحقيقة زاد عن النهاية التي كان يستحقها، وقد سبق فعرف الله وقته في هذه اللحظة والتي فيما بعد يسحبه من الحياة الحاضرة.
هذا الأمر هكذا: ماذا يعني "يُقطع الأشرار قبل أوانهم" سوى أن كل أولئك الذين يحبون الحياة الحاضرة يعدون أنفسهم لفترات أطول من تلك الحياة؟ وعندما يسحبهم الموت من الحياة الحاضرة، فإن الفترات الطويلة لحياتهم التي اعتادوا أن يتخيلوها تكون قد سُحبت منهم، إنها تُقطع إربًا. بحق قيل عن هؤلاء: "أساسهم قد أفاض بطوفان"...
وُصف قايين إنه أول من أسس مدينة على الأرض (تك 4: 17)، وهو بهذا أكد بوضوح أنه غريب، حيث كان غريبًا عن الثبات في العالم الأبدي، فأنشأ أساسًا على الأرض. بكونه غريبًا عن الأمور العلوية وضع استقراره في أساسٍ لأمور سفلية، ووضع استقرار قلبه في اللذة الأرضية.
كما بانهيار الزمن اليومي حالة الموت في الحياة الحاضرة ذاتها تجري نحو النهاية، وتحطم تكريس أبناء الهلاك بإزالة هؤلاء الأشخاص عينهم، بحق قيل عن الأشرار: "أساسهم قد أفاض بطوفانٍ"، بمعنى ذات التغير يلقي فيهم استقرار إنشاءات الأشرار.
البابا غريغوريوس (الكبير)


الْقَائِلِينَ لله: ابْعُدْ عَنَّا.
وَمَاذَا يَفْعَلُ الْقَدِيرُ لَهُمْ [17].
خطية هؤلاء الأشرار أنهم يطلبون من الله: "أبعد عنا"، إذ يريدون أن يعيشوا بلا إله، حتى لا تثور ضمائرهم، ولا يفقدون بلادتهم. لقد تجاهلوه قائلين: "الرب لا يُحسن ولا يُسئ" (صف 1: 12).
لقد سمعوا عنه أنه القدير، ولكن في نظرهم أي سلطان له عليهم؟
كما سبق فقلنا إن الإلحاد نوعان: إما إنكار وجود الله، أو مع معرفتهم بوجوده يظنون أنه لا يشعر بهم، بعيد عنهم في سماواته، أو يطلبون منه أن يبعد عنهم، إذ يحسبونه عاجزًا عن أن يهبهم السعادة التي يطلبونها، أو يحقق لهم ما يشتهونه.


وَهُوَ قَدْ مَلأ بُيُوتَهُمْ خَيْرًا.
لِتَبْعُدْ عَنِّي مَشُورَةُ الأَشْرَارِ [18].
مما يزيد من دينونة الأشرار أنهم كانوا يتمتعون بخيراتٍ هي من عند القدير، وقد أساءوا استخدامها. فالذين غرقوا في الطوفان "كانوا يأكلون ويشربون ويزوجون ويتزوجون ويبيعون ويشترون" (لو 17: 27). لم يكن لهم مبرر ليسألوا "ماذا يفعل القدير لهم"، لأنهم كانوا يعيشون في خيراته الجزيلة، فلم يكن لهم ما يدعوهم أن يطلبوا صانع الخيرات أن يبتعد عنهم. كانت بيوتهم مملوءة بالخيرات، لكن قلوبهم كانت فارغة من النعمة الإلهية، لهذا هلكوا.
هنا يتفق أليفاز مع أيوب في الرغبة: "لتبعد عني مشورة الأشرار" (أي 21: 16).
* "لكنه يملأ بيوت الأشرار بالخيرات" [18]. يملأ الرب بيوت الأشرار بالخيرات حتى بالنسبة للجاحدين، فإنه لا يمنع عطاياه، حتى يستحوا من رأفة خالقهم ويرجعوا إلى الصلاح، أو يحتقروا العودة، فيكون ذلك علة لعقابهم بأكثر شدة، إذ يردون صلاح الله الفائق بالشر، فتحل بهم ويلات قاسية فيما بعد...
"ليت حكمهم يكون بعيدًا عني". هذا أيضًا عبَّر عنه الطوباوي أيوب، إذ يقول: "لتبتعد مشورتهم عني" (أي 21: 6).
البابا غريغوريوس (الكبير)


الأَبْرَارُ يَنْظُرُونَ وَيَفْرَحُونَ،
وَالْبَرِيءُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ قَائِلِينَ: [19]
الأبرار لا يحسبون هكذا إن كانوا يُسرُّون بموت الأشرار ويسخرون بهم، إنما يئنُّون ويصلون من أجلهم. لكنهم في يوم الدينونة حيث أُعطيت الفرص للأشرار وقد أصرُّوا على شرهم مع إعطائهم ظهورهم لواهب الحياة، وتفضيلهم البنوة لإبليس عوض البنوة لله، فإذ يحل بهم الدمار الذي من عمل إرادتهم الشريرة الحرة وسلوكهم، يُسر الأبرار إذ لا يعود للشر موضع بعد فيهم، بل يعيشون في أورشليم العليا المقدسة مع الله القدوس.
لا يشمت الأبرار في الأشرار عند هلاكهم، فإنهم يحملون إرادة أبيهم أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، لكنهم يفرحون بإبادة سلطان الشر والظلم حتى لا يتعثر الضعفاء، كما يُسرون بمجد الله الذي لا يقبل الفساد.
يجد الأبرار الفرصة للكشف عن بطلان الشر وضعفه وعدم ديمومته، وسخافة حكمة الأشرار ومكرهم وخبثهم. يُسر الأبرار بانهيار إبليس ومملكته، وبدمار الخطية لا الخاطي. فإن البار لا يعرف إلا الحب حتى بالنسبة للخطاة.
*"يرى الأبرار ذلك فيبتهجون، ويضحك الأبرياء عليهم ساخرين" [19]. إذ يرى الأبرار الأشرار يخطئون هنا، لا يسرون بخطأ أناس يهلكون أنفسهم. فإنهم إن كانوا يسرون بالخطأ لا يُحسبون بعد أبرارًا... لقد فقد الفريسي برَّه لأنه سُرّ، حاسبًا نفسه أسمى من العشار، قائلًا: "أشكرك إنني لست مثل باقي الناس الخاطفين، الظالمين، الزناة، مثل هذا العشار".
مرة أخرى إن قلنا البار يمكن أن ينتصر بفرحٍ كامل على موت الأشرار أي نوع هو هذا الفرح من أجل الانتقام من الأشرار في هذا العالم، الذي فيه حياة البار غير أكيدة؟
لنميز بين الأزمنة التي للرعب والتي للمجد. فالأبرار يرون الأشرار الآن ويصيرون في هزالٍ من أجل شرورهم. وعندما يرونهم يُضربون، لا يثقون في حياتهم هم أيضًا... الآن يرى الأبرار أبناء الهلاك ويئنون، وفي الدينونة النهائية يرونهم ويضحكون ساخرين.
البابا غريغوريوس (الكبير)


أَلَمْ يُبَدْ مُقَاوِمُونَا،
وَبَقِيَّتُهُمْ قَدْ أَكَلَتْهَا النَّارُ؟ [20]
ربما يشير هنا إلى لوط الذي كان يعذب نفسه البارة بفجور الأشرار، فمع فقدانه كل ما يملكه، كان يشتهي خلاص أهل سدوم وعمورة كما يفرح لدمار الفساد والفجور (2 بط 2: 7-8).
يرى البابا غريغوريوس (الكبير) أن المقاومين للأبرار والمعادين للحق الإلهي سيُلقون في نار جهنم التي لا تنطفئ، تحرق النفوس مع الأجساد. فكما اشترك الجسد مع النفس في مقاومة الله، وتعاونا معًا في ممارسة أعمال إبليس والخضوع له، لاق بهما أن يُشاركا إبليس مصيره، النار الأبدية.
*وإن كان الأشرار يرحلون من هنا من جسدهم الميت، لكنهم يتقبلونه مرة أخرى في القيامة، حتى إنهم بذات الجسد يحترقون، ذات الجسد الذي فعلوا به الخطية. فإذ كانت خطيتهم في الفكر والجسد هكذا ستكون العقوبة في الروح والجسد على السواء.
البابا غريغوريوس (الكبير)
يتهلل المؤمن البار حين يرى المقاومين للحق الإلهي، أي الأفكار الشريرة التي تود أن تتسلل إلى الداخل، وتسيطر على الإنسان الداخلي. مثل هذه الأفكار الشريرة تحترق بنار الروح القدس، كما تحترق الأشواك بالنار. هكذا يحترق كل ما هو غريب عن الطبيعة الطاهرة التي خلقها الله فينا، لكي يلهب نار الحب الإلهي.
يتهلل المؤمن بعمل الروح القدس الناري فيه الذي يدمر ويبني!
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 07:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025