منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06 - 07 - 2025, 05:45 PM   رقم المشاركة : ( 201891 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


ماذا علّم آباء الكنيسة الأوائل عن الثالوث الأقدس

كان تطوير العقيدة الثالوثية عملية تدريجية تميزت بمعالم رئيسية. في القرن الثاني ، نجد شخصيات مثل جستن الشهيد وإيريناوس من ليون يدافعون عن ألوهية المسيح وشخصية الروح القدس ضد البدع المختلفة ، مع الحفاظ على وحدة الله (Thompson ، 2024). وضعوا أساسًا مهمًا للفكر الثالوثي لاحقًا ، حتى لو لم يستخدموا اللغة الدقيقة للعقائد اللاحقة.

شهد القرن الثالث محاولات أكثر وضوحا لشرح العلاقات داخل الثالوث. ترتليان ، الذي كتب في شمال أفريقيا ، كان أول من استخدم مصطلح "الثالوث" (الثلاثي في اللاتينية) وصاغ صيغة "ثلاثة أشخاص ، مادة واحدة" لوصف الواقع الإلهي (تومسون ، 2024). هذه الصيغة من شأنها أن تثبت تأثيرها في اللاهوت الغربي في وقت لاحق.

في الشرق ، طور اوريجانوس الاسكندرية اللاهوت الثالوثي المتطور الذي أكد على الجيل الأبدي للابن من الآب وموكب الروح القدس. في حين تم رفض بعض التكهنات اوريجانوس في وقت لاحق ، وكان تركيزه على العلاقات الأبدية داخل الثالوث التأسيسي للفكر الشرقي اللاحق (تومبسون ، 2024).

كان القرن الرابع فترة حاسمة للعقيدة الثالوثية ، حيث تصارعت الكنيسة مع بدعة الآريان ، التي نفت اللاهوت الكامل للمسيح. أكد مجمع نيقية في عام 325 ميلادي أن الابن هو "من مادة واحدة" (homoousios) مع الآب ، وهو تأكيد رئيسي للأرثوذكسية الثالوثية (Thompson ، 2024). في وقت لاحق من هذا القرن ، قام الآباء الكابادوسيون - باسيل العظيم ، غريغوري نازيانزو ، وغريغوري من نيسا - بتطوير اللاهوت الثالوثي ، مؤكدين على كل من وحدة الجوهر الإلهي وتميز الأشخاص الثلاثة (تشوكوفسكي ، 2023).

لقد لاحظت كيف تعكس هذه المناقشات اللاهوتية أسئلة إنسانية عميقة حول الهوية والعلاقة وطبيعة الشخصية. إن الرؤية الثالوثية لله كشركة من الأشخاص تتحدث بعمق عن تطلعنا إلى الوحدة في التنوع والمحبة الكاملة.

لم يكن تطوير العقيدة الثالوثية عملية سلسة وخطية تنطوي على تفاعلات معقدة بين الكتاب المقدس والتقاليد والمفاهيم الفلسفية والخبرة المسيحية الحية. لم ينخرط آباء الكنيسة في تكهنات مجردة في جهد حيوي لفهم حقيقة الله وإبلاغها كما هو مبين في المسيح وخبرة في حياة الكنيسة.

على الرغم من أن آباء الكنيسة الأوائل حققوا تقدمًا كبيرًا في توضيح عقيدة الثالوث ، إلا أنهم حافظوا أيضًا على شعور بالسر المقدس. كما لاحظ أوغسطين الشهيرة ، "إذا فهمت ذلك ، فهو ليس الله" (سرمون 52 ، 6 ، 16).
 
قديم 06 - 07 - 2025, 05:46 PM   رقم المشاركة : ( 201892 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



كان تطوير العقيدة الثالوثية عملية تدريجية تميزت بمعالم رئيسية. في القرن الثاني ، نجد شخصيات مثل جستن الشهيد وإيريناوس من ليون يدافعون عن ألوهية المسيح وشخصية الروح القدس ضد البدع المختلفة ، مع الحفاظ على وحدة الله (Thompson ، 2024). وضعوا أساسًا مهمًا للفكر الثالوثي لاحقًا ، حتى لو لم يستخدموا اللغة الدقيقة للعقائد اللاحقة.

شهد القرن الثالث محاولات أكثر وضوحا لشرح العلاقات داخل الثالوث. ترتليان ، الذي كتب في شمال أفريقيا ، كان أول من استخدم مصطلح "الثالوث" (الثلاثي في اللاتينية) وصاغ صيغة "ثلاثة أشخاص ، مادة واحدة" لوصف الواقع الإلهي (تومسون ، 2024). هذه الصيغة من شأنها أن تثبت تأثيرها في اللاهوت الغربي في وقت لاحق.


 
قديم 06 - 07 - 2025, 05:47 PM   رقم المشاركة : ( 201893 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



في الشرق ، طور اوريجانوس الاسكندرية اللاهوت الثالوثي
المتطور الذي أكد على الجيل الأبدي للابن من الآب وموكب الروح القدس.
في حين تم رفض بعض التكهنات اوريجانوس في وقت لاحق
وكان تركيزه على العلاقات الأبدية داخل الثالوث التأسيسي للفكر الشرقي اللاحق

 
قديم 06 - 07 - 2025, 05:48 PM   رقم المشاركة : ( 201894 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



كان القرن الرابع فترة حاسمة للعقيدة الثالوثية ، حيث تصارعت الكنيسة مع بدعة الآريان ، التي نفت اللاهوت الكامل للمسيح. أكد مجمع نيقية في عام 325 ميلادي أن الابن هو "من مادة واحدة" (homoousios) مع الآب ، وهو تأكيد رئيسي للأرثوذكسية الثالوثية (Thompson ، 2024).
في وقت لاحق من هذا القرن ، قام الآباء الكابادوسيون - باسيل العظيم ، غريغوري نازيانزو ، وغريغوري من نيسا - بتطوير اللاهوت الثالوثي ، مؤكدين على كل من وحدة الجوهر الإلهي وتميز الأشخاص الثلاثة (تشوكوفسكي ، 2023).


 
قديم 06 - 07 - 2025, 05:49 PM   رقم المشاركة : ( 201895 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



كيف تعكس هذه المناقشات اللاهوتية أسئلة إنسانية عميقة حول الهوية والعلاقة وطبيعة الشخصية. إن الرؤية الثالوثية لله كشركة من الأشخاص تتحدث بعمق عن تطلعنا إلى الوحدة في التنوع والمحبة الكاملة.

لم يكن تطوير العقيدة الثالوثية عملية سلسة وخطية تنطوي على تفاعلات معقدة بين الكتاب المقدس والتقاليد والمفاهيم الفلسفية والخبرة المسيحية الحية. لم ينخرط آباء الكنيسة في تكهنات مجردة في جهد حيوي لفهم حقيقة الله وإبلاغها كما هو مبين في المسيح وخبرة في حياة الكنيسة.

على الرغم من أن آباء الكنيسة الأوائل حققوا تقدمًا كبيرًا في توضيح عقيدة الثالوث ، إلا أنهم حافظوا أيضًا على شعور بالسر المقدس. كما لاحظ أوغسطين الشهيرة ، "إذا فهمت ذلك ، فهو ليس الله" (سرمون 52 ، 6 ، 16).

 
قديم 06 - 07 - 2025, 06:08 PM   رقم المشاركة : ( 201896 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تسبحة دبورة




يرى غالبية الدارسين أن تسبحة دبورة، والتي تُدعى "أغنية النصرة" أو "نشيد الغلبة"، من وضع دبورة نفسها، وضعتها بأسلوب شعري رائع وفي بلاغة تفوق أهل زمانها. لذلك فهي أقدم جزء في سفر القضاة.
ويرى العلامة أوريجانوس أن هذه التسبحة هي تسبحة الإنسان المجاهد، الذي يكون كدبورة أو النحلة، يترنم بها أثناء جهاده الروحي حيث يزعزع الرب الجبال الوعرة أمامنا واهبًا إيانا النصرة لكي نملك أبديًا.
والتسبحة تضم 31 عددًا، تنقسم إلى ثلاثة أقسام أو فصول كل قسم يتكون من 9 أعداد (3-11، 13-21، 22-30)، أما العددان 1، 2 فهما مقدمة للتسبحة، والعدد 12 مقدمة للقسم الثاني، والعدد 31 خاتمة التسبحة.

1. مقدمة التسبحة:

"1 فَتَرَنَّمَتْ دَبُورَةُ وَبَارَاقُ بْنُ أَبِينُوعَمَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلَيْنِ: 2 «لأَجْلِ قِيَادَةِ الْقُوَّادِ فِي إِسْرَائِيلَ، لأَجْلِ انْتِدَابِ الشَّعْبِ، (تقدمهم للحرب باختيارهم)، بَارِكُوا الرَّبَّ" [1-2].

عند الضيق غالبًا ما يصرخ الإنسان طالبًا الخلاص، لكن عند الفرح نادرًا ما يرجع لله بالشكر والتسبيح لأجل أعماله معنا. لقد صرخ عشرة رجال برص، قائلين: "يا معلم ارحمنا" (لو 17: 13)، وإذ شفاهم رجع واحد منهم فقط ليمجد الله بصوت غريب وكان سامريًا، لذا قال الرب: "أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة؟! ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدًا لله غير هذا الغريب الجنس؟!"


إذ خلص الرب شعبه من سيسرا ويابين على يدي دبورة وباراق، انطلقت دبورة تسبح الرب ومعها باراق، لعلها وضعت التسبحة بإرشاد إلهي وقدمتها لباراق، فقادت دبورة النساء للعمل الملائكي التسبيحي وقاد باراق الرجال. عند عبور البحر الأحمر انطلق موسى بالتسبيح (خر 15: 1) ووراءه تمثل المريمات اللواتي أعلنَّ القيامة قبل التلاميذ وكان لهن النصيب الأول في التمتع ببهجة القيامة والتمتع بالرب القائم من بين الأموات.
ماذا قالا؟: "لأجل قيادة القواد في إسرائيل"، بمعنى أنهما يسبحان الله الذي عمل في القادة الذين تسلموا مركز القيادة في الحرب معرضين حياتهم للخطر من أجل إخوتهم. وكأن دبورة وباراق وهما يمجدان الله واهب النصرة لا يتجاهلان جهاد أحد وتعبه! وقد جاءت الترجمة السريانية والكلدانية: "لأجل انتقام إسرائيل"، أي من أجل ما وهبه الله لإسرائيل من قوة للانتقام من سيسرا.
"لأجل انتداب الشعب" أي لقبولهم العمل (الحرب) طوعًا، فإن كان القادة قد تسلموا مواقعهم فالشعب أيضًا جاهد بفرح طوعًا.. وكأن النصرة الروحية إنما هي ثمر عمل الله في القادة كما في الشعب. ليتنا في الأعمال الناجحة ننسب الفضل كله لله، ولا نتجاهل دور القادة ولا الشعب.
لعل دبورة بقولها: "باركوا الرب" تطلب من القادة الذين كانوا أمناء في مواقعهم وللشعب الذي جاء طوعًا للعمل ألاّ تلهيهم النصرة من تقديم تسبحة الحمد لله والشكر لنعمته الغنية، وإنما يتمثلون بالرسول بولس القائل: "ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئًا كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله" (2 كو 3: 5).

2. الله قائد شعبه:

3 اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْمُلُوكُ وَاصْغَوْا أَيُّهَا الْعُظَمَاءُ. أَنَا، أَنَا لِلرَّبِّ أَتَرَنَّمُ. أُزَمِّرُ لِلرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. 4 يَا رَبُّ بِخُرُوجِكَ مِنْ سِعِيرَ، بِصُعُودِكَ مِنْ صَحْرَاءِ أَدُومَ، الأَرْضُ ارْتَعَدَتِ. السَّمَاوَاتُ أَيْضًا قَطَرَتْ. كَذلِكَ السُّحُبُ قَطَرَتْ مَاءً. 5 تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ، وَسِينَاءُ هذَا مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ. 6 «فِي أَيَّامِ شَمْجَرَ بْنِ عَنَاةَ، فِي أَيَّامِ يَاعِيلَ، اسْتَرَاحَتِ الطُّرُقُ، وَعَابِرُو السُّبُلِ سَارُوا فِي مَسَالِكَ مُعْوَجَّةٍ. 7 خُذِلَ الْحُكَّامُ فِي إِسْرَائِيلَ. خُذِلُوا حَتَّى قُمْتُ أَنَا دَبُورَةُ. قُمْتُ أُمًّا فِي إِسْرَائِيلَ. 8 اِخْتَارَ آلِهَةً حَدِيثَةً. حِينَئِذٍ حَرْبُ الأَبْوَابِ. هَلْ كَانَ يُرَى مِجَنٌّ أَوْ رُمْحٌ فِي أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ إِسْرَائِيلَ؟ 9 قَلْبِي نَحْوَ قُضَاةِ إِسْرَائِيلَ الْمُنْتَدِبِينَ فِي الشَّعْبِ. بَارِكُوا الرَّبَّ. 10 أَيُّهَا الرَّاكِبُونَ الأُتُنَ الصُّحْرَ، الْجَالِسُونَ عَلَى طَنَافِسَ، وَالسَّالِكُونَ فِي الطَّرِيقِ، سَبِّحُوا! 11 مِنْ صَوْتِ الْمُحَاصِّينَ بَيْنَ الأَحْوَاضِ هُنَاكَ يُثْنُونَ عَلَى حَقِّ الرَّبِّ، حَقِّ حُكَّامِهِ فِي إِسْرَائِيلَ. حِينَئِذٍ نَزَلَ شَعْبُ الرَّبِّ إِلَى الأَبْوَابِ.

يبدأ صُلب التسبحة بالعبارة: "اسمعوا أيها الملوك واصغوا أيها العظماء، أنا أنا للرب أترنم، إزمر للرب إله إسرائيل" [3]. إذ لم يكن لإسرائيل ملوك حتى ذلك الحين فالدعوة هنا موجهة لملوك الأمم الوثنية والتي كانت متعاطفة أو متحالفة مع يابين ملك كنعان لكي تتأمل أعمال الله الحيّ، فترجع عن الآلهة الكاذبة وتخشى الرب الحقيقي.
تؤكد "أنا أنا للرب أترنم"، وكأنها تقول: "أنا دبورة المرأة الضعيفة، أنا هي التي تفتح فمها لترنم لله مخلصها". فإن كنتم ملوكًا وعظماء، لكني وأنا الضعيفة أدعوكم لتدارك الأمر وتفهم أعمال الله معنا. وربما تكرار كلمة "أنا" مرتين يشير إلى الكنيسة، التي ترنمت للرب في العهد القديم خلال الناموس، وتزمر له في العهد الجديد خلال النعمة. إنها الكنيسة الواحدة، لكن كلها أعضاء من رجال العهد القديم وأعضاء أُخر من العهد الجديد.


يرى القديس أغسطينوس
أن رقم 2 يشير إلى "الحب" إذ يجعل الاثنين واحدًا، فتكرار كلمة "أنا" مرتين يشير إلى سمة دبورة الحقيقية أي الكنيسة، القادرة على الترنم والتسبيح، إلاَّ وهي سمة الحب، الذي بدونه لا يتقبل الرب عبادتها أو تسابيحها، كقول الرسول: "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ولكن ليس ليّ محبة فقد صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرن" (1 كو 13: 1).
"يا رب بخروجك من سعير بصعودك من صحراء أدوم، الأرض ارتعدت، السماوات أيضًا قطرت، كذلك السحب قطرت ماء" [4]. تعود دبورة بذاكرتها إلى معاملات الله مع آبائها حين كانوا في البرية قومًا رحل، من الذي سندهم ضد أرض سعير وأدوم غيره (عد 20: 22-23؛ 21: 4)! الله الذي خلص في القديم آباءهم هو هو بعينه يرافقهم في جهادهم ضد سيسرا ويابين ملك الكنعانيين.
تعلن دبورة سرّ النصرة بقولها للرب "بخروجك... بصعودك"، فالله لا يقف في معزل عن الإنسان بل في حبه لنا دائم الحركة من أجلنا، فبحبه يخرج من سعير (التي تعني شعر وهو اسم عيسو بكونه مشعرًا) ويصعد من أدوم (تعني دم أو أرض وهو اسم عيسو أيضًا). وكأنه بالحب ينزل إلينا ويحل بيننا لكي يخرجنا من "سعير" أي من الفكر الجسداني، ويصعد بنا إلى ما فوق آدوم أي فوق الدم والأرض. بالمسيح يسوع نخرج ونصعد فلا نعيش بعد على المستوى الجسدي الدموي الأرضي، إنما نشاركه الحياة الجديدة لنحيا في السمويات،

وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كأن الإنسان قد أُخذ إلى السماء عينها ويقف بجوار عرش المجد].
هكذا تؤكد دبورة النبية في تسبحتها أن الله هو العامل فينا، فإذ نحمله داخلنا نخرج من سعير ونصعد من أدوم الرمزية، أما ثمر هذا العمل فهو:
أولًا: "الأرض ارتعدت" [4]. هنا يشير إلى الخشية التي حلت بالأمم تجاه إسرائيل حين سمعوا عن أعمال الله معهم، وكما يقول موسى النبي: "يَسْمَعُ الشُّعُوبُ فَيَرْتَعِدُونَ. تَأْخُذُ الرَّعْدَةُ سُكَّانَ فِلِسْطِينَ. حِينَئِذٍ يَنْدَهِشُ أُمَرَاءُ أَدُومَ. أَقْوِيَاءُ مُوآبَ تَأْخُذُهُمُ الرَّجْفَةُ. يَذُوبُ جَمِيعُ سُكَّانِ كَنْعَانَ" (خر 15: 14-15؛ راجع يش 2: 9-11).
الأرض أيضًا تشير إلى الجسد، فإذ يعمل الله فينا يرتعد الجسد بمعنى يخشى الله، فلا يسلك في شهواته وملذاته بل يخضع لروح الرب. وكما قيل في حبقوق النبي: "شققت الأرض أنهارًا" (حب 3: 9). فإن كانت أرضنا أي جسدنا قَفْرَاء، فإن الرب يفجر فينا بصليبه ينابيع روحه القدوس كأنهار ماء حيّ.
ثانيًا: [السموات أيضًا قطرت، كذلك السحب قطرت ماء] [4]. إن كانت الأمم الوثنية كالأرض ارتعدت أمام الله، فإن أولاده كسموات تقطر ندى وكسحب تهطل أمطارًا تحول القفر إلى فردوس. بالله القدوس تحمل حياتنا الداخلية -كسموات- ندى الروح القدس وأمطاره السماوية.
ما نقوله عن الأمم الوثنية وأولاد الله نكرره بخصوص الجسد والروح، فإن كان الجسد كالأرض يرتعد أمام الله فلا يطلب شهواته، فإن الروح كسماء تقدم بالرب كل مطر مفرح.
ثالثًا: "تزلزلت الجبال من وجه الرب" [5]. وكما يقول إشعياء النبي: "حين صنعت مخاوف لم ننتظرها نزلت تزلزلت الجبال من حضرتك" (إش 64: 3).
في دراستنا لسفر حزقيال رأينا الله يقيم نفوس قديسيه كجبال مقدسة يسكنها، ترتفع فوق الأرضيات، وعدو الخير أيضًا يقيم من خدامه جبالًا دنسة معثرة تتسم بكبرياء النفس وعصيانها للوصية(61). مثل هذه الجبال تزلزل من وجه الرب، فيسقط تشامخها وتنسحق قدامه.
بعد أن عرضت دبورة أعمال الله مع الآباء في وسط البرية، عادت لتصف حالهم في أيامها وحاجتهم إلى عمل الله، فقالت:
"في أيام شمجر بن عناة في أيام ياعيل استراحت الطرق (لم تستخدم الطرق)، وعابرو السبل ساروا في مسالك معوجة. خذل الحكام (توقف سكان القرى) في إسرائيل، خذلوا حتى قمت أنا دبورة، قمت أمًا في إسرائيل" [6-7].
يبدو أن الضيقة حلت بالشعب في أواخر أيام القاضي شمجر (قض 3: 31)، ولا نعلم إن كانت دبورة قد عاصرته أم لا، أما ياعيل هنا فيرى البعض أنها ياعيل زوجة حابر التي قتلت سيسرا، فربما كانت معروفة بغيرتها على إسرائيل لخلاصه لكنها كانت تعمل في الخفاء خشية بطش سيسرا بها، ويرى آخرون أنها ياعيل أخرى كان لها دورها في أيام شمجر. على أي الأحوال تقدم لنا دبورة صورة مرّة لمضايقات الكنعانيين لهم فقد أغلقوا عليهم الطرق الرئيسية حتى اضطر اليهود في سفرهم أن يستخدموا المسالك الفرعية المعوجة والخطيرة، وصارت الحقول بلا فلاحين إذ هربوا إلى المدن يتحصنون فيها خشية بطش الكنعانيين، فصارت الأراضي الخصبة قفرًا بلا ثمار. إنها صورة عمل عدو الخير مع البشرية، إذ يغلق أمامها الطرق الإلهية خلال قطع الرجاء أو إغراءات الشر، ويدخل بها في المسالك الملتوية الشريرة حتى ينحرف بها عن غايتها، ويحول حقلها الداخلي إلى قفر وجنتها إلى برية قاحلة. وبقيت البشرية هكذا حتى قامت الكنيسة الروحية (دبورة) وأعلنت أمومتها في الرب... "قمت أمًا في إسرائيل". وكأنه لم يكن ممكنًا التحرر من مرارة الكنعانيين إلاّ بقبول دبورة أمًا، أي قبول أمومة الكنيسة الروحية.
لذلك يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لا تعتزل الكنيسة، لأنه لا شيء أقوى منها (كإيمان وحياة). الكنيسة هي رجاؤك وخلاصك وملجأك، إنها أعلى من السماء، وأوسع من المسكونة. إنها لن تشيخ قط، بل هي دائمًا في كامل حيويتها].
"اختار آلهة حديثة؛ حينئذ حرب الأبواب، هل كان يُرى مجن أو رمح في أربعين إلفًا من إسرائيل؟!" [8].
لم يقف الدمار خلال مضايقة الكنعانيين لهم من الخارج، وإنما تحقق خلال الفساد الداخلي، إذ لجأ اليهود إلى آلهة غريبة حديثة، وكما قيل في سفر التثنية: "ذبحوا لأوثان ليست لله، لآلهة لم يعرفوها أحداث قد جاءت من قريب" (تث 32: 17). لهذا تركهم الرب حتى صارت الحرب عند الأبواب، فتحول الموضع الذي كان مجالس الرؤساء والحكام إلى ملحمة دماء، أمام هذا المشهد ماذا يفعل إسرائيل حتى وإن ضم جيشه أربعين ألفًا من الرجال إذ لا يحمل مجن الروح ولا رمح الإيمان! لقد حرمهم الكنعانيون من حمل السلاح، بل هم حرموا أنفسهم من السلاح الروحي بانحرافهم نحو العبادة الوثنية!
إذ صار حال الشعب هكذا، ضيق في الخارج وفساد في الداخل، لم يتركهم الرب بل أرسل إليهم قضاة قبلوا العمل ندبًا (طوعًا) لإنقاذ الكل؛ إذ تطالب الشعب أن يبارك الرب على هذا العمل، قائلة: "قلبي نحو قضاة إسرائيل المنتدبين في الشعب، باركوا الرب" [9]. هكذا إذ قبل القضاة العمل وسط الضيقات المرّة تطالب أيضًا عظماء الشعب أن يسبحوا الرب الذي أرسلهم لخلاصهم: "أيها الراكبون الأتن الصحر، الجالسون على طنافس، والسالكون في الطريق، سبحوا" [10]. إن كان الشعب الفقير الذي يسير على قدميه في الطريق يشكر الله، فيليق أيضًا بالعظماء الراكبين الأتن القادمة من الصحراء، وهي من الأتن الغبراء في حمرة خفية مع بياض قليل، وهي نوع نادر لا يركبه إلاَّ الأغنياء، أما الجالسون على طنافس أي على سجاد ثمين فيُقصد بهم رجال القضاء، هؤلاء جميعًا فليسبحوا الرب.
تختم دبورة الفصل الأول من تسبحتها بقولها: "من صوت المحاصين بين الأحواض هناك يثنون على حق الرب، حق أحكامه في إسرائيل، حينئذ نزل شعب الرب إلى الأبواب" [11]. جاء الأصل العبري غامضًا لذا اختلف الدارسون في تفسير هذه الخاتمة. فرأى البعض أن المحاصين هم رماة السهام بينما رأى الغالبية أنهم المتقاسمون الغنائم، كل يأخذ حصته، فيأتون بحصصهم من الغنائم إلى أحواض المياه لتشرب وهم يسبحون الرب ويثنون على عمله إذ وهبهم النصرة وقدم لهم من الأعداء غنائم كثيرة يدخلون بها إلى أبواب مدينتهم.


3. مقدمة الفصل الثاني:

12 «اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي يَا دَبُورَةُ! اسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي وَتَكَلَّمِي بِنَشِيدٍ! قُمْ يَا بَارَاقُ وَاسْبِ سَبْيَكَ، يَا ابْنَ أَبِينُوعَمَ!

إذ سبحت دبورة الرب، وطالبت الأغنياء والفقراء، وكل طبقات الشعب أن يسبحوه إذ خلصهم من الأعداء ونزع عنهم فسادهم مقدمًا لهم عوض المذلة نصرة، وعوض الفقر خيرات وغنائم، تفتتح القسم الثاني أو الفصل الثاني من تسبحتها بهذه المقدمة: "استيقظي استيقظي يا دبورة استيقظي استيقظي... قم يا باراق واسب سبيك يا ابن أبينوعم" [12].
لما كان الفصل الثاني يعلن عمل الله الخلاصي خلال دبورة وباراق بكونه رمزًا وتهيئة للخلاص الذي يقدمه السيد المسيح خلال كنيسة العهد الجديد، لهذا يبدأ في مقدمته بمناداة الكنيسة أربع مرات "استيقظي". إن كانت البشرية في العالم قد نامت نوم الموت بسبب الخطية، فقد جاء السيد المسيح ليعلن قيامة الكنيسة التي يجمعها من جهات المسكونة الأربع، من المشارق والمغارب والشمال والجنوب. لتستيقظ الشعوب والأمم الوثنية من سباتها فقد جاء القائم من الأموات القادر على إقامتها.
إن كان باراق قد قاد المعركة فقد سَبَى سبيًا وصارت له غنائم كثيرة من العدو. يعرضها على الشعب ليملأ حياتهم بهجة عوض سنوات الذل التي عاشوها. هكذا إذ غلب الرب على الصليب حرر البشرية المسبية تحت عبودية إبليس وانطلق بها إلى حريته على المستوى السماوي، وكما يقول المرتل: "صعدت إلى العلاء، سبيت سبيًا" (مز 68: 18).
ويعلق القديس چيروم: [لقد صعدت إلى السماء. خلصتنا نحن الذين كنا مسبيين بواسطة الشيطان].
ويعلق القديس أغسطينوسعلى قول المرتل "سبيت سبيًا" هكذا: [أحدث هذا لأنه غلب الموت الذي أسر الذين ملك عليهم؟! أو أنه يدعو الناس أنفسهم مسبيين إذ كانوا أسرى للشيطان...؟ هؤلاء إذ خلصوا من الخطية التي كانوا يخدمونها صاروا خدامًا للبر وأبناءً!]. بمعنى آخر نحن الذين كنا قبلًا في السبي تحت نير الخطية تمتعنا بالحرية، فصرنا في المسيح يسوع أبناء لله، يسبينا حبه المفرح... فصرنا كمن في سبي الحب، غنائم محبته الفائقة. دخلنا إلى خدمة البر بفرح طوعًا بعد تذوقنا مرارة سبي الشر!

4. معركة دبورة وباراق:

13 حِينَئِذٍ تَسَلَّطَ الشَّارِدُ عَلَى عُظَمَاءِ الشَّعْبِ. الرَّبُّ سَلَّطَنِي عَلَى الْجَبَابِرَةِ. 14 جَاءَ مِنْ أَفْرَايِمَ الَّذِينَ مَقَرُّهُمْ بَيْنَ عَمَالِيقَ، وَبَعْدَكَ بَنْيَامِينُ مَعَ قَوْمِكَ. مِنْ مَاكِيرَ نَزَلَ قُضَاةٌ، وَمِنْ زَبُولُونَ مَاسِكُونَ بِقَضِيبِ الْقَائِدِ. 15 وَالرُّؤَسَاءُ فِي يَسَّاكَرَ مَعَ دَبُورَةَ. وَكَمَا يَسَّاكَرُ هكَذَا بَارَاقُ. اِنْدَفَعَ إِلَى الْوَادِي وَرَاءَهُ. عَلَى مَسَاقِي رَأُوبَيْنَ أَقْضِيَةُ قَلْبٍ عَظِيمَةٌ. 16 لِمَاذَا أَقَمْتَ بَيْنَ الْحَظَائِرِ لِسَمْعِ الصَّفِيرِ لِلْقُطْعَانِ. لَدَى مَسَاقِي رَأُوبَيْنَ مَبَاحِثُ قَلْبٍ عَظِيمَةٌ. 17 جِلْعَادُ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ سَكَنَ. وَدَانُ، لِمَاذَا اسْتَوْطَنَ لَدَى السُّفُنِ؟ وَأَشِيرُ أَقَامَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ، وَفِي فُرَضِهِ سَكَنَ. 18 زَبُولُونُ شَعْبٌ أَهَانَ نَفْسَهُ إِلَى الْمَوْتِ مَعَ نَفْتَالِي عَلَى رَوَابِي الْحَقْلِ. 19 «جَاءَ مُلُوكٌ. حَارَبُوا. حِينَئِذٍ حَارَبَ مُلُوكُ كَنْعَانَ فِي تَعْنَكَ عَلَى مِيَاهِ مَجِدُّو. بِضْعَ فِضَّةٍ لَمْ يَأْخُذُوا. 20 مِنَ السَّمَاوَاتِ حَارَبُوا. الْكَوَاكِبُ مِنْ حُبُكِهَا حَارَبَتْ سِيسَرَا. 21 نَهْرُ قِيشُونَ جَرَفَهُمْ. نَهْرُ وَقَائِعَ نَهْرُ قِيشُونَ. دُوسِي يَا نَفْسِي بِعِزّ.

يصف لنا الفصل الثاني من هذه التسبحة معركة دبورة وباراق ونصرتهما في الرب.
"حينئذ تسلط الشارد على عظماء الشعب، الرب سلطني على الجبابرة" [13]. ماذا يعني بالشارد هنا إلاَّ الهارب أو الطريد بسبب الجور، وقد جاء في بعض الترجمات "البقية" أي ما تبقى في الشعب بعد ظلم الكنعانيين، فقد تسلط هؤلاء المطرودون أو البقية الضعيفة بعد ضيق سنوات طويلة على عظماء شعب الكنعايين... وقد استخدم الرب دبورة لتغلب الجبابرة منهم.
إذ أراد الله نصرة هذه البقية المسكينة أقام دبورة النبية التي جاءت الأسباط تسير وراءها مع باراق ضد الكنعانيين، وقد عددت في التسبحة هذه الأسباط هكذا:
أولًا: سبط أفرايم "جاء من أفرايم الذين مقرهم بين عماليق" [14].
كان أفرايم ساكنًا في الأرض التي تحسب حصنًا للإسرائيليين من عماليق، خرجوا للحرب مع باراق.
ثانيًا: "وبعدك بنيامين مع قومك" [14]. كان نصيب بنيامين ما بين أفرايم ويهوذا، وبالرغم من قلة عددهم كانوا أشداء بأس، أقوياء، خرجوا للحرب مع أفرايم يختلطون بهم.
ثالثًا: سبط منسى "من ماكير نزل قضاة (حكام)" [14]. كانت عشيرة ماكير من سبط منسى، الذين أقاموا غرب الأردن، وقد اشتركوا مع باراق في الحرب، وكان منهم قادة الجيش (حكام).
رابعًا: سبط زبولون "ومن زبولون ماسكون بقضيب القائد" [14]. جاءت الكلمة العبرية التي ترجمت "قائد" شفر إي "الكاتب"، فكان الكاتب يرفع العصا فوق البهائم ليكون العاشر من كل منها قدسًا للرب (لا 27: 32)، لذا رأى البعض إنه من زبولون قام الكاتب الذي يمسك بيده القضيب ليحصي الجنود ويكتب عددهم. لعله يشير بهذا إلى عمل تعداد للجيش ليتمتع الكل بنصيبه في الغنائم.
ويرى البعض أن قضيب القائد أو الكاتب هنا يشير إلى مركزهم القيادي لتحريك الجيش للعمل.
خامسًا: سبط يساكر "والرؤساء في يساكر مع دبورة، وكما يساكر هكذا باراق، اندفع إلى الوادي وراءه" [15]. هنا تمدح رؤساء يساكر إذ خرجوا بأنفسهم مع دبورة التي كانت في ساحة القتال، لم يرسلوا رجالهم فحسب بل خرجوا بأنفسهم. ولكي تُظهر شجاعتهم وأقدامهم لم تشبههم بباراق الشجاع بل وشجعت باراق بهم زيادة في المديح. لقد اندفع يساكر مع باراق إلى الوادي (قض 4: 14)، أي إلى السهل الذي ضم الأعداء وفرسانهم ومركباتهم الحديدية.
سادسًا: سبط نفتالي "زبولون شعب أهان نفسه إلى الموت مع نفتالي على روابي الحقل" [18]. في الأصحاح السابق رأينا باراق يدعو زبولون ونفتالي إلى قادش للحرب (يش 4: 10) ويبدو أنه كان لهم نصيب الأسد في هذه المعركة، لذلك مدحت زبولون بأنه ماسك بقضيب القائد [14]، والآن في ختام حديثها عن الأسباط تصف زبولون ونفتالي بأنهما خاطرا بحياتهما حتى الموت في شجاعة نادرة وحب. أما كونهما يخاطران على روابي (الرابية موقع مرتفع) الحقل، فعلامة الشجاعة أن يقفا في مكان عالٍ أمام العدو بلا خوف، وفي الحقل حيث تم حصاد الكثيرين في هذه المعركة.
إن كانت دبورة قد مدحت الأسباط المشتركة مع باراق في الجهاد، فبلطف وأدب وبخت الأسباط التي رفضت الاشتراك معه، خاصة تلك التي قطنت شرقي الأردن في أرض جلعاد "سبطا رأوبين وجاد ونصف سبط منسى(65)"، وقد اشترك معهما في هذا التهاون سبطا دان وأشير.
رأينا في دراستنا لسفر العدد أن السبطين والنصف سبط الذين أرادوا السكنى شرقي الأردن يمثلون اليهود الذين لم ينعموا بعبور الأردن ليتمتعوا بميراث العهد الجديد(66)، أما سبط دان فيرى بعض الآباء أنه يشير إلى الهراطقة إذ منهم يخرج ضد المسيح في عصر الارتداد(67)، أما أشير فتذكر دبورة أنه كان مقيمًا على ساحل البحر أي مرتبطًا بقلاقل العالم واضطراباته. وكأن الفئات التي تحرم من إكليل النصرة هم رافضوا المسيح يسوع (اليهود)، والهراطقة الحاملون لروح ضد المسيح، ومحبو العالم والغارقون في اهتماماته.
وبخت دبورة النبية الأسباط القائمة شرقي الأردن فقالت لرأوبين: "على مساقي (جداول) رأوبين أقضية قلب عظيمة؛ لماذا أقمت بين الحظائر لسمع الصفير للقطعان، لدى مساقي رأوبين مباحث قلب عظيمة" [15-16]. كأنها تقول لرأوبين وهو البكر بين الأسباط أنه قد خذل إخوته إذ جلس عند مجاري المياه يتباحث في الأمر فارتبط قلبه بخصوبة الأرض عوض النزول مع إخوته للجهاد ضد العدو. لقد فضل الإقامة بجوار حظائر غنمه يسمع صفير الرعاة للغنم عوض الاستماع لصوت بوق القتال. هذا السبط يمثل النفس التي ارتبطت بمجاري مياه العالم وتعلقت بالغنم أي بالجسد الحيواني، بمعنى آخر أفسدت محبة العالم وشهوات الجسد روحهم عن الجهاد الروحي ضد الخطية.
والآن توبخ بقية الأسباط القائمة شرقي الأردن بقولها: "جلعاد في عبر الأردن سكن" [17]. جلعاد يمثل النفس التي استكانت خلف الأردن، فلم تقبل الدفن مع السيد المسيح في مياه الأردن، إنها تختار الطريق السهل المتسع، لا طريق شركة الآلام والدفن مع الرب!
إذ مدحت دبورة القاضية الأسباط المشتركة مع باراق في المعركة ووبخت الأسباط التي تكاسلت، تتحدث عن العدو نفسه أو عن المعركة، فتقول:
"جاء ملوك، حاربوا، حينئذ حارب ملوك كنعان في تعنك على مياه مجدو. بضع فضة لم يأخذوا" [19]. تتحدث هنا عن الملوك الذين آزروا ملك كنعان، فقد جاءوا إلى تعنك وهي مدينة تبعد حوالي خمسة أميال جنوب شرقي مجدو، اسمها كنعاني يعني (أرضًا رملية). كانت هذه المدينة تابعة ليساكر ثم صارت لمنسى ثم للاويين. وقد ظن العدو حين نزل إليها أنه يأخذ الغنائم والفضة فدية عن الأسرى أو يأخذ أجرة من ملك كنعان عن مساعدتهم له، لكنهم فوجئوا بما لم يتوقعوا، إذ رأوا السماء نفسها تحاربهم. "من السماوات حاربوا، الكواكب من حبكها (طريق مسارها) حاربت سيسرا، نهر قيشون جرفهم، نهر وقائع نهر قيشون، دوسي يا نفسي بعز" [20-21].
بينما توقع حلفاء كنعان أن ينالوا النصرة بسهولة فيتمتعوا بأجرة من الفضة ثمنًا لتعبهم مع اقتسام للغنيمة إذ بالطبيعة نفسها تقف ضدهم، فالسموات ثارت ضدهم خلال ظروف الطبيعة القاسية حتى بدت كواكبها كجنود تحاربهم، ونهر قيشون فاض بالمياه فجرف القتلى مع الجرحى والأحياء أيضًا. ذكر يوسيفوس أن الطبيعة لعبت دورًا رئيسيًا في هزيمة ملك كنعان وحلفائه!
حين يرجع الإنسان إلى الله بالتوبة، لا تستطيع ضربات العدو الشمالية أو اليمينية أن تلحق به، إنما يعطيه الرب عونًا من السماء ويكون السمائيون والقديسون كجنود روحيين يستخدمهم الله لعونه، ومياه الأنهار (ينابيع الروح القدس) تجرف الخطية وتهلكها، عندئذ بقوة الروح يقول: "دوسي يا نفسي بعز"، أو كما جاءت في بعض الترجمات "لقد دستِ يا نفسي الأقوياء"، إذ تظفر بإبليس وأعماله الشريرة التي أسرت النفس زمانًا! لتقل نفوسنا: "لا تشمتي بيّ يا عدوتي، إذا سقطت أقوم، إذا جلست في الظلمة فالرب نور لي" (مي 7: 8).

5. هزيمة سيسرا:

22 «حِينَئِذٍ ضَرَبَتْ أَعْقَابُ الْخَيْلِ مِنَ السَّوْقِ، سَوْقِ أَقْوِيَائِهِ. 23 اِلْعَنُوا مِيرُوزَ قَالَ مَلاَكُ الرَّبِّ. اِلْعَنُوا سَاكِنِيهَا لَعْنًا، لأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا لِمَعُونَةِ الرَّبِّ، مَعُونَةِ الرَّبِّ بَيْنَ الْجَبَابِرَةِ. 24 تُبَارَكُ عَلَى النِّسَاءِ يَاعِيلُ امْرَأَةُ حَابِرَ الْقَيْنِيِّ. عَلَى النِّسَاءِ فِي الْخِيَامِ تُبَارَكُ. 25 طَلَبَ مَاءً فَأَعْطَتْهُ لَبَنًا. فِي قَصْعَةِ الْعُظَمَاءِ قَدَّمَتْ زُبْدَةً. 26 مَدَّتْ يَدَهَا إِلَى الْوَتَدِ، وَيَمِينَهَا إِلَى مِضْرَابِ الْعَمَلَةِ، وَضَرَبَتْ سِيسَرَا وَسَحَقَتْ رَأْسَهُ، شَدَّخَتْ وَخَرَّقَتْ صُدْغَهُ. 27 بَيْنَ رِجْلَيْهَا انْطَرَحَ، سَقَطَ، اضْطَجَعَ. بَيْنَ رِجْلَيْهَا انْطَرَحَ، سَقَطَ. حَيْثُ انْطَرَحَ فَهُنَاكَ سَقَطَ مَقْتُولًا. 28 مِنَ الْكُوَّةِ أَشْرَفَتْ وَوَلْوَلَتْ أُمُّ سِيسَرَا مِنَ الشُّبَّاكِ: لِمَاذَا أَبْطَأَتْ مَرْكَبَاتُهُ عَنِ الْمَجِيءِ؟ لِمَاذَا تَأَخَّرَتْ خَطَوَاتُ مَرَاكِبِهِ؟ 29 فَأَجَابَتْهَا أَحْكَمُ سَيِّدَاتِهَا، بَلْ هِيَ رَدَّتْ جَوَابًا لِنَفْسِهَا: 30 أَلَمْ يَجِدُوا وَيَقْسِمُوا الْغَنِيمَةَ! فَتَاةً أَوْ فَتَاتَيْنِ لِكُلِّ رَجُل! غَنِيمَةَ ثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ لِسِيسَرَا! غَنِيمَةَ ثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ مُطَرَّزَةٍ! ثِيَابٍ مَصْبُوغَةٍ مُطَرَّزَةِ الْوَجْهَيْنِ غَنِيمَةً لِعُنُقِي!

إذ كشفت دبورة في الفصل الثاني حقيقة المعركة، أن لله قد تدخل مستخدمًا الطبيعة لحساب مؤمنيه تكشف الآن في الفصل الأخير من تسبحتها عن ضعف سيسرا وهزيمته، فتقول: "حينئذ ضربت أعقاب الخيل من السوق سوق أقويائه" [22]. أدرك جيش سيسرا الهزيمة فحاول الفرار في جنون وهلع فكان يضرب الخيل بشدة للهرب وكانت الخيل تضرب الأرض بحوافرها، لكن "باطل هو الفرس لأجل الخلاص وبشدة قوته لا ينجي" (مز 33: 17).
ما هذا الخيل الذي يضرب بحوافره الأرض ولا ينجي إلاَّ اتكال الإنسان على البشر أو على ذاته في الخلاص، فيكون كمن يركب خيلًا تعجز عن خلاصه
وكما يقول القديس أغسطينوس: [مخدوع هو الإنسان الذي يظن أنه يقتني الخلاص من البشر، أو ذاك الذي بتهور شجاعته الذاتية يهرب من الهلاك].
"العنوا ميروز قال ملاك الرب، العنوا ساكنيها، لأنهم لم يأتوا لمعونة الرب معونة الرب بين الجبابرة، تبارك على النساء ياعيل امرأة حابر القيني" [23-24]. حلت اللعنة بمدينة "ميروز" بكل سكانها بيمنا حلت البركة على ياعيل لأن ميروز اتخذت موقفًا سلبيًا، فإذ رأت سيسرا هاربًا لم تمسك به ولا سلمته لمن سندهم الرب أما ياعيل فقتلته. مدينة ميروز تمثل الإنسان الذي لا يجمع مع الرب فهو يفرق (مت 12: 30؛ لو 11: 23)، أما ياعيل فتمثل الإنسان العامل ضد مملكة إبليس لحساب الرب. أظهرت ميروز المدينة بكل سكانها جبنًا، أما المرأة الوحيدة في خيمتها فأظهرت شجاعة ضد الشر!
يُقَال أن ميروز مدينة اندثرت تمامًا كانت بالقرب من نهر قيشون، رأت جيش سيسرا هاربًا وربما رأت سيسرا نفسه يهرب فلم تبالي ولم تسند شعب دبورة وباراق.
صارت ياعيل مباركة أكثر كل نساء الخيام، قدمت لسيسرا اللبن (الزبدة) لتضربه بالوتد ومضراب العَملة (به يُضرب الوتد) في رأسه فسحقته، وصار قتيلًا عند رجليها... وكما قلنا أنها صورة لكنيسة الأمم التي ضربت بالإيمان بالصليب رأس الحية وسحقت إبليس تحت قدميها فاقدًا كل سلطان له عليها، بل وصار بها حياة.
بينما انتصرت ياعيل لحساب مملكة الرب كانت أم سيسرا في قلقها مع كبرياء قلبها تولول. لقد توقعت بطشه السريع بهذا الشعب ورجوعه بغنائم كثيرة مع مركباته. لكن إحدى النساء في القصر أجابتها ألاَّ تقلق فإنه منشغل بالغنيمة مع جنوده، يقتسم نساء إسرائيل ويسلب الثياب الثمينة المطرزة الوجهين... هذا ما اعتاد عليه هذا العدو قبلًا: يقتل الرجال (النفوس) ويقتنص النساء (الأجساد) كغنائم تعمل لحسابه ويستخدم كل مواهبهم (الثياب) للشر.

6. ختام التسبحة:

"هكَذَا يَبِيدُ جَمِيعُ أَعْدَائِكَ يَا رَبُّ. وَأَحِبَّاؤُهُ كَخُرُوجِ الشَّمْسِ فِي جَبَرُوتِهَا». وَاسْتَرَاحَتِ الأَرْضُ أَرْبَعِينَ سَنَةً." [31].

في بعض الترجمات "وأحباؤك"، تُشير إلى شعب الله الذي حطم الله عدوهم (إبليس) وأباده، فأشرقت كالشمس تزداد مجدًا وبهاءً وتشتد حرارتها بعد انبثاقها...
لتسترح أرضنا أي جسدنا في الرب من الشهوات والحروب، ما دام الرب نفسه هو العامل فينا العدو الحقيقي!


ملاك الرب وجدعون

إذ سقط الشعب تحت المذلة للمديانيين أرسل الله جدعون قاضيًا ومخلصًا للشعب.


1. إذلال المديانيين للشعب:

1 وَعَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، فَدَفَعَهُمُ الرَّبُّ لِيَدِ مِدْيَانَ سَبْعَ سِنِينَ. 2 فَاعْتَزَّتْ يَدُ مِدْيَانَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ عَمِلَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لأَنْفُسِهِمِ الْكُهُوفَ الَّتِي فِي الْجِبَالِ وَالْمَغَايِرَ وَالْحُصُونَ. 3 وَإِذَا زَرَعَ إِسْرَائِيلُ، كَانَ يَصْعَدُ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَبَنُو الْمَشْرِقِ، يَصْعَدُونَ عَلَيْهِمْ، 4 وَيَنْزِلُونَ عَلَيْهِمْ وَيُتْلِفُونَ غَلَّةَ الأَرْضِ إِلَى مَجِيئِكَ إِلَى غَزَّةَ، وَلاَ يَتْرُكُونَ لإِسْرَائِيلَ قُوتَ الْحَيَاةِ، وَلاَ غَنَمًا وَلاَ بَقَرًا وَلاَ حَمِيرًا. 5 لأَنَّهُمْ كَانُوا يَصْعَدُونَ بِمَوَاشِيهِمْ وَخِيَامِهِمْ وَيَجِيئُونَ كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ وَلَيْسَ لَهُمْ وَلِجِمَالِهِمْ عَدَدٌ، وَدَخَلُوا الأَرْضَ لِكَيْ يُخْرِبُوهَا. 6 فَذَلَّ إِسْرَائِيلُ جِدًّا مِنْ قِبَلِ الْمِدْيَانِيِّينَ. وَصَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ.

إذ استراح بنو إسرائيل أربعين سنة (قض 5: 31)، نسوا الرب وصنعوا الشر في عينيه، فأسلمهم ليد مديان للتأديب سبع سنوات، وكأن دائرة الخطية فالتأديب ثم الخلاص تتكرر.
جاء بنو مديان من نسل قطورة سرية إبراهيم (تك 25: 1-2)، وهم جماعة من البدو سكنوا شرقي وجنوب شرقي البحر الأسود. وكانوا مملوئين عنفًا حتى اضطر الإسرائيليون إلى الهرب من جورهم إلى الكهوف في الجبال [2]. وقد اتفقوا مع العمالقة وبني المشرق (قبائل من عرب البادية) على مضايقة الإسرائيليين، فكلما زرع الإسرائيليون قاموا بإتلاف الحقول مع سلب حيواناتهم، حتى لم يتركوا لهم القوت الضروري للحياة [4]. كانوا ينزلون إليهم كغزوات مثل الجراد في الكثرة [5] ليدمروا كل مالهم من مجيئك إلى غزة [4]، أي من الأردن حتى يصلون الحد الأقصى لإسرائيل في غزة.
هذه هي الصورة المتكررة لا في عصر القضاة فقط وإنما في حياة الإنسان اليومية، عندما يستريح عوض أن يشكر الرب ويسبحه إذا به ينساه فيسقط تحت مذلة الخطية التي تتسلم سلطانًا عليه خلال تراخيه فتسطوا على حقوله الداخلية وتفقده حتى قوته الضروري. وكل خطية تسحب معها خطية أخرى حتى تصير الخطايا كحملة من الجراد تسطو على القلب والفكر والأحاسيس وتبتلع كل إمكانيات الإنسان وطاقاته وتجرده من كل حيوية.



2. الحاجة إلى مخلص:

7 وَكَانَ لَمَّا صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ 8 أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ رَجُلًا نَبِيًّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، 9 وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ جَمِيعِ مُضَايِقِيكُمْ، وَطَرَدْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضَهُمْ. 10 وَقُلْتُ لَكُمْ: أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. لاَ تَخَافُوا آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ أَرْضَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي».

مضايقة المديانيين لإسرائيل إنما جذبته للصراخ لله من أجل الخلاص، فأرسل الله لهم نبيًا يكشف لهم جراحاتهم معلنًا لهم رحمة الله التي قوبلت بعصيانهم. وهكذا إذ لم يكرسوا قلوبهم للرب خلال الراحة سلمهم للضيق لأجل خلاصهم، وكأنه يلزمهم بالتوبة خلال مرارة التأديب.
وكما يقول القديس بفنوتيوس: [بينما ننشغل بغنى هذه الحياة وأطاييبها إذ تحلق بنا تجربة فجأة فتهددنا بخسارة أو بموت أحد الأعزاء لنا... فما يدفعنا للاقتراب نحو الله استهنا بالسير معه أيام ترفنا. هذه الدعوة الإلزامية غالبًا ما نجد لها أمثلة في الكتاب المقدس عندما نقرأ أنه بسبب خطايا بني إسرائيل يسلمهم لأعدائهم. وبسبب طغيان الأعداء وعبوديتهم القاسية يرجعون ثانية ويصرخون إلى الرب... في هذا يقول المرتل: [إذ قتلهم طلبوه ورجعوا وبكروا إلى الله، وذكروا أن الله صخرتهم والله العلي مخلصهم] (مز 78: 34-35). وأيضًا: "فصرخوا إلى الرب في ضيقهم فخلصهم من شدائدهم" (مز 107: 19)].
هكذا أرسل الرب لهم الضيق ليسحبهم للخلاص، وبعث إليهم نبيًا يكشف لهم عن محبة الله الفائقة، يقول لليهود أنه فينحاس بن العازار بن هرون. يبدو أن النبي تحدث معهم أثناء احتفالهم بأحد الأعياد، وكما هي العادة يذكرهم بأعمال الله مع آبائهم ليبعث فيهم روح الرجاء واليقين... خاصة أحداث الخروج من أرض العبودية وطرد الأمم من أمامهم ليرثوا أرض الموعد؛ الخط الواضح في معاملات الله مع شعبه في أغلب كتابات الأنبياء.



3. ظهور ملاك الرب لجدعون:

11 وَأَتَى مَلاَكُ الرَّبِّ وَجَلَسَ تَحْتَ الْبُطْمَةِ الَّتِي فِي عَفْرَةَ الَّتِي لِيُوآشَ الأَبِيعَزَرِيِّ. وَابْنُهُ جِدْعُونُ كَانَ يَخْبِطُ حِنْطَةً فِي الْمِعْصَرَةِ لِكَيْ يُهَرِّبَهَا مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ. 12 فَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَالَ لَهُ: «الرَّبُّ مَعَكَ يَا جَبَّارَ الْبَأْسِ». 13 فَقَالَ لَهُ جِدْعُونُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هذِهِ؟ وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟ وَالآنَ قَدْ رَفَضَنَا الرَّبُّ وَجَعَلَنَا فِي كَفِّ مِدْيَانَ». 14 فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الرَّبُّ وَقَالَ: «اذْهَبْ بِقُوَّتِكَ هذِهِ وَخَلِّصْ إِسْرَائِيلَ مِنْ كَفِّ مِدْيَانَ. أَمَا أَرْسَلْتُكَ؟» 15 فَقَالَ لَهُ: «أَسْأَلُكَ يَا سَيِّدِي، بِمَاذَا أُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ؟ هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي». 16 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «إِنِّي أَكُونُ مَعَكَ، وَسَتَضْرِبُ الْمِدْيَانِيِّينَ كَرَجُل وَاحِدٍ». 17 فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَاصْنَعْ لِي عَلاَمَةً أَنَّكَ أَنْتَ تُكَلِّمُنِي. 18 لاَ تَبْرَحْ مِنْ ههُنَا حَتَّى آتِيَ إِلَيْكَ وَأُخْرِجَ تَقْدِمَتِي وَأَضَعَهَا أَمَامَكَ». فَقَالَ: «إِنِّي أَبْقَى حَتَّى تَرْجعَ». 19 فَدَخَلَ جِدْعُونُ وَعَمِلَ جَدْيَ مِعْزًى وَإِيفَةَ دَقِيق فَطِيرًا. أَمَّا اللَّحْمُ فَوَضَعَهُ فِي سَلّ، وَأَمَّا الْمَرَقُ فَوَضَعَهُ فِي قِدْرٍ، وَخَرَجَ بِهَا إِلَيْهِ إِلَى تَحْتِ الْبُطْمَةِ وَقَدَّمَهَا. 20 فَقَالَ لَهُ مَلاَكُ اللهِ: «خُذِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ وَضَعْهُمَا عَلَى تِلْكَ الصَّخْرَةِ وَاسْكُبِ الْمَرَقَ». فَفَعَلَ كَذلِكَ. 21 فَمَدَّ مَلاَكُ الرَّبِّ طَرَفَ الْعُكَّازِ الَّذِي بِيَدِهِ وَمَسَّ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ، فَصَعِدَتْ نَارٌ مِنَ الصَّخْرَةِ وَأَكَلَتِ اللَّحْمَ وَالْفَطِيرَ. وَذَهَبَ مَلاَكُ الرَّبِّ عَنْ عَيْنَيْهِ. 22 فَرَأَى جِدْعُونُ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ، فَقَالَ جِدْعُونُ: «آهِ يَا سَيِّدِي الرَّبَّ! لأَنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَلاَكَ الرَّبِّ وَجْهًا لِوَجْهٍ.» 23 فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «السَّلاَمُ لَكَ. لاَ تَخَفْ. لاَ تَمُوتُ». 24 فَبَنَى جِدْعُونُ هُنَاكَ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ وَدَعَاهُ «يَهْوَهَ شَلُومَ». إِلَى هذَا الْيَوْمِ لَمْ يَزَلْ فِي عَفْرَةِ الأَبِيعَزَرِيِّينَ.

"وأتى ملاك الرب وجلس تحت البطمة التي في عُفرة التي ليوآش الأبيعزري، وابنه جدعون كان يخبط حنطة في المعصرة لكي يهربها من المديانيين، فظهر له ملاك الرب، وقال له: الرب معك يا جبار البأس" [11-12].
"ملاك الرب" هنا هو أحد ظهورات ابن الله، هذا واضح من قوله لجدعون: "أما أرسلتك...؟! إني أكون معك" [14-16]، فالملاك لا يرسل الأنبياء أو القضاة من عنده، ولا يقل [أنا أكون معك]، إنما هذه كلمات ابن الله الذي يعلن معيته مع رجال الله. وقد دُعي ابن الله "ملاك العهد" (مل 3: 1)، و[ملاك الحضرة] (إش 63: 9).
ظهر ابن الله جالسًا تحت شجرة البطمة في قرية "عفرة" التي تعني (غزالة) أو (ترابي "عفار")، تقع غربي الأردن، سكنها الأبيعازريون من سبط منسى، ربما كان بها مقدس (هيكل) قبل أيام الإسرائيليين، وهي قرية الطيبة التي تبعد حوالي ثمانية أميال شمالي بيسان. ظهر ابن الله لجدعون، الذي يعني اسمه "مخطب بشدة" أو "مصارع"، وكان يضرب سنابل الحنطة بالعصا لينتزع منها الحبوب، ربما لأنه أن قد فقد أدوات الدرس بسبب هجمات المديانيين. كان يخبط الحنطة خفية في معصرة، غالبًا ما كانت في كهف أو مغارة، حتى لا يراها المديانيون وينهبونها... هكذا كان حال الشعب في ذلك الحين.
يرى القديس أمبروسيوس في جدعون رمزًا للمخلص الحقيقي يسوع المسيح، فقد وُجد جدعون تحت البطمة وكأنه تحت ظلال حكمة الصليب الخشبة المحيية، وكان جدعون يخبط الحنطة بعصا وكأنه كان يتنبأ بما يفعله المخلص خلال التجسد العتيد أن يتم بطريقة سرية.
فالعصا في رأي القديس أمبروسيوسهي الصليب الذي يعزل الحنطة عن التبن، فيظهر القديسون المختارون المختفون من الذين هم بلا نفع بل نفاية. بالصليب يعلن الحق المُختبر (الحنطة) مفرزًا من أعمال الإنسان العتيق. تظهر الحنطة بالصليب في الكنيسة كما في المعصرة، لأن [الكنيسة هي معصرة الينبوع الدائم الذي يفيض بثمر الكرمة السماوية].
هكذا يعمل جدعون الحقيقي -السيد المسيح- داخل كنيسته كما في المعصرة، يضرب بصليبه سنابل الحنطة ليفرز الحبوب من التبن، ويهرب الحنطة من المديانيين [11] خفية حتى يقدمها طعامًا! يفرز الرب القديسين ويخفيهم فيه حتى لا يسلبهم عدو الخير بأعماله الشريرة (المديانيين)، فيقدمهم للرب طعامًا سماويًا، أو ثمر حقله السماوي المفرح!


نعود إلى الحوار الذي تم بين ملاك الرب وجدعون، فقد بدأ ملاك الرب بالتحية: "الرب معك يا جبار البأس" [12]. لعل جدعون كان معروفًا بالشجاعة والقوة، إن كان كما يقول هو: "هَا عَشِيرَتِي هِيَ الذُّلَّى فِي مَنَسَّى، وَأَنَا الأَصْغَرُ فِي بَيْتِ أَبِي" [15]. اختار الله جدعون الشجاع القوي لئلا يظن أحد أن الله لا يعمل إلاَّ بالضعفاء وقليلي المواهب... إنه بكثير أو قليل يخلص على كل حال قومًا. لكن فيما هو قوي وشجاع كان يدرك بالمذلة من جهة سبطه وعشيرته ومن جهة نفسه، فسبطه هو سبط منسى القليل العدد والكرامة فهو ليس بالسبط البكر جسديًا كرأوبين ولا من سبط اللاويين المقدس للرب... إلخ.، هو نفسه الأصغر بين إخوته في السن كما في الكرامة.
كان جدعون رمزًا للسيد المسيح "جبار البأس" إذ هو كلمة الله القدير الذي به كان كل شيء، القادر أن يقيم من الأموات ويخلق من العدم، وبالتجسد صار كمن هو أصغر الجميع، إذ صار عبدًا وخادمًا للبشرية، مرذولًا ومهانًا، يدخل حتى إلى موت الصليب!
كان جدعون أيضًا مملوءًا غيرة من جهة إخوته لهذا عندما قال ملاك الرب: "الرب معك يا جبار البأس"، أجاب: "أسألك يا سيدي إن كان الرب معنا فلماذا أصابتنا كل هذه؟ وأين كل عجائبه التي أخبرنا بها آباؤنا، قائلين: ألم يصعدنا الرب من مصر؟! والآن قد رفضنا الرب وجعلنا في كف مديان" [13]. لم يشك في كلمات الرب لكنه في دالة المحبة يعاتب إن كان الله معهم، ولم يقل "معي"، إذ لا يستطيع جدعون أن يتذوق معية الله الشخصية بينه وبين الله خارج الجماعة المقدسة، فكيف يُصاب الشعب بهذا كله بواسطة مديان؟! لا ينكر أعمال الله العجيبة مع آبائه، لكنه يستفسر إن كان الله معهم فلماذا لا يتمتع جيله بما تمتعت به الأجيال السابقة؟! حقًا ما أجمل قلب جدعون الحامل للغيرة المتقدة نحو إخوته في الرب، فيقف بقلب متسع وبدالة يعاتب الرب نفسه ليغتصب منه مراحمه!
"فالتفت إليه الرب (يهوه) وقال: اذهب بقوتك هذه وخلص إسرائيل من كف مديان، أما أرسلتك؟!" [14]. هنا يتحدث عن ملاك الرب أنه يهوه، الذي التفت إلى جدعون، فإذ أعلن جدعون غيرته ودخل مع الرب في حوار مفتوح استحق أن يكون موضوع التفاته، إذ يفرح الرب بقلب كهذا، فيلتفت ليستخدمه إناءً للبر. لقد سأله أن يذهب بقوته هذه، ربما يقصد بغيرته المقدسة، ولعله أراد توبيخه على اتكاله على قوته الشخصية... لكن الواضح من سياق الحديث أن الرب يدعوه للعمل، قائلًا: "أما أرسلتك؟!" وكأنه يقول: لا تخف مما أصابكم فإني أرسلك لأعمل بك كما عملت مع آبائك! وكما سبق فقال ليشوع: "أما أمرتك؟!" (يش 1: 9).
هنا يقف جدعون في اتضاع لا ليعتذر عن العمل وإنما ليغتصب العمل الإلهي بروح الاتضاع بقوله: "أسألك يا سيدي بماذا أخلص إسرائيل؟! ها عشيرتي هي الذلى في منسى وأنا الأصغر في بيت أبي" [15]. هنا يدعوه "سيدي" وبالعبرية "أدوناوي" אֲדֹנָי‎ وهو لقب خاص بالله وحده، يعترف جدعون بمذلة عشيرته وبصغره هو شخصيًا. هذا هو منهج كل العاملين بالحق في دائرة الرب، إذ يشعرون بضعفهم مع ثقتهم بالله العامل فيهم يتمتعون بالقوة. فنرى موسى يقول: "من أنا حتى أذهب إلى فرعون، وحتى أخرج بني إسرائيل من مصر؟!" (خر 3: 11)، فكانت إجابة الرب في الحال: [أنا أكون معك] (خر 3: 12). بنفس الروح يعلن إشعياء في بدء عمله النبوي: "ويل ليّ! إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين" (إش 6: 5)؛ وأيضًا يقول إرميا النبي: "آه يا سيد الرب، إني لا أعرف إن أتكلم لأني ولد" (أر 1: 6).


إذ تمتع جدعون بالدعوة للعمل بالرغم من اعترافه بضعفه وعجزه، وجاء الصوت الإلهي يؤكد معية الرب له وتقديم النصرة له، طلب جدعون علامة من الرب الذي يكلمه، قائلًا: "إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فاصنع ليّ علامة إنك أنت تكلمني" [17]. لماذا طلب جدعون علامة ليتأكد إن الذي يحدثه هو الرب؟ لعله استكثر على نفسه أن يرى الرب نفسه فحسب ما يحدث حلمًا أو خيالًا، أو لأنه استكثر على نفسه أن يتسلم رسالة كهذه فأراد التأكد من شخصية من يحدثه. أما العلامة التي طلبها فهي ليست عملًا خارقًا مجردًا وإنما أراد تقديم (منحة) للضيف ليعلن الرب قبوله هذه التقدمة. سأله أن ينتظر حتى يقدم له لحمًا (جدي معزى) في سل ومرقًا في قدر وفطيرًا أي خبزًا غير مختمر. فسأله ملاك الرب أن يضع اللحم والفطير على صخرة ويسكب المرق عليهما، إذ مدّ ملاك الرب طرف العكاز الذي بيده صعدت نار من الصخرة وأكلت اللحم، عندئذ اختفى ملاك الرب.
كانت العلامة أن ملاك الرب انتظر حتى يقدم جدعون التقدمة على الصخرة التي قامت بدور المذبح، فأرسل نارًا لتأكل التقدمة بعد سكب المرق عليها كماء يمنع من الاحتراق (1 مل 18: 33- 35)، معلنًا قبوله الإلهي للتقدمة (لا 9: 24؛ 1 مل 18: 38).
يقدم لنا القديس أمبروسيوس تفسيرًا روحيًا لهذا اللقاء، إذ يقول: [الصخرة تُشير إلى جسد المسيح، إذ مكتوب: "لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح" (1 كو 10: 4)... هنا يعلن بشكل سري أنه عندما يصلب جسد الرب يسوع تُنزع خطايا العالم كله، ليس فقط الخطايا الفعلية وإنما حتى شهوات الذهن الشريرة. فلحم جدي المعزى يُشير إلى الخطايا الفعلية، والمرق يشير إلى إغراءات الشهوات؛ كما هو مكتوب أن الشعب كان يشتهي اللحم فناحوا قائلين: "مَنْ يطعمنا لحمًا؟!" (عد 11: 4). إذ مد الملاك العكاز ولمس الصخرة فصدرت منها نار، هذه الحقيقة تعلن أن جسد المسيح الممتلئ بالروح الإلهي يحرق كل خطايا الطبيعة البشرية، لذلك قال الرب: "جئت لألقي نارًا على الأرض" (لو 12: 49)].
مرة أخرى يقول: [الشجرة التي وقف تحتها الملاك والعكاز الذي أمسك به يشيران إلى الصليب. الصخرة التي قدم عليها جدعون المحرقة هي المسيح، إذ يقول الرسول "والصخرة كانت المسيح" (1 كو 10: 4). جدي المعزى الذي ذُبح يُشير إلى الجنس البشري الذي ارتكب الخطية. كما نفهم حقيقة لمس الملاك للصخرة بالعكاز وانطلاق النار لتأكل جدي الماعز أنه الصليب الذي لمس الصخرة أي المسيح، فانطلقت نار المحبة لتبيد خطايا الجنس البشري. حقًا، المسيح -جدعون الحقيقي- يقول عن نفسه في الإنجيل: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟!" (لو 12: 49)].
إذ أعلن الرب قبوله تقدمة جدعون، كاشفًا عن سرّ الصليب الذي فيه تغفر خطايانا الفعلية كما شهواتنا الخفية في اسحقاقات الدم، حيث تنطلق نار الحب الإلهي لتبيد كل ضعف فينا، "ذهب ملاك الرب عن عينيه" [21]. هذا الانطلاق كان بطريقة فائقة لا نستطيع التنبؤ عنها، لكننا نعرف أنها هزت أعماق قلب جدعون حتى ظن أنه لا يقدر بعد أن يعيش إذ رأى الرب، فقال: "آه يا سيدي الرب، لأني رأيت ملاك الرب وجهًا لوجه" [22]، لكن الرب أجابه "السلام لك، لا تخف، لا تموت" [23].


خلال اختفاء ملاك الرب علم جدعون يقينًا أنه الرب، وأنه رآه وجها لوجه، فحسب أنه لن يعيش، كقول الرب لموسى: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش" (خر 33: 20). لكن الرب طمأنه، أنه وإن كان قد رآه إنما من قبيل تنازله الإلهي، كشف له ذاته في رؤيا قدر ما يحتمل حتى لا يموت.
وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفمفي مقاله "عدم إدراك طبيعة الله" على لسان الله: [لا أعلن جوهري ذاته، إنما أتنازل (في رؤى) بسبب ضعف هؤلاء الذي يرونني].
أمام هذا الحب الإلهي أقام جدعون مذبحًا تذكاريًا للرب، دعاه "يهوه شلوم" أي "الله سلام"، لأن الرب وهبه السلام، إذ حسب كلماته الإلهية "سلام لك" ليست تحية مجردة وإنما عطية إلهية تملأ أعماقه في الداخل، وتمس حياته بل وحياة كل الجماعة المقدسة.
ليت قلبنا يكون كعفرة الأبيعزريين والتي تعني (أبي معين)، فيه نلتقي مع جدعون بخطايانا الفعلية وأفكارنا الخفية على الصخرة لكي بالصليب يحرقها كما بنار إلهية، ونسمع صوت الرب [سلامًا أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب] (يو 14: 27). وليقم فيه مذبحًا إلهيًا يذكر أعماله الخلاصية على الدوام.

4. هدم مذبح البعل:

25 وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: «خُذْ ثَوْرَ الْبَقَرِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَثَوْرًا ثَانِيًا ابْنَ سَبْعِ سِنِينَ، وَاهْدِمْ مَذْبَحَ الْبَعْلِ الَّذِي لأَبِيكَ، وَاقْطَعِ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ، 26 وَابْنِ مَذْبَحًا لِلرَّبِّ إِلهِكَ عَلَى رَأْسِ هذَا الْحِصْنِ بِتَرْتِيبٍ، وَخُذِ الثَّوْرَ الثَّانِي وَأَصْعِدْ مُحْرَقَةً عَلَى حَطَبِ السَّارِيَةِ الَّتِي تَقْطَعُهَا. 27 فَأَخَذَ جِدْعُونُ عَشْرَةَ رِجَال مِنْ عَبِيدِهِ وَعَمِلَ كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ. وَإِذْ كَانَ يَخَافُ مِنْ بَيْتِ أَبِيهِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَعْمَلَ ذلِكَ نَهَارًا، فَعَمِلَهُ لَيْلًا.

إذ ظهر الله لجدعون، وتقدس الموضع بهذا الظهور لم يكن ممكنًا أن يبقى البعل مع الظهور الإلهي، ولا أن تقدم محرقات للرب مع ذبائح للبعل، لذلك سأل الرب جدعون أن يتصرف في الثور الذي كان أبوه يعبده للذبح قربانًا للبعل، وأن يهدم مذبح البعل (الشمس) الذي أقامه والده، ويقطع السارية التي عنده وهي عمود خشبي يقام في موضع مرتفع عنده تقدم العبادة للبعل والعشتاروت زوجته، كما أمره بتقديم ثور ابن سبع سنوات باسم الرب بعد أن يبني مذبحًا للرب، وأن يستخدم خشب السارية وقودًا للمحرقة.


لم يكن هذا الأمر الإلهي تصريحًا لممارسة العمل الكهنوتي على مستوى الجماعة، فهو ليس من سبط لاوي الذي كانوا في الغالب هاربين من الضيق غير قادرين على ممارسة العبادة العامة بطقوسها السليمة. ولا قدم المحرقة عند خيمة الاجتماع في شيلوه... وإنما كان هذا الأمر يمثل عملًا فرديًا استثنائيًا، غايته إذلال البعل والعشتاروت، خاصة أنه استخدم خشب السارية التي حطمها جدعون وقودًا للمحرقة عوض النار المقدسة.
ومن جهة أخرى فإن هذا العمل كما يقول القديس أمبروسيوس عمل نبوي وسرّ سماوي عتيدًا أن يتم، إذ يقول: [لاحظ الرجل الحكيم النبوي السرّ السماوي العتيد لذلك أطاع كلمات الوحي وقتل الثور الذي وضعه أبوه بجوار الوثن، مقدمًا ثورًا آخر ابن سبع سنوات ذبيحة للرب. بهذا العمل أظهر بوضوح شديد أنه بمجيء الرب تبطل كل الذبائح الوثنية وتبقى ذبيحة آلام الرب تُقدم الله كعمل تقوى للشعب. حقًا كان هذا الثور رمزًا للمسيح، لذلك كان ابن سبع سنوات، إذ في المسيح يحل ملء الفضائل السبع الروحية كقول إشعياء. لقد قُدم المسيح مرة في رمز جدي معزى، وأخرى كغنمة، وأيضًا كثور. كجدي معزى بكونه ذبيحة عن الخطايا، وكغنمة لأنه كان ذبيحًا باختياره (الوداعة)، وكثور بكونه تقدمة بلا عيب. هكذا سبق فرأى جدعون السرّ].

5. هياج المدينة عليه:

28 فَبَكَّرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الْغَدِ وَإِذَا بِمَذْبَحِ الْبَعْلِ قَدْ هُدِمَ وَالسَّارِيَةُ الَّتِي عِنْدَهُ قَدْ قُطِعَتْ، وَالثَّوْرُ الثَّانِي قَدْ أُصْعِدَ عَلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي بُنِيَ. 29 فَقَالُوا الْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: «مَنْ عَمِلَ هذَا الأَمْرَ؟» فَسَأَلُوا وَبَحَثُوا فَقَالُوا: «إِنَّ جِدْعُونَ بْنَ يُوآشَ قَدْ فَعَلَ هذَا الأَمْرَ». 30 فَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِيُوآشَ: «أَخْرِجِ ابْنَكَ لِكَيْ يَمُوتَ، لأَنَّهُ هَدَمَ مَذْبَحَ الْبَعْلِ وَقَطَعَ السَّارِيَةَ الَّتِي عِنْدَهُ». 31 فَقَالَ يُوآشُ لِجَمِيعِ الْقَائِمِينَ عَلَيْهِ: «أَنْتُمْ تُقَاتِلُونَ لِلْبَعْلِ، أَمْ أَنْتُمْ تُخَلِّصُونَهُ؟ مَنْ يُقَاتِلْ لَهُ يُقْتَلْ فِي هذَا الصَّبَاحِ. إِنْ كَانَ إِلهًا فَلْيُقَاتِلْ لِنَفْسِهِ لأَنَّ مَذْبَحَهُ قَدْ هُدِمَ». 32 فَدَعَاهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ «يَرُبَّعْلَ» قَائِلًا: «لِيُقَاتِلْهُ الْبَعْلُ لأَنَّهُ قَدْ هَدَمَ مَذْبَحَهُ».

"فأخذ جدعون عشرة رجال من عبيده وعمل كما كلمه الرب، وإذ كان يخاف من بيت أبيه وأهل المدينة أن يعمل ذلك نهارًا فعمله ليلًا... فقال أهل المدينة ليوآش: أخرج ابنك لكي يموت، لأنه هدم مذبح البعل وقطع السارية التي عنده" [27، 30].


يبدو أن يوآش كان منخرطًا في عبادة البعل بينما كان ابنه مقاومًا لهذا العمل، وكان هذا سببًا في اعتزال الابن عن أبيه، فكان له عبيده الخاصين به، اختار منهم عشرة رجال، ربما أكثرهم غيرة على عبادة الله الحيّ، فقام جدعون وعبيده بالعمل ليلًا خوفًا من بيت أبيه الأبيعزريين الذين تركوا عبادة الله وانحرفوا إلى عبادة الوثن، ومن أهل المدينة ربما يقصد الكنعانيين الذين كانوا يقطنونها قبلًا وبقوا مع الأبيعزريين.
من هم هؤلاء العبيد العشرة إلاّ الناموس بوصاياه العشرة، فقد أرسله الرب خادمًا للإنسان، يقوده إلى هدم مذبح الشر الداخلي والتمتع بذبيحة الصليب المحيية. أما بيت الأب وأهل المدينة فيمثلون ما أعلنه السيد المسيح أن أعداء الإنسان أهل بيته. أشد المقاومين للإنسان شهوات جسده وانحلال فكره وانحراف مشاعره، أما أخطر عدو فهو "الأنا ego" أو الذات البشرية، التي تربض داخل الإنسان لتقتل فيه كل فكر روحي حيّ.
لنتمسك إذن بالناموس الروحي في المسيح يسوع كعشرة رجال، ولنعمل بالرب بالرغم من كل مقاومة داخلية في الجسد أو الفكر أو الأحاسيس حتى تُصلب الذات ويتجلى الرب نفسه فينا كما في مذبحه أو هيكله السماوي.
نعود إلى جدعون لنجد أهل المدينة يبكرون، ربما ليعبدوا البعل عند شروق الشمس، بكونه إله الشمس وإذ رأوا ما حدث لإلههم ثاروا على جدعون، ربما لعلمهم أنه الرجل الغيور ضد الوثنية، ولما سألوا أباه أن يقتلوه، تأثر الأب بشجاعة ابنه فوقف مستهزئًا بهم، قائلًا: "أنتم تقاتلون للبعل أم تخلصونه... إن كان إلهًا فليقاتل لنفسه لأن مذبحه قد هُدم" [31]. إذ أخذ جدعون خطوة إيجابية في دحض الشر، تشددت النفوس الضعيفة كنفس أبيه، وأدرك البعض بطلان العبادة الوثنية العاجزة. وقد دعا يوآش هذا اليوم "يربعل" التي تعني (يحارب البعل)
أو كما يقول القديس إيريناؤس: [لأن يربعل تعني كرسي الحكم على البعل].

6. جدعون وجزّة الصوف:

33 وَاجْتَمَعَ جَمِيعُ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَبَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا وَعَبَرُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي يِزْرَعِيلَ. 34 وَلَبِسَ رُوحُ الرَّبِّ جِدْعُونَ فَضَرَبَ بِالْبُوقِ، فَاجْتَمَعَ أَبِيعَزَرُ وَرَاءَهُ. 35 وَأَرْسَلَ رُسُلًا إِلَى جَمِيعِ مَنَسَّى، فَاجْتَمَعَ هُوَ أَيْضًا وَرَاءَهُ، وَأَرْسَلَ رُسُلًا إِلَى أَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِمْ. 36 وَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: «إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ، 37 فَهَا إِنِّي وَاضِعٌ جَزَّةَ الصُّوفِ فِي الْبَيْدَرِ، فَإِنْ كَانَ طَلٌّ عَلَى الْجَزَّةِ وَحْدَهَا، وَجَفَافٌ عَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا، عَلِمْتُ أَنَّكَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ». 38 وَكَانَ كَذلِكَ. فَبَكَّرَ فِي الْغَدِ وَضَغَطَ الْجَزَّةَ وَعَصَرَ طَلاًّ مِنَ الْجَزَّةِ، مِلْءَ قَصْعَةٍ مَاءً. 39 فَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: «لاَ يَحْمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ فَأَتَكَلَّمَ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ. أَمْتَحِنُ هذِهِ الْمَرَّةَ فَقَطْ بِالْجَزَّةِ. فَلْيَكُنْ جَفَافٌ فِي الْجَزَّةِ وَحْدَهَا وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ لِيَكُنْ طَلٌّ». 40 فَفَعَلَ اللهُ كَذلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ. فَكَانَ جَفَافٌ فِي الْجَزَّةِ وَحْدَهَا وَعَلَى الأَرْضِ كُلِّهَا كَانَ طَلٌّ.



اجتمع المديانيون والعمالقة وبنو المشرق لمحاربة إسرائيل في وادي يزرعيل [33]، ويعتبر هذا الوادي في قلب فلسطين لهذا كثيرًا ما كان موقعًا للمعارك. يمتد هذا الوادي من جبل الكرمل إلى وادي الأردن، يعبر أحد فروعه بين جبل تابور وتل موره وآخر بين تل موره وجبل جلبوع. وقد حمل الوادي هذا الاسم عن مدينة كانت ذات شأن، حاليًا هي قرية زرعين، ويسمى الوادي حاليًا مرج ابن عامر.
إذ رأى جدعون اجتماع الأمم ونزولهم للحرب ضرب بالبوق بعد أن لبسه روح الرب، فاختفى جدعون في الرب كما يختفي الجسد في الثوب، وصار أداة لتحقيق غاية إلهية. والعجيب أن قومه الذين كان يخشاهم (أبيعزر) اجتمعوا وراءه للحرب، الأمر الذي حدث فجأة بقوة لا عن تأثير جدعون عليهم وإنما بلا شك هو عمل روح الرب الذي لبس جدعون، محولًا المقاومين إلى مجاهدين معه.
هذه صورة حيَّة تقوية يختبرها المؤمن حين يسلك بروح الرب الذي تمتع به خلال سري المعمودية والميرون، فبقدر ما يتجاوب معه يحول الله الجسد الذي كان مقاومًا بشهواته إلى أداة مقدسة تعمل بكل طاقاتها وأحاسيسها لحساب مجد الله، متناغمة مع النفوس المقدسة ومتجاوبة مع عمل روح الله.
تَشَجَّع جدعون إذ رأى عشيرته تتحول هكذا سريعًا، فدعا بقية السبط كله "جميع منسى" [35]، كما أرسل رسلًا لأسباط أخرى كأشير وزبولون ونفتالي... والعجيب أن أشير الذي خذل دبورة ولم يشترك معها في مقاومة سيسرا (قض 5: 17) جاء مع جدعون يشترك مع جبابرة زبولون ونفتالي. وكأن ضعف الإنسان في المعركة الروحية لا يعني الاستمرار في الاستسلام، فمن كان خائرًا من قبل وغير نافع للخدمة قد يصير جبار بأس في الروح. لذا فالقائد الروحي الحق لا يعتمد على الناجحين في جهادهم الروحي وحدهم وإنما يسند حتى الذين سبقوا ففشلوا لعله بروح الرب يقيمهم ويكونون قادة روحيين لهم عملهم وفاعليتهم في ملكوت الله.
الآن يطلب جدعون من الرب علامة ليخرج للحرب؛ في اتضاع سأله أن يكون طلّ على جزة صوف يضعها في البيدر بينما تكون الأرض كلها جافة، فتحقق له ذلك حتى عصر الجزة فملأت قصعة ماء. وبتذلل سأله علامة أخرى أن تكون الجزة جافة تمامًا والأرض بها طلّ... وكان لهاتين العلامتين مفهومًا روحيًا عبّر عنه كثير من الآباء:
يقول القديس أمبروسيوس: [الندى الذي على الجزة هو الإيمان الذي كان في اليهودية، لأن كلمة الله تنزل كندى. يقول موسى: [ليهطل كمطر تعليمي ويقطر كالندى كلامي] (تث 32: 2). هكذا عندما كان العالم كله جافًا بسبب حرارة الخزعبلات التي للأمم غير المثمرة، كان ندى الافتقاد السماوي ينزل على الجزة، أي في اليهودية. ولكن بعد أن رفضت "خراف... إسرائيل الضالة" (مت 15: 24) -حتى كما أظن قد رُمز إليها بجزة الصوف- ينبوع المياه الحية جف ندى الإيمان في قلوب اليهود وتحول المجرى الإلهي إلى قلوب الأمم. لهذا السبب فإن العالم كله الآن مرطب بندى الإيمان أما اليهود فحطموا أنبيائهم ومرشديهم. لا عجب إن كانوا الآن يخضعون لجفاف عدم الإيمان، فقد حرمهم الرب الإله من مطر الأنبياء المستمر، قائلًا: "أوصي الغيم إن لا يمطر عليه (على ذلك الكرم) مطرًا" (إش 5: 6). مكرّم هو مطر السحابة النبوية، وكما قال داود: "ينزل مثل المطر على الجزاز ومثل الغيوث الذارفة على الأرض" (مز 72: 6). لقد وعدتنا الكتب المقدسة بهذا المطر أن ينزل على العالم كله ويرويه عند مجيء ربنا ومخلصنا بندى الروح الإلهي. وقد جاء الندى بالفعل، وأيضًا المطر. جاء الرب ومعه الأمطار السماوية. لهذا من كان عطشانًا من قبل فليأتِ الآن ليشرب من الروح الإلهي الداخلي. هذا هو ما سبق فرآه جدعون، أن قبائل الأمم تشرب بالإيمان الثمين من الندى السماوي الحقيقي].
مرة أخرى يقول: [أخيرًا على كل الأرض كما في البيدر ارتوت الكنيسة بندى النعمة الروحية بينما بقى المجمع يابسًا وجافًا من كل رطوبة كلمة الله ومطرها].


يقول القديس أغسطينوس: [نزل المسيح نفسه كمطر على الجزة بينما كانت الأرض جافة، وذلك عندما قال: "لم أُرسل إلاّ إلى خراف بيت إسرائيل الضالة" (مت 15: 24)].
يقول القديس چيروم: [عندما كانت جزة اليهودية جافة بالرغم من أن كل العالم كان رطبًا بندى السماء، وعندما جاء كثيرون من المشارق والمغارب (لو 13: 29) وجلسوا في حضن إبراهيم (لو 16: 22)، عندئذ توقفت معرفة الله عن يهوذا وعن أن يكون اسمه عظيمًا في إسرائيل وحدها (مز 76: 1) فقد بلغ صوت الرسل إلى كل الأمم وأقوالهم إلى أقاصي المسكونة (مز 19: 4)].
يقول القديس إيريناؤس: [هكذا أشار (جدعون) أنه لا يعود يكون لليهود الروح القدس من الله، كقول إشعياء: أوصي الغيم أن لا يمطر مطرًا" (إش 5: 6)، فالندى إنما هو روح الله... منتشرًا في كل الأرض].
يعلق القديس أمبروسيوس على تحقيق هذه العلامة في البيدر (مكان جمع الحنطة) قائلًا: [لم يضع جدعون الجزة بغير مبالاة في حقل أو حديقة إنما وضعها في البيدر حيث يوجد محصول الحنطة، "فالحصاد كثير والفعلة قليلون" (لو 10: 2)، لأنه خلال الإيمان بالرب يوجد حصاد مثمر للفضائل في الكنيسة العتيدة]. وكما يعلق أيضًا على الماء الذي بالجزة، إذ ملأ قصعة لم يستخدمه جدعون في غسل الأرجل إنما تركه للسيد المسيح الذي وحده جاء لا لكي يُخدم بل لكي يخدم (مت 20: 28).


جدعون والمديانيون

اطمأن جدعون لمعية الله له، فبكر في محاربة المديانيين:

1. الله يخلص بالقليل:



1 فَبَكَّرَ يَرُبَّعْلُ، أَيْ جِدْعُونُ، وَكُلُّ الشَّعْبِ الَّذِي مَعَهُ وَنَزَلُوا عَلَى عَيْنِ حَرُودَ. وَكَانَ جَيْشُ الْمِدْيَانِيِّينَ شِمَالِيَّهُمْ عِنْدَ تَلِّ مُورَةَ فِي الْوَادِي. 2 وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلًا: يَدِي خَلَّصَتْنِي. 3 وَالآنَ نَادِ فِي آذَانِ الشَّعْبِ قَائِلًا: مَنْ كَانَ خَائِفًا وَمُرْتَعِدًا فَلْيَرْجعْ وَيَنْصَرِفْ مِنْ جَبَلِ جِلْعَادَ». فَرَجَعَ مِنَ الشَّعْبِ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلْفًا. وَبَقِيَ عَشَرَةُ آلاَفٍ. 4 وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «لَمْ يَزَلِ الشَّعْبُ كَثِيرًا. اِنْزِلْ بِهِمْ إِلَى الْمَاءِ فَأُنَقِّيَهُمْ لَكَ هُنَاكَ. وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هذَا يَذْهَبُ مَعَكَ، فَهُوَ يَذْهَبُ مَعَكَ. وَكُلُّ مَنْ أَقُولُ لَكَ عَنْهُ: هذَا لاَ يَذْهَبُ مَعَكَ فَهُوَ لاَ يَذْهَبُ». 5 فَنَزَلَ بِالشَّعْبِ إِلَى الْمَاءِ. وَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «كُلُّ مَنْ يَلَغُ بِلِسَانِهِ مِنَ الْمَاءِ كَمَا يَلَغُ الْكَلْبُ فَأَوْقِفْهُ وَحْدَهُ. وَكَذَا كُلُّ مَنْ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِلشُّرْبِ». 6 وَكَانَ عَدَدُ الَّذِينَ وَلَغُوا بِيَدِهِمْ إِلَى فَمِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةِ رَجُل. وَأَمَّا بَاقِي الشَّعْبِ جَمِيعًا فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ لِشُرْبِ الْمَاءِ. 7 فَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكَانِهِ». 8 فَأَخَذَ الشَّعْبُ زَادًا بِيَدِهِمْ مَعَ أَبْوَاقِهِمْ. وَأَرْسَلَ سَائِرَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ كُلَّ وَاحِدٍ إِلَى خَيْمَتِهِ، وَأَمْسَكَ الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ. وَكَانَتْ مَحَلَّةُ الْمِدْيَانِيِّينَ تَحْتَهُ فِي الْوَادِي.

بكر جدعون ومعه الشعب إلى عين حرود بينما كان جيش المديانيين الذي قُدّرَ بـ135 ألفًا من رجال الحرب عند تل مورة في الوادي.
"حرود" كلمة عبرية تعني (ارتعاد)، يبدو أنه دُعي هكذا بسبب ما حلّ بجيش المديانيين من رعدة واضطراب في هذه المعركة [19-22]. يُقال أنها "عين جلود" أو "عين جالوت" حُرفت من "حرود" خلال خطأ في السمع والنطق؛ تقع شمالي غرب جبل جلبوع أو جبل جلعاد، نحو ميل شرق جنوبي يزرعيل وبالقرب من بيسان. أما تل مورة فيبعد حوالي أربعة أميال من العين، ويُسمى جبل الدوحي ارتفاعه 1815 قدمًا عن سطح البحر، وهو بين جبل تابور (الطور) شمالًا وجلبوع (جبل فرقوع أو فقوعة) جنوبًا. أما كلمة "مورة" فكنعانية تعني (معلم).
كانت المعركة في الوادي حيث جاء جدعون من عين حرود والكنعانيون من تل مورة، ولعل مجيء جدعون إلى هذه العين لم يكن بلا معنى، فسرّ النصرة هي الإمكانيات الإلهية التي يتمتع بها المؤمن خلال ينبوع المعمودية التي دعيت بحرود (ارتعاد) لأنها تمثل رعبًا لإبليس. وقد جاءت جميع ليتورچيات الكنيسة الأولى تحمل خطين أساسيين هما جحد الشيطان بكل طاقاته والتمتع بإمكانيات الثالوث القدوس.
يقول العلامة ترتليان: [في الكنيسة تحت يد الأسقف نشهد أننا نجحد الشيطان وكل موكبه وملائكته].
ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [بعد ذلك تُمسحون على صدوركم لكي تلبسوا درع العدل وتثبتوا ضد حيل الشيطان. وكما أن المسيح بعد المعمودية وحلول الروح القدس خرج وحارب المعاند، هكذا أنتم أيضًا بعد المعمودية المقدسة والمسحة السرية تثبتون ضد القوة المضادة، لابسين سلاح الروح القدس الكامل، وتحاربون قائلين مع الرسول: "إني أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (في 4: 13)].
كان عدد الشعب الذي خرج مع جدعون حوالي 32 ألفًا، وقد استكثره الرب جدًا، قائلًا: "لئلا يفتخر عليّ إسرائيل قائلًا يدي خلصتني" [2]. مع أنه عدد قليل جدًا بالنسبة لجيش المديانيين، لكن الله أراد تأكيد النصرة لا بكثرة العدد وإنما بعمله الإلهي في القلوب النقية.
وكما يقول القديس غريغوريوس النيسي: [الله لا يُسر بالعدد].
أول عمل قام به هو المناداة في آذان الشعب: "من كان خائفًا ومرتعدًا فليرجع وينصرف من جبل جلعاد" [3]، وبالفعل رجع اثنان وعشرون ألفًا وبقى عشرة آلاف. للأسف كان الخائفون أكثر من ثلثي الجيش، هؤلاء يمثلون عددًا ليس بلا نفع فحسب وإنما بخوفهم ورعدتهم يفسدون القلة الشجاعة. وكما جاء في سفر التثنية: "من هو الرجل الخائف والضعيف القلب ليذهب ويرجع إلى بيته لئلا تذوب قلوب إخوته مثل قلبه" (تث 20: 8).


لم يكتفِ الرب بهذه التصفية، إذ يقول: "لم يزل الشعب كثيرًا" [4]، طالبًا منه أن ينزل بهم إلى الماء، ليفرز من يلغ بلسانه من الماء كما يلغ الكلب عن الذين يجثون على ركبهم للشرب، فكان عدد الذين ولغوا بيدهم إلى فمهم فهم ثلاثمائة رجل، هؤلاء هم الذين استخدمهم في الحرب، أما بقية الشعب فرجع كل واحد إلى مكانه. يرى البعض في الذين أخذوا الماء في أيديهم ولغوا بفمهم أكثر ضبطًا لأنفسهم من الذين شربوا من العين مباشرة وكأن الله انتقى ضابطي أنفسهم للعمل بهم. وكأن الله يعمل بالقلة القليلة جدًا ليحارب بهم من كانوا كالجراد في الكثرة وجمالهم لا عدد لها كالرمل الذي على شاطئ البحر في الكثرة [12].
ويرى القديس أغسطينوس أن رقم 300 يشير إلى الصليب، لأن حرف "T" الذي يحمل شكل الصليب يشير إلى رقم 300 في اليونانية.
ويقدم لنا القديس أمبروسيوس ذات التفسير إذ يقول: [اختار جدعون 300 رجلًا للمعركة لكي يظهر أن العالم كان يجب أن يتحرر من هجمات العدو الخطيرة بسر الصليب، لا خلال الجماهير الغفيرة، فإن حرف "T" في اليونانية يستخدم لرقم 300 ويحمل شكل الصليب].
ينطلق حاملوا الصليب (الثلاثمائة) للجهاد الروحي تحت قيادة جدعون الحقيقي، أما الجمهور الغفير فيرجع كل واحد إلى مكانه أو إلى "الأنا"، إذ لا يصلح للعمل الروحي. بمعنى آخر من لا يحمل سرّ الصليب في حياته إنما يتقوقع حول الذات، ليعمل لا لحساب الله بل لحساب ذاته.
حمل هؤلاء الرجال في أيديهم زادًا مع أبواقهم، وجاء في الترجمة السبعينية أنهم أخذوا الزاد والأبواق من الشعب، أي من الباقين الراجعين إلى خيامهم... ولعل هذا الزاد يُشير إلى الإيمان، والأبواق تُشير إلى كلمة الله، فإننا لا نستطيع أن ننزل إلى المعركة الروحية ضد إبليس وكل أعماله إلاّ بالإيمان والتمسك بكلمة الله، وكما يقول المرتل: "أتكلم بشهادتك قدام ملوك ولا أخزى... لك أنا فخلصني لأني طلبت وصاياك" (مز 119: 46، 94).

2. جدعون كرغيف شعير:

9 وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُ: «قُمِ انْزِلْ إِلَى الْمَحَلَّةِ، لأَنِّي قَدْ دَفَعْتُهَا إِلَى يَدِكَ. 10 وَإِنْ كُنْتَ خَائِفًا مِنَ النُّزُولِ، فَانْزِلْ أَنْتَ وَفُورَةُ غُلاَمُكَ إِلَى الْمَحَلَّةِ، 11 وَتَسْمَعُ مَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ، وَبَعْدُ تَتَشَدَّدُ يَدَاكَ وَتَنْزِلُ إِلَى الْمَحَلَّةِ». فَنَزَلَ هُوَ وَفُورَةُ غُلاَمُهُ إِلَى آخِرِ الْمُتَجَهِّزِينَ الَّذِينَ فِي الْمَحَلَّةِ. 12 وَكَانَ الْمِدْيَانِيُّونَ وَالْعَمَالِقَةُ وَكُلُّ بَنِي الْمَشْرِقِ حَالِّينَ فِي الْوَادِي كَالْجَرَادِ فِي الْكَثْرَةِ، وَجِمَالُهُمْ لاَ عَدَدَ لَهَا كَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ فِي الْكَثْرَةِ. 13 وَجَاءَ جِدْعُونُ فَإِذَا رَجُلٌ يُخَبِّرُ صَاحِبَهُ بِحُلْمٍ وَيَقُولُ: «هُوَذَا قَدْ حَلُمْتُ حُلْمًا، وَإِذَا رَغِيفُ خُبْزِ شَعِيرٍ يَتَدَحْرَجُ فِي مَحَلَّةِ الْمِدْيَانِيِّينَ، وَجَاءَ إِلَى الْخَيْمَةِ وَضَرَبَهَا فَسَقَطَتْ، وَقَلَبَهَا إِلَى فَوْق فَسَقَطَتِ الْخَيْمَةُ». 14 فَأَجَابَ صَاحِبُهُ وَقَالَ: «لَيْسَ ذلِكَ إِلأَّ سَيْفَ جِدْعُونَ بْنِ يُوآشَ رَجُلِ إِسْرَائِيلَ. قَدْ دَفَعَ اللهُ إِلَى يَدِهِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَكُلَّ الْجَيْشِ». 15 وَكَانَ لَمَّا سَمِعَ جِدْعُونُ خَبَرَ الْحُلْمِ وَتَفْسِيرَهُ، أَنَّهُ سَجَدَ وَرَجَعَ إِلَى مَحَلَّةِ إِسْرَائِيلَ وَقَالَ: «قُومُوا لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَفَعَ إِلَى يَدِكُمْ جَيْشَ الْمِدْيَانِيِّينَ». 16 وَقَسَمَ الثَّلاَثَ مِئَةِ الرَّجُلِ إِلَى ثَلاَثِ فِرَق، وَجَعَلَ أَبْوَاقًا فِي أَيْدِيهِمْ كُلِّهِمْ، وَجِرَارًا فَارِغَةً وَمَصَابِيحَ فِي وَسَطِ الْجِرَارِ. 17 وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا إِلَيَّ وَافْعَلُوا كَذلِكَ. وَهَا أَنَا آتٍ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ، فَيَكُونُ كَمَا أَفْعَلُ أَنَّكُمْ هكَذَا تَفْعَلُونَ. 18 وَمَتَى ضَرَبْتُ بِالْبُوقِ أَنَا وَكُلُّ الَّذِينَ مَعِي، فَاضْرِبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِالأَبْوَاقِ حَوْلَ كُلِّ الْمَحَلَّةِ، وَقُولُوا: لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ».



لم يكن هينًا أن يرى جدعون الله يفرز له 300 شخصًا فقط للعمل معه من حوالي 32 ألف، ليحارب 135 ألفًا من رجال الحرب، خاصة وأن الحرب ستكون في السهل حيث لا توجد حصون طبيعية أو مغاير تمنع سهام العدو، هذا مع قلة الإمكانيات أو العدة الحربية بسبب سلب المديانيين ونهب كل ما كان لديهم خلال سبع سنوات الاستعباد. بالإضافة إلى هذا لم يتدرب رجاله على الحرب سنوات طويلة، فلا يحملون خبرة. بمعنى آخر كان جدعون يقود رجالًا قليلي العدد، ومسلوبي العدة، وبلا خبرة ولا حصون؛ لكن كان معه الرب يهبه وعدًا بالنصرة. ولكي يثبت إيمانه سأله أن ينزل مع "فوره" غلامه أو خادمه، وربما كان حامل سلاحه، متنكرين وسط محلة المديانيين، إلى آخر المتجهزين [11] أي إلى آخر صفوف جيشهم المتهيئ للحرب، ليسمع بنفسه ويلمس الرعب الحالّ وسطهم من جهته.
هناك سمع وسط الأعداء رجلًا يخبر صاحبه أنه رأى في حلم "رغيف خبز شعير" يتدحرج في محلة المديانيين ويجيء إلى الخيمة ليضربها فتسقط، ويقلبها إلى فوق، كما سمع جدعون تفسير الحلم من مدياني آخر إذ يقول لمن هذا الحلم: "ليس ذلك إلاّ سيف جدعون بن يوآش رجل إسرائيل، قد دفع الله إلى يده المديانيين وكل الجيش" [14].
الشعير هو أرخص أنواع الخبز في فلسطين، يأكله الفقراء ويُقدم للحيوانات، وكأن الله يعلن حتى للعدو، أنه يحطم المديانيين بجدعون الذي يبدو في الضعف والفقر كرغيف من الشعير بلا ثمن! كنا نتوقع أن يرى العدو صخرًا يتدحرج إلى الوادي فيحطم من ينزل إليه، أما رغيف خبز الشعير يتدحرج فيحطم الخيمة الملوكية ويقلبها رأسًا على عقب فهذا كما فسر المدياني نفسه أنه عمل إلهي.
في وقد الضيق، لا يختبر المؤمنون وحدهم عمل الله معهم خلال تعزياته السماوية الفائقة، إنما يقف حتى المقاومين مندهشين أمام عمل الله بأولاده الذين يظهرون كرغيف خبز من الشعير!

3. هزيمة المديانيين:

19 فَجَاءَ جِدْعُونُ وَالْمِئَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ فِي أَوَّلِ الْهَزِيعِ الأَوْسَطِ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ قَدْ أَقَامُوا الْحُرَّاسَ، فَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. 20 فَضَرَبَتِ الْفِرَقُ الثَّلاَثُ بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ، وَأَمْسَكُوا الْمَصَابِيحَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُسْرَى وَالأَبْوَاقَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى لِيَضْرِبُوا بِهَا، وَصَرَخُوا: «سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ». 21 وَوَقَفُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ حَوْلَ الْمَحَلَّةِ. فَرَكَضَ كُلُّ الْجَيْشِ وَصَرَخُوا وَهَرَبُوا. 22 وَضَرَبَ الثَّلاَثُ الْمِئِينَ بِالأَبْوَاقِ، وَجَعَلَ الرَّبُّ سَيْفَ كُلِّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ وَبِكُلِّ الْجَيْشِ. فَهَرَبَ الْجَيْشُ إِلَى بَيْتِ شِطَّةَ، إِلَى صَرَدَةَ حَتَّى إِلَى حَافَةِ آبَلِ مَحُولَةَ، إِلَى طَبَّاةَ. 23 فَاجْتَمَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ أَشِيرَ وَمِنْ كُلِّ مَنَسَّى وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ.



إن كان الله يستخدم أقل القليل ليعلن فضل القوة لله لا منا لكنه يقدس العمل الإنساني، ولا يحَّقر من الحكمة البشرية، ولا يتجاهل الطاقات والمواهب. ففي حرب جدعون ضد المديانيين إن كان قد أفرز 300 رجلًا فقط للعمل لكنه وهب جدعون حكمة للعمل وتدبيرًا حسنًا، إذ قسّم الثلاثمائة إلى ثلاثة أقسام، كل قسم يحتل موقعًا في جانب من جوانب المحلة حول المديانيين، وجاء الكل ليلًا في الهزيع الثاني حيث كان الليل عند اليهود ينقسم إلى ثلاثة أقسام كل قسم 4 ساعات يبدأ القسم الأول بالساعة السادسة مساءً. وقد حمل كل رجل بوقًا ومعه جرة ومصباح. وفي الليل إذ كان الجيش المدياني في أغلبيته نائمًا عدا بعض الحراس، فوجئوا بأصوات أبواق من كل جانب دفعة واحدة، كما كسرّ الرجال الجرار ربما كل إنسان كسر جرته في جرة أخيه فأحدثت أصواتًا كأن العدد الحربية قد تشابكت معًا، هذا مع وجود المصابيح أو المشاعل من بُعد...
هذا كله جعل جنود المديانيين يقومون فجأة ويظن كل واحد أن المعركة قد دارت وتشابك الجيشان معًا، فصاروا يضربون بعضهم بعضًا بالسيوف إذ حسب كل منهم في الظلمة أن زميله من الجيش المضاد. ووقف رجال جدعون كل واحد في مكانه بينما دارت المعركة بين المديانيين وهم لا يدرون أنهم يقاتلون أنفسهم بأنفسهم.
تطلع المديانيون إلى بعيد فرأوا رجال جدعون بمصابيحهم من كل جانب عن بُعد فحسبوا إمدادات جديدة غير التي بينهم تقاتلهم، فاضطروا وسط الظلام أن يتركوا المحلة ويهربوا إلى بيت شطة [22] أو "بيت هشطة" التي تعني (بيت السنطة) حيث وجدت أشجار السنط، وهو موقع بين وادي يزرعيل وزراح في وادي الأردن.
ومن بيت شطة هربوا إلى صردة في سهل أفرايم في غور الأردن، اسمها يعني (مبرد) أو (بَرْد)، حاليًا ربما مدينة "صرتان" في وادي الأردن.
ومن هناك هربوا إلى حافة آبل محولة أي حدودها، اسمها يعني (حقل الرقص)، وتعرف حاليًا بتل المقلب بوادي الأردن، وإن كان البعض يرى أنها كانت غربي الأردن على بُعد 12 ميلًا جنوبي بيت شعان.
ومن حافة آبل محولة ذهبوا إلى طباه، وهي رأس أبو طابات. وكأن العدو كان هاربًا بلا مطاردة، لأن الرب نفسه كان يرعبهم، أو بمعنى آخر سلمهم لأعمالهم الشريرة التي تفقدهم سلامهم واستقرارهم ليعيشوا هاربين بلا توقف. وكما يقول الحكيم: "الشرير يُطرد بشره" (أم 14: 32)، "الشرير يهرب ولا طارد" (أم 28: 1). هكذا يهرب الشرير تارة إلى بيت هشطة أي بيت السنط لعله يقدر أن يستظل تحت الأشجار كأبويه آدم وحواء الهاربين من وجه الله، وأخرى ينطلق إلى صردة أي البرد الذي يحطم فيه كل حرارة روح، ومرة ثالثة ينطلق إلى حافة آبل حودة أي إلى حافة بيت الرقص لعل خلاعة هذا العالم وملذاته تقدر أن تهبه فرحًا وسلامًا... ولكنه في هذا كله يكون كطريد بلا راحة، إذ هو بعيد عن الله نفسه واهب السلام ومصدر الراحة الحقيقية.


والعجيب أنه وسط هذا الرعب الذي حل بالمديانيين وهروبهم بلا وعي من موقع إلى آخر طلب جدعون من ساكني جبل أفرايم أن ينطلقوا ليستولوا على كل مخاوض المياه من منطقة المديانيين حتى يبلغوا إلى بيت بارة إلى الأردن. و"بيت بارة" تعني (بيت بور) أو بيت الأراضي غير الصالحة للزراعة، تبعد حوالي 30 ميلًا شمال شرقي أورشليم، غالبًا هي بيت عبرة (بيت العبور أو الخوض) أو جنوبها قليلًا. وكان القصد من الاستيلاء على المياه تحطيم المديانيين تمامًا ومنعهم من الهروب.
ماذا يعني حرمان المديانيين من المياه؟ ربما تشير المياه إلى عطايا الله ونعمه، فإن كان إبليس قد استخدم حتى عطايا الله لنا ومواهبنا وطاقاتنا التي خلقها الله فينا لحساب شره (أي شر إبليس)، فإننا إذ نرجع إلى الرب ننسحب من العدو بكل طاقاتنا ومواهبنا، فلا يكون له فينا موضع، ولا يعود يجد في طاقاتنا آلات تعمل لحسابه بفكره الشرير. وهكذا يهلك العدو تمامًا بالنسبة لنا، ولا تكون له رجعة إلينا ولا مطمع فينا.

4. القبض على غراب وذئب:

24 فَأَرْسَلَ جِدْعُونُ رُسُلًا إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ قَائِلًا: «انْزِلُوا لِلِقَاءِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَخُذُوا مِنْهُمُ الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ». فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ وَأَخَذُوا الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ. 25 وَأَمْسَكُوا أَمِيرَيِ الْمِدْيَانِيِّينَ غُرَابًا وَذِئْبًا، وَقَتَلُوا غُرَابًا عَلَى صَخْرَةِ غُرَابٍ، وَأَمَّا ذِئْبٌ فَقَتَلُوهُ فِي مِعْصَرَةِ ذِئْبٍ. وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ وَأَتَوْا بِرَأْسَيْ غُرَابٍ وَذِئْبٍ إِلَى جِدْعُونَ مِنْ عَبْرِ الأُرْدُنِّ.

"وأمسكوا أميري المديانيين غرابًا وذئبًا، وقتلوا غرابًا على صخرة غراب، وذئبًا في معصرة ذئب، وتبعوا المديانيين، وأتوا برأسي غراب وذئب إلى جدعون من عبر الأردن" [25].
لم يقف الأمر عند حرمان المديانيين من المياه وإنما قتلوا إميريهم غرابًا وذئبًا، وأتوا برأسيهما إلى جدعون بعد أن تبعوا المديانيين في هروبهم، وقد دُعيت الصخرة التي قُتل عليها غراب بصخرة غراب، والمعصرة التي قُتل فيها ذئب بمعصرة ذئب.


إن كانت الحمامة تُشير إلى الروح القدس كما إلى الكنيسة المنقادة بالروح القدس، فالغراب يُشير إلى الروح الشرير كما إلى مملكة إبليس. ففي قصة نوح انطلق الغراب من الفلك ليعيش على الجثث الميتة، بلا عودة إلى نوح، وكأنه بالروح الشرير الذي انحدر من مركزه السماوي ونزل ليعيش على الفساد، ينتقل من جثة إلى جثة، متهللًا بموت الآخرين وفسادهم. وما يفعله الروح الشرير إنما يسكبه في حياة الأشرار الحاملين سماته والسالكين بفكره الدنس.
وكما يشير الحمل إلى السيد المسيح وإلى كل مؤمن اتحد به، هكذا يشير الذئب إلى عدو الخير إبليس الذي في طبعه الشراسة والافتراس، ساكبًا من هذا الروح على تابعيه، يفترسون الحملان الوديعة بلا ذنب.
بمعنى آخر فإن غرابًا وذئبًا أميري المديانيين يشيران إلى عدو الخير إبليس من جهة حبه للفساد (الغراب) والافتراس (الذئب)، لكننا إذ نرتبط بجدعون الحقيقي ربنا يسوع المسيح، نقتل في داخلنا كل شوق للدنس وكل ميل للعنف والافتراس، وكأننا نقتل فينا غرابًا وذئبًا.
والعجيب أن غرابًا وذئبًا قد قُتلا على صخرة وفي معصرة على التوالي، فإن كانت الصخرة تُشير إلى السيد المسيح كقول الرسول (1 كو 10: 4) والمعصرة تُشير إلى الكنيسة فإن عدو الخير إبليس بكل فساده وعنفه يفقد حياته وكيانه خلال إتحادنا بالسيد المسيح صخرتنا، وعضويتنا الروحية في الكنيسة.
في ختام هذه المعركة التي فيها غلب جدعون ورجاله غرابًا وذئبًا ورجالهما نستطيع أن نقول بين سرّ القوة يكمن في الطريق الروحي الذي انتهجه جدعون من جوانب عديدة:
أولًا: كان رجاله ثلاثمائة نسمة، وكما قلنا أعلنوا بهذا أنهم حاملوا الصليب.
ثانيًا: انقسموا إلى ثلاث فرق تعمل في وقت واحد وبروح واحدة تحت قيادة جدعون، وكأنهم بالكنيسة الحاملة سمة القيامة، لأن رقم 3 يشير إلى القيامة بعد الدفن في القبر مع السيد المسيح.


ثالثًا: حمل كل رجل بوقًا وهو كلمة الله المنذرة للنفس، وجرارًا تنكسر هي الأجساد المتنسكة خلال إماتتها عن شهواتها لتتقدس في الرب، ومصباحًا هو عمل نعمة الله التي تهب النفس استنارة.
رابعًا: قتلهم لغراب وذئب أي رفضهم لروح الفساد والشراسة.
هذا هو طريق الغلبة الروحية تحت قيادة السيد المسيح -جدعون الحقيقي- واهب النصرة.


 
قديم 06 - 07 - 2025, 06:09 PM   رقم المشاركة : ( 201897 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


تسبحة دبورة




يرى غالبية الدارسين أن تسبحة دبورة، والتي تُدعى "أغنية النصرة" أو "نشيد الغلبة"، من وضع دبورة نفسها، وضعتها بأسلوب شعري رائع وفي بلاغة تفوق أهل زمانها. لذلك فهي أقدم جزء في سفر القضاة.
ويرى العلامة أوريجانوس أن هذه التسبحة هي تسبحة الإنسان المجاهد، الذي يكون كدبورة أو النحلة، يترنم بها أثناء جهاده الروحي حيث يزعزع الرب الجبال الوعرة أمامنا واهبًا إيانا النصرة لكي نملك أبديًا.
والتسبحة تضم 31 عددًا، تنقسم إلى ثلاثة أقسام أو فصول كل قسم يتكون من 9 أعداد (3-11، 13-21، 22-30)، أما العددان 1، 2 فهما مقدمة للتسبحة، والعدد 12 مقدمة للقسم الثاني، والعدد 31 خاتمة التسبحة.
 
قديم 06 - 07 - 2025, 06:10 PM   رقم المشاركة : ( 201898 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


فَتَرَنَّمَتْ دَبُورَةُ وَبَارَاقُ بْنُ أَبِينُوعَمَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلَيْنِ: 2 «لأَجْلِ قِيَادَةِ الْقُوَّادِ فِي إِسْرَائِيلَ، لأَجْلِ انْتِدَابِ الشَّعْبِ، (تقدمهم للحرب باختيارهم)، بَارِكُوا الرَّبَّ" [1-2].

عند الضيق غالبًا ما يصرخ الإنسان طالبًا الخلاص، لكن عند الفرح نادرًا ما يرجع لله بالشكر والتسبيح لأجل أعماله معنا. لقد صرخ عشرة رجال برص، قائلين: "يا معلم ارحمنا" (لو 17: 13)، وإذ شفاهم رجع واحد منهم فقط ليمجد الله بصوت غريب وكان سامريًا، لذا قال الرب: "أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة؟! ألم يوجد من يرجع ليعطي مجدًا لله غير هذا الغريب الجنس؟!"
 
قديم 06 - 07 - 2025, 06:11 PM   رقم المشاركة : ( 201899 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


فَتَرَنَّمَتْ دَبُورَةُ وَبَارَاقُ بْنُ أَبِينُوعَمَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلَيْنِ: 2 «لأَجْلِ قِيَادَةِ الْقُوَّادِ فِي إِسْرَائِيلَ، لأَجْلِ انْتِدَابِ الشَّعْبِ، (تقدمهم للحرب باختيارهم)، بَارِكُوا الرَّبَّ" [1-2].

خلص الرب شعبه من سيسرا ويابين على يدي دبورة وباراق، انطلقت دبورة تسبح الرب ومعها باراق، لعلها وضعت التسبحة بإرشاد إلهي وقدمتها لباراق، فقادت دبورة النساء للعمل الملائكي التسبيحي وقاد باراق الرجال. عند عبور البحر الأحمر انطلق موسى بالتسبيح (خر 15: 1) ووراءه تمثل المريمات اللواتي أعلنَّ القيامة قبل التلاميذ وكان لهن النصيب الأول في التمتع ببهجة القيامة والتمتع بالرب القائم من بين الأموات.
ماذا قالا؟: "لأجل قيادة القواد في إسرائيل"، بمعنى أنهما يسبحان الله الذي عمل في القادة الذين تسلموا مركز القيادة في الحرب معرضين حياتهم للخطر من أجل إخوتهم. وكأن دبورة وباراق وهما يمجدان الله واهب النصرة لا يتجاهلان جهاد أحد وتعبه! وقد جاءت الترجمة السريانية والكلدانية: "لأجل انتقام إسرائيل"، أي من أجل ما وهبه الله لإسرائيل من قوة للانتقام من سيسرا.
 
قديم 06 - 07 - 2025, 06:11 PM   رقم المشاركة : ( 201900 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,338,087

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


فَتَرَنَّمَتْ دَبُورَةُ وَبَارَاقُ بْنُ أَبِينُوعَمَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلَيْنِ: 2 «لأَجْلِ قِيَادَةِ الْقُوَّادِ فِي إِسْرَائِيلَ، لأَجْلِ انْتِدَابِ الشَّعْبِ (تقدمهم للحرب باختيارهم)، بَارِكُوا الرَّبَّ" [1-2].
"لأجل انتداب الشعب" أي لقبولهم العمل (الحرب) طوعًا، فإن كان القادة قد تسلموا مواقعهم فالشعب أيضًا جاهد بفرح طوعًا.. وكأن النصرة الروحية إنما هي ثمر عمل الله في القادة كما في الشعب. ليتنا في الأعمال الناجحة ننسب الفضل كله لله، ولا نتجاهل دور القادة ولا الشعب.
لعل دبورة بقولها: "باركوا الرب" تطلب من القادة الذين كانوا أمناء في مواقعهم وللشعب الذي جاء طوعًا للعمل ألاّ تلهيهم النصرة من تقديم تسبحة الحمد لله والشكر لنعمته الغنية، وإنما يتمثلون بالرسول بولس القائل: "ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئًا كأنه من أنفسنا بل كفايتنا من الله" (2 كو 3: 5).
 
موضوع مغلق

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025