صَلاةٌ مُتَواضِعَةٌ في قَرعِ صَدرِهِ
صَلّى العَشَّارُ وهو يَقرَعُ صَدرَهُ، دَلالةً على شُعورِهِ بِالخَطيئةِ واعترافِهِ بِمَسؤوليّتِهِ عن اختياراتِهِ وأفعَالِهِ. عَرَفَ حَقيقةَ نَفسِهِ، عَرَفَ أنَّهُ خاطِئٌ ولا يَستَحِقُّ شَيئًا، وأنَّهُ لا يَقدِرُ أن يَعيشَ دونَ رَحمةِ الله. فَهُوَ خاطِئٌ أَمامَ قَداسةِ الله، ومُحتاجٌ إلى رَحمَتِهِ وغُفرانِهِ، وَيَعلَمُ أنَّهُ سَيَهلِكُ حَتمًا إِنْ لَمْ يَنَلْ غُفرانًا لِخَطاياهِ. لِذلِكَ عَبَّرَ عن إيمانِهِ بتوبتِهِ وتواضُعِهِ، وَبِإنكارِهِ لِذاتِهِ، وَبِطَلَبِهِ لِرَحمَةِ الله وغُفرانِهِ. يَميلُ الإنسانُ المُتَواضِعُ إلى الاتِّجاهِ نَحوَ الله بِقَلبٍ تائِبٍ مُنسَحِقٍ، كَما جاءَ في سِفرِ المَزامير: "إِنَّما الذَّبيحَةُ للهِ رُوحٌ مُنكَسِر، القَلبُ المُنكَسِرُ والمُنسَحِقُ لا تَزْدَرِهِ يا الله" (مزمور 51: 19).
فَالبَحثُ عَنِ اللهِ هُوَ التِماسُ التَّواضُعِ (صفينا 2: 3)، والمُتَواضِعُ — باللُّغةِ اليونانيَّة πραΰς — يَجعَلُ خُضوعَهُ للهِ صَبُورًا ووَدِيعًا، كَما قالَ يسوع: "تَعلَّموا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ ومُتواضِعُ القَلب" (متى 11: 29).
ومِثلُ صَلاةِ العَشَّارِ المُتَواضِعَة، يَجعَلُ التَّواضُعُ الإنسانَ يَنفتحُ لِنِعمةِ اللهِ ويُمجِّدُه، لأَنَّ "الرَّبَّ يَضَعُ ويَرفَع" (1 صموئيل 2: 7)، و"قَبْلَ المَجْدِ التَّواضُع" (الأمثال 15: 33).
صَلّى العَشَّارُ بِرُوحٍ مُتَواضِعَةٍ، فَبِالرُّغمِ مِن خَطيئتِهِ، تَسامى على الفِرِّيسيِّ الَّذي كانَ يَتَفاخَرُ بِأصوامِهِ ودَفعِ العُشور. تَغَلَّبَ العَشَّارُ على الكِبرياءِ والمَجدِ الباطِلِ بتَواضُعِهِ. فاللهُ يَستَجيبُ لِصاحِبِ القَلبِ المُنسَحِقِ المُتَّكِلِ عَلَيه، لا لِصاحِبِ الاعْتِدادِ والمُكتَفِي بِذاتِهِ. إِنَّهُ يَقرَعُ صَدرَهُ، مُعتَرِفًا بِخَطاياهُ، كَمَن يَكشِفُ مَرضَهُ أمامَ الطَّبيب، ويَسأَلُهُ الشِّفاءَ والرَّحمَة.
شَعَرَ العَشَّارُ أَنَّهُ لا شَيءَ بِسَبَبِ خَطاياه، وشَعَرَ أَنَّ اللهَ وَحدَهُ يَغفِرُ خَطاياه. وَهذَا الشُّعورُ بِالانْسِحاقِ هُوَ الطَّريقُ المَقبولُ لِلحُصولِ على مَراحِمِ الله، إِذ رَبَطَ المَسيحُ التَّوبَةَ بِالتَّواضُع. فَالخاطِئُ شَخصٌ مَدينٌ، يُبرِئُهُ اللهُ مِن دَينِهِ بِالصَّفحِ عَنهُ (العدد 14: 19). ويُؤَكِّدُ المَسيحُ أَنَّ الإِبراءَ مَجَّانيٌّ، كَما قالَ لِسِمعانَ وهُوَ في بَيتِ الفِرِّيسيّ: "كانَ لِمُدايِنٍ مَدينانِ، ولَمْ يَكُنْ بِإِمكانِهِما أَن يُوفِيا دَينَهُما، فَأَعفاهُما جَميعًا (لوقا 7: 42). وهكذا يُصبِحُ قَرعُ صَدرِ العَشَّارِ صَدىً لِصَلاةِ التَّائِبِ الَّذي يَعرِفُ ذاتَهُ وَيَثقُ بِمَحبَّةِ اللهِ وغُفرانِهِ، فيَجِدُ الرَّاحَةَ في رَحمةِ اللهِ الَّذي "يُقَاوِمُ المُستَكبِرِينَ، وأمَّا المُتَواضِعونَ فيُعطيهِم نِعمَة" (يعقوب 4: 6)