منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 26 - 05 - 2013, 11:19 PM
الصورة الرمزية Mary Naeem
 
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Mary Naeem غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,318,297

آدم ..
"وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا"
(تك 1 : 26)
آدم ..
مقدمة
قد لا يعرف التاريخ البشري شخصيات كثيرة اختلف حولها الكتاب والشعراء و رجال الدين والعلم والأدب والفلسفة والاجتماع والفن كما اختلفوا حول أبينا آدم، وقد لا يعرف التاريخ شخصيات كثيرة استعصت على الفكر البشري، واختلف الناس في الحكم عليها، وتنوعت وتباينت نظرياتهم ومذاهبهم وآراؤهم كما اختلفوا حول أول إنسان ظهر على هذه الأرض!! فمنهم من رفعه إلى قمة المجد، وألهه، كما فعل ايبكتيتوس الفيلسوف الرواقي القديم!! ومنهم من هوى به إلى أسفل وأحط الدركات، كما فعل منتاني، الذي رآه حيواناً قذراً من أحط وأقذر الحيوانات!! ومنهم من عاد به إلى أزمان قديمة، كصاحب نظرية النشوء والارتقاء؟! ومنهم من رده إلى عصور أقرب وأحدث، آخذاً بنظرية الكتاب، كما فعل تويبني أعظم مؤرخ في القرن العشرين، الذي كتب مؤخراً في مجلة اتلانتيك منثلي يقول: "إن عمر الجنس البشري لا يمكن لآن يزيد بحال ما على ستة آلاف سنة!!".
على أنه مهما تختلف هذه النظريات وتتنوع، ومهما يكن حظها من الاقتراب إلى الحق أو البعد عنه، فمما لا شبهة فيه، أن العصور الحديثة أخذت تؤكد -أكثر من أي وقت مضى- أن قصة آدم، كما وردت في الكتاب، هي أدق وأصح القصص عن الإنسان الأول، وأنها لا تتدانى أو تباري في الإيجاز والعمق والبساطة والجمال!! وأن البشر ية، كما يقول بروفيسور مور "لم تتقدم بعد خطوة واحدة، رغم القرون الطويلة، وراء الوصف الأخاذ المدون في سفر التكوين عن الخليقة"!!
كم يكون إذاً فذاً وجميلاً، ونحن ندرس شخصية أبينا آدم الأول، أن نقف قليلاً من هذه القصة، وما حف بها من قصص وتقاليد وأساطير ونظريات، لنخرج بصورة واضحة مجلوة عن آدم!! من هو!! وكيف جرب وسقط وعوقب؟!! وكيف خلص وأخذ طريقه مرة أخرى إلى الفردوس؟!!
آدم من هو؟!!
لا مندوحة، ونحن بصدد دراسة وتحليل شخصية آدم، من الاعتراف بأن شخصيته من أعقد وأعسر الشخصيات التي واجهها العقل البشري، وذلك لأنه فضلاً عن كونه أول وأقدم إنسان، وقد باعد بيننا وبينه التاريخ. ولم يترك لنا من قصته سوى بضع صفحات متناثرة هنا وهناك بين أساطير وتقاليد الشعوب، فإن المؤرخين والكتاب والشراح والمفسرين لا ينظرون إليه كشخصية مجردة منفردة تتميز وتختلف عن غيرها من الشخصيات، بل ينظرون إليه كمثال ورمز للجنس البشري بأكمله، بما في هذا الجنس من مزايا وعيوب وأمجاد وسقطات، ومن ثم عجزنا عن أن ندرك ملامحه الحقيقية، إذ اختفت شخصيته الخاصة وراء شخصيته الرمزية!! كما أن موسى عندما تحدث عنه لم يقصد أن يعطينا تاريخاً مفصلاً أو مجملاً لحياته بقدر ما آثر أن يرينا إياه كصنعة يدي الله، ونقطة البدء في التاريخ البشري، وكيف تفاضلت نعمة الله عليه، فأعدت له وللأجيال المنحدرة منه الفداء المجاني العجيب!!
على أنه مهما تكن الصعوبة في فهم شخصيته، مما لا شك فيه أن الجمال والحكمة، والعظمة كانت من أظهر صفاته!!
الجمال . .
ومن المؤكد أن آدم لم يكن جميلاً فحسب، بل لعله أجمل رجل خلق على هذه الأرض، وقد كان الربيون اليهود يعتقدون أن الله عندما أراد أن يصنعه، تمثل بشراً سوياً، ثم أبدعه على الصورة التي تمثل بها، وقد ساير الكثيرون في الكتاب المسيحيين هذه الفكرة، فقالوا أن آدم كان أشبه جماله بابن الله على جبل التجلي!! وسواء صح رأي هؤلاء أو أولئك أو لم يصح، فمن المؤكد أن آدم كان يتمتع بجمال مذهل أخاذ، وكيف لا يكون كذلك وهو ختام عمل الله المبدع في الخليقة؟!! وكيف لا يكون كذلك، وقد صنعه الله بكيفية متميزة متفردة عن غيره من المخلوقات؟!! فهذه كان يقول لها: لتكن فيكون؟!! أما هو فقد قال فيه: "لنعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" وقد اختلف الشراح في المقصود بصيغة الجمع الواردة في هذه العبارة، فذهب البعض إلى أنها دليل التعظيم والإجلال اللائقين بشخص الله، وهو دليل، فيما نعتقد ضعيف، لأن صيغة الجمع لم تظهر في لغة البشر كدليل التعظيم والإجلال عند الملوك وغيرهم من السادة والعظماء إلا في وقت متأخر نسبياً من التاريخ، ولو صح هذا المعنى لكان من اللازم أن تكون كل كلمة تقال من الله أو توجه إليه تعالى ترد في صيغة الجمع، لأنه هو وحده المتفرد في العظمة الدائمة الأبدية!! وذهب غيرهم إلى أن الله كان يتحدث في تلك اللحظة مع الملائكة وجند السماء!! وذهب آخرون إلى أنه كان يتحدث إلى الأرض ذاتها، وما بها من مخلوقات! على أن الرأي الراجح أن المقصود بصيغة الجمع هنا هو أن الله كان يتحدث إلى ذاته في الثالوث الأقدس العظيم!
وأن الإنسان بهذا المعنى، لم يخلق كغيره من المخلوقات السابقة، بل جاء نتيجة المشورة والتدبر والحكمة الإلهية الخاصة، أو في لغة أخرى، جاء وليد قرار خاص متميز منفرد عن غيره من قرارات الله! وهل يمكن لآن يحدث هذا دون أن يأتي آدم قطعة فريدة رائعة في الجمال؟!! يضاف إلى هذا كله، أن آدم خلق بدون خطية، فخلق بذلك محرراً من المرض والضعف والوهن والقبح والتشويه والدمامة التي تسببها الخطية!!.. وألا يتفق هذا مع التقليد اليهودي الطريف الذي يقول: أن آدم بعد أن طرد من جنة عدن قال للملاك الواقف لحراسة طريق شجرة الحياة: ولكن متى أعود إلى الجنة مرة أخرى؟!! فأجابه الملاك: عندما ترجع بالوجه الذي أعطاه لك الله في الجنة!!
أجل فلقد غيرت الخطيئة وجهه الجميل البريء الحلو، ورسمت عليه سحابة قاتمة سوداء من الظلال، بعد أن سلبته النقاوة والدعة والهدوء والبراءة والرقة والبهجة وغيرها من المقومات الأساسية الأصلية لكل جمال ملائكي دائم!!.
الحكمة . .
وقد اختلف الشراح والمفسرون في مدى الحكمة التي أوتيها آدم، فذهب بعضهم مذهب التقليد اليهودي الذي زعم أنه أوتي من الحكمة ما لم يؤته الأولون والآخرون، وأنه كان أعلى فهماً وإدراكاً من موسى وسليمان وغيرهما من الحكماء، بل ومن الملائكة أنفسهم، وأن الله قال لهؤلاء، عندما خلقه، أنه سيكون أكثر فطنة وحكمة منهم جميعاً، ولكي يبرهن على هذا جاء لهم بحيوانات البرية وطيور السماء، وطلب إليهم أن يدعوها بأسماء، فعجزوا، وعندما أحضرها إلى آدم قسمها جميعاً إلى أجناس وفصائل، ودعا كل ذات نفس باسمها الخاص كجنسها وفصيلتها .. وسار التقليد في طريقه الخيالي، فقال أن حكمة آدم ترجع في جوهرها إلى السماء التي أنزلت إليه جميع مفاتيح الحكمة والفهم البالغ عددها ألف وخمسمائة مفتاح وأن آدم فقد هذه المفاتيح بالسقوط إذ استردتها السماء مرة أخرى، وقد شارك بعض الكتاب المسيحيين الأوائل هذا الرأي، وأن يكن في غير جموح، إذ قالوا أن أرسطو الفيلسوف اليوناني العظيم كان مثل آدم في حكمته!!.. وذهب الرأي المعاكس إلى أن آدم لم يؤت من الحكمة شيئاً، وأنه كان أدنى إلى الطفولة الساذجة وعدم الفهم، ومن هنا نشأت أسطورة الإنسان الوحشي القديم!!. على أننا نعتقد أن كلا المذهبين غير صحيح، وأن كليهما مغرق في الخيال بعيد عن الواقع والحق.. لقد خلق آدم، كما يرى كل متأمل متعمق في قصة الكتاب ذا ملكات ومواهب، وخلقت له الجنة، ووضع فيها ليعملها ويحفظها، أو في لغة أخرى ليدرب هذه الملكات والمواهب، كما وضعت له شجرة معرفة الخير والشر، وحرمت عليه ثمرتها، لا لأن الله يريد أن يحرمه من معرفة الفارق بين الخير والشر بل لأنه يريد له هذه المعرفة، ولكن بطريقته هو لا بطريق الشيطان، كان الله يريد لآدم أن يعرف الخير، وبضده يمكنه معرفة الشر، وكان الشيطان يريد العكس، إذ يريد أن يعرف آدم الشر، وبضده يمكنه معرفة الخير! ومن هنا نعلم أن الجنة كانت مدرسة آدم ومركز تعليمه وتدربه! كما أن الأسلوب الرمزي الذي استعمله الله في تعليمه وتدريبه يشجع على الاعتقاد بأنه كان وسطاً في المعرفة والإدراك. وأنه كان يحتاج إلى زمن وكفاح طويلين، حتى يصل إلى ما تخيله له المغرقون في الخيال والتصوير من علم وإدراك وحكمة! يضاف إلى ذلك أن قصة الكتاب تشجعنا على الاعتقاد أن آدم كان أذكى من حواء وأقل عاطفة، أو في لغة أخرى، أنه كان يتفوق عليها في الذكاء، وكانت تتفوق عليه في العاطفة.. وإذا سرنا في طريق الاستطراد، يمكننا أن نقول ونحن نوازن بين عقله وقلبه، أن عقله كان أقوى من قلبه، وأكثر تنبهاً وأصالة وإدراكاً .. ولعل هذا هو السبب الذي جعل الشيطان يبدأ التجربة بالانفراد بالمرأة دون الانفراد به.
العظمة . .
وما من شك بأن آدم كان عظيماً، وإن كنا لا نتفق مع التقاليد اليهودية التي زعمت، بأنه كان مهيب الطلعة، رائع المنظر، فارع القوام، إلى درجة أنه كان يستطيع خوض المحيطات دون أن يغطيه ماؤها إلى النصف كما كان يمكنه أن يرى الأرض من أقصاها إلى أقصاها، وهو واقف على قدميه، وقد بدت عظمته هذه أمام الملائكة فأخطأوه ذات مرة وحسبوه الله فسجدوا له، لولا أنه زجرهم، ونبههم إلى شخصه، كما تقول ذات التقاليد، أن الله داس على رأسه بعد السقوط، فتقلص طوله، ومع ذلك بقى أطول رجل على ظهر الأرض!!
ومع ذلك، فمما لا شبهة فيه أن آدم كان عظيماً وكيف لا يكون كذلك. وقد خلقه الله على صورته وشبهه إذ قال: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا" ومن المتفق عليه أن الصورة والشبهة يفيدان معنى واحداً. وإن كانت كلمة الشبه تعتبر تأكيداً وتخصيصاً للصورة. إذ تعبر عن التماثل القوي الكائن بين الأصل والصورة. ولكن كيف يمكن لآن يكون آدم على صورة الله وشبهه، وكيف يمكن لآن يكون هناك تماثل بين الله وبينه؟!! لقد ظن البعض أن التماثل قائم في الشبه بين الله المثلث الأقانيم، والإنسان ذي الطبيعة المثلثة -في نظر هؤلاء- الروح والنفس والجسد، ولكن الكثيرين من المفسرين يستبعدون هذا التفسير، إذ يستبعدون التثليث في طبيعة الإنسان!! كما يستبعد الجميع، بداهة التماثل بين الإنسان من الوجهة البدنية، والله، إذ أن الله منزه عن اللحم والدم!!
والرأي المسلم به أن التماثل قائم أولاً بين الإنسان، من الوجهة الطبيعية، والله، أو في معنى آخر، بين الإنسان، كإنسان ذي ملكات خاصة، وبين الله، أو في تعبير آخر بين الإنسان، كشخص، وبين الله، كشخص.
فالإنسان هنا كشخص الله له مقومات الشخصية الثلاثة: الفكر، والشعور والإرادة، مع هذا الفارق الحاسم أن الله له هذه المقومات في كمالها اللانهائي بينما يحوزها الإنسان في المعنى الجزئي المحدود، فمثلاً هناك فرق بين فكر الله وفكر الإنسان، فالله هو الإله المدرك لذاته، والمدرك لكل شيء صنعه، وما إدراكنا نحن مهما امتد واتسع إلا كومضة ضعيفة باهتة، إزاء نور معرفته الكامل، وإدراكه اللانهائي، بل أن المسافة القائمة بين إدراك أي إنسان أو ملاك، وإدراك الله أكثر بما لا يقاس من المسافة القائمة بين إدراك الإنسان نفسه وإدراك الملاك، أو المسافة القائمة بين إدراك الطفل وإدراك الفيلسوف!!..
وما يقال عن الفكر يمكن أن يقال عن الشعور أيضاً، والشعور هو ذلك الإحساس المثير العام الذي ينهض في أعماق الشخصية ويعبر عما بها من عواطف وانفعالات!! وهو بهذا المعنى أساس كل ما نعرف أو نختبر من لذة أو بدونه يفقد الفكر حوافزه، والإرادة دوافعها ومحركاتها، وإذا جاز للشعور البشري أن يضعف أو يخبو فإن مشاعر الله هي النار الآكلة والوقائد الأبدية!!
وما يصح في القول عن الشعور يصح أيضاً في القول عن الإرادة، وفي الواقع، أن الإرادة -كما وصفها أحدهم- إن هي إلا النفس في العمل، أو النفس حين تضبط عن نفسها، ولا يمكن للأفكار أو المشاعر أن تنساب إلى الوقائع العملي، ما لم تكن هناك إرادة تحولها إلى ذلك!! وقد أعطى الله هذه الإرادة للإنسان واحترامها على الدوام فيه!!..
ويكفي الإنسان عظمة أن يكون على صورة الله وشبهه في هذه كلها، مهما يكن الفارق بينهما كالفرق بين شعاعة النور والشمس الكاملة!!..
على أن التماثل قائم أكثر من ذلك بين الإنسان، من الوجهة الروحية، وبين الله، إذ أنه لا يمكن أن يستريح أو يهدأ أو يشبع بعيداً عن الله ولو أعطيته الدنيا بأكملها، ولعل هذا ما حدا بتوماس كارليل أن يقول ذات مرة:
"إن شقاء الإنسان يرجع فيما أعتقد إلى عظمته، أو إلى اللانهائية الكامنة فيه، اللانهائية التي لم يستطع أن يغطيها أو يدفنها تحت نهائيته، ولو أن وزراء المال في أوربا الحديثة تكاتفوا مع تجار الأثاث والأطايب لما أمكنهم أن يحققوا السعادة لإنسان واحد من ماسحي الأحذية"..
كان ثلاثة من الشبان يزورون المتحف الأهلي بواشنطون، وقد توقفوا عند صندوق زجاجي بداخله عدة أباريق زجاجية، اثنان منها ممتلئان ماء، وبآخر مواد من جير وفسفور وحديد وكلسيوم، وبغيره أيدروجين ونيتروجين وأوكسجين، وكتب على الصندوق: جسد رجل يزن مائة وخمسين رطلاً، وقال الثاني: وهل هذا كل ما في؟! وهل لا يوجد ما هو أكثر؟!! فأجابه رجل كان واقفاً إلى جواره: نعم توجد نسمة القدير التي تجعل من كل هذه المواد إنساناً حياً!!.
وهنا عظمة الإنسان ومجده!! العظمة التي تجعلنا نغني مع شكسبير:
أي قطعة من العمل هذا الإنسان!!
كم هو رائع في عقله!!
لا نهائي في ملكاته!!
وفي صورته وحركته!!
وكم هو مندفع ومثير!!
في أعماله كملاك!!
وفي إدراكه كإله!!
رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع


الساعة الآن 04:06 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025