انتصار يوآب على بني عمون ومحاصرة ربة أن داود "أخرَجَ الشَّعْبَ الَّذِينَ بها وَنَشَرَهُمْ بِمَنَاشِيرِ ونوارِجِ حَدِيدٍ وفُؤُوس. وهكَذَا صَنَعَ داوُدُ لِكُلِّ مُدُن بَنِي عَمُّون. ثُمَّ رَجَعَ دَاوُدُ وَكُلُّ الشَّعْبِ إِلَى أُورُشَلِيمَ"(1أي 20: 3) وجاء في سفر صموئيل عن نفس الموقف: "وأَخْرَجَ الشَّعْبَ الَّذِي فِيهَا وَوَضَعَهُمْ تَحْتَ مَنَاشِيرَ وَنَوَارِجِ حَدِيدٍ وَفُؤُوسِ حَدِيدٍ وَأَمَرَّهُمْ فِي أَتُونِ الآجُرِّ، وَهكَذَا صَنَعَ بِجَمِيعِ مُدُنِ بَنِي عَمُّونَ" (2صم 12: 31). وربة عمون هي حاليًا مدينة "عمان" عاصمة الأردن، ولو أن داود قضى على كل رجال ربة بالمناشير ونوارج الحديد والفؤوس، وفعل هكذا في جميع مدن بني عمون لقضى على العمونيين تمامًا، ولكن هذا لم يحدث لأن العمونيين استمر تواجدهم في شرق الأردن، وتزوج سليمان الملك من عمونيات وبني مرتفعة لمولك إله العمونيين (1مل 11: 1، 7) وقام بنو عمون بغزو مملكة يهوذا في عصر الملك يهوياقيم (2مل 24: 2). ولذلك فالأقرب للفهم أن داود فعل هذا مع رجال الحرب فقط، أو أنه جعل بني عمون عبيدًا يعملون بالمناشير والنوارج والفؤوس، وهذا ما جاء في ترجمة كتاب الحياة: "وفرض على أهلها وعلى بقية مدن العمونيين العمل بالمناشير ومعاول الحديد والفؤوس" (1أي 20: 3)... "واستعبد أهلها وفرض عليهم العمل بالمعاول والمناشير والفؤوس وأفران الطوب. وعامل جميع أهل مدن العمونيين بمثل هذه المعاملة" (2صم 12: 31). ويقول "هـ. ل. أليسون": "وضعهم تحت مناشير، ربما كان المقصود استعبادًا قاسيًا متطرفًا أكثر منه مذبحة وقتلًا"
- حتى لو أخذنا بأن داود ارتكب كل هذه الأعمال الوحشية، فإن هذا يرجع بالمسئولية على داود الملك، وليس على الكتاب المقدَّس الذي يذكر دائمًا الأمور كما حدثت بالضبط بحلوها ومرها بدون تبرير ولا تجميل،ونحن لا نؤمن بعصمة إنسان مهما كان قدره إلاَّ في حالة تسجيله للأسفار المقدَّسة، أما في حياته الشخصية فهو من نفس عجينة البشرية المعرضة للخطأ والسقوط، فإن كان داود سقط في خطيتي الزنا والقتل، فليس بعيد عنه هذا الانتقام الذي كان سمة ذاك العصر، ومن الطبيعي أنه ليس من العدالة قياس أحداث قد حدثت منذ ثلاثين قرنًا بمقاييس اليوم.