علم الله يشمل كل الأمور في وقت واحد:
فهو لم يعلم كل الحوادث والأشياء علي التتابع، بل كانت جميعها في ذهنه منذ الأزل، سواء كانت نسبة بعضها إلي بعض نسبة التتابع أو نسبة العلة إلي المعلول.
فالله يتصف بالحكمة، وكثير من البشر يوصفون بأنهم حكماء، ولكن حكمة الله مطلقة وغير محدودة، بينما حكمة البشر محدودة، وهي حكمة نسبية، نسبة لما وهبهم الله من ذكاء، ومن حسن التصرف. وما نقوله عن الحكمة في هذا المجال، نقوله أيضاً عن الرحمة والجمال والمعرفة، وما شابه ذلك من الصفات.
علم الله غير مقتصر علي الحوادث الكبيرة فقط، بل أصغرها: فعلمه يحيط بصفات الاشياء وجوهرها، فلا يقتصر علي الأشياء الخارجية من الصفات والظواهر كعلم الإنسان، فقد ذكر الكتاب المقدس لنا عن الله أنه "ليست خليقة غير ظاهرة قدامه، بل كل شيء عريان ومكشوف لعيني ذلك الذي معه أمرنا" (عب13:4)، "عظيم هو ربنا وعظيم القوة. لفهمه لا إحصاء" (مز5:147)، "لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت يا رب عرفتها كلها" (مز4:139)، "فحتي شعور رؤوسكم جميعاً محصاة" (مت30:10)، "أني أنا هو الفاحص الكلي والقلوب" (رؤ23:2)، رغم أن معرفة الله مدركة منذ الأزل والحاضرة إلي الأبد كائنة أمام عينيه، إلا أنه يتكلم عن نفسه بحسب عادات البشر من التفتيش والفحص، ولكنه فاحص الأعماق الداخلية التي لا يستطيع الإنسان أن يعرفها.