أقرب الناس إلينا قد يكونون أحياناً الأبعد عن قلوبنا

[Mary Naeem]

قصة إيرين غارزا… الثقة التي تحوّلت إلى لغز دام 57 سنة
في مساء هادئ من أبريل عام 1960، خرجت الشابة الجميلة إيرين غارزا، معلمة مرموقة وملكة جمال سابقة في الخامسة والعشرين، وكانت تبدو كعادتها مفعمة بالحياة.
كانت على وشك قضاء بضع دقائق في حديث تطمئن فيه قلبها مع الرجل الذي كانت تعتبره بمثابة والدها أو أخٍ أكبر لها:
جون فيت… الشخص الذي كانت تتعامل معه بثقة كاملة، وتروي له أمورها اليومية بعفوية دون أن يخطر ببالها أن القلق قد يقترب منها في يوم من الأيام.
لكن تلك الليلة تحديداً كانت مختلفة… دون أن يشعر بها أحد.
عندما لم تعد إيرين إلى منزلها، لم يصدق أحد أن شيئاً سيئاً قد حدث.
فهي فتاة مسؤولة وهادئة، لا تختفي فجأة.
بدأت العائلة تبحث، ثم الجيران، ثم الشرطة… لكن كل الدلائل كانت صامتة، وكأن المدينة محَت آثارها بيد خفية.
هذا الصمت كان أشبه بجرس إنذار، لكنه لم يُسمع إلا بعد فوات الأوان.
بعد خمسة أيام من البحث، ظهرت الحقيقة على سطح قناة ريّ في مدينة ماكآلن.
هناك، عُثر على جـثة إيرين.
التحقيقات كشفت أن ما حدث لها كان مروعاً:
ضرب… اعتـداء… ثم خنق.
لم تكن مجرد جريمة، بل مأساة كـسرت قلوب كل من عرفها.
ومنذ اللحظات الأولى، ظهر اسم واحد في دائرة الشبهة: جون فيت… الشخص الأقرب إليها في تلك الليلة.
رغم أن أصابع الاتـهام كانت موجّهة إلى فيت مبكراً، إلا أن نفوذه في عمله في تلك الفترة كان كافياً ليبعد الشبهات عنه… أو بالأحرى ليُبقي القضية عالقة دون تقدم حقيقي.
لم توجد أدلة كافية.
لم توجد شهادة قاطعة.
وبينما تمر الأيام، بدأت القضية تفقد حرارتها… ثم تبرد… ثم تتحول إلى لغز صامت امتد 42 عاماً.
في عام 2002، حدث ما لم يتوقعه أحد.
رجل كان يعرف جزءاً من الحقيقة ظهرت عليه علامات الندم، فأخبر السلطات بمعلومة خطـيرة حول اعتراف قديم سمعه من فيت نفسه.
كانت تلك الإفادة كافية لإعادة فتح الملف بعد أكثر من أربعين سنة من الصمت.
التحقيقات بدأت من جديد، والخيوط تقاطعت بطريقة جعلت الشك يتحول إلى يقين.
وفي عام 2016، تم اعتـقال جون فيت أخيراً.
وبعد محاكمة استمرت أسابيع، صدر الحكم في 2017:
السجن المؤبّد لجريمة قتـلت براءة فتاة كانت تثق به كما تثق بابٍ تُغلقه كل ليلة على الأمان.
قصة إيرين غارزا ليست مجرد جريمة.
إنها صراع بين الثقة والخطـر… بين الوجوه المألوفة والحقائق التي قد تخفيها.
درس مؤلم بأن أقرب الناس إلينا قد يكونون أحياناً الأبعد عن قلوبنا، وأن الحقيقة—وإن تأخرت نصف قرن—تجد طريقها في النهاية.