(و) التطورات الحديثة:
جاء القرن العشرين بالعديد من العوامل الحديثة التي أدت إلى تعقيد الموقف. وهذه العوامل خمسة في جملتها، والعاملان الأولان لهما تأثير مباشر، أما العوامل الثلاثة الأخرى فتأثيرهما غير مباشر:
(1) لقد شكلت البنادق الآلية سريعة الطلقات خطرًا كبيرًا على حيوانات الصحراء الضخمة التي كان يصعب الاقتراب منها. كما أن وسائل النقل السريعة وازدياد الثروات من البترول، جعلا الأمر أكثر سوءًا. ومنذ سنوات قليلة اعتبر "البقر الوحشي" الصحراوي من الحيوانات المهددة بالانقراض، كما تقلص بالفعل عدد الغزلان إلى حد بعيد.
(2) جذبت المنطقة في منتصف القرن العشرين علماء الحيوان وعلماء المحافظة على البيئة الطبيعية وعلى الحياة الحيوانية البرية.
ومع إنشاء المحميات الطبيعية وازدياد الاتجاه الإنساني في المحافظة على البيئة، أصبحت المنطقة غربي الأردن مكانًا ملائمًا لمعيشة الحيوانات من كل الأنواع، فالغزلان تعيش الآن في أمان. إلا أن هذا العامل لم يكن له تأثير على وجود البقر الوحشي، فأقرب مكان يوجد فيه الآن هو جنوبي الجزيرة العربية على بعد أكثر من ألف ميل.
(3) إن البرامج المكثفة لزراعة الأشجار في شكل غابات أو في شكل حزام أمان أخضر حول الطرق أو في البساتين، علاوة على إدخال نظام الزراعة المروية إلى مساحات شاسعة، كل هذا خلق بيئات جديدة وظروفًا مواتية أتاحت العديد من أنواع الحيوانات بخاصة الطيور، أن يعيش في ظروف أفضل تمامًا، فحمامة النخيل - مثلًا - وهى طائر أفريقي أصلًا، قد انتشرت الآن انتشارًا واسعًا حتى لقد أصبحت "آفة محلية"، ويبدو أنها السبب في اختفاء اليمام. ووصل البلبل الأفريقي من الجنوب وانتشر في الحدائق والبساتين، ومع أنه نافع للإنسان لأنه يتغذى على الحشرات إلا أنه يتغذى أيضًا على الفاكهة الناضجة.
(4) بدأت برامج استصلاح الأراضي بمعونات دولية، وتهدف إلى إعادة الغطاء الشجري لسفوح التلال، ويتم تشجيرها - غالبًا - بأنواع يمكن الإفادة من محاصيلها أكثر من الأنواع الأصلية، وبذلك تكون المحصلة النهائية مختلفة عن المجموع النباتي الأصلي، إلا أنها أصلح لمعظم أنواع الحياة الحيوانية من الأراضي العارية أو شبه العارية.
ويعتبر تجفيف مياه بحيرة "الحولة" نموذجًا مختلفًا لاستصلاح الأراضي، نتج عنه تغيير كبير في استخدام الأرض، فقد أصبحت مكانًا ملائمًا لإيواء الطيور المهاجرة، إلا أنها لم تعد بيئة مناسبة للحيوانات البرية الضخمة أو لأسراب الطيور المائية التي كانت تعيش فيها من قبل.
(5) كان من جراء تكثيف زراعة الأرض الصالحة للزراعة أن أصيبت بأوبئة خطيرة من القوارض وبخاصة "فأر الحقول". وكانت مقاومة هذه القوارض تتم بالمبيدات السامة القوية (مثل مركبات الثاليوم)، وتقوم الطيور والوحوش المفترسة بالتهام هذه القوارض المتسممة، فتموت بدورها من السموم، ثم تلتهمها حيوانات أخرى مثل ابن آوي والضبع والعقبان وغيرها فتموت بدورها. وقبل استدراك هذا الأمر، تناقصت أعداد بعض الحيوانات إلى عشر عددها الأصلي، مما يستلزم عشرات السنين من الحماية لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه. وقد نشأت سلسلة مماثلة من الأضرار نتيجة لاستخدام مبيدات حشرية ثابتة لا تتحلل.
وقد اتحدت كل هذه العوامل، حتى أصبحت البيئة فقيرة في المجموع النباتي والحيواني. وأقل الحيوانات تأثرًا هي الطيور المهاجرة وبخاصة الأنواع الصغيرة منها. أما الثدييات الكبيرة فقد تقلصت أعدادها بدرجة كبيرة، فلم تعد توجد إلا حيث تتوفر لها الحماية. وما زالت الماشية هي أكثر الحيوانات عددًا. ورغم ذلك حدث فيها تغير كبير، فتربى الآن الماشية والخراف والكتاكيت في حظائر ومزارع -وبخاصة في المستوطنات الصحراوية- بينما حلت الجرارات الآلية الآن محل الحمير والجياد والجمال في أعمال الزراعة. كما تستخدم الآن الدراجات والسيارات في الانتقال والترحال.